لا يمكن لإنسان أياً كان في قضية وجود الخالق أن يحكم على الخالق بحكم إلا وقد سبق ذلك الحكم تصور معيّن عن الخالق الذي يريد الحكم عليه. حتى المُلحد الجلد لا يمكنه إنكار الصانع إلا وحكمه فرع عن تصور معين لخالق يأباه و لا يوافق عليه، إذ يستحيل أن يخوض المُلحد في قضية ممتنعة لذاتها (أي مستحيلة استحالة تامة) أو قضت ضرورة العقل بانتفائها، فهذا عبث وسفه، مثال ذلك أنك لا تجد عاقلاً يخوض بنظره ويجول بفكره للبرهنة على إمكان اجتماع النقيضين – كاجتماع الوجود والعدم - لأن علم ذلك (أي علم استحالة اجتماعهما) ضروري مركوز في النفس ومجرد محاولة البرهنة على إمكان ضد ذلك سفه وجنون يتباعد عنه حتى أخبث الملاحدة. وهكذا الخالق فإنه ليس شيئاً ممتنعاً لذاته ولا يحكم العقل بضرورة انتفاء وجوده، لأنه لو كان كذلك لكان إثبات امتناع وجوده أسهل من إثبات وجوده، بل لن يكون هناك حاجة لتجشم إثبات امتناع وجوده لأن الضرورات لا تفتقر إلى نظر، وعليه فوجود الخالق ممكن في أقل الأحوال مجاراةً للمخالف، والممكن لا يُمكن الحكم عليه بنفي أو إثبات إلا بدليل، فوجب على المُلحد إثبات عدم وجود الخالق بالأدلة كما أنه هو يطلب من المثبتين المؤمنين إبراز الأدلة على وجوده. وإذا بلغنا هذه المرحلة - أي الكلام في الممكنات - لعبت التصورات الشخصية والميول النفسية دوراً "عظيماً" في هذه المسألة، فعاد إلحاد الملاحدة إلى تصور معين لا إلى أن عدم وجود الخالق مسألة ضرورية أو أن النظر في الأدلة لا يقضي إلا بذلك، فهم لا يقولون بذلك ولا يجرؤون، ولكن الدهاة منهم يحاولون بالتمويه أن يصوروا لعامة الناس أن المسألة كذلك، وهذا ليس بشيء. فافهم هذا التأصيل وتأمله جيداً يزول عنك بإذن الله أصل الإشكال أو أكثره. المصدر :منتدى الألوكة
بعد طول تجربةٍ ومِراس؟ بالتأكيد، ولو لم تكتبها لعرفت أن الأمر كما قلت، لأن هذا الكلام بهذه الصيغة من حيث القوة والإختصار، لا يصدر إلا عن رجل خاض تجربة طويلة مع ظاهرة الإلحاد، فبارك الله فيك أيها الفاضل.
وهو كذلك - وفي " الإلحاد الجديد " (New Atheism) بشكل خاص، فهذا التوجه اللاديني يختلف عن توجهات إلحادية تمخضت في جو من المجادلات السياسية الفكرية الثقافية، من حيث أنه يستند إلى دوغمائيات أهمها " الطبيعانية " (Naturalism) باسم المنهج الطبيعي و " العلموية " (Scientism) باسم العلم. العبثية (Absurdism)، وبالتالي العدمية (Nihilism) تباعا، لا تنفصل عن الطبيعة - العالم، رغم محاولات إضفاء المعنى على تصورهم الإلحادي للعالم (Absurd Worldview)، وهنا يأتي التناقض الصارخ، فهي السفسطة الجديدة (Neo-sophism) إذن. إنهم لا يشعرون بحرج فكل شيء عبث !! وعندما يصل الإنسان إلى أسفل سافلين، فلا ينفع معه برهان، بل لا يمكن مخاطبة عقله البتة، فما العقل إلا مجموعة من التفاعلات العبثية " نشأت " و " تطوّرت " لا لتكون " عقلا " يحكم بقيم ويحتكم إلى قيم، إذ لا قيم أصلا فما هي إلا العدمية الملازمة للعبثية ضرورة، بل لكون تلك التفاعلات قد حدثت كما جرى فكان ما سميناه عبثا " العقل ". فإن كان الأمر كذلك وهو كذلك قطعا فلا ينفع معهم المنهج العقلي، فلابد من محاولة مخاطبة الفطرة والنسيان فقط.. وأنا عندما أتواصل معهم هنا في الغرب - ولا أهتم كثيرا بالتّملحد العربي - أرى الكثير منهم لا يشعر أصلا بالحقيقة التي تفرض نفسها من داخل عقيدتهم، فيتجاوز هذا الأصل محاولا رمي الكرة في ملعب المؤمن، إما بدعوى أن المؤمن هو صاحب الإدعاء، وإما ببث الإعتراضات العقلية والأخلاقية على الإيمان .