بعض الغرائب والعجائب التي رواها ابن جرير في تفسيره

إنضم
17/04/2005
المشاركات
65
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
منها - وهو داخل في رواية الاسرائيليات - ما رواه في تفسير قوله تعالى: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
فقد قال رحمه الله:
حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا أبو همام قال، حدثنا كثير أبو الفضل، عن مجاهد قال: كان فيمن كان قبلكم امرأة، وكان لها أجيرٌ، فولدت جارية. فقالت لأجيرها: اقتبس لنا نارًا، فخرج فوجد بالباب رجلا فقال له الرجل: ما ولدت هذه المرأة؟ قال: جارية. قال: أما إنّ هذه الجارية لا تموت حتى تبغي بمئة، ويتزوجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فقال الأجير في نفسه: فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمئة!! فأخذ شفرة فدخل فشق بطن الصبية. وعولجت فبرِئت، فشبَّت، وكانت تبغي، فأتت ساحلا من سواحل البحر، فأقامت عليه تبغي. ولبث الرجل ما شاء الله، ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير، فقال لامرأة من أهل الساحل: ابغيني امرأة من أجمل امرأة في القرية أتزوجها! فقالت: ههنا امرأة من أجمل الناس، ولكنها تبغي. قال: ائتيني بها. فأتتها فقالت: قد قدم رجل له مال كثير، وقد قال لي: كذا. فقلت له: كذا. فقالت: إني قد تركت البغاء، ولكن إن أراد تزوَّجته! قال: فتزوجها، فوقعت منه موقعًا. فبينا هو يومًا عندها إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية! وأرته الشق في بطنها وقد كنت أبغي، فما أدري بمئة أو أقل أو أكثر! قال: فإنّه قال لي: يكون موتها بعنكبوت.
قال: فبنى لها برجًا بالصحراء وشيده. فبينما هما يومًا في ذلك البرج، إذا عنكبوت في السقف، فقالت: هذا يقتلني؟ لا يقتله أحد غيري! فحركته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدَخَتْه، وساحَ سمه بين ظفرها واللحم، فاسودت رجلها فماتت.

فنزلت هذه الآية:"أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة". أهـ

ولا يخفى على ابن جرير رحمه الله أن القصة لو صحت أصلا لا يمكن ان تكون سببا لنزول هذه الآية، فشيء مضى وانتهى لا يمكن أن يكون السبب المباشر لنزول آية كريمة.
كما أننا لا نستطيع أن نقول إن سبب نزول سورة الفيل هو غزو أبرهة للكعبة المشرفة.

ومع هذا فإن ابن جرير يورد مثل هذا ولا يعقب بشيء اعتمادا على تمييز القارئ الحصيف لما يقرأ، إذ أن كتابه هذا مصنف لأهل العلم وليس للعوام.
وإن شاء الله إذا مر بي في مطالعاتي - في هذا الشهر الفضيل - رواية اخرى من الغرائب والعجائب التي يوردها ابن جرير انقلها هنا، والمرجو من الاخوة ممن يستذكر مثل هذه الروايات ان ينقلها هنا للفائدة.

وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وجعلنا من عتقائه من النيران، آمين.
 
ومما أعجبني كثيرا..

ومما أعجبني كثيرا..

- وأعجبني هنا ليس من باب العجائب التي عنونت بها المقال - .

ولكنه فصل محرر وقاعدة في التعامل مع الناسخ والمنسوخ ، ذكر ذلك ابن جرير في تفسير آية الدين.

فإنه ذكر اختلاف السلف في وجوب الكتابة بين المتداينين ووجوبها كذلك على الكاتب.
قال رحمه الله:
وقد اختلف أهل العلم في وجوب الكتاب على الكاتب إذا استكتب ذلك، نظير اختلافهم في وجوب الكتاب على الذي له الحق.​

فذكر أن بعضهم أوجبها، وبعضهم زعم أنها منسوخة وقال هذا الزاعم: كل ما في هذه الآية من الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن منسوخ بالآية التي في آخرها..
وذكر عن بعضهم أنها - اي الكتابة - على الوجوب حال فراغ الكاتب..

ثم قال رحمه الله:
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله عز وجل أمر المتداينين إلى أجل مسمى باكتتاب كتب الدين بينهم، وأمر الكاتب أن يكتب ذلك بينهم بالعدل، وأمر الله فرض لازم، إلا أن تقوم حجة بأنه إرشاد وندب. ولا دلالة تدل على أن أمره جل ثناؤه باكتتاب الكتب في ذلك، وأن تقدمه إلى الكاتب أن لا يأبى كتابة ذلك، ندب وإرشاد، فذلك فرض عليهم لا يسعهم تضييعه، ومن ضيعه منهم كان حرجا - أي آثما - بتضييعه.

ولا وجه لاعتلال من اعتل بأن الأمر بذلك منسوخ بقوله:"فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته". لأن ذلك إنما أذن الله تعالى ذكره به حيث لا سبيل إلى الكتاب أو إلى الكاتب. فأما والكتاب والكاتب موجودان، فالفرض - إذا كان الدين إلى أجل مسمى - ما أمر الله تعالى ذكره به في قوله:"فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه والله".

وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه وحكم المنسوخ في حال واحدة، على السبيل التي قد بيناها. فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الآخر، فليس من الناسخ والمنسوخ في شيء.
ولو وجب أن يكون قوله:( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ) ناسخا قوله:"إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" - لوجب أن يكون قوله:( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) ناسخا الوضوء بالماء = في الحضر عند وجود الماء فيه وفي السفر = الذي فرضه الله عز وجل بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )
وأن يكون قوله في كفارة الظهار:( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) ناسخا قوله:( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) .

فيُسْأل القائل إنّ قول الله عز وجل:"فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته" ناسخٌ قوله:"إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه": ما الفرقُ بَينه وبين قائلٍ في التيمم وما ذكرنا قوله = (3) فزعم أنّ كل ما أبيح في حال
الضرورة لعلة الضرورة، ناسخ حكمُه في حال الضرورة حكمَه في كل أحواله: نظيرَ قوله في أنّ الأمر باكتتاب كتب الديون والحقوق منسوخٌ بقوله:"وإن كنتم عَلى سَفر ولم تجدُوا كاتبًا فرهانٌ مقبوضة فإن أمن بعضُكم بعضًا فليؤدّذ الذي اؤتمن أمانته)؟
فإن قال: الفرق بيني وبينه أن قوله:"فإن أمن بعضُكم بعضًا" كلام منقطع عن قوله:"وإن كنتم على سَفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة"، وقد انتهى الحكم في السفر إذا عُدم فيه الكاتب بقوله:"فرهان مقبوضة". وإنما عنى بقوله:"فإن أمن بعضكم بعضًا":"إذا تداينتم بدَين إلى أجل مسمى"، فأمن بعضكم بعضًا، فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته.​
قيل له: وما البرهان على ذلك من أصل أو قياس، وقد انقضى الحكم في الدّين الذي فيه إلى الكاتب والكتاب سبيلٌ بقوله:"ويُعلّمكم الله واللهُ بكل شيء عليم اهـ.

رحم الله ابن جرير ورضي عنه، فقد: كان من العلوم بحيث يقضى له في كل فن بالجميع...
 
شكر الله سعيكم أخي أحمد
تنبيه :
قد ظهر لي أن السلف يتوسعون في التعبير بالنزول ، ومرادهم التفسير ، وهذا موطن من المواطن التي وقع منهم التوسع ، وإلا فهل يُتصوَّر أن يقول مجاهد في مثل هذه القصة أنها سبب نزول مباشر ؟!
وعبارة النزول : ( فنزلت ، فأنزل الله ) قرينة في أن المذكور سبب نزول مباشر ، وليس لازمًا له .
وعبارة النزول : ( نزلت في كذا ) قرينة في أن المذكور بعدها هو من قبيل التفسير ، وليس من سبب النزول المباشر ، وليس الأمر كذلك لازمًا .
والمراد أنهم قد يستخدمون هذه العباراة في سبب النزول ، وقد يستخدمونها في التفسير ، وأن القصة المذكورة تدخل في معنى الآية ، كما هو الحال في هذه القصة التي ذكرها مجاهد .
ومعنى ذلك أن السياق والأحوال التي تحفُّ بالنص تدل على المراد بهذه العبارة ، والله أعلم .
 
ومما استغربته من ابن جرير رحمه الله

ومما استغربته من ابن جرير رحمه الله

في تفسير قوله عز وجل (او لا مستم النساء )
فإنه ذكر القولين في تفسير الملامسة قول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وأن الله كتى بالملامسة هنا..
وقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأن المراد اللمس

ثم رجح القول الأول مستدلا بحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ
قد صححه ابن جرير وتبعه الشيخ شاكر..
وعلماء العلل يضعفونه ولهم فيه كلام مشهور

لكني استغربت من الدليل الثاني الذي ذكره ابن جرير وهو قول الشاعر:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ..الخ
فقد فسر آخره تفسيرا غريبا لا يحتمله اللسان وينفر منه الجنان..
فليطالع في موضعه.
وقد استغربه العلامة شاكر في تعليقه كذلك.


فائدة:

ما أحسن ما صنع شريك القاضي لما أنشد البيت في الرواية، فإنه روى الخبر عن ابن عباس لكنه كنى في موضع التصريح.
والحديث رواه ابن جرير في سورة البقرة تفسير قوله تعالى (فلا رفث):
حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: سمعت ابن عباس يرتجز وهو محرم، يقول:
خرجن يسرين بنا هميسا... إن تصدق الطير - قال شريك:"إلا أنه لم يكن عن الجماع" - لميسا. فقلت: أليس هذا الرفث؟ قال: لا ...

قال العلامة شاكر: يريد أن شريكا أنشد البيت : "إن تصدق الطير" ثم قطع الإنشاد وقال : "ألا إنه لم يكن الجماع" ثم عاد للإنشاد فقال : "لميسا" ، ولم ينطق الكلمة .

فلله دره ما أحسن فعله، ولنا فيه أسوة في تدريس التفسير في المساجد أو المدراس والجامعات وغيرها، والله الموفق.

 
بارك الله فيك أخي الكريم الشيخ مساعد الطيار

بارك الله فيك أخي الكريم الشيخ مساعد الطيار

والذي تفضلتم به صحيح لا شك فيه..فتح الله علينا وعليكم.

وقد تعرضت لهذه المسألة في شرح معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه للإمام أبي عبدالله الحاكم حيث إن المصنف تعرض لحكم تفسير الصحابي من حيث الوقف أو الرفع، وذلك بعد الخبر رقم 39 وهو في الصفحة 155 من الطبعة الثانية للكتاب..الذي طبعته مكتبة المعارف بالرياض.

وأظنه أقدم مصدر علمي تناول هذه المسألة التي تفضلتم بذكرها..

وللفائدة أضعه هنا بصورته.

تنبيه :

كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم من أحسن كتب السلف المصنفة في مصطلح الحديث..
وفيه فوائد لا يستغني عنها المشتغلون بالتفسير لا سيما التفسير بالمأثور..
ولعلنا نتحدث عنه في وقت لاحق إن شاء الله..والله الموفق
 
أحسنت أخي أحمد ، وكما تفضلتم ، فكتاب الحاكم فيه نفائس مهمة ، وكذا النكت على ابن الصلاح لابن حجر ، ففيه فوائد أيضًا يمكن إضافتها لما في كتاب الحاكم .
 
رعاية ابن جرير للإجماع

رعاية ابن جرير للإجماع

هذه اشياء متناثرة انقلها عن ابن جرير ربما بعضها خارج عن ما عنونت به المقال..

لكن هذا فصل اعجبني عن ابن جرير يرعى فيه إجماع العلماء ولا يقدم عليه شيئا من الأقوال مع أنه يميل إلى قول غيره، فذكر الإجماع وتلطف غاية التلطف في تقديم قول آخر..
وذلك في تفسير قوله عز وجل (ثم افيضوا من حي أفاض الناس) ...

روى عمن روى عنه أن المراد بالناس قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب.

ثم روى عن الضحاك قوله: هو إبراهيم ، أي أنه من العام الذي أريد به الخاص .

- وليضف هذا المثال إلى ما يذكره المصنفون في علوم القرآن من مثال لهذه المسالة بقول الله عز وجل (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) ...فهذا مثال آخر له وسيذكر الطبري امثلته بعد قليل-

قال ابن جرير رحمه الله :
والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.
وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم، وما تفعلوا من خير يعلمه الله.
وهذا، إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، على نحو ما تقدم بياننا في مثله،
ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أن ذلك تأويله. لقلت: أولى التأويلين بتأويل الآية ما قاله الضحاك من أن الله عنى بقوله:" من حيث أفاض الناس"، من حيث أفاض إبراهيم. لأن الإفاضة من عرفات لا شك أنها قبل الإفاضة من جمع، وقبل وجوب الذكر عند المشعر الحرام. وإذ كان ذلك لا شك كذلك، وكان الله عز وجل إنما أمر بالإفاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس، بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفات، وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام، ثم قال بعد ذلك:" ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" كان معلوما بذلك أنه لم يأمر بالإفاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه، دون الموضع الذي قد أفاضوا منه، وكان الموضع الذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه، لا وجه لأن يقال:"أفض منه".
فإذ كان لا وجه لذلك، وكان غير جائز أن يأمر الله جل وعز بأمر لا معنى له، كانت بينة صحة ما قاله من التأويل في ذلك، وفساد ما خالفه، لولا الإجماع الذي وصفناه، وتظاهر الأخبار بالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويل.

فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه:"والناس" جماعة،"وإبراهيم" صلى الله عليه وسلم واحد، والله تعالى ذكره يقول:" ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" ؟

قيل: إن العرب تفعل ذلك كثيرا، فتدل بذكر الجماعة على الواحد. ومن ذلك قول الله عز وجل:( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) والذي قال ذلك واحد، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير- نعيم بن مسعود الأشجعي، ومنه قول الله عز وجل:( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) قيل: عنى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى أهـ.

تنبيه:
خالف الطبري في سورة آل عمران في تفسير قوله (الذين قال لهم الناس ...) ما ذكره هنا من أن المراد بالناس نعيم بن مسعود
فإنه قال:
و"الناس" الأوّل، هم قوم -فيما ذكر لنا- كان أبو سفيان سألهم أن يثبِّطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد.
و"الناس" الثاني، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش، الذين كانوا معه بأحد أهـ.

وقد ذكر هو في موضع آخر نحو الذي ذكره في سورة البقرة، وهو تفسير قوله (فنادته الملائكة وهوقائم ) سورة آل عمران.
قال:
فإن قال قائل: وكيف جاز أن يقال على هذا التأويل:"فنادته الملائكة"، و"الملائكة" جمع لا واحد؟ قيل: ذلك جائز في كلام العرب، بأن تخبر عن الواحد بمذهب الجمع، كما يقال في الكلام:"خرج فلان على بغال البُرُد"، وإنما ركب بغلا واحدًا ="وركب السفن"، وإنما ركب سفينةً واحدة. وكما يقال:"ممن سمعتَ هذا الخبر"؟ فيقال:"من الناس"، وإنما سمعه من رجل واحد. وقد قيل إنّ منه قوله:( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) ، والقائلُ كانَ فيما كان ذُكر واحدًا وقوله:( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ) ، والناس بمعنى واحد. وذلك جائز عندهم فيما لم يقصد فيه قصد واحد أهـ.

ومثله ذكر في تفسير سورة المائدة قوله تعالى (أيدتك بروح)
قال:
فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إيَّاها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرُّسل إلا أقلُّ ذلك؟
قيل: جائزٌ أن يكون الله تعالى ذكره عنى بقوله:"فيقول ماذا أجبتم"، الرسلَ الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى، فخرَج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى ذكره: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ، والمراد واحدٌ من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس اهـ.

وكذلك قال مثله في تفسير قوله تعالى (جعلا له شركاء)..
ونصه:
فإن قال قائل: فإن آدم وحواء إنما سميا ابنهما "عبد الحارث"، و"الحارث" واحد، وقوله:(شركاء)، جماعة، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما "جعلا له شركاء"، وإنما أشركا واحدًا!
قيل: قد دللنا فيما مضى على أن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة، إذا لم تقصد واحدًا بعينه ولم تسمِّه، كقوله:( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ )، وإنما كان القائل ذلك واحدًا، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة، إذ لم يقصد قصده، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها أهـ.

وكذلك كرر مثله في تفسير قوله تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا)...

وهذه من العجائب..

والله الموفق
 
قول في تفسير ص

قول في تفسير ص

من جملة الأقوال التي رواها ابن جرير رضي الله عنه في تفسير ص قول من قال : إن معناها صدق الله..
فقال رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأقوال وأخر هذا:...
وقال آخرون: معنى ذلك: صدق الله.
ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك فى قوله(ص) قال: صدق الله أهـ
وهذا حري أن يلحق بما يسميه المفسرون بدع التفسير..​

وصدق الله العظيم مقولة يختم بها القراء قراءتهم.
وهي ولا شك محدثة لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا اصحابه ولا التابعون.
ولا ذكرها من صنف في فضائل القرآن وآدابه ولا من ألف في علوم القرآن من المتقدمين.
وقد ذكر لي أحد العلماء أنه كان يقول ببدعيتها، حتى سمع من شيخنا حماد الأنصاري رحمه الله أن البيهقي روى هذه الكلمة في الشعب عن بعض السلف من التابعين..قال: فتوقفت في ذلك.
وكنت خارج السعودية فعدت وفي نفسي أن اسأل الشيخ حماد فألفيته قد توفي رحمه الله.
فقرأت شعب الإيمان للبيهقي أكثر من ثلاث مرات ابحث عن هذه الرواية فلم أجدها..
وأظن أن الشيخ وهم في النقل...
هذا الاستطراد من قبيل الشيء بالشيء يذكر..
والله الموفق...​
 
بعض الأسباب التي يعتل بها ابن جرير لتضعيف بعض القراءات

بعض الأسباب التي يعتل بها ابن جرير لتضعيف بعض القراءات

هذه مواضع قيدتها أثناء المطالعة، ولو استقرأنا المواضع المشابهة في تفسيره كلها لتخلص لنا منهج ابن جرير في نقد القراءات:
1- قوله تعالى (كمل جنة بربوة)
قال: وفي"الربوة" لغات ثلاث، وقد قرأ بكل لغة منهنّ جماعة من القرأة، وهي"رُبوة" بضم الراء، وبها قرأت عامة قرأة أهل المدينة والحجاز والعراق، و"رَبوة" بفتح الراء، وبها قرأ بعض أهل الشام، وبعض أهل الكوفة، ويقال إنها لغة لتميم. و"رِبوه" بكسر الراء، وبها قرأ -فيما ذكر- ابن عباس.
قال أبو جعفر: وغير جائز عندي أن يقرأ ذلك إلا بإحدى اللغتين: إما بفتح"الراء"، وإما بضمها، لأن قراءة الناس في أمصارهم بإحداهما. وأنا لقراءتها بضمها أشدّ إيثارًا مني بفتحها، لأنها أشهر اللغتين في العرب. فأما الكسر، فإنّ في رفض القراءة به، دِلالةٌ واضحة على أن القراءة به غير جائزة.أهـ

2- وهذا بيان لمنهج اعتبره فيما يقرأ به وما لا يقرأ، وقد ذكره في غير مظنته، وذلك في قوله تعالى (في فئتين التقتا فئة) مع ان القراء اتفقوا على الرفع في فئة، وقد يجوز في اللغة أن تعرب بدلا من فئتين.
قال ابن جرير:
ورفعت:"فئةٌ تقاتل في سبيل الله"، وقد قيل قبل ذلك:"في فئتين"، بمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل الله - على الابتداء، كما قال الشاعر:
فَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ... وَرِجْلٌ رَمَى فِيهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
وكما قال ابن مفرِّغ:
فَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحَةٌ... وَرِجْلٌ بِهَا رَيْبٌ مِنَ الحَدَثَانِ
فَأَمَّا الَّتِي صَحَّتْ فَأَزْدُ شَنُوءَةٍ،... وَأَمَّا الّتِي شَلَّتْ فَأَزْدُ عُمَانِ
وكذلك تفعل العرب في كل مكرر على نظير له قد تقدمه، إذا كان مع المكرر خبر: تردُّه على إعراب الأوّل مرة، وتستأنفه ثانيةً بالرفع، وتنصبه في التامِّ من الفعل والناقص، وقد جُرّ ذلك كله، فخفض على الردّ على أوّل الكلام، كأنه يعني إذا خفض ذلك: فكنت كذلك رجلين: كذي رجل صحيحة ورجل سقيمة. وكذلك الخفض في قوله:"فئة"، جائز على الردّ على قوله:"في فئتين التقتا"، في فئة تقاتل في سبيل الله.
وهذا وإن كان جائزًا في العربية، فلا أستجيز القراءة به، لإجماع الحجة من القرَأة على خلافه. ولو كان قوله:"فئة"، جاء نصبًا، كان جائزًا أيضًا على قوله:"قد كان لكم آية في فئتين التقتا"، مُختلفتين. أهـ.
ونسبة الشعر الثاني لابن مفرغ وهم من ابن جرير لا أدري كيف مر عليه، فابن مفرغ حميري، والشعر لأزدي يشكو انقسام قومه الأزد، وهو للنجاشي الحارثي بدون شك- وكذلك قطع الشيخ شاكر في تعليقته-، والأبيات قالها في وقعة صفين..
3- القراءة بأي حرف كتب في المصاحف التي كتبها عثمان رضي الله عنه، والتي كانت مادتها اصلا لعلم رسم القرآن، او كما كان يسميه ابو البقاء والرزكشي: الاقتداء السلفي ..
قال تعالى(مافعلوه إلا قليل)
قال ابن جرير:
وهي في مصاحف أهل الشام:( مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ ). وإذا قرئ كذلك، فلا مرْزِئَةَ على قارئه في إعرابه، لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كنايةُ مَنْ قد جرى ذكره، ثم استثني منهم القليل أهـ.
وقوله تعالى( بالبينات وبالزبر )
قال ابن جرير:
وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق:"وَالزُّبُرِ" بغير"باء"، وهو في مصاحف أهل الشام:"وبالزُّبُرِ" بالباء، مثل الذي في"سورة فاطر أهـ.
 
وهذا موضع يحتاج لتأمل وفهم دقيق

وهذا موضع يحتاج لتأمل وفهم دقيق

في تفسير قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا)

قال رحمه الله تعالى :
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والعراقيين:( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، بمعنى: يا ليتنا نردُّ، ولسنا نكذب بآيات ربنا، ولكنّا نكون من المؤمنين.

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفة : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، بمعنى: يا ليتنا نرد، وأن لا نكذب بآيات ربنا، ونكونَ من المؤمنين. وتأوَّلوا في ذلك شيئًا:

حدثنيه أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال: في حرف ابن مسعود:( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ) بالفاء .

وذكر عن بعض قرأة أهل الشام، أنه قرأ ذلك:( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ) بالرفع(وَنَكُونَ) بالنصب، كأنه وجَّه تأويله إلى أنهم تمنوا الردَّ، وأن يكونوا من المؤمنين، وأخبروا أنهم لا يكذِّبون بآيات ربهم إن رُدُّوا إلى الدنيا .

واختلف أهل العربية في معنى ذلك منصوبًا ومرفوعًا.
فقال بعض نحويي البصرة:"ولا نكذِّبَ بآيات ربِّنا ونكونَ من المؤمنين"، نصبٌ، لأنه جواب للتمني، وما بعد"الواو" كما بعد"الفاء". قال: وإن شئت رفعتَ وجعلته على غير التمني، كأنهم قالوا: ولا نكذِّبُ والله بآيات ربنا، ونكونُ

والله من المؤمنين. هذا، إذا كان على ذا الوجه، كان منقطعًا من الأوّل. قال: والرفع وجهُ الكلام ، لأنه إذا نصب جعلها"واوَ" عطف. فإذا جعلها"واو" عطف، فكأنهم قد تمنوا أن لا يكذِّبوا، وأن يكونوا من المؤمنين. قال: وهذا، والله أعلم، لا يكون، لأنهم لم يتمنوا هذا، إنما تمنوا الردّ ، وأخبروا أنهم لا يكذبون، ويكونون من المؤمنين.


وكان بعض نحويي الكوفة يقول: لو نصب"نكذب" و"نكون" على الجواب بالواو، لكان صوابًا. قال: والعرب تجيب ب"الواو"، و"ثم"، كما تجيب بالفاء. يقولون:"ليت لي مالا فأعطيَك"،"وليت لي مالا وأُعْطيَك"،"وثم أعطيَك". قال: وقد تكون نصبًا على الصَّرف، كقولك:"لا يَسَعُنِي شيء ويعجِزَ عَنك.

وقال آخر منهم: لا أحبُّ النصب في هذا، لأنه ليس بتمنٍّ منهم، إنما هو خبرٌ، أخبروا به عن أنفسهم. ألا ترى أن الله تعالى ذكره قد كذَّبهم فقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ؟ وإنما يكون التكذيب للخبر لا للتمنِّي.

وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب"بالواو" ، وبحرف غير"الفاء". وكان يقول: إنما"الواو" موضع حال، لا يسعني شيء ويضيقَ عنك"، أي: وهو يضيق عنك. قال: وكذلك الصَّرف في جميع العربية. قال: وأما"الفاء" فجواب جزاء:"ما قمت فنأتيَك"، أي: لو قمت لأتينَاك. قال: فهذا حكم الصرف و"الفاء". قال: وأمّا قوله:"ولا نكذب"، و"نكون" فإنما جاز، لأنهم قالوا:"يا ليتنا نرد"، في غير الحال التي وقفنا فيها على النار. فكان وقفهم في تلك،

فتمنَّوا أن لا يكونوا وُقِفُوا في تلك الحال.

قال أبو جعفر: وكأنّ معنى صاحب هذه المقالة في قوله هذا: ولو ترى إذ وقفوا على النار، فقالوا: قد وقفنا عليها مكذِّبين بآيات ربِّنا كفارًا، فيا ليتنا نردّ إليها فنُوقَف عليها غير مكذبين بآيات ربِّنا ولا كفارًا.
وهذا تأويلٌ يدفعه ظاهر التنزيل، وذلك قول الله تعالى ذكره: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، فأخبر الله تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة، والتكذيب لا يقع في التمني. ولكن صاحب هذه المقالة أظنُّ به أنَّه لم يتدبر التأويل، ولَزِم سَنَن العربيّة.

قال أبو جعفر:
والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك:
( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بالرفع في كليهما، بمعنى: يا ليتنا نردّ، ولسنا نكذب بآيات ربِّنا إن رددنا، ولكنا نكون من المؤمنين= على وجه الخبر منهم عما يفعلون إن هم ردُّوا إلى الدنيا، لا على التمنّي منهم أن لا يكذِّبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين. لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنهم لو ردُّوا لعادوا لما نهوا عنه، وأنهم كذبة في قيلهم ذلك. ولو كان قيلهم ذلك على وجه التمني، لاستحال تكذيبهم فيه، لأن التمني لا يكذَّب، وإنما يكون التصديقُ والتكذيبُ في الأخبار.

وأما النصب في ذلك، فإني أظنّ بقارئه أنه توخَّى تأويل قراءة عبد الله التي ذكرناها عنه، (1) وذلك قراءته ذلك:( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، على وجه جواب التمني بالفاء. وهو إذا قرئ بالفاء
كذلك، لا شك في صحة إعرابه. ومعناه في ذلك: أن تأويله إذا قرئ كذلك: لو أنّا رددنا إلى الدنيا ما كذَّبنا بآيات ربِّنا، ولكُنَّا من المؤمنين. فإن يكن الذي حَكَى من حكى عن العرب من السماع منهم الجوابَ بالواو، و"ثم" كهيئة الجواب بالفاء، صحيحًا، فلا شك في صحّة قراءة من قرأ ذلك: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ نصبًا على جواب التمني بالواو، على تأويل قراءة عبد الله ذلك بالفاء. وإلا فإن القراءة بذلك بعيدةُ المعنى من تأويل التنزيل. ولستُ أعلم سماعَ ذلك من العرب صحيحًا، بل المعروف من كلامها: الجوابُ بالفاء، والصرفُ بالواو.
 
عودة
أعلى