بدأت المرحلة الأولى من مراحل الوعد الرباني بانتهاء دولة اليهود

إنضم
05/02/2009
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بدأت المرحلة الأولى من مراحل الوعد الرباني بانتهاء دولة اليهود

كتبه رأفت محمد رائف المصري
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
اليوم التاسع عشر من أيام العدوان على غزة العزة – فرّج الله كربتها-


قد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم عن إفسادي بني إسرائيل وعلوّهم، وقد ذهب المحققون من المفسرين - على خلاف بينهم في التحديد - إلى أن الإفساد الأوّل إنما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حين بعث الله أصحاب نبيّه تحقيقاً للوعد الأوّل الذي توعّدهم الله به إثر إفسادهم الأوّل .

وسورة الإسراء قد بدأت بذكر مسجدين : المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وإفسادا بني إسرائيل أولهما كان في بلاد المسجد الأوّل : جزيرة العرب، والإفساد الثاني في بلاد المسجد الثاني : بيت المقدس.

{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير} الإسراء 1

ثم قال سبحانه بعد بضعة آيات :{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا . فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا . ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليتبروا ما علوا تتبيرا .}الإسراء4-5

إذاً، فالمذكور في الآيات مسجدان وإفسادان لبني إسرائيل ، الإفساد الأول محلّه بلاد المسجد الأول : الجزيرة، والإفساد الثاني محلّه بلاد المسجد الثاني : بيت المقدس .
وإذا كان الإفساد الأول قد مضى وانتهى أمره – على رأي جميع المفسرين على ما أعلم – فلن أطيل الوقوف معه بأكثر من الإلماحة السالفة، ولنتوقف أمام الإفساد الثاني، وهو الذي يهمنا أمره، إذ إنه ما نعايشه اليوم وما نحصد ثمراته المرّة .

ولا أجدني مضطرّا إلى التدليل على أن ما نعايشه اليوم من علوّ وإفساد لبني إسرائيل هو المقصود من النبوءة القرآنية، ويكفي أن نقول : إن التاريخ لم يشهد أبدا علوّا لبني إسرائيل وإفسادا كما هو اليوم؛ الأمر الذي يؤكد بالضرورة كونه أحد الإفسادين المذكورين في آيات الإسراء، وإذا كان الأكثر على أن الأوّل قد حدث وانتهى - وهذا ما أراه؛ فقد تعيّن الثاني .
ولتفصيل هذه الأحوال مقام آخر، أفرده الباحثون والمفسرون بالدراسات الخاصة، وإن تيسّر لي إخراج شيء من ذلك فعلت .

ولا بدّ من الإشارة إلى أن إفسادات بني إسرائيل واقعياً أكثر من أن يعدّها العادّ، إذ إن ذلك أمر ملازم لوجودهم - أنهاه الله بقوته – كما قال سبحانه : {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا} .

لكن تخصيص هذين الإفسادين بالذكر دليل على عظمهما وتميّزهما من بين إفساداتهم المستمرّة، وهذا يقود إلى ما ذكرنا من أن الواقع التاريخي يقتضي الحكم على أن ما يشهده العالم اليوم منهم – لعنهم الله – هو الإفساد الثاني .

والمراد من هذه العجالة التركيز على خطوات النهاية المحتومة، والملحمة المقدرة على هؤلاء المفسدين .

فلنعد إلى النظر في الآيات : {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة، وليتبّروا ما علوا تتبيرا} .
فالآية تخبر أن إفسادهم الثاني آيل إلى دمار دولتهم تدميرا تامّا، بحيث يمرّ هذا التدمير بمراحل ثلاثة :

المرحلة الأولى : إساءة وجوههم .

المرحلة الثانية : دخول المسجد – وهو الأقصى - وتخليصه من أيديهم، تخليصا شبيهاً بتخليص المسلمين للمسجد أوّل مرّة ؛ تخليصاً "نظيفا" من أيدي النصارى في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

المرحلة الثالثة : تدمير ما تعب اليهود في بنائه، وتسويته بالأرض، والانتهاء من دولتهم إلى الأبد .

مع الإشارة إلى أن لنا معهم جولة أخرى يقودهم فيها الدجال – ولا يكون لهم دولة – تنتهي بالقضاء المبرم عليهم قضاء نهائيا على شكل "الإبادة الجماعية"، وهذا إنما يكون أثناء العلامات الكبرى للقيامة – كما جاء في الأحاديث -.

وما يظهر لي اليوم جليا أن هذه الملحمة – أقصد إنهاء دولتهم كما ذكرت الآيات - قد بدأت مراحلها، إذ المرحلة الأولى كما بيّنا هي إساءة وجوه بني إسرائيل .
وإساءة الوجوه المذكورة ههنا هي فضحهم، وإظهار قبائحهم أمام العالم، وتعريتهم وتعرية ما ستروه على مرّ السنوات الطويلة الماضية من الإجرام والدموية، وحبّ سفك الدماء، وانتهاك "حقوق الإنسان"، والقيام بما يسمّى اليوم بــ "جرائم الحرب"، مستترين بثوب حبّ السلام والمسكنة والإنسانية ....

وأبطال هذه المرحلة - كما يظهر – ثلاثة أطراف :

الأول : المجاهدون الثابتون على أمر الله، المستمسكون بحبل الله، {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}، فهؤلاء هم قدر الله الذي يطارد بني إسرائيل {وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم ؟ قال: ببيت المقدس؛ وأكناف بيت المقدس)
أخرجه أحمد (5/269 ، رقم 22374) ، والطبرانى (8/145 ، رقم 7643)، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : "رجاله ثقات"( 7/564).

فهم الشوكة العالقة في حلوق بني إسرائيل تحول بينهم وبين ما تحقيق أهدافهم، فبهم يمنع الله أولئك من نيل مرادهم، وإجراء مخططاتهم، كما قال سبحانه : {إن الله لا يهدي كيد الخائنين} وقال عزّ وجلّ : {إن الله لا يُصلح عمل المفسدين}،وبنو إسرائيل اليوم هم أئمة الفساد والإفساد، وأساتذة الخيانة والمكر، فكيف يهدي الله كيدهم؟؟ وكيف يُصلح أعمالهم بنيل أوطارهم وتوفيقهم إلى مطالبهم ؟؟

الثاني : هم الضحايا الذين يظهر عليهم إجرام بني إسرائيل، وتعطشهم لسفك الدماء، وبهم يُفتضح بنو إسرائيل بين العالمين، وبهم تُساء وجوههم .
فيكون دمهم وقود هذه المرحلة، وتكون أجسادهم البريئة مادة القتل النهم الذي يمارسه يهود .

ولا يخفى على أحد ما لهؤلاء الشهداء - بإذن الله - من أهمية في صناعة النصر على بني إسرائيل، والإيذان بانتهاء دولتهم، وكشف سوأتهم، فليست دماؤهم مجّانية السفك، ولم تذهب أرواحهم سدىً بغير فائدة؛ بل هم أهم الأطراف، مع مراعاة ثبات الزمرة المجاهدة لتُقطف الثمرة .

الطرف الثالث : هم الأداة التي تكشف زيف الوجه اليهودي المحبّ للسلام أمام العالم، وتُظهر جرائمه على أعين الناس، وتنقل لهم ما يقوم به اليهود من قتل للأطفال، وتمزيق للأجساد، وتبتير للأعضاء، وترويع للآمنين، وتدمير لمنازل المدنيين، واستعمال للأسلحة المحرّمة دولياً، وملاحقة للأموات بقصف المقابر، واعتداء على المساجد ودور العبادة، الأمر الذي يُسهم في كشف الوجهة الدينية للمعركة .
هذا الطرف هو ركن هذه المرحلة، وهو مادّتها الخاصّة بها، وليس هو إلا القنوات الإعلامية الفضائية الصادقة، والصحفيون الذين يُعرّضون أنفسهم للموت في كل لحظة في محاولات جادّة لنقل الخبر، وإظهار جرائم يهود، ونقل صورها إلى أقاصي الأرض؛ الأمر الذي يشعل الكراهية ضدّ هذه الدولة المجرمة في العالم، ويُحفز العالمين : الإسلامي وغير الإسلاميّ على الثورة ضدّهم وضدّ أي علاقات معهم، فتقوم المسيرات التي يُهتف فيها بهلاكهم والانتقام منهم، و تقطع الصلات الدبلوماسية معهم – كما رأينا في فنزويلا وبوليفيا – في انتظار مثل هذه الخطوة من الأطراف العربية المطبّعة مع القتلة -، ويفقدون ما بنوه خلال سنوات طويلة في صنع صورة اليهودي المسكين الذي يستحقّ العطف والإحسان من العالم كله جرّاء ما عاناه من الهولوكوست وغيره!! فيذهب كلّ ذلك هدرا،ويُحبط الله ما كانوا يصنعون .

رجال هذه المرحلة من مراسلي القنوات الفضائية المخلصة – أمثال الأقصى والجزيرة والحوار وغيرها – هم جند من جنود الله في هذه المعركة، وهم السبب الرباني في تنفيذ هذه المرحلة وإنجاحها .

وهؤلاء يستحقون الدعاء لهم بالحفظ من المكروه، وبالتوفيق لأداء هذه المهمّة لتحقيق النصر الأوّلي في "إساءة وجوه بني إسرائيل"، وفضح جرائمهم بنقلها إلى أعين الناس جميعا .


وبعد،

فهذه الأطراف الثلاثة هي أركان النصر في المرحلة الأولى من مراحل انتهاء دولة يهود، لهم علينا الدعاء والعون بالمادّة وبالسلاح وبغيرها ممّا يحتاجونه في أداء مهمّتهم .

وهذا ما بدا لي في تفسير هذه النبوءة القرآنية في سورة الإسراء،فإن أحسنت فمن الله تعالى، وإن أسأت فمن نفسي ومن الشيطان .

مُشيرا إلى أنني استفدت من شيخي الدكتور أحمد نوفل – حفظه الله تعالى – في كثير مما ذكرته، وذلك من محاضراته الماتعة في مرحلة البكالوريوس في الجامعة الأردنية قبل ما يزيد على عشر من السنوات، فجزاه الله عني الخير الجزيل .
 
عودة
أعلى