عبدالرحمن بن عبدالمحسن
New member
بسم1
[FONT="]
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="]بداية الخلق في القرآن :[/FONT]
[FONT="] هل هي الأرض أم السماء؟[/FONT]
[FONT="]عبدالرحمن بن عبدالمحسن
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="][/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="]إن الحمدلله أستعينه وأستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا, أما بعد,[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[FONT="]ذكر صاحب التفسير الكبير المسمى البحر المحيط أن هناك خلافا بين أهل العلم في كون أن الأرض خلقت قبل السماء أم العكس, ولعل بداية هذه المسألة تعود إلى تجاوز الطبري عن إثارتها صراحة الأمر الذي انعكس بدوره على التفاسير الأخرى لأهل السنة والجماعة, هذا وقد ذهب كل من ابن كثير و القرطبي إلى التصريح بأن الأرض خلقت قبل السماء حيث نجد أن ابن كثير يعد أكثر تأكيدا في تفسيره من القرطبي الذي عاد بعد أن ذكر المسألة وكأنه توقف في الخوض فيها باجتهاده على الرغم من مكانته العلمية المرموقة رحمه الله تعالى. ولدينا أن ابن كثير قال بأنه قد صرح المفسرين بخلق الأرض قبل السماء وذلك بناء على ما ثبت لديه من دليل في صحيح السنة, والجدير بالملاحظة أنه لم يرتقي بالمسألة إلى درجة ذكر إجماع بين ذلك وقد اكتفى بالتصريح وانتصر لقول ابن عباس في المسألة الذي في صحيح البخار ي والذي ذكر فيه أن الأرض خلقت قبل السماء. أما القرطبي بدوره قال نهاية بأن هذه مسألة ليس للاجتهاد فيها مدخلا ! أما ابن عاشور فقد ذهب في تفسيره إلى أن السماء خلقت قبل الأرض أي إلى عكس ما ذهب إليه ابن كثير.[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[FONT="]فحاصل المسألة عند الطبري وابن كثير والقرطبي ليس فيه إجماعا يعول عليه المتتبع للإجابة على هذا السؤال على الرغم من تصريح ابن عباس بخلق الأرض قبل السماء وليس في قوله قبل السماوات مع علمنا بأن العربية تسمح بإطلاق لفظ السماء على السماوات من جهة وكذلك استخدام ابن عباس للفظة "خلق" بداية ولم يستخدم تسوية السماء سماوات سبعا ومن المعلوم أن لفظة التسوية لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود وحتى لفظ "خلق" لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود عند الشنقيطي في أضواء البيان بل هي عنده بمعنى التقدير عنده رحمه الله. وبالتالي بما أن الخلق والتسوية لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود فهذا يعني أن الترتيب الزمني لا يمكن استبانته بسهولة إلا بوجود دليل على الإيجاد من العدم إلى الوجود وهذا الدليل يأتي من الرتق المفتوق الذي صرح القرآن الكريم بكون السماوات والأرض كانتا شيئا واحدا وقد ذكرت السماوات بصيغة الجمع هنا أي السماوات السبع تباعا وما حصل لها من تسوية بعد ذلك, والتسوية كما لا يخفى على كل ذي لب لبيب لا يمكن أن تكون إلا بعد الرتق المفتوق ولعله من الأنسب استخدام لفظ "الانفطار" ثم الخلق, فيكون قبل الخلق عملية انفطار مرتبة زمنيا ثم تأتي عملية الخلق بلا ترتيب زمني معلوم لدينا بالضرورة ويليها التسوية التي لا يهم فيها ترتيب زمني كونه شيء غيبي تماما لا يمكن أن نصل إليه بدليل من كتاب ولا من سنة بحال من الأحوال.[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[FONT="]وهذه المسألة أثارها بعض الملحدة زمن الفخر الرازي رحمه الله وغفر له حيث قال في تفسيره الكبير: قَالَ بَعْضُ الْمُلْحِدَةِ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) [ فُصِّلَتْ : 9 ] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) ، وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) [ النَّازِعَاتِ : 27 : 30 ] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْأَرْضَ بَعْدَ السَّمَاءِ ، وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وُجُوهًا[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]: [/FONT]
[FONT="]أَحَدُهَا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ إِلَّا أَنَّهُ مَا دَحَاهَا حَتَّى خَلَقَ السَّمَاءَ ؛ لِأَنَّ التَّدْحِيَةَ هِيَ الْبَسْطُ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا أَمْرٌ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ[/FONT][FONT="] : [/FONT]
[FONT="]الْأَوَّلُ : أَنَّ الْأَرْضَ جِسْمٌ عَظِيمٌ فَامْتَنَعَ انْفِكَاكُ خَلْقِهَا عَنِ التَّدْحِيَةِ ، وَإِذَا كَانَتِ التَّدْحِيَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ كَانَ خَلْقُهَا أَيْضًا لَا مَحَالَةَ مُتَأَخِّرًا عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ[/FONT][FONT="] . [/FONT]
[FONT="]الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ وَخَلْقَ كُلِّ مَا فِيهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ ، لَكِنَّ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ فِي الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَدْحُوَّةً ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي تَقَدُّمَ كَوْنِهَا مَدْحُوَّةً قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ[/FONT][FONT="] . [/FONT]
[FONT="]وَالْجَوَابُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) يَقْتَضِي تَقْدِيمَ خَلْقِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ تَسْوِيَةُ السَّمَاءِ مُقَدَّمَةً عَلَى خَلْقِ الْأَرْضِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَزُولُ التَّنَاقُضُ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ) يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ خَلْقُ السَّمَاءِ وَتَسْوِيَتُهَا مُقَدَّمًا عَلَى تَدْحِيَةِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ تَدْحِيَةَ الْأَرْضِ مُلَازِمَةٌ لِخَلْقِ ذَاتِ الْأَرْضِ ، فَإِنَّ ذَاتَ السَّمَاءِ وَتَسْوِيَتَهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى ذَاتِ الْأَرْضِ ، وَحِينَئِذٍ يَعُودُ السُّؤَالُ[/FONT][FONT="] . [/FONT]
[FONT="]وَثَالِثُهَا : وَهُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ : " ثُمَّ " لَيْسَ لِلتَّرْتِيبِ هَهُنَا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ تَعْدِيدِ النِّعَمِ ، مِثَالُهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُكَ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ ثُمَّ رَفَعْتُ قَدْرَكَ ثُمَّ دَفَعْتُ الْخُصُومَ عَنْكَ ، وَلَعَلَّ بَعْضَ مَا أَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ قَدْ تَقَدَّمَ ، فَكَذَا هَهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ[/FONT][FONT="] . [/FONT]
[FONT="]... الضَّمِيرُ فِي " فَسَوَّاهُنَّ " ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ ، وَسَبْعُ سَمَاوَاتٍ تَفْسِيرٌ لَهُ ، كَقَوْلِهِ : رَبَّهُ رَجُلًا ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الْمُبْهَمَ إِذَا تَبَيَّنَ كَانَ أَفْخَمَ وَأَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَيَّنَ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أُبْهِمَ تَشَوَّفَتِ النُّفُوسُ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ، وَفِي الْبَيَان بَعْدَ ذَلِكَ شِفَاءٌ لَهَا بَعْدَ التَّشَوُّفِ ، وَقِيلَ : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى السَّمَاءِ ، وَالسَّمَاءُ فِي مَعْنَى الْجِنْسِ ، وَقِيلَ : جَمْعُ سِمَاءَةٍ ، وَالْوَجْهُ الْعَرَبِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَمَعْنَى تَسْوِيَتِهِنَّ تَعْدِيلُ خَلْقِهِنَّ وَإِخْلَاؤُهُ مِنَ الْعِوَجِ وَالْفُطُورِ وَإِتْمَامُ خَلْقِهِنَّ[/FONT][FONT="] .[/FONT][FONT="]أ.ه[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="]فالرازي أثار مسألتين الأولى بقوله بعدم الترتيب الزمني في الآية والثاني برفعه الأمر إلى تشويق وحث الباحثين في التأمل في هذا الكون, ولعل صاحب تفسير المنار قد تلقف هذه الروح البحثية الجميلة –التي تتوافق إلى حد كبير مع ما نعيشه اليوم من تقدم التقنية- وآثر عدم البت في المسألة ولعله التمس ما في المسألة من اشكال يصعب الخلاص به بجواب محدد في كون الأرض خلقت قبل السماء أم العكس, حيث حث ضمنا على تقصي هذه الحقائق وفق العلوم التجريبية. والله تعالى أعلم.[/FONT]
[FONT="] [/FONT]