البهيجي
Well-known member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد..المشايخ الكرام الاساتذة الفضلاء..أعزائي الاعضاء والعضوات..لما رأيت
ان لإصول التفسير أهمية كبرى في معرفة مراد رب العالمين في القرآن الكريم...ثم نظرت فوجدت قلة من
يكتب فيها-أي في أصول التفسير-رأيت ان من الفائدة بإذن الله تعالى ان أشارك في هذه المشاركة وهي مفتوحة
لجميع الاعضاء والعضوات في هذا الملتقى لكي ينقلوا لنا ما قرأوه وأطلعوا عليه من البحوث الجادة والنافعة
حول أصول التفسير...ويعلقوا عليها ويناقشوها...وأدعو الله السميع العليم أن ينفع من يكتب ويقرأ في هذه
المشاركة من خير الدنيا والآخرة...ونبدأ بمشاركة بسيطة للأستاذ طه عابدين طه من جامعة أم القرى-
الحمد لله رب العالمين...أما بعد..المشايخ الكرام الاساتذة الفضلاء..أعزائي الاعضاء والعضوات..لما رأيت
ان لإصول التفسير أهمية كبرى في معرفة مراد رب العالمين في القرآن الكريم...ثم نظرت فوجدت قلة من
يكتب فيها-أي في أصول التفسير-رأيت ان من الفائدة بإذن الله تعالى ان أشارك في هذه المشاركة وهي مفتوحة
لجميع الاعضاء والعضوات في هذا الملتقى لكي ينقلوا لنا ما قرأوه وأطلعوا عليه من البحوث الجادة والنافعة
حول أصول التفسير...ويعلقوا عليها ويناقشوها...وأدعو الله السميع العليم أن ينفع من يكتب ويقرأ في هذه
المشاركة من خير الدنيا والآخرة...ونبدأ بمشاركة بسيطة للأستاذ طه عابدين طه من جامعة أم القرى-
غاية علم أصول التفسير وفضله وفائدته : أولاً : غاية علم أصول التفسير : لكل علم من العلوم غاية يهدف إليها ، فعلم التجويد مثلاً يهدف إلى تجويد النطق الصحيح لألفاظ القرآن الكريم ، وعلم الرسم يهدف إلى تجويد كتابة ألفاظ الوحي ، وعلم اللغة يهدف إلى عصمة اللسان والبنان من اللحن في لغة القرآن الكريم ، وعلم أصول التفسير غايته بيان أصح الطرق في التفسير ، وفق قواعد صحيحة ثابتة ، ومنهج سديد راشد ، مع وضع شروط محكمة وآداب قيمة للمفسر . ومن هنا كان علم أصول التفسير أحد مباحث علوم القرآن المهمة ، ولذا أطلق بعض العلماء على علوم القرآن " أصول التفسير " من باب إطلاق الجزء على الكل ، وإظهاراً لأهميته وغايته ، فهو علم يبنى عليه علم التفسير حسب قواعده وشروطه . ثانياً : فضل علم أصول التفسير : شرف كل علم بشرف موضوعه ، وغايته ، وشدة الاحتياج إليه ، وعلم أصول التفسير هو حائز لجميعها فإن موضوعه كلام الله تعالى خير الكلام وأشرفه وأعذبه وأصدقه ، وأعدله وأبينه ، وغايته فهم القرآن العظيم المشتمل على الهدى والحكمة ،والشفاء والرحمة، فهو سبيل رضا الرحمن ، والترقي في درجات الكمال ، لأنه كيف يهتدي به من كان لفهم أصوله جاهلاً ، وعن مناهج علمائه غافلاً . وشدة الاحتياج إليه ظاهرة فإذا كان " الصحابة رضي الله تعالى عنهم على علو كعبهم في الفصاحة واستنارة بواطنهم بما أشرق عليها من مشكاة النبوة كانوا كثيرا ما يرجعون إليه بالسؤال عن أشياء لم يعرجوا عليها ولم تصل أفهامهم إليها بل ربما التبس عليهم الحال ففهموا غير ما أراده الملك المتعال كما وقع لعدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود ولا شك أنا محتاجون إلى ما كانوا محتاجين إليه وزيادة " (([1] ، بما ييسر علينا فهم كتابه ، من طرق صحيحة راشدة ، وقواعد سليمة راسخة ، ومنهج على درب الهدى قائم ، فلذا كان علم أصول التفسير ، ومعرفة مناهج المفسرين من أشرف العلوم قصداً ، وأكثرها نفعاً . ثالثاً : فائدة علم أصول التفسير : أما فائدة علم أصول التفسير الذي يعتبر أحد العلوم الخادمة للقرآن الكريم كعلم الرسم والتجويد والقراءات ونحو ذلك ، بل هو خادم له في أهم الجوانب ؛ ألا وهو فهمه وتدبر ما جاء فيه وفق منهج سليم ؛ ولذا تظهر أهميته وفائدته من جوانب عديدة أبرزها ما يلي :1. الوقوف على نشأة علم التفسير وتطوره، وجهود العلماء السابقين ـ رحمهم الله ـ في خدمة تفسير القرآن الكريم ، وما تميز به كل جهد،وكيفية الاستفادة منه في سعة الإدراك لمعاني القرآن الكريم ، والوقوف على أسراره العظيمة . 2. معرفة المنهج السليم ، والطرق الصحيحة لتفسير القرآن الكريم ، بما يراعي قواعد وضوابط السابقين ، ويواكب روح عصرنا ومتطلباته .
- الإلمام بالقواعد التي تعين الإنسان على فهم كتاب الله فهماً صحيحاً ؛ لأن معرفة الأصول يعين على فهم الفروع .
4. معرفة اتجاهات المفسرين العقدية،والفقهية ، والكلامية ،واللغوية ، وكيف أثرت هذه الاتجاهات المتنوعة مكتبة التفسير في عصوره المختلفة .5. التزود بالعلوم التي تمكن الإنسان من كشف محاولة المحرفين لنصوص الكتاب والسنة وفق أهوائهم ومناهجهم وعقائدهم الباطلة ومعرفة كيفية التصدي لهم، والرد عليهم .6. المقدرة على الرد على ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات سواء كان ذلك حول تفسير القرآن،أو مناهج بعض المفسرين وكتبهم ونحو ذلك.
- معرفة المناهج المعوجة ، والطرق الخاطئة في التفسير ، التي وقعت فيها بعض الطوائف والطرق ،وعدم التأثر بما في بعض كتب التفسير من انحرافات ومزالق .
- القدرة على دراسة منهج كل مفسر وتقويمه تقويماً سليما ، ومعرفة قيمته العلمية ، وما حققه من إضافة علمية .
9. الوقوف على عظمة كتاب الله الذي حظي بهذا القدر الهائل من العناية والاهتمام ، ووضع لفهمه هذا القدر العظيم من القواعد والضوابط .10. نيل الأجر والثواب المترتب على خدمة كتاب الله وتيسير فهمه للناس ؛ وذلك لأن مما أوجب الله على عباده فهم كتابه وتعلم ذلك وتعليمه.
([1]) روح المعاني ج 1 / 4 .
وللأستاذ طه عابدين طه كتابا حول أصول التفسير أسمه(التحرير في أصول التفسير).
ومن موقع رابطة أدباء الشام...لكم هذه المقالة-
في نشأة علم «أصول التفسير»
وصلته بالعلوم الأخرى
عبد الرحمن حللي *
التأمل في الخطاب القرآني المتعلق بالنظر والمعرفة كموجه ومرشد يبرز الآفاق الرحبة التي لا حدود لها في الحضِّ على المعرفة والتأمل في الآفاق والأنفس، بل وفي النص نفسه وتدبر كلماته وآياته، وفي ذلك اشارة صريحة الى وجوب البحث، مع الإقرار باستحالة انسداد آفاقه سواء في النص أو الكون، ففيهما أسرار إلهية ومعان وسنن جعلها الله منارات يصل من خلالها الإنسان الى المعرفة والقوانين التي أقام الله الحياة على أساسها، من هذا المنطلق القرآني تحركت المعرفة في سياقها الحضارية الإسلامي، منضبطة بالقيم والمحفزات القرآنية دون أن تكون أسيرة لنصه أو متعسفة في البحث فيه عما أرشد الى وجوده في غيره.
وقد سارت الحضارة الإسلامية وتعاقبت طبقات التاريخ بين مد وجزر الى أن آلت الى مراحل تراجعت فيها المعرفة، دون أن تنهار العلاقة القدسية مع النص، لكن هذه العلاقة أخذت النص الى مسار مختلف لم يأت من أجله، فجعلت منه كتاباً يحوي كل العلوم، واتجه التأويل لاستخراج العلوم منه من دون لحظ طبيعة النص وخصائصه والرسالة التي جاء من أجلها، فحل الإسقاط على النص محل الاستمداد منه، وتم الأمر نفسه لدواع أخرى مذهبية أو سياسية أو غيرها، بوعي أو من دونه، لكن هذا الإسقاط متنوع المظاهر والدواعي لا يلغي وجود صلة ما بين النص وبين المجالات التي رُبط بها، على أن هذه الصلة ينبغي أن تؤخذ ضمن مسارها الطبيعي المرتبط بمسار النص كحامل للرسالة الخاتمة.
ومما يعزز هذه الصلة بين القرآن والمعرفة عموماً، الأثر الذي تركه القرآن في مختلف العلوم والمعارف، فأصبح علم التفسير الحاضن الأساسي للعلوم التي ولدت في الحضارة الإسلامية، فعاشت تلك العلوم في كنفه الى أن بلغت الرشد واستقلت بذاتها، وأصبحت علماً له قوانينه التي لا بد لدارس القرآن من معرفتها.
ومع ظهور إفراد تفسير القرآن بالتأليف في القرن الثاني للهجرة، بدأت تظهر حاجة المفسرين الى العلوم الأخرى، بحسب موضوعات القرآن، بل ولد من رحم تفسير القرآن علوم جديدة اختصت بالقرآن الكريم، وذلك في ضوء الحاجة الى ذلك، وفي القرن الثامن الهجري ظهر اصطلاح علمي خاص يجمع أصول هذه العلوم التي تدور حول القرآن وما يحتاجه المفسر، ويعرِّف بها في علم واحد هو «علوم القرآن»، وذلك مع الإمام بدر الدين الزركشي (ت 794هـ)، صاحب «البرهان في علوم القرآن»، فكان أول من ألف في علوم القرآن بمعناها الاصطلاحي الذي يختص بجمع ضوابط العلوم المتصلة بالقرآن الكريم من ناحية كلية عامة، ودرج من بعده الحديث عن علوم القرآن كمصطلح خاص.
وكان من بين القضايا التي تطرقت اليها كتب علوم القرآن شروط المفسر، والأصول والقواعد والضوابط التي يحتاجها المفسر، وهي موضوعات سبق وتطرقت اليه كتب خاصة، وهي بعض ما غدا يعرف حديثاً بـ «أصول التفسير»، أو ما كان يسمى «القواعد الكلية» بحسب ابن تيمية، أو «قانون التأويل» بحسب تسمية الغزالي وتلميذه ابن العربي، أو «علم التفسير» بحسب تسمية الطوخي.
فأصول التفسير مبحث تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين لتفاسيرهم، وفي كتب علوم القرآن وكتب اللغة وأصول الفقه، ويتناول دراسة الشروط الواجب توفرها في المفسر، والعلوم التي يحتاج اليها المفسر، وأهم قواعد التفسير، اللغوية والأصولية والاستقرائية، فموضوعه «قواعد كلية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه»، فهو أحد علوم القرآن، وقد ضمن المصنفون - المتقدمون والمتأخرون - في علوم القرآن موضوعاته ضمن كتبهم، فثمة تداخل بين أصول التفسير وعلوم القرآن، لكن علوم القرآن أشمل، وقد تتوسع بعض كتب أصول التفسير الى مسائل من علوم القرآن، كما أن من علوم القرآن ما لا علاقة له بالتفسير، انما هو من قبيل الإحصاء والتوثيق والتأريخ، وأهم وظيفة يؤديها علم أصول التفسير هي ضبط الاستنباط والفهم، والترجيح عند الاختلاف، إذ فيه الأسس والقواعد التي يعرف بها تفسير كلام الله، والشروط والمقدمات العلمية التي يحتاجها المفسر. وقد أصبح البحث عن أصول للتفسير والتأويل هاجساً لدى المشتغلين بالتفسير حديثاً، وقد اهتم به من المتأخرين المعلم عبدالحميد الفراهي الهندي في كتابه «التكميل في أصول التأويل»، لكن هذا المشروع لم يكتمل مساره، رغم كثرة اللبنات في بنائه، إذ المطلوب من هذا العلم أن يعمل في التفسير ما عملته أصول الفقه في الفقه، وأصول الحديث في الحديث، أي أن يصبح هذا العلم بمثابة قانون يضبط العملية التفسيرية.
لكن عدم اكتمال بناء أصول التفسير كعلم لا يعني عدم وجود تلك الأصول والضوابط والمعايير، والتي تمثل كليات في العلوم التي يحتاجها المفسر، لذلك كانوا يشترطون لمن يمارس التفسير أن يكون عالماً بتلك العلوم، لكن العلم بها لا يغني عن استخلاصها وتجريدها كمبادئ ذات صلة مباشرة بالتفسير.
وتبرز أهمية العناية بأصول التفسير في العصر الحديث من ناحيتين، الأولى صعوبة إحاطة المفسر بالعلوم التي ذكرت كشرط للتفسير نظراً لتطور هذه العلوم واتساعها، ومن ناحية ثانية انه عندما يتعمق الباحث بواحد من هذه العلوم يطغى على العلوم الأخرى ويترك أثره في تفسيره، وهذا ما نلمسه في مناهج المفسرين المتقدمين، حتى أصبحت التفاسير توسم بالعلم الذي اصطبغت به أو أثر ذلك العلم فيها، كالتفسير اللغوي، والتفسير الفقهي، والتفسير بالمأثور، والتفسير الصوفي...، وهذا ان كان لوناً من التفسير إلا أنه ليس التفسير الأمثل الذي تقتضيه الضوابط التي وضعها المفسرون، بل لا يصح واحد منها ما لم يلتزم بمقتضيات العلوم الأخرى.
هذا التواشج بين العلوم وبين التفسير والجدل التاريخي بينها (استيلاداً للعلوم أو توظيفاً لها) أصبح في العصر الحديث أشد الحاحاً وأعمق إشكالاً، من ناحيتي دعوى احتواء القرآن على بعض العلوم أو كلها أو صلاحية أي علم لأن يوظف في فهم القرآن، وقد وجد المخلص والمسيء بين مدعي كل من الإشكالين أو معارضيهما، كما وجد العالم والمتعالم في تعاطيهما، لكن الدقة تقتضي الحذر في الأحكام المطلقة في القضيتين، وارجاع تعاطيهما الى اعتبارين أساسيين في أي مقاربة للقرآن: الأول هو لحظ طبيعة القرآن عند درسه وهي كونه حاملاً لرسالة إلهية، وخطاباً للعالمين يتضمن محتوى يطلب من المخاطب التعاطي معه، وأي تجاوز لهذا المستوى يدخل في اسقاط معنى على القرآن لم يأت لبيانه وإن كان أشار اليه. والاعتبار الثاني هو لحظ كون القرآن انما هو نص صيغ بلغة عربية لها قوانينها ومعانيها وأساليبها، ولا يستقيم فهم القرآن من غير الأخذ في الاعتبار البعد النصي والبعد اللغوي للقرآن، ففي البعد النصي ينبغي لحظ تكامل النص وإفصاح بعضه عن بعضه، وأثر بنيته في فهمه، وكيفية صوغ أساليبه وخطابه، وفي البعد اللغوي ينبغي لحظ لغة عصر نزوله وما قبلها، ولغة القرآن في علاقته مع هذه اللغة، فضلاً عن قوانين العربية ومعاني مفرداتها.
وعند مرعاة هذين المعيارين يمكن نقد الدراسات المعاصرة للقرآن ومدى الدقة العلمية فيها على تنوع مناهجها وتخصصاتها. ولا بد للدارس عند مراعاتهما أن يلحظ متفرعات عنهما ولوازم لهما، وستكون مشكلات كالتي يثيرها ما يسمى التفسير أو الإعجاز العلمي، أو القراءة المعاصرة للقرآن، أو استخدام العلوم الحديثة في فهم القرآن، غير ذات بال أو أثر لأن لحظ البعد الإلهي والهدائي للقرآن كرسالة سيبعد نسبة شيء الى القرآن لا يدخل في هذا الإطار، وكذلك الشأن في لحظ الضابط النصي واللغوي يمنع الإسقاط ويساهم في الاستمداد المنهجي للمعنى من القرآن، وهذا هو موضوع «أصول التفسير» كعلم لم يكتمل بناؤه.
* كاتب سوري.وهذه المقالة أعتقد انها بحاجة للتوضيح والنقاش واني أدعو المشايخ الاجلاء والاعضاء الكرام الى التعليق معي حولها....والله تعالى أعلم.
وللأستاذ طه عابدين طه كتابا حول أصول التفسير أسمه(التحرير في أصول التفسير).
ومن موقع رابطة أدباء الشام...لكم هذه المقالة-
في نشأة علم «أصول التفسير»
وصلته بالعلوم الأخرى
عبد الرحمن حللي *
التأمل في الخطاب القرآني المتعلق بالنظر والمعرفة كموجه ومرشد يبرز الآفاق الرحبة التي لا حدود لها في الحضِّ على المعرفة والتأمل في الآفاق والأنفس، بل وفي النص نفسه وتدبر كلماته وآياته، وفي ذلك اشارة صريحة الى وجوب البحث، مع الإقرار باستحالة انسداد آفاقه سواء في النص أو الكون، ففيهما أسرار إلهية ومعان وسنن جعلها الله منارات يصل من خلالها الإنسان الى المعرفة والقوانين التي أقام الله الحياة على أساسها، من هذا المنطلق القرآني تحركت المعرفة في سياقها الحضارية الإسلامي، منضبطة بالقيم والمحفزات القرآنية دون أن تكون أسيرة لنصه أو متعسفة في البحث فيه عما أرشد الى وجوده في غيره.
وقد سارت الحضارة الإسلامية وتعاقبت طبقات التاريخ بين مد وجزر الى أن آلت الى مراحل تراجعت فيها المعرفة، دون أن تنهار العلاقة القدسية مع النص، لكن هذه العلاقة أخذت النص الى مسار مختلف لم يأت من أجله، فجعلت منه كتاباً يحوي كل العلوم، واتجه التأويل لاستخراج العلوم منه من دون لحظ طبيعة النص وخصائصه والرسالة التي جاء من أجلها، فحل الإسقاط على النص محل الاستمداد منه، وتم الأمر نفسه لدواع أخرى مذهبية أو سياسية أو غيرها، بوعي أو من دونه، لكن هذا الإسقاط متنوع المظاهر والدواعي لا يلغي وجود صلة ما بين النص وبين المجالات التي رُبط بها، على أن هذه الصلة ينبغي أن تؤخذ ضمن مسارها الطبيعي المرتبط بمسار النص كحامل للرسالة الخاتمة.
ومما يعزز هذه الصلة بين القرآن والمعرفة عموماً، الأثر الذي تركه القرآن في مختلف العلوم والمعارف، فأصبح علم التفسير الحاضن الأساسي للعلوم التي ولدت في الحضارة الإسلامية، فعاشت تلك العلوم في كنفه الى أن بلغت الرشد واستقلت بذاتها، وأصبحت علماً له قوانينه التي لا بد لدارس القرآن من معرفتها.
ومع ظهور إفراد تفسير القرآن بالتأليف في القرن الثاني للهجرة، بدأت تظهر حاجة المفسرين الى العلوم الأخرى، بحسب موضوعات القرآن، بل ولد من رحم تفسير القرآن علوم جديدة اختصت بالقرآن الكريم، وذلك في ضوء الحاجة الى ذلك، وفي القرن الثامن الهجري ظهر اصطلاح علمي خاص يجمع أصول هذه العلوم التي تدور حول القرآن وما يحتاجه المفسر، ويعرِّف بها في علم واحد هو «علوم القرآن»، وذلك مع الإمام بدر الدين الزركشي (ت 794هـ)، صاحب «البرهان في علوم القرآن»، فكان أول من ألف في علوم القرآن بمعناها الاصطلاحي الذي يختص بجمع ضوابط العلوم المتصلة بالقرآن الكريم من ناحية كلية عامة، ودرج من بعده الحديث عن علوم القرآن كمصطلح خاص.
وكان من بين القضايا التي تطرقت اليها كتب علوم القرآن شروط المفسر، والأصول والقواعد والضوابط التي يحتاجها المفسر، وهي موضوعات سبق وتطرقت اليه كتب خاصة، وهي بعض ما غدا يعرف حديثاً بـ «أصول التفسير»، أو ما كان يسمى «القواعد الكلية» بحسب ابن تيمية، أو «قانون التأويل» بحسب تسمية الغزالي وتلميذه ابن العربي، أو «علم التفسير» بحسب تسمية الطوخي.
فأصول التفسير مبحث تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين لتفاسيرهم، وفي كتب علوم القرآن وكتب اللغة وأصول الفقه، ويتناول دراسة الشروط الواجب توفرها في المفسر، والعلوم التي يحتاج اليها المفسر، وأهم قواعد التفسير، اللغوية والأصولية والاستقرائية، فموضوعه «قواعد كلية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه»، فهو أحد علوم القرآن، وقد ضمن المصنفون - المتقدمون والمتأخرون - في علوم القرآن موضوعاته ضمن كتبهم، فثمة تداخل بين أصول التفسير وعلوم القرآن، لكن علوم القرآن أشمل، وقد تتوسع بعض كتب أصول التفسير الى مسائل من علوم القرآن، كما أن من علوم القرآن ما لا علاقة له بالتفسير، انما هو من قبيل الإحصاء والتوثيق والتأريخ، وأهم وظيفة يؤديها علم أصول التفسير هي ضبط الاستنباط والفهم، والترجيح عند الاختلاف، إذ فيه الأسس والقواعد التي يعرف بها تفسير كلام الله، والشروط والمقدمات العلمية التي يحتاجها المفسر. وقد أصبح البحث عن أصول للتفسير والتأويل هاجساً لدى المشتغلين بالتفسير حديثاً، وقد اهتم به من المتأخرين المعلم عبدالحميد الفراهي الهندي في كتابه «التكميل في أصول التأويل»، لكن هذا المشروع لم يكتمل مساره، رغم كثرة اللبنات في بنائه، إذ المطلوب من هذا العلم أن يعمل في التفسير ما عملته أصول الفقه في الفقه، وأصول الحديث في الحديث، أي أن يصبح هذا العلم بمثابة قانون يضبط العملية التفسيرية.
لكن عدم اكتمال بناء أصول التفسير كعلم لا يعني عدم وجود تلك الأصول والضوابط والمعايير، والتي تمثل كليات في العلوم التي يحتاجها المفسر، لذلك كانوا يشترطون لمن يمارس التفسير أن يكون عالماً بتلك العلوم، لكن العلم بها لا يغني عن استخلاصها وتجريدها كمبادئ ذات صلة مباشرة بالتفسير.
وتبرز أهمية العناية بأصول التفسير في العصر الحديث من ناحيتين، الأولى صعوبة إحاطة المفسر بالعلوم التي ذكرت كشرط للتفسير نظراً لتطور هذه العلوم واتساعها، ومن ناحية ثانية انه عندما يتعمق الباحث بواحد من هذه العلوم يطغى على العلوم الأخرى ويترك أثره في تفسيره، وهذا ما نلمسه في مناهج المفسرين المتقدمين، حتى أصبحت التفاسير توسم بالعلم الذي اصطبغت به أو أثر ذلك العلم فيها، كالتفسير اللغوي، والتفسير الفقهي، والتفسير بالمأثور، والتفسير الصوفي...، وهذا ان كان لوناً من التفسير إلا أنه ليس التفسير الأمثل الذي تقتضيه الضوابط التي وضعها المفسرون، بل لا يصح واحد منها ما لم يلتزم بمقتضيات العلوم الأخرى.
هذا التواشج بين العلوم وبين التفسير والجدل التاريخي بينها (استيلاداً للعلوم أو توظيفاً لها) أصبح في العصر الحديث أشد الحاحاً وأعمق إشكالاً، من ناحيتي دعوى احتواء القرآن على بعض العلوم أو كلها أو صلاحية أي علم لأن يوظف في فهم القرآن، وقد وجد المخلص والمسيء بين مدعي كل من الإشكالين أو معارضيهما، كما وجد العالم والمتعالم في تعاطيهما، لكن الدقة تقتضي الحذر في الأحكام المطلقة في القضيتين، وارجاع تعاطيهما الى اعتبارين أساسيين في أي مقاربة للقرآن: الأول هو لحظ طبيعة القرآن عند درسه وهي كونه حاملاً لرسالة إلهية، وخطاباً للعالمين يتضمن محتوى يطلب من المخاطب التعاطي معه، وأي تجاوز لهذا المستوى يدخل في اسقاط معنى على القرآن لم يأت لبيانه وإن كان أشار اليه. والاعتبار الثاني هو لحظ كون القرآن انما هو نص صيغ بلغة عربية لها قوانينها ومعانيها وأساليبها، ولا يستقيم فهم القرآن من غير الأخذ في الاعتبار البعد النصي والبعد اللغوي للقرآن، ففي البعد النصي ينبغي لحظ تكامل النص وإفصاح بعضه عن بعضه، وأثر بنيته في فهمه، وكيفية صوغ أساليبه وخطابه، وفي البعد اللغوي ينبغي لحظ لغة عصر نزوله وما قبلها، ولغة القرآن في علاقته مع هذه اللغة، فضلاً عن قوانين العربية ومعاني مفرداتها.
وعند مرعاة هذين المعيارين يمكن نقد الدراسات المعاصرة للقرآن ومدى الدقة العلمية فيها على تنوع مناهجها وتخصصاتها. ولا بد للدارس عند مراعاتهما أن يلحظ متفرعات عنهما ولوازم لهما، وستكون مشكلات كالتي يثيرها ما يسمى التفسير أو الإعجاز العلمي، أو القراءة المعاصرة للقرآن، أو استخدام العلوم الحديثة في فهم القرآن، غير ذات بال أو أثر لأن لحظ البعد الإلهي والهدائي للقرآن كرسالة سيبعد نسبة شيء الى القرآن لا يدخل في هذا الإطار، وكذلك الشأن في لحظ الضابط النصي واللغوي يمنع الإسقاط ويساهم في الاستمداد المنهجي للمعنى من القرآن، وهذا هو موضوع «أصول التفسير» كعلم لم يكتمل بناؤه.
* كاتب سوري.وهذه المقالة أعتقد انها بحاجة للتوضيح والنقاش واني أدعو المشايخ الاجلاء والاعضاء الكرام الى التعليق معي حولها....والله تعالى أعلم.