مشايخي الكرام ثمة استفسارات و استشكالات تتعلق ببني اسرائيل و هي كالتالي:
1- ذكر الله في عدة مواضع تفضيله بني إسرائيل على العالمين حتى أخرج الله هذه الأمة، لكن في خضم ذكر بني اسرائيل في القرآن ترى أنهم - من يوم أن نجاهم الله بموسى من فرعون حتى عصر عيسى عليه السلام - ترى ذمهم في كتاب الله وليس في ذكر فضائلهم شيء، السؤال لماذا اختصوا بالتفضيل و إذا اختص التفضيل بفئة معينة منهم فمن هم؟ هل هم أولاد يعقوب عليه السلام من الأنبياء فقط ؟؟
2- ذكر الله في سورة الدخان قوله تعالى " كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ( 26 ) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ( 27 ) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (28 ) كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ" و ذكر في سورة الشعراء قوله " فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ( 58 )وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(59 )كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ"
هل أورث الله أرض مصر و كنوزها لبني إسرائيل أم هو شيء آخر و قوله في الدخان "كذلك وأورثناها قوما آخرين " هل هم بنو إسرائيل؟ وقد قرأت لابن عاشور أن القوم الآخرين ليسو بني إسرائيل بل هو فرعون آخر بعد فرعون موسى مع تفاصيل أخرى فأشكل علي الأمر !! مع أن المعلوم تاريخيا ان بني إسرائيل لم يعودوا لمصر بعد موسى عليه السلام و إنما عاشوا قليلا في فلسطين في مملكتي داود و سليمان - عليهما السلام - ثم شردوا كذلك فيما عرف بالسبي البابلي حتى اجتمعو اليوم كدولة لقيطة في فلسطين !!
3 هل هناك دراسات اعتنت بذكر بني إسرائيل في القرآن مع تحرير الوقائع التاريخية في ذلك وجمعت النصوص و رتبتها لحل مثل هذه الإشكالات؟
هذا ما في خاطري الآن أرجو من مشايخنا المختصين رفع الإشكال او الإحالة و جزاكم الله خيرا
1- التفضيل كان إخبارا عن الماضي فقط- وقد لزم تذكير اليهود به
2- يقول الشعراوي رحمه الله:"{ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 59] أي: أورثنا هذا النعيم من بعدهم لبني إسرائيل، وهنا قد يسأل سائل: كيف وقد ترك بنو إسرائيل مصر وخرجوا منها، ولم يأخذوا شيئاً من هذا النعيم؟
قالوا: المعنى أورثهم الله أرضاً مثلها، قد وعدهم بها في الشام"
ويقول ابن عاشور:"{وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ} معترضة أيضا والواو اعتراضية وليست عطفا لأجزاء القصة لما ستعمله. والإيراث: جعل أحد وارثا. وأصله إعطاء مال الميت ويطلق على إعطاء ما كان ملكا لغير المعطى "بفتح الطاء" كما قال تعالى {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، أي أورثنا بني إسرائيل أرض الشام، وقال {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32].
والمعنى: أن الله أرزأ أعداء موسى ما كان لهم من نعيم إذ أهلكهم وأعطى بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم، وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون وقومه من الجنات والعيون والكنوز لأن بني إسرائيل فارقوا أرض مصر حينئذ وما رجعوا إليها كما يدل عليه قوله في سورة الدخان {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان: 28]. ولا صحة لما يقوله بعض أهل قصص القرآن من أن بني إسرائيل رجعوا فملكوا مصر بعد ذلك فإن بني إسرائيل لم يملكوا مصر بعد خروجهم منها سائر الدهر فلا محيص من صرف الآية عن ظاهرها إلى تأويل يدل عليه التاريخ ويدل عليه ما في سورة الدخان.
فضمير {وَأَوْرَثْنَاهَا} هنا عائد للأشياء المعدودة باعتبار أنها أسماء أجناس، أي أورثنا بني إسرائيل جنات وعيونا وكنوزا، فعود الضمير هنا إلى لفظ مستعمل في الجنس وهو قريب من الاستخدام وأقوى منه، أي أعطيناهم أشياء ما كانت لهم من قبل وكانت للكنعانيين فسلط الله عليهم بني إسرائيل فغلبوهم على أرض فلسطين والشام. وقد يعود الضمير على اللفظ دون المعنى كما في قولهم: عندي درهم ونصفه، وقوله تعالى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]، إذ ليس المراد أن المرء الذي هلك يرث أخته التي لها نصف ما ترك بل "
3- هذا رابط أحد الكتب عن بني إسرائيل وهي كثيرة بنو إسرائيل في القرآن والسنة – د. محمد سيد طنطاوي.pdf - 4shared.com - document sharing - download
حياكم الله يا شيخ عبدالرحمن
أسئلتكم جزء من أسئلة كثيرة تدور في فلك الغموض في تاريخ بني إسرائيل وغيرهم.
أتدري أين مشكلتنا؟
تكمن في جهلنا بكل ما حدث على الأرض، حتى وصل ذلك إلى أمور عظامٍ ، منها:
أين آثار حضارة سليمان عليه السلام ؟
أين أثر يوسف عليه السلام في تاريخ مصر؟ فلم يرد له ذكر في تاريخ مصر، ولا هم وجدوا إلى الآن أثر يدل عليه، مع عظمة تاريخه ، وأثره في البشرية في وقته.
فهذه ذُكِرت في القرآن ، ونحن نجزم بكونها حق لا مرية فيه، وإن لم نجد لها أثرًا عند المؤرخين، إذ ليس كل حقيقة تاريخية ذُكرت في القرآن يلزم أن تكون مما تداولها المؤرخون.
ولذا فإن قولكم (مع أن المعلوم تاريخيا ان بني إسرائيل لم يعودوا لمصر بعد موسى عليه السلام) يحتاج إلى إعادة نظر، إذ هل توصلنا إلى معرفة كل التاريخ حتى نجزم بهذا؟
وقول الله أصدق قيل، وظاهر كلامه يدل على وراثة بني إسرائيل لما كان لفرعون وقومه، وقد ذكر الله وراثة ما تركه فرعون وقومه في موضعين:
الأول : في سورة الشعراء : (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (9) ).
الثاني : في سورة الدخان :(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) ).فقد ذكر في الأول ( الكنوز ) ، ولم يذكرها في الثاني ، وهذا يدعو إلى التأمل ، وهو أن يكون ما ورثوه هو الكنوز على وجه الخصوص، ويكون الأمر أنهم عادوا إلى مصر ، واجتبوا هذه الكنوز ، وعادوا مرة أخرى إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله، وهذا لا يمتنع عقلاً، بل يشير إليه العجل الذي صنعه لهم السامري من حليهم ، فهو يحتاج إلى ذهب كثير ، والله أعلم.
ثم تكون الوراثة للمكان لقوم آخرين غير بني إسرائيل كما في سورة الدخان، وبهذا تكون ورثتان لفرعون وقومه:
الأولى : وراثة كنوزهم التي يمكن حملها ، وهذا لبني إسرائيل.
الثانية : وراثة أرضهم، وهذه لقوم آخرين غير بني إسرائيل. والله أعلم.
أقول هذا احتمالاً ولا أتقلده وأجزم به، بل هو بحاجة إلى نظر وتقليب فِكر.
جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب على ردكم، وقد كنت أعتقد ذلك - أن بني إسرائيل عاشوا في مصر بعد فرعون لظاهر الآيات - إلا أني عند قراءتي في تفسير الإمام الطاهر بن عاشور و توجيهه، و بعض قراءتي في تاريخ بني إسرائيل استشكلت الموضوع، و في إجابتكم - حفظكم الله - إيجاد بعض الاحتمالات لرفع الإشكال وفوق كل ذي علم عليم
و سبحان الله كم في تاريخ بني إسرائيل من غموض و اختلاف بين العلماء في مثل هذه الوقائع التاريخية القديمة بل و المستقبلة مثل الإفسادين المذكورين في سورة الإسراء ، ولعل اهتمامنا كثيرا بالوقائع التاريخية - ربما على حساب الدروس المستفادة من تاريخهم - أدى إلى هذه الإشكالات والله المستعان