برنامج سحر البيان في القرآن - د. محمود شمس

إنضم
07/05/2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
تقدم قناة دليل الفضائية برنامج "سحر البيان في القرآن" للدكتور محمود شمس يوم الجمعة الساعة 2.30 عصراً بتوقيت مكة ويعاد الساعة 11 صباح يوم السبت.
وقد منّ الله علي بتفريغ بعض الحلقات التي تابعتها مباشرة أو وجدت رابطها مرفوعاً على اليوتيوب وهذا ما تمّ تفريغه بحمد الله تعالى.

[FONT=&quot]سحر البيان في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمود شمس[/FONT]
[FONT=&quot]حلقة 29/2/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة[/FONT]
مشاهد .. نظرة نقية | سحر البيان في القرآن 29-02-2012 | محمود شمس[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]سنتناول في هذا البرنامج "سحر البيان في القرآن الكريم" إعجاز القرآن البلاغي باستعمال كل حرف وكل كلمة في موضعها للدلالة على المعنى الذي يريده الله تبارك وتعالى. نعلم جميعاً أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن الكريم هدى للناس جميعاً كما قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185) البقرة) أي أن الله أنزل القرآن الكريم صالحاً لهداية الناس جميعاً لكن من الناس من اهتدى بالقرآن ومن الناس من لم يهتدي بالقرآن فالذين اهتدوا بالقرآن إنما هم المتقون وهم المحسنون وهم الذين اتبعوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى. ولا بد أن نعلم يقيناً أن القرآن الكريم إنما هو كلام الله المنزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم. ولأن القرآن الكريم صالح لهداية الناس جميعاً كان لكل حرف ولكل كلمة دور في المعنى الذي يريده الله تبارك تعالى لأن القرآن الكريم كما قال الله تبارك وتعالى (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) الإسراء) فالقرآن يهدي للتي هي أقوم من كل ما يظهر من مفاهيم ومن طرق ومن تقدم علمي ولعل هذا هو السر في حذف المفضل عليه في قوله تعالى (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي أقوم من كل شيء ولذلك سيكون برنامجنا هذا في لقاءاتنا حول التأكيد على أن لكل حرف دوراً في كتاب الله وأن لكل كلمة دوراً في كتاب الله تبارك وتعالى. وقد يرد هاهنا تساؤل قد يتساءله البعض: إذا كان القرآن الكريم مكون من نفس الحروف التي يستعملها الناس والبشر فما وجه البلاغة فيه وما وجه الاعجاز البلاغي فيه؟ لعلي أجيب على هذا التساؤل: نعلم جميعاً أن البلاغة عند أهلها مطابقة الكلام لمتقضى الحال بمعنى أنك لا بد أن يكون كلامك مطابقاً لمقتضى الحال الذي تتكلم فيه وحتى المخاطب الذي تحدثه أو تكلمه له حالان:[/FONT]
[FONT=&quot]حالٌ ظاهري وحالٌ باطني فأنت عندما تتحدث ببلاغة فإنما تراعي الحالة الظاهرية ولا تستطيع أن تراعي الحالة الباطنية فالله تبارك وتعالى هو الذي يملك السر وأخف وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فالله تبارك وتعالى يستعمل الحرف الذي يوصل إلى الغاية وهي الهداية لأن الغاية إنما هي الهداية ولذلك كان القرآن الكريم هدى للناس جميعاً. الله تبارك وتعالى علمنا أن نحمده على انزاله الكتاب على عبده محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ قول الله تبارك وتعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) الله جلّت قدرته يُخبر ليُعلّمنا أن نحمده لأنه أنزل على عبده الكتاب وبنظرة تدبرية في تلك السورة الكريمة وهي سورة الكهف وهذا الافتتاح ندرك أن الله تبارك وتعالى افتتح خمس سور في القرآن بقوله الحمد لله: [/FONT]
[FONT=&quot]كانت السورة الأولى هي أم القرآن (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الفاتحة) وتدبر معي جيداً يعلمنا الله أن نحمده بأنه رب العالمين.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم بعد ذلك سورة الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1)) فيعلٍّمك بأن تحمده أنه خلق السموات والأرض وفي هذا تأكيد على ربوبيته للعالمين التي افتتح الله بها السورة الأولى. [/FONT]
[FONT=&quot]ثم بعد ذلك تأتي سورة الكهف فيعلمنا الله أن نحمده أن أنزل على عبده الكتاب (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا)[/FONT]
[FONT=&quot]ثم تأتي سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)) فيعلمك أن تحمد بأن له ما في السموات وما في الأرض[/FONT]
[FONT=&quot]ثم تأتي سورة فاطر (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) ومعنى فاطر أنه خلقها من عدَم لكن هناك معنى زائداً على الخلق وهو معنى فطر تكون بمعنى خلق لكنها تستعمل أن الله خلق الشيء مهيّأ لتأدية مهتمه في الكون فالله فطر السموات والأرض بمعنى أنه ما خلقها عبثاً وما خلقها هكذا فقط وإنما خلقها وهيأها وأودع فيها ما يمكنها من تأدية دورها ولذلك تجد السموات والأرض وتجد الظلمات والنور وتجد المطر ينزل وتجد الشمس تشرق إذن عندما نجمع بين افتتاح هذه السور الخمس نجد أن الله جلّت قدرته علّمنا بأن نحمده بأنه رب العالمين ثم أكّد الدلالة على ربوبيته للعالمين بأن تحمده بأنه خلق السموات والأرض وأنه أنزل على عبده الكتاب وبأن له ما في السموات وما في الأرض وأنه فاطر السموات والأرض نستنبط من هذا أن الله عندما علمنا بأن سورة الكهف نحمده بأنه أنزل على عبده الكتاب كأن هذا القرآن كأنما به يتّزن الكون فإذا اتبعنا منهج القرآن كنا لا نعاني من أية مشاكل أبداً. وهذا ما أردت أن أوضحه وإلى أن نلتقي في حلقة أخرى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 9/3/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة[/FONT]
مشاهد .. نظرة نقية | سحر البيان في القرآن 09-03-2012 | محمود شمس[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]هانحن نلتقي مع سحر البيان في القرآن الكريم وبيّنت بأن الله تبارك وتعالى يستعمل كل حرف في موضعه للدلالة على المعنى المراد ولو أردنا أن نغيّر هذا الحرف أو نبدّله بحرف آخر لاختلّ المعنى وبيّنت كلام البلاغيين في هذا وكلام أهل التفسير كما ذكر ابن عطية يرحمه الله. اليوم أؤكد هذا من خلال إستعمال القرآن الكريم لكل حرف في موضعه أولاً[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]الحروف عندنا إما أنها حروف مبنى وإما أنها حروف معاني. حروف المباني هو الحرف الهجائي الذي تتكون منه الكلمة، وأما حروف المعاني فهي إما حروف العطف أو حروف الجر أو النصب إلى آخره. بالنسبة لحروف المباني الله تبارك وتعالى أورد في سورة الأحزاب ثلاث كلمات في ختام ثلاث آيات نجد في نهاية الكلمات الثلاث ألِفاً: [/FONT]
[FONT=&quot]1. [/FONT][FONT=&quot]في قول الله تبارك وتعالى (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب) [/FONT]
[FONT=&quot]2. [/FONT][FONT=&quot]والموضع الثاني في قول الله تبارك وتعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) الأحزاب) هناك ألف في كلمة الرسولا [/FONT]
[FONT=&quot]3. [/FONT][FONT=&quot](وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) الأحزاب) [/FONT]
[FONT=&quot]وذهب البعض بأن هذه الألف زائدة للتناسب مع فواصل السورة، فواصل السورة بمعنى ختام الآيات أي أن الألف زيدت خصيصاً لأن فواصل سورة الأحزاب نهايتها بالألف. لكن عندما نتدبر ندرك أن هذا الكلام كلام استئناسي لأننا نقول تناسب الفواصل نعم، لا مانع عندنا، لكن لا بد أنك تجد لهذا دوراً في المعنى وهذا ما سأبينه الآن[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]هذه الكلمات الثلاث وردت فيها قراءات متواترة للقُرّاء العشرة كما يأتي: [/FONT]
· [FONT=&quot]البعض من القُرّاء يُثبت الألف وقفاً ووصلاً، فلو قلنا لتناسب الفواصل فما توجيه قراءة إثبات الألف وصلاً لأننا لن نقف؟ بعض القراء يقرأ (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هنالك) إلى آخره [/FONT]
· [FONT=&quot]ثم القُرّاء الآخرون منهم من يُثبت الألف وقفاً فقط ومنهم قراءة حفص أو رواية حفص التي نقرأ بها، نُثبت الألف وقفاً وأما وصلاً فإننا نحذف الألف [/FONT]
· [FONT=&quot]ومن القُرّاء من يحذف في الوقف وفي الوصل [/FONT]
[FONT=&quot]ثم بعد ذلك نجد آية في السورة الكريمة في سورة الأحزاب ذاتها الله تبارك وتعالى ختم الآية بكلمة من نفس الكلمات الثلاث التي هي معنا ولم ترد فيها الألف اِقرأ قوله تعالى (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) الأحزاب) في بداية سورة الأحزاب، نحن معنا كلمة (السبيلا) هناك بالألف فإذا كانت الألف قد زيدت في الكلمات الثلاث للتناسب مع الفاصلة فلماذا لم تزد في كلمة (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)؟ لأن كلمة (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) الآن لا تتناسب مع الفاصلة. إذاً لتلك الألف دور في المعنى، ما دورها في المعنى؟ تدبر معي أخي الكريم عندنا قاعدة تقول أن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى، بمعنى أن زيادة حرف أو تضعيف حرف في الكلمة يدل على زيادة في معنى تلك الكلمة فهناك فرق بين فتح وفتَّح، ففتح أي أن الباب مفتوح وأما مفتَّح فمعناه أنه مفتوح على مصراعيه، بمعنى أني أستعمل "فتح" في الباب الذي قد يكون مُغلقاً لكن الداخل من الخارج يستطيع أن يفتح ويدخل ولذلك وأنت في غرفتك أحياناً من يدق الباب عليك تقول أُدخل الباب مفتوح بمعنى أنك تستطيع أن تدخل ولذلك الحق تبارك وتعالى قال في حقّ المتقين (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) ص) مفتّحةً وليست مفتوحة، مفتَّحة بمعنى أن الأبواب ستكون مفتَّحة تكريماً لهؤلاء المتقين أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء الذين تفتَّح لهم الأبواب[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]انتبه جملة (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب) وردت في سياق غزوة الأحزاب، في غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق كما تسمى أحياناً نجد أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة كانوا على أنواع من حيث العقيدة، فمنهم المؤمنون الصادقون قال الله في حقهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (23) الأحزاب) وبينهم المنافقون كما قال الله تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ (12) الأحزاب) وبينهم الذين في قلوبهم مرض، ستقول لي: هل الذين في قلوبهم مرض أليسوا هم المنافقين؟ أقول لك نعم، ولكن هناك فرق بين من وصل درجة النفاق وبين من في قلبه مرض ضعيف الإيمان. هناك من الناس من هم ضعفاء الإيمان، من يميلون مع المائل وهم من الممكن أن يسيروا خلف المنافقين وبالطبع جاءت القبائل من قريش وغطفان وغيرها واليهود من الخلف والمنافقين والذين في قلوبهم مرض في صفوف المؤمنين. الله يصوِّر هذا الموقف، اِسمع قول الله تعالى (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ (10) الأحزاب) هم قريش وغطفان والقبائل التي جاءت لتحارب المؤمنين (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ (11)) وهم اليهود (وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) فالألف هاهنا لتؤكد كثرة الظنون وتنوع الظنون. فالمؤمن الصادق ظنّه بالله يقين والمنافقن ظهر ظنّهم عندما قالوا (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) الأحزاب) وعندما قالت طائفة منهم (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا (14)) فلكثرة الظنون وتنوّعها جمع الله كلمة الظنون وجاءت الألف لتبين تنوع وكثرة تلك الظنون[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]أما الألف في كلمة "الرسولا" و"السبيلا" فصراخ وعويل أهل النار (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) الأحزاب) الألف هاهنا تعطيك صورة لهؤلاء أهل النار عندما يصطرخون كما قال الله في آية أخرى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا (37) فاطر) الإصطراخ اِفتعال اِصطراخ بقوة (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا). فالألف هاهنا تبين وتؤكِّد قوة هذا الصراخ. أيضاً (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) هاهنا ألف لتؤكد وتبيّن صراخ وعويل أهل النار عندما يصطرخون في جهنم أعاذنا الله وإياكم منها وجعلنا الله وإياكم من المتقين الذين تفتَّح لهم الأبواب. وإلى لقاء في حلقة أخرى لتفصيل ما نريد أن نفصّله. أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 23/3/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة:[/FONT]
مشاهد .. نظرة نقية | سحر البيان في القرآن 23-3-2012 | محمود شمس
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا يا رب العالمين[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot] وبعد، فإني أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإني لأدعو الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصّته. [/FONT]
[FONT=&quot]وها نحن نلتقي لنبين في برنامجنا هذا أن لكل حرف دور في تأدية المعنى كما بينت في الحلقات السابقة ووعدتكم بأن نؤصِّل لبعض القواعد التي تحدّث عنها البعض. [/FONT]
[FONT=&quot]القاعدة الأولى: القول بزيادة بعض الحروف في القرآن الكريم.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أولاً ما مفهوم القول بالزيادة في القرآن الكريم عند هؤلاء القائلين؟ هم على أربعة أقسام[/FONT][FONT=&quot]:[/FONT]
[FONT=&quot]1. [/FONT][FONT=&quot]القسم الأول يرون أن الحرف زائد في الإعراب وزائد في المعنى بمعنى أنه ليس له دور في المعنى بالكلية وهذا بالتأكيد قول باطل مردود أن الله جلّت قدرته يستعمل حرفاً في القرآن الكريم لا دور له في المعنى فهذا كلام غير مقبول بالمرّة[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]2. [/FONT][FONT=&quot]الفريق الثاني يرون أن الحرف زائد في الإعراب لكن له دور لتزيين المعنى، دوره في المعنى دورٌ تزيينيٌ فقط. ونعلم أن الشيء الذي نزيّن به من الممكن أن نستغني عنه. إذاً الحرف يزيّن المعنى من الممكن أن نستغني عنه، وهذا الكلام أيضاً مردود وغير مقبول[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]3. [/FONT][FONT=&quot]الفريق الثالث يرون أن الحرف زائد في الإعراب وله دور لتأكيد المعنى، أيضاً الذي نؤكِّد به من الممكن أن نستغني عنه، وهذا أيضاً قولٌ مردودٌ ولا نقبله في كتاب الله تبارك وتعالى[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]4. [/FONT][FONT=&quot]الفريق الذي تدبر القرآن والذي ربط بين معنى كل حرف وبين السياق الذي ورد فيه والمعنى الذي أراده الله أدرك أن الحرف لا مانع من أن يكون زائداً في الإعراب - وسأوضِّح معنى زيادته في الإعراب الآن - لكن له دور رئيس في المعنى، بمعنى أن هذا الحرف لو حذفته يختلّ المعنى. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وإليكم آية من كتاب الله تبارك وتعالى لنوضح هذا، إقرأ قول الله تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ (53) النحل) كلامهم ههنا في الحرف (من) الذي هو دخل على كلمة (نعمة) لأن كلمة (نعمة) في الأصل حسب قواعد العربية إنما هي إسم (ما) يعني أصل الجملة (وما بكم نعمةٌ فمن الله) فيقولون (من) حرف جر زائد جرَّ ما بعده لفظاً فقط بمعنى أن الكسرة التي تحت كلمة نعمة إنما هي في اللفظ، في النطق فقط، لكن في الإعراب هي في الأصل في محل رفع إسم (ما) هذا كلام أهل اللغة وأهل الإعراب، نقول نعم (من) جرّت ما بعدها لفظاً، هذا لا يعنينا لكن الذي يعنينا أن (من) هاهنا لها دور رئيس في المعنى وأوضح لكم المثال:[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot](ما) النافية إذا دخل على إسمها أو على خبرها (من) الذي هو حرف جرّ هذا إنما يشير إلى معنى دقيق وهو أن النفي منصبٌّ على بداية ما يُطلق عليه الشيء الذي بعد (من). الأمر يحتاج لتوضيح: لو قلت لك أعطني مائة ريال أو مائة جنيه فلو قلت لي ما عندي مال، بدون (من) هل هذا يعني أنك ليس في جيبك عشرة ريالات أو عشرون أو ثلاثون إلى آخره؟ قد يكون، لكن أنت تنفي المال الذي أطلبه أنا، أطلب مائة وأنت تقول ليس عندي مال أو ما عندي مال. لو أردتَ أن تنفي وجود جنس المال من بداية ما يُطلق عليه مال وهو الهللة لو أردت أن تقول لي ما في جيبي هللة واحدة لا بد أن تأتي بـ(من) فتقول: ما في جيبي من مال، هذا يعني أني نفيت وجود بداية ما يُطلق عليه مال. اِنتبه معي لو أننا سمعنا كلامه وقلنا بأن (من) هاهنا زائدة في المعنى لكان المعنى يختلّ تماماً، لماذا؟ لأن المعنى سيكون (وما بكم نعمةٌ فمن الله) الناس مفهوم النعمة عندها هو الشيء الذي يتنعّمون به ويتلذّذون بوجوده لكن هناك نعم قليلة قد تكون حقيرة في مفهوم الناس وقد لا يُعتدّ بها كالمنديل الورقي مثلاً المنديل الورقي هذا نعمة، لكن من الذي يراه نعمة؟! هل كل الناس يستعملون هذا المنديل على أنه نعمة؟ أبداً، فجاءت (من) لتشير إلى أن كل نعمة تتنعّمون بها سواء أكانت عظيمة أم كانت حقيرة أم كانت كبيرة أم كانت صغيرة فمن بداية ما يُطلق عليه نعمة إنما هي من الله تبارك وتعالى[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]إذاً (من) هاهنا أفادت معنىً دقيقاً وهي أن كل نعمة يتنعَّم بها الإنسان إنما هي من الله حتى لو كانت حقيرة وقليلة. نعم، الورقة التي تكتب فيها من الذي يُدرِك أنها نعمة؟ إنما هو الذي يُدرك أن كل نعمة سواءً أكانت حقيرة أم صغيرة إنما هي من الله تبارك وتعالى. ولذلك يتحير البعض في وصف خليل الرحمن إبراهيم عندما قال الله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ (121) النحل) فقالوا (أنعُم) جمع قِلّة فهل يكون أُمّة وهو شاكر للأنعُم؟! لماذا لم يقل الله (شاكراً للنعم)؟ نقول لأن خليل الرحمن تميّز عن عباد الله بأنه يرى أن كل نعمة يتنعم بها سواء أكانت حقيرة أو كانت صغيرة أو كانت كبيرة إنما هي من الله ويجب أن يشكر الله عليها. من الذي يُدرِك أن الحركة الذاتية نعمة؟! تخيلوا، أشير بإصبعي وبيدي وأتحرك ما أشاء، هذه حركة ذاتية، نعمة كبيرة من الله تبارك وتعالى فينبغي أن نتدبر أن كل نعمة سواءً أكانت عظيمة أم حقيرة، صغيرة أم كبيرة إنما هي من الله تبارك وتعالى وهذا ما أفاده وجود الحرف (من) وأزيد الأمر تفصيلاً بحول الله وقوته في لقائنا القادم، وإلى حلقة أخرى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
 
[FONT=&quot](فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴿٩٠﴾ الأنبياء) (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٥﴾ الأحقاف)[/FONT]
[FONT=&quot]فعل أصلح يتعدّى بنفسه (أصلحنا له زوجه) ويتعدّى بحرف جر (أصلح لي في ذريتي). ولكل واحدة معنى والتعدي بحرف (في) ليس من غير معنى وليست (في) حرف زائد هنا. [/FONT]
[FONT=&quot]في آية سورة الأنبياء (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) إصلاح زوجة زكريا بحيث حملت وقد كانت عاقراً قبل ذلك، وهذا المعنى الذي يحتمله السياق لأن الحديث عن عدم انجاب زكريا وزوجه وبإصلاح الزوجة حملت بعد أن كانت عاقراً.[/FONT]
[FONT=&quot]في آية سورة الأحقاف ورد فعل أصلح متعدياً بحرف الجر (في) وحرف (في) يفيد الظرفية بمعنى أن ما بعده وعاءٌ لما قبله ويفيد التمكّن كما تضع الورقة في الظرف فالظرف أصبح وعاءً للمظروف الذي وضعته فيه.[/FONT]
[FONT=&quot]الله تعالى يشير بوجود حرف (في) مع فعل أصلح لأن الوالدان عندما يدعوان لأبنائهما لا يدعون لهم بالإصلاح الظاهري، فالاصلاح نوعان إصلاح ظاهر وإصلاح باطن والناس عندما يدعون عادة لا يتعمقون في الاصلاح الباطن وإنما يدعون بالاصلاح الظاهر أما الوالدان فهما عندما يدعوان لأبنائهما إنما يريدان إصلاحاً متمكناً في أعماق أبنائهم وفي سلوكهم وتصرفاتهم، ما يدعون لأبنائهم بالإصلاح الظاهر فقط، وهذه خصوصية دعوة الوالدين فاحرصوا رحمكم الله أن تفوزوا بدعوة والديكم إن كانوا على قيد الحياة لأنه بوفاتهما يُغلق باب من أبواب السماء [/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot](وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴿٦٦﴾ يس) - (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴿٣٧﴾ القمر)[/FONT]
[FONT=&quot]ورد في القرآن فعل طمس وورد فعل طمس على متعدّي بحرف الجرّ (على) وإذا تدبرنا الايات التي ورد فيها الفعلين ومعنى طمس في السياق نجد أن الطمس معناه الإزالة والمحو والمحو على نوعين قد يكون محواً للأثر وقد يكون محواً للأثر والأصل. بالنسبة للعين الأثر هو الإبصار فقط فيكون الطمس على العين بمعنى محو الإبصار مع بقاء العين أما طمس العين فهو محو للأثر والأصل يعني ذهب ضوء العين وذهبت العين لم يعد هناك عين فهو إزالة للأثر وإزالة للأصل.[/FONT]
[FONT=&quot]في آية سورة القمر (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) السياق يتحدث عن قوم لوط وكيف أنهم كانوا يراودون ضيوف لوط عليه السلام ليفعلوا بهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد فكان عقابهم من الله مباشرة بطمس أعينهم عقوبة على جريمتهم الشنيعة فأزال ضوء العين وأزال العين أيضاً فلم يعد في وجوههم أعين.[/FONT]
[FONT=&quot]أما في آية سورة يس قال تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) السياق يتكلم في الآخرة على الصراط فالطمس يكون على العين بإزالة الأثر مع بقاء الأصل أي إزالة إبصار العين مع بقاء العين فلا حاجة في هذا الموقف لإزالة العين فهو ليس موقف عقوبة على جريمة كحال قوم لوط.[/FONT]
[FONT=&quot]هذا والله أعلم.[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 14/4/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]حلقة 30/3/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة [/FONT]
مشاهد .. نظرة نقية | سحر البيان في القرآن 30-3-2012 | محمود شمس[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فقد بيّنت في اللقاء السابق مفهوم القول بالزيادة عند القائلين بذلك وبيّنت أن كل حرف في كتاب الله له دور في المعنى ولا يمنع أن يكون زائداً في الاعراب بمعنى أنه يجرّ ما بعده لفظاً فقط لكن لا بد أن يكون له دور في المعنى. لكن نتساءل ما الأسباب التي دعتهم للقول بالزيادة؟ لماذا قالوا بزيادة بعض الحروف وتمسك بذلك البعض؟ هناك بعض الأسباب حاولت أن أحصرها لكم وهي تتمثل في الآتي:[/FONT]
· [FONT=&quot]الفعل عندهم في اللغة يتعدى بنفسه ولا يحتاج إلى حرف جر بعده[/FONT]
· [FONT=&quot]هذا الفعل قد يرد في القرآن الكريم في موضع متعدياً بحرف جر وفي موضع آخر متعدياً بنفسه بدون حرف جر[/FONT]
[FONT=&quot]القضية أنهم لا يحاولون الربط بين معنى الفعل ومعنى الحرف والسياق الذي ورد فيه الحرف والفعل. ولذلك سآتي بأمثلة لأبين بطلان قولهم هذا:[/FONT]
[FONT=&quot]الفعل الأول: فعل ربط.[/FONT]
[FONT=&quot]الفعل ربط في اللغة يتعدى بنفسه فأقول "ربطت الشنطة" و"ربطت الدابة". القرآن الكريم استعمل الفعل ربط في ثلاثة مواضع وفي المواضع الثلاثة نجد الفعل بعده متعدياً بحرف الجر (على). اقرأ قول الله تعالى في غزوة بدر (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الأنفال) فقالوا (على) هاهنا زائدة لأن الأصل "ليربط قلوبكم".[/FONT]
[FONT=&quot]الموضع الثاني في قصة أصحاب الكهف عندما قال تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ (14)) لم يقل ربطنا قلوبهم[/FONT]
[FONT=&quot]الموضع الثالث والأخير لهذا الفعل في القرآن الكريم في قصة موسى وأم موسى يوم أن ألقته في اليمّ. قال الله تعالى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) فنجد الفعل "ربط" لم يُستعمل في القرآن إلا بوجود حرف الجر (على) وحرف الجر (على) هاهنا هم يرون أنه لا دور له في المعنى. كيف هذا؟! [/FONT]
[FONT=&quot]تدبروا السياق في المواضع الثلاثة، في المواضع الثلاثة عندما نتدبر نجد أن قلب الإنسان وعاء -وسيأتي الكلام عن القلب والصدر والفؤاد واللُّب بحول الله وقوته فيما بعد- القلب وعاء وعاء لليقين وعاء للإيمان وعاء للثبات فالقلوب في المواضع الثلاثة تدرك أنها قد امتلأت يقيناً وإيماناً وثباتاً بداية. ففي غزوة بدر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ما خرجوا لأجل القتال لكن عندما وجدوا أن القتال فالله تبارك وتعال أودع في قلوبهم الإيمان والثبات واليقين. القلوب امتلأت إيماناً وثباتاً ويقيناً أولاً ثم ظهرت النسبة البشرية في الإنسان عندما رأوا الفرق بين العدد والعُدّة عددهم وعدد المشركين والعُدّة التي معهم والعُدّة التي مع المشركين فأدركوا أن هذا الأمر لا يمكن بالعقل البشري أن يأتي النصر، كيف والعدد فارق كبير بالآلآف بيننا وبينهم؟! فهذا الأمر كاد أن يزحزح الإيمان والثبات واليقين من قلوبهم. فالله تبارك وتعالى ما ربط قلوبهم، لا، ربط على قلوبهم، على ما في القلوب حتى لا يتزحزح فالله ربط على قلوبهم بما فيها من إيمان وثبات ويقين حتى يثبّتهم وحتى يستمروا على ثباتهم. إذن الربط ليس للقلب ولكن الربط على ما في القلب من إيمان. أنت عندما تودع شيئاً في خزينة ِ تلك الخزينة فأنت أغلقت على ما في الخزينة، فالله ربط على ما في قلوبهم. [/FONT]
[FONT=&quot]تعالوا لأم موسى، أم موسى عندما أوحى الله إليها (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص) نفّذت لكن النسبة البشرية في الإنسان راودتها (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) تنفيذها لأمر الله يؤكد أن قلبها امتلأ إيماناً وثباتاً ويقيناً في البداية لكن حدث ما قد يزحزح هذا الإيمان.
[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 16/4/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة:[/FONT]
مشاهد .. نظرة نقية | سحر البيان في القرآن 16-3-2012 | محمود شمس[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]نلتقي لنؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله تبارك وتعالى وأنه كتاب هداية فكل حرف فيه له دلالة وأؤكد هذا من خلال استعمال القرآن الكريم لحرف في موضع أحياناً البعض يرى أن هذا الحرف زائد لا دور له في المعنى وتلك القضية سنؤصلها فيما بعد وأحاول أن آتي بآية ونتدبر استعمال الكلمات التي استعملها الله تبارك وتعالى.[/FONT]
[FONT=&quot]اقرأ قول الله تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى (1) الحج) وألفت نظرك لنتعلم سوياً التدبر في كتاب الله (يوم ترونها) أسند الرؤية لواو الجماعة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا). و(وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى) ترى أنت إسناد الرؤية هاهنا لمفرد عند رؤية الناس سكارى أسندها لمفرد فهل هناك سر في هذا؟ نعم، ولا بد أن يكون هذا هو كلام الله تبارك وتعالى، لِمَ أسند الرؤية في ذهول كل مرضعة عما أرضعت وأن كل ذات حمل تضع حملها أسنده لجماعة؟ لأن الناس جميعاً ليسوا بمرضعين وإنما المرضعون سيكونون فئة من الناس مجموعة من الناس فالمرضعة هي المرأة وليس كل النساء آنذاك سيكن مرضعات فالله جلت قدرته يشير إلى أن غير المرضعين وهم جماعة ترونها أنتم أيها الجماعة الذين لا ترضعون سترون كل مرضعة تذهل عما أرضعت. وأن كل ذات حمل تضع حملها، إذن الناس في تلك الرؤية مجموعتان مجموعة مرضعة ومجموعة غير مرضعة فكان لا بد من اسناد الرؤية للمجموعة غير المرضعة.[/FONT]
[FONT=&quot]أما في قوله (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) ليس الناس على فريقين، ليس من الناس من يكون يسكارى ومن لا يكون بسكارى، أبداً، إنما كل واحد من الناس سيرى غيره سكارى فأنت ترى كل الناس سكارى وأنا أرى كل الناس سكارى (وَمَا هُم بِسُكَارَى) نعم، بدليل أنك عندما رأيت رأيتني من السكارى وأنا رأيتك من السكارى إذن كل واحد يرى الناس جميعاً سكارى وما هم بسكارى لأن كل واحد سيرى هؤلاء الناس سكارى، من الذي يملك أن يصوّر هذا الأسلوب وهذا التعبير إلا الله سبحانه وتعالى؟![/FONT]
[FONT=&quot]يرى البعض أن التاء في كلمة مرضعة زائدة، لماذا؟ لأن التاء تدخل على الوصف الخاص بالنساء عندما يشترك الرجال مع النساء في هذا الوصف بمعنى أني أقول محمد كريم وفاطمة كريمة حتى أميّز بين صفة المؤنث وبين صفة المذكّر. لكن هناك صفات خاصة بالنساء لا يشترك فيها الرجال فأهل العربية يرون أن تلك الصفات لا ينبغي أن تلحقها التاء مثل كلمة حائض خاصة بالمرأة لا أقول امرأة حائضة ومرضع خاصة بالنساء فأقول امرأة مرضع. لكن عندما تتدبر وتقرأ أصل كلمة مرضع ومرضعة تجد فرقًا دقيقًا بين الكلمتين وأن كلمة مرضعة هي المراة هاهنا. كيف هذا؟ المرضع بدون التاء هي المرأة التي من شأنها الارضاع إلا أنها غير متلبّسة به الآن، يعني عندها طفل وعندما الحليب في صدرها إلا أنها لا ترضع الآن، الطفل نائم، يلهو ويلعب فهي لا ترضعه الآن، هذه هي المرضع. إذا تلبست بالارضاع وكان الطفل متلبساً بالارضاع معها نجد أن هذه هي المرأة المُرضعة أي المتلبسة بالارضاع. إذن هناك فرق بين المرضع والمرضعة: المرضع من شأنها أن ترضع لكنها غير متلبسة المرضعة هي المتلبسة بالارضاع. تخيل عندما يصور الله ذهول كل مرضعة عما أرضغت أيّ الأسلوبين أكثر تعبيراً في هول هذا اليوم؟ أن تكون المرأة المتلبسة بالارضاع تذهل عن طفلها، لأنه لو قال (تذهل كل مرضع) لكان الأسلوب أقل تصويراً للهول، لأن المرضع من طبيعتها أنها تركت الطفل الآن وهي غير متلبسة لكن كون المرضع متلبسة بالارضاع ومع ذلك هي تذهل عنه فمعناها أن الهول في هذا اليوم شديد وهذا هو ما أراد الله تبارك وتعالى أن يصوّره لأن الارضاع كما نعلم له دور في العلاقة بين الطفل وأمه ولذلك عندما نقرأ قول الله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي (7) القصص) تدبر معي: (أَنْ أَرْضِعِيهِ) أم أن الوحي مركّز على (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)؟ نعم مركّز على (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) لماذا قال أرضعيه في البداية؟ لا بد أن يكون هناك درس لنا ولا بد أن نتدبر وبالمفاهمة مع أساتذة طب الأطفال قالوا بأن الارضاع له ثلاث فوائد، تلك الفوائد الثلاث سنعرفها ونتدبرها بحول الله وقوته في الحلقة القادمة.[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 21/4/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]القول بزيادة بعض الحروف في القرآن لا ينبغي أن نقول به وإنما لكل حرف دور في المعنى. وقد بينا ذلك في الحلقات السابقة ومن خلال ورود الآيات التي قيل فيها بالزيادة ومن الآيات التي اشتهر القول فيها بالزيادة:[/FONT]
[FONT=&quot]قول الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ (31) يوسف) في قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. والسبب الذي دعاهم للقول بزيادة الباء هاهنا في قول الله تعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أن الفعل سمع يتعدى بنفسه كما ورد في قول الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (1) المجادلة) فلم يقل الله "قد سمع الله بقول التي" فيرون أن الباء هاهنا زائدة ويكون المعنى "فلما سمعت مكرههنّ". عندما نتدبر السياق الذي وردت فيه تلك الآية الكريمة ندرك أن الباء لا بد من وجودها ولو لم توجد الباء في قوله (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) لاختل المعنى، ولقلنا بأن هناك خللًأ هاهنا، لم؟[/FONT]
[FONT=&quot]أولاً الفعل سمع الذي يتعدى بنفسه هو الذي يكون السمع فيه سمعاً مباشراً، أنا سمعتك تتكلم سمعتك وأنت تتكلم لكن إذا كان الكلام قد حُكي لي ولم أسمعك مباشرة وإنما وصلني عن طريق من أخبرني فإني أقول سمعت بك أو سمعت عنك لكن إن كنت قد سمعتني مباشرة فأنت تقول قد سمعتك. تعالوا نتدبر هذا الكلام النسوة اللآئي تكلمن في حال امرأة العزيز هم بالتأكيد قلة وهؤلاء النسوة بالتأكيد كنّ يتكلمن في خفاء فيما بينهن بدليل أن الله تبارك وتعالى سماه مكراً والمكر تدبير خفيٌ لا يُسمع عندما تمكر بأحد لا ينبغي أن يسمع ما تمكر به وإلا ليس بمكر. فالمكر تدبير خفيٌ إذن الباء هاهنا لا بد منها لو قال الله "فلما سمعت مكرههن" لقلنا كيف سمعت المكر؟! وهل المكر يُسمع؟! المكر لا يُسمه وهي لم تسمع مباشرة وإنما جاء من يُسمِعها وجاء من يبلغها الخبر.[/FONT]
[FONT=&quot]عندنا أيضاً في قول الله تبارك وتعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ (228) البقرة) يرون أن الباء في (بِأَنفُسِهِنَّ) زائدة لأن التربص يكون بالغير انا أتربص بك وأنت تتربص بي فيقولون كيف تتربص المطلقة بنفسها؟ هي تتربص بغيرها إنما تتربص بنفسها فهذا لا يمكن أن يكون. إذا قلتم أن الباء زائدة ماذا ستفعلون بكلمة أنفسهن؟ قالوا تكون توكيداً لنون النسوة الضمير الذي في قول الله تعالى (يَتَرَبَّصْنَ) كأنهن يقولون "يتربصن أنفسهن" لكن لا يمكن أن تكون أنفسهن توكيد هاهنا لا من الناحية اللفظية أو الصنعة النحوية ولا من ناحية المعنى لأننا نؤكد بالنفس عندما يكون هناك التباس في المعنى، لبس حاصل في المعنى. عندما تقول زارنا الشيخ بالأمس فقد تكون أنت تبالغ ربما الشيخ لم يزرك وإنما ارسل أحدًا من تلاميذه فإذا أردت أن تؤكد هذا الأمر تقول زارني الشيخ نفسه. ونحن هنا لا نحتاج لهذا التوكيد لأنه لا يوجد لبس (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ) لن تقول لي من اللآئي يتربصن لأنه من الواضح أنهن المطلقات. [/FONT]
[FONT=&quot]ثانياً توكيد الضمير لا بد أن آتي بضمير منفصل بين الضمير المتصل والمؤكد وهذا ليس بموجود.[/FONT]
[FONT=&quot]دور الباء هنا عندنا ما يسمى بأسلوب التجريد. وأسلوب وارد في القرآن الكريم كما في قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) نهى فعل ماض والنفس مفعول به، أين الفاعل؟ نهى هو، أي أن الإنسان هو الذي ينهى نفسه، كيف ينهى الإنسان نفسه؟ هذا الذي نسميه أسلوب التجريد بمعنى أن الله تبارك وتعالى يقول لك اعتبر نفسك صديقاً لك وجاراً لك وقل لنفسك يا نفسي ابتعدي عن الهوى. فالله تبارك وتعالى يشير هاهنا إلى أن المطلقة يجب أن تجرد نفسها وأن تقول لنفسها ّتربصي مدة العدة وهي ثلاثة قروء" وهذه تبرز الحالة النفسية للمطلقة لأنه كما نعلم أن المطلقة تكون في ظروف نفسية صعبة وتريد أن تثبت ذاتها وتريد أن تثبت أنها صالحة للحياة فربما يتقدّم إليها زوج أو عريس خاطب جديد فتحاول أن تخفي عدتها حتى تتزوج وتثبت جدارتها وتثبت رغبة الغير فيها وتلك حالة نفسية في المرأة المطلقة أنها تريد أن تثبت أنها ناجحة وأنها صالحة فالله يقول لها تمهلي تربصي اعتبري نفسك صديقا لك لن يتربص بنفسك إلا أنت، أنت المهيمنة على نفسك (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ) إذن الباء ليست زائدة وإنما الباء لها دور أكيد تأسيس في المعنى لا يمكن الاستغناء عنه كما بيّنت.[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 27/4/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]تناوب الحروف[/FONT]
[FONT=&quot]نلتقي في قضية القول بتناوب الحروف لنؤكد أن كل حرف استعمله الله تبارك وتعالى في كتابه إنما استعمله لتأدية المعنى المراد. ومن تلك الحروف التي قيل فيها بأنها بمعنى حرف آخر في قول الله تبارك وتعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) ابراهيم) فيقولون بأن قوله تعالى (وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) أن (على) بمعنى (مع) ليكون وهب لي مع الكبر أي أن الله وهب لخليله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهب له مع وجود الكِبر. لكن عندما تتدبر معي لتدرك معنى حرف الاستعلاء هنا (وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَر) (على) حرف يفيد الاستعلاء والتمكن فما معنى الاستعلاء هنا في قول الله تبارك وتعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) لندرك أولاً قبل أن نتكلم في حرف الاستعلاء أن الله تبارك وتعالى عندما يتحدث عن انجاب الولد يستعمل لفظ الهبة (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾ الشورى) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) ابراهيم) (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ مريم) (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿٣٨﴾ آل عمران) لماذا لفظ الهبة بالذات؟ إشارة أنك أيها الانسان لا تملك شيئا في إنجاب الولد لأن الهبة عطاء بلا مقابل منك وإنما هو الأخذ بالأسباب الذي تفعله إنما هو أن تأخذ بالأسباب فقط. فلا بد أن نعلم أن الكبر من أهم وأكبر العوامل التي تكون مانعة لانجاب الرجل، فالله تبارك وتعالى يشير هاهنا على لسان سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه يحمد الله أي يثني عليه أنه وهب له على الكبر، فما معنى الاستعلاء هاهنا؟ معنى الاستلاء أن إرادة الله تبارك وتعالى عندما يريد العطاء لعبد من عباده تستعلي فوق كل الموانع البشرية، الكبر من الموانع عند البشر، البشر يرون أن الكِبَر مانع للانجاب فالله جلّت قدرته يشير هاهنا إلى أن إراداته وإلى أنه عندما يعطي ويمنح فإن عطاءه ومنحته تستعلي على أكبر الأسباب البشرية وهذا دليل على أن الله تبارك وتعالى عندما يريد أن يعطي فلا مانع لعطائه أبداً لكن عليك بالدعاء. ولذلك علمنا الله تبارك وتعالى على لسان زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يلجأ العبد لربه بالدعاء حتى لو كانت الأسباب البشرية تشعر وتوحي بأن هناك مانعاً ما. قال الله تبارك وتعالى على لسان سيدنا زكريا (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴿٣﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿٤﴾ مريم) وهن العظم مني أي أني بلغت الغاية العظمى في الضعف لأن العظم بالنسبة للإنسان هو الأعمدة التي يقوم عليها بنيان الانسان فإذا وهن العظم فمعنى هذا أن الإنسان قد بلغ الغاية العظمى في الضعف. وقيل أيضاً لأن في جسم الإنسان ثلاثة مخازن رئيسية تمد الجسم بالقوة وبالطاقة: المخزن الأول الشحوم التي في جسم الإنسان فمنها يمتد الجسم قوته وطاقته. إذا فقد الجسم تلك الشحوم ينتقل إلى المخزن الثاني الاحتياطي وهو اللحم ما بين الجلد والعظم، هذا اللحم يستمد الجسمُ طاقته وقوته منه إذا فقد الشحم. فإذا بلغ الإنسان مبلغاً من السنّ وفقد المخزن الثاني وهو هذا اللحم -ولذلك بعض أجدادنا أو جدّاتنا لو نظرنا إلى يدي الجدّ نجد الجلد والعظم، هل كانت يده هكذا وهو في مرحلة الشباب ومرحلة القوة؟ أبداً، كان هناك اللحم لكن فقد الجسم هذا اللحم. إذا فقد الجسم هذا اللحم ينتقل إلى المخزن الأخير وهو العظم. إذا العظم إذا وهن يكون الانسان في غاية الضعف. وقيل أيضاً بأن تكوين الحيوان المنوي يكون في النخاع العظمي ولذلك كانت الدقة في التعبير القرآني في قول الله تعالى (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (4) مريم) إذن عندما قال خليل الرحمن (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) إشارة إلى أن عطاء الله تبارك وتعالى لا يمنعه مانع فإذا كانت هناك موانع بشرية وأراد الله لك أو أراد الله بك أن يعطيك أو يمنحك فإنه عطاءه لا يتوقف بسبب الموانع البشرية. وهذا هو المعنى الذي أبرزه وجود حرف الاستعلاء (على) [/FONT]
[FONT=&quot]ومن المواضع التي قيل فيها (على) بمعنى (مع) في قول الله تبارك وتعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ (177) البقرة) فيقولون بأن (على) هاهنا بمعنى (مع) ليكون "وآتى المال مع حبه". لكن تعالوا نتأمل السياق ونتدبر معنى حرف الاستعلاء هاهنا نجد أن لحرف الاستعلاء دورا أساسياً في المعنى لأن حب المال في قلب الانسان فطرة فالإنسان يحب المال بفطرته والمال كما يقولون شقيق الروح فالله تبارك وتعالى من خلال وجود حرف الاستعلاء هاهنا (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) يشير إلى أن حب المال في قلبك فطرة بشرية ولا مانع من تلك الفطرة. لكن المؤمن عندما يُدعى للإنفاق وعندما يُدعى الصدقة وعندما يُطلب للعطاء فإن حُبّه للصدقة وحُبّه للإنفاق وحُبّه لما عند الله يستعلي على حُبّه في قلبه، فلو قال الله "وآتى المال مع حبه" ما أفاد هذا المعنى وإلا لكان المعنى أنه يعطي المال مع وجود حُبّه وهذا أمر فطريٌ.[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 5/5/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]رابط الحلقة[/FONT]
[FONT=&quot]http://www.youtube.com/watch?v=qPnJPPwSnZ0&feature=share[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]كل حرف في كتاب الله له معنى في موضعه الذي أراده الله تبارك وتعالى. القائلين بتناوب الحروف الأمر الذي دعاهم إلى هذا أن الفعل قد يتعدى بحرف معين ثم يجدونه في القرآن الكريم قد تعدى بحرف آخر كما بينا في الحلقات السابقة. واليوم نبدأ في بيان بعض الأفعال التي تتعدى في موضع بحرف وفي موضع آخر بحرف آخر ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)) عندما نتدبر نلاحظ أن الفعل يشربون في الآية الأولى تعدى بحرف الجر (من) (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ) بينما في الاية الثانية قال الله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) وبالطبع الكأس آلة يُشرب بها وأما العين فهي المنبع الذي يُشرب منه مما دعا البعض إلى القول أن (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) الباء هاهنا بمعنى (من) أي عيناً يشربون منها إذ أن العين كيف يشربون بها؟ لكن عندما تتدبر تجد أن هنا معنى دقيقاً لأن الله تبارك وتعالى يتحدث عن نعيم الأبرار في الجنة والنعيم في الجنة أكبر بكثير مما ذكره الله تعالى لكن الله يذكره بما نفهمه وبما تستطيع العقول أن تستوعبه. العذاب أيضاً لأهل العذاب إنما هو أكبر بكثير ولكن الله يذكر ما فيه الزجر بما تستوعبه العقول. فالله تبارك وتعالى يشير إلى أن الكأس التي هي الآلة التي يُشرب بها إنما ستكون منبعاً ولن تكون آلة لأنهم سيشربون من كأس. لماذا؟ الكأس في اللغة إنما هو الكوب الممتلئ بالشراب، يعني الكوب إذا كان فارغاً يسمى كوباً فإذا امتلأ يسميه الله كأساً. إذن الكأس في الأصل ممتلئ ولذلك الله قال في آية أخرى (وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) النبأ) معنى دهاقا أي كأساً مملوءة لا تفرغ أبداً، لماذا؟ لأن الإنسان عندما يشرب كأساً من العصير أو كأساً من مشروب معين يحبه ويتلذذ به يكون كل همه أن هذا الكأس سينتهي وإذا انتهى يتألم من داخله، فالله تبارك وتعالى يشير إلى أن هذا الكأس الذي ستشربون منه لن يفرغ أبداً سيكون ممتلئاً مهما شربت فكلما رغبت في الشرب تجد الكأس ممتلئاً وتجد نفسك تشرب من غير جهد ولذلك قال الله في نفس السورة في نعيم الأبرار (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)) أي أن قطوف ثمار الجنة ستكون مذللة لك تأتيك دون أن تطلبها بمجرد أن ترد في بالك ستأتيك.[/FONT]
[FONT=&quot]وأما في قوله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) جعل الله العين آلة يُشرب بها مع أن العين هي المنيع، نقول نعم أراد الله أن يشير أنك ستكون قريباً جداً من العين، ستكون ملابساً ومصاحباً لها لتجمع بين التمتع بالنظر والتمتع بالشرب فالله تبارك وتعالى يشير إلى أن الأبرار سيتمتعون برؤيتهم للماء وهو في العين وسيتمتعون بالشرب وسيكونون ملابسين لتلك العين لن تبذل جهداً ولن تحتاج إلى بذل جهد فالعين أنت تشرب بها والكأس الذي تشرب به في الأصل ستشرب منه، دليل على أنه كأس لا يفرغ أبداً. والكأس ممتلئ دائماً دليل على أنك ستكون في غاية التمتع وفي غاية التذلل بما أعده الله تبارك وتعالى لهؤلاء الأبرار. [/FONT]
[FONT=&quot]إذن جعل الله تبارك وتعالى الآلة وهي الكأس كأنها هي المنبع (يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ) وجعل المنبع هي الآلة (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا) ولم يقل عيناً يشرب منها. وهذا الكلام هو الذي يؤيده السياق ويؤكده السياق في آيات أخرى أيضاً خلافاً لمن زعم أن عباد الله في الآية الثانية غير الأبرار في الآية الأولى فيرى أن الأبرار نوع من البشر ويرى أن عباد الله نوع آخر، نقول أبداً، عباد الله هاهنا هم الأبرار المذكورون في بداية السياق ولذلك هؤلاء يشربون من كأس كان مزاجها والعين يشربون بها لماذا؟ دلالة على التمتع الكامل والتلذذ برؤية العين وبالشرب من الماء عندما يريدون وأن الكأس لا يفرغ أبداً وهذا دليل على تمتع الأبرار في الجنة. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن يُنادون يوم القيامة (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف).[/FONT]
 
[FONT=&quot]12/5/2012م[/FONT]

[FONT=&quot](وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[/FONT]
[FONT=&quot]إن كل حرف في كتاب الله تبارك وتعالى إنما أراد الله به معنى لا يمكن أن يؤدّى بغيره. ونتكلم عمن قالوا بتناوب الحروف بأن الحرف يكون بمعنى حرف آخر، فالحرف قد ينوب عن حرف آخر وقد بيّنت أن هذا القول لا ينبغي أن نطبّقه على كلام الله تبارك وتعالى لأن كلام الله له غاية وهي هداية الناس جميعاً كما بيّنت في بداية الحلقات. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإحسان قد يتعدّى بـ (إلى) أي كأنهم يرون أن المعنى: أحسِن إلى الوالدين. لكن الله تبارك وتعالى لم يستعمل الإحسان في شأن الوالدين بحرف الجرّ (إلى) أبداً وإنما استعمله بحرف الجر (الباء) "أحسِنوا إحساناً بالوالدين"، ولي وقفات مع تلك الجملة:[/FONT]
[FONT=&quot]الوقفة الأولى:[/FONT][FONT=&quot]نحن نقول بأن قول الله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أسلوب أمر من الله تبارك وتعالى، فأين الأمر هاهنا؟ تأمّل كلمة (إحسانا) مصدرٌ مؤكِّد لفعلٍ محذوف وأن أصل الجملة: "وأحسنوا إحساناً بالوالدين". إذن الإحسان هناهنا لماذا إذن تعدّى بالباء ولماذا لم يتعدّى بـ (إلى) كما يقولون؟ الإحسان إذا تعدّى بـ (إلى) فإن (إلى) حرف يفيد انتهاء الغاية بمعنى أن الإحسان منك ما كان موجوداً منك بمن تحسن إليه ثم نقلت إحسانك إليه، فعندما أقول "أحسِن إلى جارك" أي انقل إحسانك إلى جارك. لكن الإحسان الذي يتعدّى بالباء، الباء تفيد معنى المُلابسة والمُلاصقة والمُصاحبة أي أحسنوا إحساناً ملابِساً بوالديكم مصاحِباً ملاصِقاً بمعنى أنك لا تفارقهما. ثم أيضاً هناك معنى آخر: الإحسان إذا تعدّى بـ(إلى) يختلف معناه أيضاً عما إذا تعدّى بالباء لأن الإحسان إذا تعدى بالباء وأقول لك أحسِن بفلان معناه أن إحسانك ينبغي أن يكون منصبّاً على ذاته وعلى شخصه إحساناً مباشراً لذاته ويكون تقديراً له وإكراماً له ورفعة له. أما إذا كان الإحسان متعدّياً بـ (إلى) يؤدي هذا المعنى فالإحسان بـ (إلى) لا يدلّ على مكانة من تُحسِن إليه ولا يدلّ على رفعة شأنه ولذلك تأمل قول الله تعالى عندما قال مخاطباً قارون (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (77) القصص) فالله أحسن إلى قارون بدليل أن قارون لم ينجح في الاختبار بدليل أن الإحسان لم يكن لمكانة قارون عند الله تبارك وتعالى ولكن الإحسان الذي ورد على لسان نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال الله على لسان يوسف (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي (100) يوسف) أحسَنَ بي ولم يقل أحسَنَ إليّ لأن إحسان الله بيوسف كان منصبّاً على شخصه ومنصبّاً على ذاته ودليلاً على مكانته عند الله تبارك وتعالى ورفعة شأنه. إذن الله تبارك وتعالى عندما قال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أراد منك أن تكون محسناً إحساناً خاصاً بالوالدين إحساناً ملابساً اهما إحساناً دالاً على مكانتهما، إحساناً دالاًّ على رفعة شأنهما. ولذلك ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي ذهب ليجاهد في سبيل الله والجهاد سنام الاسلام قال له: ألك أبوان؟ قال نعم، قال صلى الله عليه وسلم: إذهب ففيهما فجاهد. إذن أراد الله تبارك وتعالى من قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أراد أن تكون محسناً إحساناً خاصاً ينبغي إذا كنت ولا بدّ محسناً أن تُحسن بوالديك أولاً. [/FONT]
[FONT=&quot]ولذلك عندما تتدبر قول الله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) نجد ورود تلك الكلمة في القرآن الكريم فيها دقة عجيبة فقد وردت: [/FONT]
[FONT=&quot]في سورة البقرة على سبيل الإجمال فيما يذكره الله تبارك وتعالى عندما أخذ الميثاق على بني إسرائيل (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83)) [/FONT]
[FONT=&quot]ثم ذكره في موضع آخر في سورة النساء (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (36)) أيضاً تلك الجملة على سبيل الاجمال لم يفصّل فيها. ثم ذكر بعد ذلك في سورة الأنعام في قول الله تعالى (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (151)) أيضاً على سبيل الإجمال. لكن لي وقفة خاصة بهذا الموضع، لماذا؟ لأن تلك الآيات تجد الكلام فيها السياق سياق نهي (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) ثم أتى بأسلوب الأمر (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ثم قال بعدها (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ) لماذا غاير الله الأسلوب وأتى عند الأمر بالإحسان جعله أسلوب أمر ولم يقل "ولا تسيئوا إلى الوالدين" حتى يكون السياق واحداً؟ لو تدبرت لأدركت أن النهي عن الإساءة لا يفيد الأمر بالإحسان فلو قال الله تعالى ولا تسيئوا إلى الوالدين ما أعطانا معنى الإحسان. أما قوله تبارك وتعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فإنه يجمع بين الأمرين أن تُحسِن بهما وأن لا تسيء إليهما. وللموضوع بقية أكمله بحول الله وقوته في حلقتنا القادمة. [/FONT]
 
[FONT=&quot]18/5/2012م[/FONT]
[FONT=&quot](وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) - 2[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]نؤكد أن كل حرف في كتاب الله تبارك وتعالى إنما له دور في المعنى المراد لا يمكن أن يؤدّى بغيره. وقد تكلمنا في الحلقة السابقة عن قول الله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وكنا توقفنا عند تلك الجملة الواردة في سورة الأنعام التي غاير الله تعالى فيها الأسلوب من أسلوب نهي إلى أسلوب أمر (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ليؤدي المعنى المراد لأن النهي لو قال الله تعالى "ولا تسيئوا إلى الوالدين" ما أفاد معنى الإحسان لأن النهي عن الإساءة لا يدلّ على معنى الإحسان بالضرورة. فإذا قلت لك لا تسئ إلى فلان ليس بالضرورة أن تحسن به ولا تحسن إليه وإنما تتجنبه حتى لا تسيء إليه. أما الأمر بالإحسان فإنه يفيد الأمر بالإحسان به ويفيد النهي عن الإساءة إليه. ثم يأتي الله تبارك وتعالى في الموضع الأخير من النصف الأول في سورة الإسراء ويفصّل الإجمال، إجمال في نصف القرآن الأول (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ثم يفصِّل الله هذا الإجمال. ثم في النصف الثاني من القرآن الكريم ينتقل الحق جلّت قدرته من الأمر بالإحسان إلى التوصية (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) لقمان) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا (15) الأحقاف) ثم عند التوصية يفصّل الله تبارك وتعالى مبيّناً الإحسان بالأمّ، مبيّناً مكانة الأم عند التوصية. ولذلك لا بد لنا أن نتوقف قليلاً مع هذا الأسلوب الذي أتى الله به تبارك وتعالى ليأمرك بالإحسان بالوالدين من عدة وجوه: [/FONT]
[FONT=&quot]لم يأمر الله تبارك وتعالى الآباء بالإحسان إلى الأبناء لأن الإحسان بالأبناء فطرة بشرية في الإنسان ما يحتاج الوالدان أن يوصيهما الله تبارك وتعالى بالإحسان بالأبناء لكنه وصاهم وأوصاهم في الأولاد في شؤون الأولاد في تربية الأولاد في رعاية الأولاد في العدل بين الأولاد ولذلك جاء هذا الإيصاء في بداية آيات المواريث عندما قال الله تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ (11) النساء) ولم يقل يوصيكم بأولادكم لأن المقصود يوصي الله الآباء في رعاية الأبناء في العدل بين الأبناء لأن الوالدين قد لا يعدلان أحياناً لسوء خُلُق من ولد أو غيره وتلك قضية أخرى، لكن أردت أن أشير أن الله أوصى الآباء في شؤون الأولاد وفي العدل بين الأولاد. [/FONT]
[FONT=&quot]لو تدبرنا التفصيل الذي ذكره الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء نجد أن الحق جلّت قدرته يقرن دائماً بين الأمر بعبادته وبين الإحسان بالوالدين دلالة على مكانة الإحسان بالوالدين ودلالة على أن الإحسان بالوالدين له الدلالة العظمى في عبوديتك الحقّة لله تبارك وتعالى فلن تكون لله عبداً عبودية حقيقية وترجمة عملية إلا إذا كنت محسناً بوالديك. ولذلك اقرأ قول الله تبارك وتعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا (23) الإسراء) وسأتوقف هاهنا قليلاً. (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ) ما لزوم العِندية هاهنا؟ أما كان الأسلوب يصح بقوله "إما يبلغن الكبر أحدهما أو كلاهما؟ نعم، لكن العندية كلمة (عندك) لها دلالة وتلك الدلالة هي أن الوالدين ينبغي أن يكونا تحت عينيك وتحت رعايتك وينبغي أن يكونا في رعايتك وأن تشملهما برعايتك ويعنايتك ولذلك لا ينبغي أن تسافر إلا بإذنهما ولا تفارقهما إلا بإذنهما وإذا كانا في حاجة لوجودك فينبغي أن تكون ملازماً لهما كما ذكرنا في الحلقة السابقة "اِذهب ففيهما فجاهِد". [/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً دلالة على مكانة الوالدين ما نقرأه بتدبر في قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، اِقرأ عندما التقى بأبويه (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ (100) يوسف) أريد أن أتوقف قليلاً في تلك الجملة لأن الله لا يذكر جملة في قصة إلا وفيها العِبرة وفيها العِظة لنا ولا بد أن نعتبر بها. سألني بعض الإخوة ذات مرة لماذا (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)؟ إشارة إلى وجوب وضع الوالدين في أعلى مكانة عندك، أجلَس والديه على العرش، كرسي العرش، أجلَسهما عليه وما أراد أن يجلس هو ويجلسان هما في مكان آخر. تعالوا ننقل هذا الوضع للواقع في مجتمعاتنا في هذه الأيام، الوالدان إذا زارا الأبناء أين يجلسون وأين ينامون؟ إنهم قد ينامون في المجلس وقد تأتي لهم بفراش يعلم الله بحالها. هل جعلت والديك في أعظم مكان في بيتك يوم أن يأتيا إليك؟ ينبغي أن يكونا في أعظم مكان. بل إن البعض من الأبناء -ونسأل الله العافية -عندما يزوره والده في مكتبه قد يتحرّج أن يقول بأن هذا أبي وقد يتحرّج بأن يقابله وقد يعنّف أباه، لماذا تعنّفه؟ لمادا تحاول أن تتبرأ من والدك عندما يزورك في مكتبك مهما كنت في مكانة؟ هل مكانتك أعظم من مكانة يوسف أن ينزل من على العرش وأن يرفع أبويه؟ [/FONT]
[FONT=&quot]إذن (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ) وقت الكِبَر هذا، سِنُّ الكِبر متى؟ هل لا بد أن يبلغا سن الشيخوخة؟ يبلغا سن السبعون؟ أو الثمانون أو الستون؟ أبداً، وإنما الكِبَر له دلالة أخرى سنعلمها بحول الله وقوته في حلقتنا القادمة. [/FONT]
 
[FONT=&quot]26/5/2012م[/FONT]
[FONT=&quot](وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) - 3[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]نلتقي مع تناوب الحروف والردّ على من يزعم بتناوبها مؤكدين أن كل حرف استعمله الله في موضع للدلالة على معنى لا يمكن أن يؤدّى بغيره. تكلمت في الحلقات السابقة عن قول الله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وفصّلت القول في قوله جلّت قدرته (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا) وكنت قد توقفت عند معنى الكِبَر، هل الكِبَر يبدأ من سنّ معين؟ أو من سن محدد؟ أبداً وإنما الكِبر يبدأ عندما يشعر الوالد أو الوالدة بالضعف وبالعجز أمام الأبناء. قد يكون الوالد غير متعلم وقد تكون الأم لا تحسن الحوار والحديث وقد يكون الوالد لا يحسن الكلام ويكون الولد في سن حتى لو كان في العاشرة أو أكثر أو أقل قد يكون ممن يحسن الكلام وقد يكون الوالد في الثلاثين من عمره لكنه لا يحسن الكلام مثل الولد فيشعر بالحرج وبالضعف وبالعجز أمام ابنه. وكذلك الأم قد تكون في العشرينات من عمرها لكنها لا تحسن الحوار مثل ابنتها ولا تحسن صنعة معينة مثل ابنتها ولا تحسن القرآءة مثل ابنتها ولا تحسن تلاوة الفاتحة مثلاً أو تلاوة قصار السور مثل ابنتها، هي تحسن لتصلي لكنها قد لا تصل لدرجة قرآءة ابنتها، في هذا الأمر ينبغي على الأبناء أن يراعوا مشاعر الآباء ومشاعر الأمهات فلا ينبغي أن تحرج والدك ولا ينبغي أن تحرجي أمك وإنما ينبغي أن نراعي مشاعر الجميع. ولذلك قال الله تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ) ولم يذكر للكِبَر سناً معيناً وإنما الكبر كما بينت ولذلك قد يختلف الكبر من والد لآخر ومن أم لأخرى بحسب المقام. [/FONT]
[FONT=&quot]لماذا قال (أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا)؟ أما كان يكفي وخاصة عندنا قرآءة متواترة صحيحة (إما يبلغانّ عندك الكبر) فكان يكفي ألِفُ التثنية لكن الحق تبارك وتعالى يفصّل لبيان مكانة الوالدين فلو قال "إما يبلغنّ عندك الكبر كلاهما" ربما يفهم البعض أن الإحسان بالوالدين بالضرورة أن يكونا كلاهما موجودين وهذا ليس بمقصود. ولو قال "أحدهما" ربما يظن أن الإحسان بواحد غير الآخر يكفي، أبداً، سواء أكان أحدهما موجوداً على قيد الحياة أو كلاهما. [/FONT]
[FONT=&quot]بعد ذلك أول مراعاة للمشاعر قال (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) أُفٍّ لماذا؟ أهل اللغة يقولون أن كلمة "أُفّ" اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. يعني لا تضجر فلا تشعر تضجرك أمام الوالدين. وتلك الكلمة كما قيل لو كان هناك كلمة أخرى تدل على أدنى تضجر لاستعملها الله تبارك وتعالى. تلك الكلمة في أصل معناها دلالات وفي لفظها دلالات وفي القرآءات الواردة فيها دلالات:[/FONT]
[FONT=&quot]أولاً في أصل معناها: قيل أن أصل معناها أن الإنسان إذا وقع على ملابسه بعض الغبار فإنه ينفخ فيه "أُفّ، أُفّ" متضجراً. مم تتضجر؟! بعض الغبار وقع على ملابسك! ولذلك هذا أدنى تضجر يتضجر منه الإنسان ولذلك في هذا الأصل إشارة إلى أنك لا ينبغي أن تتضجر ولو بأدنى تضجر.[/FONT]
[FONT=&quot]الأصل الثاني لمعنى "أُفٍ" أن الإنسان إذا شمّ رائحة كريهة فإنه يتأفف حتى الآن في الواقع العملي عندما تشمّ رائحة كريهة فإنك تتأفف وفي هذا دلالة عظيمة هي أن الوالدين ربما يبلغان مبلغاً تصدر منهما بعض الروائح الكريهة وربما لا يستعملان العطور التي نستعملها ولا يستعملان الكريمات التي تستعملها أنت أو ربما يصل الوالد أو الوالدة إلى ظروف صحية يحتاجان لخدمة خاصة فالله تبارك وتعالى يقول لك إذا شممت منهما رائحة كريهة فلا تتأفف فلا تتضجر.[/FONT]
[FONT=&quot]وأنقل أيضاً معنى دقيقاً في هذا الأمر وهو أنك لا ينبغي أن يظهر تضجرك على ملامح وجهك لأن ملامح الوجه تكشف والوالدان يسوؤهما تلك الملامح عندما ينظران في وجخك فيران التضجر فيه. إذن (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) وكلمة أفٍّ بلفظها هكذا تدل على أدنى تضجر كما قلت.[/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً ورد فيها قرآءات متواترة وسأتخير قراءتين اثنتين قرآءة بالتنوين (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) كما في قرآءة حفص وفيها قراءات أخرى بالكسر بلا تنوين وبالفتح بلا تنوين (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفِّ) (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفَّ) عندنا أسماء الأفعال إذا أردنا أن نجعلها نكرة ننوّنها يعني أفٍّ بالتنوين هذا التنوين يسمى تنوين التنكير يعني أن الكلمة حينئذ نكرة يعني أن الكلمة فيها شيوع. أما أُفِّ أو أُفَّ بلا تنوين فمعناها معرفة وهذا يعطينا دلالة في المعنى، لماذا؟ لأن الإنسان قد يأتي من الخارج وقد تضايق من موقف ما، تضايق من كلام مع زميل في العمل، مع السائق، مع البائع، مع البوّاب، المهم أنك متضايق من أمر ما فتأتي إلى البيت وعندما تدخل تدخل بيتك عبوس الوجه تراك الأم ويراك الأب ويرون في وجهك هذا العبوس فإن هذا يسيئهم. [/FONT]
[FONT=&quot]تأتي قرآءة التنوين التي تعطي معنى التنكير لتقول لك (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) يعني لا تتضجر إطلاقاً لا بسببهما ولا بسبب غيرهما. وفي الحلقة القادمة أستكمل الأمر وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والفعل والعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/FONT]
 
[FONT=&quot]1/6/2012م[/FONT]
[FONT=&quot](وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) - 4[/FONT]
[FONT=&quot]نكمل ما تكلمنا به في الحلقات السابقة عن الإحسان بالوالدين وما ذكره الله تبارك وتعالى من دقة في التعبير لإرادة معنى لا يمكن أن يؤدّى بغير الكلمات والحروف التي استعملها الله تبارك وتعالى. كنت توقفت عند القرآءات الواردة في قول الله تبارك وتعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) بالتنوين وبغير التنوين وقلت بأن أسماء الأفعال إذا نوّنت تكون نكرة ومعنى النكرة أنها تفيد الشيوع والعموم فقلت بأن قرآءة التنوين هاهنا تدل على أنك لا ينبغي أن تتضجر أمام والديك لا بسببهما ولا بسبب غيرهما وعندما ننظر إلى الواقع نجد أن هذا قد يكون في الواقع لأنك قد تأتي من الخارج وأنت في زعل وأنت في غمّ وهمّ فتأتي وتتأفف وتتضجر أمام الوالدين فإذا ما كلمناك تقول والله أنا لم أتضجر منهما، أبداً ما ينبغي، لا بد أن تقابلهما بابتسامة، لا بد أن تبتسم في وجههما ولا بد أن تزيل وأن تبعد عنهما الغمّ والهمّ وتلك قرآءة التنوين.[/FONT]
[FONT=&quot]أما قرآءة غير التنوين فتكون الكلمة معرفة ومعنى المعرفة فيها خصوص يعني (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفِّ) أو أفَّ يعني لا تتضجر بسببهما لا تتضجر منهما فلا ينبغي أن تتضجر منهما ولا من غيرهما.[/FONT]
[FONT=&quot](وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) ما النهر؟ النهر هو الزجر، لا تزجرهما، لا ترفع صوتك عليهما، لا تحاول أن تحرجهما. ننقل هذا إلى أرض الواقع، قد يتكلم الوالد في حوار أمامك وأنت تراه يقول كلاماً غير الحقيقة يقول مثلاً نحن اليوم ذبحنا ذبيحة وصنعنا كذا أو أن الأم قد تتكلم بكلام غير الحقيقة أمام ابنتها فلا ينبغي أن تُحرجهما هل يليق بك أن تقول لوالدك: اسكت هذا الكلام لم يحدث؟! أنت تكذب، أنت كذاب، أو أنتِ تقولين لأمك هكذا؟ ما ينبغي، لكن نستطيع أن ننقذهما من هذا. [/FONT]
[FONT=&quot]الخطوة الأولى في الانقاذ أن أحاول تغيير مجرى الكلام أحاول أن أغير الكلام إلى أمر آخر حتى لا يتمادى الوالد وحتى لا تتمادى الأم فإذا استطعت أن أغير مجرى الكلام بأن أسأل الضيف عن ابنه أسأل الضيف عن ابنته أين هي؟ إذا كنت بنتاً، أين ابنتك؟ فيم تدرس؟ وما تخصصها؟ أن أُشغِل الحوار بكلام غير الكلام الذي يُتكلم فيه. فإذا ما استطعت أترك المجلس ثم بعد ذلك أحاول أن ألفت نظر أمي باسلوب جميل وألفت نظر والدي بأسلوب جميل وأتكلم معهما وكأني أحكي عن غيرهما لا ينبغي أن أواجه الوالدين بأنك تكذب، لا ينبغي، ولكن أقول: يا والدي هناك من الناس من يحكي كلاماً غير الحقيقة أحياناً وهذا قد يعده الله كذاباً لكن الانسان يستطيع أن يتكلم كلاماً على العموم بمعنى أنني ينبغي أن أبدأ الحوار مع الوالدين بالثناء عليهما أولاً ثم بعد ذلك ألفت نظرهما بالأسلوب الجميل وهذا هو معنى (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا).[/FONT]
[FONT=&quot](وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) تلك الجملة تعطينا دلالة، بعض الناس ربما يقول أنا أعصابي دائماً في تعب وأنا دائماً أكون زعلان فبدلاً من أن أتعامل مع الوالدين وأغضبهما سأتجنبهما، الله يقول لك لا، لا بد أن تتعامل معهما ولا بد أن تقول لهما قولاً كريماً. الله تبارك وتعالى يعلّمك الأسلوب الحسن الجميل في جميع تعاملاتك حتى مع غير المسلم لكن لا بد أن يكون هناك فرق، فعندما تتعامل مع غير المسلم قال الله تعالى (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (83) البقرة) قولوا للناس جميعاً "حسناً" هاهنا مصدر صفة لموصوف محذوف أي قولوا للناس قولاً ذا حسن وفيها قرآءة أخرى (حَسنا) أي قولاً حسناً والناس هاهنا عموم إذن أنت مطالب بأن تقول للناس قولاً حسناً كلمة جميلة طيبة توصل بها رسالتك. ألم يأمر الله تبارك وتعالى موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً لعلًه يتذكر أو يخشى؟ لكن ليس القول الليّن معناه أنك توافقه على باطله، لا، ولا أن توافقه على ما فيه من ضلال، أبداً، أنا أوصل له أنك في ضلال لكن بالأسلوب الجميل. تدبر قول الله تعالى في حوار موسى وهارون بعد ذلك مع فرعون قال الله تعال على لسانهما (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) طه) تدبر معي لم يقولا يا فرعون أنت ستعذَّب لأنك مكذب وأنك مُعرض عن الايمان وأنك تصدّ الناس عن الايمان، لا، (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فإذا كنت ممن كذب وتولى فالعذاب لك. إذن وأنت تبلغ الرسالة وأنت توصل رسالتك لكن بالأسلوب الجميل. عند التعامل مع عباد الله المؤمنين (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هناك "حسنا" وهنا "أحسن" لا بد أن يكون الكلام مع أخيك المؤمن تتخير الأحسن وليس الحسن فقط ثم مع الوالدين تدبر ما قال الله حسناً ولا قال أحسن وإنما قال (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) تأمل القول الكريم ماذا يكون؟ وماذا يؤدي من معنى؟ ثم بيّن لك هذه المعاني كلها في الترجمة العملية (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)). أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم البر بالوالدين وأن يجعلنا ممن أحسنوا البر بالوالدين حتى يجزيهم الله تبارك وتعالى أحسن ما عملوا كما ذكر الله في كتابه.[/FONT]
 
[FONT=&quot]حلقة 8/6/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]بلاغة الكلمة في القرآن الكريم[/FONT]
[FONT=&quot]هانحن نلتقي مع بلاغة الكلمة في القرآن الكريم. الله تبارك وتعالى عندما يستعمل كلمة في موضع فإنه يستعملها للدلالة على معنى أراده وإذا أردت أن تأتي بمرادف لتلك الكلمة لا تؤدي المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى. سأضرب لذلك بعض النماذج فقط: [/FONT]
[FONT=&quot]قي قول الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴿١٤﴾ سبأ) في تلك الآية يبين الله تبارك وتعالى أن الجن لا يعلمون الغيب وضرب لذلك مثلاً عملياً واقعياً. المثل العملي الواقعي أن نبي الله سليمان الله تبارك وتعالى قد سخّر له الجن (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴿١٣﴾ سبأ) أراد الله أن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب فأنهى الله تبارك وتعالى أَجَلَ نبيه سليمان وهو واقف متكئ على عصا تلك العصا سمّاها الله (منسأته) وما علموا أنه قد مات إلا بعد أن أكلت دابة الأرض تلك المنسأة فخرّ واقعاً فعلموا جينئذ أنه قد مات، قال الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). لكن وقفتي مع كلمة (منسأة) لماذا سمى الله العصا هاهنا منسأة بينما سماها في قصة موسى (عصا) (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿١٧﴾ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴿١٨﴾ طه)؟ فلماذا سمّاها الله هاهنا منسأة؟ هل لمجرد التنوع كما قد يزعم البعض أحياناً؟ أن القضية قضية تنوّع؟! كلا. كلمة منسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة، لماذا استعملها في هذا الموضع؟ أصل منساة من نسأ ومعنى نسأ أخّر فالمنسأة تعطي معنى التأخير. فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يشير إلى أن تلك المنسأة أي تلك العصا كانت سبباً في تأخير علم الجن بانتهاء أجل نبي الله سليمان، أتى بكلمة "منسأة" لأن المنسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة وهي العصا التي يؤخَّر بها الشيء. إذا كانت العصا مما يؤخَّر بها الشيء تسمى منسأة لأن أصلها من نسأ بمعنى أخَّر. تدبر لماذا قال الله تبارك وتعالى منسأته هاهنا ولم يقل عصاه؟ بينما في قصة موسى معنى التأخير لم يكن مراداً وإنما المراد أنها عصا ستتحول إلى حية ثم كأنها جانٌّ ثم إلى ثعبان كما ذكرت في الحلقة السابقة. فلأن معنى التأخير غير مراد في قصة موسى سماها الله عصا حتى لا يختلف فيها أحد وحتى لا يقال بأنها منسأة كان فيها دلالات معينة وإنما هي عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه. فتلك دقة في اختيار الكلمة في موضعها. لو أن القرآن الكريم من كلام البشر -وحاشا له أن يكون من كلام البشر- أما كان من الممكن أن يستعمل البشر كلمة منسأة في موضع قصة موسى وكلمة عصا في موضع قصة سليمان؟ نعم، ولذلك تلك دلالة. [/FONT]
[FONT=&quot]عندما يرغِّب الله العبد في فعل الطاعة وفي فعل الحسنة يقول تبارك وتعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى) يقترف الاقتراف أصله نزع القشرة عن الجُرْح. لو أن في يدي جرحاً ثم أتت قشرة وأردت أن أنزع تلك القشرة فإن هذا يسمى اقتراف" فيه ألم تألم لأن القشرة وأنا أنزعها تؤلمني لماذا أتحمل الألم؟ لأني أرغب في إيجاد جلدة أخرى سليمة صحيحة فمن أجل ما أنتظر من جلدة أخرى فإني أتحمل الألم الآن. ولذلك كلمة اقتراف في القرآن الكريم إذا أطلقت ولم تقيّد يعني قال الله "مقترفون" أو "يقترفوا" يكون المراد بها السيئة لأن النفس ترغب في بذل الجهد في سبيل السيئة أما في سبيل الحسنة إلا من رحم ربك هو الذي يرغب في بذل الجهد. الله تبارك وتعالى يقول (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) قيّدها بالحسنة حتى يُعلم المراد بأن المراد هاهنا من يُتعب نفسه في سبيل حسنة، من يجاهد نفسه في سبيل فعل حسنة. أتى الله بجواب شرطٍ على غير فهم البشر، فهم البشر أن جواب الشرط يكون جزاءاً لفعل الشرط بمعنى ومن يقترف حسنة ندخله الجنة، ومن يقترف حسنة نكفّر عنه سيئاته، أبداً، الله تبارك وتعالى يقول لك (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) نزد له يها جمالاً، نجعلك من أهلها بمعنى أنك لو لم تكن من أهل صلاة الفجر وجاهدت نفسك وبذلت الجهد وصليت بفضل الله جعلك الله من أهل الفجر دائماً. إذا كنت لست من أهل العفو عمن ظلمك وجاهدت نفسك لتكون من أهل العفو جعلك الله محباً للعفو، هذا معنى قوله تعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) وتلك دقة عجيبة في كتاب الله أن كل كلمة في موضعها للدلالة على المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى.[/FONT]
 
[FONT=&quot]سحر البيان في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمود شمس[/FONT]
[FONT=&quot]حلقة 22/06/2012م[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]هانحن نلتقي لنبيّن أن الحق تبارك وتعالى عندما يريد معالجة قضية في نفس الإنسان وفي النفس البشرية فإنه يستعمل الأسلوب الذي يوصل إلى المراد من ذلك. ومن ذلك ما سأحصره في بعض النقاط وهي موضوعات كثيرة تحتاج إلى وقت أطول لكن سأحاول أن آخذ ما يلامس حياتنا اليومية.[/FONT]
[FONT=&quot]عندما ينهى الله المؤمن عن الالتهاء عن طاعة الله وعن ذِكْر الله على العموم بالمال والولد أو ينهاه عن الافتتان بالشيطان وبوساوس الشيطان أو عندما ينهاه أن يغتر بتلك الدنيا. تدبر معي: لا ينسب الله الالتهاء للمؤمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) أموالكم فاعِل، الله تبارك وتعالى يشير إلى أنك لا ينبغي أن تلهيك أموالك ولا أولادك عن ذِكْر الله. إذا كان الله ينهى المؤمن أما كان من الأولى أن يقال: يا أيها الذين آمنوا لا تلتهوا بأموالكم؟ نعم، هناك فرق بين لا تلتهوا بأموالكم وبين (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ). (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ) إشارة أن المؤمن في الأصل لا يلهيه شيء عن ذكر الله، المؤمن في أصله لا يلتهي عن ذكر لكن هناك بعض ما قد يأخذكم عن ذكر الله وهما: المال والولد ليحذّرك الله تبارك وتعالى من أن تلتهي بمالك وبولدك عن ذكر الله تبارك وتعالى لكن الأصل أنك لا تلتهي. الأصل أن المؤمن لسانه وقلبه وجوارحه وكله لا يفتر عن ذكر الله تبارك وتعالى. ولذلك تدبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) وتدبر يقدم الله المال على الولد هاهنا هل الإنسان يلتهي بولده أكثر أم يلتهي بماله؟ وهل حبّه للمال أكثر من حبّه للولد؟ أبداً، الإنسان بفطرته حبه لولده أكثر من حبه لماله بدليل لو طُلِب منه أن يقدّم أمواله كلها فديةً لولده يقدمها، لو أن الولد يحتاج إلى جراحة مثلاً - شفانا الله وعافانا وإياكم - وطلب منك أن تقدم كل ما تملك ستقدم، هذا دليل أن الفطرة أن حب الولد أهم من حب المال. لكن الله تبارك وتعالى يلفت نظرك إلى أنك في الأصل تلتهي بمالك أكثر مما تلتهي بالولد وهذا ما ينبغي أن تعالج نفسك منه. إذن في الآية دروس لا بد أن نتعلمها، لا بد أن تعلم أن إيمانك يمنعك عن الالتهاء بالمال وبالولد.[/FONT]
[FONT=&quot]أيضا عندما ينادي الله بني آدم (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ (27) الأعراف) يسند الافتتان إلى اشيطان إشارة أن الأصل في بني آدم أنهم لا يفتتنوا بالشيطان لأن الله ذكر حوار ابليس اللعين مع ربه وذكر أنه امتنع عن السجود لآدم وذكر ما صنعه مع آدم وأنه عدو مبين فينبغي أن لا تفتتن به، لكن للشيطان وسائل قد يأخذك، قد يوسوس لك مع أن الشيطان لا يملك إلا أن يوسوس أو يزيّن إلا أن الإنسان بطبيعته سرعان ما يجري وراء الشيطان ولذلك مع أن الشيطان لا يملك إلا أن يوسوس إلا أن الله سمّى وسوسة الشيطان "أمر" فقال الله تعالى (وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (21) النور) هل الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر؟ هو لا يأمر وإنما يوسوس، لماذا يسميه الله أمراً؟ لأنه أمر ليس باعتبار الآمِر وإنما باعتبار سرعة تنفيذ المأمور أنت عندما تسارع في التنفيذ فأنت تشبه بأنك قد أُمرت بأمر مع أنه لا يملك أن يأمرك لكن مسارعتك في الاتّباع يسميها الله أمراً. نضرب لذلك مثلاً: طفلك الصغير قد يوقظك من نومك في الثانية صباحاً لتنزل إلى الشارع لتحضر له شوكولاة، أنت تسارع في التنفيذ وبإحضار المطلوب، مسارعتك تسمى أمراً مع أن الطفل لا يملك أن يأمرك لكنط سارعت في التنفيذ وهذا هو الذي جعل الحق تبارك وتعالى يسمي هذا أمراً. إذن عند الافتتان بالشيطان أيضاً ينبغي أن تنتبه.[/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً عند الاغترار بالحياة الدنيا تدبر قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) نداء للناس جميعاً (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا (5) فاطر) يُسند الله الاغترار إلى الدنيا ولا يُسنده إلى الناس لأن الأصل "فلا تغتروا بالحياة الدنيا". الله جلّت قدرته يشير من خلال هذا إلى أن الناس في أصلهم وفي فطرتهم أنهم لا يغتروا بالدنيا لأنه يرى الواقع ويرى من سبقه أين ذهب؟ أين ذهب من قبلك؟ أين ذهب آباؤك؟ أين ذهب أجدادك؟ أين ذهب أحبابك؟ انتقلوا من تلك الدنيا فتلك حقيقة واقعية لا بد أن تدركها أنك مفارقٌ تلك الدنيا لا محالة مهما طال الزمن ولذلك الأصل في الانسان ألا يغتر. من ذلك نستنبط أن الحق تبارك وتعالى قد يغاير الأسلوب لأجل المعالجة ولأجل أن يعالجك نفسياً حتى لا تغتر بتلك الدنيا وحتى لا تفتتن بالشيطان وحتى لا تلتهي بمالك وبولدك. [/FONT]
 
[FONT=&quot]سحر البيان في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمود شمس[/FONT]
[FONT=&quot]حلقة 29/6/2012م[/FONT]
[FONT=&quot]بلاغة أسلوب القرآن في المعالجة[/FONT]
[FONT=&quot]هانحن نلتقي مع بلاغة أسلوب القرآن في المعالجة كما بينت في الحلقة السابقة. في الاصلاح بين الإخوان في المجتمع أنت مطالب بأن تحقق الأخوة الإيمانية بأن تُصلح كما قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (10) الحجرات) الفاء في قوله (فَأَصْلِحُوا) يسميها العلماء فاء التفريع بمعنى أن الأمر بالاصلاح تفرّع على إقرارك بالأخوة الإيمانية (فَأَصْلِحُوا) لكن هذا الاصلاح ذكر الله تبارك وتعالى لك كيف تُصلِح كما بيّن لك كيف تعفو عندما أمرك بالعفو -والموضوع في الحقيقة طويل ويحتاج إلى تفصيل لكني سأحاول أن أبيّن بعض الملامح- هل تعلم أن العفو والصفح عمّن ظلمك يترتب عليه مغفرة الله لك؟ اِقرأ قول الله تبارك وتعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا (22) النور) قال بعدها (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) بأسلوب العرض، ولذلك عندما قرأ أبو بكر تلك الآية وأنتم تعلمون سبب نزولها في قضية الإفك عندما تكلم من تكلم في حق أم المؤمنين البارئة المطهرة رضي الله عنها برأها الله من فوق سبع سموات بقرآن يتلى إلى ما شاء الله كان ممن تكلم مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر وكان أبو بكر ينفق عليه ويعطف عليه فأبو بكر بفطرته البشرية أقسم ألا ينفق عليه مرة أخرى، الله تبارك وتعالى يقول (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ (22)) لا يأتل يعني لا يحلف وفي قرآءة أخرى (ولا يتألّى) (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) قال أبو بكر: بلى أحب أن يغفر الله لي، إذن سيعفو ويصفح. [/FONT]
[FONT=&quot]ننتقل للواقع في مجتمعاتنا ولذلك هذا أسلوب في الإصلاح بين الناس، أخاطب الناس جميعاً، هل أنت كأبي بكر؟ هل قيل في حقك مثل ما قيل في أبي بكر؟ هل فعل فيك الذي تقول بأنه ظلمك مثلما قيل في حق أبي بكر؟! وإذا كان قد قيل في حقك فهل ابنتك مثل ابنة أبي بكر رضي الله عنها؟! ومع ذلك قال: بلى أحب أن يغفر الله لي. إذن لا بد أن تعلم بأنك مطالب بأن تعفو عمن ظلمك وأن تصفح. وعلّمنا الله تبارك وتعالى من خلال قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنك عندما تعفو لا ينبغي أن تذكّر من تعفو عنه بإساءته إليك، ما ينبغي لأننا عندما نعفو نعفو ونخطئ فنقول له سأعفو عنك مع أنك لا تستحق، مع أنك لست أهلاً للعفو مع أنك قلت في حقي كذا، الله تبارك وتعالى يعلّمك هذا الأسلوب الراقي في العفو عن العباد. عندما التقى يوسف بأبويه وإخوته وذكر امتنان الله تبارك وتعالى عليه قال الله على لسان يوسف (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) تدبَّر (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) يوسف أُلقي في الجُبّ وإخوته هم الذين ألقوه في الجُبّ ثم أُدخل في السجن وامرأة العزيز هي التي أدخلته في السجن. أيُّ الأمرين ينبغي أن يذكر امتنان الله عليه فيهما؟ خروجه من الجُبّ أم خروجه من السجن؟ بالتأكيد خروجه من الجبّ لأن الجب كان هلاكاً لا محالة السجن فيه حياة أما الجب ففيه الهلاك وكان طفلاً صغيراً ومع ذلك لم يذكر إخراجه من الجُبّ لم يقل وقد أحسن بي إذ أخرجني من الجُبّ وأخرجني من السجن حتى لا يذكّر إخوانه بإساءتهم، حتى لا يقول لهم أنتم أسأتم إليه وإنما أراد أن يخفيها ولا يظهرها لأنه يعفو ويصفح. ولذلك بعض المفسرين يرى أن كلمة السجن تشمل الجُبّ والسجن لكن فارق كبير بين الجُبّ والسجن، الجُبّ بئر فيه هلاك والسجن فيه حياة، ولو وافقناهم فكونه لم يذكر على لسانه كلمة الجب تعطينا دلالة عدم الإساءة أيضاً وهذا تعبير قرآني لا بد أن نتعلمه وأن نطبقه في حياتنا.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم بعد ذلك تدبر كيف تصلح بين إخوانك (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9) الحجرات) لم يقل بالعدل هاهنا لم يقل فأصلحوا بينهما بالعدل، لا، (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ثم في المرحلة الثانية (فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا (9) الحجرات) لماذا لم يذكر الإصلاح بالعدل في المرة الأولى؟ إشارة إلى أن الإصلاح يمرّ بمرحلتين: المرحلة الأولى مرحلة شد الأعصاب، الاقتتال، اقتتلوا على إرادة اقتتال، كل طائفة جهزت أسلحتها وجهّزت أمورها فأنت في هذه المرحلة ليس بالضرورة أن تُصلِح بالعدل ليس بالضرورة أن تقول للمظلوم أنت مظلوم حتى لا تجعله ينتقم ويفكر في الانتقام أكثر، وإنما قل له يا أخي تصبّر، يا أخي إنتظر، بإذن الله ربي سيأتي لك بالخير، تحاول، ولذلك هذا ينفعنا في الإصلاح بين الأزواج وبين الإخوة ليس بالضرورة أن تقول لابنتك فعلاً أنت مظلومة هكذا وإنما قل لها كل الحياة هكذا لكن بعد أن تهدأ الأمور وبعد أن نبدأ بالهدوء (فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) أقسطوا بمعنى اعدلوا لكنها تبين معنى الاصلاح بالعدل وهو إزالة الظلم عن المظلوم يعني لن تصلح بالعدل إلا إذا أبعدت الظلم عن المظلوم وهذا هو أسلوب القرآن الكريم في المعالجة. والموضوع يحتاج إلى وقت أطول ولكن ربما تكون لنا عودة في حلقات أخرى بإذن الله نستكمل بلاغة القرآن الكريم وسحر البيان في القرآن الكريم.[/FONT]
 
[FONT=&quot]سحر البيان في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمود شمس[/FONT]
[FONT=&quot]حلقة 13/7/2012م[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]تكلمت في اللقاء السابق عن القرآن الكريم هدى للناس جميعاً وبينت أن الله علمنا أن نحمده بأن أنزل على عبده الكتاب وقلت بأننا سنبين في كل حلقة ما يؤكد أن القرآن الكريم إنما هو كلام الله تبارك وتعالى وبينت كيف أن القرآن الكريم كما نقول بأن فيه إعجازاً بلاغياً بينما الحروف التي تكونت منه الكلمات والكلمات التي يستعملها القرآن هي نفس الكلمات التي يتكلم بها الناس قلت لأن الله تبارك وتعالى يراعي حال المخاطَب الظاهري والباطني وهذا لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى. وهناك في القرآن الكريم الكثير من الأمثلة على ذلك، نأخذ مثالاً في قول الله تبارك وتعالى (وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ (6) النساء) هذا في شأن مال اليتيم الله تبارك وتعالى ينهى وصيّ اليتيم أن يأكل مال اليتيم إسرافاً وبداراً أن يكبروا. ما معنى إسرافاً وبداراً؟ كان وصيّ اليتيم إذا اقترب اليتيم من البلوغ - لأن تلك الجملة وردت بعد قوله تعالى (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) بمجرد أن تعلم أن اليتيم قد بلغ الرشد وهو حُسْن التصرف لا ينبغي أن تتأخر في تسليمه حقه. ثم قال الله بعدها (وَلاَ تَأْكُلُوهَا) الضمير يعود على مال اليتيم (إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ) هذا تصرف كان يفعله بعض الأوصياء وظاهِرهم أمام الناس أنهم غير مسيئين وأنهم غير آكلين لمال اليتيم لكن الله تبارك وتعالى الذي يعلم حال الإنسان الباطني يأتي بهذا النهي. ما معنى (وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا) كان وصيّ اليتيم إذا اقترب اليتيم من البلوغ يجلس ويعمل عملية حسابية هذا اليتيم إذا سلمته ماله سيكون نصيبه من المال أكبر من أولادي وهو رجل لا يريد أن يأكل مال اليتيم فماذا يفعل؟ كان ينفق على اليتيم ببذخ وإسراف يعطي اليتيم بالألف والألفين خُذ واصرف ما تشاء، خُذ يا ولدي وعش حياتك، هذا ظاهره أمام الناس أنه رجل لا يبخل على اليتيم الذي تحته. ثم بعد ذلك إذا اقترب اليتيم من البلوغ ولم يبلغ الرشد وهو حسن التصرف يبكِّر بتسليمه المال هذا معنى (وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ) فالله تبارك وتعالى يسمي هذا أكلاً مع أنك عندما تتدبر معي تتيقن بأن وصيّ اليتيم لم يأكل هو أنفق على اليتيم ببذخ وبإسراف، علّم اليتيم الإسراف وسلّمه ماله باكراً قاصداً من أعماقه أن اليتيم يُهلك ماله بيديه فالله تبارك وتعالى سمى هذا أكلاً مع أن الوصيّ لم يأكل. من يقرأ تلك الآية ويتدبرها يفهم أن الله نهى وصيّ اليتيم أن يأكل مال اليتيم مسرفاً، هو لم يأكل لكنه علّم اليتيم الإسراف وعلّمه هلاك ماله فسمّاه الله أكلاً. وعندما تتدبر معي تجد أن هذا التصرف أسوأ حالاً ممن يأكل مال اليتيم وكلاهما سوء وتصرف الله تبارك وتعالى توعّد في ختام الآيات بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) النساء). لكن هذا التصرف مع أنه لم يأكل لكنك عندما تتأمل معي تجده أسوأ حالاً لأنه أهلك مال اليتيم وعلّم اليتيم الإسراف والإنحراف. اليتيم لا يحسن التصرف فعندما يأخذ هذا المال معه وعندما يرى في يديه الألف والألفين والأكثر وينفق ما يشاء بإيحاء من وصيّه سواء كان عمه أم أحد أقاربه فإنه بذلك سيتعلم الإنحراف وسيتعلم الإسراف وسيتعلم البذخ فيما يفيد وفيما لا يفيد. من الذي يملك أن يرى أن تصرف وصيّ اليتيم أكلاً لمال اليتيم؟ لا يملك هذا إلا الله تبارك وتعالى. فالله جلّت قدرته هو الذي يعلم ما في أعماق النفس والله يعلم ما في أنفسكم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ (51) الأحزاب) فالله تبارك وتعالى عندما يخاطِب يخاطِبُ مطابقاً الكلام لمقتضى الحال الظاهري والباطني، ولذلك كان مفهوم الإعجاز البلاغي عند البلاغيين وعند المفسرين كما يأتي:[/FONT]
[FONT=&quot]عند البلاغيين كما يقول الخطابي يرحمه الله يقول بأن الإعجاز البلاغي هو وضع كل نوع من أنواع الكلمة في موضعها الأخص بها بمعنى وضع الحرف في موضعه الأخص به ووضع الكلمة في موضعها الأخص بها ووضع الفعل في موضعه ووضع الاسم في موضعه ولو أردت أن تبدل حرفاً مكان حرف أو كلمة مكان كلمة كما يقول الخطّابي سيحدث عنده أمران: [/FONT]
[FONT=&quot]الأمر الأول أن يختلّ المعنى [/FONT]
[FONT=&quot]الأمر الثاني أن تقلّ درجة البلاغة في المعنى. [/FONT]
[FONT=&quot]نقول أبداً، عندما تريد أن تبدل حرفاً مكان حرف يختل المعنى تماماً ولا يؤدي المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى ولذلك أختم هذه الحلقة بقول ابن عطية يرحمه الله في تفسيره المحرر الوجيز يقول جملة عجيبة في المقدمة يقول بأن كل حرف وكل كلمة وضعت في مكانها للدلالة على المعنى المراد ولو أردت أن تبدل كلمة مكان كلمة لاختل المعنى. ثكم يقول: وولو أدير لسان العرب بأكمله لتجد حرفاً أو كلمة مرادفة تؤدي المعنى محل الكلمة التي استعملها الله تبارك وتعالى لن تجد كلمة تؤدي هذا المعنى، وهذا ما سنفصله ونبينه في الحلقات القادمة بحول الله وقوته. [/FONT]
 
ماشاء الله تبارك الله
بارك الله في شيخنا الفاضل الدكتور محمود شمس وجزاه عنا خير الجزاء ..
مجهود جبار أختي سمر الأرناؤوط وعمل قيم بارك الله جهدك وتقبل منك ورفع قدرك
 
عودة
أعلى