العلامة القاضي أبو علي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا
حياكم الله ايها الإخوة في برنامجكم أهل التفسير مع ترجمة عالم من علماء التفسير
نسأل الله تعالى أن يجزيهم عنا جميعاً خير الجزاء
حديثنا اليوم سوف يكون عن مفسر من أهل اليمن ولم يسبق أن تحدثنا عن مفسر من علماء اليمن
اليوم سوف نتحدث عن هذا المفسر وهو من المفسرين المتأخرين نسبياً وهو العلامة القاضي أبو علي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني
ولد الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله في هجرة شوكان عام 1173 من الهجرة ، وهجرة شوكان هي بلدة أو قرية من قرى السحانية وهي قريبة من مدينة دينار اليمنية على بعد يوم من صنعاء ،
عاش رحمه الله أول حياته في هذه الهجرة وهي هجرة شوكان ثم تحول إلى صنعاء عاصمة اليمن ونشأ بها وتوفي بها رحمه الله عام 1250 للهجرة ، وكان عمره حين توفي 77 عاما قضاها رحمه الله في العلم والتعلم والتصنيف وقد بلغت مصنفاته أكثر من 50 أو أكثر من 60 مصنف .
بدأ العلامة المفسر الأصولي محمد بن علي الشوكاني حياته العلمية والفقهية على مذهب الزيدية ، لأن مذهب الزيدية كان هو المذهب الشائع في اليمن في زمانه رحمه الله تعالى ، ثم ترك مذهب الزيدية ورجع إلى مذهب السلف بعد أن استقام عوده وصلب في العلم وصنف كتابه التحف في مذاهب السلف ودعا في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والاعتماد عليهما ، والتعويل عليها في العلم والفقه ، وصنف كتاباً سماه القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ، وقد ثار عليه بسبب هذا الكتاب بعض العلماء والعامة وكان محمد بن علي الشوكاني رحمه الله رأساً في زمانه في الدعوة إلى مذهب السلف في اليمن والدعوة إلى الاجتهاد الفقهي المنضبط بالضوابط العلمية الصحيحة ، وقد ظهر أثر ذلك في كتبه الكثيرة التي صنفها ومن أشهرها تفسيره الذي معنا اليوم وعنوان تفسيره الذي معنا اليوم فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير .
هذا هو عنوان تفسير الإمام الشوكاني
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .
متى بدأ الإمام الشوكاني في تفسيره هذا ؟؟
بدأ فيه رحمه الله سنة 1223 هجرية وعمره حين بدأ في تفسيره 49 عاما، وقد وجدت في كتابه البدر الطالع عندما ترجم لنفسه قال : والمترجم يكتب الآن في تفسير جامع بين الرواية والدراية يسر الله إتمامه ،فكأنه أثناء كتابته في البدر الطالع كان أيضا يكتب في تفسيره هذا عام1223 هجرية ، وقد فرغ منه في شهر رجب عام 1229 هجرية فاستغرق تصنيفه 6 سنوات تقريباً، وهو يصنفه ويصنف معه غيره من الكتب كالبدر الطالع وغيرها .
وتفسير فتح القدير للإمام الشوكاني رحمه الله يعد من التفاسير المشهورة المتأخرة ، لكونه مقرراً للتدريس في الجامعات والمعاهد الشرعية ولذلك كثرت طبعاته من اجل ذلك فهو تفسير جيد سماه مؤلفه كما تقدم فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير ، وهذا التفسير تفسير قيم.
ويتميز هذا التفسير بمزايا :
أولاً: جلالة مؤلفه ورسوخه العلمي، فالإمام محمد بن علي الشوكاني إمام مجتهد متضلع من العلوم التي يحتاجها المفسر ، فهو قد أعدّ لكتابة التفسير عدتها من العلم بعلوم الآلة والعلم بالحديث التي وردت عن السلف في التفسير والآثار وأقوال السلف في التفسير والعناية بها وفهمها فهما جيدا ثم بدأ في التصنيف بعد ذلك .
أيضاً ساعده على ذلك إطلاعه الواسع على الكتب المتقدمة وقد جمع معظم كتب التفسير في المأثور وفي الدراية أبضا.
ومن مزايا التفسير أيضا أن مؤلفه رحمه الله كان متحرر التفكير ، سليم الاستنباط ولذلك انعكس هذا على شخصيته في كتابه التفسير ،
ولاتغفل ياطالب العلم أن الشوكاني رحمه الله قد صنف تفسيره هذا في زمان غلبت فيه الغلبة للتعصب المذهبي والتقليد للمتقدمين دون بينة ، وأنه قد نشأ في بيئة يغلب عليها المذهب الزيدي ، ولولا عناية الله سبحانه وتعالى به وتوفيقه للإطلاع على كتب العلماء المتقدمين من السلف والعناية بها لولا توفيق الله له لكان نشأ كغيره على المذهب الزيدي ، وقد شرح كتاب حديقة الأزهار في كتابه السيل الجرار على حديقة الأزهار وهو كتاب في الفقه على المذهب الزيدي إلا أن شرحه لهذا الكتاب يدل على سلفيته وعلى أنه من أتباع أهل السنة ولذلك لما جاء في موضع كتاب حدائق الأزهار يقول فيه : أنه لايجوز تجصيص القبر ورفعه إلا لذوي المكانة ، بمعنى أنه يقول لايجوز رفع القبر إلا لمن كان من أهل المكانة كالملوك والوزراء فانه يجوز ذلك ، فشرح الشوكاني رحمه الله أن هذا لايجوز بل إن أصحاب المكانة الكبيرة هم أحوج الناس إلى إتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ،
وإتباع السنة في القبر ونحو ذلك ، فشرحه لهذا الكتاب الفقه على المذهب الزيدي شرحه على منهج أهل السنة مما يؤكد على انه رحمه الله كان سلفي المعتقد كان سليم العقل متحدرا في كتابته وفي علمه وفي نقاشه وفي استنباطه .
أما منهجه الذي سار عليه في التفسير فقد كتب فيه عدد من الباحثين ومنهم الدكتور محمد بن حسن بن أحمد الغماري له كتاب سماه الإمام الشوكاني مفسراً ، وقد ذكر المنهج العام الذي سار عليه الشوكاني في تفسيره وذكر أنه كان يقدم بين يدي الحديث ،
طبعاً هو قسم كتابه قسمين حتى في عنوان الكتاب فهو يقول : سميته فتح القدير في الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير ، فكأنه ينقسم إلى قسمين هذا التفسير :
القسم الأول: مايتعلق بالدراية ،والقسم الثاني: مايتعلق بالرواية ، يقصد مايتعلق بالدراية هو التفسير بالرأي المحمود ، مايتعلق بتفسير اللغة وبيان مفردات من حيث اللغة وبيان التراكيب من حيث النحو والمباحث البلاغية والاستنباطات وذكر القراءات وتوجيه القراءات ومايتعلق بهذا من آيات الأحكام والاستنباطات الفقهية وبيان مناسبات الآيات وعلاقتها ببعضها البعض والناسخ والمنسوخ والمكي والمدني ومايتعلق بهذا .
والتفسير بالمأثور هو أن ينقل ما أثر في تفسير الآيات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضي الله عنهم أو عن التابعين .
وهذان هما عمدة التفسير التفسير بالأثر والتفسير المبني على الاستنباط والرأي.
ويقول في مقدمة تفسيره رحمه الله : ان الذي دعاه إلى تصنيفه هذا التفسير ليس مجرد التكثر في تصنيف كتابه في التفسير ، وإنما يقول : أنه قد نظر في كتب التفسير المتقدمة فوجد بعضها إما أنه معتني بالرواية ويغفل الدراية وكأن يشير إلى مثل كتاب بن أبي حاتم تفسير القران العظيم ومقتصر على الرواية فقط ومثل تفسير الدر المنثور للسيوطي من المتأخرين وبعضهم اقتصر على الدراية فقط واغفل جانب الرواية فرأى أن يصنف كتاباً جامعاً بين الرواية والدراية في التفسير .
لكن هذه الدعوة من الإمام الشوكاني رحمه الله غير مسلّمة فقد تقدم معنا أن تفسير الطبري رحمه الله جامع البيان عن تأويل آي القران جامع بين الرواية والدراية بل هو عمدة في هذا الباب وهو أفضل التفاسير التي كتبت على الإطلاق لجلالة مؤلفه وتقدمه وإمامته وعلمه ورسوخه ،وأيضا كتاب بن عطية يجمع بين الرواية والدراية فهو يعتني بالأثر وتفسير القران بالقران وتفسير القران بالسنة ومثله بن كثير أيضا فهو يجمع بين الرواية والدراية ، إلا أن الشوكاني رحمه الله قال ذلك في كتابة تفسيره فكأنه أراد أن يبرر الدافع الذي دفعه إلى تصنيف كتابه فقال : إنني قد وجدت التفاسير إما أنها معتمدة بالرواية ومغفلة الدراية أو معتنية بالدراية ومغفلة للرواية فجمع في كتابه هذا بين الرواية والدراية .
ماذا يصنع الشوكاني رحمه الله ؟؟
يذكر المقطع من السورة فربما يذكر آية أو يذكر آيتين أو ثلاث أو أربع ثم يفسرها فيبدأ أولا بذكر فضائل السورة أول السورة ثم يتكلم عن القراءات فيفيض فيها ويقول قرأت هذه الآية في كذا وقرا بهذه الآية ابن كثير وابن عامر وفلان وفلان من القراء ..........
وقراءات بكذا وقرأ بها فلان وفلان ويذكر القراءات الشاذة والقراءات المتواترة ، ثم بعد بيانه للقراءات يتكلم عن اللغة فيبين معاني المفردات اللغوية ويعتمد في ذلك على كتب المتقدمين من أهل غريب القران وأهل المعاني وأهل التفسير وأهل المعاجم اللغوية وهو في هذا ناقل عن المتقدمين وقل أن يكون له رأي أو ترجيح .
ثم النقطة الرابعة انه يعتني بالإعراب فيذكر أقوال أهل الإعراب و إعراب القران في إعراب التراكيب القرآنية وهو في أثناء ذلك في بيانه للمفردات اللغوية وفي بيانه للتركيبات النحوية يستشهد بالشعر وقد ذكر كثيرا من شواهده وهو لم يخرج في شواهده عن شواهد المتقدمين سواء الشواهد النحوية أوالشواهد اللغوية أو الشواهد البلاغية .
ثم بعد ذلك يذكر أسباب النزول للآيات إن كان لها أسباب نزول ويبين مافيها وما قيل فيها وان كان في الآيات نسخ أن كان فيها آية ناسخة أو فيها آية منسوخة فانه يبينها ، ثم بعد ذلك يذكر المعنى الإجمالي للآيات وان كان يرجح بعض الأقوال على بعض في بعض الأحيان ثم يذكر في بعض الأحيان بعض الأحكام المستنبطة من الآيات وهو غير من مكثر من ذلك إلا انه قد يذكر بعض الحكام المستنبطة .
انتهى من هذا الجزء وهو الجانب الذي يتعلق بالدراية فهو دائما يقدم الجزء الذي يتعلق بالدارية .
يأتي إلى الجزء الثاني وهو المتعلق بالرواية فيذكر الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم يذكر الأقوال التي وردت في تفسير الآية .
هذا هو منهج الشوكاني رحمه الله الذي يسير عليه غالباً في تفسيره ، أنه يقدم الدراية ثم يأتي بعد ذلك بالرواية ، وقد عابه بعض الباحثين وقال : ليته قدم الرواية ثم جاء بعدها بالدراية لأنه في أثناء حديثه عن الدراية ربما يذكر معنى من المعاني قال به السلف ويرجحه لأنه قال به بن عباس أو ورد في حديث صحيح أو كذا ثم يترك الحديث حتى يأتي في آخر الحديث ، فربما قدم الرواية على الدراية لكان أولى أو لو انه مزج بينهما مزجا علمياً مناسباً كما كان يصنع المفسرون من قبله لكان هذا أيضا أسلوباً جيدا إلا أن هذا هو الأسلوب الذي سار عليه الشوكاني رحمه الله في كتابه فهو جمع بين الرواية والدراية إلا أنه قدم الحديث عن الدراية ثم جاء بعده بالحديث عن الرواية .
الإمام الشوكاني رحمه الله له في كتابه هذا أقوال وموقف
من أول مايصادفك في تفسير الشوكاني رحمه الله أنه حمل حملة شديدة عند تفسيره الأول في سورة البقرة عند قوله سبحانه وتعالى :. وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة
فتكلم كلاماً عن المناسبات بين الآيات وذهب الإمام الشوكاني إلى رد هذا الموضوع وهو موضوع المناسبات بين الآيات وقال إن العلماء يتكلفون في كتبهم علماً ماكلفهم الله سبحانه وتعالى به وهو أنهم يتطلبون مناسبة بين الآيات بعضها مع بعض وبين السور بعضها مع بعض ، وحمل على من تزعم هذا المسلك وهو البقاعي رحمه الله في كتابه نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ويقول الشوكاني رحمه الله كيف يطلبون مناسبة بين الآيات وبين السور وهذه الآيات قد نزلت في أوقات متفرقة وفي أزمان متفرقة و في أماكن متفرقة ثم يتطلبون المناسبة فيقعون في التكلف الذي ماأنزل الله به من سلطان .
لكن الغريب أن الشوكاني رحمه الله في كتابه نفسه قد تطلب المناسبات بين بعض الآيات ببعضها مع بعض أو بعض السور بعضها مع بعض ولذلك فإنه يخرج نقده ورده الشديد لموضوع المناسبات على أنه كان يرد التكلف في البحث عن المناسبات بين الآيات وبين السور ، بدليل أنه عندما جاء في كتابه البدر الطالع في أهل القرن السابع تكلم عن البقاعي رحمه الله بكلام جيد وأثنى على تفسيره نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وقال : إنني استفدت منه في تفسيري كثيراً، مما يدل على أن الشوكاني رحمه الله لايرد موضوع المناسبات ردا مطلقا وإنما يرى أن التكلف في البحث عن المناسبات مذموم .
أيضاً من منهج الإمام الشوكاني رحمه الله انه كان سلفي المعتقد وانه كان يدافع عن مذهب السلف وكان يرى العودة إلى القرآن والسنة وان هذا المعين الصافي هو المعين الذي يجب أن تدّعى الأمة وان توجه أنظار العلماء وطلبة العلم إليه حتى تصفوا أفهامهم وحتى تزكوا علومهم ، والمتأمل في كتابه فتح القدير يجد أن هذه الصبغة العامة في تفسيره وانه على منهج السلف الصالح في تفسيره للقرآن الكريم ،
إلا انه رحمه الله لم يسلم من الاضطراب في تفسيره لبعض آيات الصفات فقد ذهب في بعض الصفات كصفة الوجه ونحوها ذهب فيها إلى التأويل على عادة الأشاعرة ووافق بعض المذاهب المخالفة في مواضع أخرى وان كان منهجه الذي ينادي به دائما هو العودة إلى مذهب السلف مما يجعلنا نقول أن الشوكاني رحمه الله لم يتعمد مخالفة السلف في هذه الآيات وإنما وافق من خالف مذهب السلف موافقة وان لم يرد ذلك ويلتمس له العذر لأنه رحمه الله قد نشأ في بيئة يغلب عليها المذهب الزيدي ولذلك كان أخذه لمنهج السلف عن طريق القراءة والإطلاع الذاتي ولولا هذا الذكاء الذي اتصف به الإمام الشوكاني رحمه الله ماكان ليستطيع أن يتخلص من رقة المجتمع الذي عاش في وسطه والعلماء الذين اخذ عنهم من الزيدية سواء اخذ عنهم التفسير أو اخذ عنهم المعتقد أو اخذ عنهم علم الحديث أو الفقه وغير ذلك.........
لكن توفيق الله سبحانه وتعالى له جعله يتجه إلى الدعوة السلفية والى مذهب السلفي الأسماء والصفات وفي المعتقد فانطبع ذلك على كتبه عامة وعلى تفسيره أيضا وهو من تفاسير السلف وليس من تفاسير الزيدية الذين عدوه من تفاسير الزيدية فقد وهموا في ذلك .
الشوكاني رحمه الله كتب تفسيره فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير كتبه وقد رجع إلى مذهب السلف وصنف فيه كتابه التحف في مذهب السلف ،
إلا انه وقع منه بعض الأخطاء العقدية التي لايوافق عليها إلا انه لايثرب عليه فيها لكونه كان مجتهدا رحمه الله فربما اخطأ وربما أصاب.
فكما ذكر هو عن نفسه وعن غيره من العلماء :فان الكمال عزيز ،وأنت إذا تطلبت كتاباً في التفسير أو في غيره كاملاً ليس فيه خطأ وليس فيه نقص وليس فيه زلل فقد تطلبت محالاً ، وطلبت شيئاً لايكاد يوجد لان الإنسان سواء كان عالما أو متعلما لايخلوا من النقص والنقص صفة ملازمة للبشر ، لاتكاد تجد كتابا كاملا ، وتطلب الكمال يورث الإنسان البقاء دون قراءة لكن طالب العلم الجاد الحريص يعرف كيف يأخذ الفوائد من كتب العلماء فيأخذ منها الفوائد ويأخذ منها اللباب ويأخذ منها ماوافق الحق ويجتنب مافيها من الأخطاء والاجتهادات الخاطئة .
والشوكاني رحمه الله كغيره من العلماء له اجتهادات وله أراء في كتابه في التفسير وافق فيها السلف وفيه أراء خالف فيها العلماء سواء كانت أراء في اللغة أو أراء في الفقه أو أراء في التفسير أو أراء في تأويل بعض الآيات أو بعض الصفات وحملها على غير وجهها فكل هذا يقع فيه تفسير الشوكاني ويقع فيه غيره كما سبق الحديث معنا عن جمال الدين القاسمي وكما سبق الحديث معنا عن الألوسي وغيره كابن عطية وبن الجزي الكلبي وأبي حيان الغرناطي وهؤلاء السلسة الطويلة من المفسرين رحمهم الله ومن المتقدمين ومن المتأخرين كلهم تجد في كتبهم الخطأ وتجد فيها الصواب ، والمنصف هو الذي يوفقه الله سبحانه وتعالى إلى أخذ الحق والى اخذ الصواب من كتب العلماء والى الاعتذار والتنبه إلى مافيها من الخطأ وبهذا يستفيد طالب العلم فيأخذ العلم ويرد غيره مع الإنصاف والتأدب وحفظ مكانة العلماء سواء كانوا من المتقدمين أو من المعاصرين أو من المتأخرين، فان الله سبحانه وتعالى يبارك لطالب العلم ماحفظ لسانه وقدر العلماء ودعا لهم بخير فجزاهم الله عنا خير الجزاء وبارك الله لهم في علومهم ونفعهم بها وأجزل لهم المثوبة على ماقدموه .
هذا هو المنهج الذي ادعوا إخواني من طلبة العلم وآخذ به نفسي وهو الإنصاف في التعامل مع كتب العلماء وليعلم الواحد منا أن الكمال عزيز، وليس صحيحا أن تقول عندما يقول قائل : مار أيك في تفسير الشوكاني ؟؟ فيقول والله أنا أرى انه تفسير فيه أخطاء عقدية ، مار أيك في تفسير بن عطية ؟؟ أرى أنه فيه مؤاخذات عقدية، مارأيك في تفسير أبي حيان الغرناطي ؟؟ فيه تأويل .........وهكذا
فيثبط الناس ويرد الناس عن هذه المناهل العلمية التي لايستغنى عنها ، والصحيح والإنصاف أن يعرف مالهم من الصواب وهو كثير ومالهم من الخطأ وهو قليل يغمر في بحور صوابهم ، ولايقلدون فيه ، ويتنبه في هذه المواضع التي اخطئوا فيها فتستفيد أنت مما فيه من الحق وهو كثير وتستفيد العلم في اللغة وتستفيد من العلم من لغة القران وفي إعرابه وفي معانيه وفي فقهه وفي أحكامه وفي أسباب النزول وفي غيرها من جوانب التفسير ، وتتنبه إلى المواضع التي قد يقع فيها بعض المفسرين في بعض تأويله لآيات الصفات التي وردت في القران الكريم ، وقد أكثر العلماء ولله الحمد من علماء السلف في بيان الحق في مثل هذه الآيات والصواب فيها وان الصواب في تفسيرها هو ماكان عليه السلف الصالح رحمة الله عليهم وأجزل لهم المثوبة، والإمام الشوكاني رحمه الله قد اخذ نفسه بالدعوة إلى مذهب السلف في كتبه عامة وفي كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير فجاء كتاباً مهذباً مرتباً ، ولذلك قرر كثير من الجهات العلمية المتأخرة المعاصرة في زماننا هذا تدريس كتاب فتح القدير للشوكاني في الجامعات لأنهم رأوا أن فيه اختصارا وتهذيبا وإتباعاً لمذهب السلف، وقد عني الشوكاني رحمه الله عناية كبيرة ببيان آيات الأحكام في تفسيره، ولذلك عده بعض الباحثين كتاباً مختصرا من كتاب الجامع لأحكام القران للإمام القرطبي وقالوا انه يكاد يكون ملخص ولاسيما مايتعلق بجانب الأحكام الفقهية في التفسير ملخص من كتاب الجامع لأحكام القران ولذلك افرد بعض العلماء الآيات أو كلام الشوكاني عن آيات الأحكام من كتابه فتح القدير .
هذا هو مجمل منهج كتاب الشوكاني في كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .
طبعات تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني كثيرة جداً :
لأنني قلت لكم انه كان مقررا في بعض المعاهد والجامعات ولازال ولذلك كثرت طبعاته التجارية والمحققة أيضاً.
ومن الطبعات الجيدة وليست كاملة إلا أنها طبعة جيدة طبعة دار الحديث التي حققها وخرج أحاديثها أو خرج بعض أحاديثها سيد إبراهيم وتقع في خمسة مجلدات طبعت في دار الحديث عام 1413 من الهجرة وان كان قد اغفل تقرير الشواهد الشعرية وتخريج الكثير من الآثار ووقع فيه بعض الأخطاء في الضبط في متن الكتاب
وطبعاته كثيرة وتكاد تكون متشابهة ، ليس هناك فرق كبير بين طبعات كتاب تفسير فتح القدير لان نسخها المخطوطة كثيرة ولذلك السقط نادر في كتاب فتح القدير والخلل في الطباعة نادر وإنما تتفاوت في حسن الإخراج وفي إخراج الكتاب ونوعية الحرف الذي طبع به الكتاب .
ومن الأشياء التي تلاحظ في طباعة كتابة فتح القدير ، ربما في كثير من كتب التفسير أيضا أن الإمام الشوكاني يفسر كتابه بناء على رواية قالون عن نافع لكن كثير من الطبعات التي طبعت من تفسير فتح القدير يكتبون الآيات برواية حفص بن سليمان عن عاصم الكوفي وتفسير الشوكاني رحمه الله ليس على هذه الرواية ومثله تفسير الإمام الطبري من قبل فالإمام الطبري رحمه الله كان يفسر على قراءة حمزة ربما وربما يفسر على غيرها لكن الذين طبعوا تفسيره جعلوا متن الآيات التي تفسر في كتاب الطبري برواية حفص عن عاصم مع أن الإمام الطبري رحمه الله ربما أن رواية حفص عن عاصم لم تبلغه رحمه الله، كما اثبت ذلك بعض الباحثين وقس على ذلك الكثير من الذين طبعت تفاسيرهم كابن كثير فان قد طبع متن القران الكريم في التفسير برواية حفص بينما التفسير الذي يفسره المفسر على رواية أخرى وهذه مسالة أيضا وقع فيها الذين كتبوا أو الذين طبعوا تفسير الإمام الشوكاني رحمه الله الإمام الشوكاني رحمة واسعة وأجزل ثوابه على كتابه فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، وجزاه عنا خير الجزاء على كتبه الأخرى وله كتب أخرى فاتني أن اذكرها له كتب مهمة مثل كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار هو كتاب قيم في شرح الأحاديث التي جمعها ابن تيمية الجد في كتابه منتقى الأخبار وهو شرح حافل هو أفضل الشروح المنتقى وله كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار وشرح لكتاب فقهي من كتب الزيدية على منهج أهل السنة وله كتب كثيرة مثل التحف على مذاهب السلف ... وغيرها من الكتب والرسائل التي طبعت وبعضها لايزال مخطوطا
رحمة الله على الإمام الشوكاني محمد بن علي بن محمد الشوكاني المولود 1173 والمتوفى بصنعاء عام 1250 عن 77 عاما على تصنيفه كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير .