**برنامج أهل التفسير**الشيخ عبد الرحمن الشهري**فيديو وصوت**

ام الحارث

فريق إشراف ملتقى البرامج الإعلامية
إنضم
21/12/2009
المشاركات
356
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
000.gif



129.gif


(((
برنامج (أهل التفسير) )))

129.gif


==============
الشيخ الدكتور: عبد الرحمن الشهري
2960.imgcache
2960.imgcache

8124.gif



poetry.jpg



سلسلة : أهل التفسير
عبد الرحمن بن معاضة الشهري

bb83e1abbc8e9ce0febafcd178e54bc5.gif




_ برنامج (أهل التفسير) من برامج قناة المجد العلمية , مقدمه فضيلة الشيخ / عبدالرحمن بن معاضة الشهري
يستعرض فيه سير المفسرين وتراجمهم ، وفوائد تربوية وعلمية من سيرهم العلمية , ومناهجهم في كتبهم في التفسير , وطبعات هذه الكتب وبيان لقيمتها العلمية .


==============
رابط مقدمة البرنامج

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/sahara.mp3[/RAMS]
http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/sahara.mp3

==============
أهمية دراسة تراجم المفسرين ومناهجهم

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/01.mp3[/RAMS]


==============
ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما

[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]
http://ia341005.us.archive.org/3/items/moslem2006_480/ahltfsser02.avi

[/FONT][FONT=&quot]رابط صوت[/FONT][FONT=&quot]
http://ia341005.us.archive.org/3/items/moslem2006_480/ahltfsser02_64kb.mp3[/FONT]

==============
الإمام محمد ابن جرير الطبري الحلقة الاولي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/03.mp3[/RAMS]
==============
الإمام محمد ابن جرير الطبري الحلقة الثانية

http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=87674&scholar_id=1245&series_id=5297
==============
الإمام عبدالحق بن عطية الأندلسي وكتابه (المحرر الوجيز)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/05.mp3[/RAMS]


[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]

http://ia341013.us.archive.org/3/items/moslem2006_526/ahlatafseer02-04-08.avi
[/FONT]==============
الإمام القرطبي وكتابه (الجامع لأحكام القرآن)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/06.mp3[/RAMS]
==============
الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير وكتابه (تفسير القرآن العظيم)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/07.mp3[/RAMS]
==============
الإمام عبدالرحمن بن الجوزي وكتابه (زاد المسير)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/08.mp3[/RAMS]

[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]
http://ia360906.us.archive.org/3/items/moslem2006_561/ahltfsser23-04-08.avi

[/FONT]==============
الإمام جار الله الزمخشري وتفسيره (الكشاف)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/09.mp3[/RAMS]
==============
الإمام أبي حيان الأندلسي وتفسيره (البحر المحيط)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/10.mp3[/RAMS]
==============
الإمام البغوي وتفسيره (معالم التنزيل)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/11.mp3[/RAMS]
==============
الإمام يحيى بن سلام البصري وتفسيره

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/12.mp3[/RAMS]
==============
الإمام محمد الطاهر بن عاشور وتفسيره (التحرير والتنوير)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/13.mp3[/RAMS]
==============
القاضي البيضاوي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/14.mp3[/RAMS]
==============
أدب المفسرين

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/15.mp3[/RAMS]
==============
الإمام محمد بن جزي الكلبي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/16.mp3[/RAMS]
==============
الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/17.mp3[/RAMS]
==============
الإمام فخر الدين الرازي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/18.mp3[/RAMS]

[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]
http://ia331429.us.archive.org/1/items/muslim2006_1128/ahltafseer18-02-09.avi
[/FONT]==============
الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/19.mp3[/RAMS]

[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]
http://ia331435.us.archive.org/2/items/muslim2006_1166/ahltafseer25-02-09.avi
[/FONT]==============
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/20.mp3[/RAMS]

[FONT=&quot]الجودة العالية[/FONT][FONT=&quot]
http://ia331427.us.archive.org/2/items/muslim2006_1224/afaneen04-03-09.avi
[/FONT]==============
الإمام مقاتل بن سليمان بن بشير البلخي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/21.mp3[/RAMS]
==============
الإمام شهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/22.mp3[/RAMS]
==============
لشيخ جمال الدين القاسمي وتفسيره محاسن التأويل

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/23.mp3[/RAMS]
==============
الإمام محمد بن علي الشوكاني وكتابه فتح القدير

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/24.mp3[/RAMS]
==============
الإمام التابعي قتادة بن دعامة السدوسي

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/25.mp3[/RAMS]
==============
الإمام جلال الدين السيوطي وكتابه الدر المنثور

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/26.mp3[/RAMS]
==============
الإمام أبو عبيدة معمر بن المثنى وكتابه (مجاز القرآن)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/27.mp3[/RAMS]
==============
الإمام أبوبكر بن العربي المالكي و(كتابه أحكام القرآن)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/28.mp3[/RAMS]
==============
الإمام مجاهد بن جبر المكي وتفسيره

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/29.mp3[/RAMS]
==============
الإمام الحسن البصري وتفسيره

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/30.mp3[/RAMS]
==============
الإمام أبو اسحاق الزجاج وكتابه (معاني القرآن وإعرابه)

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/31.mp3[/RAMS]
==============
الإمام سعيد بن جبير وتفسيره

[RAMS]http://www.ahlaltafsir.com/sound_files/32.mp3[/RAMS]
==============
لا تنسونا من صالح دعائكم



 
ماشاء الله تبارك الله
بارك الله فيك أختي الفاضلة وأحسن الله إليك الحسنى وزيادة
 
جهد مبارك أختي الفاضلة أم الحارث وحلقات قيمة كان من الواجب توفرها هنا في ملتقى أهل التفسير، أهل القرآن.
جزاك الله خيراً وجزى شيخنا الفاضل د. عبد الرحمن خير الجزاء على هذا البرنامج القرآني القيّم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجدت تفريغا كتابيا لبعض الحلقات من البرنامج من منتدي أخوات طريق الاسلام
فنقلتها حتي تعم الفائدة وتكمل
بارك الله فيكم
أهل التفسير
7- الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير, وكتابه (تفسير القرآن العظيم)
للشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله
مرحبا بكم أيها الإخوة المشاهدون في برنامجكم أهل التفسير.
حديثنا اليوم عن الإمام العلامة (ابن كثير) وتفسيره (تفسير القرآن العظيم), وهذا التفسير قد رزقه الله _سبحانه وتعالى_ زيوعا وانتشارا في عهد مؤلفه وإلى اليوم.
والإمام إسماعيل بن عمر بن كثير من علماء الشام الكبار المعروفين, ومن علماء أهل السنة الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى القبول, ورُزقوا الحظوة في مصنفاتهم, فسارت في الناس في حياته رحمه الله , ويذكرون أنه رحمه الله قد جاء شاب من بلاد فارس في حياته رحمه الله, وكان هذا الشاب يحفظ كتابه (جامع المسانيد), ويحفظ تفسير (الكشاف) للزمخشري, وغيره من الكتب, فجاء إلى الإمام ابن كثير فاختبره في بعض ما يحفظه من الصحيحين وغيرها, فجاءه فأجازه الإمام ابن كثير رحمه الله بكتابه (جامع المسانيد) وبغيره, وقال له "إن لك شهرة ولكتبك قبولا عندنا في بلاد فارس", وهذا في حياته رحمه الله.
الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير وُلد لأب عالم, وكان أبوه قاضيا ومحدثا وعالما, من أهل بُصرى في الشام, فيُقال في نسبه "البصروي", نسبة إلى بصرى من بلاد الشام, وكان أبوه رحمه الله من علماء مدينة بصرى , وكان أيضا خطيبا في مدينة مَجْدَل أو قرية اسمها مَجْدَل قريبة من بصرى, ثم تزوج بعد ذلك أبوه عمر من مدينة المجدل أو من قرية المجدل , وبقي بها خطيبا لمسجدها مدة طويلة, وتوفي والده وهو طفل صغير لا يكاد يدرك, وأظن الذين قدروا حتى تاريخ ولادة الإمام ابن كثير رحمه الله يستندون في ذلك إلى قوله "إنه قد توفي والدي سنة سبعمئة وثلاثة من الهجرة (703 هـ) وأنا لا أكاد أذكره إلا كالحلم", فقدر العلماء ولادة الإمام ابن كثير رحمه الله _إسماعيل بن كثير_ سنة سبعمئة من الهجرة (700 هـ), فإذا هو قد ولد سنة سبعمئة من الهجرة, وكفله بعد ذلك أخوه عبد الوهاب, أخوه عبد الوهاب قد أخذ عن أبيه علما غزيرا , فلما نشأ المفسر شيخنا في هذه الحلقة الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير أخذ العلم عن أخيه عبد الوهاب, فحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة تقريبا من عمره, ثم أخذ بطلب العلم, فطلب الحديث, وقرأ التفسير على أخيه, وقرأ بعد أن اشتد عوده على كثير من العلماء.
من أبرز من قرأ عليهم الإمام ابن كثير رحمه الله: الإمام العلامة المحدث المزي صاحب (تحفة الأشراف) وصاحب كتاب (تهذيب الكمال في أسماء الرجال), وهو محدث كبير, وقد أحبه الإمام ابن كثير حبا شديدا وتعلق به, وأيضا أحبه الشيخ المزي, ولذلك زوجه ابنته زينب, فزينب زوجة الإمام ابن كثير هي ابنة الشيخ المزي رحمهم الله رحمة واسعة.
والإمام المزي رحمه الله كان يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ويثني عليه, وأيضا الإمام ابن كثير رحمه الله كان يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ويميل إليه, وقد تتلمذ عليه, فالإمام ابن كثير رحمه الله قلنا أنه ولد سنة سبعمئة للهجرة, وتوفي الإمام ابن تيمية رحمه الله سنة سبعمئة وثمانية وعشرين من الهجرة (728 هـ), فهو قد أدركه ما يقارب 28 سنة, فأقل ما أدركه لا يقل عن عشر سنوات, مكث فيها يطلب العلم على يد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية, وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أثر بالغ في تفسير الإمام ابن كثير الذي سوف نتحدث عنه في هذه الحلقة.
الإمام ابن كثير رحمه الله له عدد من الإخوة والأخوات هو أصغرهم, لذلك اسم "إسماعيل" هو ذكر أنه: قد ولد لأبيه من أم أخرى _من زوجة أخرى_ عدد من الأبناء كان أكبرهم إسماعيل وعبد الوهاب, وذكر عدد من الأخوات, قال: ثم إنَّ هذا الابن وهو إسماعيل قد كبر وطلب العلم, وكان يحبه والده حبا شديدا, إلا أنه رحمه الله مات في شبابه, سقط من بناية مرتفعة, فمكث أياما ثم مات بسبب هذه الجراحة, قال الإمام ابن كثير رحمه الله "فوجد عليه والدي وجدا عظيما", فلما ولد له الإمام ابن كثير مؤلف التفسير سماه "إسماعيل", باسم ابنه الأكبر الذي توفي, قال الإمام ابن كثير "فأكبر إخواني _أو أكبر أولاد أبي_ اسمه إسماعيل, وأصغرهم وهو أنا اسمه إسماعيل".
الإمام ابن كثير رحمه الله بدأ حياته في قرية المجدل كما تقدم, ثم لما توفي والده انتقلوا إلى دمشق, فبقي في دمشق حتى توفي بها رحمه الله.
بدأ الإمام ابن كثير رحمه الله بطلب العلم كما قلنا على الإمام المزي وعلى الإمام ابن تيمية, وغيرهم من العلماء في دمشق الشام, وكانت بلاد الشام في زمانه مليئة بالعلماء الكبار, كالإمام الذهبي وابن القيم, وغيرهم من العلماء الذين داروا حول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره, وتقي الدين السبكي, وغيره من العلماء رحمة الله عليهم أجمعين.
وكان الإمام ابن كثير شافعي المذهب, فهو يصنف من فقهاء الشافعية, بل من كبار فقهاء الشافعية.
وكتابه "تفسير القرآن العظيم" قد صنفه رحمه الله بناء على رغبة جادة في تصنيف كتاب في التفسير يخلو من الاستطردات, ويخلو من الإسرائيليات, ويخلو من البدع, ويكون تفسيرا معتمدا على أصول في التفسير ذكرها في مقدمة كتابه.
نحن عندما نتحدث عن مقدمة تفسير ابن كثير لا نستطيع أن نغفل الحديث عن مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية التي صنفها في أصول التفسير, وهي مقدمة مشهورة بين طلاب العلم "مقدمة في أصول التفسير للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى", هذه المقدمة قد اقتبسها الإمام ابن كثير في مقدمة كتابه, فلذلك الإمام ابن تيميه رحمه الله عندما تكلم عن أحسن طرق التفسير, وقال "فإن سأل سائل _كما نقل عنه ابن كثير في كتابه_ عن أحسن طرق التفسير, فأحسن طرق تفسير القرآن الكريم هي تفسير القرآن الكريم بالقرآن, ثم يأتي بعدها تفسير القرآن بالسنة, ثم يأتي بعدها تفسير القرآن بأقوال الصحابة الذين نُقل لنا تفسيرهم للقرآن الكريم كالإمام عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهم, ثم بعد ذلك تفسير القرآن بأقوال التابعين, ثم يأتي بعد ذلك تفسير القرآن الكريم بالاستناد إلى اللغة وإلى قواعد اللغة وقواعد العربية, ثم يأتي بعد ذلك الاستنباط وما يتعلق بالقرآن الكريم من فوائد ومن أحكام".
هذه القواعد التي سار عليهم الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره أخذها برمتها من مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية, وطبقها في تفسيره أحسن تطبيق, ولذلك تفسير الإمام ابن كثير من مزياه التي تميزت بها عن كتب التفسير التي تقدمته تفسير القرآن بالقرآن.
فعندما يأتي الإمام ابن كثير رحمه الله إلى آية من الآيات يتتبع آيات القرآن الكريم الأخرى التي شرحت هذه الآية أو دلت عليها من قريب أو من بعيد, فيوردها في هذا الموضع. فمثلا: عند تفسيره للاستعاذة جاء بكل الآيات التي في القرآن الكريم التي فيها حث على الاستعاذة { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ سُورَةُ النَّحْلِ : 98 ], إلى آخره. وسار على هذا المنوال, ولذلك تميز في هذا الجانب تميزا واضحا, وهو تفسيره القرآن الكريم بالقرآن.
إلا أنه هناك مسألة _أيها الإخوة_ وهي مسألة تفسير القرآن الكريم بالقرآن, عندما تقول تفسير القرآن الكريم بالقرآن ... ما معنى هذا؟ معناه: أن يأتي المفسر إلى الآية, فينظر ما هي الآيات التي شرحت هذه الآية, فيوردها, هذا يدخل فيه قدرة المفسر وعلم المفسر واستنباط المفسر, كيف يستطيع المفسر أن يثبت أن هذه الآية التي أوردها تفسر هذه الآية التي بين يديه, هذا يدخل في التفسير بالرأي, لذلك يعتبر تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين هو تفسير بالرأي, فتجد بعض المفسرين يورد آية في تفسير آية أخرى وغيره لا يوردها, لأن هذا تنبه, وهذا لم يتنبه, وبعضهم يزيد على بعض في هذا, وجاء بعد ابن كثير رحمه الله من أراد أن يستوعب هذا الجانب من جوانب التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن, مثل الشيخ محمد المختار أو محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله, المتوفى قريبا, سنة ألف وثلاثمئة وثلاث وتسعين للهجرة (1393 هـ), في كتابه "أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن", فركز على هذه النقطة, وهو أنه يورد الآية, بل إنه اقتصر على الآيات التي رأى أنه هناك في القرآن الكريم ما يفسرها وما يشرحها وما يبينها. هذا ما يتعلق بتفسير القرآن بالقرآن عند الإمام ابن كثير, وهو جانب تميز به الإمام ابن كثير على غيره من المفسرين الذين تقدموه.
النقطة الثانية التي تميز بها تفسير ابن كثير: أنه أورد تفسير القرآن بالسنة, فأورد الأحاديث والآثار التي تفسر هذه الآية التي بين يديه, وذكر هذه الأحاديث وهذه الآثار بأسانيد مؤلفيها, فإذا كان الحديث منقول من مسند الإمام أحمد مثلا, فإنه يذكر الحديث بسند الإمام أحمد, إذا كان الحديث موجودا في صحيح البخاري يذكر سند الإمام البخاري, وهكذا بقية الكتب, ولذلك استطاله بعض القراء له من غير طلبة العلم فرأوا أنه تفسير طويل لأن فيه أحاديث أو فيه آثار فيها أسانيد كثيرة لا يفهمها كل أحد أو لا يستسيغ قرأتها كل أحد, ولذلك عمد العلماء من عهد الإمام ابن كثير أو من بعد عهده بقليل .... إلى ماذا؟ عمدوا إلى اختصار تفسير الإمام ابن كثير, فاختصره البعلي بعده بقليل, ثم اختصره علماء بعده, ثم في زماننا وفي عصرنا المتأخر هذا اختصره عدد كبير من العلماء, وسوف أشير إلى أهم مختصراته. هذه النقطة الثانية من منهج ابن كثير في تفسيره, وهو تفسير القرآن بالسنة.
والإمام ابن كثير رحمه الله حافظ من حفاظ الحديث, فإنه كان يستحضر مسند الإمام أحمد, لذلك أكثر من الأحاديث في تفسيره التي أخذها من مسند الإمام أحمد ومن الصحيحين ومن غيرهما, بل إن من الكتب الجيدة التي كتبت حول تفسير ابن كثير ما صنفه الشيخ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان _حفظه الله_ في كتاب طبع مؤخرا سماه "موارد ابن كثير في تفسيره" في مجلدين. هذا الكتاب ... ماذا صنع الدكتور سعود؟ ذكر كل الكتب التي رجع ابن كثير إليها في تفسيره, من كتب السنة, ومن كتب الحديث, ومن كتب الفقه, ومن كتب التفسير, ومن كتب اللغة, ومن كتب النحو, ومن كتب القراءات, وغيرها. فوجد أن ثلثي الكتب التي رجع إليها الإمام ابن كثير في تفسيره هي من كتب السنة وكتب الحديث, وذلك أنه ركز في تفسير القرآن بالسنة, وهذه منقبة للإمام ابن كثير رحمه الله.
النقطة الثالثة من منهجه: تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة, فإنه كان يورد أقوال الصحابة في كل آية يفسرها وجد فيها للصحابة قولا.
ثم بعد ذلك يذكر أقوال التابعين, وهو تفسير القرآن بأقوال التابعين.
والحقيقة أن هذا منهج متميز للإمام ابن كثير, لا أقول أنه قد تفوق على الإمام ابن جرير الطبري في كتابه هذا, كلا, فإن ابن جرير الطبري رحمه الله يبقى هو إمام المفسرين بدون منازع, والعلماء كانوا يقلدونه ويسيرون على منهجه في كتابه إلا أنهم لم يبلغوا مرحلة ابن جرير رحمه الله, و{ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [ سُورَةُ الْجُمُعَةِ : 4 ], إلا أن تفسير ابن كثير يأتي في المرتبة الثانية بعد تفسير الإمام الطبري من حيث العناية بالآثار التي وردت في تفسير الآية عن السلف, عن الصحابة, عن التابعين.
وقد تقدم معنا في أول حلقة أن قلنا: أن من أهم ما يُعنى به طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في كتب التفسير أو يريد أن يفسر أو يريد أن يفهم التفسير أو يُدَرِسَ التفسير أن يُعنى بهذا _بتفسير القرآن بالقرآن_ ما استطاع إلى ذلك سبيلا, وهذه تعطي طالب العلم ملكة, أنك إذا كنت تريد أن تفسر آية من الآيات: اعصر ذهنك وحاول بقدر ما تستطيع أن تستحضر الآيات التي وردت مفسرة لهذه الآية بقدر ما تستطيع, وترجع إلى تفسير ابن كثير, ترجع إلى تفسير الشيخ الشنقيطي, أوغيرها من الكتب التي عنيت بتفسير القرآن بالقرآن.
النقطة الثانية: تفسير القرآن بالسنة, تفسير القرآن بأقوال الصحابة, تفسير القرآن بأقوال التابعين, فإن الحق بإذن الله لا يخرج عن هذه الدوائر بإذن الله تعالى, ثم إعمال الذهن في تفسير القرآن باللغة, وهذا باب واسع, وله قواعد, وله ضوابط.
فأقول أن الإمام ابن كثير رحمه الله قد استطاع بمنهجيته هذه أن يصنف كتابا متميزا في التفسير سارت به الركبان, وهذا التفسير من أول ما طبع من كتب التفسير, فقد طُبع عام ألف وثلاثمئة للهجرة (1300 هـ), في مطبعة بولاق, أي قبل مئة وسبع وعشرين سنة (127 سنة), طُبع بمطبعة بولاق طبعة قديمة جدا, ثم في عام ألف وثلاثمئة وثلاث وأربعين هجرية (1343 هـ) طُبع طبعة ثانية في مطبعة المنار التي كانت تابعة لمجلة المنار للشيخ رشيد رضا رحمه الله , وقد كانت هذه الطبعة التي طبعها الشيخ رشيد رضا بطلب من جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله رحمة واسعة, فبدأ في طباعته عام ألف وثلاثمئة وثلاث وأربعين (1343 هـ), وانتهى من طباعته عام ألف وثلاثمئة وسبع وأربعين هجرية (1347 هـ), هذه الطبعة التي طبعتها دار المنار بإشراف الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى, وطبع معه تفسير الإمام البغوي.
ثم أخذت دور النشر تنقل هذه الطبعة التي طبعها رشيد رضا بأخطائها وما فيها من النواقص حتى العصر الحديث, ثم طُبع طبعات أخرى, فحققه الشيخ سامي السلامة, وطبعته مكتبة طيبة, وهي طبعة جيدة, طُبع الطبعة الأولى, ثم الطبعة الثانية, وهي طبعة جيدة وقيمة وجديرة بالاقتناء, ثم طُبع طبعة مؤخرا في مكتبة أولاد الشيخ بمصر, واشترك في تحقيقه عدد من الباحثين, خمسة من الباحثين, وهم: مصطفى السيد محمد, ومحمد السيد رشاد, ومحمد فضل العجماوي, وعلي أحمد عبد الباقي, وحسن عباس قطب. هؤلاء اشتركوا في تحقيق تفسير ابن كثير تحقيقا خرج في خمسة عشر مجلدا. وطبعته أيضا دار عالم الكتب بالرياض طبعة هي نفس طبعة دار أولاد الشيخ, وهذه الطبعة هي في نظري أكمل طبعات تفسير ابن كثير الموجودة الآن.
فلو أراد طالب علم أن يشتري تفسير ابن كثير طبعة محققة مخرجة الأحاديث والآثار مطبوعة طباعة جيدة وأنيقة فعليه بالطبعة التي خرجت عن مكتبة أولاد الشيخ أو دار عالم الكتب بالرياض, وهي نفس الطبعة, فهي طبعة جيدة وتكفي _بإذن الله_ طالب العلم.
وقد يسأل سائل ويقول: هناك طبعات كثيرة لتفسير ابن كثير, فعلا, هناك طبعات كثيرة لتفسير ابن كثير, بل إنه من أكثر التفاسير التي طُبعت في العصر الحديث, وساعدت المطابع على انتشاره, لأنه مقرر في الجامعات وأيضا يُقرأ ويُدرس في المساجد, ورزقه الله _سبحانه وتعالى_ القبول, فطبعته المكتبات التجارية طبعات كثيرة, إلا أن هذه الطبعة التي ذكرتها لكم وهي طبعة أولاد الشيخ وطبعة عالم الكتب هي أكمل الطبعات الموجودة بين أيدينا الآن, وعلى كل حال فلو اقتنى طالب العلم هذه الطبعة أو طبعة الشيخ سامي السلامة فكلها _بإذن الله_ طبعات قيمة, والأخطاء لا يكاد يسلم منها كتاب من الكتب التي يقوم عليها البشر, سواء كان المؤلف أو المحقق أو الطابع أو غير ذلك. هذا ما يتعلق _أيها_ الإخوة بطبعات تفسير ابن كثير والقيمة العلمية لتفسير ابن كثير.
مختصرات تفسير ابن كثير _كما تقدم معنا_ كثيرة, بعد عهده بقليل وفي زماننا المتأخر هذا, إلا أن من أشهر المختصرات التي أريد أن أشير إليها في زماننا هذا: ما قام به الشيخ أحمد شاكر _رحمه الله رحمة واسعة_ فأحمد شاكر رحمه الله عندما نظر في الطبعة الأولى التي طُبعت في بولاق عام ألف وثلاثمئة هجرية (1300 هـ), فقال _رحمه الله_ عام ألف وثلاثمئة _تقريبا_ وخمسين (1350 هـ) أو بعدها بقليل , أظن عام ألف وثلاثمئة وسبعين (1370 هـ) أو نحو ذلك , قال: هذه الطبعة إنني أنظر فيها منذ خمس وأربعين سنة (45 سنة), وهذا التفسير هو من أنفس كتب التفاسير, وأثنى عليه ثناء عطرا, وهو يستحق هذا الثناء, إلا أنه يحول بينه وبين القاريء العادي أن يستفيد منه: رداءة الطباعة من جهة, ثم كثرة الأسانيد التي يوردها ابن كثير, وكثرة الآثار, وكثرة الأحاديث التي يوردها, وتأمل في تفسيره في أول سورة الإسراء عندما تحدث عن الإسراء, فأورد الأحاديث التي وردت في حادثة الإسراء, فأورد ما يزيد عن خمسين أثر وحديث في هذه الآية, فقال أحمد شاكر رحمه الله: يحتاج هذا التفسير مني إلى جهدين:

  1. الجهد الأول: أن أختصره وأهذبه تهذيبا حتى يستطيع أن يقرأه الإنسان المتوسط
  2. والجهد الثاني: أن أقوم بتحقيقه تحقيقا علميا على نسخ خطية, وأخرج الأحاديث والآثار التي فيه
قال: وأبدأ بالأقرب من هذين الأمرين, وهو اختصاره وتهذيبه, فبدأ في اختصاره, والمختصر سماه (عمدة التفسير من تفسير ابن كثير), وبدأ به, فكان يأخذ الطبعة المطبوعة ويشطب على ما يرى أنه يستحق أن يحذف, ويضيف بعض ما يرى أنه يُضاف, فوصل فيه إلى آخر سورة الأنفال, وطُبعت هذه الطبعة قديما في ثلاث مجلدات هي في خمسة أجزاء, وصل فيها إلى أوائل سورة الأنفال, ثم طُبع مؤخرا في دار طيبة, وقالوا: أننا حصلنا على النسخة التي كان يملكها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله, وكان في اختصاره قرأ كتاب تفسير ابن كثير, وعلَّم _وضع علامات_ على الأجزاء التي تُحذف, وعلى الأشياء التي تبقى, فجاء الذين طبعوا الكتاب في دار طيبة مؤخرا, فقاموا بالعمل الذي أشار إليه أحمد شاكر رحمه الله, ونسبوا هذا الكتاب كاملا إلى أحمد شاكر رحمه الله, وسموه (عمدة التفسير في اختصار تفسير ابن كثير أو في تهذيب تفسير ابن كثير), وهذا التفسير أقول_ يعني هذا المختصر الذي اختصره أحمد شاكر_ يُعد من أفضل المختصرات.
من المختصرات أيضا: مختصر للشيخ محمد كُرَيْم راجح, وهو شيخ مقاريء دمشق, وهو اختصار جيد في مجلدين.
من أفضل المختصرات لتفسير الإمام ابن كثير كتاب (فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير), للشيخ القاضي محمد أحمد كنعان, وهو قاضي من قضاة لبنان المعروفين من أهل السنة, هذبه في ستة مجلدات, وطبعته مكتبة لبنان منذ فترة.
هو في ستة مجلدات, وتفسير ابن كثير في ستة مجلدات, بما يدلك على أن التهذيب عند العلماء ليس المقصود به الاختصار, بل التهذيب هو اختصار في بعض المواضع, وإضافة في بعض المواضع, ونحو ذلك.
هذا التهذيب أو (فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير) للشيخ محمد أحمد كنعان في ستة مجلدات, هو في نظري من أفضل ما يقرأه طالب العلم الذي لا يستطيع أن يقرأ تفسير ابن كثير كاملا, لأن بعض طلبة العلم لا يصبر على طول الأسانيد أو على تكرار أقوال الصحابة, فإنه ربما ذكر أقوال عدد من الصحابة في المسألة الواحدة وهي بمعنى واحد, أو ربما يذكر آثار عن التابعين ثم يقول: وهي كلها بمعنى واحد. فالذين جاءوا واختصروه ذكروا قولا من هذه الأقوال, وذكروا أن البقية تؤيده, فاختصار الشيخ محمد أحمد كنعان من أفضل المختصرات وهو مطبوع طباعة جيدة, فالذي يقرأ فيه يرتاح ويصل إلى المقصود بأيسر سبيل, مع أن الشيخ رحمه الله قد حافظ على عبارة ابن كثير.
خرجت بعد ذلك مختصرات قريبا, فهناك (الدر النثير في اختصار تفسير ابن كثير) للدكتور محمد موسى آل نصر, أيضا طُبع حديثا هذه السنة عام ألف وأربعمئة وسبعة وعشرين (1427 هـ), وقد ذكر منهجه في الاختصار, وأنه حرص على حذف الأسانيد, وعلى حذف الأقوال المتكررة, وعلى استبعاد الإسرائيليات, وغير ذلك.
أيضا هناك اختصار لطلبة العلم سموه (اليسير في اختصار تفسير ابن كثير), طلبة العلم في مكة, وكان بإشراف معالي الشيخ صالح بن حميد _حفظه الله_, في مجلد.
والدر النثير أيضا للدكتور محمد موسى آل نصر في مجلد واحد.
وأيضا الذي أشرف عليه الشيخ صالح بن حميد في مجلد واحد, وهو من المختصرات الجيدة.
وكلها مختصرات جيدة, ونافعة لطالب العلم, لكني دائما أقول لطلبة العلم الذين يسألون ما هي أفضل الطبعات وما هي أجود الطبعات ويتكثر, فيشتري هذه الطبعة وهذه الطبعة وتلك الطبعة, وهذا كما ذكر ابن خلدون _رحمه الله_ وإن لم يقصد هذا بعينه: يُفسد على طالب العلم طلبه للعلم. فربما أصابه كثرة جمعه وكثرة الكتب ربما أصابته بالتوقف والإحباط, فلا يقرأ لا هذه الطبعة ولا هذه الطبعة ولا تلك الطبعة.
والأولى بطالب العلم أن يحرص على طبعة واحدة من هذه الطبعات, فيقتلها قراءة وبحثا, يقرأها مرة مرتين ثلاث أربع, وثق تماما أنك سوف تستفيد وسوف تنتفع بما فيها, وأنا أقدر حرص الذي لم يشتري كتابا من قبل أن يشتري طبعة تكون أفضل الطبعات, لكن أعتب على من يتتبع الطبعات وهو لا يقرأ فيها شيئا, ويحضرني حادثة لطيفة وإن لم تكن مناسبة الآن, لكن هي: محمد بن ياسين الرياشي _رحمه الله_ كان مولعا بجمع الكتب, ولكنه لم يكن يتمكن من الإطلاع عليها كلها, فلما رأى كثرة الكتب, ورأى ضيق الوقت, قال أبياتا هي تصلح عبرة لطالب العلم الذي يحرص كثيرا على جمع الطبعات, فقال:
أما لو أعي كل ما أسمعُ **** وأحفظُ من ذاك ما أجمعُ
ولم أستفد غيرَ ما قد جمعتُ **** لقيل: هو العالم المصقعُ
ولكنَّ نفسي إلى كل لونٍ **** من العلم تسمعه، تنزعُ
فلا أنا أحفظُ ما قد جمعتُ **** ولا أنا من جمعه أشبعُ
فمن يكُ في علمه هكذا **** يكن دهره القهقرَ يرجعُ
إذا لم تكن حافظاً واعياً **** فجمعك للكتبِ لا ينفعُ


وصدق رحمه الله, فإن جمع الكتب دون القراءة فيها وقتلها قراءة وبحثا ودرسا لا ينفع طالب العلم.
هذا ما أردت الحديث عنه فيما يتعلق بتفسير الإمام العلَّامة إسماعيل بن عمر بن كثير, الذي عنونه بـ(تفسير القرآن العظيم), وهو اشتهر بين طلبة العلم بـ(تفسير ابن كثير), هذا التفسير الثمين الذي يجدر بكل طالب علم أن يقرأ هذا التفسير قراءة فهم ودرس وبحث, فإنه مليء بالفوائد النفيسة, جزى الله مؤلفه العلامة ابن كثير خير الجزاء, ونفعنا الله واياكم أيها الإخوة بما نقرأ, وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى مع مفسر آخر ومع كتاب آخر من كتب التفسير.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته











 
الإمام الفخر الرازي
السلام عليكم ورحمة الله​


يقولون عن هذا التفسير الذي بين يدي فيه كل شيء إلا التفسير ، مع أنه كتاب من كبار كتب التفسير .
فهل ياترى هذه المقولة صحيحة في التفسير أم لا ؟؟أبداً.
هذا التفسير هو تفسير الفخر الرازي المشهور بتفسير الرازي .
وهناك من يسميه كتاب مفاتيح الغيب في تفسير القران الكريم للإمام الرازي ، ومنهم من يسميه التفسير الكبير للإمام الرازي.
وهو تفسير كبير طبع في ما يقارب بالثلاثين مجلد من الحجم الكبير .​


قال عنه أبو حيان الغرناطي :فيه كل شيء إلا التفسير.
فدعونا نتعرف على الإمام الرازي الذي صنف هذا الكتاب ثم نتوقف عند هذه الكلمة وهي اشتهرت وهي أنه فيه كل شيء إلا التفسير ، للنظر فيه هل هذه المقولة صحيحة في هذا التفسير امن لا !!
الإمام الرازي: هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه الرازي .​


والرازي تتكرر كثيرا في أسماء العلماء رحمهم الله نسبة إلى مدينة الري ومدينة الري
هي مدينة كانت من أعظم المدن في بلاد فارس في أيام الإمام الرازي في القرن الخامس والسادس والرابع الهجرية ،وهي اليوم مدينة صغيرة مهجورة قريبة من مدينة طهران عاصمة إيران.
وسبق أن ذكرت هذه المدينة عندما تكلمت عن الإمام العلامة محمد بن جرير الطبري وقلت انه من إقليم طبرستان وانه قد ولد في مدينة آمل ، الإمام الرازي من نفس الإقليم ، من إقليم طبرستان إلا أنه ولد في مدينة الري، وهي مدينة فارسية معروفة ، وكان أبوه خطيبا لمدينة الري خطيبا لجامعه وأبوه هو ضياء الدين عمر ابن الحسين الرازي .​


ولد الإمام محمد بن عمر بن الحسين الرازي في سنة 544 هجرية وتوفي قيل أنه توفي سنة 604 وقيل انه توفي في سنة 606 للهجرة ، والذي يظهر والله اعلم انه توفي سنة 606 للهجرة ، فقد عاش رحمه الله 63 سنة.
ولد في مدينة الري وتربى في كنف والده وكان أبوه هو أول من تعلم عليه الابن القرآن الكريم فقرأ عليه القران الكريم وقراء عليه كثيراً من كتب العلم ، وقد رزق الله محمد بن عمر الرازي حفظاً ثاقب وذهناً وقاداً ، فعانه ذلك على الفهم واستطاع في وقت وجيز أن يحصل من العلم مالا يحصله غيره إلا في وقت طويل.​


وقد سافر لطلب العلم ورحل لطلب العلم في عدد من المناطق والمدن القريبة من الري، وسافر إلى خوارزم وسافر إلى كثير من المدن القريبة من الرّي فحصل علماً غزيرا .​


ثم أكب على المطالعة والقراءة فحصّل من ذلك الطريق خيراً كثيراً وعلماً كثيراً.
الإمام الرازي له كتب كثيرة أضخمها وأوسعها وهو كتابه التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب وكما قلت لكم انه سمي مفاتيح الغيب وسمي بالتفسير الكبير والذين ترجموا له ذكروا هذا وذكروا هذا فالذي يظهر والله اعلم أن مفاتيح الغيب اسمه الذي سماه به المؤلف وأن التفسير الكبير وصف لهذا التفسير فهو تفسير كبير ولذلك يقولون ذكر الرازي في التفسير الكبير وبعضهم يقول ذكر الرازي في تفسير ه الكبير مفاتيح الغيب وهكذا فهو قد سمي بهذا وهذا .
وله كتاب آخر من أهم كتب أصول الفقه سماه المحصول في أصول الفقه
وله كتاب أساس التقديس في علم الكلام وهذا الكتاب قد رد عليه الإمام العلامة احمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله في كتابه نقض التأسيس والرازي رحمه الله كان يسير على مذهب الأشاعرة في المعتقد ويدافع عنه في كتبه وفي مؤلفاته ، وله كتاب سماه شرح أسماء الله الحسنى وله كتاب نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز وكل هذه الكتب مطبوعة .​


وقد أوصلها بعض من ترجم له إلى أكثر من ثمانين كتاباً كثير منها وصل إلينا و أكثرها قد فقد .​


من المسائل التي أريد أن أشير إليها أيضا في هذه الحلقة مسألة الدراسات التي كتبت عن الإمام الرازي وعن تفسيره :​


فمنها كتاب فخر الدين الرازي لفتحي خليف
ومنها كتاب فخر الدين الرازي تمهيد لدراسة حياته ومؤلفاته لجورج قنواتي
وهناك كتاب فخر الدين الرازي وآراءه الفلسفية والكلامية لمحمد صالح الزركان
وهناك كتاب الرازي من خلال تفسيره لعبد المجيد المجدوب تكلم فيه عن تفسير الإمام الرازي وتكلم فيه عن ترجمة الإمام الرازي .
وأوسع من كتب في تفسير الإمام الرازي وأجود من كتب في منهجه هو الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه الرازي مفسراً وهو رسالته للدكتوراه التي ناقشها عام 1392 هجرية في القاهرة.
من المسائل التي تطرح دائما في تفسير الإمام الرازي مسألة: هل أتم الإمام الرازي تفسيره أم لا ؟؟​


فبعض الذين ترجموا له ذكروا أنه لم يتم تفسيره ، وإنما أتمه اثنان من تلاميذه ، أحمدهما يسمى القمولي والثاني يسمى الخويلي.​


والإمام الرازي في تفسيره هذا يقول في مقدمة هذا التفسير أنه قد ذكر في أحد مجالسه : أن سورة الفاتحة يمكن أن يستنبط منها عشرة آلاف حكم ، قال فظن من لاعلم عنده أنني بالغت في هذا الكلام فقام الإمام الرازي فبدأ بتفسير سورة الفاتحة في مجلد.​


هذا المجلد الأول من تفسيره كله في تفسير سورة الفاتحة ، وقد أوصل الاستنباطات وتشقيق المسائل والفصول في تفسير سورة الفاتحة وذكر فيها عدداً كبيراً جداً من الفوائد وفيها علم غزير، ثم ابتدأ بعهد ذلك في تفسير القران الكريم فبدأ بالبقرة ثم تنقل بعد ذلك ففسر مثلا سورة يوسف ثم انتقل ففسر الأنبياء ثم فسر الأحقاف وهكذا .​


ومن منهج الإمام الرازي في تفسيره أنه كان في نهاية كل سورة يقول وكان الفراغ من تفسيرها في نهاية سنة 603 أو سنة 602 وهكذا ولذلك لما جاء الباحثون ليبحثوا هل فسر الإمام الرازي القران كاملا أم لا ؟؟ فبعضهم وصل إلى انه فسره كاملا وبعضهم رأى انه لم يفسر القران الكريم كاملاً.
ممن ر أيته رجح أن الرازي قد فسر القران الكريم كاملا الدكتور محسن عبد الحميد وقال إنني قد قرأت الكتاب عدة مرات وتبين لي أن نفسّ الإمام الرازي ظاهر في التفسير كله من أوله إلى آخره.​


ووافقه على هذا الرأي الدكتور العماري والدكتور الزركان والدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي وذكر انه قد كتب في هذا بحثا وانه تبين لهم أن الإمام الرازي قد صنف تفسيره كاملاً من أوله إلى آخره.​


وربما علق بعض التلاميذ على حواشي الكتاب ونسبوا هذه التعليقات إليه فجاء بعض المترجمين وقرؤوا هذه التعليقات التي كتبها بعض تلاميذه فظنوا أنها من تكملتهم و من صنيعهم وان الإمام الرازي لم يفسر القران الكريم كاملاً لهذا السبب .​


وهناك باحثون آخرون قالوا لا ...نحن قد قرأنا التفسير كاملاً وظهر لنا فرق بين بعض المواضع وبعضها الآخر ومن أشهرهم من قام بذلك الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله رحمة واسعة المتوفى سنة 1386 هجرية في كتاب أو في بحث يقول:
طلب مني الشيخ ابن مانع التأكد من هذا الأمر فقرأت التفسير من أوله إلى آخره فتبين لي ثم ذكر أنه تبين له أن أجزاء من هذا التفسير ليست من تأليف الإمام الرازي .​


لكن يقال بأن الذي صنف هذه التكملة هم تلاميذه وساروا على منهجه على افتراض انه لم يتم تفسير ه.
الإمام الرازي عندما صنف هذا التفسير فيما يبدوا لي لم يكن يقصد يكمل التفسير كاملا ولذلك بدأ بالفاتحة ثم لما أنهاها بدأ بسور أخرى وشيئا فشيئا تكامل ولذلك فليس هناك مقدمة لتفسيره وإنما هناك مقدمة لتفسير سورة الفاتحة فحسب .
ولذلك دعونا نقرأ هذه المقدمة القصيرة
يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: اعلم أنه مرّ على لسانه في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يقصد سورة الفاتحة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة، فاستبعد هذا بعض الحساد وقوم من أهل الجهل والغيّ والعناد، وحملوا ذلك على ماألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني.
فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ماذكرناه أمر ممكن الحصول قريب الوصول فنقول وبالله التوفيق ثم بدأ في تفسير الاستعاذة والفاتحة بعد ذلك .
الإمام الرازي أراد أن يجعل القرآن الكريم ميداناً للاستنباط ،لكثير من العلوم وتطبيق كثير من العلوم العقلية واستنباطها من القران الكريم ،والإمام الرازي كان معنياً بالفلسفة ،فقد تتلمذ أول ماتتلمذه على والده كما تقدم ثم تتلمذ بعد والده على العلامة الحسين بن مسعود البغوي الفراء صاحب تفسير الذي تقدم معنا وهو معالم التنزيل في التفسير الإمام الفراء معروف البغوي .​


ثم تتلمذ بعده على المجد الجيلي وكان المجد الجيلي هذا عالماً متعدد المعارف والمعالم والعلوم إلا انه كان عالماً متميزاً في الفلسفة وعلم الكلام فأخذ عنه الإمام الرازي هذا العلم ولازمه مدة طويلة ، فجاء الإمام الرازي ليستنبط أو ليبحث في القران الكريم وفي تفسيره ويطبق فيه هذه المسائل التي تعلمها في علم الكلام.
ولذلك كان يقيم وهذا التفسير على أربع أسس
الأول: أنه وضع القران الكريم موضع الدراسة والبحث والتحليل لان طريقة القران الكريم عنده هي أسمى من كل الطرق الفلسفية والكلامية ولذلك دعا الدارسين إلى الإقبال على القران الكريم والنهل من علومه ،وهذه دعوة يجب أن تجدد باستمرار وان يبقى القران الكريم هو مصدر العلم وان يتدبره الناس وان يتفقهوا فيه فإنه يظهر فيه لكل قوم ولكل جيل من الناس في القران علوم وفوائد ومعارف ماكانت لتظهر أو لم تظهر لمن قبله .
ثانياً: اشتمال القران الكريم على مختلف العلوم والمعارف مما جعله يسموا على كل نتاج بشري.​


الأمر الثالث :دعوة أصحاب العلوم الأخرى على الإقبال على القران الكريم .​


المسالة الرابعة: إعادة الطمأنينة إلى القلوب هذا مقصد كان يقصده الإمام الرازي من تفسيره ومن تأليفه لهذا التفسير ولاسيما أن الزمان الذي ألف فيه الإمام الرازي هذا التفسير كان مضطرباً بالفتن والحروب والقلاقل في عهد الدولة الإسلامية مع المغول وغيرها.
ولذلك عندما قرأ العلماء هذا التفسير وجدوا فيه من سعة العبارة ومن صحة الذهن ومن الاستنباط الشيء الكثير​


ولذلك يقول الإمام الصفدي :اجتمع على الإمام الرازي خمسة أشياء:
سعة العبارة في القدرة على الكلام وصحة الذهن والإطلاع الذي ماعليه مزيد والحافظة المستوعبة والذاكرة التي تعينه على مايريد من تقرير الأدلة والبراهين .​


ولذلك كان الإمام الرازي غزير التأليف حيث صنف العديد من الكتب كما تقدم .​


و الإمام الرازي أفني جزاً كبيراً من عمره في تعلم علم الكلام وكتب فيه مصنفات كثيرة فلما تقدمت به السن ندم على ذلك وأخذ يحذر من الاشتغال بعلم الكلام وانه لافائدة فيه وان الاشتغال بالقران الكريم خير وأفضل ولذلك الإمام الرازي بدأ تفسيره للقران الكريم وعمره سبع وخمسون سنة بدأ في تفسير القران الكريم وعمره سبع وخمسون سنة ، بعد أن اشتد عوده وقويت آلته أو جاوز الخمسين وليس السابعة والخمسين ومن لطيف انه كان يسجل في نهاية كل سورة تاريخ الانتهاء من السورة فسورة آل عمران مثلا قال انتهى من تفسيرها في اليوم الأول من ربيع الثاني سنة 595 هجرية وانتهى من تفسير سورة الأحقاف في العشرين من ذي الحجة سنة 603 وهذا آخر تاريخ سجله في تفسيره ولم يفسر القرآن كما تقدم حسب ترتيب المصحف ابتداءً لكن عندما صنف الكتاب وجمع أصبح مرتبا.
فقد فسر سورة الأنفال في رمضان سنة 601 بينما فسر سورتي التوبة ويونس في بداية شهر رجب من نفس السنة بمعنى قبلها وفسر سورة يوسف في السابع من شعبان سنة 601 وفسر سورة الرعد في يوم واحد وهو الثامن من شعبان سنة 601 واستغرق تفسيره أكثر من عشر سنوات تفسير الإمام الرازي استغرق تأليفه أكثر من عشر سنوات ولم يكتب له مقدمة مفصلة في أوله.
منهج الإمام الرازي في تفسيره :
وهذا الذي نريد أن نتوقف عنده نحن كما قلت لكم يقول أبو حيان الغرناطي تفسير الإمام الرازي فيه كل شيء إلا التفسير، وهذه مبالغة من الإمام أبي حيان لماذا ؟ لأنه رأى أن الإمام الرازي أولا قد توسع في استنباطات وفي ذكر مسائل وعلوم لاعلاقة لها بالتفسير أو لاعلاقة لها مباشرة بالتفسير ليست من صلب التفسير ،فدعاهم هذا إلى أن يقولوا هذه العبارة انه قد أملا كتابه في علوم كثيرة لاعلاقة لها بالتفسير .
كتاب تفسير الإمام الرازي يعتبر عمدة للتفسير العقلي الذي اعتمد على الرأي والرأي المحمود وبعضهم يدخله في الرأي المذموم لأنه قد سار فيه على غير منهج أهل السنة والجماعة وإنما سار على مذهب الأشاعرة استفاد الإمام الرازي من التفاسير التي سبقته ولاسيما انه قد سبقه للمعتزلة عناية كبيرة لأبي بكر الأصم والجبائي وعبد الجبار الهمداني وغيرهم والحاكم الجشمي والزمخشري في كتابه الكشاف كل هؤلاء قد صنفوا كتب في التفسير وسارت وانتشرت بين الناس وهؤلاء كلهم من المعتزلة فالرازي تصدى لهذه الكتب وأراد أن يكتب كتاباً يفوق كل ماكتبه المعتزلة ولذلك لم يأتي بعد الإمام الرازي مؤلف من المعتزلة أجاد في التفسير كما تقدم للإمام الرازي.​


ولذلك يقول الذهبي في وصفه يقول كان يكثر من الاستطراد إلى العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحادثة في الملّة على ماكانت عليه في عهده كالهيئة الفلكية وغيرها وكما انه يعرض كثيرا لأقوال الفلاسفة بالرد والتفنيد وان كان يسوغ أدلته في مباحث الإلهيات على نمط استدلالاتهم العقلية كما انه لايمر مسألة من المسائل التي تتعلق بالمعتزلة أو الرد عليهم إلا ويتصدى للرد على المعتزلة ويقف عند هذه المسألة .​


ولايكاد يمر بآية من آيات الأحكام إلا ويتوقف عندها ويبين فيها آراء الفقهاء ولاسيما مذهب الإمام الشافعي لأنه كان شافعي المذهب.
كذلك كان يستطرد الرازي في المسائل الأصولية وتقدم معنا أن الإمام الرازي يعتبر من الأصوليين الشافعي الكبار له كتاب المحصول في علم الأصول وهو مطبوع معروف .
وكان أيضاً إذا تعرض للمسائل النحوية والبلاغية يستطرد فيها وإن كان لايتوسع فيها كما توسع في المسائل التي تتعلق بالآيات الكونية أو الرياضية وبالجملة فالكتاب أشبه مايكون موسوعة في علم الكلام وفي علوم الكون والطبيعة فهذه الناحية هي التي غلبت عليه ولذلك كان مولعاً بكثرة الاستطرادات والاستنباطات في مثل هذه المسائل ولذلك يقول :
أن بعض الذين لاموه في الاستطراد استدل عليهم وقال إن الله سبحانه وتعالى قد قال :وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) وقال: لخلق السموات والأرض اكبر من خلق الناس .
فإذاً التأمل والتأمل في الفلك ومايتعلق به أولى وعلى كل حال فقد سار الإمام الرازي على منهج لم يكثر فيه من الاستدلال بالسنة ولم يكثر فيه من الاستدلال بالقران وإنما أكثر فيه من الرد على أصحاب الفرق المختلفة .
اعتنى فيه عناية فائقة بجمال النظم القرآني وطبق فيه نظرية عبد القاهر الجورجاني في النظم وهذه من أفضل مافي الكتاب.
عنيّ الإمام الرازي عناية بالغة بالمناسبات بين السور والآيات والمناسبات بين السور والآيات هي بيان الارتباطات بين الآيات بعضها مع بعض وبين السور بعضها مع بعض وقد أجاد في ذلك أيما إجادة ولو تصدى باحث وأظنه قد فعل بعضهم فاستخرج المناسبات بين الآيات والسور في تفسير الإمام الرازي لكان في ذلك خير كبير ولذلك نقول إن تفسير الإمام الرازي من التفاسير الواسعة وهو تفسير جيد ولاينصح به إلا لطالب العلم المتمكن الذي يعرف كيف يتخلص من الشبّه التي ذكرها في تفسيره إلا انه تفسير لاتكاد تجد له نظيراً من أمثاله في الاستنباط والاستدلال .
وكما ذكرت بعض الملحوظات عليه وقول العلماء فيه كل شيء إلا التفسير الذي ذكرته في أول الحلقة والصحيح أن فيه كل شيء مع التفسير فهو تفسير جيد وفيه استطرادات بالغة حتى دعا بعضهم إلى اختصاره فاختصره عدد من المتقدمين واستفادوا منه استفادة كبيرة ولاتزال الاستفادة إلى اليوم من هذا التفسير الكبير مفاتيح الغيب للإمام محمد بن عمر بن الحسين الرازي المولود سنة 544 والمتوفي سنة 606 للهجرة رحمه الله رحمة واسعة .​
 
محمد الأمين الشنقيطي​


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
وردت إلى البرنامج أسئلة كثيرة ورسائل تطلب عرض تفسير الإمام الشنقيطي رحمه الله
أضواء البيان في إيضاح القران بالقران
والإمام العلامة الإمام محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي من علماء أهل السنة الكبار المتأخرين رحمة الله عليه رحمة واسعة .
ولد العلامة محمد الأمين سنة 1325 للهجرة في موريتانيا في شنقيط وتوفي رحمه الله سنة 1393 هجرية في مكة المكرمة ودفن بها .
سيرة الإمام محمد الشنقيطي رحمه الله من السير العطرة التي تبعث طالب العلم على الهمة في طلبه وهو محمد الأمين بن محمد المختار ابن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن نوح من أولاد الطالب أوبك ويرجع نسبه إلى الجكنيين الشناقطة ،والذين يرجع نسبهم إلى حميّر .​


وقد نشا الشيخ رحمه الله يتيماً إذ توفي والده وهو صبي صغير لازال يقرا في جزء عم يتساءلون من القران الكريم فترعرع رحمه الله في بيت أخواله الذين هم من بني عمومته إذ كانت والدته ابنة عم أبيه وكان ذلك البيت الذي تربى فيه الشيخ رحمه الله يزخر بأهل العلم والفضل ولذلك تعلم منهم العلم وتعلم منهم الفروسية وتعلم منهم أشياء كثيرة.
وكان أبوه قد خلف له ثروة من المال والحيوان ولم يخلف ولد سواه .
ولمّا أتم العاشرة من عمره كان قد حفظ القران في عالم 1335 هجرية حفظ رحمه الله القران الكريم وعمره 10 سنوات .
وكان الذي حفظه القران الكريم هو خاله عبد الله بن محمد المختار ابن إبراهيم بن احمد نوح ،وبعد أن أتم حفظ القران الكريم اشتغل بالتعلم رسم المصحف وهذه عادة حسنة عند أهل المغرب أنهم يعنوّن بتعلم رسم المصحف العثماني فيكتبونه على الألواح ويحفظون في ذلك المنظومات التي تعينهم على إتقان الرسم العثماني، ونحن في المشرق قد تساهلنا في هذه المسألة فأصبحنا لاندرس الرسم العثماني إلا في مراحل متقدمة من التخصص بينما أبناؤنا الصغار لاينشئون على تعلم هذه خصائص في الرسم العثماني.
ثم بعد أن أتم ذلك قرأ التجويد في مقرأ نافع برواية ورش وكان قد بلغ من العمر 16 عاما.
وأهل المغرب بصفة عامة يقرؤون برواية ورش عن الإمام نافع رحمه الله رحمة واسعة كما درس أثناء تلك القراءة بعض المختصرات في الفقه على مذهب الإمام مالك لان أهل المغرب ينحون أو يقلدون الإمام مالك في المذهب الفقهي .
ثم تعلم على زوجة خاله الأدب ومبادئ النحو كالآجرومية وأخذ عنها علم الأنساب وأيامهم والسيرة النبوية ونظم الغزوات للبدوي الشنقيطي وعمود النسب أيضاً له وهو نظم طويل يعدّ بآلاف قد وصل فيه إلى القدر المتعلق بالعدنانيين كل ذلك حصله في بيت أخواله هذا البيت المبارك الذي قد حفل بالعلم.​


ولذلك يقول رحمه الله عن نفسه قال ولما حفظت القران وأخذت الرسم العثماني وتفوقت فيه على الأقران عنيت بي والدتي وأخوالي أشد عناية وعزموا على توجيهي الدراسة في بقية الفنون فجهزتني والدتي بجملين أحدهما عليه مركبي وكتبي والآخر عليه نفقتي وزادي وصحبني خادم ومعه عدة بقرات وقد هيئت لي مركبي كأحسن مايكون من مركب وملابس كأحسن ماتكون فرحا بي وترغيبا لي بطلب العلم وهكذا سلكت سبيل الطلب والتحصيل .
رحمة الله على تلك الأم التي ربته وكان الشيخ رحمه الله يتمتع بهمة عالية بطلب العلم فلم يكن يفوّت مسالة مما درس دون استيعاب وتمحيص ، وإن كلفه ذلك جهوداً مضنية وأوقات طويلة ولذلك يقول الشيخ رحمه الله في حادثة يذكرها جئت للشيخ في قراءة عليه كان يقرأ على الشيخ قال جئت للشيخ في قراءة عليه فشرح علي كما كان يشرح ولكنه لم يشفي مافي نفسي على ماتعودت ولم يروي لي ظمئي وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس في المسألة وإيضاح بعض المشكل وكان الوقت ظهراً فأخذت الكتب والمراجع فطالعت حتى العصر فلم أفرغ من حاجتي فعاودت حتى المغرب فلم انتهي أيضاً فأوقد لي خادمي أعواداً من الحطب أقرأ على ضوئها كعادة الطلاب وواصلت المطالعة وأتناول الشاهي الأخضر كلما مللت أو كسلت والخادم بجواري يوقد الضوء حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة فرض أو تناول طعام ،والى أن ارتفع النهار وقد فرغت من درسي و زال عنى لبسي ووجدت هذا المحل من الدرس كغيره في الوضوح والفهم .
فهكذا كان يصنع رحمه الله إذا عنّ له إشكال في المسألة وما أجدرك يا طالب العلم أن تصنع مثل هذا الصنيع كلما أشكلت عليك مسالة فاصنع مثل صنيع الإمام الشنقيطي هذا واعكف على المراجع والكتب وابحث وأسال حتى تنكشف لك المسألة فإن المسألة العلمية إذا تعبت في تحصيلها فإنها لاتكاد تذهب عن ذهنك بعد ذلك .
وكان الشيخ رحمه الله حاد الذكاء مفرط الحفظ وكان ذا حافظة نادرة واعية و همة عالية ، فسخّر كل ذلك في تحفيظ أو في حفظ القران وفي حفظ التفسير وفي حفظ كتب العلم.
وأذكر حادثة له رحمه الله وقد ذكرها في بداية تفسيره هذا وذكر أن من الأشياء التي دفعته إلى طلب العلم أبيات من الشعر حفظها رحمه الله لأحد أدباء شنقيط ولذلك عندما ذكر تدبر القرآن رحمه الله وذكر إعراض الناس عن تدبر القران واستشهد بقول الشافعي رحمه الله فهذا زاهد في قرب هذا وهذا فيه أزهد منه فيه .
قال رحمه الله:
وإياك يا أخي ثم إياك أن يزهدك في كتاب الله تعالى كثرة الزاهدين فيه ولاكثرة المحتقرين لمن يعمل به ويدعوا إليه واعلم أن العاقل الكيس الحكيم لايكترث بانتقاد المجانين واسمعوا قول الأديب الكبير محمد بن حنبل الشنقيطي الحسني رحمه الله عندما قال :
لا تسوء بالعلم ظناً يا فتىإن سوء الظن بالعلم عطب.
لا يزهدك أحد في العلم أن, غمر الجهال أرباب الأدب.
إن تر العالم نضوا مرملا صفر كف لم يساعده سبب
وترى الجاهل فد حاز الغنى محرز المأمول من كل أرب
قد تجوع الأسد في أجامها والذئاب الغبش تعتام القتب
جرع النفس على تحصيله مضض المرين ذل وسغب
لا يهاب الشوك قطاف الجنى وإبار النحل مشتار الضرب
وهذه الأبيات تجدونها في كتاب الوسيط في تراجم أدباء الشنقيط للشاعر وهي طويلة .
فانظر إلى هذه الأبيات التي حفزت الإمام الشنقيطي إلى طلب العلم في بداية الطلب ، وكانت بإذن الله سبحانه وتعالى فاتحة لخير كثير ، قد ذكرها في بداية تفسيره ثم قال رحمه الله في مقدمة التفسير
قال أما بعد :فإن لما عرفنا إعراب أكثر المتسمين باسم المسلمين اليوم ونبذهم له وراء ظهورهم وعدم رغبتهم في وعده وعدم خوفهم من وعيده، علمنا ان ذلك مما يعين على من أعطاه الله علماً بكتابه أن يجعل همته في خدمته من بيان معانيه وإظهار محاسنه وإزالة الإشكال عما أشكل منه وبيان أحكامه والدعوة إلى العمل به وترك كل مايخالفه واعلم أن السنة كلها تندرج في آية واحدة من بحره الزاخر وهي قوله تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر
ومن أهم المقاصد في ذلك هذا الكتاب المبارك الذي هذه ترجمته .
واعلم أن من أهم المقصود بتأليفه أمران :​


يقول رحمه الله من أهم المقاصد التي قصدتها من تأليف كتابي من أضواء البيان في إيضاح القران بالقران مقصدين:
المقصد الأول: بيان القران بالقران تفسير القران بالقران لإجماع العلماء على أن اشرف أنواع التفسير وأجلها هو تفسير كتاب الله بكتاب الله، إذ لا أحد أعلم بمعنى كلام الله جل وعلا من الله جل وعلا وقد التزمنا أن لانبين القران إلا بقراءة سبعية أي إلا بقراءة من القراءات السبع المتواترة سواء كانت قراءة أخرى في الآية المبينة نفسها أو آية أخرى غيرها ، ولانعتمد على البيان بالقراءات الشاذة وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادا للبيان بالقراءة السبعية.
المقصد الثاني: من تصنيفه للتفسير بيان الأحكام الفقهية في جميع الآيات المبينة بالفتح في هذا الكتاب فإننا نبين مافيها من الأحكام وأدلتها من السنة وأقوال العلماء في ذلك ونرجح ماظهر لنا أنه الراجح في الدليل من غير تعصب لمذهب معين ولا لقول قائل معين لأننا ننظر إلى ذات القول لا إلى قائله .
إذاً الإمام الشنقيطي في كتابه أضواء البيان قصد مقصدين :
المقصد الأول: تفسير القران بالقران وهذا الكتاب يعتبر من أجود وأفضل الكتب التي عنيت بتفسير القران بالقران ، وهذا المنهج في التفسير هو أجود المناهج في التفسير وقد عني فيه من المتقدمين كما تقدم معنا العلامة إسماعيل بن عمر بن كثير في كتابه تفسير القران العظيم فابن كثير رحمه الله عني عناية كبيرة بتفسير القران بالقران وقد سبق أن عرضنا هذا
المقصد الثاني: الذي قصده الشنقيطي هو تفسير آيات الأحكام وبيان الأحكام الفقهية التي اشتملت عليها الآيات التي يبينها في تفسيره ولذلك توقف عند بعض الآيات الأحكام في القران الكريم فيطيل في تفسيره ولذلك لما جاء ذكر آيات الحج أطال في تفسيرها جدا وبين فيها أقوال العلماء والفقهاء وأجاد فيها أيمّا إجادة.
وقال: وقد تضمن هذا الكتاب أموراً زائدة على ذلك يعني على بيان القران بالقران وعلى بيان آيات الأحكام قال :وقد تضمن هذا الكتاب أموراً زائدة على ذلك كتحقيق بعض المسائل اللغوية وما يحتاج إليه من صرف ومن إعراب والاستشهاد بشعر العرب وتحقيق ما يحتاج إليه فيه من المسائل الأصولية والكلام على أسانيد الأحاديث كما ستراه إن شاء الله .
بدأ كتابه في المقدمة بذكر أنواع بيان القران للقران فجاء فيه بكلام نفيس جداً انصح طالب العلم بقراءته والتفقه فيه ارجع إلى هذه المقدمة لهذا الكتاب واقرأ أنواع القران الكريم بالقران كما ذكر الإمام الشنقيطي وذكر مقدمة أيضاً في تعريف الإجمال والبيان.
واذكر مثالا من هذا البيان يقول رحمه الله أن مثال من أنواع البيان أن يكون بيان الإجمال الواقع بسبب الاشتراك تكون اللفظة مشتركة واللفظة المشتركة عند العلماء هي اللفظة الواحدة التي تدل على أكثر من معاني فكيف نختار المعنى المناسب منها كما قال هنا قال :ومثال الإجمال بسبب الاشتراك في فعل قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)مامعنى َعسْعَسَعَسْعَسَ هنا مشتركة تدل على أقبل وتدل على أدبر قال فإنه مشترك بين إقبال الليل وإدباره وقد جاءت آية تؤيد أن معناه في الآية أدبر وهي قوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) فيكون معنى عسْعَسَ في الآية بمعنى أدبر يطابق معنى آية المدثر هذه كما ترى ... الخ ماذكر في هذه المقدمة الرائعة جداُ جداً.
ثم بدأ بعد ذلك في تفسيره فتكلم عن سورة الفاتحة ثم تكلم بعد ذلك عن سورة البقرة وهكذا فسر الآيات التي وجد لها تفسيراً في القران الكريم.​


وهذه مسألة أيها الإخوة أريد أن أنبه إليها نحن نقول دائما تفسير القران بالقران هو أفضل أنواع التفسير لاشك في ذلك لكن تفسير القران بالقران هو يدخل تحت باب التفسير بالرأي. كيف ؟
هناك تفسير القران بالقران نوعان :
النوع الأول تفسير القران للقران وهذا ملزم كما في قوله سبحانه وتعالى : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) ثم قال :النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) هذا تفسير للقران بالقران فنقول تفسير القران للقران ملزم . وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) وقال الله سبحانه وتعالى إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)م فسر معنى هَلُوعًا قال إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21).ولذلك قال عمر بن الخطاب لو لم يخبرنا الله مامعنى الهلوع ماعرفناه.
فهذا تفسير القران للقران.
أما تفسير القران بالقران فهو أن تأتي آية ثم يجتهد مجتهد سواء كان هذا المجتهد هو النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي أو تابعي أو عالم من العلماء فيربط فيفسر آية بآية كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الصحابة وقالوا الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)فشق هذا على الصحابة قالوا أينّا لايظلم نفسه فهذه آية في سورة الأنعام .
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال لهم قال : ليس الذي تعنون الم تسمعوا قول العبد الصالح ويقصد لقمان عليه السلام يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في سورة الأنعام بالشرك في سورة لقمان ، هذا تفسير للقران بالقران باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يعتبر من التفسير النبوي لان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فسره.
يأتي عبد الله بن عباس بعد ذلك فيفسر مثلاً قول الله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
مامعنى الآية قال كانت السماء رتقا لاتمطر ففتقها الله بالمطر ،وكانت الأرض رتقاء لاتنبت ففتقها الله بالنبات ثم قرأ قول الله تعالى : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
فكأنه يقول هذه الآية تفسرها هذه الآية.
إذاً هذا اجتهاد، فإذاً نقول هذا اجتهاد الصحابة أو اجتهاد المفسر في تفسير القران بالقران يدخل تحت التفسير بالرأي .
الإمام الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان في إيضاح القران بالقران سلك هذا المنهج ، فأعمل فكره وتدبره وعلمه القواعد التي تعلمها في بيان القران بالقران وأجاد في ذلك أيما إجادة.
والإمام الشنقيطي رحمه الله كان متضلعاً أتقن العلوم كتخصصات مستقلة فأتقن أصول الفقه كتخصص فهو أصولي متميز وله كتاب مذكرة في أصول الفقه وله شرح على مركز سعود منظومة في أصول الفقه ،وأتقن اللغة العربية والنحو كتخصص فكان يحفظ ألفية بن مالك ويفسرها كأحسن مايكون التفسير ،بل كانوا يقولون عنه إذا سئل الإمام محمد الأمين الشنقيطي عن مسالة في النحو فقال لا أدري فلا تسال عنها أحداً بعده .
وقد قال بعض تلاميذه :وقد تتبعت مسألة قال فيها لا أدري فبحثت وسالت واجتهدت فما وجدت لها جواباً .
فهو كان عالماً نحوياً وكان بلاغياً مجيداً لعلم البيان وكان عالماً جليلا في المنطق درسه بنفسه وأجاده وألف فيه كتب كتاب البحث والمناظرة وهو من أجود كتبه
فالإمام الشنقيطي كان فقيهاً أيضاً مالكيا لايشق له غبار وكان عالما بالأنساب وله منظومة فيها سماها خالص الجمان في انساب عدنان ثم أتلفها بعد ذلك .
فالشاهد أن الإمام العلامة الإمام محمد الشنقيطي أجاد العلوم كتخصصات ثم وظف هذه العلوم أجمل توظيف وأحسن توظيف في كتابه أضواء البيان في إيضاح القران بالقران .
كتابه أضواء البيان هذا يعتبر من الكتب التفسير المتأخرة التي تشابه تفاسير المتقدمين في جودتها ، كان يستطرد رحمه الله في استطرادات اللغة واستطرادات في الفقه تخرج به عن التفسير ولذلك سعى تلميذه أو احد محبيه وهو الدكتور سيد سادات الشنقيطي فسماه (( تفسير القران من أضواء البيان)) اختصر فيه أو جمع فيه كلامه على القران وإيضاح القران بالقران واستبعد منه الاستطرادات اللغوية والفقهية وغيرها .​


ودراسة هذا الكتاب تفتح لطالب العلم آفاقاً علمية رحبة ولذلك هذا الكتاب لايقرأه الا طالب العلم المتمكن من العلم ومن الأصول ومن الفقه حتى ينتفع به.
الشنقيطي رحمه الله بدأ تفسيره هذا سنة 1370 هجرية تقريباً في بداية السبعينيات الهجرية وتوفي عام 1393 هجرية وقد وصل إلى قوله تعالى في آخر سورة المجادلة ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)​


ولم يفسر هذه الآية
ثم مات رحمه الله فجاء تلميذه عطية محمد سالم رحمه الله رحمة واسعة فأكمل تفسيره إلى نهاية القران الكريم على نفس النسق الذي سار عليه الشنقيطي رحمه الله رحمة واسعة .
كتابه أضواء البيان طبع قديما في حياة الشيخ رحمه الله رحمة واسعة عام 1386 هجرية ، فطبع الجزء الأول أو المجلد الأول عام 1386 ثم تلاه الجزء الثاني والثالث أو الجزء الثاني طبع في نفس السنة عام 1386 ثم طبع الجزء الثالث عام 1383هجرية ثم طبع الرابع عام 1384هجرية ثم طبع الخامس عام 1390 هجرية ثم طبع السادس عام 1392 هجرية ثم صدر المجلد السابع بعد وفاة المؤلف رحمه الله عام 1396 هجرية ثم أكمل تفسيره عطية محمد سالم في مجلدين صدر الثامن عام 1397 والتاسع من التتمة وضع فيه الشيخ عطية سالم كتابين للشيخ الكتاب الأول: (( هو منع جواز المجاز المنزل للتعبد والإعجاز ))وهذا كتاب قيم للشيخ الشنقيطي رحمه الله يدفع فيه أن يكون في القران الكريم مجاز وهذه مسألة طال حولها النقاش .
وله أيضا رسالة أخرى سماها دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب وقد طبع بعد ذلك التفسير كاملاً في طبعات عديدة منها .
وكتابه دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب كتاب ذكر فيه بعض الآيات المشكلة وكيف يدفع والحقيقة أن هذا الكتاب فيه الكثير من الآيات لاتدخل في المشكل وان يزول إشكالها بسهولة إلا انه قد ذكرها رحمه الله رحمة واسعة .
ثم بعد ذلك طبع التفسير كاملا عام 1403 في الرياض ثم طبع بعد ذلك في لبنان في مكتبة عالم الكتب عام ثم طبع أيضاً عام 1408 هجرية في مكتبة بن تيمية في القاهرة وطبعته دار الإفتاء في السعودية بعد ذلك ووزعته على كثير من طلبة العلم ثم قام مؤخرا العلامة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد شفاه الله وحفظه ورعاه بتبني مشروع طباعة كتب الإمام الشنقيطي كاملة مخرجة ومطبوعة في حلة قشيبة فجمع فيها كل تراث الشنقيطي في التفسير.
الشيخ الشنقيطي رحمه الله له في التفسير كتابه أضواء البيان في إيضاح القران بالقران وهو هذا الكتاب الذي معنا الذي تحدثنا عنه وقلت لكم أن منهجه انه اعتمد على تفسير القران بالقران وهذا من أهم مافي هذا الكتاب اعتمد على السنة في فصل الخلاف عندما يأتي خلاف اعتمد على القراءات السبع دون الشاذة بيّن فيه الأحكام الفقهية المتعلقة باليات التي يفسرها عرّج كثيرا على الفوائد الأصولية واللغوية في هذا الكتاب وهذه أهم الأسس التي ذكرها في مقدمته لتفسيره والكتاب من أغنى كتب التفسير المعاصرة بالعلم وبالفوائد.​


كان له رحمه الله تفسير في المسجد النبوي لأنه رحمه الله عندما جاء من شنقيط إلى المملكة العربية السعودية عام 1367 هجرية فهو قد جاء عام 1367 هجرية لكي يحج وعمره 42 سنة فلما وصل إلى مكة المكرمة طاب له المقام في المدينة المنورة وبقي بها حتى توفي رحمه الله واشتغل بتفسير القران الكريم فتصدى لتفسير القران الكريم في المسجد النبوي فأتم تفسير القران الكريم كاملاً في المسجد النبوي ،ثم بدأ في تفسيره مرة ثانية ومات رحمه الله قبل أن يتم المرات الثانية، فصنف كتابه أضواء البيان في هذه السنوات في المدينة وكان يفسر القران للناس في المسجد النبوي وسجل كثير من هذا التفسير على أشرطة ، ثم جاء الدكتور خالد السبت معه بعض تلاميذه ففرغوا هذه الأشرطة في كتاب سموه(( العذب النمير من مجالس الشيخ الشنقيطي في التفسير )) فخرج كتاباً في عدد من المجلدات وقد طبع من ضمن هذه المجموعة فطبع أضواء البيان وطبع كتابه العذب النمير مرة أخرى وطبع كتابه دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وكتابه الثمين منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز وكتابه الآخر الرحلة إلى بيت الله الحرام وله كتاب رائع جداً سماه آداب البحث والمناظرة وكتاب مذكرة في أصول الفقه وغيرها من الكتب القيمة التي صنفها الإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى .
وقد توفي رحمه الله كما قلت لكم عام 1393 هجرية بعد أن قضى عمره في تدريس والتعليم وتربية الطلاب ،ودرّس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنوات طويلة ،ودرّس أيضا في كلية الشريعة في الرياض ودرّس في المعهد العلمي في الرياض سنوات طويلة وقد تتلمذ عليه عدد من العلماء الكبار مثل الشيخ محمد بن العثيمين ومن قبله الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله وكان من اكبر العلماء وأعظم العلماء المتأخرين الذين حق للمسلمين أن يعنوا بكتبهم ويعنوا بمؤلفاتهم وأنت إذا سمعت الشيخ الشنقيطي رحمه الله وهو يفسر القران الكريم تسمعه ينطلق رحمه الله كالسيل الهادر علماً غزيراً في التفسير وفي الفقه ويكاد يستحضر كتاب الجامع لأحكام القران للإمام القرطبي فإنك إذا استمعت إليه وهو يفسر وآذنته بما في كتاب الجامع لأحكام القران لوجدت الشبه واضحا بينهما لأنه كان له عناية كبيرة في كتاب الجامع لأحكام القران للقرطبي.​


بعض تلاميذه مثل الدكتور عبد الله القادري الأهدل كان تلميذا للشيخ محمد الشنقيطي فكان يكتب مايمليه عليهم الشيخ من التفسير فاخرج كتابه تفسير سورة هود واخرج أيضا كتاب تفسير سورة النور في كتاب قيم . درس الإمام الشنقيطي عدة دراسات هناك عدد من الدراسات التي قدمت حول الإمام الشنقيطي وحول منهجه في التفسير رسائل علمية كتبت عن منهجه ومنها هذه الرسالة التي بين يدينا العلامة الشنقيطي مفسراً دراسة منهجية على تفسيره المسمى أضواء البيان في إيضاح القران بالقران للدكتور عدنان بن محمد آل شلش ،وهو رسالة قيمة انصح بالعودة إليها هناك أيضاً كتاب علوم القران عند الشنقيطي بتفسيره أضواء البيان في إيضاح القران بالقران للدكتور صالح الناصر وهناك كشاف المسائل الفقهية والعقدية في تفسير أضواء البيان لأخونا عبد الرحمن الشهري عبد الرحمن ظافر القشيري جمع فهرس هذه المسائل الفقهية والعقدية في تفسير أضواء البيان لكي يسهل الرجوع إليها
أهمية تفسير الإمام الشنقيطي وأوكد على أن هذا الكتاب من أفضل مايتفقه به طالب العلم فانه يفتح له طريقا في العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى وفي تدبره
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الإمام الشنقيطي برحمة واسعة وان يجزل له المثوبة والثواب وان يبارك في أبنائه من بعده وان يجمعنا به في جنات النعيم.​
 
العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون في برنامجكم أهل التفسير.
تفاسير الحنابلة من التفاسير القليلة بين كتب التفسير ، فهي تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة ونريد في هذه الحلقة أن نقف مع تفسير من تفاسير الحنابلة هذا التفسير هو :
((تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ))
ولاشك أنكم عرفتم مؤلف هذا الكتاب وهو :
العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة الله عليه رحمة واسعة ،هذا الإمام الجليل وهذا الشيخ النبيل وهذا المفسر النهرير الذي ولد في عنيزة 1307 للهجرة وتوفي عام 1376 للهجرة فقد عاش 69 سنة .
هذا الكتاب من الكتب التي وضع الله لها قبولاً بين الناس فطبع طبعات كثيرة ولايكاد بيت أو مسجد يخلو من هذا التفسير.
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة الله من العلماء المتأخرين وقد توفي عام 1376 وتلامذته مازالوا ومازال الكثير منهم على قيد الحياة ، وهذا الرجل من العلماء الكبار المؤثرين المربين المعلمين الذين كان لهم أثر بالغ في تلاميذهم وفي تعليمهم، وإذا قرأت للشيخ عبد الرحمن السعدي في كتبه فإنك تشعر بأنه كان رجلاً قريباً من العلم وقريباً من مسائل العلم ، حتى كأنه يعرفها كما يعرف راحة يده لكثرة مايعاني من دراستها وتدريسها والنظر فيها وتقليبها، فهو رجل قد اشتغل بالعلم منذ صغره حتى توفي رحمه الله رحمة واسعة. وهذا الذي ينبغي على طالب العلم ألا يشغل نفسه بغير العلم فإن العلم لايقبل الشراكة، إذا أراد الواحد منا أن يكون طالب علم متميز ينفع الله به وينتفع هو فلا بد أن يعطي العلم كله حتى يعطيه العلم بعضه.
الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فيما يبدو لي كان من هذا النوع من العلماء الذين أعطوا العلم كل أوقاتهم فنفع الله بهم وبكتبهم وبعلومهم.
ترجمة الشيخ :
هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي، وهو من بني عمر أحد البطون الكبار من قبيلة بني تميم، وقد ولد في محرم عام1307 من الهجرة في بلدة عنيزة وتوفيت والدته وله من العمر 4 سنين وتوفي والده وله 7 سنين فنشأ نشأة صالحة كريمة ، وعرف من حداثة سنه بالصلاح والتقى فأقبل على العلم بجد ونشاط وهمة وعزيمة فحفظ القران الكريم وهو صغير لم يبلغ الحلم ،واشتغل بالعلم على علماء بلده والبلاد المجاورة وانقطع للعلم وجعل كل أوقاته مشغولة في تحصيله حفظاً وفهماً ودارسةً ومراجعةً واستذكار، حتى أدرك في صباه مالا يدركه غيره في زمن طويل وهذا يلمسه من يقرأ في كتبه رحمه الله .
أخذ العلم عن عدة مشايخ منهم محمد ين عبد الكريم الشبل وإبراهيم الجاسر وعبد الله بن العايض ومحمد الأمين الشنقيطي ،محمد الأمين الشنقيطي هذا من العلماء الشناقطة الذين أخذ عنهم الشيخ السعدي رحمه الله ، وهذا الإمام الشنقيطي له ترجمة في كتاب في مجلد وهو كان عالماً من علماء شنقيط استقر في البصرة مدة طويلة ثم ضايقه المستعمرون ففر من البصرة ومر بالقصيم في طريقه إلى مكة فطابت له تلك المنطقة وأقام فيها مدة ، هي المدة التي أخذ فيها الإمام عبد الرحمن السعدي أخذ عن هذا الشيخ الشنقيطي العلم ،ولاسيما علم النحو وعلم اللغة العربية .
ولما رأى زملاء الشيخ عبد الرحمن السعدي تميزه ونبوغه أخذوا يتتلمذون عليه فكان يدرس ويدرّس في نفس الوقت .
ثم اهتم بمطالعة مؤلفات شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم فعني بها عناية بالغة ،وعكف عليها ونفعه الله بها نفعاً عظيماً.
وهذه فائدة أيها الإخوة كتب شيخ الإسلام عبد الحليم بن تيمية وكتب تلميذه ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي مدرسة من وفقه الله لقراءة هذه الكتب ودراستها وتدبرها وتعلم مافيها فإنه يحوز علماً غزيراً من علم السلف ، القران والسنة وغيرها.
فالشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قد وفق إلى قراءة كتب بن تيمية وابن القيم قراءة فاحصة وداوم النظر فيها ، ولخص كثيراً منها تخرج على يديه تلاميذ كثيرون ،منهم سليمان البسام و الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع والشيخ العلامة محمد بن صالح بن العثيمين والشيخ على محمد بن الزامل آل سليم وغيرهم والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل متع الله به، وغيرهم من العلماء الذين تتلمذوا على يد هذا الشيخ العريق .
بعض أقوال العلماء فيه :
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يصفه يقول: كان رحمه الله كثير الفقه والعناية بمعرفة الراجح من المسائل الخلافية بالدليل ، وكان عظيم العناية بكتب شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه بن القيم الجوزية وكان يرجح ما قام عليه الدليل ، وكان قليل الكلام إلا فيما تترتب عليه فائدة ، رحمة الله عليه هذه موضع قدوة
يقول الإمام ابن باز رحمه الله قال:
جالسته غير مرة في مكة والرياض وكان كلامه قليلاً إلا في مسائل العلم، وكان متواضعاً حسن الخلق ومن قرأ كتبه عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل رحمه الله رحمة واسعة.
ويقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله فيه: فإن من قرأ مصنفاته وتتبع مؤلفاته وخالط وسبر حاله أيام حياته عرف منه الدأب في خدمة العلم كإطلاع وتعليم، ووقف منه على حسن السيرة وسماحة الخلق واستقامة الحال وإنصاف إخوانه وطلابه من نفسه وطلب السلامة فيما يجر إلى شر أو يفضي إلى نزاع أو شقاق.
وأختم بكلام بتلميذه محمد بن العثيمين رحمه الله وغفر لهما جميعا يقول الشيخ محمد قال:
إن الرجل قل أن يوجد مثله في عصره في عبادته وعلمه وأخلاقه حيث كان يعامل كلا من الصغير والكبير بحسب مايليق بحاله ويتفقد الفقراء ويوصل إليهم مايسد حاجتهم بنفسه، وكان صبوراً على مايلم به من أذى الناس وكان يحب العذر ممن حصلت منه هفوة حيث يوجهها توجيهاً يحصل به عذره من هفا .
والعلماء الذين عاصروه كلام قيم في هذا
منهج الشيخ في الكتاب :
وقبل أن أذكر منهج الشيخ في الكتاب أريد أن أشير إلى ترجمته القيمة التي ذكرها أخونا الفاضل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في كتابه القيم(( تراجم من تسعة أعلام ))فقد ترجم للشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي ترجمة حافلة ،وذكر فيها جوانب من حياته رحمه الله وذكر كثيراً من كلام الذين عاصروه وذكر أن الشيخ رحمه الله قد أصيب قبل وفاته بخمس سنين عام 1371 هجرية أصيب بمرض ضغط الدم وتصلب الشرايين فكان يعتريه مرة بعد أخرى إلى أن توفاه الله قبل طلوع فجر يوم الخميس 23 من عام 1376 للهجرة عن 69 سنة مريضاً رحمه الله رحمة واسعة.
وتكلم عن تلاميذه كلاماً جميلاً وتكلم عن التفسير.
وللشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عدد من المؤلفات عدد كبير من المؤلفات
من أبرز كتبه :
تيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان وهو تفسيره المشهور بتفسير السعدي .
وقد لخصه الشيخ رحمه الله في كتاب سماه خلاصة المنان في تفسير القرآن في مجلد واحد .
والذي يعجبك في الشيخ رحمه الله جلدّه وصبره على التصنيف ، فقد كان له غرفة صغيرة في أعلى منزله يجلس فيها للتصنيف لاتجاوز مترين ونصف أو مترين في مترين، كان رحمه الله يعكف فيها على التصنيف والكتابة وكان ذا جلد وصبر.
تفسيره هذا تيسر الكريم ابتدأه في 29/3 /1343 هجرية كان عمره 37 سنة عندما بدأ في تفسيره وانتهى منه في 1/3/1344 هجرية أي بعد سنة وشهر استغرق هذا التفسير الكبير سنة وشهر وهذا وقت قصير .
وقد أثنى على تفسيره عدد كبير من علماء يقول الشيخ محمد بن عثيمين في بيان قيمة هذا التفسير يقول: أما بعد فإن تفسير شيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي المسمى تيسير الكريم من أحسن التفاسير حيث كان له ميزات كثيرة منها:سهولة العبارة ووضوحها حيث يفهمها الراسخ في العلم ومن دونه وصدق رحمه الله فإن تفسير الشيخ السعدي تفسير سهل العبارة يفهمه القارئ له دون عناء ودون مشقة .
قال: ومنها تجنب الحشو والتطويل الذي لافائدة منه ومنها تجنب ذكر الخلاف إلا أنه يكون الخلاف قوياً تدعو الحاجة إلى ذكره ، وهذه ميزة مهمة بالنسبة للقارئ حيث يثبت فهمه على شيء واحد ومنها السير على منهج السلف في آيات الصفات فلا تحريف ولا تأويل يخالف مراد الله بكلامه فهو عمدة في تقرير العقيدة رحمة الله عليه بأفضل عبارة وبأوجز عبارة .
ومن أهم مميزات التفسير:
قال: ومنها دقة الاستنباط فيما تدل عليه الآيات من الفوائد والأحكام والحكم ، وهذا يظهر جلياً في بعض الآيات كآية الوضوء في سورة المائدة حيث استنبط منها خمسين حكم وكما في قصة داوود وسليمان في سورة ص.
ومنها مميزات هذا التفسير :
أنه كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة كما يتبين في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف : خذ العرف والأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
ومن أجل هذا يقول الشيخ ابن عثيمين ومن أجل هذا أشير على كل مريد لقتناء كتاب التفسير أو كتب التفسير ألا تخلوا مكتبته من هذا التفسير القيم أسأل الله أن ينفع به.
اختصره كما قلت لكم الشيخ نفسه الشيخ السعدي في كتاب سماه خلاصة أو تفسير الكريم المنان في خلاصة تفسير القرآن في مجلد.
الشيخ رحمه الله له كتب أخرى في التفسير له: كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن وله كتاب فوائد مستنبطة من سورة يوسف أومن قصة يوسف عليه السلام وله كتاب في قصص الأنبياء من أفضل الكتب ، تأمل فيه في قصص الأنبياء في القران الكريم واستنبط منها فوائد كثيرة .
ولو تأملت إلى إشارته البديعة في قوله سبحانه تعالى وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
فقد استنبط منها وأبان رحمه الله بإشارته أن المنادات بالوطنية وترك الأخوة الإيمانية والرابطة الإسلامية هو من أعمال الجاهلية وليست من الإسلام وهذه فائدة عزيزة تنبه لها رحمه الله رحمة واسعة .
وقد كان له نصيب كبير من دقة الفهم والاستنباط، فإنه رحمه الله في كتابه هذا على وجازته وعلى صغر حجمه الكتاب قد طبع في سبع مجلدات أو ثماني مجلدات ثم طبع في الطبعة الأخيرة في مجلد واحد لكنه بحرف دقيق .
قبل أن أقرأ في مقدمة التفسير أريد أن أشير إلى الدراسات التي كتبت حول الشيخ رحمة الله عليه من أراد أن يتوسع فيها .
فمن هذه الدراسات:
كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي مفسراً للشيخ عبد الله ابن سابح الطيار رحمه الله وكتاب صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن بن سعدي الاستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الطيار حفظه الله ،وهناك كتاب أثر علامة القصيم عبد الرحمن السعدي على الحركة العلمية المعاصرة ،وهناك للشيخ الدكتور عبد الرزاق البدر لكتابه جهود الشيخ عبد الرحمن السعدي للعقيده وهناك كتب أخرى غير هذه وبحوث منشورة كلها عن هذا الرجل وهذا العلامة الجليل رحمة الله عليه وأثره في التفسير وأثره في منطقته وأثره في العلماء المعاصرين له .
وقد نقل أخونا الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ترجمه للدكتور العدوي في ترجمته التي عنون لها الشيخ عبد الرحمن السعدي شيخ جليل مهيب أخلص لله في تعليم المسلمين أمور دينهم إلى آخر الترجمة أنا أنصح بمراجعة هذه الترجمة في كتاب الشيخ محمد ابن إبراهيم الحمد في كتابه ترجمه لتسعة من الأعلام فقد أجاد وأفاد وجاء فيها بفوائد لم أجد من ذكرها.
نعود إلى التفسير وإلى صلب التفسير الشيخ رحمة الله عليه بدأ في تفسيره هذا على أن يصنفه لنفسه فلما رآه بعض تلاميذه طلبوا منه أن ينشره ولذلك يقول رحمه الله في أول الجزء الأول قال: اعلم أن طريقتي في هذا التفسير أني أذكر عند كل أيه ما يحظرني من معانيها ولا أكتفي بذكر ما تعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعلق بالمواضع اللاحقة لأن الله وصف هذا الكتاب أنه مثاني تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضيع النافعة لحكم عظيمه وأمر بتدبره جميعه لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف وصلاح الظاهر والباطن وإصلاح الأمور كلها .
ثم بدأ في مقدمته وكيف يسير في التفسير فقال: وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود ومن مقتصر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد ،وكان الذي ينبغي في ذلك أن يجعل المعنى هو المقصود واللفظ وسيله إليه فينظر في سياق الكلام وما سيق لأجله ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم حضريهم وبدويهم.​


فإذاً من الأشياء التي عني بها الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره الإشارة إلى هدايات القرآن وتلمسها في تفسيره وهذا من أفضل كتب التفسير التي عنيت بهذا .
ثم قال :فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول صلى الله عله وسلم وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله من أعظم يعين على معرفته وفهم المراد منه خصوصا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها
فمن وفق لذلك لم يبقى عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر بألفاظه ومعانيه ولوازمها وما تتضمنه وما تدل عليه منطوقا ومفهوما
فإذا بذل وسعه في ذلك فالرب أكرم من عبده فلابد أن يفتح عليه من علومه أمور لاتدخل تحت كسبه .
ولما منّ الباري علي وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا أحببت أن ارسم من تفسير كتاب الله ماتيسر وما منّ به الله علينا ليكون تذكرة للمحصلين وآلة للمستبصرين ومعونة للسالكين ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود ولم اشتغل في حل الألفاظ والعقود للمعنى الذي ذكرت ولان المفسرين قد كفوّ من بعدهم فجزاهم الله عن المسلمين خير الله ارجوا وعليه اعتمد أن ييسر ماقصدت ويذلل ما أردت .
وقد ذكر في كتابه هذا كليات في التفسير من أفضل مايمكن أن يقراه طالب العلم وقد جعلها في آخر التفسير​


وهذه الكليات قال فيها قال:
واتبعته بكليات وأصول من كليات التفسير لاستدراك مالعله يفوته القارئ في هذا الجزء فان الأصول والكليات تبنى عليها الفروع والجزئيات ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها مالا يحصل في الكلام الطويل. والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله كان له عناية بالقواعد ولذلك جمع قواعد من كتب شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وغيرهما قواعد وجمعها في كتاب من تأمل هذه القواعد نفعه الله بها نفعا عظيما .
وكان له عناية بالغة بالقواعد الفقهية وكان له عناية بالغة بالقواعد التفسير وقد استطاع في كتابه القواعد الحسان في تفسير القران أن يجمع بعضا من هذه القواعد وإن كان هذا الكتاب يدخل فيه أمور في التدبر وأمور في قصص القران لاعلاقة لها بالقواعد.
ثم شرع رحمه الله بتفسيره للقران الكريم بإيجاز بعبارة واضحة وبعبارة سهلة دون استطراد ودون دخول في تفاصيل ولا في خلافات المفسرين ولذلك فان هذا الكتاب يعتبر من التفاسير المختصرة الموجزة ذات المنهج الواضح الخالي من التأويل العقدي المذموم وهذا الكتاب يعتبر من اسلم كتب التفسير في جانب المعتقد وينصح به لجميع طلبة العلم سواء منهم المبتدى أو المتوسط أو المنتهي لما فيه من الفوائد ولما فيه من النفائس بل إنني انصح نفسي وانصح إخواني بتكرار النظر في هذا التفسير فلا تمر عليك سنة إلا وتقرا هذا التفسير مرة بعد مرة حتى تترسخ في ذهنك هذه المعاني التي كررها الشيخ رحمة الله عليه في كتابه هذا والحق أن الحديث عن تفسيره والقراءة في تفسيره حديث ذو شجون إلا أننا نكتفي بما ذكرنا فيما يتعلق بمنهجه​


طبعات التفسير:
فالتفسير قد طبع أول ماطبع طبع جزء منه فطبع من سورة الكهف إلى سورة النمل ولم يطبع كاملاً ثم بعد ذلك أرسل الشيخ رحمه الله الكتاب كاملاً فطبع أول ماطبع في مصر وقد تحدث المحقق الشيخ سعد الصميل حفظه الله عن الطبعات فقال أول طبعة سلفية سنة 1377 هجرية معتمدة نشرتها هذه الطبعة أو نشرت هذه النسخة عن النسخة التي أرسلها الشيخ السعدي رحمه الله وهذه الطبعة هي أجود طبعات التفسير القديمة طبعت عام 1377 بمعنى أنها ماصدرت إلا بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه .
ثم طبعت الطبعة السعيدية عام1397 هجرية وكانت بتصحيح وضبط محمد زهري النجار من علماء الأزهر الشريف ، وقد اعتمد فيها على الطبعة السلفية السابقة .
و قد ذكر المحقق هنا الشيخ سعد الصغير الصميل ذكر الملحوظات على هذه الطبعة، ثم طبع طبعة ثالثة في مؤسسة الرسالة بتحقيق وعناية الدكتور عبد الرحمن بن معلى اللويحي حفظه الله وهذه الطبعة تعتبر من أحسن طبعات هذا التفسير وقد خرجت في مجلد واحد لطيف وبخط دقيق، ثم جاءت هذه الطبعة الأخيرة وهي الطبعة الرابعة للكتاب بتحقيق أو اعتنى به سعد بن فواز الصميل وصدر عن دار بن الجوزي عام 1425 هجرية، وهذه الطبعة طبعة جيدة وكذلك طبعة الدكتور عبد الرحمن اللويحي طبعة جيدة وكلاهما قد أجاد وأفاد فجزاهم الله خيراً.
عنوان الكتاب كما تقدم معنا هو تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان​


إلا أن هذا هو الاسم الذي اشتهر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمة واسعة
هذا التفسير كتب الله له القبول في زماننا هذا وهو يقرا الآن في إذاعة القران الكريم في المملكة العربية السعودية كل يوم يقرأ منه جزء ويفسر و يقرأ من القران الكريم ثم يقرأ من تفسير الشيخ السعدي التفسير فكتب الله له الذيوع والقبول والانتشار وهذا والله اعلم لصدق نيته وإخلاصه هذا مانحسبه والله حسيبه
ونسال الله سبحانه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتغمده برحمته وان يجزل له الثواب على هذا المؤلف النفيس تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان فقد كان رحمه الله ممن سعوا في نشر ثقافة تدبر القران الكريم وانتفع به طلابه انتفاعا عظيما وتأملوا في تلميذه محمد بن صالح بن عثيمين فقد استفاد فائدة عظيمة من شيخه في هذا الجانب وهو جانب التدبر فجاء تفسير الشيخ محمد بن صالح العثيمين أوسع في جانب التدبر من تفسير شيخه ولو أتم الشيخ ابن عثيمين تفسيره لكان تفسيراً قيما
أسال الله أن يجمعنا بهم في جنات النعيم وان يوفقنا لانتفاع بعلومهم وان ينفعنا وإياكم والإخوة المشاهدون بكتابه وبعلوم كتابه.​
 
لمقاتل بن سليمان الأسدي
سلسلة أهل التفسير
رقم الشريط 21​


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم نعود إلى القرن الأول وبداية القرن الثاني ، ونتحدث فيه عن تفسير مهم من التفاسير التي حفظت لنا وبقيت مخطوطة شبه مفقودة فترة طويلة من الزمان ثم عثر عليها ولله الحمد مؤخراً وطبعت .
وتذكرون أنني ذكرت لكم تفسير يحيى بن سلام البصري رحمه الله المتوفى سنة 200 من الهجرة ، وقلت لكم إن هدا التفسير يمثل نقطة أو نقطة وصل بين تفاسير أتباع التابعين وبين تفسير محمد بن جرير الطبري ، وأن تفسير محمد بن جرير الطبري كان يمثل رأساً في مدرسته إلا أن العلماء كانوا يرون أنه قد انتقل نقلة نوعية في التفسير للقران الكريم فلما عثر على تفسير يحيى بن سلام تبين أنه كان مرحلة سابقة ممهدة لكتابة تفسير الإمام الطبري رحمه الله .
اليوم معنا تفسير لمقاتل بن سليمان الأسدي
مقاتل بن سليمان يعدّ في طبقة أتباع التابعين لأنه قد ولد تقريبا في حوالي سنة 75 هجرية ، من سنة 75 إلى سنة 80 من الهجرة تقديراً فهو قد أدرك زمان بعض الصحابة إلا أنه لم يلقهم وإنما أدرك التابعين ولذلك فهو يعد في طبقة أتباع التابعين من أهل التفسير .
ولد مقاتل بن سليمان بن بشير البلخي في مدينة بلخ ، وهي مدينة مهمة من مدن خراسان ، وتعد مدينة بلخ من المدن التاريخية الشهيرة لأنه قد تعاقب عليها كثيرٌ من الديانات ، فقد وجدت بها الديانة البوذية والديانة الزراديشية والديانة المسيحية والنصرانية النصتورية بالذات ووجد فيها أيضاً أديان الإغريق ، فكانت هذه المدينة مجمعاً لكثير من الديانات وبها معابد لهذه الديانات السماوية وغير السماوية وبها معبد النوبهار المشهور عند الفرس والذي كان جد البرامكة قيماً على هذا المعبد والذين أصبحوا بعد دخولهم في الإسلام وزراء في عهد الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد رحمه الله تعالى.​


فنشأ مقاتل بن سليمان بن بشير البلخي في هذه المدينة وتأثر بهذه الأجواء المحيطة في هذه المدينة التاريخية .
ولد في السنة 75 بعد الهجرة وعاش أول حياته في مدينة بلخ وبدأ في طلب العلم في مدينة بلخ .
وتميز مقاتل بن سليمان بالذكاء والحفظ ولذلك ظهر نبوغه مبكراً وأصبح مرجعاً لطلبة العلم في علم التفسير خاصة ، ولذلك أثنى عليه كثير من المتقدمين في علم التفسير مثل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من العلماء فإنهم قد أثنوا على تفسيره ثناءً عاطرا ولذلك يقول الإمام الشافعي : الناس في التفسير عيال على مقاتل بن سليمان ، ويقصد الإمام الشافعي أن من أراد التخصص والتميز في التفسير والتوسع فيه في زمانه فهو عالة على مقاتل بن سليمان في كتابه في التفسير .
مقاتل بن سليمان متقدم الولادة وقد أخذ عن كثير من التابعين ، فقد روى في كتابه عن مجاهد بن جبر ، ومجاهد بن جبر هو تلميذ بن عباس رضي الله عنهم أجمعين متوفى مجاهد بن جبر سنة 104من الهجرة.
وأيضاً روى عن الضحاك بن مزاحم الهلالي المتوفى سنة 105من للهجرة وهو من تلامذة بن عباس أيضاً ، وعطية المتوفى سنة 111 للهجرة وزيد بن اسلم المتوفى سنة 136 من الهجرة وفي سماعه من مجاهد ومن الضحاك بن مزاحم الهلالي كلام كثير للعلماء منهم من ينفيه ومنهم من يثبته و إن كان هو يروي عنهم في تفسيره وقد روى عنه من العلماء سفيان بن عيينة المتوفى سنة 1790 للهجرية وعبد الصمد بن الوارث والهذيل بن حبيب وغيرهم من العلماء .
مقاتل بن سليمان من أهم الأحداث في سيرته أو في ترجمته أنه اتهم بالقول بالتجسيم وأنه كان يجسم الله سبحانه وتعالى ويقول إن الله سبحانه وتعالى من لحم ودم هذا القول قد نسب إليه ولذلك يقول أبو حنيفة رحمه الله : جاءنا من المشرق رأيان خبيثان وأبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله كان معاصراً لمقاتل بن سليمان فهو قد ولد سنة 80 من الهجرة وتوفي سنة 150 وهو أشبه ما يكون كأنه في سن مقاتل تماماً ولادةً ووفاةً ، فيقول : أتانا من المشرق رأيان خبيثان أي هو كان من أهل الكوفة النعمان بن ثابت أبو حنيفة كان من أهل الكوفة يقول: جاءنا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل ومقاتل مشبه وهو يقصد بجهم جهم بن صفوان المتوفى سنة 128 هجرية ومقاتل مقاتل بن سليمان المتوفى سنة 150 من الهجرة ، مقاتل بن سليمان كان يكثر من مجادلة جهم بن صفوان ، جهم بن صفوان كان مبالغاً في نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى واليه ينسب الجهمية نفات الصفات و معطلة الصفات وكان مقاتل بن سليمان في مقابلة ذلك يبالغ في التجسيم وفي الإثبات حتى اتهم بالقول بالتجسيم ، وإن كان في تفسيره لا يظهر أي أثر لهذه التهمة في تفسيره ولذلك نفى كثير من الباحثين هذه التهمة عن مقاتل بن سليمان البلخي رحمه الله .
وقد سأل الخليفة مقاتلاً عن قوله بالتجسيم بعد أن اشتهر عنه ذلك فقال مقاتل: إنما أقول : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)​


فمن قال غير ذلك فقد كذب ، وهو مصيب في هذا ، والذي يظهر والله أعلم أنه في المبالغة في الرد على الجهمية و على جهم بالذات قد جعلته يقول بالتجسيم إن كان قاله في غير كتابه أو قد جعل كثير من المترجمين له يتهمونه بذلك والله أعلم .
ويمكن للباحث أن يتتبع تفسير مقاتل بن سليمان ليتحقق من مثل هذه التهمة فهي لم تظهر .
ومن الصفات التي امتاز بها مقاتل بن سليمان :
أنه كان فيه جرأة على ادعاء العلم الواسع ، هو كان عالماً لا شك في ذلك ولاسيما في التفسير ، إلا أنه كان فيه جرأة على ادعاء العلم ولذلك حفظ عنه في أكثر من موقف أنه قال : سلوني عما دون العرش ولذلك في حلقة من الحلقات عندما كان في مكة المكرمة ولعله في موسم من مواسم الحج كان في مجلس من المجالس فقال : سلوني عما دون العرش بمعنى يظهر سعة علمه و معرفته فقام قيس القياس أحد الجالسين فقال من هو الذي حلق رأس آدم عندما حج فسكت مقاتل وقال لا أعلم ، فقال :هذا مما دون العرش .
وروي أن بعضهم قال له : أين أمعاء النملة فسكت ولم يحر جواباً وأيضاً حفظ عنه أنه قال مثل هذا القول في بيروت عندما زارها وكان الإمام الأوزاعي رحمه الله في الحلقة التي سأل فيها هذا السؤال مقاتل بن سليمان فقال ، الأوزاعي لأحد من كان بجانبه سله ما ميراثه من جدته ؟؟ فسأله فلم يعرف الجواب .
فهذه من المؤاخذات التي كان يؤاخذ عليها مقاتل بن سليمان أنه كان جريئاً في ادعاء العلم .
والمرء مهما بلغ علمه فهو يبقى محدود العلم وقليل العلم بجانب العلم وبجانب سعة العلم فهذه من الصفات .
من الأمور التي تذكر في ترجمة مقاتل بن سليمان:
هو أنه ممن اتهم بالكذب في رواية الحديث ولذلك فروايته للأحاديث غير موثوق بها وهي مردودة ، وهذه من مسالب مقاتل بن سليمان البلخي أنه كان متهماً بالكذب في روايته للأحاديث ويقال : أن أول ما علم عنه أو أول ما وصف بالكذب أنه جاءه رجل قال له : أنني قد سئلت عن لون كلب أصحاب الكهف فلم أعرف الجواب فقال له مقاتل بن سليمان ، هلا قلت أن لونه كان أبقعا لو قلت ذلك ما استطاع أحد أن يرد عليك ، فقال العلماء فهذا أول ما حفظ عنه من الكذب فكان مقاتل يقول : لو كنت قلت للسائل الذي سألك عن لون أصحاب الكهف كان لونه أبقعا أو ما شئت من الألوان فإنه لن يستطيع أحد أن يرد عليك .
فهذا في الحقيقة من مسائل العلم التي لا فائدة منها ولم يرد دليل صحيح عليها .
فمقاتل بن سليمان في رواية الحديث ضعيف الرواية متهم بالكذب وغير مقبول الرواية ، وأما في التفسير فهو إمام فيه ولا سيما التفسير بالدراية ومعرفة اللغة ومعرفة التفسير فهو سابق غير مسبوق في هذا وشاهده هو كتابه في التفسير .
أين صنف مقاتل بن سليمان كتابه في التفسير؟
صنف مقاتل بن سليمان تفسيره هذا في مدينة مرو وهو شاب مكتمل الشباب وقد وصل تفسيره إلى البصرة في حياته قبل رحيله إليه ، فمقاتل بن سليمان رحمه الله ولد في بلخ إلا انه طلب العلم وبدا في طلب العلم ثم انتقل من بلخ إلى مدينة مرو الشاهجان ، ومدينة مرو الشاهجيان هي أكبر بلاد خراسان في زمان مقاتل بن سليمان فأقام بها وتزوج بها ونبغ في العلم في مدينة مرو وطار صيته في البلاد ، ثم رحل بعد ذلك من مرو إلى مدينة البصرة فاستقر في البصرة وزار بغداد في أثناء ذلك ثم عاد إلى البصرة وبقي في البصرة حتى توفي رحمه الله سنة 150 من الهجرة وقد ولد سنة 80 أو 75 من الهجرة وتوفي سنة 150 من الهجرة رحمه الله تعالى .
منهج مقاتل في تفسيره :
طبعاً تفسير مقاتل عنوانه التفسير الكبير يسمونه التفسير الكبير وإن كان قد اشتهر بأنه تفسير مقاتل بن سليمان في هذا الاسم
منهج مقاتل في تفسيره :
أولاً : جمع فيه مقتل بين الرواية والدراية فهو ينقل تفاسير السلف من الصحابة والتابعين ويضيف إليها رأيه وقوله أيضاً ، وقد ذكر في مقدمة تفسيره من روى عنه التفسير من الصحابة وقد سردهم سرداً دون بيان لمّا أخذه عن كل واحد بمفرده ، ولذلك عيبت عليه هذه الطريقة وانتقد في منهجه هذا .
قال راوي تفسيره أبو صالح الهذيل بن حبيب وهو يروي تفسير مقاتل عن مقاتل بن سليمان قال مقاتل بن سليمان عن ثلاثين رجلاً منهم 12 عشر رجلا من التابعين منهم من زاد على صاحبه الحرف ومنهم من وافق صاحبه في التفسير ، فمن الإثني عشر عطاء بن أبي رباح وهو من التابعين وهو من تلامذة بن عباس والضحاك بن مزاحم ونافع مولى بن عمر وبن شهاب الزهري ومحمد بن سيرين وبن أبي مليكة وشهر بن حوشب وعكرمة وعطية العوفي والكوفي والشعبي ومحمد بن علي بن الحسين بن علي ومن بعد هؤلاء قتادة بن دعامة السدوسي ونظراؤه حتى ألفت هذا الكتاب .
قال عبد الخالق بن حسن وهو من رواة تفسير مقاتل بن سليمان : وجدت على ظهر كتاب عبيد الله بن ثابت عن أبيه تمام الثلاثين الذين أخذ عنهم سوى من سمينا قتادة بن دعامة وسليمان بن مهران الأعمش وحماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد وابن طاووس اليماني وعبد الكريم وعبد القدوس صاحبي الحسن وأبو روق وابن أبي نجيح وليث بن سليم وأيوب وعمر بن دينار والى أن ذكر سفيان الثوري.
ثم قال أبو محمد قال أبي فقلت لأبي صالح لمّ كتب عن سفيان ؟ وتقدم معنا أن سفيان ممن أخذ عن مقاتل قال وهو اكبر منه فقال : لأن مقاتل عمّر فكتب عن الصغار و الكبار فقال أبو محمد قال أبي : قال أبو صالح : بذلك اخبرني مقاتل.
وفي قول أبي محمد هنا أو في قول أبي صالح أن مقاتل قد عمّر دليل على أنه قد عاش عمراً طويلاً ، فإذا كان توفي سنة 150 من الهجرة باتفاق المؤرخين الذين ترجموا له فنحن قد قلنا ولد سنة 75 تقدير ا فيكون عمره عندما توفي 75 عاما ، وإلا فالمعمر في الحقيقة منه من عاش إلى 80 و85 و90 فربما يكون قد ولد في سنة 60 من الهجرة أو سنة 65 من الهجرة حتى يصدق فيه أنه قد عمر رحمه الله تعالى .
ويظهر من أسماء هؤلاء الذين روى عنهم مقاتل بن سليمان أنه قد أخذ عن بعضهم التفسير وقد اخذ عن بعضهم الحديث وربما روى عن بعضهم أحاديث في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا من مميزات تفسير مقاتل بن سليمان انه جمع فيه بين الرواية والدراية.
أيضاً من مميزات تفسيره و منهجه فيه أنه فسر فيه القران بالقران وهذه الميزة في تفسير مقاتل بن سليمان من أظهر ما يكون ، فقد عنيّ عناية بالغة بتفسير القران بالقران ، وأنا أقول لو بحث باحث من الباحثين تفسير القران بالقران عند مقاتل بن سليمان لكان بحثاً ضافيا ولا أعلم أحد كتب في هذا الموضوع مع أهميته ومع تقدم مقاتل بن سليمان .
ونحن نقول أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأن بن كثير من المتأخرين كما تقدم معنا في تفسيره عند ما عرضناه ، وقلنا أن من أهم مميزات تفسير بن كثير انه فسر القران بالقران وعني به على قلة احتفال المتقدم به لكن عندما تراجع تفسير مقاتل بن سليمان وتقرا فيه تجد أنه من أكثر العلماء عناية بتفسير القران بالقران مع تقدمه فدراسة هذا الموضوع فيه من أهم ما يكون .
أيضاً من مميزات تفسير مقاتل بن سليمان انه بيّن فيه كليات ألفاظ القران الكريم وقد أحصى الدكتور عبد الله محمود شحاته له في تفسيره عدد الكليات التي فسرها ورتبها على الحروف فمقاتل بن سليمان كلما مر بلفظة هي من الكليات القرآنية فانه ينص على أن هذه اللفظة من الكليات وأن كل كلمة ترد بهذه المعنى فهي بمعنى كذا وكذا وله كتابه المعروف الأشباه والنظائر قد تتبع فيه أيضاً هذه المسالة .
من منهجية مقاتل بن سليمان أن روايته للأحاديث والآثار كما تقدم معنا غير موثوق بها عند أهل الحديث لأنه يحذف الأسانيد ولذلك اختلط المقبول من الروايات في تفسيره بالمردود فهو يروي أحاديث هي في الصحيحين ومن الأحاديث المشهورة المعروفة بالصحة ولكنه يروي أحاديث معروفة بالوضع والاختلاق ، غير أن هذه اختلطت بهذه فتحتاج إلى تخريج وتحتاج إلى تمييز ويحتاج القارئ في تفسير مقاتل أن يكون على حذر منها .
أيضا أورد مقاتل بن سليمان روايات إسرائيلية في تفسيره في مواضع متفرقة من قصص الأنبياء والأمم السابقة وهو في الحقيقة ليس بدعا في صنيعه هذا بين المفسرين ، وقد تقدم معنا أن المفسرين من الصحابة ومن التابعين وممن بعدهم كانوا يذكرون الإسرائيليات في كتب التفسير ، وقد تقدم معنا أن لإيراد الإسرائيليات ضوابط معروفة عند المفسرين فلا ضير في ذلك .
يعتبر تفسير مقاتل بن سليمان الذي بين أيدينا أول تفسير كامل للقران الكريم يصل إلينا حيث كان من سبقه من المفسرين يفسرون بعض آيات من القران الكريم ولا يشملون جميع آيات القران الكريم ، ويعدّ تفسير مقاتل هو أول تفسير كامل للقران الكريم وصل إلينا ثم جاء بعده من ذكرنا وهو تفسير يحيى بن سلام ثم جاء بعده بقية المفسرين .
كان مقاتل بن سليمان يعنّى بذكر مقاصد القران الكريم وبيانها وله في ذلك كلام جيد في كثير من السور .
أيضاً من مميزات تفسير مقاتل بن سليمان سهولة عبارته ووضوحها فكأنه على تقدم زمانه كان هذا التفسير من التفسيرات المعاصرة المختصرة لسهولة عبارته ووضوحها فهو يصلح مع أهميته لطلب العلم المتقدمين والمتخصصين لتقدم لمؤلفه وإمامته في باب التفسير إلا انه أيضاً يصلح لعامة الناس لأنهم يقرؤون فيه كلاما واضحاً سهلاً وعبارة واضحة دون الدخول في الخلافيات والتعقيدات في خلافات العلماء .
فهو أشبه ما يكون بالمختصرات في زمانهم .
أيضاً شخصية مقاتل بن سليمان ظاهرة في هذا التفسير فهو ينقد ويرد ويبين ضعف بعض الأقوال وتميز بعض الأقوال ويختار فيها ويرجح .
أيضاً من الملاحظ في تفسير مقاتل بن سليمان المطبوع أن الراوي للتفسير يتدخل في صلب التفسير أحيانا فيضيف أشياء ليست من تفسير مقاتل بن سيلمان ، وقد ذكر راوي التفسير الهذيل بن حبيب بعض الآثار المتعلقة بالقران وتفسيره من طريق مقاتل ومن طريق غيره ومن ذلك ما ورد في قوله حدثنا عبيد الله قال وحدثني أبي عن الهذيل عن صيّفي بن سالم عن عبيد عن الحسن في قوله : أَكَادُ أُخْفِيهَا(15)​


قال أخفيها من نفسي قال هذيل : ولم اسمع مقاتلا يعني لم اسمع هذا التفسير من مقاتل مع انه أورد هذا القول في تفسير مقاتل.
وأيضا قد تجد بعض الأقوال في تفسير مقاتل منسوبة إلى أبي العباس ثعلب أو غيره من النحويين مع أن أبي العباس متأخر وقد ولد بعد موت مقاتل بن سليمان بدهور ولذلك قال أبو محمد قال أبو العباس ثعلب قال الفراء وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)الأنبياء
فهذا أيضاً من تدخل رواة هذا التفسير فيما بعد
أيضاً قلة الأحاديث والآثار في تفسير مقاتل ، نحن قلنا أنه غير موثوق به في رواية الأحاديث والآثار إلا أنه على هذا مقل جداً من ذكر الأحاديث والآثار ولذلك يعتبر هذا مما يعزي من يعلم أن مقاتل كان ضعيفا في الرواية نقول له : الآيات والتفسير قليلة فلا عليك .
أيضاً من مميزات هذا التفسير كما تقدم أنه تفسير كامل للقران الكريم ففسر فيه القران الكريم آية آية ولذلك يذكرون في بعض تراجمه أنه لمّا رأى الضحاك بن مزاحم تفسير مقاتل عابه بأنه فسر القران آية آية .
طبعاً إذا سلمنا بأنه قد صنف تفسيره في حياة الضحاك بن مزاحم لكن يقولون أنه عاب عليه أنه فسر القران آية آية وكأن منهج المفسرون في ذلك الوقت أنهم يفسرون ما يشكل أو ما يستغرب من آيات القران الكريم دون سائر آيات القران الكريم لأنها ظاهرة وواضحة كما في صنيع أبي عبيدة معمر بن المثنى وأصحاب كتب المعاني ومجاهد بن جبر من قبلهم .
مبهمات القران الكريم عني بها مقاتل بن سليمان أيضاً بكتابه التفسير فكان يعنى ببيان المبهمات مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة طه :
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38)
فقال مقاتل بن سليمان : واسمها يوخاند يشير إلى أم موسى عليه الصلاة والسلام .
أيضاً من مميزات تفسير مقاتل سليمان عنايته بأسباب النزول وبمن نزل فيه الخطاب فيذكر أن هذه الآيات نزلت في فلان أو قال فلان كذا فنزلت هذه الآية ومن ذلك ما ذكره في تفسير قوله تعالى :
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
قال : يعني عن إيمان بالقران نزلت في الأسود بن عبد الأسود المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر على الحوض كما في تفسير مقاتل
وفي قوله تعالى :
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) الحج​


قال نزلت في النضر بن حارث القرشي وأمه اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي.
فهو يذكر في الكتاب أسباب النزول ويعنى بها
والكتاب كتاب قيم وبحاجة إلى عناية ودراسة لمنهجه ، وقد قام الدكتور عبد الله محمود شحاته بتحقيق الكتاب في رسالته للدكتوراه وخرج الكتاب مطبوعا ثلاث مرات :
الطبعة الأولى : شبه مفقودة الآن طبع منه مجلد واحد وهي طبعة جيدة إلا أنها غير موجودة الآن .
الطبعة الثانية : طبعتها دار إحياء التراث في خمسة مجلدات وهي هذه الطبعة ولكن يعيب هذه الطبعة أنها قد بالغت في نقل النص القران الكريم .
فمثلا في سورة البقرة كتبوا سورة البقرة كاملة في عشرات الصفحات ثم ذكروا التفسير بعدها ، أيضا الآيات مكتوبة فيه مرة أخرى ولذلك ضخم هذا الكتاب في خمسة مجلدات وكان حقه أن يخرج فيما دون ذلك.
ثم طبع طبعة أخرى في دار الكتب العلمية في ثلاثة مجلدات وهي طبعة جيدة لكنها خالية من التحقيق العلمي فطبعة الدكتور عبد الله شحاته جيدة من حيث التحقيق إلى حد ما ، وان كنت أرى أن هذا التفسير في حاجة ماسة إلى أن يعاد تحقيقه.
ثم إن الدكتور عبد الله شحاته رحمه الله وغفر له ظن بهذا التفسير ولم يطبعه إلا مؤخرا ثم طبعته كانت نادرة الوجود ثم قال في مقدمة هذا التفسير أنني قد اعتمدت على 6 نسخ في تحقيقي لهذا الكتاب وقد جعلت الدراسة في مجلد مستقل بعد أن يطبع الكتاب ثم لم يطبع الدراسة عن هذا الكتاب ولذلك الدراسة أيضاً غير موجودة ، ولذلك فإنني أنصح الباحثين بدراسة هذا التفسير ودراسة منهج مقاتل بن سليمان فيه لأنه من التفاسير المهمة ، ولأنه أول تفسير للقران الكريم وصل إلينا ولما فيه من العلم والصنعة التفسيرية التي تميز بها مقاتل بن سليمان البلخي رحمه الله .
ومقاتل بن سليمان له كتاب آخر اسمه الأشباه والنظائر في القران الكريم وحققه أيضاً الدكتور عبد الله شحاته وطبع في الهيئة العامة المصرية .
وله مؤلفات أخرى مثل نوادر التفسير والناسخ والمنسوخ والرد على القدرية وهي كلها مفقودة وله كتاب اسمه تفسير خمس مائة آية من آيات القران الكريم أيضاً وعد الدكتور عبد الله شحاته أن يحققه لكنه لم يحققه .
فتفسير مقاتل بن سليمان البلخي إذا يعدّ أول تفسير كامل للقران الكريم وصل إلينا ومؤلفه هو مقاتل بن سليمان بن بشير البلخي الأسدي الخرساني المروزي المولود تقريبا سنة 75 من الهجرة والمتوفى سنة 150 للهجرة وهذا الكتاب يعتبر من أهم كتب التفسير المتقدمة قد اعتمد عليه من جاء بعده وقد أثنى العلماء على علمه بالتفسير ولاسيما في جانب الدراية فعلى طالب العلم أن يستفيد من هذا التفسير وأن يقرأ فيه ولاسيما طالب العلم المتمكن المتقدم المتخصص في التفسير ، فإن هذا الكتاب فيه أيضاً تدريب على الملكة التفسيرية ومعرفة لكيف كان العلماء المتقدمون يكتبون التفسير ويفهمون آيات القران الكريم ولماذا وصف مقاتل بن سليمان بان الناس عيال عليه في التفسير .
رحم الله مقاتل بن سليمان وعفا عنا وعنه وغفر له وأسال الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بكتابه تفسير القران لمقاتل بن سليمان .​
 

شهاب الدين محمد بن الألوسي
الحلقة 22​


بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا بكم في برنامجكم أهل التفسير​


معنا اليوم مفسر من المفسرين المتأخرين من أهل العراق وهو العلامة شهاب الدين محمود بن الحسيني الألوسي البغدادي .
عنوان تفسيره "" روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني "" والذي سماه بهذا الاسم ليس مؤلفه وإنما بعد أن أتم المؤلف تصنيف الكتاب تحيّر في تسمية هذا الكتاب فذهب إلى رئيس الوزراء في زمانه علي رضا باشا وتحدث في العنوان المناسب لهذا التفسير فسماه علي رضا باشا مباشرة روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني فاستحسن الألوسي هذه التسمية ومعنى هذا أن التسمية بهذا الاسم جاءت بعد الانتهاء من التأليف وأنه ليس المؤلف هو الذي سماه ولكنه ارتضى هذا الاسم والمقصود بالسبع المثاني في أقوال كثير من العلماء الفاتحة وان كان الألوسي أيضاً يرى أن التسمية السبع الطوال من القران الكريم بالسبع المثاني قول له وجهته أيضا وهذا العنوان مأخوذ من قوله تعالى في سورة الحجر "" وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)""
مؤلف هذا التفسير هو شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي البغدادي والألوسي نسبة إلى ألوس وهي قرية على نهر الفرات وهي موطن أجداده وعلماء هذه الأسرة كثيرون , الألوسيون في بغداد أسرة كبيرة وعلماؤها كثيرون فمؤلف التفسير محمود بن عبد الله عالم وابنه وحفيده من العلماء الكبار ولذلك يقال للمفسر الذي معنا في هذه الحلقة يقال له ""الألوسي الكبير ""
ولد محمود الألوسي رحمه الله في بغداد سنة 1217 من الهجرة وتوفي بها سنة 1270 من الهجرة رحمه الله رحمة واسعة ودفن بالكرخ من ضواحي مدينة بغداد مدينة السلام ردها الله وكفاها شر الأعداء .
وقد عاش الألوسي رحمه الله 53 سنة فقط وهي على قصرها حافلة بالعلم والتحقيق والتألف .​


سبب تأليفه لهذا التفسير الذي نتحدث عنه في هذه الحلقة أن شاء الله هي رؤيا رآها وتذكرون أنا قلنا في ترجمة الإمام الطبري رحمه الله أن والده قد رأى رؤيا في صغره لما أولها له المعبرون قال له إن ابنك يذب عن سنة النبي ويكون عالم من العلماء فعنيّ بابنه منذ ذلك الوقت .
الإمام الألوسي رحمه الله رأى رؤيا أيضاً قال انه رآها في إحدى ليالي الجمعة من شهر رجب عام 1252 للهجرة يقول أنه رأى أن الله أمره بطي السموات والأرض ورتق فتقهما على الطول والعرض فرفع يداً إلى السماء وخفض أخرى إلى مستقر الماء ثم انتبه من نومته تجدون هذا في مقدمة تفسيره .
تطلّب الألوسي تفسيراً لهذه الرؤيا فوجد في كتاب من كتب تعبير الرؤى أن تأويلها أنه يصنف تفسيراً للقران وكان من قبل رؤيته لهذه الرؤيا يحدث نفسه بتصنيف كتاب في التفسير فلما رأى هذه الرؤيا وقرأ تأويلها عقد العزم وتوكل على الله وشرع في تصنيف الكتاب .​




متى بدأتصنيفه لهذا الكتاب ؟؟
قلنا أنه رأى رؤيا في ليلة من ليالي الجعة في منتصف شهر رجب بدأ في تأليف الكتاب يوم 16//8//1252 أي بعد هذه الرؤيا بما يقارب الشهر أو أقل وهذا دليل على علو همة الإمام الألوسي و مبادرته إلى جلائل الأعمال وعدم تسويفه وهو درس لطالب العلم الجاد أن لا يؤجل أعماله العلمية وقراءته وبحثه فان للزمان قواطع وصوارف تنسي وتصرف رحم الله أبا الحسن التهامي عندما قال :
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ***** أنْ تُسترد فإنهن عوار
وكان عمر الألوسي عندما بدأ بتصنيف تفسيره 34 سنة وكان الخليفة العثماني محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان هو الخليفة في ذلك الوقت فبعد أن انتهى الألوسي من تصنيفه سافر إلى الأستان عاصمة الخلافة العثمانية واهده إلى الخليفة العثماني ويذكرون انه لم يستطع أن يصل إليه فلقي المفتي .
الألوسي محمود كان عالماً كبيراً وكان إمام عصره في العراق فقهاً وعلماً وأدباً انكب على الدرس والتحصيل منذ نعومة أظفاره على يد والده وهو غير العلامة المصلح و مجدد الإسلام محمود شكري الألوسي المتأخر ولمّا نبغ محمود الألوسي وظهر تضلعه في العلم وشاع خبر نبوغه العلمي في العلوم الإسلامية والعربية نصب نفسه للتدريس وجلس في مجلس التدريس فتوافد عليه طلبة العلم من أنحاء العراق ومن خارجه ولذلك انتهت إليه رئاسة الفقه والإفتاء في عهده في العراق فتقلد منصب الإفتاء على المذهب الحنفي لتميزه وتمكنه من العلم وقد كتب الإمام الألوسي كثيراً من الكتب كتب في أنواع كثيرة وكتب في الرحلة وكتب في المقامة وكتب في مختلف الأبحاث الأدبية والكلامية وانكب على التفسير بعد الاهتمام به منذ صباه وولعه به بالإسهام فيه منذ وقت مبكر ثم بعد الرؤيا التي رآها شرع في تفسير كتابه هذا روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني .
ويعدّ محمود الألوسي من المفسرين المتأخرين في القرن الثالث عشر الهجري وهذا التأخر الزمني مكنّه من الإطلاع الواسع والتعمق الكبير على تراث المتقدمين من العلماء في التفسير وفي علوم القران فتهيأ له أن يستوعب آراء المتقدمين ويقطف ثمار الاجتهادات والآراء السديدة ويوازن ويستقي منها الأقوى والأصح في كل باب من أبواب تلك العلوم وقد كتب مقدمة بديعة لتفسيره سوف يأتي الحديث عنها .
ولذلك يقول الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله في كتابه تفسير المفسرون عندما جاء الحديث عن هذا الكتاب قال : "" إن هذا التفسير والحق يقال قد افرغ فيه مؤلفه وسعه وبذل مجهوده حتى أخرجه للناس كتاباً جامعاً لآراء السلف رواية ودراية مشتملاً على أقوال العلماء بكل أمانة وعناية فهو جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير "" انتهى كلام الذهبي
كتب الإمام الألوسي مقدمة حافلة لكتابه في التفسير وأطال فيها اشتملت هذه المقدمة على الثناء على علم التفسير وجدارته بان تصرف إليه عناية طالب العلم ثم ذكر سبب تأليفه للتفسير وتسميته وزمن بدء التصنيف وذكر الرؤيا التي تقدم الحديث عنها.
ثم أتبع ذلك بمقدمات سماها فوائد وهي سبع فوائد :
الفائدة الأولى : تكلم فيها عن معنى التفسير والتأويل وبيان الحاجة إلى هذا العلم وشرفه .
الفائدة الثانية : ذكر فيها ما يحتاجه المفسر أو ما يحتاجه التفسير ومعنى التفسير بالرأي ثم تكلم عن مسألة مهمة وهي حكم كلام السادة الصوفية في القرآن .
الفائدة الثالثة : تكلم فيها عن أسماء القران الكريم ذكر فيها أن أسماء القران كلها التي ذكرها العلماء ترجع إلى اسمين هما القرآن والفرقان وأطال في ذلك من كلام من كلام أهل التصوف لا طائل من وراءه .
الفائدة الرابعة : تكلم فيها في تحقيق أن القران كلام الله غير مخلوق وقد تحدث فيه بحديث مفصل زعم انه لم يسبق إليه في تحقيق هذه المسالة العلمية وشنع فيه على أئمة السنة في كلام لا طائل من وراءه وفيه عجب ما كان لمثل الإمام الألوسي أن يذكره ولكن والله اعلم ثورة الشباب فهو قد صنفه وهو في الثلاثينات من عمره رحمه الله عليه .
الفائدة الخامسة : في بيان معنى الأحرف السبعة التي نزل بها القران الكريم .
الفائدة السادسة : في جمع القران وترتيبه
الفائدة السابعة: في بيان وجه إعجاز القران الكريم وهو والوجه الذي رأى هو أن إعجاز القران الكريم يكمن فيه قال بلاغته ونظمه وإخباره بالغيب وموافقته للعقل ودقة معانيه وقد يظهر هذا كله في آية واحدة وقد يظهر بعضها ويختفي بعضها وهكذا
ثم بدأ بعد ذلك بعد أن أنهى هذه المقدمة وهذه الفوائد السبع بدا في تفسير سورة الفاتحة فأطال جدا في تفسيرها وفي تفسير البسملة .​


منهجه في التفسير :
بصفة عامة منهج الألوسي في التفسير هو المنهج الجامع الشامل لكل مناحي التفسير من لغة وبيان ورواية ودراية وتأويل وتفسير واستعراض للآراء المختلفة في التفسير والتعقيب عليها بالتفنيد أو القبول أو الترجيح والموازنة فيجد فيه القارئ طلبه في العلوم القرآنية كلها من قراءات وأحكام وإعجاز وتأويل وقصص وتاريخ وكونيات ونقول من مختلف التفاسير
فإن نقل عن أبي السعود العمادي مثلاً نقل منه باسم شيخ الإسلام قال شيخ الإسلام إذا قال الألوسي به روح المعاني قال شيخ الإسلام فهو يعني أبا السعود العماري صاحب كتاب إرشاد العقل السليم وإذا نقل عن البيضاوي من تفسير أنوار التنزيل قال قال القاضي وإذا نقل عن الرازي من كتابه مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير قال قال الإمام أما بقية العلماء فهو يذكرهم بأسمائهم .
يبدأ في تفسيره بذكر مكان نزول السورة وهل هي مكية أو مدنية ثم يذكر أسماء السورة وفضائلها ويعنى بذلك ثم يذكر بيان مناسبات السور والآيات ومقاصد السور والإمام الألوسي في كتابه روح المعاني من المفسرين الذين عنوا عناية كبيرة ببيان المناسبات بين السور بعضها مع بعض وبين الآيات بعضها مع بعض أو بين مقاطع الآيات فيذكر في سورة البقرة مناسبة مجيء البقرة بعد الفاتحة وهكذا وهكذا إلى نهاية القران وقد جمع احد الباحثين وهو زميلنا أخونا الدكتور الفاضل بن صالح الشهري المناسبات في تفسير الألوسي في بحث جمع فيه كل ما قاله الإمام الألوسي في مناسباته بين الآيات وبين السور وقد اعتمد في بيانه بالمناسبات بين الآيات وبين السور على كتاب الإمام السيوطي تناسق الدرر في تناسب الآيات والسور ويعدّ هذا جانب من جوانب التفسير الموضوعي عنيّ به الإمام الألوسي في تفسيره فعند تفسيره لقوله تعالى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس
توسع في بيان آيات الولاية في القرآن الكريم وبتفسيرها وبيان المعنى
من منهجه أيضاً في تفسيره عنايته بآيات الأحكام فقد فصل في تفسير آيات الأحكام وذكر أقوال الفقهاء فيها ويرجح في هذه المسائل بين الأقوال ويختار منها وغالبا يرجح المذهب الحنفي على بقية المذاهب الفقهية ربما لأنه من أتباع هذا المذهب و قناعته بأدلتهم .
أيضاً من منهجه في التفسير أنه كان يعنى عناية كبيرة باللغة وبالنحو في التفسير فإذا جاء إلى المفردات فإنه يفصّل في بيان معانيها اللغوية ويختار ويصحح وينتقد وإذا جاء إلى التركيب في الآيات القرآنية فإنه يعنى بعلم النحو ولاسيما إذا كان له تعلّق ببيان معنى الآية وكان متقناً ومجيداً لهذه العلوم وهي علوم الآلة .
ومن منهجه أيضاً في التفسير أنه كان ينقل كلام أهل التصوف في التفسير وهو ما يسمى بالتفسير الإشاري واصل التفسير الإشاري مقبول بضوابطه العلمية التي لا تخرج به عن معاني اللغة غير أن المبالغة في التفسير الإشاري الذي يذهب إليه بعض أهل التصوف هي المردودة لخروجها عن حدود أصول التفسير المقبولة ولذلك عاب العلماء على الإمام الألوسي إكثاره من إيراد كلام الصوفية في تفسيره لدرجة أن بعض الباحثين ألحق تفسير الألوسي بتفسير الصوفية وتفسير أهل الإشارات وقد سبق أن ذكرت لكم انه ذكر في الفائدة الثانية من مقدمة تفسيره حكم كلام السادة الصوفية في التفسير وخلاصة رأيه فيه لخصه هو بقوله :
وأما كلام السادة الصوفية في القران فهو من باب الإشارات إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة وذلك من كمال الإيمان ومحض العرفان لا أنهم انتقدوا أن الظاهر غير مراد أصلاً وإنما المراد الباطن فقط إذ ذاك اعتقاد الباطنية الملاحدة توصلوا به إلى نفي الشريعة بالكلية وحاشى سادتنا من ذلك كيف وقد حضوا على حفظ التفسير الظاهر وقالوا لابد منه أولاً إذ لا يطمع في الأصول بين الباطن قبل إحكام الظاهر ومن ادعى فهم أسرار القران قبل إحكام التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب إلى آخر كلامه .
وهو يقول أن التفسير الإشاري أو الصوفي الذي ينقله في الكتاب هو تفسير الصوفية الذين لا يرون الاقتصار على هذا اللون من التفسير وهو التفسير الإشاري وإنما يرون أن التفسير الظاهر أو التفسير المعروف أو المقبول مقدم على التفسير الإشاري ثم ينتقلون من التفسير الظاهر إلى التفسير الإشاري فهم لا ينفون التفسير الظاهر كما يصنع ذلك الباطنية الملاحدة الذين يقولون أن ظواهر القران الكريم غير مرادة وإنما المراد باطنه فيصلون بذلك إلى نفي الشريعة وإبطال كثير من شرائع الإسلام .
من منهج الألوسي في التفسير انه يورد الإسرائيليات أخبار بني إسرائيل يوردها في كتابه لكنه يذكرها ليردها وليدفعها وينتقدها ولذلك فهو من الذين يعنون برد الإسرائيليات كما فعل بن كثير رحمه الله
يقول الدكتور محمد أبو شهبة في كتابه المدخل إلى علوم القران عندما تحدث عن الإسرائيليات قال ولا اعلم أحد من المفسرين بعد الحافظ بن كثير حارب الإسرائيليات والموضوعات كما فعل الألوسي فقد أفاض في الرد عليها كما صنع في قصة يوسف وداود عليهما السلام وقد سبق الحديث عن المنهج الصحيح في التعامل مع الإسرائيليات وان الهجمة القوية على إيراد المفسرين الإسرائيليات غير مبررة وان المفسرين رحمهم الله من السلف ومن المتقدمين كان لهم منهجية في الاستعانة بالإسرائيليات في جانب ليس فيه ضرر وليس إليه ضرورة فهم كانوا يستعينون بالإسرائيليات في بيان بعض المبهمات في قصص القرآن في أمور خارجة عن حد التفسير إيرادها يزيدك علما والجهل بها لا يضر
منهجه في العقيدة من خلال تفسيره الألوسي رحمه الله كان من أسرة علمية مشهورة من أهل السنة وكانت مشهورة بإتباع السلف وهذا الغالب على علماء هذه الأسرة
أما الشيخ محمود الألوسي صاحب التفسير فقد كان ينسب نفسه إلى السلف ويختار مذهبهم في بعض المواضع ويختار مذهب الأشاعرة في بعض المواضع بل وينقل كلام شيخهم الرازي من تفسيره بحروفه مقراً له ويتردد بين هذا وذاك في بعض المواضع .
كما يعنى كثيراً بكلام الصوفية ويبالغ في مديحهم كثيراً حتى عدّه بعضهم من أهل التصوف وعُدّ تفسيره من تفاسير الصوفية ولذلك فالحكم على معتقده من خلال التفسير فيه صعوبة والأولى تتبع كلامه في بقية كتبه حتى تتضح هذه المسألة وهو يرد على المعتزلة ويرد على الباطنية في كثير من الآيات التي يحرفونها عن وجهها .
كان رحمه الله يطيل كثيراً في المسائل الخارجة عن التفسير في علم الكلام والنحو والعقيدة مع توفر مصادرها في كتب مستقلة وخروجها عن حد تفسير القرآن ولذلك جاء كتابه كبير الحجم جداً .
مصادره في التفسير كتب التفسير المتقدمة كلها كانت مصادر له إلا انه قد أولى عناية خاصة بتفسير الرازي وتفسير الزمخشري الكشاف وتفسير بن عطية المحرر الوجيز وتفسير أبي السعود العمادي المعروف بإرشاد العقل السليم وتفسير البحر المحيط لأبي حيان وتفسير البيضاوي وغيرها من كتب التفسير جعلها مصدراً اعتمد عليه في كتابه هذا .
ومن الأشياء التي عني بها في تفسيره التفسير العلمي لبعض الآيات القرآنية التي جاءت في باب الكونيات وأمور الفلك وما يتعلق بها فقد ذكر في تفسيره كثيراً من التفاسير العلمية للآيات الكونية وما يتعلق بالفلك ونحوه وهو في ذلك متأثر بتفسير الإمام الرازي فقد تقدم معنا عندما عرضنا تفسير الرازي في هذا البرنامج أن الرازي كان يعنى بالأمور الفلكية وتفسيرها تفسيراً علمياً وينقل كلام أهل الفلك وانه كان يعنى بذلك عناية فائقة ويقول انه ينطلق في ذلك من قوله سبحانه وتعالى لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
وقيل أنه دخل أحدهم عليه أو على تلميذ له وهو يقرأ في تفسيره فقال ماذا تصنعان قالا نحن نتدبر القران وإن الله سبحانه وتعالى قد قال : وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات
فأمرنا في التدبر في أنفسنا.
وقال في آية أخرى : لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) غافر
فدل هذا على أن التدبر في خلق السموات والأرض أعظم من التدبر في خلق الإنسان نفسه
وأخيراً شخصية الإمام الألوسي رحمه الله العلمية شخصية ظاهرة في تفسيره ومع أن تفسيره يعد موسوعة علمية كبيرة وفيها نقول كثيرة وطويلة عن العلماء من المفسرين اللغويين والنحويين والفقهاء والمحدثين وغيرهم إلا أنه كان يبرز في أخذه ورده ونقاشه لا أقوال العلماء بحجة وعلم تدل على تمكنه العلمي وهو في ذلك ليس كغيره من بعض المفسرين الذين ينقلون ويكثرون من النقول دون أن تبرز شخصيات هؤلاء المفسرين في كتبهم وإنما كانت له شخصيته الظاهرة في تفسيره هذا .
تفسير روح المعاني طبع عدة طبعات :
أول طبعة لتفسير روح المعاني هي الطبعة التي طبعت في مطبعة المنار عام 1355 هجرية وهي طبعة جيدة ومصححة إلا أنها أصبحت نادرة في زماننا هذا
وطبع في دار الكتب العلمية في خمسة عشر مجلداً وهي طبعة لا بأس بها مع دقة خطها بتصحيح علي عبد الباري عطية طبع في خمسة عشر مجلدا فيها أخطاء كثيرة في الطباعة وهي غير محققة ولكنها فيها بعض التصحيحات وبعض الحواشي الجيدة .
أيضاً طبع في دار إحياء التراث بلبنان في ثلاثين جزء وخمسة عشر مجلدا هذه هي اشهر طبعات تفسير روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني للعلامة أبي الثناء محمود الحسيني محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي العراقي وهذا التفسير في الحقيقة يعدّ من موسوعات التفسير التي جمع فيها مؤلفها أقوال المتقدمين والمتأخرين الذين عاصرهم في التفسير وملأه بالنقاشات العلمية الجيدة الجادة التي يستفيد منها طالب العلم وفيه تحرير لكثير من المسائل الخلافية جاء فيها ببعض الترتيب وبعض التنظيم وبعض الاستنباطات التي لا تجدها إلا في تفسيره وكما تقدم انه قد عاب بعضهم عليه انه أكثير من نقل كلام الصوفية في التفسير فهو يبدأ فيذكر التفسير الظاهر يتكلم عن اللغة ويتكلم عن النحو ويتكلم عن القراءات ويتكلم عن الفقه ويتكلم عن كل ما يتكلم عنه المفسرون بالرأي المحمود ثم يقول قال أهل الإشارة أو قال السادة الصوفية ثم ينقل تفسير الصوفية لهذه الآيات أو تلك الآية فيما بلغه علمه وهو قد اعتذر لنفسه بأنه أراد أن يجمع في تفسيره هذا كل أقوال المفسرين الذين تقدموه دون أن يغفل جانباً من جوانب التفسير التي يرى هو أهميتها ولذلك جاء كتابه كما قلت موسوعة علمية كبيرة لا يصبر على قراءته والتدبر فيه والتأمل فيه إلا طالب العلم الجاد الحريص الذي أوتي جلداً على القراءة وعلى البحث والحقيقة أن الذي يقرا في هذا التفسير سوف يخرج بحصيلة علمية قوية إذا ركز فيما وصل إليه الإمام الألوسي رحمه الله في هذا التفسير فهو مليء بالاستنباطات ومليء بالنقاشات وان كان كثير من النقاشات الكلامية التي فيه ليس لها فائدة علمية يعول عليها وان الصحيح في مثل هذا يكتفى بما ورد عن السلف ولاسيما في الأسماء والصفات في القران الكريم وأما في المسائل العلمية التي أو في الآيات القرآنية التي يكون فيها مجال للتدبر وللنظر وللاستنباط والتأمل فقد أجاد بها واتى فيها بفوائد يستفيد منها طالب العلم الذي يقرا في تفسير الإمام الألوسي رحمه الله رحمة واسعة ويعد تفسير الألوسي من اكبر التفاسير المتأخرة لعلماء العراق ولعلماء السنة من أهل العراق فمحمود الألوسي كما تقدم معنا قد ولد سنة 1217 للهجرة وتوفير سنة 1270 للهجرة فعاش 53 عاما على قصرها كانت حافلة بكثير من التأليف النفيسة الرائقة لهذا العالم الجليل رحمه الله رحمة واسعة .
والى أن نلقاكم بمشيئة الله تعالى في حلقة قادمة من حلقات برنامجكم أهل التفسير مع عالم من علماء التفسير وكتاب آخر من كتب تفسير القران الكريم
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته​
 
جمال الدين القاسمي​


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في برنامجكم أهل التفسير​


سوف نتحدث في هذه الحلقة عن مفسر من مفسري دمشق من المتأخرين وتفسيره يعد من التفاسير المشهورة التي انتفع الناس بها .​


مفسرنا هو جمال الدين القاسمي وعنوان كتابه الذي سوف نتحدث عنه محاسن التأويل.​


المؤلف هو محمد جمال الدين بن محمد بن سعيد بن قاسم القاسمي الشامي الحسني ولد في دمشق في جمادى الأولى سنة 1283 للهجرة وتوفي في دمشق في جمادى الأولى سنة 1332 هجرية أي انه عاش تسعة وأربعين عاما وما بلغ الخمسين ،في حين بلغت مؤلفاته وأعماله أكثر من مئة كتاب ورسالة، فيالها من حياة مليئة بالعمل والعلم والجهاد والإصلاح والتأليف والتصنيف ،كان رحمه الله إماماً وخطيباً في دمشق وكان يلقي عدة دروس في اليوم الواحد، وقد بدا التدريس رحمه الله وعمره 14 عاما ثم انتدب للتدريس عام 1309 وعمره 26 عاما في قضاء وادي العجم بسوريا ،وفي عام 1310 انتقل لقضاء النبك وفي عام 1311 و1312 انتقل إلى بعلبك وقد بدأ يؤم الناس في جامع العنابة منذ كان عمره عشرين سنة وهو يصلي بالناس ،ثم لما توفي والده وكان والده عالم دمشق وكان هو الذي يدرس في الجامعة السنانية في دمشق ، جلس ولده جمال الدين بدله في جامع السنانية وبدأ في التدريس عام 1317 للهجرة وكان عمره حينها 34 عاما وقد حضر له علماء الشام وحينها وبدأ بذكر أسانيدها العلمية في ذلك المجلس وكانت دروسه للعامة والخاصة واستمر في هذه الدروس حتى توفي عام 1332 هجرية ،وكان رحمه الله يشارك الناس في حياتهم الاجتماعية ويخالطهم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقوم بواجبه في الدعوة والإصلاح والنصح والتذكير والنقاش والحوار ومواجهة البدع والخرافات والانحرافات والضلالات ، ولذلك كان يلقبه محمد رشيد رضا وغيره يلقبونه بعلامة الشام.​


جمال الدين القاسمي رحمه الله عاش في زمان تطبع أهله بالجمود والتعصب المذهبي، والحرص على التقليد ،ومحاربة الاجتهاد، فانغلقت أفكار الناس، فكانت الحياة الثقافية حياة مية فالتعليم فيها ضعيف والإعلام فيها ضعيف والتواصل بين مدن العالم الإسلام في أضعف حالاته ، ولذلك كان هذا المنهج الذي سار عليه محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله منهجاً جديداً وغريبا على دار أهل ذلك الزمان وكان يريد أن يجتهد كان يقرأ للعلماء الذين يدعون إلى الاجتهاد ويناقش ويأخذ ويرد فكان هذا منهجا غريبا في زمان تعود المتون والحواشي كما هي دون مناقشة أو دون رد وإنما تسليم مطلق لما فيها .​


وقد حاول القاسمي أن يجتمع بمجموعة من الطلبة ويدربهم على هذا المنهج الذي يرى أنه المنهج الصحيح وهو العودة بالناس إلى الكتاب والى السنة والى فهم السلف الصالح والى الأخذ والاستنباط من كلام الله سبحانه وتعالى ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وتحريك عقول الناس في طلب العلم، لكنه قد اصطدم بعلماء عصره ولذلك وشي به إلى السلطان فاستدعي ومجموعة ممن معه وحقق معهم فيما كانوا يصنعون، وكان عمره حينها 30 سنة ، وقد وجهت إليه تهمة تفسير القران والحديث بالرأي والرد على الأئمة المجتهدين واتهم بابتداع مذهب جديد اسمه المذهب الجمالي نسبة إلى اسمه جمال الدين القاسمي ، وبعد محاكمة شكلية ومن معه أطلقوا واستبقي جمال الدين القاسمي في السجن ثم شفع القاضي فيه لدى الوالي فأطلقه، وقد أثرت هذه الحادثة في حياة جمال الدين القاسمي كان عمره 30 سنة أثرت فيه فلما خرج من السجن آل على نفسه أن يعود عودة حقيقية إلى الكتاب والسنة ،وان يبقى حياته مدافعا عن هذا المنهج وأن يحاول أن يعود بالناس إلى هذا النبع الصافي والى هذا المعين الذي لاينبض.
وقد نجح في هذه الدعوة .​


كان مضرب المثل في حسن الخلق والتواضع و دماثة الأخلاق وكف الأذى وكان طلابه يثنون عليه ثناء كبيرا رحمة الله عليه رحمة واسعة .
وقد توفي قبل أن يبلغ الخمسين من عمره وله عدد كبير من التصانيف من اشهر كتبه تفسيره محاسن التأويل وكتاب سماه قواعد التحديث في مصطلح الحديث وهو كتاب قيم في مصطلح الحديث ومطبوع وله كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد وله كتاب تاريخ الجهمية والمعتزلة وله غيرها من الكتب المطبوعة​


تفسيره محاسن التأويل :
ابتدأ القاسمي تفسيره في صدر شبابه حيث بدا تأليفه في شوال سنة 1316 من الهجرة وعمره حينها 33 عاما وراجعه سنة 1329 هجرية قبل وفاته بثلاث سنوات فكأنه قد استغرق في كتابته ومراجعته مايقارب 6 سنوات .​


يقع تفسيره في سبعة مجلدات كبار والطبعة القديمة تقع منه في 17 مجلدا وعدد صفحاتها6316 صفحة من غير المقدمة وقد استغرقت مقدمة تفسير القاسمي جزءً كاملاً بينما استغرقت المقدمة من الطبعة الأخيرة 200 صفحة من الجزء الأول من القطع الكبير وخط دقيق .​


والقاسمي رحمه الله قد صنف تفسيره هذا في زمان سبقه فيه محمد رشيد رضا ومحمود الألوسي في كتابه روح المعاني ومحمد رشيد رضا ومحمد عبده في تفسير المنار وطنطاوي جوهري في الجواهر ، في هذا المحيط المتنوع في كتب التفسير بدا القاسم بتاليف تفسيره ،والحق أن القاسمي رحمه الله قد قرأ كثيرا من كتب السابقين ونقل الكثير في تفسيره حتى أن كثيرا من الآيات جاء شرحها معزوا إلى غيره وهذه أمانة في نقله رحمه الله دون أن يشترك بتعقيب ولكنه تمتع بميزة حسنة وهي البعد عن مسائل النحو والبلاغة و نظريات الفلسفة والمنطق والإيغال فيها ،نحن لانقول انه لم يوردها بل قد أوردها مسائل النحو والبلاغة إلا انه لم يوغل فيها فيخرج فيها عن حدود التفسير .​


في مقدمة هذا التفسير المقدمة المهمة تحدث في إسهاب عن أمور جوهرية تتعلق بعلم التفسير وقدم بين يديها بقواعد مهمة​


وهذه القواعد التي ذكرها 11 قاعدة :​


القاعدة الأولى: في أمهات مآخذ التفسير و تكلم عن تفسير القران بالقران ثم تفسير القران بالسنة ثم تفسير القران بأقوال الصحابة ثم تفسير القران بأقوال التابعين ثم التفسير بالرأي المعتمد على العلم باللغة وما يتطلبه القول في التفسير من المعرفة بالعلوم الشرعية الأخرى المساعدة من علوم الآلة وغيرها .​


ثم في القاعدة الثانية : قاعدة في معرفة صحيح التفسير واصح التفاسير عند الاختلاف
القاعدة الثالثة: في أن غالب ماصح عن السلف من الخلاف يرجع لاختلاف تنوع لاختلاف تضاد .​


القاعدة الرابعة: في معرفة سبب النزول
القاعدة الخامسة : في الناسخ والمنسوخ
القاعدة السادسة: قراءة في القراءات الشاذة والمدرجة
القاعدة السابعة :في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات
قاعدة الثامنة : في أن كل معنى مستنبط من القران غير جار على اللسان العربي فليس من علوم القران في شيء .​


إلى آخر القواعد ومعظم هذه القواعد التي ذكرها القاسمي منقولة من كتب شيخ الإسلام بن تيمية من كتاب الموافقات للشاطبي فقد نقل منه 150 صفحة كما نقل عن العز بن عبد السلام والسيوطي وابن خلدون والدهلوي وبن الجزري وابن زروق وابن المرتضى اليماني وغيرهم وهو يقول قال بن تيمية ثم يسرد قال ابن مرتضى اليماني ثم يسرد قال بن خلدون ثم يسرد قوله وتتضمن المقدمة الحديث عن معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وقصص الأنبياء والشيوع الإسرائليات فيها وجريان القران على اللسان العربي وهذه المقدمة التي قدم الإمام القاسمي كتابه بها مقدمة مهمة جدا لايستغني طالب العلم عن النظر فيها وتدبرها وتأملها وهي جديرة بالمدارسة على حدة هذه المقدمة .​


قد يقول قائل مافائدة هذه المقدمة وقد طبعت الكتب التي اخذ ها منها ؟؟​


كتاب الموافقات للشاطبي مطبوع ومقدمة شيخ الإسلام بن تيمية في التفسير مطبوعة والكتب التي نقل منها أيضا فيقال أن القاسمي رحمه الله انه عاش في زمان أهله اجتمعوا على التعصب والتقليد والطباعة لم تكن متوافرة في زمانه فالطباعة نادرة بل تكاد تكون مفقودة ، ولذلك فالناس لم يطلعوا على هذه الكتب ولم تطبع ، فكان اختياره وجمعه لهذه النقولات من كتب العلماء ،ثم أخرجها في هذا التفسير فتحاً كبيراً ولذلك أنت عندما تقيس تفسير جمال الدين القاسمي أو تقيس كتاب روح المعاني للالوسي ، فقسها بزمانها وتأمل الفائدة العظمى لهذه الكتب في زمانها ولاتنظر إليها نظرة من يقرأ في كتب هذا الزمان وقد طبعت الكتب وامتلأت المكتبات بالكتب التفسير المتقدمة والمتأخرة فيقال هذا مجرد نقولات ولافائدة منه لا كلا وإنما فائدته عظيمة في زمانه فقد استفاد الناس وتعرفوا على هذه القواعد وهذه الأصول المهمة التي لايستغنى عنها طالب علم التفسير .​


منهجه في التفسير :​


عني القاسمي رحمه الله بالتفسير بالمأثور كثيراً ولاغرابة في ذلك فهو نشأ على تعظيم هذا اللون من التفسير وتعظيم قول السلف في التفسير والعودة إليه وتدارسه ودعوة الناس إليه والعودة إلى الكتاب والسنة .​


ثانيا كان يعنى بالقراءات في تفسيره وأثرها في المعنى فكان يذكر القراءات المتواترة والقراءات الشاذة ولاسيما التي تكون لها اثر في المعنى فيفصل فيها ويعزوها إلى القراء الذين قرءوا بها ويذكر توجيه هذه القراءات ويعتمد في ذلك على كتب توجيه القراءات المعروفة مثل كتاب الحجة لأبي على الفارسي وغيره من الكتب وكتب الزجاج وكتب المعاني كتب معاني القران المعروفة .​

من منهجه انه كان يعنى باللغة العربية فاعتمد في بيان الألفاظ على كتب غريب القران واعتمد أيضا على كتب المعاجم اللغوية كالصحاح للجوهري والعين لخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرها من كتب المعاجم المعروفة المعتمدة التي اقتصرت أو عنيت بالصحيح من لغة العرب .​


ومن منهجه أيضا عنايته بآيات الأحكام فقد كان يعنى عناية كبيرة بآيات الأحكام والتفصيل فيها ويناقش أقوال المفسرين في التفسير فيها والترجيح بينها.​


أما الإسرائليات في تفسير القاسمي فقد أورد كثيرا من الإسرائليات في تفسيره غير انه كان يصدرها بما يدل على ضعفها مثل قيل وروي أو وذكر في كتب بني إسرائيل كذا وكذا.........​


ثم ينبه إلى أنها من الإسرائليات وينبه إلى فسادها وضعفها وغلطها مستفيد ممن سبقه من المفسرين ولاسيما ابن كثير في تفسيره وأحيانا ينقل الإسرائيليات من كتب أهل الكتاب أنفسهم فينقل من التوراة وينقل من الإنجيل و الذي جعله يذهب هذا المذهب وانه يعود إلى كتب أهل الكتاب بنفسه فيقرا فيها وينقل منها هو أن القاسمي رحمه الله عاش في صدر القرن الرابع عشر 1314 //1315//1320...........الخ
ومابعدها كانت الأمة الإسلامية في هذا الوقت في حالة من الضعف والتفكك وكانت الدول الغربية في بداية قوتها وعنفوان قوتها في ذلك الوقت ولذلك استعمرت معظم بلاد العالم الإسلامي في ذلك الزمان ،وكثر المستشرقون الطاعنون في القران الكريم والمشككون فيه ، وكانوا يوردون مطاعن في القران الكريم يحتاج الذي يردها أن يرجع إلى المصادر التي اعتمدوها ويفند أقوالهم بأسلحتهم نفسها ، فكان يرجع إلى كتبهم فيبين الكذب الذي يختلقونه ويبين التزييف الذي يرتكبونه في تهمهم وفي طعونهم على القران الكريم ، فكانت هذه ميزة من أفضل ميزات تفسير الإمام القاسمي رحمه الله تعالى .​


الإمام القاسمي كان مصلحا اجتماعيا قبل أن يكون عالما كان يعنى بإصلاح أوضاع الناس ودعوتهم إلى الكتاب والسنة وتطبيق الإسلام في واقع الناس العملي ولذلك ترى هذه الصبغة في تفسيره فهو لاتكاد تمر أي آية من الآيات التي تحث على إتباع القران والسنة وإتباع أقوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا ويشير في هذا الموطن إلى دعوة الناس أو يدعو الناس إلى العودة إلى الكتاب والسنة والى هذا النبع الصافي والى هذا المعين الذي لاينبض.​

أيضا تجد في بعض المواضع في تفسيره عناية بنقل أقوال العلماء من غير العلماء الشرعيين مثل الأطباء ومثل أهل الفلك ، فمثلا عندما يذكر تحريم لحم الخنزير ينقل عن بعض الأطباء الأضرار التي ترتب على أكل لحم الخنزير فكأنه يبحث عن الحكمة التي من اجلها حرم الله سبحانه وتعالى لحم الخنزير وينقل أقوال أهل الطب في ذلك ،عندما يأتي الحديث عن آيات كونية مثلا تتعلق بالفلك أو بالشمس والقمر فانه ينقل أيضا أقوال علماء الفلك .​


الإمام القاسمي أكثر جداً من نقول العلماء فهذه صفة غالبة على تفسيره رحمه الله حيث قال بعض الباحثين انه ليس له في تفسيره إلا ترتيبه فقط وأما صلب التفسير فنقول عن العلماء ولذلك يقول احدهم : لو قيل لتفسير القاسمي في كل جزء منه عد إلى الكتاب الذي جئت منه لما بقي للإمام القاسمي منه شيء
لكن القارئ للكتاب يلمس للقاسمي رحمه الله أثرا واضحا في التفسير فهو ينقل بمعرفة وعلم ويعقب ويرجح ويختار وان كان أحيانا يورد أقوالا متعارضة دون التعقيب عليها وأحيانا يستطرد فيطيل الكلام في مكان الاختصار ولذلك طال الكتاب جدا ولذلك لما اتهم بهذه التهمة قال ابنه ظافر القاسمي رحمه الله أن أبي يعلم انه لو ذكر قوله هو فان الناس لايقبلونه في ذلك الوقت الذي كانوا ينبذون فيه الاجتهاد وينبذون فيه الرأي الحر فكان يلجا إلى أن ينقل أقوال العلماء المتقدمين الذين يوافقون مايذهب إليه ويؤيدون مذهبه حتى يقبل الناس هذا القول في حين أنهم لو نسب هذا القول إلى نفسه فربما لايقبله الناس وهذه حجة فيها جانب من الصواب.​



جمال الدين القاسمي على عنايته بأقوال السلف ومذهبهم إلا انه تأثر ببعض المتأخرين مثل الشيخ محمد عبدو في تفسيره مع البعد الشقة بينهما في مصر والشام وصعوبة التواصل ولذلك فقد ذهب إلى تأويل بعض الآيات كما صنع محمد عبدو في تأويله في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)البقرة​




وكما في رده لبعض الأحاديث الصحيحة كما في إنكاره لانشقاق القمر وتفسيره لمعنى المقام المحمود في سورة الإسراء رحمه الله فله فيها أقوال رد فيها الأحاديث الصحيحة وهذه أخطاء طفيفة في كتابه نسال الله سبحانه وتعالى أن يغفر له .​


طبعات التفسير محاسن التأويل :​


أحسن طبعات محاسن التأويل هي تلك التي اشرف عليها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله حيث صحح التفسير ورقمه وخرج آياته وأحاديثه وعلق عليه وقد صدرت طبعته الأولى بين عام1376هجرية //1377 هجرية من دار إحياء الكتب العربية ثم تتابعت الطبعات بعد ذلك لتفسير القاسمي .​


وآخر طبعاته هي دار إحياء الكتب العربية التي طبعت عام 1415 من الهجرة وهي في سبعة مجلدات كبار ومخرجة الأحاديث .​


لكن هناك مشكلة ذكرها الغماري رحمه الله في كتابه بدع التفسير وهي انه يذكر فيها أن تفسير القاسمي قد طبع ناقصا بسبب ماذا ؟ قال بسبب جرأة من اشرف على طبعاته حين ذاك على حذف مايراه غير مناسب ولم يكن من أهل هذا الشأن يقول الغماري في كتابه بدع التفسير ص 161 يقول تفسير القاسمي لابأس به يميل إلى وضوح العبارة وتبسيط البحث الذي يتعرض له مع جنوح إلى الاجتهاد والاستقلال في الرأي وقد ينساق مع الإسرائليات أحيانا وحين أريد تقديمه للمطبعة اشرف على طبعه شخص في عقله شيء زرته مرة في بيته فأطلعني على نسخة التفسير بخط القاسمي سلمها ابنه إليه ليشرف على طبعها فإذا هو قد ضرب بالقلم الأحمر على بحث النسخ الذي ذكره المؤلف عند قوله تعالى :سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)البقرة​


قاتل فسألته عن سبب شطب هذا البحث فقال لأنه لايليق بمقام القاسمي الذي كان يسميه الشيخ رشيد رضا علي أمام الشام فحذفته وحذفت ماكان من قبيله عديم الفائدة قليل الجدوى، قلت له: لكن هذا ينافي الأمانة العلمية. فقال : التفسير لم يطبع قبل الآن ولا احد يعرف ماحذف منه ونجل المفسر وهو نقيب المحامين بدمشق أباح لي التصرف فيه حسب مااراه مصلحة وهذه البحوث لاتليق بالقاسمي وبشهرته العلمية .قلت له :اتركها كما كتبها المؤلف وعلق عليها برأيك فأبى وأصر على حذفها.​


قال الغماري وبناء على هذا فالتفسير المذكور ناقص في عدة مواضع وهذه خيانة علمية ماكان ينبغي أن تحصل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .​


قد نبه إلى هذا وهو نقص تفسير القاسمي بعض الباحثين​


منهج القاسمي في تفسيره أو في مسائل الاعتقاد بالذات :​


كان القاسمي رحمه الله سلفي العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة فهو من أتباع شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وأئمة السلف من قبل هؤلاء ومن بعدهم ولذلك تعرض لمضايقات كثيرة بسبب هذا المنهج ،فاتهم بالوهابية وحقق معه واتهم بتسفيه أراء الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب، ثم خرج بعد ذلك كما تقدم من تلك المحن وهو أقوى مايكون حجة واصلب عودا والناظر في تفسيره يرى منهج السلف ظاهر فهو يكثر النقل عن علماء السلف ويورد حججهم وأدلتهم وردودهم على شبه الخصوم مما يؤكد أن المؤلف رحمه الله كان يجعل همه كل همه الإصلاح ليس إلا
وقد أكد في مقدمة تفسيره أن الصواب في آيات الصفات هو مذهب السلف وأورد فيه نقولا لبعض العلماء في إثبات ذلك وكما تقدم انه كان يعنى بالقضايا اللغوية والنحوية وبتفسير السلف واعتمد على تفاسير السلف ومدوناته الكبيرة مثل تفسير ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير وغيرهم من أهل التفسير .​


الدراسات حول القاسمي وتفسيره :​


كتب الكثير من البحوث والدراسات منها كتاب جمال الدين القاسمي وعصره لابنه ظافر بن جمال الدين القاسمي ومن الكتب كتاب شيخ الشام جمال الدين القاسمي لمؤلفه محمود مهدي الاستانبولي وأيضا من الرسائل العلمية التي كتبت عنه رسالة ماجستير بعنوان القاسمي ومنهجه في تفسيره محاسن التأويل لإبراهيم بن علي صالح الحسن وهي رسالة ماجستير قدمها الباحث لكلية أصول الدين لجامعة الإمام بالرياض وأيضا من الكتب التي كتبت عنه كتاب جمال الدين القاسمي احد علماء الإصلاح الحديث بالشام الدكتور نزار أباظة وهو ضمن سلسلة أعلام المسلمين التي تصدر عن دار القلم بدمشق .​


تفسير القاسمي رحمه الله يعد موسوعة علمية نقل فيها الكثير الكثير عن علماء المتقدمين واختيار المرء قطعة من عقله كما يقول العلماء، ولذلك فانه لايعاب بكثرة نقوله لأنه كما قلت قد صنفه في صدر القران الماضي في زمان غلب عليه التعصب على الناس فكانت في إبرازه في نقولات العلماء وفي أقوالهم في تفسير القران الكريم الصحيحة المدلل عليها والمحتج لها من أقوال السلف والخلف كان فيه نصرا وإظهارا للمنهج الصحيح في ذلك الزمان ولذلك انتفع الناس به انتفاعا عظيما وكان رحمه الله يعد تفسيره من اثمن وأنفس وأغلى مؤلفاته التي صنفها رحمه الله وهي على صغر سنه فهو لم يبلغ الخمسين من عمره كانت تزيد على مائة مصنف
رحم الله جمال الدين القاسمي واسكنه فسيح جناته على مابذله وعلى ماصنفه من الكتب ولاسيما على تصنيفه لكتابه محاسن التأويل في تفسير القران الكريم .​
 
العلامة القاضي أبو علي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني​


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا​


حياكم الله ايها الإخوة في برنامجكم أهل التفسير مع ترجمة عالم من علماء التفسير​


نسأل الله تعالى أن يجزيهم عنا جميعاً خير الجزاء​


حديثنا اليوم سوف يكون عن مفسر من أهل اليمن ولم يسبق أن تحدثنا عن مفسر من علماء اليمن​


اليوم سوف نتحدث عن هذا المفسر وهو من المفسرين المتأخرين نسبياً وهو العلامة القاضي أبو علي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني​


ولد الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله في هجرة شوكان عام 1173 من الهجرة ، وهجرة شوكان هي بلدة أو قرية من قرى السحانية وهي قريبة من مدينة دينار اليمنية على بعد يوم من صنعاء ،​


عاش رحمه الله أول حياته في هذه الهجرة وهي هجرة شوكان ثم تحول إلى صنعاء عاصمة اليمن ونشأ بها وتوفي بها رحمه الله عام 1250 للهجرة ، وكان عمره حين توفي 77 عاما قضاها رحمه الله في العلم والتعلم والتصنيف وقد بلغت مصنفاته أكثر من 50 أو أكثر من 60 مصنف .​


بدأ العلامة المفسر الأصولي محمد بن علي الشوكاني حياته العلمية والفقهية على مذهب الزيدية ، لأن مذهب الزيدية كان هو المذهب الشائع في اليمن في زمانه رحمه الله تعالى ، ثم ترك مذهب الزيدية ورجع إلى مذهب السلف بعد أن استقام عوده وصلب في العلم وصنف كتابه التحف في مذاهب السلف ودعا في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتماد عليهما ، والتعويل عليها في العلم والفقه ، وصنف كتاباً سماه القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ، وقد ثار عليه بسبب هذا الكتاب بعض العلماء والعامة وكان محمد بن علي الشوكاني رحمه الله رأساً في زمانه في الدعوة إلى مذهب السلف في اليمن والدعوة إلى الاجتهاد الفقهي المنضبط بالضوابط العلمية الصحيحة ، وقد ظهر أثر ذلك في كتبه الكثيرة التي صنفها ومن أشهرها تفسيره الذي معنا اليوم وعنوان تفسيره الذي معنا اليوم فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير .​


هذا هو عنوان تفسير الإمام الشوكاني​


فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .​


متى بدأ الإمام الشوكاني في تفسيره هذا ؟؟​


بدأ فيه رحمه الله سنة 1223 هجرية وعمره حين بدأ في تفسيره 49 عاما، وقد وجدت في كتابه البدر الطالع عندما ترجم لنفسه قال : والمترجم يكتب الآن في تفسير جامع بين الرواية والدراية يسر الله إتمامه ،فكأنه أثناء كتابته في البدر الطالع كان أيضا يكتب في تفسيره هذا عام1223 هجرية ، وقد فرغ منه في شهر رجب عام 1229 هجرية فاستغرق تصنيفه 6 سنوات تقريباً، وهو يصنفه ويصنف معه غيره من الكتب كالبدر الطالع وغيرها .​


وتفسير فتح القدير للإمام الشوكاني رحمه الله يعد من التفاسير المشهورة المتأخرة ، لكونه مقرراً للتدريس في الجامعات والمعاهد الشرعية ولذلك كثرت طبعاته من اجل ذلك فهو تفسير جيد سماه مؤلفه كما تقدم فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير ، وهذا التفسير تفسير قيم.​


ويتميز هذا التفسير بمزايا :​


أولاً: جلالة مؤلفه ورسوخه العلمي، فالإمام محمد بن علي الشوكاني إمام مجتهد متضلع من العلوم التي يحتاجها المفسر ، فهو قد أعدّ لكتابة التفسير عدتها من العلم بعلوم الآلة والعلم بالحديث التي وردت عن السلف في التفسير والآثار وأقوال السلف في التفسير والعناية بها وفهمها فهما جيدا ثم بدأ في التصنيف بعد ذلك .​


أيضاً ساعده على ذلك إطلاعه الواسع على الكتب المتقدمة وقد جمع معظم كتب التفسير في المأثور وفي الدراية أبضا.​


ومن مزايا التفسير أيضا أن مؤلفه رحمه الله كان متحرر التفكير ، سليم الاستنباط ولذلك انعكس هذا على شخصيته في كتابه التفسير ،​


ولاتغفل ياطالب العلم أن الشوكاني رحمه الله قد صنف تفسيره هذا في زمان غلبت فيه الغلبة للتعصب المذهبي والتقليد للمتقدمين دون بينة ، وأنه قد نشأ في بيئة يغلب عليها المذهب الزيدي ، ولولا عناية الله سبحانه وتعالى به وتوفيقه للإطلاع على كتب العلماء المتقدمين من السلف والعناية بها لولا توفيق الله له لكان نشأ كغيره على المذهب الزيدي ، وقد شرح كتاب حديقة الأزهار في كتابه السيل الجرار على حديقة الأزهار وهو كتاب في الفقه على المذهب الزيدي إلا أن شرحه لهذا الكتاب يدل على سلفيته وعلى أنه من أتباع أهل السنة ولذلك لما جاء في موضع كتاب حدائق الأزهار يقول فيه : أنه لايجوز تجصيص القبر ورفعه إلا لذوي المكانة ، بمعنى أنه يقول لايجوز رفع القبر إلا لمن كان من أهل المكانة كالملوك والوزراء فانه يجوز ذلك ، فشرح الشوكاني رحمه الله أن هذا لايجوز بل إن أصحاب المكانة الكبيرة هم أحوج الناس إلى إتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ،​


وإتباع السنة في القبر ونحو ذلك ، فشرحه لهذا الكتاب الفقه على المذهب الزيدي شرحه على منهج أهل السنة مما يؤكد على انه رحمه الله كان سلفي المعتقد كان سليم العقل متحدرا في كتابته وفي علمه وفي نقاشه وفي استنباطه .​


أما منهجه الذي سار عليه في التفسير فقد كتب فيه عدد من الباحثين ومنهم الدكتور محمد بن حسن بن أحمد الغماري له كتاب سماه الإمام الشوكاني مفسراً ، وقد ذكر المنهج العام الذي سار عليه الشوكاني في تفسيره وذكر أنه كان يقدم بين يدي الحديث ،
طبعاً هو قسم كتابه قسمين حتى في عنوان الكتاب فهو يقول : سميته فتح القدير في الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير ، فكأنه ينقسم إلى قسمين هذا التفسير :​


القسم الأول: مايتعلق بالدراية ،والقسم الثاني: مايتعلق بالرواية ، يقصد مايتعلق بالدراية هو التفسير بالرأي المحمود ، مايتعلق بتفسير اللغة وبيان مفردات من حيث اللغة وبيان التراكيب من حيث النحو والمباحث البلاغية والاستنباطات وذكر القراءات وتوجيه القراءات ومايتعلق بهذا من آيات الأحكام والاستنباطات الفقهية وبيان مناسبات الآيات وعلاقتها ببعضها البعض والناسخ والمنسوخ والمكي والمدني ومايتعلق بهذا .
والتفسير بالمأثور هو أن ينقل ما أثر في تفسير الآيات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضي الله عنهم أو عن التابعين .
وهذان هما عمدة التفسير التفسير بالأثر والتفسير المبني على الاستنباط والرأي.​


ويقول في مقدمة تفسيره رحمه الله : ان الذي دعاه إلى تصنيفه هذا التفسير ليس مجرد التكثر في تصنيف كتابه في التفسير ، وإنما يقول : أنه قد نظر في كتب التفسير المتقدمة فوجد بعضها إما أنه معتني بالرواية ويغفل الدراية وكأن يشير إلى مثل كتاب بن أبي حاتم تفسير القران العظيم ومقتصر على الرواية فقط ومثل تفسير الدر المنثور للسيوطي من المتأخرين وبعضهم اقتصر على الدراية فقط واغفل جانب الرواية فرأى أن يصنف كتاباً جامعاً بين الرواية والدراية في التفسير .​


لكن هذه الدعوة من الإمام الشوكاني رحمه الله غير مسلّمة فقد تقدم معنا أن تفسير الطبري رحمه الله جامع البيان عن تأويل آي القران جامع بين الرواية والدراية بل هو عمدة في هذا الباب وهو أفضل التفاسير التي كتبت على الإطلاق لجلالة مؤلفه وتقدمه وإمامته وعلمه ورسوخه ،وأيضا كتاب بن عطية يجمع بين الرواية والدراية فهو يعتني بالأثر وتفسير القران بالقران وتفسير القران بالسنة ومثله بن كثير أيضا فهو يجمع بين الرواية والدراية ، إلا أن الشوكاني رحمه الله قال ذلك في كتابة تفسيره فكأنه أراد أن يبرر الدافع الذي دفعه إلى تصنيف كتابه فقال : إنني قد وجدت التفاسير إما أنها معتمدة بالرواية ومغفلة الدراية أو معتنية بالدراية ومغفلة للرواية فجمع في كتابه هذا بين الرواية والدراية .​


ماذا يصنع الشوكاني رحمه الله ؟؟​


يذكر المقطع من السورة فربما يذكر آية أو يذكر آيتين أو ثلاث أو أربع ثم يفسرها فيبدأ أولا بذكر فضائل السورة أول السورة ثم يتكلم عن القراءات فيفيض فيها ويقول قرأت هذه الآية في كذا وقرا بهذه الآية ابن كثير وابن عامر وفلان وفلان من القراء ..........
وقراءات بكذا وقرأ بها فلان وفلان ويذكر القراءات الشاذة والقراءات المتواترة ، ثم بعد بيانه للقراءات يتكلم عن اللغة فيبين معاني المفردات اللغوية ويعتمد في ذلك على كتب المتقدمين من أهل غريب القران وأهل المعاني وأهل التفسير وأهل المعاجم اللغوية وهو في هذا ناقل عن المتقدمين وقل أن يكون له رأي أو ترجيح .​


ثم النقطة الرابعة انه يعتني بالإعراب فيذكر أقوال أهل الإعراب و إعراب القران في إعراب التراكيب القرآنية وهو في أثناء ذلك في بيانه للمفردات اللغوية وفي بيانه للتركيبات النحوية يستشهد بالشعر وقد ذكر كثيرا من شواهده وهو لم يخرج في شواهده عن شواهد المتقدمين سواء الشواهد النحوية أوالشواهد اللغوية أو الشواهد البلاغية .​


ثم بعد ذلك يذكر أسباب النزول للآيات إن كان لها أسباب نزول ويبين مافيها وما قيل فيها وان كان في الآيات نسخ أن كان فيها آية ناسخة أو فيها آية منسوخة فانه يبينها ، ثم بعد ذلك يذكر المعنى الإجمالي للآيات وان كان يرجح بعض الأقوال على بعض في بعض الأحيان ثم يذكر في بعض الأحيان بعض الأحكام المستنبطة من الآيات وهو غير من مكثر من ذلك إلا انه قد يذكر بعض الحكام المستنبطة .​


انتهى من هذا الجزء وهو الجانب الذي يتعلق بالدراية فهو دائما يقدم الجزء الذي يتعلق بالدارية .​


يأتي إلى الجزء الثاني وهو المتعلق بالرواية فيذكر الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم يذكر الأقوال التي وردت في تفسير الآية .​


هذا هو منهج الشوكاني رحمه الله الذي يسير عليه غالباً في تفسيره ، أنه يقدم الدراية ثم يأتي بعد ذلك بالرواية ، وقد عابه بعض الباحثين وقال : ليته قدم الرواية ثم جاء بعدها بالدراية لأنه في أثناء حديثه عن الدراية ربما يذكر معنى من المعاني قال به السلف ويرجحه لأنه قال به بن عباس أو ورد في حديث صحيح أو كذا ثم يترك الحديث حتى يأتي في آخر الحديث ، فربما قدم الرواية على الدراية لكان أولى أو لو انه مزج بينهما مزجا علمياً مناسباً كما كان يصنع المفسرون من قبله لكان هذا أيضا أسلوباً جيدا إلا أن هذا هو الأسلوب الذي سار عليه الشوكاني رحمه الله في كتابه فهو جمع بين الرواية والدراية إلا أنه قدم الحديث عن الدراية ثم جاء بعده بالحديث عن الرواية .​


الإمام الشوكاني رحمه الله له في كتابه هذا أقوال وموقف​


من أول مايصادفك في تفسير الشوكاني رحمه الله أنه حمل حملة شديدة عند تفسيره الأول في سورة البقرة عند قوله سبحانه وتعالى :. وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة​


فتكلم كلاماً عن المناسبات بين الآيات وذهب الإمام الشوكاني إلى رد هذا الموضوع وهو موضوع المناسبات بين الآيات وقال إن العلماء يتكلفون في كتبهم علماً ماكلفهم الله سبحانه وتعالى به وهو أنهم يتطلبون مناسبة بين الآيات بعضها مع بعض وبين السور بعضها مع بعض ، وحمل على من تزعم هذا المسلك وهو البقاعي رحمه الله في كتابه نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ويقول الشوكاني رحمه الله كيف يطلبون مناسبة بين الآيات وبين السور وهذه الآيات قد نزلت في أوقات متفرقة وفي أزمان متفرقة و في أماكن متفرقة ثم يتطلبون المناسبة فيقعون في التكلف الذي ماأنزل الله به من سلطان .​


لكن الغريب أن الشوكاني رحمه الله في كتابه نفسه قد تطلب المناسبات بين بعض الآيات ببعضها مع بعض أو بعض السور بعضها مع بعض ولذلك فإنه يخرج نقده ورده الشديد لموضوع المناسبات على أنه كان يرد التكلف في البحث عن المناسبات بين الآيات وبين السور ، بدليل أنه عندما جاء في كتابه البدر الطالع في أهل القرن السابع تكلم عن البقاعي رحمه الله بكلام جيد وأثنى على تفسيره نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وقال : إنني استفدت منه في تفسيري كثيراً، مما يدل على أن الشوكاني رحمه الله لايرد موضوع المناسبات ردا مطلقا وإنما يرى أن التكلف في البحث عن المناسبات مذموم .​

أيضاً من منهج الإمام الشوكاني رحمه الله انه كان سلفي المعتقد وانه كان يدافع عن مذهب السلف وكان يرى العودة إلى القرآن والسنة وان هذا المعين الصافي هو المعين الذي يجب أن تدّعى الأمة وان توجه أنظار العلماء وطلبة العلم إليه حتى تصفوا أفهامهم وحتى تزكوا علومهم ، والمتأمل في كتابه فتح القدير يجد أن هذه الصبغة العامة في تفسيره وانه على منهج السلف الصالح في تفسيره للقرآن الكريم ،
إلا انه رحمه الله لم يسلم من الاضطراب في تفسيره لبعض آيات الصفات فقد ذهب في بعض الصفات كصفة الوجه ونحوها ذهب فيها إلى التأويل على عادة الأشاعرة ووافق بعض المذاهب المخالفة في مواضع أخرى وان كان منهجه الذي ينادي به دائما هو العودة إلى مذهب السلف مما يجعلنا نقول أن الشوكاني رحمه الله لم يتعمد مخالفة السلف في هذه الآيات وإنما وافق من خالف مذهب السلف موافقة وان لم يرد ذلك ويلتمس له العذر لأنه رحمه الله قد نشأ في بيئة يغلب عليها المذهب الزيدي ولذلك كان أخذه لمنهج السلف عن طريق القراءة والإطلاع الذاتي ولولا هذا الذكاء الذي اتصف به الإمام الشوكاني رحمه الله ماكان ليستطيع أن يتخلص من رقة المجتمع الذي عاش في وسطه والعلماء الذين اخذ عنهم من الزيدية سواء اخذ عنهم التفسير أو اخذ عنهم المعتقد أو اخذ عنهم علم الحديث أو الفقه وغير ذلك.........​


لكن توفيق الله سبحانه وتعالى له جعله يتجه إلى الدعوة السلفية والى مذهب السلفي الأسماء والصفات وفي المعتقد فانطبع ذلك على كتبه عامة وعلى تفسيره أيضا وهو من تفاسير السلف وليس من تفاسير الزيدية الذين عدوه من تفاسير الزيدية فقد وهموا في ذلك .​


الشوكاني رحمه الله كتب تفسيره فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير كتبه وقد رجع إلى مذهب السلف وصنف فيه كتابه التحف في مذهب السلف ،
إلا انه وقع منه بعض الأخطاء العقدية التي لايوافق عليها إلا انه لايثرب عليه فيها لكونه كان مجتهدا رحمه الله فربما اخطأ وربما أصاب.​


فكما ذكر هو عن نفسه وعن غيره من العلماء :فان الكمال عزيز ،وأنت إذا تطلبت كتاباً في التفسير أو في غيره كاملاً ليس فيه خطأ وليس فيه نقص وليس فيه زلل فقد تطلبت محالاً ، وطلبت شيئاً لايكاد يوجد لان الإنسان سواء كان عالما أو متعلما لايخلوا من النقص والنقص صفة ملازمة للبشر ، لاتكاد تجد كتابا كاملا ، وتطلب الكمال يورث الإنسان البقاء دون قراءة لكن طالب العلم الجاد الحريص يعرف كيف يأخذ الفوائد من كتب العلماء فيأخذ منها الفوائد ويأخذ منها اللباب ويأخذ منها ماوافق الحق ويجتنب مافيها من الأخطاء والاجتهادات الخاطئة .​


والشوكاني رحمه الله كغيره من العلماء له اجتهادات وله أراء في كتابه في التفسير وافق فيها السلف وفيه أراء خالف فيها العلماء سواء كانت أراء في اللغة أو أراء في الفقه أو أراء في التفسير أو أراء في تأويل بعض الآيات أو بعض الصفات وحملها على غير وجهها فكل هذا يقع فيه تفسير الشوكاني ويقع فيه غيره كما سبق الحديث معنا عن جمال الدين القاسمي وكما سبق الحديث معنا عن الألوسي وغيره كابن عطية وبن الجزي الكلبي وأبي حيان الغرناطي وهؤلاء السلسة الطويلة من المفسرين رحمهم الله ومن المتقدمين ومن المتأخرين كلهم تجد في كتبهم الخطأ وتجد فيها الصواب ، والمنصف هو الذي يوفقه الله سبحانه وتعالى إلى أخذ الحق والى اخذ الصواب من كتب العلماء والى الاعتذار والتنبه إلى مافيها من الخطأ وبهذا يستفيد طالب العلم فيأخذ العلم ويرد غيره مع الإنصاف والتأدب وحفظ مكانة العلماء سواء كانوا من المتقدمين أو من المعاصرين أو من المتأخرين، فان الله سبحانه وتعالى يبارك لطالب العلم ماحفظ لسانه وقدر العلماء ودعا لهم بخير فجزاهم الله عنا خير الجزاء وبارك الله لهم في علومهم ونفعهم بها وأجزل لهم المثوبة على ماقدموه .​


هذا هو المنهج الذي ادعوا إخواني من طلبة العلم وآخذ به نفسي وهو الإنصاف في التعامل مع كتب العلماء وليعلم الواحد منا أن الكمال عزيز، وليس صحيحا أن تقول عندما يقول قائل : مار أيك في تفسير الشوكاني ؟؟ فيقول والله أنا أرى انه تفسير فيه أخطاء عقدية ، مار أيك في تفسير بن عطية ؟؟ أرى أنه فيه مؤاخذات عقدية، مارأيك في تفسير أبي حيان الغرناطي ؟؟ فيه تأويل .........وهكذا​


فيثبط الناس ويرد الناس عن هذه المناهل العلمية التي لايستغنى عنها ، والصحيح والإنصاف أن يعرف مالهم من الصواب وهو كثير ومالهم من الخطأ وهو قليل يغمر في بحور صوابهم ، ولايقلدون فيه ، ويتنبه في هذه المواضع التي اخطئوا فيها فتستفيد أنت مما فيه من الحق وهو كثير وتستفيد العلم في اللغة وتستفيد من العلم من لغة القران وفي إعرابه وفي معانيه وفي فقهه وفي أحكامه وفي أسباب النزول وفي غيرها من جوانب التفسير ، وتتنبه إلى المواضع التي قد يقع فيها بعض المفسرين في بعض تأويله لآيات الصفات التي وردت في القران الكريم ، وقد أكثر العلماء ولله الحمد من علماء السلف في بيان الحق في مثل هذه الآيات والصواب فيها وان الصواب في تفسيرها هو ماكان عليه السلف الصالح رحمة الله عليهم وأجزل لهم المثوبة، والإمام الشوكاني رحمه الله قد اخذ نفسه بالدعوة إلى مذهب السلف في كتبه عامة وفي كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير فجاء كتاباً مهذباً مرتباً ، ولذلك قرر كثير من الجهات العلمية المتأخرة المعاصرة في زماننا هذا تدريس كتاب فتح القدير للشوكاني في الجامعات لأنهم رأوا أن فيه اختصارا وتهذيبا وإتباعاً لمذهب السلف، وقد عني الشوكاني رحمه الله عناية كبيرة ببيان آيات الأحكام في تفسيره، ولذلك عده بعض الباحثين كتاباً مختصرا من كتاب الجامع لأحكام القران للإمام القرطبي وقالوا انه يكاد يكون ملخص ولاسيما مايتعلق بجانب الأحكام الفقهية في التفسير ملخص من كتاب الجامع لأحكام القران ولذلك افرد بعض العلماء الآيات أو كلام الشوكاني عن آيات الأحكام من كتابه فتح القدير .​


هذا هو مجمل منهج كتاب الشوكاني في كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .​


طبعات تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني كثيرة جداً :​


لأنني قلت لكم انه كان مقررا في بعض المعاهد والجامعات ولازال ولذلك كثرت طبعاته التجارية والمحققة أيضاً.​


ومن الطبعات الجيدة وليست كاملة إلا أنها طبعة جيدة طبعة دار الحديث التي حققها وخرج أحاديثها أو خرج بعض أحاديثها سيد إبراهيم وتقع في خمسة مجلدات طبعت في دار الحديث عام 1413 من الهجرة وان كان قد اغفل تقرير الشواهد الشعرية وتخريج الكثير من الآثار ووقع فيه بعض الأخطاء في الضبط في متن الكتاب
وطبعاته كثيرة وتكاد تكون متشابهة ، ليس هناك فرق كبير بين طبعات كتاب تفسير فتح القدير لان نسخها المخطوطة كثيرة ولذلك السقط نادر في كتاب فتح القدير والخلل في الطباعة نادر وإنما تتفاوت في حسن الإخراج وفي إخراج الكتاب ونوعية الحرف الذي طبع به الكتاب .​


ومن الأشياء التي تلاحظ في طباعة كتابة فتح القدير ، ربما في كثير من كتب التفسير أيضا أن الإمام الشوكاني يفسر كتابه بناء على رواية قالون عن نافع لكن كثير من الطبعات التي طبعت من تفسير فتح القدير يكتبون الآيات برواية حفص بن سليمان عن عاصم الكوفي وتفسير الشوكاني رحمه الله ليس على هذه الرواية ومثله تفسير الإمام الطبري من قبل فالإمام الطبري رحمه الله كان يفسر على قراءة حمزة ربما وربما يفسر على غيرها لكن الذين طبعوا تفسيره جعلوا متن الآيات التي تفسر في كتاب الطبري برواية حفص عن عاصم مع أن الإمام الطبري رحمه الله ربما أن رواية حفص عن عاصم لم تبلغه رحمه الله، كما اثبت ذلك بعض الباحثين وقس على ذلك الكثير من الذين طبعت تفاسيرهم كابن كثير فان قد طبع متن القران الكريم في التفسير برواية حفص بينما التفسير الذي يفسره المفسر على رواية أخرى وهذه مسالة أيضا وقع فيها الذين كتبوا أو الذين طبعوا تفسير الإمام الشوكاني رحمه الله الإمام الشوكاني رحمة واسعة وأجزل ثوابه على كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، وجزاه عنا خير الجزاء على كتبه الأخرى وله كتب أخرى فاتني أن اذكرها له كتب مهمة مثل كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار هو كتاب قيم في شرح الأحاديث التي جمعها ابن تيمية الجد في كتابه منتقى الأخبار وهو شرح حافل هو أفضل الشروح المنتقى وله كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار وشرح لكتاب فقهي من كتب الزيدية على منهج أهل السنة وله كتب كثيرة مثل التحف على مذاهب السلف ... وغيرها من الكتب والرسائل التي طبعت وبعضها لايزال مخطوطا
رحمة الله على الإمام الشوكاني محمد بن علي بن محمد الشوكاني المولود 1173 والمتوفى بصنعاء عام 1250 عن 77 عاما على تصنيفه كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .​
 


الإمام جلال الدين السيوطي




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مرحبا بكم أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في برنامجكم أهل التفسير .


هذا البرنامج الذي نستمع فيه في كل حلقة إلى سيرة من سير علماء التفسير ونتحدث حول أهمية تفسيره وكتابه أن كان له كتاب في التفسير ،ومنهجه الذي سار عليه في هذا الكتاب ، وابرز طبعات هذا الكتاب لمن أراد أن يشتريه من طلبة العلم ونحو ذلك من الوسائل العلمية والتربوية التي لاتخلو منها كل ترجمة نتعرض لها .


ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبل منا ومنكم مانقوله وما نعمله ،وان يتغمد هؤلاء العلماء المفسرين الكبار الأجلاء بواسع رحمته وان يجزيهم خير الجزاء وأجزله على ماقدموه للمسلمين من العلم الغزير .


وسوف نقف في هذه الحلقة مع إمام كبير من أئمة المسلمين له قصب السبق في التصنيف كثرة وجودة ، وهو من العلماء الذين تأخرت وفاتهم إلى بداية القرن العاشر، ولذلك استطاع أن يستوعب كل ماصنف قبله في التفسير ، وفي علوم القران وفي غيرها .
ذلكم هو جلال الدين السيوطي ، ومن منكم لايعرف جلال الدين السيوطي؟؟ وهو اشهر من نار على علم رحمه الله .


جلال الدين هو أبو بكر عبد الرحمن بن الكمال بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين السيوطي، نسبة إلى مدينة أسيوط المصرية المعروفة .


والسيوطي رحمه الله عالم كبير من علماء المسلمين المشهورين زادت مصنفاته عن السبع مائة مصنف ، ورزق القبول ورز الحظو في التصنيف ولذلك لاتكاد تجد فنا من فنون العلم إلا وللسيوطي فيه مؤلف ،في الحديث ،في الفقه ،في أصول الفقه في النحو ،في البلاغة في المنطق في التفسير في علوم القران في أسباب النزول في تناسب السور في الناسخ والمنسوخ ،وفي التفسير بالمأثور وفي التفسير الدراية، وفي التفسير المختصر ، وفي الأشباه والنظائر، وفي القواعد الفقهية و...الخ فله مصنفات كثيرة جداً منها ماهو في مجلدات كثيرة ومنها ماهو في رسالة صغيرة .


سوف نتحدث اليوم عن كتبه التي في التفسير :


السيوطي رحمه الله قد كفانا مؤنة الترجمة له فقد ترجم هو بنفسه لنفسه في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة فقال :


ترجمة مؤلف هذا الكتاب يقصد نفسه :


عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد السابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي .
ثم قال وأما نسبتنا بالخضيري فلا اعلم ماتكون إليه هذه النسبة إلا الخضيرية وهي محلة ببغداد قد حدثني من أثق به انه سمع والدي رحمه الله تعالى يذكر أن جده الأعلى كان أعجميا أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة
قال : وكان مولدي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة 849 للهجرة، فهو قد ولد رحمه الله في أول ليلة شهر رجب وكانت ليلة الأحد سنة ثمان مائة وتسع وأربعين هجرية .
ثم قال :نشأت يتيماً فحفظت القران ولي دون الثمان سنين ، ثم حفظت العمدة ومنهاج الفقه والأصول وألفية ابن مالك، وشرعت في الاشتغال بالعلم من مستهل سنة 64، فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ وأخذت الفرائض عن العلامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين بشار مساحي الذي كان يقال انه بلغ سن العالية وجاوز المائة بكثير والله اعلم بذلك ، قرأت عليه في شرحه على المجموع وأجزت بتدريس العربية سنة 66 .


فقد ولد إذا سنة 849 ثم حفظ القران وعمره أقل من ثمان سنوات تقريباً قبل عام 857 هجرية ثم بدأ بحفظ المتون وقرأتها على الشيوخ كما ذكر ثم أجيز بتدريس اللغة العربية في مستهل سنة 866 هجرية وعمره خمسة عشر عاما .


كان صغير وقد بدأ يدرس اللغة العربية ، ولذلك كان أول ماصنف رسالة في تفسير البسملة والاستعاذة ،ثم شرع السيوطي في التأليف عام866 وعمره خمسة عشر سنة واستمر في التأليف حتى توفي عام 911 ، وقد زادت مؤلفاته عن 700 مؤلف وقد ذكر هو في ترجمته في كتاب حسن المحاضرة انه قد بلغت مؤلفاته حتى ذلك الوقت 300 مؤلف ، وبعد أن بلغ أربعين سنة تفرغ للتأليف أي منذ 890سنة للهجرة تقريبا حتى توفي سنة 911 وهو متفرغ للتأليف وكان عمره عندما توفي ا6 سنة فكان تفرغه للتصنيف 21 سنة وهو متفرغ في مكتبته للتأليف ، فقد اولع رحمه الله بالمكتبة فهو يبقى في مكتبته حتى ذكروا في ترجمته انه ماكان يفتح النافذة التي تطل على النيل من مكتبته عنده نافذة تطل على النيل وهو لم يفتحها منذ اكب على التصنيف سنة 890 حتى توفي ، والعجيب في ترجمة السيوطي رحمه الله انه قيل انه قد ولد في المكتبة أيضا فقد وضعته أمه في مكتبة والده فهو ولد في المكتبة ومات في المكتبة رحمه الله ، أعنى انه قد بقي فترة طويلة في المكتبة حتى مات ولم يمت في المكتبة كما هو معلوم .


الإمام السيوطي رحمه الله له مؤلفات كثيرة جداً في كل فن ولذلك اعتبر نفسه رحمه الله من الأئمة المجتهدين ومن المجددين الذين جددوا الدين .
وقد خولف في هذه الدعوة إلا انه رحمه الله يستحق ذلك .


مؤلفاته في التفسير وعلوم القران فقط:


الإتقان في علوم القران هذا من اشهر كتب علوم القران
الأزهار الفائحة على الفاتحة وهو تفسير لسورة الفاتحة
الإكليل في استنباط التنزيل هذا كتاب قيم طبع مؤخراً بثلاث مجلدات يعنى فيه السيوطي بالاستنباط من الآيات ليس التفسير وإنما الاستنباط وهو يأتي بعد التفسير .
الألفية في القراءات العشر وهي منظومة الفية في القراءات العشر إلا أنها لم تشتهر
الأمالي على القران
وله كتاب سماه ترجمان القران في التفسير المسند وهذا الكتاب من الكتب الثمينة التي ألفها السيوطي رحمه الله إلا أنها فقدت في خمسة مجلدات وهو تفسير كتبه للقران مروي بالإسناد عن المصنفين //مثلا أسانيد عند البخاري يرويه بسند البخاري عند الإمام احمد يرويه بسند الإمام احمد وهكذا .....................
ولكنه اقتصر فيه عن التفسير المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة فقط .
ثم له كتاب التحبير في علوم التفسير وقد طبع
تشنيف السمع بتعديل السبع
تفسير الجلالين وهو مطبوع
تناسق الدرر في تناسب السور وهو مطبوع
الجواهر في علم التفسير
له حاشية على تفسير البيضاوي سماها نواهد الأبكار
خمائل الزهر في فضائل السور
وله كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور وهو الكتاب الذي أريد أن أتكلم عنه في هذه الحلقة
الدر النثير في قراءة ابن كثير وهو في قراءة بن كثير المكي عبد الله بن كثير المكي وهو احد القراء السبعة
شرح الاستعاذة والبسملة
شرح الشاطبية
فتح الجليل للعبد الذ1ليل في الأنواع البديعية المستخرجة من قوله تعالى
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)البقرة


له الفوائد البارزة والكامنة في النعم الظاهرة والباطنة


القول الفصيح في تعيين الذبيح
قطف الأزهار في كشف الأسرار
الكتاب المتوكلي فيما في القران من اللغات الأعجمية


الكلام على أول الفتح
لباب النقول في أسباب النزول
لباب النقول فيما وقع في القران من المعرب والمنقول
مجمع البحرين ومطلع البدرين في التفسير وهذا كتاب ضخم في التفسير صنفه ولم يتمه
مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع
معترك الأقران في مشترك القران
مفاتح الغيب وهو كتاب في التفسير
مفحمات الأقران في مبهمات القران
منتقى تفسير الفريابي
منهج التيسير الى علم التفسير
ناسخ القران ومنسوخه وغيرها من المؤلفات ..............


وهذه كلها في التفسير وعلوم القران


الذي يهمنا من كتبه في التفسير ثلاث


فأما كتابان سأذكرهما باختصار وأما الكتاب الثالث فسوف أتحدث عنه بالتفصيل


فأما الكتاب الأول من كتبه فهو كتاب سماه ترجمان القران وهذا الكتاب لو وصل إلينا لكان فيه علم عظيم حيث اقتصر فيه الإمام السيوطي على ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير وماروي عن الصحابة رضي الله عنهم وقد ذكر في أول كتابه قطف الأزهار انه قد انتهى من تصنيف هذا الكتاب في خمسة مجلدات، وذكر فيه ماروي عن النبي وعن الصحابة بالتفسير بالأسانيد المتصلة ، وهذا الكتاب كما قلت لكم فقّد ولم يوجد وان كان بعض الباحثين قد ادعى انه عثر على هذا الكتاب إلا انه قال في آخر كلامه أنه اخذ منه فهذا الكتاب من الكتب التي لو وجدت ولو وصلت إلينا لكان فيها خير كثير.

الكتاب الثاني من كتب التفسير التي صنفها السيوطي رحمه الله : كتاب سماه مجمع البحرين ومطلع البدرين في التفسير، وهذا الكتاب يذكر هو انه من أوسع كتب التفسير ،وقد جعل كتابه الإتقان في علوم القران كمقدمة لهذا التفسير ،وكأنه أراد بتفسيره هذا مجمع البحرين أن يضاهي تفسير الإمام الطبري فيتوسع في ذكر الآثار والأحاديث وأقوال علماء اللغة وأقوال المفسرين ومناسبات الآيات وكل ماله صلة بالتفسير، فيكون تفسيرا عمدة فيه توسع وفيه إحاطة بكل ماله علاقة بتفسير القران الكريم، إلا أن هذا التفسير أيضا لم يوجد ولم يعثر عليه وكأنه لم يبدأ فيه أو بدا فيه ولم يتمه والله اعلم .


التفسير الثالث : تفسير الجلالين وهذا مشهور جداً هذا التفسير ، وتفسير الجلالين سمي تفسير الجلالين لان الذين صنفوه اثنان من العلماء جلال الدين المحلي وهو شيخ السيوطي وجلال الدين السيوطي جلال الدين المحلي بدا في تأليف تفسيره من سورة الكهف منتصف القران وانتهى من القران ثم بدا بتفسير سورة الفاتحة وانتهى منه ثم توفي رحمه الله فجاء السيوطي فأتمه من سورة البقرة إلى نهاية سورة الإسراء، ومنهجه في هذا التفسير منهج يقوم على الاختصار فهو يعتبر متناً في التفسير وهو مشهور فسمي تفسير الجلالين لان مؤلف جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي .


آخر الكتب التي نريد أن نتحدث عنها في التفسير الذي صنفه السيوطي رحمه الله وهو كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ،هذا الكتاب من اثمن كتب التفسير واجمعها لما روى عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن التابعين وعن أتباع التابعين في التفسير، فهو عمدة في التفسير بالمأثور جمع كل مافي الكتب السابقة عليه، ويقول :انه قد صنف كتابه هذا بعد أن صنف كتابه مجمع البحرين قال فرأيت الناس قد تقاصرت هممها عن ذلك الكتاب.


يقول في المقدمة : وبعد فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وتمّ بحمد الله تعالى في مجلدين وقد ذكر في كتابه قطف الأزهار في خمس مجلدات وكان ماأوردته فيه من آثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات رأيت قصور أكثر الهمم بتحصيله ورغبتهم بالاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله فلخصت منه هذا المختصر .


طبعاً تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور في طبعاته الأخيرة طبع في 17 مجلد المجلدان الأخيران للفهارس فهو في خمسة عشر مجلد 15 وهو يعد تفسيراً مختصراً من الأول
قال فلخصت منه هذا المختصر مقتصراً فيه على متن الأثر مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور ،والله أسال أن يضاعف لمؤلفه الأجور ويعصمه من الخطأ والزلل والزور بمنه وكرمه إنه هو البر الغفور
.




فهو هنا في كتابه لم يبين منهجه الذي سار عليه وإنما اقتصر على هذه المقدمة وعلى انه قد لخصه من كتابه ترجمان القران
منهج السيوطي في كتابه هذا :


لم يتحدث السيوطي في مقدمة هذا الكتاب عن منهجه فيه كما في مصنفاته الأخرى بل ذكر فيها الباعث على تأليفه فقال وبعد فلما ألفت كتاب ترجمان القران ...الخ ماذكرت لكم .


ومن خلال التتبع لهذا الكتاب تجد أن السيوطي يبتدئ السورة بذكر اسمها وعدد آياتها ثم المكي والمدني معتمدا في كثير من الأحيان على النحاس وابن الضريس وأبي الشيخ ثم يقسّم السورة إلى آيات من غير ترقيم ويقسمها إلى أبعاض مكتفياً بها عن ذكر الآية بتمامها .


قائلا الآية أو الآيتين أو الآيات وقد أهمل في تفسيره بعض الآيات فلم يفسرها وذلك لأنه لم يجد لها تفسيراً مأثوراً، وهذا يمكن أن يفهم منه أن التابعين والصحابة وأتباع التابعين بعدهم ماكان يشكل عليهم كل شيء في التفسير وإنما كان يشكل عليهم الآيات القليلة فيفسرونها وهذا هو معنى انه لم يفسر بعض الآيات .

ثانيا : كان يكتفي بالنقل والرواية السيوطي ليس في كتابه الدر المنثور رأي هذا تفسير بالمأثور ينقل فقط ماروي عن الصحابة عن النبي عن الصحابة عن التابعين عن أتباع التابعين فقط وليس له قول فيه ولذلك يخلط في كتابه بين الصحيح والحسن والضعيف والمنكر بل والموضوع، مع أن السيوطي رحمه الله محدث لكنه غلب عليه في كتابه هذا كمال في بعض كتبه غلب عليه جانب الجمع ، فنتج عن ذلك انه ضمن كتابه روايات كثيرة مردودة وعجائب وغرائب من الأخبار كان ينبغي عليه أن يتركها .

ثالثا كان يعزو القراءة لقارئها من الصحابة أو من رواها من غير تحقيق أو تدوين لان هذه قراءة الجمهور أو هذه القراءة متواترة أو هذه القراءة السبعية أو القراءة الصحيحة أو القراءة الشاذة.... ونحو ذلك


وإنما يقول: وهذه قراءة أبي وهذه قراءة عبد الله بن مسعود قد تكون هي القراءة السبعية القراءة الصحيحة ولكنه ينسبها إلى الصحابي.

أيضاً من منهجه انه أكثر من الاستطرادات التي لاصلة لها بالتفسير مثل الحديث عن ابتلاءات إبراهيم عليه السلام فيذكر روايات كثيرة فيه ومثل صفات الحجر الأسود ومكانه وحملته وذكر نبذاً من حكم عيسى عليه السلام ولذلك وهي خارجة عن صلب التفسير.


بعد أن أنهى تفسيره عنون في نهاية تفسيره ذكر ماورد في سورة الخلع وسورة ...........


وهذا قد يوهم انه كان يوهم أن هاتين السورتين من القران الكريم وليس كذلك وإنما هما في مصحف أبي بن كعب وماذكر أبي بعد أن جمع القران الجمع الأخير لايعتد به.

سادساً: أنه ختم تفسيره بدعاء ختم القران بنقل مطول من أول كتاب أسباب النزول للحافظ بن حجر العسقلاني المسمى بالعجاب في بيان الأسباب وقد تكلم فيه ابن حجر العسقلاني عن جملة في تفسيره عن تفسير الطبري وابن أبي حاتم وعبد بن حميد المنذر تكلم عن هذه التفاسير من حيث الإجمال ثم تكلم عن التابعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين اشتهروا بالتفسير مثل بن عباس وذكر الثقات من التابعين والضعفاء منهم ومن بعد التابعين ثم تكلم عن التفسير الذي يروى
عن قتادة السدوسي و تفسير الربيع بن انس وتفسير مقاتل بن حيان وتفسير زيد ابن اسلم وتفسير مقاتل بن سليمان وتفسير يحي بن سلام وتفسير سنيد وغيرهم


وتفسير السيوطي بهذا يعد أجمع كتب التفاسير بالمأثور الموجودة اليوم المطبوعة لأنه قد استوعب كل الكتب التي تقدمت وإذا خرجت أحاديثه وتحقق من الصحيح منها الضعيف والحسن فإنها فائدته في غاية النفاسة ومن اثمن الكتب.



السيوطي رحمه الله قدم في أول تفسيره في المقدمة بمقدمة ذكر فيها الكتب التي نقل منها
وهذا يستغرب انه يقدم لهذا الكتاب المليء بالروايات عن السلف والمليء بالروايات التي اعتمد فيها على كتب سابقة ولايذكر هذه الكتب فهو في صفحة ونصف إلا أن الدكتور الفاضل حازم سعيد حيدر قد اخرج في بحث قيم في العدد الأول من مجلة الدراسات القرآنية التي تصدر عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف قد صدرت قبل سنة تقريبا أو اقل من ذلك نشر بحثا قيما بعنوان مقدمة التفسير الدر المنثور بين المطبوع والمخطوط وذكر أن المخطوطات الكتاب فيها المقدمة ذكر السيوطي رحمه الله الكتب والأئمة الذين اعتمد عليهم في تفسيره وسردهم سردا قيما ولذلك كان ينبغي على الذين حققوا الكتاب في طبعته الأخيرة أن يذكروا هذه8 المقدمة التي ذكرها السيوطي ولايغفلوها إلا أنهم قد أغفلوها ولذلك أنا انصح طلبة العلم أن يأخذوا هذا البحث أو هذه المقدمة التي ذكرها الدكتور حازم سعيد حيدر ويضموها مع الجزء الأول من تفسير الدر المنثور حتى يقراها القارئ مع مقدمة الكتاب .


طبعات كتاب الدر المنثور كثيرة ويعد كتاب الدر المنثور للسيوطي من أول الكتب التي طبعت فأول طبعة لكتاب الدر المنثور هي طبعة المطبعة المنيرية في القاهرة 1314 للهجرة، طبعت الطبعة الأولى لكتاب الدر المنثور للسيوطي ،وهذه الطبعة قد نفذت من الأسواق ولم تعد توجد إلا في المكتبات العامة وعند كبار العلماء.


الطبعة الثانية من طبعات الدر المنثور هي طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر في بيروت وهذه الطبعة طبع في هامشها القران الكريم مع تفسير بن عباس الذي نسب إليه خطأ وهو الكتاب الذي سمي تنوير المقباس من تفسير بن عباس وقد خرجت هذه الطبعة عن دار المعرفة في ستة مجلدات هذه الطبعة هي اشهر طبعات الدر المنثور .
طبعة دار المعرفة في بيروت هي اشهر طبعات الدر المنثور وعنها صورت بقية الطبعات


الطبعة الثالثة طبعة دار الكتب العلمية في بيروت الطبعة الأولى عام 1410 هجرية موهي صورة من الأولى دار المعرفة وطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة مثلها اعتمدت دار المعرفة في بيروت ثم الطبعة الثانية لدار الكتب العلمية عام 1420 تقريبا ثم طبعة دار الفكر في بيروت في ثمانية مجلدات طبعا دار الفكر في بيروت طبعتها في ثمانية مجلدات ثم الطبعة الأخيرة وهي التي بين أيدينا اليوم وهي طبعة دار هجر التي حققها معالي الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية وقد خرجت هذه الطبعة في سبعة عشر مجلدا الخمسة عشر مجلد الأولى منها في التفسير والمجلد السادس عشر والسابع عشر هي فهارس للأعلام وللآثار لكل ماور في هذا التفسير القيم وقد ذكروا إنما اعتمدوا على عدد كبير من النسخ المخطوطة الموثوقة في مكتبة المدينة المنورة وفي مكتبة في مكة وفي مكتبات مصر وغيرها وقد قابلوها على هذه المخطوطات وعلى هذه النسخ فخرجوا الكتاب في أبهى حلة وفي أجمل حلة وطبع طباعة جيدة ومتميزة، وقاموا بتخريج الآثار والأحاديث وكل الروايات التي في الكتاب بحسب الطاقة فما كان الكتاب الذي نقل منه السيوطي موجود من تفسير الطبري وغيره فإنهم يوثقون من الكتاب نفسه وماكان الكتاب الذي نقل منه السيوطي مفقودا ينقلون أو يوثقونه من الكتب التي بعده وهكذا وقاموا بضبط النص وتخريج الآيات والقراءات والأحاديث والآثار وأبيات الشعر واتبعوا ذلك بفهارس قيمة فتعد هذه الطبعة هي أوفى طبعات الدر المنثور للإمام أبي بكر جلال الدين السيوطي رحمه الله رحمة واسعة وهذا الكتاب من أهم كتب التفسير بالمأثور أن لم يكن أهمها لأنه جمع كل ماتقدمه في التفسير بالمأثور .


وتوفي رحمه الله بعد عمر بلغ 61 سنة اشتغل أكثرها بالعلم وبالتصنيف وبالتأليف ولذلك زادت مؤلفاته عن سبع مائة وعشرين كتاب جمعها بعض الباحثين وتتبعها ومن المتقدمين أيضا ، ومن الذين كتبوا ترجمة خاصة للسيوطي تلميذه الشاذلي فله كتاب سماته بهجة العابدين في ترجمة جلال الدين وقد طبعه المجمع اللغوي في دمشق مؤخرا في مجلد وترجمة الإمام السيوطي في كثير من الكتب ترجمة له تلميذه الداوودي صاحب كتاب طبقات المفسرين ترجمة حافلة
ويعد السيوطي من اللغويين ومن المفسرين ومن الأصوليين ومن المحدثين فله في كتب هؤلاء جميعا ترجمة وقد توفي رحمه الله ليلة الجمعة 19 جمادى الأولى سنة 911/19/5 هذا اليوم الذي توفي فيه جلال الدين السيوطي رحمه الله بعد أن أصابه مرض استمر به سبعة أيام وأصابه ورم شديد في ذراعه اليسرى آلمه ألما شديدا فمرض بعده أياما ثم توفي رحمه الله في هذا التاريخ ودفن في قوسون خارج باب في القاهرة رحمة الله عليه رحمة واسعة وقد رثاه الكثير من العلماء ومن الشعراء وبقيت كتبه تملأ المكتبة الإسلامية فله كتب في غاية النفاسة في التفسير وفي علوم القران ويعد كتابه الإتقان في علوم القران من أفضل كتب علوم القران واجمعها وله كتب النحو مثل كتاب همع الهوامع وله كتاب جمع الجوامع أيضا وله كتاب قيم المزهر في علوم اللغة يعد من أنفس الكتب في موضوعه
أسال الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته وان يجزل له الثواب وان ينفعنا بعلومه


 
أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في برنامجكم الأسبوعي أهل التفسير .
كنت ذكرت لكم في إحدى حلقات هذا البرنامج أننا لانتقيد بزمان نسير عليه في هذه التراجم ، وإنما نتنقل بين العصور الإسلامية فنختار من المفسرين من هو من المؤلفين الذين لهم مؤلفات ولهم كتب مطبوعة حتى يكون انتفاعك أيها الأخ المشاهد الكريم على وجهه ،عندما نتكلم عن كتاب مطبوع تجده في المكتبات وتشتريه وتقرأه وتعرف منهجه.
وكنت ذكرت لكم في ترجمة قَتادة ابن دعِامة السدوسي رحمه الله المفسر التابعي الكبير ، ذكرت لكم أن أبا عبيدة معمر ابن المثنى ، ذكر أنه ماكان يوم يمر عليهم في البصرة إلا ويرون قادماً يقدم من جهة بلاد الشام من جهة خلفاء بني أمية يسأل عن بيت من الشعر أو يسأل عن يوم من أيام العرب ثم يعود إلى الشام .
وأريد أن أتحدث في هذه الحلقة عن أبي عبيدة معمر ابن المثنى ذلك العالم الذي نقل لنا هذه أو هذا الخبر.
معمر ابن المثنى التيمي البصري عالم كبير من علماء التفسير ومن علماء اللغة،وقد كان له صولة وجولة في العلم ،وصنف مصنفات كثيرة زادت عن المائتين مصنف ، واختلف فيه المترجمون وفي ترجمته ولذلك فانك لاتكاد تجد في كتب التراجم عن أبي عبيدة إلا النذر اليسير من أحداث حياته، ومن تفاصيلها غير أن الذي دعاني إلى الحديث عنه وفي هذه الحلقة وهو كتابه مجاز القرآن هذا الكتاب العمدة التي اعتمد عليه من جاء بعده من المفسرين ، والذين كتبوا في غريب القران أيضاً.
وقد ذكر أبو عبيدة في أوله كلاماً قال فيه رحمه الله (( إنما أنزل القران بلسان عربي مبين وتصّداق ذلك في آية من القرآن وفي آية أخرى (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ (4) )) إبراهيم
فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه )) .
وأما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص ، وفي القران مثل مافي كلام العرب من وجوه الإعراب ومن الغريب ومعانيه .
هذا الكلام يقوله أبو عبيدة في المقدمة الثانية من كتابه مجاز القرآن .
أبو عبيدة ولد تقريبا سنة 110 وبعض الروايات تنقل هذا عنه انه توفي في السنة أو أنه ولد في السنة التي توفي فيها الحسن البصري رحمه الله تعالى سنة 110 وتوفي أبو عبيدة سنة 211، فقد عاش أبو عبيدة مايقارب المائة من السنوات، وهذا عمر طويل أتاح لأبو عبيدة أن يطلب العلم ،وأن ينهل منه وأن يصنف المصنفات الكثيرة ،وأن يدرك الكثير من العلماء من التابعين ومن بعدهم .
أبو عبيدة رحمه الله صنف كتابه (مجاز القران) الذي نريد أن نتحدث عنه تقريبا سنة 188 من الهجرة ، وقد ذكر أهل التراجم في سبب تأليفه لهذا الكتاب الذي معنا في هذه الحلقة وهو مجاز القران، ذكروا قصة طريفة وهي أنه قدم إلى بغداد وهو من أهل البصرة قدم إلى بغداد على الفضل ابن ربيع ، فدار حديث في مجلس الفضل عن قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات )) وهي شجرة الزقوم قال ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) ))) فقال سائل لأبي عبيدة ياأبي عبيدة إن العرب تشبِّه الشيء المجهول بالشيء المعلوم حتى يتضح الشيء المجهول ، فكيف يشبّه الله هنا شيئا مجهولاً بشيء مجهول ؟ يقول عن شجرة الزقوم التي طعام أهل النار والعياذ بالله ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) )) ونحن لم نرى الشيطان ولم نعرف كيف هو رأسه
فقال أبو عبيدة في جوابه على هذا السؤال أن العرب قد استقر في كلامها أن الشيطان قبيح المنظر وكذلك الغول ، فأصبحت تشبه به كل شيء قبيح فتقول هذا وجهه قبيح كوجه الشيطان وهذا رأسه قبيح كرأس الشيطان ،ثم استشهد له ببيت من قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة التي تكاد تتفوق على المعلقة في جودتها وفي جمالها وهي التي يقول في مطلعها :
[FONT=Times New Roman, serif]ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي [/FONT]


[FONT=Times New Roman, serif]وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ [/FONT]


ثم ذكر الشاهد الذي يستشهد به فقال :
[FONT=Times New Roman, serif]أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ[/FONT]


فامرؤ القيس هنا قد شبه الرمح بناب الغول قال :


[FONT=Times New Roman, serif]وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ[/FONT]
قد تكون مقصود به الرمح وقد يكون مقصود به الأسهم التي معه .
إلا أن الشاهد انه شبه هذه الأسهم أو هذا الرمح في حدته بناب الغول مع أن العرب لاتعرف ناب الغول إلا أنه قد استقر في أذهانها أنه حاد أو انه وجهه قبيح ومثله وجه الشيطان أو ورأس الشيطان ولذلك جاء كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن موافقا لكلام العرب وسننها في كلامها فقال: ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات )) قال فاستحسن هذا الجواب من أبي عبيدة في ذلك المجلس قال أبو عبيدة فأضمرت في نفسي أن أصنف كتاب على هذا المنوال أتتبع فيه غريب القران أو نحو ذلك فصنف كتابه مجاز القران .
إلا انه طعن على هذه الحادثة بأنها لم تثبت، وأن أبو عبيدة عند تفسيره لهذه الآية لم يذكر هذه القصة ، لكن هذه تذكر من باب المُلح في أسباب تصنيف كتاب المجاز في القرآن لأبي عبيدة .
أبو عبيدة معمر بن المثنى ولد في البصرة ونشأ بها وتعلم على علماء البصرة ولازمهم ، ومن أهم وأبرز شيوخه الذين أخذ عنهم العلم والذين يفخر أبو عبيدة بعلمهم وتتلمذه عليهم والعلامة المقرئ اللغوي أبو عمر ابن العلاء البصري المقرئ المشهور رحمه الله .
أبو عمر ابن العلاء البصري المتوفى في السنة الرابعة والخمسين بعد المائة هو من أهم وأكبر شيوخ أبو عبيدة معمر المثنى اللذين أخذ عنهم القراءة قراءة القران الكريم ، وأبو عمر بن العلاء كما تعلمون هو أحد القراء السبعة الذين أخذ عنهم القران الكريم ، وهو من أهل البصرة ومن كبار علمائها وأضف إلى علمه بالقراءة فقد كان عالما مبرزاً في لغة العرب حتى أنه قد روى شطر اللغة العربية التي نتكلمها الآن والتي يتداولها العلماء في كتب اللغة من أشعار العرب ومن ألفاظها ، فإن أبا عمر ابن العلاء هو الذي روى لنا هذا القدر الكبير من لغة العرب ، وهو من أعمدة الرواية ومن أهل السنة ومن العلماء الكبار الأثبات الثقات الحفاظ الموثوقين في دينهم وفي أمانتهم وفي حفظهم.
وتحضرني قصة طريفة لأبي عبيدة رحمه الله مع شيخه أبي عمر ابن العلاء يقول أبو عبيدة انه قد أنني حضرة أبي العلاء في وفاته فقال أبو عمر لأبي العلاء لأبي عبيدة وهو في اللحظات الأخيرة قال: ياأبا عبيدة والله ماكذبت على العرب في شيء رويته قط ، وهو كذلك من أهل الثقة ومن أهل العدالة إلا أن هذه القصة تروى في ترجمته في بعض الكتب التراجم ، قال : وما زدت إلا بيتا في قصيدة الأعشى العينية التي يقول فيها :
[FONT=Tahoma, sans-serif]و احتلتِ الغمر فالجدين فالفرعا [/FONT]


[FONT=Times New Roman, serif]بانَتْ سُعادُ، وأمْسَى حَبلُها انقطع،[/FONT]
وأنكرتنى وماكان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
يقول أبو عمر ابن العلاء أنا الذي أضفت:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
قال هذا الكلام لتلميذه أبى عبيدة
فقال أبو عبيدة والله لقد قرأت هذه القصيدة ، وهذه القصيدة للأعشى الشاعر الأعشى ميمون ابن قيس الكبير يمدح بها هود ابن علي الحنفي وهي من عيون شعره وهي مليئة بالشواهد.
قال: قد قرأت هذه القصيدة على بشار ابن برد قبل عشرين سنة .
فقال لي: قولك :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلع
ليس من شعر الأعشى
قال :فقلت له من شعر مَن إذاً ؟
فقال :لا ادري
قال : بعد عشرين سنة أخبره عمر ابن العلاء أنه هو الذي أضاف هذا البيت في هذه القصيدة .
وهذا قد يستدل به البعض على أن هذا قدح في سيرة أبي عمر ابن العلاء رحمه الله وهذا ليس كذلك ، بل هو دليل على أمانته وعلى ثقته وعلى سعة حفظه وروايته، فالشاهد أن أبا عبيدة رحمه الله كان يفخر بتتلمذه على هذ1ا الإمام العلامة الحافظ الراوية أبي العلاء ابن عمر البصري رحمه الله المتوفى سنة 154 ه وهذا من أكبر شيوخه وأعلمهم .
فأبو عبيدة صنف كتابه هذا وكثيراً من كتبه في زمان هو في زمان بداية التصنيف، وكنت تحدثت لكم في أول الحلقات عن ابن عباس ومنهجه في التفسير، وذكرت لكم أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصنف كتابه في التفسير ،ثم جاء الحديث بعد ذلك عن بعض تلامذة ابن عباس .
تكلمنا عن بعض التابعين ولعلنا إن شاء الله في حلقات قادمة نتكلم عن بعض تلامذته كمجاهد ابن جبر وغيره .
جاءت مرحلة التابعين وبعض العلماء ينسب إلى التابعين مصنفات منها ماحفظ من تفسير مجاهد على كلام فيه ومنها ما فقِد .
وسعيد ابن جبير قد روي عنه انه صنف كتابه في التفسير إلا أنه لم يصل إلينا .
جاء الطبقة التي بعدهم مثل طبقة أبي العمر ابن العلاء وطبقة تلاميذه أبي عبيدة معمر ابن المثنى الذي نتحدث عنه في هذه الحلقة فبدأ التصنيف يظهر في تفسير القرآن الكريم.
أبو عبيدة معمر ابن المثنى في كتابه هذا مجاز القرآن لم يصنف كتاباً في التفسير بحيث أنه فسر القرآن الكريم كاملاً كما صنع الطبري وكما صنع القرطبي وابن عطية وغيرهم من المفسرين ،وإنما صنف هذا الكتاب وتكلم فيه عن الآيات الغريبة أو الآيات التي قد لايفهمها المسلم العادي فصنف هذا الكتاب وخرج هذا الكتاب في مجلدين .
أبو عبيدة رحمه الله يعدٌّ من علماء اللغة الكبار ، وليس مشهوراً ولا مصنفاً من أنه من المفسرين الكبار ،ولذلك كتابه هذا مجاز القرآن الذي نتحدث عنه في هذه الحلقة هو كتابُ في غريب القرآن ، وغريب القرآن هو علم من علوم القرآن التي هي من أوائل العلوم التي نشأت حول القران الكريم وهو يعنى بشرح الألفاظ التي في القرآن الكريم التي لايستوي في المعرفة بها أهلها الذين يتكلمون وسائر العرب، ولذلك فإن غريب القران الكريم المقصود به هو هذا المعنى الألفاظ التي لايفهمها كل احد أو لايتساوى في المعرفة بها كل احد وخاصة أهلها الذين يتكلمون عن العرب وغيرهم من سائر المسلمين .
ولذلك أبو عبيدة عندما قرأت كلامه في أول الحلقة وأنا أريد أن أشير إلى مسالة وهي أن أبو عبيدة رحمه الله يرى أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ونزل على العرب بطرائقهم وأسلوبهم في الكلام ، ولذلك لم يحتج الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وأسئلة كثيرة عن معاني القران الكريم ، بل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن اللفظة الغريبة من ألفاظ القران الكريم لأنه لم يكن فيه لفظة غريبة عن الصحابة رضي الله عنهم وكانوا يفهمون القرآن الكريم على وجهه ، وقد ذكرت بعض الألفاظ التي سئل عنها مثل قولهم أن أبا بكر رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى ((وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)عبس )))
فقال أي سماء تظلني وأي ارض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله برأي
وأيضا يروى أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه سأل عن معنى قوله سبحانه وتعالى (( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ (47) النحل )))
فقال عمر رضي الله عنه وكان على المنبر قال : مامعنى التخوف؟ فسكت الناس فقام رجل من هذيل وقال:ياأمير المؤمنين التخوف عندنا ياهذيل هو التنقص. فقال له عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : وهل تعرف العرب ذلك ؟ يريد شاهد يشهد له ،عمر رضي الله عنه كان يتحرز كثيراً في نسبة شيء في القرآن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشدد في طلب الشاهد الذي يشهد له .
فقال الرجل الهذلي نعم يقول شاعرنا :
وهذا استشهاد منه بالشعر الجاهلي ،قال يقول شاعرنا :
تخوف الرحل منها تامكا قرداً [FONT=Arial, sans-serif]* * * [/FONT]كما تخوف عود النبعة السفن
هذه القصيدة لأحد شعراء هذيل يصف بها ناقته ويقول إنني قد وضعت القتبة على ظهر الناقة و أكثرت السفر بها حتى أن هذا الرحل او هذا القتب الذي على ظهر هذه الناقة قد بردها كما يصنع المبرد بالحديد فأنحى سنامها
قال :
تخوف الرحل منها: يعنى تنقص الرحل منها ،من هذه الناقة .
تامكا قرداً: التامك القرد هو السنام .
كما تخوف عود النبعة السفن: والسفن: هو المبرد.
فيقول القتب قد أنقص هذا السنام كما يصنع المبرد بالخشب .
فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :نعم الآن وصدقه في هذا القول الذي ذهب إليه وهو أن التخوف في القران الكريم بمعنى التنقص ، واستشهد عليه بشاهد جاهلي من شعر هذيل .
هذه تروى فعلا عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم استشكلوا أو لم يفهموا بعض مفردات القران الكريم الغريبة .
لكن لم يروى هذا ولم يؤثر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك أبو عبيدة يرى أن الحديث في معاني القران الكريم وفي ألفاظه الغريبة انطلاقا من معرفته بلغة العرب ، فهو انطلق في تفسيره هذا وفي كتابه في غريب القران مجاز القران انطلق فيه من معرفته الواسعة بلغة العرب ، فهو واسع الرواية بلغة العرب هذا المنهج كان مستغرباً في زمان أبي عبيدة ، ولذلك ولم يسبق أن صنف احدٌ على هذا المنوال أن يأتي إلى القران الكريم فيفسره باللغة دون الرجوع إلى تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القران بالسنة أو تفسير القران الكريم بأقوال السلف كأقوال كابن عباس من الصحابة وغيره.
أبو عبيدة لاء انطلق مباشرة من النص القرآني وفسره كما يفسر أي نص لغوي.
هذا المنهج العام الذي سار عليه أبو عبيدة .
ولذلك كان لتأليفه ردة فعل غير مرغوب فيها من الذين عاصروه مثل الفراء يحيى ابن زياد الفراء وكان معاصراً له ومثل الإمام أحمد بعد ذلك ،ولذلك يقول الفراء الذي تمنى .
روى عن الفراء يحيى ابن زياد قال أتمنى أن اضرب أبا عبيدة بالسوط كذا وكذا أو أن أقنعه بالسوط كذا وكذا لكتابه مجاز القرآن يعنى يرى أنه يستحق الضرب على تصنيفه لهذا الكتاب .
والأصمعي أيضاً قد اشتهر عنه أنه كان لايسأل عن شيء من القران لاا ويسكت ويتحرج ، بل هو من أعلم الناس الأصمعي وهو من أقرانه الأصمعي من أقران أبي عبيدة الذي نتكلم عنه في هذه الحلقة كان يتحرج من القران في القران الكريم والتفسير فيه .
ولذلك لما بلغه لما طلع على كتاب أبي عبيدة غضب ولامه في ذلك ، وأيضاً أبو حاتم الجسستاني مع أنه من تلاميذ أبو عبيدة وهو من علماء اللغة الكبار الذين تتلمذوا على أبي عبيدة وقد توفي سنة 255 للهجرة كان يذهب إلى أنه لاتحل كتابة كتاب المجاز ولا قرأته إلا لمن يصحح خطأه ويبينه ويغيره .
وهذا أيضاً كان موقف الزجّاج والنحّاس والأزهري منه ،من كتاب أبي عبيدة وهم كانوا متأخرين عنه.
أيضاً من العلماء الذين انتقدوا كتاب أبي عبيدة انتقدوه انتقاداً شديداً وكتبوا فيه ، علي ابن حمزة البصري المتوفى سنة 375 هجرية فهو بعده بمدة طويلة له كتاب سماه التنبيهات على أغاليط الرواة ، وانتقد فيه عدد من الكتب التي صنفت قبله وانتقد من ضمنها كتاب مجاز القران لأبي عبيدة وبين مافيه من أخطاء ، لكن للأسف الشديد أن هذا الكتاب قد طبع والجزء الذي نقدّ فيه الكتاب مجاز القران لأبي عبيدة من الأجزاء المفقودة من هذا الكتاب .
إذاً أبو عبيدة رحمه الله معمر ابن المثنى التيمي البصري عندما صنف هذا الكتاب وصنفه على كبر وعلى خبرة وعلى معرفة وسواء كان الدافع له إلى تصنيف هذا الكتاب القيم هو تلك الحادثة التي ذكرتها لكم في مجلس الربيع أو الفضل بن الربيع أو كان دافعاً ذاتياً من أبي عبيدة في تأليف كتاب في غريب القران الكريم، إلا أن هذا الكتاب على الرغم من الطعون والانتقادات الشديدة التي وجهت لأبي عبيدة في زمانه فإن هذا الكتاب أصبح مصدراً أساسياً للعلماء بعده ،ولذلك يعّد هذا الكتاب من أول إن لم يكن أول كتاب في غريب القران فهو من أوائل الكتب التي صنفت في غريب القران ، لأنه قد نسبت كتب في غريب القران إلى زيد ابن علي رضي الله عنه ونسبت إلى غيره من العلماء كتب في غريب القرآن إلا أن هذا الكتاب مجاز القران هو أول أو من أول الكتب التي صنفت في غريب القرآن ، وهو عمدة عند العلماء اعتمد عليه ممن جاء بعده ابن قتيبة عبد الله ابن مسلم ابن قتيبة في كتابه مشكل القرآن وفي كتابه غريب القرآن واعتمد عليه الطبري في كتابه جامع البيان بل أكاد أجزم أن الطبري رحمه الله قد أودع هذا الكتاب في كتابه التفسير ، وإن كان لايسمي أبا عبيدة وكثيراً مايذكر أو يورد كلام أبي عبيدة لينتقده ويسميه يقول: وقال بعض أهل المعرفة بلغة العرب من أهل البصرة ،وقال بعض أهل اللغة من أهل البصرة ، وقال بعض من يدّعى المعرفة بلغة العرب من أهل البصرة ،فهو يذكر ه ولايصرح باسمه ، لكن الموازنة بين كتاب مجاز القران وبين تفسير الطبري تظهِر للقارئ أن الطبري اعتمد كثيرا على كتاب مجاز القران .
وهذا الموقف الذي وقفه العلماء من صنيع أبي عبيدة قد وقفوه أيضاً من الفراء فالفراء صنف كتاباً سماه معاني القران وسار فيه على صنيع أبي عبيدة فانتقده كثير من العلماء الذين عاصروه ومنهم الإمام احمد ابن حنبل قال: كنت أظن أن الفراء رجلا صالحا حتى رأيت كتابه في تفسير القران .
الشاهد أيها الإخوة أن كتاب مجاز القران يعدّ عمدة من كتب غريب القرآن لايستغنى الباحث عنها ،وقد طبع هذا الكتاب قديماً بتحقيق الدكتور فؤاد تزكين وكان رسالة للدكتوراه وهذه الطبعة هي الطبعة الوحيدة للكتاب المعتمد .
وهناك طبعة خرجت قبل سنة أو سنتين إلا أنها غير جيدة من حيث الإخراج ومن حيث التحقيق العلمي وهذا الكتاب في الحقيقة في حاجة إلى إعادة تحقيقه تحقيقا علمياً يستند فيه المحقق إلى الكتب الكثيرة التي طبعت بعد ذلك من كتب غريب القران وكتب التفسير وأيضاً فن تحقيق المخطوطات قد تطورت كثيراً.
فالدكتور فؤاد تزكين رحمه الله قد حققه قبل مايزيد عن خمسة وخمسين سنة ، وخلال خمس وخمسين سنة قد ظهر كثير من الكتب التي كانت مخطوطة .
نذكر الكتاب نذكر بعض منهج أبي عبيدة في هذا الكتاب أبو عبيدة رحمه الله قد بدا فيه في الحديث عن القرآن الكريم وعن اشتقاق القران الكريم فقال : القرآن اسم كتاب الله خاصة ولايسمى بله شيء من سائر الكتب غيره وإنما سمي قرانا لأنه يجمع السور ويضمها وتفسير ذلك في آية من القران قال الله جل ثناؤه ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة
))) مجازه
لاحظوا وهذه مسألة مهمة جداً من المسائل التي أريد أن أشير إليها أبو عبيدة لايقصد بقوله مجاز القرآن هنا هو المجاز الذي عرف عند أهل البلاغة وهو صرف اللفظ أو صرف اللفظ من معناه الراجح إلى معناه المرجوح لقرينة .
هذا هو المجاز عند علماء البلاغة لاء لايريد به هذا المعنى وإنما يقول مجازه إنما معناه مجاز القران أي معاني القران التي أريد بها فقوله هنا قوله ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة )) مجازه : تأليف بعضه إلى بعض .
معناه أي ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17))) أي معنى هذه الآية تأليف بعضه إلى بعض
فأبو عبيدة يقصد بكلمة مجازه أي معناه .
ولذلك بعض الذين ترجموا له يسمون كتابه هذا معاني القرآن وبعضهم يسميه غريب القرآن والاسم الذي طبع به واشتهر هو مجاز القران وكلها تقريبا مسميات بمعنى واحد وإن كان فيها فروق لكنها هذا الوقت ليس مناسباً للتفصيل في ذلك
قال مجازه ((فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)القيامة ))) مجازه فإذا ألفنا منه شيء فهو ممناه إليك فخذ به واعمل به وضمه إليك
ثم يستشهد أبو عبيدة بشاهد من الشعر
وقال عمر ابن كلثوم في هذا المعنى :
ذراعــي حـــرة أدمــاء بــكر هيـــجان اللــون لــم تقــــرأ جنينــا
أي لم تضم في رحمها ولد قط .
ويقال للتي لم تحمل قط ماقرأت سناً قط .
هذا أبو عبيدة في منهجه الذي سار عليه في الكتاب قلت لكم انه أصبح عمدة عند المتأخرين بعده وهو الاستشهاد بالشعر في تفسير القران الكريم وفي معرفة الألفاظ الغريبة.
هذا كان مستغرباً في زمانه وأنكر عليه ،لكنه أصبح فيما بعد حجة يحتج بها المفسرون .
ولذلك فهذا الكتاب على أنه في مجلدين فقط قد ورد فيه مايزيد عن تسع مائة وخمسين شاهد من الشعر المحتج به الذي رواه أبو عبيدة عن شيوخه ورواه عن الأعراب أنفسهم الشعراء وكان روى عن ابن العجاج الشاعر المعروف.
ولذلك فأنا أقول أن المفسرين بعد أبي عبيدة عالة عليه في شواهد الشعر قد أخذوها كلها في كتبهم أخذها ابن جرير وأخذها ابن قتيبة وأخذها غيرهم ، ويعد هذا الكتاب عمدة في غريب القران رجع إليها أصحاب المعاجم مثل الأزهري وغيره ، وان كانوا انتقدوه في مواضع وردوا عليه في مواضع وهذا لايمنع ولا يغظ من قيمة كتاب أبي عبيدة رحمه الله في غريب القرآن .
وتأثر العلماء به مثل الإمام البخاري في كتابه الصحيح قد اعتمد على مجاز القرآن لأبي عبيدة في تفسيره للقران الكريم في مواضع كثيرة .
واعتمد عليه أيضا الطبري واعتمد عليه ابن عطية واعتمد عليه ابن قتيبة واعتمد عليه كثير ممن جاؤوا بعده من المفسرين كالقرطبي وابن عطية وغيره ، وهذا يدل على مكانة هذا الكتاب وعلى قيمة هذا العالم بالرغم مما قيل في سيرته رحمه الله من انه كان من الخوارج أو انه كان فيه كذا وكذا إلا انه رحمه الله كان شديد الطعن على بعض العلماء والمخالفين له إلا أن هذا لم يطعن في ثقته وفي عدالته وفي روايته ولذلك اعتمد العلماء على روايته .
ولذلك له كتب ولكن معظمها كتب مفقودة من اشهرها :كتاب الخيل وهو كتاب شرح النقائض نقائض جرير والفرزدق له كتاب في شرح النقائض في ثلاثة مجلدات يعتبر من أفضل شروح هذه القصائد من قصائد جرير والفرزدق ويعد عمدة عند اللغويين وعند المؤرخين على حد سواء .
كتاب مجاز القران لأبي عبيدة معمر ابن المثنى التيمي البصري المولود سنة 110 في البصرة والمتوفى في البصرة سنة 210 __ 211 على خلاف بين المؤرخين يعد عمدة من كتب غريب القران التي تعد هي اللبنة الأولى من كتب التفسير .
ولذلك كتب غريب القران قد ضمنت في كتب التفسير والحديث عن أهل التفسير يدخل فيه الحديث عن أهل القران بالأصالة مثل مجاز القران مثل أبي عبيدة ومثل الفراء ومثل أبي قتيبة والذين بإذن الله سوف يأتي الحديث عنهم بحلقات قادمة بإذن الله تعالى
نسال الله سبحانه وتعالى أن يجزل الثواب لأبي عبيدة معمر ابن المثنى على حفظه هذا العلم وحفظه لهذه اللغة العزيزة الوافرة في كتابه مجاز القران .
ونسال الله سبحانه وتعالى ان يعفوا عنا وعنهم وان يجمعنا بهم في جنات النعيم .
والى لقاء قادم بإذن الله تعالى مع إمام من أئمة التفسير ومع كتاب قادم من كتب التفسير .
استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين , وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمدا وصحبه وآله أجمعين حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في برنامجكم أهل التفسير ... اليوم سوف نبحر بكم مع علم كبيرا من أعلام المفسرين هو "الإمام محمد بن جرير الطبري " قال الإمام محمد بن جرير الطبري : ( إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ! وكيف يلتذ بقرأته ؟! ) , وقال ياقوت الحموي في ترجمة محمد بن جرير رحمه الله ومثله عبدالوهاب السبكي في طبقات الشافعية قال أبو جعفر لأصحابه وتلاميذه : ( أتنشطون في تفسير القرآن ؟) قالوا : ( كم يكون قدره ؟ ) قال : (ثلاثون ألف ورقة ) فقالوا : (هذا ربما تفنى الأعمار قبل تمامه ) فاختصره في ثلاثة ألاف ورقة . وهذا الكتاب الذي أراد أن يمليه عليهم في ثلاثين ألف ورقة ثم اختصره في ثلاثة ألاف ورقة , طبع أول ماطبع في خمسة ألاف ومائتين ورقة , وقال أبو حامد الاسفرائيني : ( لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب ابن جرير في التفسير لم يكن ذلك كثيرا ) كتاب محمد بن جرير الطبري في التفسير أيها الإخوة المشاهدون هو أعظم وأضخم كتب التفسير على الإطلاق , فتعالوا معي حتى نتعرف على هذا المفسر الكبير وهذا العالم الفقيه المجتهد من بداية قصته أين ولد ؟؟ وكيف نشا رحمه الله رحمة واسعة ؟ وكيف طلب العلم ؟ وكيف رحل في رحل في طلب العلم ؟ وكيف بدأت فكرة تصنيف هذا التفسير العظيم الذي نتحدث في هذه الحلقة عنه وعن منهجه وقيمته العلمية . ولد محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري * وكما نلاحظ من اسمه ومن نسبه أن كل الأسماء التي في نسبه أسماء عربية مما يرجح انه عربي النسب وان كان قد ولد في طبرستان * رحمه الله تعالى في سنة 224 هـ في بلدة صغيرة اسمها آمل من قصبة طبرستان , وطبرستان مدينة أو قصبة أو إقليم في شمال بلاد فارس تقع اليوم على ضفاف بحر قزوين فهي تقع الآن شمال إيران وبينها وبين الري التي تسمى الآن طهران وهي ليست طهران وإنما قريبة من طهران الآن , مدينة الطبري التي هي " آمل " تقع شمال طهران وبينها وبين مدينة طهران ليست بالبعيدة , في تلك البلدة الصغيرة شمال إيران ولد الإمام محمد بن جرير الطبري سنة 224هـ , وقد كان رحمه الله يشك في تاريخ ولادته ويقول أنني ولدت في سنة 224 أو 225 وقيل له لما هذا الشك ياابا جعفر قال : لان أهل بلدي يؤرخون الحوادث بقصص تقع ولما كبرت وسألتهم عن تلك الحادثة التي أرخوا بها تاريخ ولادتي فبعضهم قال أنها في أواخر سنة 224 وبعضهم قال أنها في أوائل سنة 225 , والفرق ضئيل بين التقديرين . وسنة 231هـ بعد أن أكمل سبع سنوات كان قد أكمل حفظه للقرآن الكريم , والسبب الذي جعله يحرص على حفظ القرآن الكريم ويعنى به من بدايته أن أباه قد رأى له رؤيا وهو صغير وأبو محمد بن جرير الطبري وهو جرير رحمه الله لكن كان رجلا عاميا لكن صالحا ويحب العلم وأهل العلم رأى رؤيا وهي أن ابنه محمد الصغير بين يدي مخلاة مملؤة حجارة وهو جالس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يرمي بهذه الحجارة كأنه يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدافع عنه , فلم سأل جرير المعبرين عن تعبير هذه الرؤيا قالوا : أن ابنك هذا يكبر ويذب عن الإسلام وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فعني به منذ ذلك الوقت وأعانه على طلب العلم وعلى حفظ القرآن , فما بلغ السابعة من عمره إلا وقد أتم حفظ القرآن الكريم , ثم لما بلغ الثامنة من عمره أي بعد سنه أي سنة 232هـ بدأ يؤم الناس في صلاة التراويح وهذا يدل على أنه قد كان فيه نبوغ مبكر , والناس لايثقون إلا من كان قارئا جيدا حافظا , ثم سنه 233هـ بعد أن بلغ عمره تسع سنوات *وتلاحظون انه عمرا صغير في زماننا هذا تسع يعتبر طفل صغير في الثالث الابتدائي أو الرابع الابتدائي * إلا أن محمد بن جرير بدأ في هذه السنة يكتب الحديث عن شيوخ الحديث وقد بدأ بشيخ الحديث في مدينة الري وهي مدينة قريبة من مدينة آمل على الشيخ محمد بن حميد الرازي – رحمه الله تعالى - *ومحمد بن حميد الرازي شيخ من شيوخ الحديث الكبار توفي سنة 248هـ*وقد سمع منه محمد بن جرير الطبري مايزيد عن مائة ألف حديث وهو عدد كبيرا جدا , فلما بلغ عمر محمد بن جرير الطبري اثنتي عشرة سنة رحل من بلدة آمل لطلب العلم , فأخذ يتنقل في المناطق القريبة من مدينته يطلب العلم على شيوخ ذلك الزمان , فبدأ يطلب الحديث ويأخذ عن شيوخ الحديث , فأخذ عن محمد بن حميد الرازي واخذ عن غيره علما غزيرا . وقد ذكر ياقوت الحموي رحمه الله كثيرا من قصصه في طلب العلم , وأفضل من رأيت من ترجم لمحمد بن جرير وتفاصيل أخباره هو ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان . ومحمد بن جرير- رحمه الله- قد صنفت في سيرته وفي ترجمته كتب , منها كتاب ابن كامل صاحبه وتلميذه إلا انه فقد , ومنه أيضا كتاب تلميذه عبد العزيز بن محمد الطبري له كتاب في ترجمة محمد بن جرير الطبري –رحمه الله- وقد نقل منه ياقوت الحموي كثيرا واعتمد عليه في ترجمته , وكتب في ترجمته أيضا القفطي صاحب كتاب أنباه الرواة في أنباه النحاة قد ترجم له في كتاب اسماه محمد بن جرير إلا أن هذا الكتاب للأسف أيضا من الكتب التي فقدت وقد وصفه القفطي باانه كتاب ممتع , وكنا قد تمنينا أن يصل إلينا هذا الكتاب حتى نتعرف على محمد بن جرير وعلى منهجه في طلب العلم أكثر إلا انه قد فقد كما ذكرنا , إلا أن أوسع ترجمه تجدها لمحمد بن جرير الطبري -رحمه الله – الآن موجودة ماتجده في معجم الأدباء لياقوت الحموي , ومافي كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي –رحمه الله رحمة واسعة-. بعد أن رحل محمد بن جرير الطبري لطلب العلم بدأت بهذه السنة وعمره اثنتي عشرة سنة ثم دخل بغداد سنة 236هـ , أول دخول للطبري لبغداد كانت في هذه السنة 236هـ وعمره سبعة عشرة عاما , وسبحان الله العظيم كان عندما رحل إلى بغداد يقصد الإمام –رحمه الله- احمد بن حنبل لشيباني ورحل من اجل أن يلقى احمد بن حنبل ويسمع عنه الحديث , إلا انه لما وصل إلى مشارف بغداد بلغه نعي الإمام احمد ووفاته فحزن لذلك حزنا شديدا ولم يدخل بغداد , وانصرف من بغداد وذهب إلى البصرة فأخذ يسمع الحديث على إمام الحديث بالبصرة و بقي في البصرة مدة طويلة , ثم انتقل إلى الكوفة بعد ذلك وأخذ يقرأ على علماء الكوفة , فقرأ اللغة والشعر على الإمام احمد بن عباس الشيباني المعروف بثعلب –رحمه الله- وهو إمام الكوفيين في النحو وفي اللغة *وثعلب قد ولد سنة 200هـ وتوفي سنة291هـ فالإمام الطبري قرأ عليه تقريبا بعد سنة 241هـ ربما سنه 244 هـ أو سنة 245هـ والإمام ثعلب كان من أئمة اللغة كما ذكرنا , وعليه اعتمد الإمام الطبري في اللغة وفي الشعر وفي النحو , حتى أنه سئل أبو بكر بن مجاهد صاحب كتاب السبعة في القراءات وهو من تلاميذ الإمام الطبري وهو أيضا من تلاميذ الإمام ثعلب فسأله ثعلب يوما فقال له : من بقي اليوم عندك من علماء النحو في بغداد ؟ قال : لم يبقى احد فذكر له الطبري فقال : مادام أبو جعفر الطبري هناك فلا يزال هناك علماء كبار في النحو , وهذا اعتراف من الإمام ثعلب رحمه الله بعلم ابن جرير الطبري و تقدمه في علم اللغة والنحو ثم في سنة 253هـ رحل الإمام محمد بن جرير الطبري إلى مصر رحلته الأولى وعمره تسعة وعشرين سنة , ومر في طريقه على بلاد الشام وعلى السواحل وعلى بيروت وقرأ هناك بالقراءات ثم واصل سيره حتى دخل إلى مصر , وكتب الحديث عن تلاميذ الإمام مالك والشافعي ثم بعد سنة 254هـ رجع إلى الشام مرة أخرى , ثم عاد إلى مصر سنة 256هـ بعد أن بلغ من العلم مبلغا وقد كان عمره في تلك السنة اثنتين وثلاثين سنة , ولذلك يقول الإمام الطبري –رحمه الله – لما دخلت إلى مصر في المرة الثانية كان كثيرا من العلماء يلقني ويختبرني في العلم الذي هو مبرز فيه , وكان الإمام الطبري في تلك السنة مازال يعتمد على والده في المعيشة وكان والده ينفق عليه ويرسل إليه النفقة إلى مصر , ثم بعد أن اخذ قسطا وافرا من العلم في مصر في هذه الرحلة الثانية وكان عمره فوق الثالثة والثلاثين , عاد مرة أخرى إلى بغداد ومكث فيها مدة يطلب فيها العلم ويدرس , ثم عاد إلى بلده طبرستان مرة أخرى , ثم عاد إلى بغداد , ثم رجع مرة أخرى سنة 290هـ إلى طبرستان فوجد الرفض وسب الصحابة قد انتشر بها –والعياذ بالله – فترك المقام بها ورجع إلى بغداد الرجعة الأخيرة واستقر ببغداد سنة 290هـ حتى توفاه الله سنة310هـ مكبا على التصنيف والتأليف والتدريس إلى سنة 310هـ وتوفي رحمه الله رحمة واسعة وعمره ست وثمانون سنة . في حياة الطبري رحمه الله فوائد وعبر كثيرة فقد عاش حياته رحمه الله اعزبا لم يتزوج , عاش منقطعا للعلم وللتعليم وللتأليف , ولذلك كما قال ابن الجوزي رحمه الله ولد العالم ولده المخلد , فقد بقيت آثار محمد بن جرير الطبري وآثار تلاميذه ثروة علمية للأمة الإسلامية ينهل منها طلاب العلم حتى اليوم , وعاش رحمه الله حياة كفافا ,فما كان رحمه الله موسرا وإنما كان رحمه الله يعيش حياة الكفاف . وفي هذه القصة وفي هذه الحياة التي عاشها الإمام محمد بن جرير الطبري عبر كثيرة لطالب العلم , أول هذه العبر أن هذه الرؤيا التي رآها والده في صغره كانت دافعا وحافزا له بإذنه تعالى على المسارعة إلى طلب العلم والمسارعة إلى حفظ القرآن والعناية بهذا الابن الصغير , الأمر الثاني أن الإمام الطبري رحمه الله كان عالي الهمة فمنذ بدأ بحفظ القرآن وطلب العلم وهو صغير ماانقطع عنه رحمه الله حتى وافاه الأجل . وسأقرأ عليكم طرف ممافي ترجمته رحمه الله وهي ترجمة ملخصة من ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي و من كتاب تاريخ بغداد " طوف رحمه الله أقاليم الإسلام لتحصيل العلم ولقاء العلماء فجال بلاد خرسان والعراق والشام ومصر ثم استقر في بغداد -كما تقدم معنا- وقد حاز رحمه الله مقام الإمامة وهو في مقتبل شبابه ثم غدا بعد ذلك إماما فذا مشهود له مرجوع إليه في كل العصور وعلى مر الدهور" ويقول الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في وصفه و هو وصف يدل على تقدمه رحمه الله يقول : (كان احد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد ج مع من العلوم مالم يشاركه فيه احد من أهل عصره وكان حافظا لكتاب الله عزوجل عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القران عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها , وله التفسير المشهور الذي لم يصنف أحدا مثله -وهو الذي سوف نتحدث عنه ونكمل الحديث من اجله – وهو جامع البيان عن وجوه تأويل آي القرآن , وله الكتاب المشهور في التاريخ المسمى "بتاريخ الرسل والأنبياء والملوك والأمم" , وله كتاب "تهريب الآثار وتفصيل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار" وهو كتاب لم يصنف مثله فقد طبع منه أجزاء حققها العلامة محمود شاكر رحمه الله وهو مسند علي بن أبي طالب ومسند عمر بن الخطاب ومسند ابن عباس –رضي الله عنهم أجمعين- , وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه , قال الإمام الاسفرائيني : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا , وقال الإمام أبو بكر بن خزيمة بعد أن وقف على تفسير الطبري : نظرت فيه من أوله إلى آخره وما أعلم على قديم الأرض اعلم من ابن جرير) . * وهذه شهادات أيها الإخوة من علماء كبار تدل على قيمة هذا الكتاب وهذا التفسير الذي بصدد الحديث عنه . قال الخطيب البغدادي في ترجمته نقلا عن تلميذه أبي بكر بن كامل : ( قال لي أبو جعفر *وهذه بها عبرة* حفظت القرآن ولي سبع سنين وصليت بالناس وأنا ابن ثمان سنين وكتبت الحديث وأنا ابن تسع سنين ورأى أبي في النوم أني بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وكان معي مخلاة مملؤة حجارة وكنت ارمي بين يده فقال له المعبر انه إن كبر نصح في دينه وذب عن شريعته * فكانت هذه سبحان الله بداية انطلاق هذا الإمام العظيم ولذلك لايحتقر أي احد منكم أيتها المشاهدون و المشاهدات ابنه ولو كان صغيرا طفلا في الخامسة أو الأربعة أو السادسة إذا رأى منه نبوغا وذكاء وحرصا على حفظ القرآن وحفظ الحديث أو حفظ ماينفعه من العلم فإن ذلك قد يكون بإذن الله إماما من الأئمة الذين ينفع الله بهم الأمة الإسلامية فإنه قد قتلنا في هذا الزمان التثبيط وتحطيم المعنويات والتقليل من شأن قدرات أبنائنا الطلاب في زمانا نحن في أمس الحاجة إلى كل جهد مخلص وإلى كل طاقة في هذه الأمة انظروا إلى محمد بن جرير كيف كانت بدايته هذه الرؤيا دفعت أباه للعناية به وتحفيظه القرآن وعونه على طلب العلم ورحله حتى انه رحل وسافر إلى بغداد والى الكوفة والى البصرة والى الشام والى مصر وبقي في مصر مدة طويلة ثم عاد إلى بغداد وأبوه رحمه الله ذلك الرجل العامي هو الذي يكفله وهو الذي ينفق عليه ويرسل إليه النفقة إلى مصر وهذا فيه أدب لنا نحن طلاب العلم أننا نحرص من بداية طلب العلم على الإخلاص ونحرص على العناية بأن يكون المطعم حلالا وهذا مادفع والده رحمه الله إلى الإنفاق عليه , حتى ابن جرير رحمه الله وغفر له كان لايقبل من أحدا شيئا وكان يرى ماينفقه عليه والده وما يرسله له يكفيه ويغنيه حتى عاد إلى بغداد بعد ذلك حتى كفل بنفسه * ويقول الإمام ثعلب –رحمه الله- نشير إلى عناية ابن جرير الطبري بالعلم مبكرا والإمام ثعلب كما تقدم معنا هو إمام أهل الكوفة في اللغة والنحو : ( سمع علي محمد بن جرير الطبري أشعارا الناس وقرأ علي دواوين الشعر قبل أن يكثر الناس عندي لمدة طويلة ) - وقد تقدم معنا انه هذا قد يكون بعد سنة 245 و246هـ انه بدأ يقرأ على ثعلب –رحمه الله- لأنه بعد ذلك اشتهر الإمام ثعلب وتجمع طلاب العلم عليه وقصدوه من بلاد بعيدة , كان الإمام الطبري في ذلك الوقت قد انتهى من قراءة هذه الدواوين وهذه الأشعار على الإمام ثعلب –رحمه الله تعالى - . ومن القصص الطريفة التي تروى عن الإمام الطبري والنبوغ الذي كان فيه –رحمه الله- أنه كان في رحلته الثانية إلى مصر سنة 256هـ قال قد جاءني رجل طالب من طلاب العلم يسألني عن مسألة في العروض ولم أكن قبل ذلك قد قرأت في العروض شيئا ولم أطلع على كتاب فيها قلت له : علي اليوم كلام أن لا أقول شيئا في العروض فأتني من غد قال الطبري : فلما أمسيت استعرت كتابا من أحد أصدقائي في العروض وقرأت فيه وأمسيت وأنا غير عروضي وأصبحت وأنا عروضي يقول : فلما جاءني الرجل في اليوم التالي أجبته عن سؤاله , و هذا يدل على أنه استطاع في ليلة واحدة أن يتقن هذا الفن الذي ربما كثير من العلماء الآن لا أقول من طلاب العلم أو الصغار لا يتقن هذا العلم , ولكم عبرة في الأصمعي رحمه الله فقد كان يحاول أن يتعلم العروض من خليل بن أحمد –رحمه الله- ومازال به خليل بن أحمد على هذا العلم حتى يروزه ويتقنه فلم يفلح وقال له –وهو طرفة- للأصمعي : (قطع هذا البيت إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ماتستطيع ) يقول الأصمعي : ( ففهمت مراده فانصرفت عن طلب علم العروض) , ومحمد بن جرير الطبري –رحمه الله قد قرأه في ليلة واحدة واستطاع أن يتقنه . ومن صفات محمد بن جرير الطبري التي تميز بها أنه كان واسع المعرفة بلغة العرب وكان واسع المعرفة بالقراءات وكان قد على شيوخها الكبار المقدمين في زمانه , وكان فوق ذلك حسن الصوت بالقراءة حتى أن تلميذه أحمد بن مجاهد –رحمه الله- أبو بكر كان لايمل من استماع قرأته وكان قد ذكر أن أحد خدام ابن مجاهد وهو علي الطوماري يقول : كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى صلاة التراويح وكان أبو بكر إماما يصلي بالناس في بغداد فخرج في ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان من داره وأجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش فوقف بباب مسجد محمد بن جرير يستمع إلى قرأته ومحمد يقرأ سورة الرحمن كأنه في آخر العشر الأواخر حتى بلغ محمد بن جرير سورة الرحمن فاأسمتع قرأته طويلا ثم انصرف فقلت له : ياأستاذ تركت الناس ينتظرونك وجئت تستمع قراءة هذا ..! فقال : ياأبا علي دع هذا عنك ماظننت أن الله خلق بشرا يحسن ويقرأ هذه القراءة وهذا دليل على أن الإمام محمد بن جرير الطبري كان له صوت حسن في القراءة –رحمه الله وأجزل ثوابه- . من صفات محمد بن جرير الطبري –رحمه الله- أنه كان يعنى بالنظافة في ملبسه وفي هيئته وفي طعامه وفي شرابه , بل أنه كان يعنى بصحته خاصة فيما يتعلق بالطعام فلا يأكل إلا أكلا معينا ويستخدم أدوية معينة وأنه ربما كان يقرأ كثيرا في كتب الطب وربما أنه كان يعالج نفسه بنفسه –رحمه الله- وقد ذكر لنا ياقوت الحموي أن الإمام الطبري- رحمه الله – كان له منهج يومي ويمكن أن نسميها يوما في حياة الإمام الطبري بعد أن بلغ مبلغ من العلم وأصبح يرتاده ويقصده الطلاب ويقصده العلماء لطلب العلم وبعد أن صنف الكتب كان ينام –رحمه الله- ولاسيما في أيام الحر كان هناك ثياب من الخيش يلبسها بعض الموسرين للتبرد بها فكان ينام في ثوب من هذه الثياب فإذا أستيقظ صلى الفجر ثم بقي في مصلاه حتى تطلع الشمس ثم يبقى فيه إلى الظهر ثم يصلي الظهر ثم يبقى يصنف إلى العصر ثم يذهب إلى صلاة العصر فيصلي العصر ثم يقعد للتدريس إلى المغرب ثم بعد المغرب يبدأ في تدريس الفقه واستقبال الطلاب إلى العشاء ثم يغلق عليه بعد صلاة العشاء باب داره فلا يدخل عليه أحد إلا في أمرا ضروري وينقطع للتصنيف ولذلك منذ أن استقر في بغداد من سنة 290هـ إلى أن توفي سنة 310هـ وهو منشغل بالتصنيف والتأليف ولذلك كثرت مصنفات الإمام الطبري فصنف كتابه في التفسير "جامع البيان عن تأويل آي القران" وهو كتاب حافل ضخم من أضخم كتب التفسير وأعظمها , وصنف كتابه في التاريخ وهو أيضا من أضخم وأعظم كتب التاريخ وسماه " تاريخ الأمم والرسل والأنبياء والملوك " وهو عمدة من عمد كتب التاريخ , وصنف كتب في الفقه وهو " لطيف الأحكام " , وصنف كتب في أصول الفقه وصنف كتب في العقيدة " التبصير في معالم الدين" , وله أيضا رسائل في آداب النفوس , وله كتب في مذهبه الذي كان يتفقه به بعد أن كان في بداية أمره وهو على مذهب الشافعي . والإمام محمد بن جرير الطبري –رحمه الله- مدرسة علمية متكاملة , كان له مذهب ينسب إليه وهو مذهب الإمذلك,مد بن جرير الطبري وكان له أتباع يسمون "الجريرية "نسبة إليه , فصنف تفسيره –رحمه الله- بعد أن اكتملت آلته , قال محمد بن جرير الطبري –رحمه الله- في تصنيف التفسير وقدم في مقدمة نفسية –سوف نتعرض إليها – قال فيما ذكر عنه في ترجمته قال : (حدثتني نفسي بتفسير للقرآن وأنا صبي ) , ثم لم يبدأ فيه مباشرة لأن الكتابة في التفسير عظيمة وجليلة ولاينبغي الإقدام عليها إلا لمن اكتملت آلته , فقال قبل أن يصنع تفسيره وقبل أن يبدأ في تأليفه وتصنيفه وإملاءه على طلابه : ( استخرت الله في تصنيفه ثلاث سنوات )وبعد سنة 275هـ -يعني بعدما بلغ عمره ثمان وأربعين سنة أستخار الله في تصنيف الكتاب ثم بدأ في تصنيفه و أملا شيئا منه –كما ذكر تلميذه ابن كامل في البداية – ثم بعد أن أكمله بدأ في إملاءه على الناس في المسجد من سنة 283هـ إلى سنة 290هـ فبقي في تصنيف كتابه سبع سنوات –رحمه الله رحمة واسعة – واستغرق هذا الكتاب العظيم "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" سبع سنوات في إملاءه وقرأه العلماء بعد ذلك , وصنفه في حياة شيوخه وفي حياة المبرد وفي حياة العلماء . سوف نستعرض في الحلقة القادمة بإذن الله قيمة هذا التفسير العلمية ونقرأ شيئا من مقدمة محمد بن جرير الطبري في هذا الكتاب وطبعات الكتاب وشيئا مما أفاد به –رحمه الله- في هذا الكتاب حتى ينتفع طالب العلم ويستفيد من هذا التفسير النفيس , نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما نقول ونسمع والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
بارك الله فيك وفي جهدك أختنا الكريمة
 
عودة
أعلى