برنامج( قواعد نبوية ) للشيخ/ د. عمر المقبل

إنضم
30/12/2009
المشاركات
181
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
برنامج جديد يبث عبر اذاعة القرآن الكريم- السعودية في دورتها الجديدة لعام 1432 ،
و كذلك عبر موقع البث الاسلامي كل ثلاثاء س7 م ، ويعاد صباحا .
http://www.liveislam.net/browsesubject.php?id=14229&action=listen&sid=
وهذا البرنامج للشيخ/ عمر المقبل ، هو الثاني، بعد برنامجه الناجح المبارك ( قواعد قرآنية ) الذي بثته الاذاعة في إحدي دوراتها السابقة.
أنصح بالاستماع اليه لما فيه من الفوائد .
 
بشّرك الله بما يسرّك أختي الفاضلة سعاد على هذه البشارة وكتب أجر شيخنا الفاضل د. عمر وتقبل منه هذا البرنامج القيم ونحن متابعون بإذن الله تعالى.
 
الأخت الفاضلة سعاد جزاك الله خيراً وبارك فيك..
البرنامج يذاع يوم السبت الساعة 6:15 صباحاً تقريباً، ويعاد مساء الثلاثاء الساعة 7:00 تقريباً.
يمكنكم متابعة برامج إذاعة القرآن الكريم من خلال شريط أدوات ملتقى أهل التفسير.
 
بارك الله فيك ، أختي سمر ، ويسر لنا والمسلمين أجمعين- العلم النافع .
وجزاك الله خير ، أخ عبدالله ،علي توضيحكم ، نفع الله بكم.
ويوجد له اعادة ثالثة، يوم الثلاثاء -قبيل الفجر- س 4.10 .
بثت الحلقة الأولي منه : الأسبوع الماضي ، والحلقة الثانية غدا السبت 6.15 صباحاً .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم شيخنا الموقر عمر المقبل
يمكنكم نشرها هنا واذا أردتم ان نفعل ذلك
بارك الله فيكم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم شيخنا الموقر عمر المقبل
يمكنكم نشرها هنا واذا أردتم ان نفعل ذلك
بارك الله فيكم​
أكون شاكراً وداعياً يا أم الحارث .
 
شكر الله لكم دكتور عمر على هذا البرنامج وعلى رفع حلقاته مكتوبة وجزى الله كل من ساهم في إنجاح هذا البرنامج. وهذا نص الحلقة الأولى من موقع الإسلام اليوم.

قواعد نبوية - الحلقة الأولى:
د. عمر بن عبد الله المقبل
الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فأكرمه وسدّد أقواله، وعصمه من الزلل فيها، بقوله: "وما ينطق عن الهوى"، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه، ومن بهداهم اقتدى.
أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته - أيها القراء الكرام - وحياكم الله في أولى سلسلتنا هذه "قواعد نبوية"، والتي تأتي تتمةً لصنوها - التي بُثَّت من خلال أثير: إذاعة القرآن الكريم - قبل سنتين - والذي كان عنوانها: "قواعد قرآنية".
أيها الإخوة:
من الأمور المتفق عليها بين المسلمين، أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد أوتي من الفضائل ما لم يجمعه الله في بشر سواه، ومن جملة هذه الفضائل التي حلاّه الله بها: أنه أوتي جوامع الكلم؛ فاختُصرت له المعاني العظيمة في كلمات قليلة.
وجوامع كلمه - كما يقول ابن رجب - نوعان:
"أحدهما: ما هو في القُرآن، كقوله عز وجل: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي"[النحل: 90] قال الحسنُ: لم تترك هذه الآيةُ خيراً إلاَّ أَمرت به، ولا شرّاً إلاَّ نَهَتْ عنه.
والثَّاني: ما هو في كلامه صلى الله عليه وسلم، وهو موجودٌ منتشرٌ في السُّنن المأثورةِ عنه صلى الله عليه وسلم"ا.هـ.(1)
وإذا أردتَ - أيها القارئ الكريم - أن تكشف عن شيء من وجوه الإعجاز في هذه الجوامع؛ فتذكر أنه أوتيها: "وهو أُمّي مِن أمةٍ أمية، لم يقرأ كتاباً ولا درس علماً، و لا صحِب عالماً ولا معلماً، فأتى بما بهر العقول، وأذهل الفِطَن، مِن إتقانِ ما أبانَ، وإحكامِ ما أظهر، فلم يَعثُر فيه بزلل في قولٍ أو عمل".(2)
"أفصح الناس لساناً، وأوضحهم بياناً، وأوجزهم كلاماً، وأجزلهم ألفاظاً، وأصحهم معاني، لا يظهر فيه هجنة التكلف(3)، ولا يتخلله فيهقة التعسف(4)،... كلامه جامع لشروط البلاغة، ومُعْرِبٌ عن نهج الفصاحة، ولو مزج بغيره لتميز بأسلوبه، ولظهر فيه آثار التنافر، فلم يلتبس حقه من باطله، ولبان صدقه من كذبه، هذا ولم يكن متعاطياً للبلاغة، ولا مخالطاً لأهلها من خطباءَ، أو شعراء، أو فصحاء، و إنما هو من غرائز فطرته، و بداية جبلته، وما ذاك إلا لغاية تراد، وحادثة تشاد!"
ومما خصّه الله به - في هذا المقام - من أوجه الإعجاز: "وضوح جوابه صلى الله عليه وسلم إذا سئل، وظهور حجاجه إذا جودل، لا يحصره عي، ولا يقطعه عجز، و لا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح، وحجاجه أرجح،...
ومما خصّه الله به - في هذا المقام -:"تحرير كلامه في التوخي به إبّان حاجته، والاقتصار منه على قدر كفايته، فلا يسترسل فيه هذراً، و لا يحجم عنه حصراً، وهو - فيما عدا حالتي الحاجة والكفاية -: أجملُ الناس صمتاً، وأحسنهم سمتاً صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك حفظ كلامه، حتى لم يختل، وظهر رونقه حتى لم يعتل، واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظاً في القلوب، مدوناً في الكتب..." (5).
أيها الإخوة:
لقد اعتنى العُلماء كثيراً بهذا النوع من الأحاديث؛ فصنفوا فيه التصانيف، وجمعوا فيه الجموع، ومن ذلك:
1 - "الإيجاز وجوامع الكلم مِنَ السُّنَن المأثورة" لأبي بكر ابن السُّنِّيِّ رحمه الله.
2- "الشهاب في الحِكَم والآداب" للقاضي أبي عبدِالله القُضاعي رحمه الله جمع فيه مِنْ جوامع الكلم الوجيزة، وصنَّفَ على مِنوالِه قومٌ آخرون، فزادُوا على ما ذكره زيادةً كثيرةً.
وأَشارَ الخطَّابيُّ رحمه الله - في أوَّل كتابه"غريب الحديث"- إلى جملةٍ يسيرة من الأحاديث الجامعة.
3- ومن ذلك: ما أملاه الإمامُ الحافظُ أبو عمرو بنُ الصَّلاحِ رحمه الله في مجلسٍ من مجالسه، وسمَّاه: "الأحاديث الكلّيَّة"جمع فيه الأحاديثَ الجوامعَ التي يُقال: إنَّ مدارَ الدِّين عليها، وما كان في معناها مِنَ الكلمات الجامعةِ الوجيزةِ؛ فاشتمل مجلسهُ هذا على ستَّةٍ وعشرين حديثاً.
4 - ثمَّ جاء بعده الإمام الفقيهُ الزَّاهِدُ القُدوةُ، أبو زكريا يحيى النَّوويَّ -رحمةُ اللهِ عليهِ- فأخذَ هذه الأحاديثَ - التي أملاها ابنُ الصَّلاحِ - وزادَ عليها تمامَ اثنينِ وأربعينَ حديثاً، وسمى كتابه بـ"الأربعين"، وهي المعروفة بـ"الأربعين النووية"، التي اشتهرت، وكَثُرَ حفظُها، ونفع الله بها؛ ولعل ذلك ببركة نيَّة جامِعِها، وحُسْنِ قصدِه رحمه الله"(6).
وفي عصرنا هذا وما قبله سمت همة بعض العلماء إلى التصنيف في هذا الباب - أيضاً - ولعل من أشهر الكتب في هذا، كتابُ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "بهجة قلوب الأبرار، وقرة عيون الأخيار، في شرح جوامع الأخبار"، فإنه انتقى من هذا الباب تسعة وتسعين حديثاً، - ولم يكتف بهذا - بل شرحها شرحاً موجزاً، سهل العبارة، مليئاً بالفوائد والقواعد - كما هي عادته في مصنفاته رحمه الله - وقد أوضح مقصوده بهذا التصنيف فقال:
"فليس بعد كلام الله: أصدق، ولا أنفع، ولا أجمع لخير الدنيا والآخرة؛ من كلام رسوله وخليله محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو أعلم الخلق، وأعظمهم نصحاً وإرشاداً وهداية، وأبلغهم بياناً وتأصيلاً وتفصيلاً، وأحسنهم تعليماً، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً؛ بحيث كان يتكلم بالكلام القليل لفظه، الكثيرة معانيه، مع كمال الوضوح والبيان الذي هو أعلى رتب البيان.
وقد بدا لي أن أذكر جملةً صالحة من أحاديثه الجوامع في المواضيع الكلية، والجوامع في جنس، أو نوع، أو باب من أبواب العلم، مع التكلم على مقاصدها، وما تدل عليه على وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار؛ إذ المقام لا يقتضي البسط"(7).
أيها الإخوة:
ولم تكن العناية بجوامع كلمه صلى الله عليه وسلم - أو بما اصطلحنا عليه بـ"القواعد النبوية"- مقتصرةً على علماء الشريعة فحسب؛ بل كان لعلماء الإسلام قاطبةً اهتمامٌ ظاهر بهذا النوع من الأحاديث؛ يظهر ذلك جلياً في كتب البلاغة، والبيان، والأدب، والتي لا يكاد يخلو كتاب منها إلا وينوّه بما أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم من قدرة عظيمة على صياغة المعاني الكثيرة في جملٍ قصيرة، ويضمنون كتبهم نماذج من ذلك.
فهذا – مثلاً - أبو منصور الثعالبي (ت: 430هـ) (8) يصدر كتابه "الإعجاز والإيجاز"- بعد أن ذكر نماذج من الآيات القرآنية التي تشبه القواعد - بذكر نماذج من الكلام النبوي المعجز في بلاغته وبيانه، مع قصر ألفاظه وتراكيبه؛ فعقد لذلك ثلاثة فصول، منها قوله في الفصل الثالث: "فصل في سائر أمثاله وروائع أقواله، وأحاسين حكمه في جوامع كلمه التي يلوح عليها نور النبوة، وتجمع فوائد الدين والدنيا"(9)، ثم ذكر أكثر من ثلاثين نموذجاً.
أيها الإخوة:
هذا غيض من فيض مما يتعلق بالإشارة إلى ما آتى الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من كمالاتٍ في باب الفصاحة والبيان، كان الغرض منها: التوطئة لأهمية العناية بهذا النوع من كلماته الجوامع، والتي نود أن نصطلح عليها هنا بـ"قواعد نبوية"، ننطلق فيها بإذن الله؛ لانتقاء كلمات جوامع من حديثه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم؛ نتفيأ ظلالها، وننعم ببركة معانيها؛ لعلنا نترجمها واقعاً عملياً في حياتنا، وهل يراد من العلم إلا العمل؟ سواءٌ كان عملاً قلبياً، أم متعلقاً بالجوارح.
وإلى لقاء قريب – بإذن الله - في قاعدة جديدة

________________ ( 1 ) جامع العلوم والحكم: (1/ 50).
(2) أعلام النبوة للماوردي: (254).
(3) الهُجْنَة: قُبْحُ الْكَلَام.
(4) تَفَيْهَق فِي كلامِه: إِذا تنطّع وتوسّع فِيهِ.
(5) ما تقدم كله مختصر من كلام الماوردي في" أعلام النبوة"(254-260) بتقديم وتأخير.
(6) جامع العلوم والحكم: (1/ 56).
(7) "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" مقدمة المؤلف.
(8) له ترجمة في سير أعلام النبلاء: (17/438).
(9) الإعجاز والإيجاز : (22).
 
قواعد نبوية - الحلقة الثانية

القاعدة الأولى: (إنما الأعمال بالنيات) (1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمرحباً بكم - أيها القراء الكرام - في حلْقة جديدة من سلسلتكم: "قواعد نبوية"، والتي نبدأ فيها بذكر نماذج من تلك القواعد التي حوت من جوامع الكلم النبوي صنوفاً.
والقاعدة التي تتبوأ المنزلة الأولى من تلكم القواعد النبوية، وجوامع الكلم المصطفوية؛ قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، فهي قاعدة عظيمة، جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ميزاناً للأعمال الباطنة، كما أنها أحد شرطي قبول العمل: الإخلاص.
فمن أخلص أعماله لله متبعاً في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الذي عمله مقبول، ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود، داخل في قول الله تعالى:"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً"[الفرقان: 23].
ومن أخلص لله، واتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو داخل في قوله تعالى:"وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"الآية[النساء:125]، وفي قوله سبحانه:"بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"[البقرة: 112].
أما النية - التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القاعدة -: فهي القصد للعمل تقرباً إلى الله، وطلباً لمرضاته وثوابه، فيدخل في هذا: نية العمل، ونية المعمول له.
"والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين:
أحدهما: تمييز العبادات بعضها عن بعض -كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز رمضان من صيام غيره-، أو تمييز العبادات من العادات - كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف، وكمن يذبح شاة أضحيةً أو رغبةً في أكل لحمها، ونحو ذلك -، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني - للنية في كلام أهل العلم -:بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له، أم لله وغيره؟ وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم، في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين رحمهم الله تعالى...، وهي - قبل هذا - التي يتكرر ذكرها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، تارة بلفظ النية، وتارة بلفظ الإرادة، وتارة بلفظ مقارب لذلك، وقد جاء ذكرها كثيراً في كتاب الله عز وجل بغير لفظ النية أيضاً من الألفاظ المقاربة لها". (2)
أيها الإخوة:
إن الحديث عن هذه القاعدة يستحق أن يفرد بمجلدات! كيف وقد قال بعض الأئمة: إن هذا الحديث - يعني حديث النية - هو نصف الدين؟! ذلك أن الأعمال: إما ظاهرةٌ أو باطنة، فالأعمال الظاهرة دليلها: حديث "من عمل عملاً..."(3)، ودليل الأعمال الباطنة هو هذه القاعدة النبوية المحكمة: "إنما الأعمال بالنية".
أما كلام الأئمة في كونه ثلث الدين، أو ربعه، أو خمسه، فهذا كثير ومشهور.
بل قال الإمام الشافعي رحمه الله: إن هذا الحديث يدخل في جميع أبواب العلم.
فحريٌّ بالعبد - بعد معرفة منزلة هذا الحديث العظيم والقاعدة النبوية المحكمة "إنما الأعمال بالنيات" - أن يستحضر هذا الحديث في أعماله كلها: بحيث ينوي "نية كلية شاملة لأموره كلها، يقصد بها وجه الله، والتقرب إليه، وطلب ثوابه، واحتساب أجره، والخوف من عقابه، ثم يستصحب هذه النية في كل فرد من أفراد أعماله وأقواله، وجميع أحواله، حريصاً فيه على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كل ما يضاده: من الرياء والسمعة، وقصد المحمدة عند الخلق، ورجاء تعظيمهم، بل إن حصل شيء من ذلك فلا يجعله العبدُ قصدَه، وغايةَ مرادِه، بل يكون القصدُ الأصيلُ منه وجهَ الله، وطلبَ ثوابِه من غير التفاتٍ للخلق، ولا رجاء لنفعهم أو مدحهم، فإن حصل شيء من ذلك - دون قصد من العبد - لم يضره شيئاً، بل قد يكون من عاجل بشرى المؤمن" (4).
وعوداً على بدء: فإن قوله صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية العظيمة -: "إنما الأعمال بالنيات" أي: إنها لا تحصل ولا تكون إلا بالنية، وأن مدارها على النية، "أو أنَّ صلاحَ الأعمال وفسادَها بحسب صلاحِ النِّياتِ وفسادِها". (5)
فمن نوى فعل الخير وقصد به المقاصد العليا - وهي ما يقرب إلى الله - فله من الثواب والجزاءِ الجزاءَ الكامل الأوفى، ومن نقصت نيتُه وقصدُه؛ نقص ثوابه، ومن توجهت نيته إلى غير هذا المقصد الجليل؛ فاته الخير، وحصل على ما نوى من المقاصد الدنيئة الناقصة.
أيها الإخوة:
إن من أهم ما ينبغي للعبد أن يعتني به - وهو يقرأ هذه القاعدة "إنما الأعمال بالنيات" - أن يفتش عن مقاصده في أعماله، وتلك - والله - التي رفع الله بها شأن القوم من سلف هذه الأمة، وكلُّ من سلك طريقتهم في مراقبة القلب، والتفتيش عن إراداته، والاجتهاد في تنقية العمل من شوائبه الفاسدة؛ فله من الرفعة والقبول، وعلو المنزلة بحسبه.
ولقد تتابعت كلمات الأئمة في التنويه بهذا الأمر، وحسبك - أيها القارئ الكريم - أن تتأمل في قصة المرأة البغي من بني إسرائيل، التي لم تذكر إلا بجريمتها - وهي البغاء - ومع هذا لما سقت ذلك الكلب ابتغاء مرضات الله؛ غفر الله لها (6)؛ فانظر كيف انتقل هذا العمل اليسير إلى هذه المنزلة العالية من الثواب! وفي مقابل ذلك تأمل تلك الأفعال الكبيرة، ومنها: تطاير الرقاب عن أجسادها، كيف تنقلب بسوء النية إلى عملٍ يستحق صاحبه العقوبة عليه!
وحين سُئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، أو حمية، أو ليُرى مقامُه في صف القتال "أيّ ذلك في سبيل الله؟" فقال: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله z (7).
يقول مطرِّف بن عبدِالله رحمه الله: صلاحُ القلب بصلاحِ العملِ، وصلاحُ العملِ بصلاحِ النيَّةِ".(8)
ويقول ابن رجب رحمه الله:"والأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص، حتى إن صاحب النية الصادقة - وخصوصاً إذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل - يلتحق صاحبها بالعامل، قال تعالى: "وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ"[النساء: 100].
وفي الصحيح مرفوعاً: {إذا مرض العبد أو سافر كُتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً z (9)، {إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم - أي: في نياتهم وقلوبهم وثوابهم - حبسهم العُذْر z (10) وإذا هَمَّ العبد بالخير، ثم لم يُقَدَّر له العمل؛ كُتِبت همتُه ونيتُه له حسنةً كاملة" (11)ا.هـ.
وما أجمعَ ما قال داود الطَّائيِّ: رأيتُ الخيرَ كلَّه إنَّما يجمعُه حُسْنُ النِّيَّة، وكفاك به خيراً وإنْ لم تَنْصَبْ.
أيها الإخوة:
لا يوجد في حياتنا عمل - مهما كانت منزلته - إلا ويرتبط بهذه القاعدة العظيمة: "إنما الأعمال بالنيات"، ومن ذلك: الإحسان إلى الخلق بالمال أو القول أو الفعل؛ فإن ذلك كله جميل وعظيم، وإذا اقترنت به نية صالحة كان ثوابه أعظم؛ تأمل جيداً قوله تعالى: "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ"[النساء: 114]، أي: فإنه خير، ثم قال: "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً"[النساء: 114] فرتّب الأجر العظيم على فعل ذلك ابتغاء مرضاته، وفي البخاري مرفوعاً: {من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّاها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله z (12) فانظر كيف جعل النية الصالحة سبباً قوياً للرزق وأداء الله عنه، وجعل النية السيئة سبباً للتلف والإتلاف!
وإذا كان هذا في الأمور المتعدية النفع؛ فإن قاعدتنا هذه "إنما الأعمال بالنيات" تجري النية في الأمور المباحة، والأمور الدنيوية:
"فمن قصدَ بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانةَ بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات، واستصحَب هذه النية الصالحة في أكله وشربه، ونومه وراحته ومكاسبه؛ انقلبت عاداته عبادات، وبارك الله للعبد في أعماله، وفتح له من أبواب الخير والرزق أموراً لا يحتسبها ولا تخطر له على بال، ومن فاتته هذه النية الصالحة - لجهله أو تهاونه – فقد فاته خير كثير جداً" (13).
وبما تقدم - أيها الإخوة - يتبين أن هذه القاعدة جامعة لأمور الخير كلها، فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها: أن يفهم معنى هذه القاعدة، وأن يكون العمل بها نُصب (14) عينيه في جميع أحواله وأوقاته.
ولنختم بجميل من قول السلف - وهو قول سهلِ بن عبد الله التُّستَري رحمه الله -: ليس على النَّفس شيءٌ أشقُّ مِنَ الإخلاصِ؛ لأنَّه ليس لها فيه نصيبٌ". (15)
اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا..
_____________
(1) البخاري(1)، ومسلم(1907)بلفظ: "إنما الأعمال بالنية".
(2) جامع العلوم والحكم: (ص11).
(3) بهذا اللفظ أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم 4/298 في البيوع: باب النجش، ومسلم(1718).
(4) بهجة قلوب الأبرار: ص6.
(5) جامع العلوم والحكم: (ص10).
(6) صحيح مسلم (2245).
(7) البخاري: (123)، مسلم: (1904).
(8) جامع العلوم والحكم: (ص13).
(9) البخاري: (2834).
(10) البخاري: (4161).
(11) جامع العلوم والحكم: (ص13).
(12) البخاري: (2257).
(13) ينظر: البهجة.
(14) قال ثعلب والقتيبي: نُصْبَ عيْنِي، بالضَّمِّ، أَي بِمَعْنى مفعول، أَي منصوبها، أَي: مَرْئِيّها، رؤيَةً ظَاهِرَة بحيثُ لَا يُنْسَى، وَلَا يُغفَلُ عَنهُ، وَلم يُجْعَلْ بظَهْرٍ. انظر: تاج العروس (4/ 279).
(15) جامع العلوم والحكم: (ص17).
 
ماشاء الله ..رائع جداً
اين باقى تتمة القواعد؟
نتمنى ان تتحفونا باستكمال باقى الاجزاء مكتوبة
وجزا الله الدكتور عمر المقبل خير الجزاء
وفى انتظار كتاب قواعد نبوية
وجزاكم الله خيراً كثيراً .​
 
عودة
أعلى