عبدالعزيز الداخل
New member
- إنضم
- 26/11/2007
- المشاركات
- 429
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
هذا مقال أردت أن ألخص فيه ما أورده العلماء في فضل القرآن الكريم من الأدلة الصحيحة والنقول المليحة والتأملات السديدة ، وقد وجدت أن أفضل مدخل للحديث عن فضل القرآن الكريم هو وصف القرآن للقرآن فهو جامع لأصول فضائله ، والأحاديث النبوية بعدُ مبينة لذلك ومفصلة، وأقوال الأئمة منارات يهتدى بها في تفسير تلك المعاني ؛ فلا تكاد تجد معنى من المعاني الصحيحة التي دلت عليها هذه الأدلة إلا وجدت إماماً من الأئمة قد سبق إلى بيانه ، فبقي على المتأخر أن يتأمل ما كتبوه من المصنفات المفردة في فضائل القرآن وفي مقدمات التفاسير وفي تفسير الآيات الدالة على فضل القرآن الكريم، وما جمع أهل الحديث وصنفوا من الأحاديث في هذا الباب في دواوين السنة وشروحها، وما أفرده بعض الأئمة المحققين من المباحث الجليلة النافعة في كتبهم في هذا الباب العظيم.
ومهما يكن من شيء بعد .. فقد شرعت في هذا المقال منذ مدة ولم أتمَّه ؛ فإن يسَّر الله إتمامه فذلك ما كنا نبغي، وإن عاقت دون ذلك العوائق فقد طرَّقت للَّبيب الطرائق، والله يتولى الصالحين.
[line]-[/line]
الحمد لله الذي أنزل إلينا كتابه الكريم ، وجعله أفضل الكتب وأعظمها، وأكثرها بركة وأكرمها ، وجعلنا من خير أمة وأقومها، وأرسل إلينا أفضل رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل شريعته أحسن الشرائع وأكملها ، وأنزل إليه كتابه الكريم في خير ليلة وأشرف بقعة؛ فجمع له محاسن الفضائل، وأشرف الخصائل.
وبعد: فهذه وقفات ملخصة، وتأملات مستخلصة ، في بيان فضائل القرآن الكريم جمعت فيها خلاصة كلام أهل العلم في أبواب فضائله أرجو أن يتبصر بها اللبيب ويعتبر، ويتأملها فيدكر، فرب كلمة أورثت فكرة، وفكرة أحدثت تذكراً، وتذكر أثمر خشية وإيماناً ويقيناً وإخباتاً.
{سيذكر من يخشى}، {وإنما يتذكر من ينيب}، {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.
مدخل:
القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم منجماً على ثلاث وعشرين سنة.
فأول فضائله أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته ، وقد قال جماعة من السلف: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا يصح.
ومن فضائله أن أقسم الله تعالى به فقال: {والقرآن الحكيم} وقال: و{والقرآن المجيد} وقال:{والقرآن ذي الذكر}
وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه.
ومن فضائله أن وصفه الله بصفات جليلة جامعة لمعان عظيمة، مَن تأملها حق التأمل، وتأمل آثارها ولوازمها في الخلق والأمر انفتحت أبواب عظيمة من العلم واليقين.
فوصفه الله بأنه عليٌّ حكيم، ومجيد وكريم، وعزيز وعظيم، ومبارك وقيم، وأنه حق اليقين، وذو الذكر ، وأنه ذِكْرٌ وذكرى، وهدى وبشرى، وتذكرة وموعظة ، وبصائر ورحمة، ونور وبيان، وشفاء وفرقان.
وهذه الصفات العظيمة اختص الله ببركتها من آمن به واتبع هداه، وجعل على من كفر به وأعرض وتولى من ذلك حسرة وخساراً ، ومعيشة ضنكاً، ويحشره يوم القيامة أعمى.
وكل صفة من هذه الصفات باب عظيم يطلعك على ما وراءه من الكنوز العظيمة والمزايا الجليلة
ومن فضائل: أن رتب الله على تلاوة الأجور العظيمة.
فصل:
· فأما وصفه بأنه عليٌّ فقد قال تعالى: { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} وهذا الوصف يشمل علوَّ قدره ومنزلته ، وعلو صفاته، وتنزهه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف وسائر لا ما يليق بكلام الله تعالى من أوصاف النقص، وهذا الوصف له ما يقتضيه قال ابن كثير: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }بـيَّن شرفَه في الملأ الأعلى، ليشرِّفَه ويعظِّمَه ويطيعَه أهلُ الأرض ).
· وأما وصفه بأنه حكيم فيتضمن ثلاثة معانٍ:
أحدها : أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض كما قال تعالى: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وقال: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}.
والثاني: أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاؤوا أم أبوا، أما المنقادون لحكمه الشرعي فيجدون فيه بيان الحق فيما اختلفوا فيه، وأما المعرضون ففيه بيان ما يصيبهم من الجزاء النافذ فيهم في الدنيا والآخرة.
وهو كذلك حاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها كما قال تعالى: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}
وهو حاكم فيما اختلف فيه أهل الكتاب قبلنا كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون}، وقال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} .
والمعنى الثالث: أنه ذو الحكمة البالغة ، كما قال تعالى: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة}، وقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره فمن أخذها وعمل بها فقد أخذ الحكمة من أعظم مصادرها وأقربها وأيسرها، وفي تفسير قول الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}
قال أبو الدرداء في تفسير الحكمة: (قراءة القرآن والفكرة فيه) رواه ابن ابي حاتم.
وقال ابن عباس: (يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (الحكمة : الفقه في القرآن). رواه ابن جرير
وروي نحوه عن مجاهد وأبي العالية الرياحي ومقاتل بن حيان.
وروي عن غيرهم أوجهاً أخرى في تفسير الحكمة لا تعارض ما سبق لأن أصل الحكمة ومجامعها في القرآن الحكيم .
· وأما وصفه بأنه مجيد فيتضمن معنيين:
- أحدهما: أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
وذلك أن وصف المجد في اللغة يستلزم عدداً من صفات الكمال والجلال والعظمة التي يكون بها الموصوف مجيداً.
فكل صفة عظيمة يوصف بها القرآن هي من دلائل مجده.
- والمعنى الآخر: أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
- قال الشافعي رحمه الله : (من قرأ القرآن عظمت قيمته).
- ولا تجد كتاباً يعظِّمُ تاليه كما يعظِّم القرآن أصحابَه ويشرفهم ويكرمهم ويعلي منزلتهم.
روى الإمام أحمد والنسائي وجماعة من أهل الحديث بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل أهلين من الناس »
قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟
قال : « أهل القرآن ؛ أهل الله وخاصته ».
فأضافهم الله إلى كتابه وأضافهم إلى نفسه جل وعلا، وسماهم أهله وهل شرف يداني هذا الشرف؟!، وهل مجد فوق هذا المجد؟!
وما ظنك بإكرام الله لأهله؟!.
· وأما وصفه بأنه عزيز فيتضمن عِزَّةَ القَدْرِ وَعِزَّة الغَلَبة وعزَّة الامتناع:
- فأما عزة القَدْرِ فلأنه أفضل الكلام وأحسنه، يعلو ولا يعلى عليه ، ويحكم ولا يحكم عليه، يغيِّر الدول والأحوال ولا يتغير.
قال الله تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ومن يضلل الله فما له من هاد}وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد )).
وهو عزيز القدر عند الله وعند الملائكة وعند المؤمنين
قال أبو المظفر السمعاني: ({وإنه لكتاب عزيز} أي: كريم على الله ). وروي ذلك عن ابن عباس.
- وأما عزة قدره عند المؤمنين فبينة ظاهرة ، ولا توجد أمة من الأمم تعتني بكتابها وتجله كما يجل المسلمون القرآن حتى إنهم من إجلالهم للقرآن يجلون حامل القرآن كما في سنن أبي داوود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
وهذا كله من عزة قدره.
وأما عزة غلبته فلأن حججه غالبة دامغة لكل باطل كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} وحجج القرآن أحسن الحجج وأبينها وأبعدها عن التكلف والتعقيد وأقربها إلى الفطرة الصحيحة والعقل الصريح وأعظمها ثمرة وفائدة، مَنْ عقلها تبين له الهدى، واستبانت له سبل الضالين، ومَنْ حاجَّ بها غَلَب ، ومن غَالبها غُلِب.
ومن عزة غلبته أنه غلب فصحاء العرب وأساطين البلاغة فلم يقدروا على أن يأتوا بمثله، ولا بمثل سورة واحدة منه، وقد تحدى الله المشركين الذين يزعمون أنه من أساطير الأولين وأنه قول البشر أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا حتى أقروا بذلك وهم صاغرون كما قال الوليد بن المغيرة على كفره : (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر ) رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وأما عزة الامتناع فلأن الله تعالى أعزَّه وحفظه حفظاً تاماً من وقت نزوله إلى حين يقبضه في آخر الزمان كما قال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تستطيعه الشياطين، ولا يمكن لكائد مهما بلغ كيده أن يبدله أو يحرفه أو يزيد فيه أو ينقص منه شيئاً.
فهو محفوظ من الشياطين، محفوظ من كيد الكائدين، لا يصيبه تبديل ولا تغيير، يقرأ على مر السنين والقرون كما أنزل لا يخرم منه حرف، ولا يبدل منه شيء.
* وأما وصفه بأنه كريم ؛ فوصف له دلائله الباهرة ومعانيه الخفية والظاهرة فهو كريم على الله ، كريم على المؤمنين، كريم في لفظه، كريم في معانيه، مُكَرَّم عن كل سوء، مكرِّمٌ لأصحابه، كثير الخير والبركة، كريم لما يجري بسببه من الخير العظيم الذي لا يقدر قدره إلا الله.
وكلام المفسرين في معنى وصف القرآن بأنه كريم يدور حول هذه المعاني، وكل جملة من هذه الجمل لو تأمل الناظر دلائلها وآثارها لانفتح له من أبواب العلم والإيمان والفضل العظيم ما لا يكاد ينقضي منه العجب.
ولعل هذا يطلعك على بعض معاني القسم العظيم الجليل الذي أقسمه الله تعالى في سورة الواقعة إذ قال جل وعلا: {فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم}
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا القسم، ويجتهد في إدراك نصيبه من هذا الكرم.
ومهما يكن من شيء بعد .. فقد شرعت في هذا المقال منذ مدة ولم أتمَّه ؛ فإن يسَّر الله إتمامه فذلك ما كنا نبغي، وإن عاقت دون ذلك العوائق فقد طرَّقت للَّبيب الطرائق، والله يتولى الصالحين.
[line]-[/line]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل إلينا كتابه الكريم ، وجعله أفضل الكتب وأعظمها، وأكثرها بركة وأكرمها ، وجعلنا من خير أمة وأقومها، وأرسل إلينا أفضل رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجعل شريعته أحسن الشرائع وأكملها ، وأنزل إليه كتابه الكريم في خير ليلة وأشرف بقعة؛ فجمع له محاسن الفضائل، وأشرف الخصائل.
وبعد: فهذه وقفات ملخصة، وتأملات مستخلصة ، في بيان فضائل القرآن الكريم جمعت فيها خلاصة كلام أهل العلم في أبواب فضائله أرجو أن يتبصر بها اللبيب ويعتبر، ويتأملها فيدكر، فرب كلمة أورثت فكرة، وفكرة أحدثت تذكراً، وتذكر أثمر خشية وإيماناً ويقيناً وإخباتاً.
{سيذكر من يخشى}، {وإنما يتذكر من ينيب}، {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.
مدخل:
القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم منجماً على ثلاث وعشرين سنة.
فأول فضائله أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته ، وقد قال جماعة من السلف: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا يصح.
ومن فضائله أن أقسم الله تعالى به فقال: {والقرآن الحكيم} وقال: و{والقرآن المجيد} وقال:{والقرآن ذي الذكر}
وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه.
ومن فضائله أن وصفه الله بصفات جليلة جامعة لمعان عظيمة، مَن تأملها حق التأمل، وتأمل آثارها ولوازمها في الخلق والأمر انفتحت أبواب عظيمة من العلم واليقين.
فوصفه الله بأنه عليٌّ حكيم، ومجيد وكريم، وعزيز وعظيم، ومبارك وقيم، وأنه حق اليقين، وذو الذكر ، وأنه ذِكْرٌ وذكرى، وهدى وبشرى، وتذكرة وموعظة ، وبصائر ورحمة، ونور وبيان، وشفاء وفرقان.
وهذه الصفات العظيمة اختص الله ببركتها من آمن به واتبع هداه، وجعل على من كفر به وأعرض وتولى من ذلك حسرة وخساراً ، ومعيشة ضنكاً، ويحشره يوم القيامة أعمى.
وكل صفة من هذه الصفات باب عظيم يطلعك على ما وراءه من الكنوز العظيمة والمزايا الجليلة
ومن فضائل: أن رتب الله على تلاوة الأجور العظيمة.
فصل:
· فأما وصفه بأنه عليٌّ فقد قال تعالى: { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} وهذا الوصف يشمل علوَّ قدره ومنزلته ، وعلو صفاته، وتنزهه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف وسائر لا ما يليق بكلام الله تعالى من أوصاف النقص، وهذا الوصف له ما يقتضيه قال ابن كثير: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }بـيَّن شرفَه في الملأ الأعلى، ليشرِّفَه ويعظِّمَه ويطيعَه أهلُ الأرض ).
· وأما وصفه بأنه حكيم فيتضمن ثلاثة معانٍ:
أحدها : أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض كما قال تعالى: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وقال: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}.
والثاني: أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاؤوا أم أبوا، أما المنقادون لحكمه الشرعي فيجدون فيه بيان الحق فيما اختلفوا فيه، وأما المعرضون ففيه بيان ما يصيبهم من الجزاء النافذ فيهم في الدنيا والآخرة.
وهو كذلك حاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها كما قال تعالى: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}
وهو حاكم فيما اختلف فيه أهل الكتاب قبلنا كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون}، وقال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} .
والمعنى الثالث: أنه ذو الحكمة البالغة ، كما قال تعالى: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة}، وقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره فمن أخذها وعمل بها فقد أخذ الحكمة من أعظم مصادرها وأقربها وأيسرها، وفي تفسير قول الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}
قال أبو الدرداء في تفسير الحكمة: (قراءة القرآن والفكرة فيه) رواه ابن ابي حاتم.
وقال ابن عباس: (يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (الحكمة : الفقه في القرآن). رواه ابن جرير
وروي نحوه عن مجاهد وأبي العالية الرياحي ومقاتل بن حيان.
وروي عن غيرهم أوجهاً أخرى في تفسير الحكمة لا تعارض ما سبق لأن أصل الحكمة ومجامعها في القرآن الحكيم .
· وأما وصفه بأنه مجيد فيتضمن معنيين:
- أحدهما: أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
وذلك أن وصف المجد في اللغة يستلزم عدداً من صفات الكمال والجلال والعظمة التي يكون بها الموصوف مجيداً.
فكل صفة عظيمة يوصف بها القرآن هي من دلائل مجده.
- والمعنى الآخر: أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
- قال الشافعي رحمه الله : (من قرأ القرآن عظمت قيمته).
- ولا تجد كتاباً يعظِّمُ تاليه كما يعظِّم القرآن أصحابَه ويشرفهم ويكرمهم ويعلي منزلتهم.
روى الإمام أحمد والنسائي وجماعة من أهل الحديث بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل أهلين من الناس »
قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟
قال : « أهل القرآن ؛ أهل الله وخاصته ».
فأضافهم الله إلى كتابه وأضافهم إلى نفسه جل وعلا، وسماهم أهله وهل شرف يداني هذا الشرف؟!، وهل مجد فوق هذا المجد؟!
وما ظنك بإكرام الله لأهله؟!.
· وأما وصفه بأنه عزيز فيتضمن عِزَّةَ القَدْرِ وَعِزَّة الغَلَبة وعزَّة الامتناع:
- فأما عزة القَدْرِ فلأنه أفضل الكلام وأحسنه، يعلو ولا يعلى عليه ، ويحكم ولا يحكم عليه، يغيِّر الدول والأحوال ولا يتغير.
قال الله تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ومن يضلل الله فما له من هاد}وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد )).
وهو عزيز القدر عند الله وعند الملائكة وعند المؤمنين
قال أبو المظفر السمعاني: ({وإنه لكتاب عزيز} أي: كريم على الله ). وروي ذلك عن ابن عباس.
- وأما عزة قدره عند المؤمنين فبينة ظاهرة ، ولا توجد أمة من الأمم تعتني بكتابها وتجله كما يجل المسلمون القرآن حتى إنهم من إجلالهم للقرآن يجلون حامل القرآن كما في سنن أبي داوود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
وهذا كله من عزة قدره.
وأما عزة غلبته فلأن حججه غالبة دامغة لكل باطل كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} وحجج القرآن أحسن الحجج وأبينها وأبعدها عن التكلف والتعقيد وأقربها إلى الفطرة الصحيحة والعقل الصريح وأعظمها ثمرة وفائدة، مَنْ عقلها تبين له الهدى، واستبانت له سبل الضالين، ومَنْ حاجَّ بها غَلَب ، ومن غَالبها غُلِب.
ومن عزة غلبته أنه غلب فصحاء العرب وأساطين البلاغة فلم يقدروا على أن يأتوا بمثله، ولا بمثل سورة واحدة منه، وقد تحدى الله المشركين الذين يزعمون أنه من أساطير الأولين وأنه قول البشر أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا حتى أقروا بذلك وهم صاغرون كما قال الوليد بن المغيرة على كفره : (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر ) رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وأما عزة الامتناع فلأن الله تعالى أعزَّه وحفظه حفظاً تاماً من وقت نزوله إلى حين يقبضه في آخر الزمان كما قال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تستطيعه الشياطين، ولا يمكن لكائد مهما بلغ كيده أن يبدله أو يحرفه أو يزيد فيه أو ينقص منه شيئاً.
فهو محفوظ من الشياطين، محفوظ من كيد الكائدين، لا يصيبه تبديل ولا تغيير، يقرأ على مر السنين والقرون كما أنزل لا يخرم منه حرف، ولا يبدل منه شيء.
* وأما وصفه بأنه كريم ؛ فوصف له دلائله الباهرة ومعانيه الخفية والظاهرة فهو كريم على الله ، كريم على المؤمنين، كريم في لفظه، كريم في معانيه، مُكَرَّم عن كل سوء، مكرِّمٌ لأصحابه، كثير الخير والبركة، كريم لما يجري بسببه من الخير العظيم الذي لا يقدر قدره إلا الله.
وكلام المفسرين في معنى وصف القرآن بأنه كريم يدور حول هذه المعاني، وكل جملة من هذه الجمل لو تأمل الناظر دلائلها وآثارها لانفتح له من أبواب العلم والإيمان والفضل العظيم ما لا يكاد ينقضي منه العجب.
ولعل هذا يطلعك على بعض معاني القسم العظيم الجليل الذي أقسمه الله تعالى في سورة الواقعة إذ قال جل وعلا: {فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم}
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا القسم، ويجتهد في إدراك نصيبه من هذا الكرم.