الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : ــ
فإنني استعنت بالله تعالى في كتابة شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر وذلك من الدروس المسجلة التي ألقاها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
وذلك لما رأيت في هذا الشرح على وجازته من الفوائد العظيمة سواء كان ذلك في التعريف برواة الحديث والأئمة المخرجين للأحاديث أو بيان منزلة الحديث من ناحية الصحة والضعف وبيان الأحكام الشرعية والترجيح بين الأقوال والتوفيق بينها مع بيان أدلة كل فريق، ولما لسماحته من المكانة العظيمة في قلوب المسلمين عموما وطلاب العلم خصوصا فإنني أرجو أن أكون أديت بعض الواجب نحو هذا الإمام الجليل من أئمة المسلمين .
ويسرني أن أقدم لكم هذه الدروس التي قمت بنسخها على شكل حلقات وهذه الحلقة الاولىوسأواصل إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول رحمه الله ( الحمد لله ) بعد التسمية يقول الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا .
الشرح : من عادة المؤلفين أنهم يبدأون بالتسمية ويثنون بالحمدله تأسيا بكتاب الله العزيز لأنه بدئ بالتسمية والحمد لما جمعه الصحابة جعلوا الفاتحة في أوله .
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مخاطباته ومراسلاته فكان يسمي الله جل وعلا .
وعملا بالحديث المشهور (( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أجذم )) وفي بعض الروايات (( فهو أبتر )) يعني ناقص البركة .
وفي بعضها (( بالحمد )) وفي بعضها (( بذكر الله ))
وقد جرى الأئمة على البدء بالتسمية والحمد له .
والحمد لله سبحانه وتعالى : هو الثناء عليه بجميع المحامد مع محبته وتعظيمه وإجلاله سبحانه وتعالى .
ونعم الله كثيرة كما قال الله عزوجل (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) وهي ظاهرة وباطنة
منها ما هو باطن يعرفه الإنسان من نفسه ويدري عنه من نفسه ولا يعلمه الناس ومنها ما هو ظاهر يعرفه كل أحد ونعم الله الظاهرة كثيرة مما أوجد لنفع العباد من السماء والأرض وأنهار وبحار وثمار وأنعام تنفع الناس وشمس وقمر ينتفع بها الناس إلى غير ذلك من نعم الله العظيمة .
وأعظمها بعث الأنبياء عليهم الصلاة السلام . فبعث الرسل وإنزال الكتب لهداية الخلق وإرشادهم إلى أسباب النجاة كل هذا من نعمه العظيمة .
ومنها ما هو باطن كون الإنسان يؤمن بربه ويعطيه الله من قوة الإيمان واليقين والشوق إليه سبحانه وتعالى والأنس بمناجاته وذكره جل وعلا .
وما يتاح للعبد من صحة وعافية في بدنه وما له وأولاده فنعم الله لا تحصى لا ظاهرها ولا باطنها
(( والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد ))
والصلاة تطلق على الثناء من الله عزوجل على عبده في الملأ الأعلى كما قال أبو العالية رحمه الله التابعي الجليل .
وتطلق على الثناء (( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ))
يعني يثني عليكم ويرحمكم جل وعلا .
فإذا جمع بين الصلاة والرحمة كانت الصلاة بمعنى الثناء ، والرحمة بمعنى الإحسان والجود والكرم كما قال عزوجل في حق الصابرين (( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة )) أي ثناء من الله من الله ورحمة لهم . بتوفيقهم وتصبيرهم وإنزال السكينة على قلوبهم إلى غير ذلك .
النبي : من النبأ والإخبار يعني ينبىء عن الله ويخبر عن الله وعما كان فيما مضى وعما يكون في المستقبل .
والرسول : لأنه مرسل أرسله الله إلى أهل الأرض يبلغهم أمر الله ونهيه وافضل الرسل وأكرمهم وأعظمهم شأنا هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وكلهم عظيم وكلهم جليل عليهم الصلاة والسلام . اختارهم الله عزوجل للرسالة وشرفهم بالعبودية الخاصة عليهم الصلاة والسلام .
ولكن خاتمهم وأفضلهم وإمامهم هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .
ويشرع لنا الإكثار من الصلاة والسلام عليه فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (من صلى على واحدة صلى الله عليه بها عشرا )
وجاء الكتاب والسنة بالدلالة على شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه كما قال الله عزوجل ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا وسلموا تسليما )
والآية تدل على شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه وأن ذلك قربة عظيمة أمر الله عزوجل بها وجاء ت السنة بذلك أيضا في مواضع مطلقا وفي مواضع مقيدا
بعد الأذان إذا انتهى المؤذن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقو ل اللهم رب هذه الدعوة التامة وكذا يوم الجمعة وعند الدعاء يحمد ربه ويصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام ثم يدعو وذلك من أسباب الإجابة وعند ذكره عليه الصلاة والسلام
ويصلي على أصحابه واتباعه تبعا له عليه الصلاة والسلام كما جاء في السنة.
( وعلى آله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا ) هذا هو الواقع فقد نصروا دينه فالصحابة الكرام نصروا دينه وأيدوه وجاهدوا في سبيل الله كسروا كسرى وقصروا قيصر ونصروا دين الله رضي الله عنهم وأرضاهم وهكذا أتباعهم ورثوا علمهم لهم حق في الصلاة والسلام والدعاء لهم تبعا وقد ساروا على نهج الصحابة في العلم والعمل والتوجيه إلى الخير فلهم منا جزيل الدعاء رحمة الله عليهم وأكرم مثواهم وجزا هم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا
والعلماء ورثه الأنبياء كما جاء في الحديث الشريف من طرق كثيرة (أكرم بهم وارثا وموروثا) فالعلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا علمهم فالأنبياء . ما ورثوا دينارا ولا درهما . ما بعثهم الله لجمع الدراهم ولا ليكنزوا الدنيا وإنما بعثوا ليبلغوا رسالات الله ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (نحن معا شر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) فالأنبياء لا يورثون لأنهم ما أرسلوا ليجمعوا الدنيا وليس من شأنهم جمع الدنيا وإنما جاءوا ليبلغوا رسالات الله وينفقوا الدنيا للدعوة إلى الله وللتأليف على دين الله
فلهذا ما خلفوه فهو صدقة يقوم ولي الأمر بعدهم بتصريفه في وجوه الخير ونفع المسلمين فالعلماء هم وراثهم كما جاء في الحديث . ( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) وفي لفظ ( كفضلي على أدناكم ) وقال ( والعلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذة أخذ بحظ وافر ) فالعلماء وراث الأنبياء في علمهم وتبليغ رسالة الله وإرشاد الناس إلى دين الله فجدير بطالب العلم أن يعنى بهذا الأمر وأن يكون له فيه اجتهاد كامل وحرص عظيم ليحصل تركة الأنبياء ليرثوا الأنبياء بالعلم
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه خرج ذات يوم إلى السوق وقال للناس أنتم هاهنا وتركة النبي صلى الله عليه وسلم تقسم في المسجد فذهب الناس إلى ذلك لينظروا فإذا هي حلقات العلم فقالوا لهم هذه تركة محمد عليه الصلاة والسلام هذا أرثه هو العلم النافع والتوجيه إلى الخير والنشر لدين الله من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام
ولذا قال المؤلف (أكرم بهم وارثا وموروثا ) وارثا وهم العلماء وموروثا وهو محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة .
ثم بين رحمه الله أنه ألف هذا الكتاب المختصر وهو بلوغ المرام وهو كما قال المؤلف مختصر حذف أسانيده ولم يكثر المتون ويبلغ عددها ألفا وخمسمائة تقريبا ما بين حديث مطول وما بين حديث مختصر بالإشارة وبالطرف لكنها أمهات في الأحكام محررة مهذبة وهي أصول ينبني عليها غيرها من الأدلة الحديثية والأحكام الشرعية .
والحديث : هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم و أفعاله وما أقر عليه هو أقواله وأفعاله وتقريراته هذا هو الحديث الشريف .
( للأحكام الشرعية )الأحكام جمع حكم وهو مقتضى الأدلة الشرعية من واجب ومحرم ومكروه ومندوب ومباح فالأحكام الشرعية هي متقضى الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله يقال له الأحكام .
وهي أقسام خمسة :
الواجب والمحرم والمكروه والمندوب والمستحب والمباح ويضاف إليها صحة العقود وبطلانها .
كلها أحكام أخذت من الأدلة الشرعية ودلت عليها الأدلة الشرعية فالحكم تقضى
الدليل من إيجاب شئ أو تحريمه أو كراهته أو استحبابه أو إباحته أو صحته أو بطلانه .
( حررته تحريرا بالغا أي تاما قد بالغ فيه ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا تحريرا بالغا أي مبالغا من صحة الحديث أو ضعفه أو ما فيه من علة قد اعتنى رحمه الله بهذا عناية تامة.
أي في العلم والفضل من اعتنى به وحفظه نبغ في العلم والفضل على زملائه الذين لم يعنوا كعنايته
( وليستعين به الطالب المبتدي ولا يستغني عنه الراغب المنتهي )
وهو كتاب ينفع الطالب المبتدي نفعا كبيرا ‘ ولا يستغني عنه من بلغ في العلم القمة لأن فيه أمهات الأحاديث وأمهات الأدلة وكل محتاج إليها الطالب المبتدي والراغب المنتهي كل محتاج إلى ما فيه من الأحاديث العظيمة( وقد بينت )أي أوضحت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة وصدق في ذلك وقد بين ذلك في هذا الكتاب لإرادة نصح الأمة لأن بيان من خرج الأحاديث بيان صحتها وضعفها لا شك أنه من نصح الأمة والدين النصيحة
والنصيحة لأي مؤلف كان أن يوضح الأدلة وأن يبين درجات الأحاديث وأن لا يغفل عن ذلك بل يبين . هذا من النصح والمؤلف قد فعل ذلك وأدى هذا الواجب كثير من المؤلفين يجمعون الأحاديث ويعزونها ولكن لا يبينون درجاتها من الصحة والضعف وبعضهم لا يعزوها بل يأتي بها بدون خطام ولا زمام وهذا نقص كبير .
وأحسن منه عزاها إلى أهلها ومن رواها ولكن إذا لم يتبعها ببيان درجاتها يكون العزو ناقصا إلا إذا عزاها إلى الصحيحين فالصحيحان معروفان وأنهما يتلقيان بالقبول ولكن قد يعزوها إلى غير الصحيحين إلى الأربع أو مسند أحمد وموطأ مالك أو الطبرانى أو الدار قطني أو الدار مي .فيحتاج طالب العلم إلى أن يعرف حالها هل هي من الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة أو الموضوعة
الحاصل أن كثيرا من الأئمة قد أجتهد في هذا وهو كثير جدا قد يعزونه ولكن لا يبينونه لأسباب منها أن بعضهم قد يشغل عن ذلك بأمور كثيرة تشغله عن العناية بمراجعة الأدلة وبيان حالها .
ومنها أنه قد يكون قاصرا وليس بقدرته أن يعرف مراتب الأدلة ولكنه دعت الحاجة إلى أن يجمعها وليس في قدرته أن يوضح درجاتها وحكمها عند أهل العلم .
وقد تكون هناك أسباب أخرى تحول بينه وبين البيان والمؤلف قد وفق في كتاب هذا رحمه الله إلى بيان حال الأحاديث التي يذكرها وبيان حكمها من الصحة والضعف ونحو ذلك وقد أحسن ذلك رحمه الله .
فإذا قال أخرجه السبعة والمراد : الإمام أحمد في مسنده والستة الذين هم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه الذين أهل السنن لأربع
وإذا قال الستة فالمراد غير أحمد وهم البخاري ومسلم والسنن لأربع
وإذا قال الخمسة فالمراد غير البخاري ومسلم وهم الإمام أحمد والسنن لأربع
وقد يقول: رواه لأربعة وأحمد فالعبارة واحدة وإذا قال لأربعة فالمراد أهل السنن لأربع
وإذا قال رواه الثلاثة فالمراد أبو داود والترمذي والنسائي فقط دون ابن ماجه
وإذا قال متفق عليه فالمراد البخاري ومسلم وهي عبارة مشهورة عند أهل العلم يقصدون به البخاري ومسلم إلا صاحب المنتقى المجد بن تيميه رحمه الله إذا قال متفق عليه فإنه يريد البخاري ومسلما والإمام أحمد ثلاث وما سوى ذلك فهو مبين فيقول رواه الطبراني رواه الدار قطني رواه الدارمي رواه صاحب المختارة إلى غير ذلك وإذا قال أخرجه الشيخان أو أخرجاه هما البخاري ومسلم قال رحمه الله :ـ وسميته ( بلوغ المرام من أدلة الأحكام ) أي بلوغ المقصد من أدلة الأحكام وهذه مبالغة وإلا فإن طالب العلم يحتاج إلى المزيد وإلا فبلوغ المرام فيه جملة أصول فإن من حفظه بلغ المرام في الأصول وليس معنى هذا أنه عرف كل شئ في علم الحديث هناك أحاديث كثيرة لم يذكرها المؤلف رحمه الله يحتاجها طالب العلم لمعرفة الأدلة والبحث .. ( والله أ سأل ) لفظ الجلالة منصوب في محل مفعول من جهة الإعراب
( والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ) هذا دعاء حسن ينبغي لكل طالب أن يسأل ربه وأن يجعل ما علمه إياه رحمة له وإحسانا إليه وسببا لنجاته وأن لا يجعله وبالا لأن من تعلم ولم يعمل به يكون علمه وبالا عليه كاليهود .
لهذا ينبغي لطالب العلم أن يسأل ربه دائما أن يرزقه العمل بما علم وأن يعيذه من مشابهة اليهود في التخلف عن العمل هذا داء عضال وخطر عظيم ينبغي لكل مؤمن وكل طالب العلم أن يسأل ربه جل وعلا كثيرا في سجوده وتشهده في كل وقت أن يعلمه العلم النافع وأن يرزقه العمل به وأن لا يجعله وبالا عليه .
فقد تقدم في كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في المقدمة التي قدمها لهذا الكتاب وبين حاله وأنه مختصر في أصول الأدلة الحديثية وأنه محرر تحريرا بالغا للعلة التي ذكرها في المقدمة . والآن يبدأ في الأحاديث التي قدم لها
فإنني استعنت بالله تعالى في كتابة شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر وذلك من الدروس المسجلة التي ألقاها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
وذلك لما رأيت في هذا الشرح على وجازته من الفوائد العظيمة سواء كان ذلك في التعريف برواة الحديث والأئمة المخرجين للأحاديث أو بيان منزلة الحديث من ناحية الصحة والضعف وبيان الأحكام الشرعية والترجيح بين الأقوال والتوفيق بينها مع بيان أدلة كل فريق، ولما لسماحته من المكانة العظيمة في قلوب المسلمين عموما وطلاب العلم خصوصا فإنني أرجو أن أكون أديت بعض الواجب نحو هذا الإمام الجليل من أئمة المسلمين .
ويسرني أن أقدم لكم هذه الدروس التي قمت بنسخها على شكل حلقات وهذه الحلقة الاولىوسأواصل إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول رحمه الله ( الحمد لله ) بعد التسمية يقول الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا .
الشرح : من عادة المؤلفين أنهم يبدأون بالتسمية ويثنون بالحمدله تأسيا بكتاب الله العزيز لأنه بدئ بالتسمية والحمد لما جمعه الصحابة جعلوا الفاتحة في أوله .
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مخاطباته ومراسلاته فكان يسمي الله جل وعلا .
وعملا بالحديث المشهور (( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أجذم )) وفي بعض الروايات (( فهو أبتر )) يعني ناقص البركة .
وفي بعضها (( بالحمد )) وفي بعضها (( بذكر الله ))
وقد جرى الأئمة على البدء بالتسمية والحمد له .
والحمد لله سبحانه وتعالى : هو الثناء عليه بجميع المحامد مع محبته وتعظيمه وإجلاله سبحانه وتعالى .
ونعم الله كثيرة كما قال الله عزوجل (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) وهي ظاهرة وباطنة
منها ما هو باطن يعرفه الإنسان من نفسه ويدري عنه من نفسه ولا يعلمه الناس ومنها ما هو ظاهر يعرفه كل أحد ونعم الله الظاهرة كثيرة مما أوجد لنفع العباد من السماء والأرض وأنهار وبحار وثمار وأنعام تنفع الناس وشمس وقمر ينتفع بها الناس إلى غير ذلك من نعم الله العظيمة .
وأعظمها بعث الأنبياء عليهم الصلاة السلام . فبعث الرسل وإنزال الكتب لهداية الخلق وإرشادهم إلى أسباب النجاة كل هذا من نعمه العظيمة .
ومنها ما هو باطن كون الإنسان يؤمن بربه ويعطيه الله من قوة الإيمان واليقين والشوق إليه سبحانه وتعالى والأنس بمناجاته وذكره جل وعلا .
وما يتاح للعبد من صحة وعافية في بدنه وما له وأولاده فنعم الله لا تحصى لا ظاهرها ولا باطنها
(( والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد ))
والصلاة تطلق على الثناء من الله عزوجل على عبده في الملأ الأعلى كما قال أبو العالية رحمه الله التابعي الجليل .
وتطلق على الثناء (( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ))
يعني يثني عليكم ويرحمكم جل وعلا .
فإذا جمع بين الصلاة والرحمة كانت الصلاة بمعنى الثناء ، والرحمة بمعنى الإحسان والجود والكرم كما قال عزوجل في حق الصابرين (( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة )) أي ثناء من الله من الله ورحمة لهم . بتوفيقهم وتصبيرهم وإنزال السكينة على قلوبهم إلى غير ذلك .
النبي : من النبأ والإخبار يعني ينبىء عن الله ويخبر عن الله وعما كان فيما مضى وعما يكون في المستقبل .
والرسول : لأنه مرسل أرسله الله إلى أهل الأرض يبلغهم أمر الله ونهيه وافضل الرسل وأكرمهم وأعظمهم شأنا هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وكلهم عظيم وكلهم جليل عليهم الصلاة والسلام . اختارهم الله عزوجل للرسالة وشرفهم بالعبودية الخاصة عليهم الصلاة والسلام .
ولكن خاتمهم وأفضلهم وإمامهم هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .
ويشرع لنا الإكثار من الصلاة والسلام عليه فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (من صلى على واحدة صلى الله عليه بها عشرا )
وجاء الكتاب والسنة بالدلالة على شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه كما قال الله عزوجل ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا وسلموا تسليما )
والآية تدل على شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه وأن ذلك قربة عظيمة أمر الله عزوجل بها وجاء ت السنة بذلك أيضا في مواضع مطلقا وفي مواضع مقيدا
بعد الأذان إذا انتهى المؤذن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقو ل اللهم رب هذه الدعوة التامة وكذا يوم الجمعة وعند الدعاء يحمد ربه ويصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام ثم يدعو وذلك من أسباب الإجابة وعند ذكره عليه الصلاة والسلام
ويصلي على أصحابه واتباعه تبعا له عليه الصلاة والسلام كما جاء في السنة.
( وعلى آله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا ) هذا هو الواقع فقد نصروا دينه فالصحابة الكرام نصروا دينه وأيدوه وجاهدوا في سبيل الله كسروا كسرى وقصروا قيصر ونصروا دين الله رضي الله عنهم وأرضاهم وهكذا أتباعهم ورثوا علمهم لهم حق في الصلاة والسلام والدعاء لهم تبعا وقد ساروا على نهج الصحابة في العلم والعمل والتوجيه إلى الخير فلهم منا جزيل الدعاء رحمة الله عليهم وأكرم مثواهم وجزا هم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا
والعلماء ورثه الأنبياء كما جاء في الحديث الشريف من طرق كثيرة (أكرم بهم وارثا وموروثا) فالعلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا علمهم فالأنبياء . ما ورثوا دينارا ولا درهما . ما بعثهم الله لجمع الدراهم ولا ليكنزوا الدنيا وإنما بعثوا ليبلغوا رسالات الله ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (نحن معا شر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) فالأنبياء لا يورثون لأنهم ما أرسلوا ليجمعوا الدنيا وليس من شأنهم جمع الدنيا وإنما جاءوا ليبلغوا رسالات الله وينفقوا الدنيا للدعوة إلى الله وللتأليف على دين الله
فلهذا ما خلفوه فهو صدقة يقوم ولي الأمر بعدهم بتصريفه في وجوه الخير ونفع المسلمين فالعلماء هم وراثهم كما جاء في الحديث . ( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) وفي لفظ ( كفضلي على أدناكم ) وقال ( والعلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذة أخذ بحظ وافر ) فالعلماء وراث الأنبياء في علمهم وتبليغ رسالة الله وإرشاد الناس إلى دين الله فجدير بطالب العلم أن يعنى بهذا الأمر وأن يكون له فيه اجتهاد كامل وحرص عظيم ليحصل تركة الأنبياء ليرثوا الأنبياء بالعلم
ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه خرج ذات يوم إلى السوق وقال للناس أنتم هاهنا وتركة النبي صلى الله عليه وسلم تقسم في المسجد فذهب الناس إلى ذلك لينظروا فإذا هي حلقات العلم فقالوا لهم هذه تركة محمد عليه الصلاة والسلام هذا أرثه هو العلم النافع والتوجيه إلى الخير والنشر لدين الله من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام
ولذا قال المؤلف (أكرم بهم وارثا وموروثا ) وارثا وهم العلماء وموروثا وهو محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة .
ثم بين رحمه الله أنه ألف هذا الكتاب المختصر وهو بلوغ المرام وهو كما قال المؤلف مختصر حذف أسانيده ولم يكثر المتون ويبلغ عددها ألفا وخمسمائة تقريبا ما بين حديث مطول وما بين حديث مختصر بالإشارة وبالطرف لكنها أمهات في الأحكام محررة مهذبة وهي أصول ينبني عليها غيرها من الأدلة الحديثية والأحكام الشرعية .
والحديث : هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم و أفعاله وما أقر عليه هو أقواله وأفعاله وتقريراته هذا هو الحديث الشريف .
( للأحكام الشرعية )الأحكام جمع حكم وهو مقتضى الأدلة الشرعية من واجب ومحرم ومكروه ومندوب ومباح فالأحكام الشرعية هي متقضى الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله يقال له الأحكام .
وهي أقسام خمسة :
الواجب والمحرم والمكروه والمندوب والمستحب والمباح ويضاف إليها صحة العقود وبطلانها .
كلها أحكام أخذت من الأدلة الشرعية ودلت عليها الأدلة الشرعية فالحكم تقضى
الدليل من إيجاب شئ أو تحريمه أو كراهته أو استحبابه أو إباحته أو صحته أو بطلانه .
( حررته تحريرا بالغا أي تاما قد بالغ فيه ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا تحريرا بالغا أي مبالغا من صحة الحديث أو ضعفه أو ما فيه من علة قد اعتنى رحمه الله بهذا عناية تامة.
أي في العلم والفضل من اعتنى به وحفظه نبغ في العلم والفضل على زملائه الذين لم يعنوا كعنايته
( وليستعين به الطالب المبتدي ولا يستغني عنه الراغب المنتهي )
وهو كتاب ينفع الطالب المبتدي نفعا كبيرا ‘ ولا يستغني عنه من بلغ في العلم القمة لأن فيه أمهات الأحاديث وأمهات الأدلة وكل محتاج إليها الطالب المبتدي والراغب المنتهي كل محتاج إلى ما فيه من الأحاديث العظيمة( وقد بينت )أي أوضحت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة وصدق في ذلك وقد بين ذلك في هذا الكتاب لإرادة نصح الأمة لأن بيان من خرج الأحاديث بيان صحتها وضعفها لا شك أنه من نصح الأمة والدين النصيحة
والنصيحة لأي مؤلف كان أن يوضح الأدلة وأن يبين درجات الأحاديث وأن لا يغفل عن ذلك بل يبين . هذا من النصح والمؤلف قد فعل ذلك وأدى هذا الواجب كثير من المؤلفين يجمعون الأحاديث ويعزونها ولكن لا يبينون درجاتها من الصحة والضعف وبعضهم لا يعزوها بل يأتي بها بدون خطام ولا زمام وهذا نقص كبير .
وأحسن منه عزاها إلى أهلها ومن رواها ولكن إذا لم يتبعها ببيان درجاتها يكون العزو ناقصا إلا إذا عزاها إلى الصحيحين فالصحيحان معروفان وأنهما يتلقيان بالقبول ولكن قد يعزوها إلى غير الصحيحين إلى الأربع أو مسند أحمد وموطأ مالك أو الطبرانى أو الدار قطني أو الدار مي .فيحتاج طالب العلم إلى أن يعرف حالها هل هي من الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة أو الموضوعة
الحاصل أن كثيرا من الأئمة قد أجتهد في هذا وهو كثير جدا قد يعزونه ولكن لا يبينونه لأسباب منها أن بعضهم قد يشغل عن ذلك بأمور كثيرة تشغله عن العناية بمراجعة الأدلة وبيان حالها .
ومنها أنه قد يكون قاصرا وليس بقدرته أن يعرف مراتب الأدلة ولكنه دعت الحاجة إلى أن يجمعها وليس في قدرته أن يوضح درجاتها وحكمها عند أهل العلم .
وقد تكون هناك أسباب أخرى تحول بينه وبين البيان والمؤلف قد وفق في كتاب هذا رحمه الله إلى بيان حال الأحاديث التي يذكرها وبيان حكمها من الصحة والضعف ونحو ذلك وقد أحسن ذلك رحمه الله .
فإذا قال أخرجه السبعة والمراد : الإمام أحمد في مسنده والستة الذين هم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه الذين أهل السنن لأربع
وإذا قال الستة فالمراد غير أحمد وهم البخاري ومسلم والسنن لأربع
وإذا قال الخمسة فالمراد غير البخاري ومسلم وهم الإمام أحمد والسنن لأربع
وقد يقول: رواه لأربعة وأحمد فالعبارة واحدة وإذا قال لأربعة فالمراد أهل السنن لأربع
وإذا قال رواه الثلاثة فالمراد أبو داود والترمذي والنسائي فقط دون ابن ماجه
وإذا قال متفق عليه فالمراد البخاري ومسلم وهي عبارة مشهورة عند أهل العلم يقصدون به البخاري ومسلم إلا صاحب المنتقى المجد بن تيميه رحمه الله إذا قال متفق عليه فإنه يريد البخاري ومسلما والإمام أحمد ثلاث وما سوى ذلك فهو مبين فيقول رواه الطبراني رواه الدار قطني رواه الدارمي رواه صاحب المختارة إلى غير ذلك وإذا قال أخرجه الشيخان أو أخرجاه هما البخاري ومسلم قال رحمه الله :ـ وسميته ( بلوغ المرام من أدلة الأحكام ) أي بلوغ المقصد من أدلة الأحكام وهذه مبالغة وإلا فإن طالب العلم يحتاج إلى المزيد وإلا فبلوغ المرام فيه جملة أصول فإن من حفظه بلغ المرام في الأصول وليس معنى هذا أنه عرف كل شئ في علم الحديث هناك أحاديث كثيرة لم يذكرها المؤلف رحمه الله يحتاجها طالب العلم لمعرفة الأدلة والبحث .. ( والله أ سأل ) لفظ الجلالة منصوب في محل مفعول من جهة الإعراب
( والله أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالا وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ) هذا دعاء حسن ينبغي لكل طالب أن يسأل ربه وأن يجعل ما علمه إياه رحمة له وإحسانا إليه وسببا لنجاته وأن لا يجعله وبالا لأن من تعلم ولم يعمل به يكون علمه وبالا عليه كاليهود .
لهذا ينبغي لطالب العلم أن يسأل ربه دائما أن يرزقه العمل بما علم وأن يعيذه من مشابهة اليهود في التخلف عن العمل هذا داء عضال وخطر عظيم ينبغي لكل مؤمن وكل طالب العلم أن يسأل ربه جل وعلا كثيرا في سجوده وتشهده في كل وقت أن يعلمه العلم النافع وأن يرزقه العمل به وأن لا يجعله وبالا عليه .
فقد تقدم في كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في المقدمة التي قدمها لهذا الكتاب وبين حاله وأنه مختصر في أصول الأدلة الحديثية وأنه محرر تحريرا بالغا للعلة التي ذكرها في المقدمة . والآن يبدأ في الأحاديث التي قدم لها