براهين التوحيد في القرآن .

إنضم
01/05/2010
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الطائف / حي السداد
بسم1

تفرّد الربّ سبحانه بصفات الكمال من أعظم أدلّة صحّة التّوحيد ووجوبه وبطلان الشّرك وتحريمه ؛ قال تعالى : { لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}[ النّحل : 60 ] ؛ فجعل مثل السّوء المتضمّن لكلّ عيب ونقص للمشركين وآلهتهم المزعومة ، وأخبر أنّ المثل الأعلى المتضمّن لجميع صفات الكمال لله وحده . وهذا يستلزم عقلاً بطلان الشّرك وصحّة التّوحيد . وعلى هذا المعنى الجامع والتلازم الضّروريّ قامت براهين التّوحيد وإبطال الشّرك ؛ وهي أربعة أنواع : ـ
الأوّل : الاستدلال بتوحيد الرّبوبيّة على توحيد العبادة ؛ فإنّ تفرّد الربّ بمعاني الرّبوبيّة يستلزم إفراده بالعبادة ؛ وذلك لاعتبارات متعدّدة ، منها : ـ
1 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد بتربية العباد بنعمه وإحسانه ؛ وأصل ذلك الخلق ، إذ كلّ ما بعده من النّعم تابع له ، وفرع عنه ، ولا شكّ أنّ شكر من تفرّد بالخلق والإنعام أوجب شيء في العقول .
2 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد التامّ بجلب المنافع ودفع المضارّ ؛ وهذا يقتضي عقلاً أن يكون الربّ وحده محلّ محبّة العبد ورغبته ورهبته .
3 ـ أنّ التّفرّد بالربوبيّة يعني التّفرّد بالخلق والملك والغنى الذاتي ، وأنّ ما عدا الربّ مخلوق مملوك فقير لا يصحّ عقلاً أن يكون محلاًّ لمحبّة العبد ورغبته ورجائه ، ولا لشيء ممّا ينشأ عن ذلك من عباداته !! وعلى هذه الاعتبارات وما يجري مجراها جاء هذا النّوع من براهين القرآن على صحّة التّوحيد وبطلان الشّرك ؛ فمن تفرّد بمعاني الربوبيّة من خلق وتدبير وملك وعناية وهداية ونفع وضرّ فهو المستحقّ عقلاً وشرعًا للعبادة وحده ، قال تعالى : { إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[ يونس : 3 ] ، وقال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[ الزّمر : 6 ] ، وقال : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ...} الآيات [ النّمل : 60 ـ 64 ] .
الثّاني : الاستدلال بتوحيد الصّفات على توحيد العبادة ؛ فإنّ التفرّد بصفات الكمال المطلق يستلزم تعلّق القلب بالموصوف بها محبّة وخوفًا ورجاءً وتألّهًا في الظّاهر والباطن ، وهذا البرهان ينتظم جميع ما ورد من صفات الكمال ؛ فكلّها أدلّة على توحيد العبادة سواء أصرّح بذكر لازمها ، أو ذكرت مجرّدة ؛ فمما ذكر مجرّدًا قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[ الأنعام : 61 ] ، وقوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[ طه : 5 ] ، وقوله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[ المائدة : 64 ] ، وقوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[ الحديد : 4 ] ، وقوله : { إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[ الذّاريات : 58 ] ؛ فهذه النّصوص ونظائرها لم تذكر لمجرّد تقرير الكمال وإنّما ذكرت لبيان أنّ الموصوف بها هو المستحقّ للعبادة وحده ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( الله سبحانه لم يذكر هذه النّصوص لمجرّد تقرير الكمال له ، بل ذكرها لبيان أنّه المستحقّ للعبادة دون ما سواه ، فأفاد الأصلين اللذين بهما يتمّ التّوحيد ؛ وهما : إثبات الكمال ؛ ردًّا على أهل التّعطيل ، وبيان أنّه المستحقّ للعبادة لا إله إلاّ هو ردًّا على المشركين ))(http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_edn1) .
أمّا ما صرّح بذكر لازمه من نصوص الصّفات فقوله تعالى : { اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[ البقرة : 255 ] ، وقوله : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[ الحشر : 22 ، 23 ] ، وقوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[ الزّمر : 67 ] ، فصرّح بذكر لازم صفات كماله ؛ وهو البراءة من الشّرك وأهله ، وإفراد الله بجميع العبادات الظّاهرة والباطنة ، ومحلّ الدلالة في قوله : { لا إلَهَ إلا هُوَ} ، وقوله : { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ؛ فإنّ الشّهادة تدلّ على توحيد العبادة مطابقة ، والتّنزيه عن الشّرك يستلزم إفراد الله بالعبادة .
وصفات الكمال لا تدلّ على التّوحيد فحسب ، بل إنّها تدلّ مع ذلك على ما يليق بالربّ من الأفعال ؛ ولهذا نزّه الربّ نفسه عن كلّ ما ينافي كماله من الأفعال ؛ قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[ الأنبياء : 16 ] ، وقال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[ المؤمنون : 115 ] ، وقال : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[ القلم : 35 ، 36 ] ، وقال : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ . لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[ الحاقّة : 44 - 47 ] ، فنزّه نفسه عن اللعب والعبث والظّلم وتصديق المتنبئ بما لا معارض له من البراهين ؛ لأنّ هذه الأفعال تنافي كماله وحكمته وعدله ورحمته ([ii]) .
الثّالث : الاستدلال بأوصاف الآلهة الباطلة على التّوحيد ؛ فإنّ كلّ ما يعبد من دون الله تعالى من بشر ، أو شجر ، أو حجر ، أو غير ذلك يجمعهم مثل السوء من الحدوث والعجز والفقر ؛ وهي كلّها صفات نقص تبطل ألوهيّتهم المزعومة ؛ وقد فصّل القرآن هذه الصّفات في نصوص كثيرة بطرق متعدّدة ، منها : ـ
1 ـ تقرير أنّ كلّ ما يعبد من دون الله مخلوق مربوب لا قدرة له على الخلق ؛ وهذا يقتضي ضرورة بطلان الشّرك ، وأنّ الإله الحقّ هو خالق هذه المعبودات والخلق أجمعين ؛ قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[ النّحل : 20 ] ، وقال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[ الأعراف : 191 ] ، وقال : { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[ لقمان : 11 ] ، يقول ابن القيّم : (( إن زعموا أنّ آلهتهم خلقت شيئًا مع الله طولبوا بأن يروه إيّاه ، وإن اعترفوا بأنّها أعجز وأضعف وأقلّ من ذلك كانت إلهيتها باطلاً ومحالاً ))([iii]) .
2 ـ أن الآلهة المزعومة ليست أهلاً للعبادة ؛ وذلك لتجرّدها من جميع معاني الرّبوبيّة ؛ فهي لا تنفع ولا تضرّ ، ولا ترزق ولا تضر ، ولا تملك مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ، قال تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[ المائدة : 76 ] ، وقال : { إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ}[ العنكبوت : 17 ] ، وقال : { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}[ الأعراف : 192 ] ، وقال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}[ فاطر : 13 ] ، وقال : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ . وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}[ سبأ : 22 ، 23 ] ، يقول ابن القيّم : (( أخذت هذه الآية على المشركين بمجامع الطّرق الَّتي دخلوا منها إلى الشّرك ، وسدّتها عليهم أحكم سدّ وأبلغه ، فإنّ العابد إنّما يتعلّق بالمعبود لما يرجو من نفعه ، وإلاّ فلو لم يرج منه منفعة لم يتعلّق قلبه به ، وحينئذٍ فلا بُدّ أن يكون المعبود مالكًا للأسباب الَّتي ينتفع بها عابده ، أو شريكًا لمالكها ، أو ظهيرًا ، أو وزيرًا ، أو معاونًا له ، أو وجيهًا ذا حرمة وقدر يشفع عنده ، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كلّ وجه وبطلت انتفت أسباب الشّرك وانقطعت مواده ؛ فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرّة في السموات والأرض ، فقد يقول المشرك هي شريكة لمالك الحقّ . فنفى شركتها له ، فيقول المشرك : قد تكون ظهيرًا أو وزيرًا ومعاونًا ، فقال : وماله منهم من ظهير ، فلم يبق إلاّ الشّفاعة فنفاها عن آلهتهم ، وأخبر أنّه لا يشفع عنده أحد إلاّ بإذنه ))([iv]) .
3 ـ بيان ما عليه الآلهة المزعومة من صفات النّقص المنافية للألوهيّة ؛ فهي إمّا مخلوقات محتاجة ، لا قيام لها بنفسها ، أو جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلّم ، قال تعالى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[ المائدة : 75 ] ، وقال : { إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ}[ فاطر : 14 ] ، وقال ـ حكاية عن الخليل u ـ : { يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[ مريم : 42 ] ، وقال : { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}[ الأعراف : 148 ]([v]) .
الرّابع : الاستدلال على التّوحيد بضرب الأمثال في المعاني([vi]) ؛ وهي عبارة عن براهين وحجج تفيد توضيحًا للمعنى أو دلالةً على الحكم عن طريق تصوير المعقول في صورة المحسوس ، أو تصوير أحد المحسوسين في صورة أظهرهما ، واعتبار أحدهما بالآخر . وهي أقوى في النّفس ، وأبلغ في الإقناع ؛ لقوّة التّشبيه ، وقربه من الحسّ ، واقتران دلالته بالترغيب والترهيب ([vii]) . وأمثال التّوحيد ممّا يدخل في معنى المثل الأعلى ؛ ولهذا فسّره ابن كيسان بما ضربه الله للتّوحيد والشّرك من الأمثال ([viii]) ، وهو تفسير للمثل الأعلى باعتبار أثره لا باعتبار حقيقته ؛ وهو يعمّ تفسيره بكلمة التّوحيد ، أو بمدلولاتها ، أو بأدلّتها وبراهينها كما تقدّم في التّمهيد ([ix]) .
وقد ذكر الله في كتابه كثيرًا من الأمثال المشتملة على ذكر ما في الآلهة المزعومة من نقائص وأمثال سوء تنفر القلب ، وتهدي العقل بالبرهان لبطلان الشّرك وصحّة التّوحيد ، والتزامه قولاً وعملاً ، رغبًا ورهبًا ؛ ومنها : ـ
1 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[ النّحل : 75 ] ؛ فهذا مثل ضربه الله لنفسه وللأوثان ، فللأوثان مثل السّوء ولله المثل الأعلى في السموات والأرض ؛ فالله تعالى هو مالك كلّ شيء ، ينفق على عباده سرًّا وجهرًا وليلاً ونهارًا ، والأوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شيء ، فكيف يقبل عقل أن تكون شريكةً لله ومعبودة معه مع هذا التّفاوت العظيم ([x]) !
2 ـ قوله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[ النّحل : 76 ] ؛ وهذا مثل آخر ضربه الله لنفسه وللوثن ؛ فإنّ القادر على الحقّ قولاً وأمرًا وفعلاً لا يماثل الأبكم الَّذي لا يقدر على شيء ألبتة لا نطقًا ولا فعلاً ؛ وهكذا شأن الله مع الأوثان ـ ولله المثل الأعلى ـ فإنّ كماله المطلق يحيل أن تماثله الأوثان العاجزة في شيء من كمالاته أو حقوقه ([xi]) !
3 ـ قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[ الحجّ : 73 ، 74 ] ؛ وقد ضرب الله هذا المثل بأوجز عبارة وأحلاها ، وبيّن فيه ما يعمّ المعبودات الباطلة من عجز حتَّى حال الاجتماع والتّعاون ؛ فهي لا تقدر على إيجاد مخلوق من أضعف المخلوقات ، ولا حتَّى على الانتصار منه ؛ وذلك لكمال عجزها المستلزم بطلان ألوهيّتها ضرورة ؛ إذ من لوازم الألوهيّة الحقّ القدرة التامّة على كلّ شيء ؛ ولهذا فإنّ من عرف الله حقّ المعرفة ، وآمن بصفاته الكاملة ، وقدرته التامّة عصمه إيمانه من شرك العبادة ؛ إذ لا يبتلى به إلاّ من لم يقدر الله حقّ قدره . وهذا المثل يقطع مواد الشّرك ، وهو من أبلغ ما أنزله الله في إبطال الشّرك وتجهيل أهله ([xii]) .
4 ـ قوله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[ العنكبوت : 41 ] ؛ فمثل اتّخاذ الأولياء من دونه ، واعتماد المشركين عليهم في حصول المنافع بما في ذلك العزّة والقدرة والنّصرة مثله باعتماد العنكبوت على أضعف البيوت ؛ فإنّ اعتمادهم عليها ما زادهم إلاّ ضعفًا ، وموالاتهم لها ما زادتهم إلاّ ذلّة ؛ جزاءً وفاقًا ، ومعاملةً للمشرك بنقيض مقصوده ، كما هي سنّة الله مع المشركين ([xiii]) .
5 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[ الرّوم : 28 ] ، والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ملكه حتَّى يساويه في التّصرّف ، ويخافه على ماله كما يخاف أمثاله من الشّركاء الأحرار ؟! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فلم جعلتم خلق الله وعبيده شركاء له في العبادة ([xiv]) ؟!
وقد رأى القرطبي أنّ مقصود المثل المضروب في الآية إبطال أن يكون شيء من العالم شريكًا لله في شيء من أفعاله ؛ ولهذا قال في تحرير المثل : (( كيف يتصوّر أن تنزّهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركاء في خلقي ؟! ))([xv]) . وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ مقصود المثل إقامة البرهان على توحيد العبادة ـ وهو يتضمّن توحيد الأفعال ـ ، ودعوة الخلق له قولاً وعملاً ، إذ هو محلّ الخصومة بين الرّسل وأممهم ، قال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[ الزّخرف : 9 ] ، وقال : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى}[ الزّمر : 3 ] ، وقال : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[ النّحل : 36 ] .
6 ـ قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[ الزّمر : 29 ] ، وهذا المثل للدّلالة على حسن التّوحيد وقبح الشّرك ، وعدم استواء الموحّد والمشرك في صفتيهما وحاليهما ؛ فالمشرك الَّذي يعبد آلهة شتى بمنزلة عبد يملكه شركاء مختلفون متعاسرون ، لا يلقاه أحدهم إلاّ جرّه واستخدمه ، ومع ذلك لا يُرضي واحدًا منهم بخدمته ؛ لكثرة الحقوق في رقبته ، وتعاسر مواليه ، وسوء أخلاقهم !! والموحّد الَّذي يعبد الله وحده مثله كمملوك سالم لرجل واحد ؛ لا ينازعه فيه أحد ، قد عرف مقاصده وطرق رضاه ؛ فهو في راحة من تشاحن الشّركاء ، وفي نعمةٍ ورغد عيش من إحسان سيّده وتولّيه لمصالحه !! فهذا مثل المؤمن في حياته الطبيّة ، وذاك مثل المشرك فيما يبتلى به من ضنك الحياة ؛ قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[ النّحل : 97 ] ، وقال : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [ طه : 124 ] ، أي عيشًا ضيّقًا في الدّنيا ، يقول ابن كثير : (( لا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيّق حرج ؛ لضلاله وإن تنعّم ظاهره ، ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ؛ فإنّ قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكّ ؛ فلا يزال في ريبه يتردّد ؛ فهذا من ضنك المعيشة))([xvi]) .


%%%%%




() مجموع الفتاوى 6/83 .
([ii]) انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص36 .
([iii]) الصواعق المرسلة 2/465 .
([iv]) الصواعق المرسلة 2/461 ، 462 .
([v]) وانظر في هذه البراهين الثلاثة : القول السّديد لعبد الرّحمن ابن سعدي ص61 ـ 69 ، دعوة التّوحيد لمحمّد خليل هرّاس ص35 ـ 41 ، الأدلّة العقليّة على أصول الاعتقاد لسعود العريفي ص390 ـ 450 .
([vi]) هذا لإخراج المثل اللغوي ؛ وهو القول السائر الممثل مضربه بمورده ؛ وهو الَّذي عني به علماء اللّغة ، وأفردوا له مؤلّفات مستقلّة ؛ كمجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني . وفائدة هذه الأمثال ترجع إلى التّعبير اللغوي ولا دلالة فيه على الأحكام ؛ لأنّ الدّلالة على الأحكام مخصوصة بأمثال المعاني سواءٌ أكانت معينة أو كلية ؛ فالأمثال المعينة هي الَّتي يقاس فيها الفرع بأصل معيّن إما موجود أو مقدّر ، وفي بعض المواضع يذكر الأصل من غير تصريح بذكر الفرع ، والقصص القرآني من هذا الباب ، فإنها كلّها أصول قياس ولا يمكن تعديد ما يلحق بها من الفروع . والأمثال المعينة ترجع إلى القياس الفقهيّ المشهور بقياس التّمثيل .
أمّا الأمثال الكليّة فهي الَّتي يقاس فيها الفرع ( المثل ) بالمعنى الكليّ ؛ لأنّ القضيّة الكليّة في قياس الشّمول تماثل كلّ ما يندرج فيها من الأفراد ؛ فإنّ الذّهن يرتسم فيه معنى عام يماثل الفرد المعين ؛ فصار هذا قياسًا حقيقة ، وهو ضرب مثل في نفس الوقت ؛ لأنّ ضرب المثل هو القياس بعينه . انظر : مجمع الأمثال للميداني 1/5 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/54 ـ 68 ، 16/41 .

([vii]) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية 14/56 ، أعلام الموقعين لابن القيم 1/148 ، البرهان للزركشي 1/486 ـ 496 .
([viii]) انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1033 .
([ix]) انظر : ص ( 6 ) من البحث
([x]) انظر : أعلام الموقعين لابن القيّم 1/157 ، 158 .
([xi]) انظر : تفسير القرطبي 10/149 ، 150 ، أعلام الموقعين 1/158 ـ 161 .
([xii]) انظر : أعلام الموقّعين لابن القيّم 1/174 ، 175 ، الصواعق المرسلة 2/466 ، 467 .
([xiii]) انظر : المحرّر الوجيز لابن عطيّة 4/318 ، تفسير القرطبي 13/345 ، أعلام الموقّعين لابن القيّم 1/152 ، 153 .
وممّا يدلّ مع الآية على معاملة المشرك بنقيض قصده حديث عمران بن حصين مرفوعًا : (( انزعها فإنّها لا تزيدك إلاّ وهنًا )) ، وحديث عقبة بن عامر مرفوعًا : (( من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله له ، ومن تعلّق ودعة فلا ودع الله له )) ؛ أي لا تركه في دعة وراحة وسكون بل حرّك عليه كلّ مؤذ . انظر فيما يتعلّق ببيان معنى الحديثين وتخريجهما : كتاب التّوحيد بشرحه فتح المجيد وتخريجه لعبد القادر الأرنؤوط ص125 ـ 130 .
([xiv]) انظر : تفسير القرطبي 14/23 ، أعلام الموقعين 1/156 ، 157 .
([xv]) تفسير القرطبي 14/23 .
([xvi]) تفسير ابن كثير 3/168 ، وانظر : تفسير القرطبي 11/258 ، 259 ، 5/253 ، أعلام الموقعين لابن القيّم 1/179 ، مدارج السّالكين 1/422 ، 423 .
 
جزاكم الله خيراً يا دكتور عيسى على هذا المقال الموفق والبحث المركز، والذي يوضحُ بجلاءٍ أنَّ قضيةَ التوحيد في القرآن الكريم أولولية كبرى، ومقصدٌ عظيم من مقاصده ، ينبغي أن يحتل في نفوس المؤمنين أولويةً كبرى كذلك، وقد تناقشت يوماً مع أحد الأصدقاء في ضرورة أن يكون الحديث عن التوحيد وتنزيهه من أي شائبةٍ تخدشه من أولويات العلماء والدعاة إلى الله في منابر الدعوة والعلم ، فكأنه هون من ذلك وقال : أكثرتم علينا من الحديث عن التوحيد كأننا من المشركين ! فقلت له : تأمل آيات القرآن الكريم فقط في حديثها عن التوحيد بأنواعه ، واحسب عدد الآيات في موضوع التوحيد فقط وسيتبين لك مقدار أهمية هذا الموضوع ، وأنه لا بد أن يكون على رأس الأولويات دوماً في حياة المسلم .
وهذه البراهين التي أوجزها هذا البحث الموفق لأستاذنا الجليل الدكتور عيسى السعدي يؤكد هذا المعنى بدقة .
ولأخي الدكتور إبراهيم الحميضي رسالة بعنوان (منهج القرآن الكريم في محاربة الشرك) ليته يوفق لنشرها لينتفع بها القراء .
 
وقد تناقشت يوماً مع أحد الأصدقاء في ضرورة أن يكون الحديث عن التوحيد وتنزيهه من أي شائبةٍ تخدشه من أولويات العلماء والدعاة إلى الله في منابر الدعوة والعلم ، فكأنه هون من ذلك وقال : أكثرتم علينا من الحديث عن التوحيد كأننا من المشركين ! فقلت له : تأمل آيات القرآن الكريم فقط في حديثها عن التوحيد بأنواعه ، واحسب عدد الآيات في موضوع التوحيد فقط وسيتبين لك مقدار أهمية هذا الموضوع ، وأنه لا بد أن يكون على رأس الأولويات دوماً في حياة المسلم .

شكَر الله لكَ يا دكتور/ عيسى , وصدَقتَ يا شيخَنا أبا عبدِ الله , ومن تأمَّل الأحاديثَ النَّبويَّـةَ في الفضَائل الخَاصَّة للآي والسُّور تبيَّن لهُ بجلاءٍ أنَّ الجامع بينها قضيَّةُ التوحيد , وذلكَ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في حديث أبي هُريرةَ رضي الله عنه ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الْإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا ، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي وَالقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ ) والسورةُ حديثٌ واسعٌ جداً عن التوحيد وأهل التوحيد.
وقال صلى الله عليه وسلم في عَشرِ سورةِ الكهفِ الأولى « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ » وهذه العشرُ آياتٍ تحدَّثت عن حمدِ اللهِ على إنزال القرآن , وعن اليوم الآخر ومآلات النَّاس فيه , وتنزيه الله عن مقالات المشركينَ النَّاسبينَ لهُ الولدَ تعالى الله وتقدَّس , وهذا كله توحيد , وفي عَشرِها الأخيرةِ التي وردَ به النصُّ في الفضائل يتركَّزُ الحديثُ عن عاقبة المُشركين السيئة ومآل المُتقين الحَسنِ , وتُختَمُ السُّورة بالنَّهي عن الشِّركِ وتوحيد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في قول الله (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
وحَديثُ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم في سورة الإخلاص التي قال عَنها « أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِى لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ». قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالَ صلى الله عليه وسلم« (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ »وهي سورةٌ لم تتناول غير التَّوحيد.
وحدِيثُ أي بن كعبٍ رضي اللهُ عنهُ يقول فيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) قَالَ رضي الله عنه فَضَرَبَ فِى صَدْرِى وَقَالَ « وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ » ولم تتحدَّث إلا عن التوحيد.
وحَديثُ المعوِّذَتين الذي يرويهِ عُقْبَةُ بْنِ عَامِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ , الْمُعَوِّذَتَيْنِ » وغَرَضُهُما الأساسيُّ التوحيدُ .
إلى غير ذلكَ مما لا ينحصرُ من آثارٍ صحاح في فضائل آيٍ وسورٍ تجتَمعُ كلُّها على تقرير التَّـوحيد.
 
جزا الله الدكتور السعدي خيرا على هذا المقال المهم
وجزا الله خيرا الأساتذة على التعليقات المفيدة ، ونرى فائدة التكرار ، وفائدة تدبر معاني السور والآيات التي أتى النص ببيان فضائلها.
ومنذ فترة لم نقرأ مثل هذا العلم ، جزاكم الله خيرا .
 
أشكر الأخوين الكريمين الدكتور عبدالرحمن الشهري والشيخ محمود الشنقيطي والأخت الكريمة أم عبد الله على دعائهم وحسن ظنهم وأسأل الله تعالى أن يأجرهم على اهتمامهم البالغ بقضية التوحيد التي هي أصل الإسلام وشعاره والغاية الكبرى من خلق الجن والإنس ولهذا كانت مفتاح دعوة الرسل وأول أوامر الله ووصاياه وحقه الخالص الذي من حققه كان حقا على الله تعالى أن يدخله الجنة يوما من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه !
 
بارك الله في أخينا الحبيب الدكتور عيسى السعدي على هذه المقالة المهمة.
وسبق أن طُرحت فكرة مرتبطة بها ، وهي أن التوحيد يدعو إلى الأخلاق، وكم أتمنى من الدكتور لو كتب في هذه الفكرة؛ لأن بعض الذين يدعون إلى التوحيد الصحيح قد يصيبهم نزق في الأخلاق، لما جبلهم الله عليه، ويرون أن دعوة الناس بطريقتهم هي الطريقة المثلى، لا لشيء إلا لأنهم يرون أنفسهم يملكون الحق المطلق، لذا يجب على غيرهم أن يسمع لهم ويطيع.
وهم يتناسون أمورًا كثيرة في خِضَمِّ دعوتهم:
ـ يتناسون سيرة الرسول الكريم الرؤوف الرحيم في تعامله مع طبقات الخلق كلهم : مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم.
ـ يتناسون قول الله تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقول الرسول الكريم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ).
ـ يتناسون قدر الله الذي أوجب الاختلاف بين الناس، كما قال تعالى: ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ، ولهذا جاءت الآيات الآمر بالصبر لمثل هذا الحال من الاختلاف، فمن وعى هذه الأحوال التي ذكرتها الآيات يزداد حلمًا وصبرًا على الخلق.
ـ يتناسون حال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو حال الرحيم الذي يخاف على العباد حتى كادت نفسه أن تذهب من فرط رحمته بالناس كما قال تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) .
وهذا النوع من الأخلاق ليس مخصوصًا بهم، بل يوجد في كل الطوائف مثل هذا، لكن الحريَّ بالداعي إلى الله أن يكون أهلاً للرحمة التي كان يتميَّز بها السيد الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله أن يجنبنا الشرك، وأن يرزقنا أحسن الأخلاق.
لفتة:
كلما قرأت قول الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) أقف مندهشًا من الخليل عليه الصلاة والسلام: أنت أنت يامن أُريت الملكوت، وكنت من الموقنين تخاف على نفسك من عبادة الأصنام!
فكيف الحال بأقوام إذا رأى فيهم أهل التوحيد مظاهر الشرك ونهوهم؛ زفروا واهتزت أجسادهم من الغضب عليهم، وأظهروا من السخط عليهم مالله به عليم، ثم يُبررون ما هم عليه من الإشراك بالله بزائف القول.
ما أعظم هذا الكتاب الذي نُثِرت لنا فيه أخبار هؤلاء الكرام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لنقتدي بهم ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
 
لفتة:
كلما قرأت قول الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) أقف مندهشًا من الخليل عليه الصلاة والسلام: أنت أنت يامن أُريت الملكوت، وكنت من الموقنين تخاف على نفسك من عبادة الأصنام!
فكيف الحال بأقوام إذا رأى فيهم أهل التوحيد مظاهر الشرك ونهوهم؛ زفروا واهتزت أجسادهم من الغضب عليهم، وأظهروا من السخط عليهم مالله به عليم، ثم يُبررون ما هم عليه من الإشراك بالله بزائف القول.
ما أعظم هذا الكتاب الذي نُثِرت لنا فيه أخبار هؤلاء الكرام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لنقتدي بهم ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).

حَصَـلَ لي موقفٌ شَبيهٌ بلفتَتِكَ هذهِ أبا عبد الملكِ , وذلكَ أنِّـي كُنتُ في دَرسِ العلاَّمة بن غديَّان رحمه الله وذَكَر أمرَ الخاتمَـة فقال بالنَّص وقد اغرورَقت عينَاهُ (إن شاء الله نمُوت على الإسلام وبَسْ) فعجِبتُ - لجَهلي - من هذه الدَّعوةِ , وقلتُ في نَفسي: لم يسألُ اللهَ الموتَ علَى الإسلامِ فحسبُ.؟ وهلاَّ أجمَل في الطَّلَبِ , وهَل هذهِ دعوةٌ تدمعُ لها العينُ.؟ ويشَـاءُ الله بعدَها أن أمُرَّ بقول الله تعالى عن عبدهِ النَّبيِّ الممكَّـن لهُ في الأرض يوسُفَ عليه السلام القائل في ابتهاله للمولى تبارك وتعالى (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) فقُلتُ في نفسي: هذا الظَّـنُّ بابنِ غديَّان واستَبَان لي أنَّ دعوتهَ سُلوكٌ لمسلَك الأنبياء عليهم السلام الذين قال الله عنهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).
 
أحيي فضيلة الشيخ الدكتور مساعد الطيار وأشكره على تعليقاته النافعة ومشاعره الصادقة . ولاشك أن الأخلاق الإسلامية في غاية الأهمية ( فما من شيئ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة الصائم القائم ) ولاشك أن بعض المسلمين وإن كان حريصا على تحقيق التوحيد إلا أنه يقع منه تقصير أو تفريط في هذا الجانب بل الأصل الأصيل في الإسلام إما لأسباب فطرية فإن الله ( قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق ) وإما لأسباب خارجية ؛ كعدم العناية بدراسة الأخلاق بدرجة كافية ، وينبغي للحريص على دينه تحققا وتبليغا أن يعنى بدراسة الأخلاق ويجاهد نفسه على التحقق بها والتخلص مما بلي به من مساوئ الأخلاق فإن الأخلاق وإن كانت فطرية إلا أنها يمكن أن تكتسب ؛ بالمجاهدة والدعاء ومخالطة أصحاب الأخلاق العالية وغير ذلك !
وأود أن أذكر بأن العناية بجانب من الإسلام وإهمال آخر من أعظم أسباب افتراق المسلمين إلى فرق متعادية ، قال تعالى ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) ؛ فلما نسوا حظا مما ذكروا به ؛ أي تركوا العمل ببعض ما أمروا به كان تركه سببا لتفرقهم وتعاديهم ! وهذه الدلالة جديرة باهتمام كل مسلم لأن ألفة المسلمين نجاة ورحمة وفرقتهم عذاب وهلكة ! واجتماع الكلمة سبيله بفحوى هذه الآية الأخذ بكل الدين عقيدة وشريعة وخلقا ! وما تفرقت الأمة إلا بترك بعض الحق ؛ فالو عيدية عملوا بالوعيد وأهملوا الوعد والمرجئة بضدهم والمعطلة أخذوا بالتنزيه وتركوا الإثبات والممثلة بضدهم وهكذا سائر الفرق المتقابلة من قدرية وجبرية ورافضة وناصبة كل فرق دينه وأخذ ببعض الحق دون بعض فألقيت العداوة والبغضاء بينهم حتى استحل بعضهم عرض أخيه وربما دمه !! ولشيخ الإسلام رسالة نافعة في هذا الجانب بعنوان قاعدة في الجماعة والفرقة في مجموع الفتاوى 1/ 12 - 18.
وأود أن أعلق أخيرا على ماذكره فضيلته عن دعاء الخليل عليه السلام ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) بقول إبراهيم التيمي ( ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم ) ؛ فهنيئا لمن وافق الخليل فيما يحاذر ؛ وقد نبه أئمة الدعوة على ضرورة العناية بهذا الجانب من الخوف المحمود ؛ فإن من أمن الشرك ، وأهمل العناية بمعرفة صوره وطرقه ربما وقع فيه وهو لايشعر .
 
عودة
أعلى