بطالة العقول

إنضم
08/08/2007
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]بطالة العقول[/align]
[align=right]إعداد/محمد المصري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ... وبعد ،،
*-فهذا مبحث أرجو أن يكون مبادرة موفقة لدعم مزيد من التفكير بمنهجية بعيدا عن الرتابة والتقليد فما كان من خير فهو من الله وحده وما كان من شر فهو من نفسي والشيطان .
المقدمة:-
"في هذه الأيام التي لا نزال نتلمس فـيـهـا طـريق النهضة وطريق التغيير ، نحن بحاجة إلى مفكرين (فقهاء) وبالمعنى العام لكلمة (فقه) وهـي : (الفهم العميق للإسلام )، كما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل«.، نحن بحاجة إلى فقهاء علماء يعرفون سنن التغـيـيـر وأمـراضـنـا الاجتماعية وواقعنا وواقع غيرنا تمام المعرفة ، وما هي الخطوات المرحلية التي يجب أن نبدأ بها ، وإذا كان الغرب يـنـتـقل إلى الهم الاقتصادي والثورة (التقنية) فإننا في بلاد المسلمين لازلـنـا بـحـاجـة إلـى التخـطـيـط الـفـكـــري ؛ فإن هذه البضاعة لا تزال عزيزة ، وإذا وجدت فإنها بضاعة غير رائجة ، فلا تزال المنزلة الأولى للخطيب والواعظ ، وصاحب الحديث الجذاب والبلاغة الأدبية، ولا تزال المجلة الفكرية،والمحاضرة الفكرية ثقيلتي الظل على السامع أو القارئ المسلم بشكل عام، وإذا حـدث ودعــي مـفـكـــر لندوة أو محاضرة فهي من باب (التملح( أو لكسر الروتين السائد، إن مشكلة (المسلم) لا تحل إلا بتحديدها تحديداً دقيقاً، والتفكير فيها، وهذا لا يؤتاه إلا (أولو الألباب) وعندمـــا ذكر القرآن الكريم أن عشرين من المؤمنين. يغلبون مائتين من الذين كفروا قال : ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ((..
ولذلك قال عبد الله بن مسعود يـصـف بـعـض المظاهر في آخر الزمان : »يكثر الخطباء ويقل الفقهاء«.
عندما كان العلماء الفقهاء هم الموجـهــون أو هم الحكام كانت الأمور تسير سيراً صحيحاً ، وعندما انفصلت السياسة عن الفكر أصيبت بالانحراف ثم بالتدمير ، وفي دول الغرب الآن نجد أن السر في قوتها »هو تـكـامـل الفكر والسياسة ، واعتماد رجال التخطيط والتنفيذ في دوائر السياسة والإدارة على ما يقدمه رجال الفكر العاملون في مراكز البحوث والدراسات خـلال الـلـقــاءات الــدوريــــة التي تجمع بين الفريقين لمناقشة وتقويم القضايا الداخلية والخارجية ، ففي بلد كالولايات المتحدة هناك حوالي تسعة الآف مركز بحوث ودراسات متخصصة في بحث شؤون السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية، لا شك إنهم في الغرب يـمـارسون هذه الصناعة ويشجعونها ، بل عندهم (بنوك) للأفكار ، فـالــذي يـقــدم فـكــرة جديدة، تخزن حتى تأخذ طريقها للتنفيذ، ونحن لم نمارس هذه الصناعة - إلا في القليل.(1)ومن أثر ذلك أن(المرء الناظر للواقع الإسلامي يكاد يقطع بأن من الأسباب الرئيسية للتخلف الفكري والمنهجي الذي تمر به الأمة المسلمة على وجه العموم،و الفئة المسلمة على وجه الخصوص، هو أننا جعلنا التفكير ورسم الخطط مهمة آحاد من الناس أما البقية فهم متفرجون ، لا يتجاوز دورهم تكثير السواد ، ولعل من أبرز مقومات النهوض بالأمة وإنجاح العمل الإسلامي أن تستحث الطاقات الكامنة الخاملة ،إلى التفكير وفق الأسس والموازين الشرعية فلأن تفكر الأمة بمائة عقل خير لها وأنفع من أن تفكر بعقل واحد)(2).
*الاشتقاق اللغوي للتفكر:-
ذكر صاحب اللسان في مادة (فكر) قوله: «الفَكر والفِكر: إعمال الخاطر في الشيء ... والفكرة: كالفكر، وقد فكر في الشيء وأفكر فيه وتفكر بمعنى. ورجل فكيِّر. أي: فسيق. وفكير: كثير الفكر. وقال الجوهري: التفكر: التأمل. والاسم: الفكر والفكرة. والمصدر الفَكر بالفتح»(3) ،وقال في مفردات القرآن: «الفكرة: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم. والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب. ولهذا روي «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله؛ إذ كان الله منزهًا أن يوصف بصورة»(4 ) .
قال الله _عز وجل_: "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ" (الروم:8).
ورجل فكيِّر: كثير الفكرة، قال بعض الأدباء: مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني؛ وهو فرك الأمور وبحثها طلبًا للوصول إلى حقيقتها)(5) .

*معاني للفكر والتفكر:-
التذكر، والنظر، والاعتبار، والتدبر، والاستبصار ... إلى غيرها من المعاني المتقاربة. وعندما أورد الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذه المرادفات للتفكر عقَّب على ذلك بقوله: «وهذه معان متقاربة تجتمع في شيء وتتفرق في آخر، ويُسمَّى تفكرًا؛ لأنه استعمال الفكر في ذلك وإحضاره عنده، ويُسمَّى تذكرًا؛ لأنه إحضار للعلم الذي يجب مراعاته بعد ذهوله وغيبته عنه، ومنه قوله _تعالى_: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف:201).
ويُسمَّى نظرًا؛ لأنه التفات بالقلب إلى المنظور فيه، ويُسمَّى تأمّلاً؛ لأنه مراجعة للنظر كرّة بعد كرّة حتى يتجلّى له وينكشف لقلبه، ويُسمَّى اعتبارًا وهو افتعال من العبور؛ لأنه يعبر منه إلى غيره فيعبر من ذلك الذي قد فكّر فيه إلى معرفة ثالثة وهي المقصود من الاعتبار، ولهذا يسمى عبرة. وهي على بناء الحالات - كالجلسة والقتلة - إيذانًا بأن هذا العلم والمعرفة قد صار حالاً لصاحبه يعبر منه إلى المقصود منه، وقال الله _تعالى_: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى" (النازعـات:26)، وقال: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ" (آل عمران: من الآية13).
ويُسمَّى تدبرًا؛ لأنه نظر في أدبار الأمور - وهي أواخرها وعواقبها - ومنه تدبّر القول، وقال _تعالى_: "أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ"؟ (المؤمنون: من الآية68)؟ "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" (النساء:82)، وتدبّر الكلام أن ينظر في أوله وآخره، ثم يعيد نظره مرة بعد مرة، ولهذا جاء على بناء التفعّل كالتجرّع والتفهّم والتبيّن.
وسمّي استبصارًا وهو استفعال من التبصّر؛ وهو تبيّن الأمر وانكشافه وتجلّيه للبصيرة. وكلٌّ من التذكّر والتفكّر له فائدة غير فائدة الآخر؛ فالتذكّر يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فيه وليثبت ولا ينمحي فيذهب أثره من القلب جملةً،والتفكّر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلاً عند القلب.
فالتفكّر يحصِّله والتذكّر يحفظه. ولهذا قال الحسن: «ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكّر، وبالتفكّر على التذكّر ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة»، فالتفكّر والتذكّر بذار العلم، وسقيه مطارحته، ومذاكرته تلقيحه. كما قال بعض السّلف: «ملاقاة الرجال تلقيح لألبابها». فالمذاكرة بها لقاح العقل؛ فالخير والسعادة في خزانة مفتاحها التفكّر؛ فإنه لا بدّ من تفكّر، وعلم يكون نتيجته الفكر، وحال يحدث للقلب من ذلك العلم؛ فإن كلّ مَن علم شيئًا من المحبوب أو المكروه لا بدّ أن يبقى لقلبه حالة وينصبغ بصبغة من علمه، وتلك الحال تُوجِب له إرادة، وتلك الإرادة تُوجِب وقوع العمل، فهاهنا خمسة أمور:
الفكر وثمرته العلم، وثمرتهما الحالة التي تحدث للقلب، وثمرة ذلك الإرادة، وثمرتها العمل. فالفكر إذن هو المبدأ والمِفتاح للخيرات كلها، وهذا يكشف لك عن فضل التفكّر وشرفه وأنه من أفضل أعمال القلب وأنفعها له حتى قيل: تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة، فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحابّ، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة،ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصّمَم والبكْم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه، ومن أمراض الشُّبُهات إلى برد اليقين وثلج الصدور. وبالجملة فأصل كل طاعة إنما هي الفكر، وكذلك أصل كل معصية إنما يحدث من جانب الفكر»(مفتاح دار السعادة)(6).
(والتفكير هو عملية معالجة للمعلومات، فهناك كم كبير من الصور والأصوات والإحساس من الخارج عن طريق الحواس ومن الداخل من الذاكرة. والتفكير هو عملية تصنيف ومقارنة وتقييم لهذه المعلومات على ضوء منظومة الإيمان والاعتقاد والقيم … وبالتالي صياغة استراتيجية ينتج عنها تعبير لغوي أو سلوكي كما ينتج عنها تأثيرات فسيولوجية في العضلات والتنفس ولو البشرة وتعبيرات الوجه..).
يقول الانجليزي برناردشو:( إن بعض الناس يفكر في العام مرتين أو ثلاثاً فقط.(7).
ثبت المراجع
*القرآن الكريم.
1-(صناعة الفكر) مجلة البيان، العدد (28)، شوال 1410،مايو 1990.
2-لم لا نفكر..؟! أحمد بن عبد الرحمن الصويان " بتصرف "عن موقع: إسلامياتhttp://islameiat.com/doc
3-قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل: (ص 10) نقلاً عن كتاب أفلا تتفكرون للشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل.
4-«مفتاح دار السعادة»: (1/191) نقلاً عن المصدر السابق.
5- (المفردات للاصفهاني) نقلاً عن المصدر السابق.
6- (مفتاح دار السعادة)لابن القيم رحمه الله ،نقلاً عن أفلا تتفكرون.للشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل.انظر موقع المسلمwww.almoslim.net
7- (حتى لا تكون كلاً)د.عوض القرني فصل بعنوان "وقفات مع الفكر والتفكير
[/align]".
 
جزاكم الرحمن صالحة !

جزاكم الرحمن صالحة !

بسم الله ...
نشكر فضلكم أستاذنا على هذه المقالة الطيبة...
و في جعبتي لكم: تعليق و سؤال .
في قولكم :
[align=center]بطالة العقول[/align]
[align=right][B، وفي دول الغرب الآن نجد أن السر في قوتها »هو تـكـامـل الفكر والسياسة ، واعتماد رجال التخطيط والتنفيذ في دوائر السياسة والإدارة على ما يقدمه رجال الفكر العاملون في مراكز البحوث والدراسات خـلال الـلـقــاءات الــدوريــــة التي تجمع بين الفريقين لمناقشة وتقويم القضايا الداخلية والخارجية ، ففي بلد كالولايات المتحدة هناك حوالي تسعة الآف مركز بحوث ودراسات متخصصة في بحث شؤون السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية، لا شك إنهم في الغرب يـمـارسون هذه الصناعة ويشجعونها ، بل عندهم (بنوك) للأفكار ، فـالــذي يـقــدم فـكــرة جديدة، تخزن حتى تأخذ طريقها للتنفيذ، ونحن لم نمارس هذه الصناعة - إلا في القليل[/B][/align]".

بكل صراحة أقول : مقارنتنا بالغرب اليوم مغيظ جدا !!
فالأولى -في نظري المتواضع - أن نقارن أنفسنا بالدولة الإسلامية في عصور ازدهارها...لتعود لنا أمجادنا، لا أن نقيس أنفسنا بهؤلاء !!
و لا أنكر تقدمهم علينا؛ لكن طالما القرآن بين أيدينا؛ فلسوف ترجع أمجادنا؛ إن أدركنا ما فيه ...
هذا ما أعتقده؛ و إن أخطأت؛ فأرجو من حضرتكم التصويب.

أتساءل هل نفهم من المقالة :
أن عملية التفكير لابد أن يكون أحد نتائجها العمل؛ كنتيجة أساسية حتمية؟؟
أي: التفكير = دافع للعمل ؟؟أهذا صحيح؟

و دمتم في رعاية ربي، و حفظه !!
 
الأخت النجدية .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذه إجابات سريعة علي تعليقك ،لأن الموضوع له بقية :-
1-قولك ((مقارنتنا بالغرب اليوم مغيظ جدا !!
فالأولى -في نظري المتواضع - أن نقارن أنفسنا بالدولة الإسلامية في عصور ازدهارها...لتعود لنا أمجادنا، لا أن نقيس أنفسنا بهؤلاء !!))
أقول أن هذه المقدمة عبارة عن مسح للواقع الحالي ولذلك مهدت بقولي "قال عبد الله بن مسعود يـصـف بـعـض المظاهر في آخر الزمان : (يكثر الخطباء ويقل الفقهاء) هذا هو الوصف الحالي .
وعرجت عن الفترة الذهبية من التاريخ الإسلامي بقولي(عندما كان العلماء الفقهاء هم الموجـهــون أو هم الحكام كانت الأمور تسير سيراً صحيحاً)،وتجدي في بقية المبحث إن شاء الله إيضاح أكثر.
وبالنسبة لسؤالك الثاني (أتساءل هل نفهم من المقالة :
أن عملية التفكير لابد أن يكون أحد نتائجها العمل؛ كنتيجة أساسية حتمية؟؟)نعم ولذلك قلت في هذه المقدمة
الفكر وثمرته العلم، وثمرتهما الحالة التي تحدث للقلب، وثمرة ذلك الإرادة، وثمرتها العمل. فالفكر إذن هو المبدأ والمِفتاح للخيرات كلها، وهذا يكشف لك عن فضل التفكّر.
وجزآكم الله خيراً.
 
المبحث الأول

المبحث الأول

[align=right]الأسباب الداعية لأهمية التفكير والتربية علي الإبداع:-[/align]

1-*القرآن يدعو إلى التأمل و التفكير:-

-[align=right]أن آيات القرآن تدعو إلى التفكر فى الآيات الكونية وفى الأنفس ومن آيات الله في الكون قوله تعالى ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) النحل))
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى (إن في ذلك لآية } يقول جل ثناؤه : إن في إخراج الله بما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لآية : يقول : لدلالة واضحة وعلامة بينة : { لقوم يتفكرون } يقول : لقوم يعتبرون مواعظ الله ويتفكرون في حججه فيتذكرون وينيبون ،ويقول في تفسير قوله تعالى(إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون }يقول تعالى ذكره : إن في تسخير الله ذلك على ما سخره لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون عنه تنبيهه إياهم) (8) فالقرآن ليس كتاب تاريخ أو جغرافيا أو علوم طبيعة ولكنه رسم للعقول دروباً تسدد الفكر،وأوجد المناخ العلمي كي ينتفع الناس بما سخرا لله لهم مما في الأرض ويستنبطوا في العلوم ما ينفعهم ولا يضرهم.،أوجد القرآن المناخ العلمي لينتفع الناس من التاريخ والجغرافيا فذكر أسباب التقدم وأسباب الانهيار عند الأمم(( قلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام : 11] ،فالمناخ العلمي هو الذي يسمح بالإبداع وطرح الأسئلة ولذلك شنع القرآن على الجمود وعلى الذين يقولون (إنا وجدنا آباءنا) الزخرف23).إن الله سبحانه عندما أعطى الإنسان قوى العقل ليفكر أرادمنه أن يكون التفكير طريقاً لما هو أنجح وأقوى وأحكم ولم يعطيها للإنسان ليجعلها خيالات وخرافات(9)،يقول الشيخ ابن عاشور:( إن إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة الإسلامية في إقامة نظام الاجتماع، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والعلم والاعتبار....) (10) كما يدعو القرآن إلى التفكير بشكل عام والتخلص من إرث الآباء والأجداد كما في قوله تعالىُ(( قلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سبأ : 46]
-وبين القرآن أن سبيل الدعوة الصحيحة وهو سبيل المرسلين الدعوة على بصيرة.
-يقول تعالى في سورة يوسف [ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف : 108]قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته { سبيلي } وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله وحده لا شريك له { على بصيرة } بذلك ويقين علم مني به أنا ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي { وسبحان الله } يقول له تعالى ذكره : وقل تنزيها لله وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه : { وما أنا من المشركين } يقول : وأنا بريء من أهل الشرك به لست منهم ولا هم مني
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ذكر من قال ذلك حدثني المثنى قال أخبرنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس في قوله : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة } يقول : هذه دعوتي
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة } قال : { هذه سبيلي } هذا أمري وسنتي ومنهاجي { أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } قال : وحق والله على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه ويذّكر بالقرآن والموعظة وينهى عن معاصي الله
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس قوله : { قل هذه سبيلي } هذه دعوتي
حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع : { قل هذه سبيلي } قال : هذه دعوتي. (11)
يقول الهروى رحمه الله في المنازل في الكلام على نفس الآية :- يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهى البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة ، وهى أعلى درجات العلماء،قال

تعالى(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) أي أنا واتباعى على بصيرة، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله على بصيرة، وعلى القولين:-
فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى،ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة وإن كان أتباعه على الانتساب والدعوى)(12).
فنرى من تفسير السلف لهذه الآية أن" البصيرة " يجب أن تكون من سمات القائد والأتباع أيضا لا ينفرد بتا أحد دون الآخر.
ونرى كذلك أن القرآن قد أخبرنا عن قوم ضلوا بسبب عدم تفعيل عقلهم وتفّكرهم واتّبعوا ما عليه الآباء وهم أصحاب "العقلية الآبائية"وهم الذين قالوا(إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (الزخرف23 ) فحين عطلوا تفكيرهم عن إبصار الحق ارتكسوا هم وآباءهم في الضلال المبين
[/align](13).


2-*[align=right]النبي صلي الله عليه وسلم يربي تربية القادة لا تربية العبيد[/align](14):-
[align=right]حرص محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أصحابه أنه إنما هو بشر يرضى كما يرضى البشر ويغضب كما يغضب البشر ويخطئ ويصيب فى الأمور الدنيوية كما يخطئ البشر ويصيبون مع عصمة الله له فيما يبلغه عن ربه ،كان صلى الله عليه وسلم أصحابه فيقول لهم(لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ورسوله)(البخارى) وفى سبيل هذه التربية لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع بأمر دون استشارة أصحابه، ففى بدر يقف صلى الله عليه وسلم حينما أتاه خبر مسيرة قريش على المسلمين فيستشير من معه من أصحابه فيتكلم أبو بكروعمرثم المقداد كلاماً حسناً،ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكتفى ولكنه ينظر إلى القوم ويقول لهم أشيروا على أيها الناس حتى يقوم سعد بن معاذ ويقول مقولته الطيبة ، فيقول عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيروا وابشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم" والرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه ويدع رأيه لرأيهم ففي بدر يتكلم الحباب ابن المنذر بشان المكان الذي ينزلون فيه فينهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحول إلى المكان الذي يسير به الحباب رضي الله عنه.
-وفى غزوة الخندق قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشورة سلمان بحفر الخندق وكان صلى الله عليه وسلم يعمل إلى جانب العاملين، روى البخاري عن البراء رضى الله عنه قال"لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلد بطنه وكان كثير الشعر" فى كل هذه الأمثلة ترى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه واعترافه برأيهم ورضاه بصراحتهم وجرأتهم في الحق، وهذه التربية تنتج قادة يحملون التبعات ، لا اتباعاً يسيرون وراء كل ناعق.
-ومن أمثلة هذه المواقف موقف الصحابي أبي حذيفة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر:-"من لقي منكم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنما خرج مستكرهاً، فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف" إنه لموقف يتجلى فيه الصدق والصراحة والجرأة وقد بلغت كل هذه غايتها ، وما كان الأصحاب ليقفوا مثل هذه المواقف لولا ما عهدوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن استقباله للقول الذي يندفع به صاحبه،ما يدفعه إلا الصدق والإخلاص في القول، هكذا كانت تربية محمد صلى الله عليه وسلم،تربية لروح النقد والصراحة بالحق والجهربه،تربية تهدف إلى إنشاء قادة يستطيعون أن يضلعوا بأعباء القيادة حين تغيب القيادة وهذه التربية هي القدوة الصحيحة للتربيةالاسلامية، وكل تربية تبعد عن سبيل هذه التربية تعتبر تربية منحرفة بمقدار ابتعادها، وفى هذه التربية يشعر كل فرد بأنه مسئول عن الدعوة الإسلامية حتى ولوكان وحده، وكل فرد مسئول عن وظيفته الخاصة في الفئة المسلمة كما هو مسئول عن سير الفئة كلها، ولأدنى فرد في هذه الفئة أن يقف أمام خليفة المسلمين ليدلى برأيه وليعارض أي رأى أو قول أو فعل يجد فيه خطأ[/align]


3-*[align=right]عمر رضي الله عنه يطبق الميزان:-
تأمل حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ يقول حين صعد على المنبر (إذا أصبت فأعينوني ، وإذا أخطأت فقوموني، فقال له رجل من بين الناس إذا أخطأت قومناك بسيوفنا .. ! عمر بن الخطاب رضى الله عنه لا يرضى بتعبيد الناس له ومصادرة عقولهم ،وتغييبهم عن الساحة ،بل يطالبهم بالمشاركة،والناس لا ترضي بالتبعية والعجز،وهكذا تبني الأمم،ويقول أيضا رضي الله عنه (من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها") ياليته هلك وحده بل قد يكون اهلك منابع الخير والنور التي استفاد منها عشرات الأجيال(15).
-وقفة من عمر بن عبد العزيز:- قال عمر بن عبد العزيز : لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا وما فيها . وقال أيضا : والله إني لأشترى ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال فقالوا : يا أمير المؤمنين تقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك؟ فقال : أين يذهب بكم ؟ والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف ، إن في المحادثة-يعنى له ولمثله-تلقيحا للعقل وترويحا للقلب ، وتسريحا للهم وتنقيحا للأدب "(16) .
يتبع إن شاء الله
[/align].


8- [align=right]تفسير الطبري تفسير سورة النحل.
9- د.محمد العبدة"بعض أسس التفكير كما جاءت في القرآن الكريم"ص3 من سلسلة دروب النهضة طباعة دار الصفوة بمصر.
10-- الطاهر بن عاشور"النظام الاجتماعي في الإسلام" نقلا عن المصدر السابق ص4.
11-- تفسير الطبري تفسير سورة يوسف.
12- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد طبعة دار الفتح ص77 .
13- أزمة العقل المبدع للباحث.
14- سبيل الدعوة الإسلامية للدكتور محمد أمين المصري رحمه الله دار الأرقم الكويت.
15- لم لا نفكر..؟! أحمد بن عبد الرحمن الصويان مرجع سابق.
16- (مشاركة العقول) من موقع إسلاميات
[/align]).
 
المبحث الثاني

المبحث الثاني

[align=center]أسباب مرض الرتابة وعدم التفكير والاعتماد على الغير في التفكير[/align]
[align=right]أ-تأثير العادات والأعراف[/align]:-
[align=right]إن من أخطر العوامل المؤثرة سلباً على طريقة التفكير والتحليل بناء المعارف العلمية التي ينشأ عليها الإنسان فهو يعتقد صحة المسألة لكثرة تكرارها وتداولها في بيئته التي نشأ فيها ، فهي معارف مبينة على التقليد والمحاكاة وليس على التفكير والتدبر وكثيراً ما نعتقد صحة فكرة ما من الأفكار حتى تصبح مسلمة عندنا حتى إذا خرجنا إلى بيئة أخرى اكتشفنا بطلانها وخطأها وقديماً كان يقال ( لا يعرف الإنسان خطأ شيخه حتى يجلس عند شيوخ آخرين ) .... إن الشعور بالسلامة المطلقة للبيئة التي يعيش فيها الإنسان واعتقاده بكمالها وخلوها من الأمراض يقوده إلى التبعية وحبس العقل عن التدبر والتأمل ، وسوف يؤدي هذا إلى الضمور والتآكل ، وأما الإحساس بضرورة النمو والتحسين وليس بالضرورة الخطأ – فإنه يقوده إلى الإبداع والتجديد وتطوير الطاقات ، فالتفكير المبدع هو الذي يحول الركود والرتابة والتلقائية إلى حركة حية منتجة تتطلع دائماً إلى المزيد ، وكما قال الفضل : - { التفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك } " دار السعادة " ، وقال بن القيم { التفكر والتذكر بذار العلم ، وسقية مطارحته ، ومذاكرته تلقيحه } (17)فالتفكير الصحيح وسيلة من وسائل الإنعتاق من آثار العادة والاتكال على تفكير الآخرين ولهذا تضمنت دعوات الأنبياء جميعاًَ – عليهم الصلاة والسلام – دعوة للتفكر والنظر ، والتخلص من إرث الآباء والأجداد . قال الله تعالى { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة – سبأ 46[/align] .

) [align=right]ب ) التربية الحزبية [/align]: -
[align=right]لقد نجحت التربية الحزبية في صناعة الببغاوات والقطعان الهائمة التي لا تجيد إلا فن التصفيق والإشادة وإجترار الشعارات ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في بناء العقول الحية المبصرة القادرة على بناء المواقف وصناعة الأحداث ، فالتربية الحزبية أفضل طريقة لوأد العقل وإماتة البصائر هذه التربية التي تبنى على ضرورة التسليم والإنقياد دون النظر والتفكير [ ومن قلد عالماً لقي الله سالماً ] هكذا هم يقولون ... أخزى الله التبعية الصماء كم قتلت من الطاقات ؟! لذلك فإن العمل الإسلامي ينبغي أن يكون على هيئة " إطار عمل " وليس " إطار إنتماء " [/align].

[align=right]ج )- الهزيمة النفسية [/align]:
[align=right]أصيب كثيراً من المسلمين بمرض فتاك وهو الهزيمة النفسية ولهذا المرض شق يختص بموضوعنا وشق آخر يتعلق بالانقياد بالأعداد والتشبه بهم ، أما فيما يتعلق بموضوعنا فنجد أن كثيراً من الطيبين على الساحة الإسلامية يقولون بذلنا ما في وسعنا لإقامة دولة الإسلام ولم تقم منذ كم ونحن ندعو ونربي ... ؟! ألخ وتدعو هذه النفسية المنهزمة إلى الانغلاق على النفس والتفكير ببلاده بدلاً من أن يفكر في إيجاد حلول عملية إيجابية لترشيد الأخطاء وتصحيحها حتى يتم التمكين لهذا الدين في الوقت المناسب بتقدير الله وبالطاقة المناسبة لهذا العمل ،ومن مشاهد الهزيمة النفسية مشهد التقليد وعدم الابتكار فنجد كثير من المسلمين لا يفكر في قضية الإبتكاروالإختراع في النواحي العلمية ولا يفكر في يوم من الأيام أين يكون مخترعاً أو مفكراً أو مبتكراً فتجد أنه في كثير من الدول لا يستطيع حتى صناعة الأمور البسيطة من حاجياتها ولله الأمر من قبل ومن بعد.[/align]
د- [align=right]العيش في الخيالات[/align]
[align=right]والأوهام والأحلام الفارغة والتعامي عن حقائق الواقع، والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى الإنسان إليه من تطوير للواقع وإبداع وتجديد في حدود الممكن أما إذا حلق بصاحبه في أجواء المستحيلات وعاش في ظلاله فقط معرضاً عن العمل فهو الداء القائل للفكر والمرض الفاتك بالعقل[/align](18).
هـ- بلادة الحواس
[align=right]لأن بوابات الفكر ومنافذ العقل هي الحواس من سمع وبصر وذوق وحس وشمّ.
فإذا عوَّد الإنسان حواسه على دقة الملاحظة وسرعة الاستجابة نشطت للعمل وكانت نعم العون للتفكير، وإذا عوَّدها على الخمول والكسل تعطلت عن أداء وظائفها وأصبح حال صاحبها كما قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )(
19).
[/
align]
[align=right]يتبع إن شاء الله

ثبت المراجع:-

17-مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله نسخة إلكترونية.
18-(حتى لا تكون كلاً)د.عوض القرني فصل بعنوان "وقفات مع الفكر والتفكير
".
19-المرجع السابق
[/align].
 
المبحث الثالث

المبحث الثالث

* [align=center]بـعــض الـحـلـــول[/align]

1 - [align=right]الخروج من إطار القوقعة الفكرية وعدم الإقتصار على فرد بعينه بل يجب الإنفتاح على الأفكار الناضجة التي تثير ملكة العقل للتفكير والإبتكار، ورحم الله الإمام الشاطبي، حيث يقول: "فإن الله حكم بحكمته أن تكون فروع الملة قابلة للأنظار، ومجالاً للظنون، وقد ثبت عند النُظَّار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات؛ فلذلك لا يضر هذا الاختلاف".(20)

2-التربية على علو الهمة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم التواني والكسل ويعلمنا الدعاء { اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال – البخاري } فالمسلم يجب أن تكون عنده نفسية قوية فإذا أخطأ أو حدثت له مشكلة فيقول ( قدر الله وما شاء فعل ) ويبدأ من جديد ويعمل للمستقبل)يقول ابن القيم رحمه الله ، واصفًا الهمّة العالية: 'علو الهمّة ألا تقف - أي النفس- دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله، وقربه والأنس به، والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية. فالهمّة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، ولكما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان'.(21)
– فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يربي أحد أبناءه إلى التطلع للأحسن ، فقد ورد عن علي بن أبي طالب : [ أنه سأل إبنه : تريد أن تكون مثل من ؟ فقال له أحد أبناءه : - أريد أن أكون مثلك ، فقال له : لا بل قل إنك تريد أ، تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنك إذا كان هدفك أن تكون مثل علي فلعلك لا تصل إلى علي ؟ ولو كان هدفك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتك ، قد تكون أفضل من علي بن أبي طالب ] ( 22)
ً-3الإبتعاد عن التشاؤم والمتشائمين لأنهم من الذين يثبطون الهمم ، فهذا إبن عباس رضي الله عنه حبر الأمة يلتمس أخ له ليسلكا طريق العلم فيثبط0ه بمقولة [ فما جدوى ذلك والأمة الإسلامية مليئة بالعلماء أمثال إبن مسعود وغيره ] فيتركه إبن عباس رضي الله عنه حتى يكون له الباع في العلم ويفتتح جامعته الذي كان فيها مديرها وأستاذها فهكذا تصنع الهمم العالية بأصحابها.
يتبع إن شاء الله
ثبت المراجع:-
20-الموافقات للشاطبي رحمه الله نقلاً عن الاستبداد الدعوي للصويان.
21-'الهمة طريق إلى القمة' للدكتور/محمد موسى الشريف دار الأندلس الخضراء.
22- يقول محقق "كتاب الهزيمة النفسية"للخاطر رحمه الله أنه لم يجد له أصلا[/align]
).
 
إهتمام العمل الإسلامي بصناعة الإبداع

إهتمام العمل الإسلامي بصناعة الإبداع

[align=right]-إهتمام العمل الإسلامي بصناعة الإبداع (23):-
تتأكد أهمية اقتناء سفينة الإبداع للعاملين في الحقول الإسلامية في هذا الوقت بالذات الذي تكالبت فيه العوائق والصعوبات، وتفاقمت فيه الانشطارات والانقسامات، وشحت فيه الموارد والمساعدات، والتفكير العلمي والإبداعي الذي يضمن بالإخلاص والمتابعة التغلب على تلك المشاكل والأزمات، ويرسم طريقاً تعرف فيه الأولويات، وترسخ به الثوابت، وتميز به الصفوف، وتلتحم به العلاقات، وينهض به العمل الإسلامي، وتطيب ثماره، وتدار مشاريعه ومؤسساته، وتستكشف آفاقه ومجالاته.
*المواد الأساسية لصناع الإبداع:
وفيما يلي أهم المواد التي تسهم في صناعة سفينة الإبداع بشرط الالتزام بمصدر التلقي كتابـاً وسنـة وبعـد توفـيق الله ـ تعالى ـ وعونه:
1 ـ الإيمان بأهمية صنع البيئة الإبداعية وبإمكانياته، وبضرورة انبثاقه من قوله ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، الأمر الذي يحتم إحداث (انقلاب فكري) في العقل المسلم الجمعي والفردي على حد سواء، ينشأ معه انجذاب صادق للمعرفة لا للمـعرفة ذاتهــا، ولا لتحصيل لذة عقلية، ولا للظفر بشهرة علمية، ولا لتحقيق رغبة دنيوية وإنما هو انجذاب للمعرفة بقصد تطوير الذات وبنائها، لا للتطوير ولا للبناء ذاتهما أيضاً، وإنما للإبداع وللنهوض وللنماء وللعطاء المراد به وجه الله تعالى.
2 ـ الإشاعة في العقل المسلم، والإيحاء في ذاته أن (الإبداع عادة) تُكتسب بشيء من البذل في تعلم وسائلها، والتلبس في خصائصها، والتدرب على تطبيقاتها.
3 ـ تكييف العملية التعليمية والتربوية بما يجعلها دافعاً للإبداع ومحضناً للمبدعين، ومثل هذا التكييف يستلزم بالضرورة إعادة النظر في الأهداف التربوية، ومن ثم في وسائلها وبرامجها؛ بمعنى: أنه يجب أن يكون إكساب المتربين طرائق التفكير العلمي والإبداعي من الأهداف الأساسية.
4 ـ صياغة شعارات جذابة ترسخ أهمية الإبداع، وتبشر بنتائجه وتحتفي بكل ملتبِّس به، والاجتهاد في بثها وإذابتها في النفوس وتفعيلها في العقول.
5 ـ تنظيم دورات ودروس في التفكير العلمي والإبداعي لمختلف شرائح العمل الإسلامي.
6 ـ ضرورة تلبُّس المربين والمعلمين بخصائص الإبداع ـ ولو تكلفاً ـ تجسيداً للقدوة الصالحة.
7 ـ الاحتفاء بالمبدعين، وخاصة الأحداث منهم والاعتناء بهم وتقديرهم معنوياً ومادياً.
*العوامل التي تؤثر في نشاط الإبداع:
أسلوب التربية والتعليم.
المؤسسات الثقافية:- (الإعلام ـ المنتديات والنوادي والمراكز الثقافية والعلمية والفكرية ـ الثقافة الذاتية بالاطلاع الواسع المتجدد على مصادر المعرفة).
المنزل والأسرة (حيث يمكنها زرع الثقة والدفع للإبداع، ويمكنها كبت الطاقات وقتلها).
المجتمع ومدى الشعور بالانتماء إليه؛ الألعاب وطريقة اختيارها؛ الاهتمام بملكة التأمل والتخيل؛ فائض الوقت واستثماره؛ تأثير الجوائز التشجيعية.
5-العمل على اكتشاف الموهبين وذو الخصائص الإبداعية:-
إن القدرة على الاستفادة من مكامن التفوق، والتميز لدى المرؤوسين(المدعوين) بأفضل ما يمكن يعتبر من مسلّمات الإدارة الناجحة. ولكي يتحقق هذا كان لزاماً على الدعاة والمربين معرفة وتمييز هذه المكامن لدى المدعوين والمتربين وهو ما نعنيه باكتشاف الطاقات.
إن توفر الرجال (أولاً)، والقدرة على توظيفهم لخدمة أهداف رسمها لهم القادة (ثانياً) هما طرفا المعادلة الإدارية التي ينتج عنها نجاح القادة.
كتبت إحدى أكبر المنظمات العالمية هذه الكلمات لتعبر عن سر نجاحها وتفوقها: «لقد حققنا هذا النجاح من خلال تنظيم إداري وجو عمل يساعدان على اجتذاب أفضل الطاقات البشرية، وتطوير وشحذ المواهب الفردية».
يقول أحد المفكرين: «إن معرفة الرجال بعمق من أدق أعمال الرئيس وأكثرها تأثيراً، إنها ينبوع القوة التي يملكها، إنها سر الرؤساء العظام»(24).
*ولكي نستطيع التعرف على الموهوبين ورعايتهم ،ينبغي علينا أن نعرف الخصائص والسمات التي يتميزبها المبدعون لكي يساعدنا ذلك على إكتشافهم:-


خصائص المبدعين:
ثمة خصائص كثيرة يذكرها باحثو الإبداع، غير أن من أهمها ما يلي:
1 ـ الخصائص العقلية:
أ ـ الحساسية في تلمُّس المشكلات: يمتاز المبدع بأنه يدرك المشكلات في المواقف المختلفة أكثر من غيره؛ فقد يتلمس أكثر من مشكلة تلح على بحث عن حل لها، في حين يرى الآخرون أن (كل شيء على ما يرام)، أو يتلمسون مشكلة دون الأخريات.
ب ـ الطلاقة: وتتمثل في القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار في فترة زمنية قصيرة نسبياً، وبازدياد تلك القدرة يزداد الإبداع، وتنمو شجرته، وهذه الطلاقة تنتظم:
ـ الطلاقة الفكرية: سرعة إنتاج وبلورة عدد كبير من الأفكار، (اذكر كل الاستخدامات الممكنة لكوب الشاي).
ـ طلاقة الكلمات: سرعة إنتاج الكلمات والوحدات التعبيرية واستحضارها بصورة تدعم التفكير. (اذكر أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ بحرف الصاد).
ـ طلاقة التعبير: سهولة التعبير عن الأفكار، وصياغتها في قالب مفهوم.
ج ـ المرونة: وتعني القدرة على تغيير زوايا التفكير (من الأعلى إلى الأسفل والعكس، ومن اليمين إلى اليسار والعكس، ومن الداخل إلى الخارج والعكس، وهكذا) من أجل توليد الأفكار عبر التخلص من (القيود الذهنية المتوهمة) (المرونة التلقائية)، أو من خلال إعادة بناء أجزاء المشكلة (المرونة التكيّفية) مثال: الإمساك بطير وقع في حفرة عميقة.
د ـ الأصالـة: وتعنـي القـدرة على إنتـاج الأفـكـار الجديـدة ـ على منتجها ـ وغير المكررة؛ فهي (أي الأصالة) تقاس بقيمة الأفكار لا بعددها، بشرط كونها مفيدة وعملية.
هذه الخصائص الأربع حددها (جلفورد)، وتشكل هذه الخصائص بمجموعها ما يسمى بالتفكير المنطلق (المتشعب)، وهو استنتاج حلول متعددة قد تكون صحيحة من معلومات معينة، وهذا اللون من التفكير يستخدمه المبدع أكثر من التفكير المحدد (التقاربي)، وهو استنتاج حل واحد صحيح من معلومات معينة.
هـ ـ الذكاء: أثبت العديد من الدراسات أن الذكاء المرتفع ليس شرطاً للإبداع، وإنما يكفي الذكاء العادي لإنتاج الإبداع.
وزادت بعض الدراسات العربية: الاحتفاظ بالاتجاه، وتعني القدرة على التركيز لفترات طويلة في مجال اهتمامه، برغم المعوقات والمشتتات.
2 ـ الخصائص النفسية:
يمتاز المبدع نفسياً بما يلي:
أ ـ الثقة بالنفس والاعتداد بقدراتها.
ب ـ قوة العزيمة ومضاء الإرادة وحب المغامرة.
ج ـ القدرة العالية على تحمل المسؤوليات.
د ـ تعدد الميول والاهتمامات.
هـ ـ عدم التعصب.
و ـ الميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، مع خصائص اجتماعية وقدرة عالية على اكتساب الأصدقاء.
ز ـ الاتصاف بالمرح والأريحية.
ح ـ القدرة على نقد الذات والتعرف على عيوبها.
*خصائص متفرقة:
أ ـ حب الاستكشاف والاستطلاع بالقراءة والملاحظة والتأمل.
ب ـ الميل إلى النقاش الهادئ.
ج ـ الإيمان غالباً بأنه في (الإمكان أبدع مما كان).
د ـ دائم التغلب على (العائق الوحيد). (العائق الذي يتجدد، ويتلون لصرفك عن الإنتاج والعطاء).
هـ ـ البذل بإخلاص وتفان، وعدم التطلع إلى الوجاهة والنفوذ، بمعنى أن تأثره بالدافع الداخلي (كالرغبة في الإسهام والعطاء، تحقق الذات، لذة الاكتشاف، والانجذاب المعرفي، ونحوها) أكثر من الدافع الخارجي (المال، الشهرة، المنصب، ونحوها).
هل يتوجب توفر هذه السمات جميعها في الإنسان حتى يكون مبدعاً؟
بالنسبة للخصائص العقلية ينبغي توفرها كلها بدرجة معقولة، أما الخصائص الأخرى فيكفي أغلبها.
وهناك بعض الروائز (المقاييس) التي يطبقها بعض من المعاصرين للتعرف على الشخص المبدع، وتقوم تلك الاختبارات على طرح بعض الأسئلة التي تقيس مستوى الثقافة وحسن التصرف، وتحدد الفارق بين المستوى العمري والمستوى العقلي.
لكن تلك الاختبارات في الغالب ليست دقيقة النتائج؛ حيث يضعف من مصداقيتها، ودقة نتائجها عوامل متعددة كطبيعة البيئة الأسرية والاجتماعية للفرد، والمستوى الثقافي والحضاري فيهما.


كيف يتم اكتشاف الموهوبين والمبدعين؟

يعتمد نجاح البرامج المعدة لرعاية الموهوبين إلى حد بعيد على مدى النجاح في تشخيصهم وحسن اختيارهم؛ ولذلك تعددت وتطورت وسائل طرق التعرف على الموهوبين، إلا أننا يجب أن نتذكر دائماً أنه لا يوجد طريقة واحدة يمكن من خلالها التعرف على جميع مظاهر الموهبة؛ لذلك فإن التعرف يتحقق بشكل أفضل دائماً باستخدام مجموعة من الأساليب المتنوعة التي تعتمد بشكل أفضل دائماً على عمل الفريق.
كما يجب أن نتذكر أيضاً أنه كلما بكّرنا في اكتشاف الطفل المتفوق أو الموهوب، وهو ما زال في مرحلة عمرية قابلة للتشكيل كان ذلك أفضل كثيراً من الانتظار إلى سن متأخرة، قد يصعب فيها توجيه الموهوب الوجهة المرجوة؛ نظراً لما يكون قد اكتسبه من أساليب وعادات تجعل من الصعب عليه التوافق مع نظام تربوي، أو تعليمي مكثف.(25).
الخاتمة:-أرجو أن يكون هذا المبحث ،قد أسهم في إلقاء الضوء على تلك المشكلة التربوية،وأن يكون من الأبحاث العملية، وليس من الأبحاث النظرية،فكاتب هذا المبحث يعتقد بأهمية كل كلمة وكل حرف في هذا المبحث،وقد كان هذا المبحث أحد النتائج التي نتجت نتيجة (واقع يحمل هذه المظاهرالإيجابية) فى الدعوة والتربية،فأسال الله بكرمه وعفوه أن يهيئ له أفئدة خالصة تعمل على تصحيح الطريق وتقويم الخطأ،وأن يجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله المستعان وعليه التكلان،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،، .
تم بحمد الله.
ثبت المراجع
23- اكتشاف الطاقات وتوظيفها علي القحطاني مجلة البيان -السنة التاسعة عشرة * العدد 207* ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م.
24- سامي سلمان، بعنوان: (معرفة الرجال من سمات القيادة الناجحة)، البيان، بتصرف.
25-- اكتشاف الطاقات وتوظيفها علي القحطاني مجلة البيان -السنة التاسعة عشرة * العدد 207* ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م بتصرف.

المبحث مختصر :-
[/align]
http://www.almoslim.net/tarbawi/show...ain.cfm?id=966

مدونتي :- http://alrawahel.maktoobblog.com/?post=442291
 
عودة
أعلى