نور الدين قوطيط
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة على رسول الله و آله و صحبه و التابعين لهم و سلم كثيرا :
كنت أقرأ هذا الصباح في سورة " ق " فأثارتني آية فيها عجبت لها كل العجب هي قول الحق تعالى : " تَبْصِرَةً وَ ذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [قـ : 8] " و ما أخذ بعقلي و قلبي أكثر هو تلك المفردة ذات الدلالة العميقة و الإشارة الموحية : " ذكرى " فما معناها ؟ و ما موقعها في السورة من حيث السياق ؟!
تأتي هذه المفردة في سياق هذه الآيات : " أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَ زَيَّنَّاهَا وَ مَا لَهَا مِن فُرُوجٍ [6] وَ الْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [7] تَبْصِرَةً وَ ذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [8 ] " .. إنه الحديث عن آيات الله سبحانه و تعالى في آفاق السموات و الأرض .. إنه الحديث عن الإبداع الجمالي المبثوث في حنايا الوجود جميعا و مظاهره حتى في أدنى شئ فيه .. يوجهنا الحق تعالى لكل هذا الجمال البديع و التناسق الدقيق لأجل ماذا ؟ لأجل التبصر و التذكر .. يا الله لا إله إلا أنت .. التبصر مفهوم و واضح وروده في السياق الدلالي للآيات , أما التذكر فما معناه ؟!
حدثتني نفسي أنه الذكرى لحقيقة متجذرة في أعماق النفس الإنسانية .. حقيقة الجمال .. الجمال المبثوت في صفحات الوجود .. الجمال الممزوج بأصل الفطرة .. فلا تلبث النفس و قد شهدت مشهدا من مشاهد هذا الجمال الخالب حتى تجد نفسها مغمورة دهشة و إعجابا . و لا تلبث أن تجد نفسها قد أخذتها أخذات الروعة و الجلال .. الله تعالى هنا يوجهنا إلى تملي هذا الجمال الرائع و إلى عظمة الألوهية في بناء الوجود ..
و لكن هذه الحقيقة .. حقيقة تذوق الجمال الإلهي في الوجود " الكون و الفطرة " .. رغم عظمتها و رغم عمقها فإنه لا يستطيعها و لا يقدرها حق قدرها إلا " عبد منيب " عبد قد صفت عاقلته و زكت كينونته و أشرق الإيمان في قلبه فهو لذلك منيب إلى الله تعالى : تفكيرا و سلوكا و علاقات .. و إنما كان العبد المنيب هو وحده المستطيع تذوق الجمال الإلهي في بنية الوجود و هو وحده القادر على تحسس مكامن الروعة الإلهية في الحياة و الكائنات جميعا و هو وحده المتمكن من تجاوز مظاهر الجمال المحدود إلى حقيقة الجمال المطلق .. إنما كان العبد المنيب وحده من أتيح له كل هذا لسبب واحد .. ذلك هو عمق ارتباطه بمبدع الجمال " الله " و من ثم فهو يقوم بعملية صعود و هبوط : النظر إلى الجمال المطلق " الله " و انعكاسه على تركيبة المخاليق التي يعج بها الوجود ظاهرا و باطنا, و النظر إلى مظاهر الجمال في الوجود و دلالته على الجمال الإلهي في معناه الأزلي المطلق ..
الإنسان عندما تمتلئ نفسه بروعة الجمال لا جرم أن ذلك ينعكس على كل شئ فيه و من حوله : في التفكير , في الأسلوب , في السلوك , في العلاقات , في الأهداف حتى في أتفه الأشياء بل التي يراها العميان تافهة .. من أجل ذلك وجدنا القرآن الكريم كثيرا ما يوجهنا إلى تأمل الوجود و الكون و الحياة , و الإنسان عندما يقوم بهذه العملية تحدث في نفسه ضرورة ذكرى عميقة .. ذكرى مستمدة من أعماق فطرته , و من ثم لا يلبث و قد شهد آيات الجمال في آفاق السموات و الأرض أن تتأكد لديه عظمة الخالق المبدع و جماله الأزلي , و من ثم خضوعه له راضيا مطمئنا , لأن النفس البشرية لا يحدث بينها و بين أي شئ ما أو مشهد ما أو حدث ما إعجاب يأخذ له نصيبا من العقل و يستحوذ على شعبة من القلب إلا إذا كانت هناك علاقة عميقة بينها و بينه .. إن الجمال آية من آيات الله الكبرى و هو عندي من أعمق دلائل الوجود الإلهي .. و الله أعلم
الحمد لله و الصلاة على رسول الله و آله و صحبه و التابعين لهم و سلم كثيرا :
كنت أقرأ هذا الصباح في سورة " ق " فأثارتني آية فيها عجبت لها كل العجب هي قول الحق تعالى : " تَبْصِرَةً وَ ذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [قـ : 8] " و ما أخذ بعقلي و قلبي أكثر هو تلك المفردة ذات الدلالة العميقة و الإشارة الموحية : " ذكرى " فما معناها ؟ و ما موقعها في السورة من حيث السياق ؟!
تأتي هذه المفردة في سياق هذه الآيات : " أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَ زَيَّنَّاهَا وَ مَا لَهَا مِن فُرُوجٍ [6] وَ الْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [7] تَبْصِرَةً وَ ذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [8 ] " .. إنه الحديث عن آيات الله سبحانه و تعالى في آفاق السموات و الأرض .. إنه الحديث عن الإبداع الجمالي المبثوث في حنايا الوجود جميعا و مظاهره حتى في أدنى شئ فيه .. يوجهنا الحق تعالى لكل هذا الجمال البديع و التناسق الدقيق لأجل ماذا ؟ لأجل التبصر و التذكر .. يا الله لا إله إلا أنت .. التبصر مفهوم و واضح وروده في السياق الدلالي للآيات , أما التذكر فما معناه ؟!
حدثتني نفسي أنه الذكرى لحقيقة متجذرة في أعماق النفس الإنسانية .. حقيقة الجمال .. الجمال المبثوت في صفحات الوجود .. الجمال الممزوج بأصل الفطرة .. فلا تلبث النفس و قد شهدت مشهدا من مشاهد هذا الجمال الخالب حتى تجد نفسها مغمورة دهشة و إعجابا . و لا تلبث أن تجد نفسها قد أخذتها أخذات الروعة و الجلال .. الله تعالى هنا يوجهنا إلى تملي هذا الجمال الرائع و إلى عظمة الألوهية في بناء الوجود ..
و لكن هذه الحقيقة .. حقيقة تذوق الجمال الإلهي في الوجود " الكون و الفطرة " .. رغم عظمتها و رغم عمقها فإنه لا يستطيعها و لا يقدرها حق قدرها إلا " عبد منيب " عبد قد صفت عاقلته و زكت كينونته و أشرق الإيمان في قلبه فهو لذلك منيب إلى الله تعالى : تفكيرا و سلوكا و علاقات .. و إنما كان العبد المنيب هو وحده المستطيع تذوق الجمال الإلهي في بنية الوجود و هو وحده القادر على تحسس مكامن الروعة الإلهية في الحياة و الكائنات جميعا و هو وحده المتمكن من تجاوز مظاهر الجمال المحدود إلى حقيقة الجمال المطلق .. إنما كان العبد المنيب وحده من أتيح له كل هذا لسبب واحد .. ذلك هو عمق ارتباطه بمبدع الجمال " الله " و من ثم فهو يقوم بعملية صعود و هبوط : النظر إلى الجمال المطلق " الله " و انعكاسه على تركيبة المخاليق التي يعج بها الوجود ظاهرا و باطنا, و النظر إلى مظاهر الجمال في الوجود و دلالته على الجمال الإلهي في معناه الأزلي المطلق ..
الإنسان عندما تمتلئ نفسه بروعة الجمال لا جرم أن ذلك ينعكس على كل شئ فيه و من حوله : في التفكير , في الأسلوب , في السلوك , في العلاقات , في الأهداف حتى في أتفه الأشياء بل التي يراها العميان تافهة .. من أجل ذلك وجدنا القرآن الكريم كثيرا ما يوجهنا إلى تأمل الوجود و الكون و الحياة , و الإنسان عندما يقوم بهذه العملية تحدث في نفسه ضرورة ذكرى عميقة .. ذكرى مستمدة من أعماق فطرته , و من ثم لا يلبث و قد شهد آيات الجمال في آفاق السموات و الأرض أن تتأكد لديه عظمة الخالق المبدع و جماله الأزلي , و من ثم خضوعه له راضيا مطمئنا , لأن النفس البشرية لا يحدث بينها و بين أي شئ ما أو مشهد ما أو حدث ما إعجاب يأخذ له نصيبا من العقل و يستحوذ على شعبة من القلب إلا إذا كانت هناك علاقة عميقة بينها و بينه .. إن الجمال آية من آيات الله الكبرى و هو عندي من أعمق دلائل الوجود الإلهي .. و الله أعلم