بحث مختصر في مسألة الإعجاز العددي في القرآن الكريم

إنضم
16/04/2003
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهذا سؤال ورد إلي من موقع الإسلام اليوم، وأحببت أن أعرض جوابي عليه بين يديكم في هذا الملتقى المبارك راجيا إبداء الرأي وتصويب الخطأ وسد الخلل:
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو أن تكون الإجابة عاجلة ولكم الثواب والأجر، هل يوجد إعجاز عددي في القرآن، مثل ذكر الحديد أو عدد ذكر الرجل والمرأة وغيرها جزاكم الله تعالى خيرا.

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فالكلام عن مصطلح الإعجاز العددي يحتاج إلى دارسة وافية ونظر متأمل، فالكلام حوله كثير والدراسات المعاصرة متعددة ـ وفي الحق ـ فإن من الصعوبة أن أختصر الكلام في هذه المسألة ؛ لأنها تحتاج إلى بسط ومزيد إيضاح ، ومع هذا فسأجتهد وُسْعِي أن أختصر الكلام، وألخصه في نقاط بما يحضرني ، مع يقيني أن المسألة تحتاج إلى مزيد من البحث والعناية ، والله المسئول أن يعصمنا من زلل الرأي وخطل القول:
أولا: مصطلح (الإعجاز العددي) مصطلح متأخر بدأ تداوله في العصر الحديث، غير أن الباحث ربما وجد عند المتقدمين ما يمكن أن يسمى إرهاصات له، واستحضر الآن مثالين على ذلك:
- أولها ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: ( كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقول لي : لا تتكلم حتى يتكلموا.
قال: فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر قال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر، أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم ليلة إحدى ، وقال: بعضهم ليلة ثلاث ، وقال: آخر خمس ، وأنا ساكت.
فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت ، قال فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأيي! قال: عن ذلك نسألك، قال فقلت: السبع، رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعا،وخلق الإنسان من سبع ، وبرز نبت الأرض من سبع. قال فقال: هذا أخبرتني ما أعلم أرأيت ما لا أعلم ما قولك: نبت الأرض من سبع ، قال فقلت، إن الله يقول :(شققنا الأرض شقا) إلى قوله:(وفاكهة وأبا) والأب نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس ، قال فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه بعد ، إني والله ما أرى القول إلا كما قلت ، قال وقال: قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا وإني آمرك أن تتكلم معهم).
فابن عباس رضي الله عنه نظر إلى تكرر رقم سبعة في عدد من آيات القرآن الكريم ، مما يدل على أن له معنى خاصا، فجعله أمارة يستنبط منها أن ليلة القدر الوارد ذكرها في قوله تعالى:(إنا أنزلنا في ليلة القدر) هي ليلة السابع من العشر الآواخر من رمضان، وهذا لا يمنع أن يكون رضي الله عنه استند في فهمه إلى قرائن أخرى.
- والثاني: أننا نجد عند بعض المفسرين من السلف ومن بعدهم محاولات لبيان معنى حروف التهجي التي افتتح بها بعض سور القرآن الكريم معتمدين في ذلك على حساب الجمل ( وهو ما كان يعرف عند العرب قديما من وضع قيمة رقمية لكل حرف عربي حسب ترتيب (أبجد هوز) ويسمونه: حساب الجمل، وانظر في هذا إلى ما أشار إليه الألوسي وابن عاشور في تفسيرهما رحمهما الله، ولا يضيرنا أن تكون تلك المحاولات قد أصابت الحق أو أخطأته، لأن المراد البحث في نشأة هذا النوع من الدراسة.
إلا أن هذا المصطلح قد أحاط ظهوره في العصر الحديث كثير من الدخل والدخن ؛ فالحسابات العددية ارتبطت بالبهائية (وهي أحد الفرق الباطنية الضالة) وعلى تلك الحسابات اعتمد ـ الهالك ـ رشاد خليفه في دعوى النبوة، وهذا الارتباط مع عوامل أخرى، جعل كثيرا من الدارسين يقف من هذا الاتجاه الجديد موقف الريب، وينزع فيه منزع الشك، ومن أبرز العوامل ـ أيضا ـ ما اتسمت به كثير من الدراسات المتعلقة بالإعجاز العددي من مظاهر التكلف وصور التمحل وافتقاد المنهجية المطردة المنضبطة، مما يُجل القرآن الكريم عنه، إلى عوامل أخرى ربما ورد ذكرها في ثنايا الكلام.

ثانيا: عند النظر في مصطلح (الإعجاز العددي) نجده يتركب من جزأين: الإعجاز، والعدد. والأمر المعجز: هو الشيء الذي لا يُستطاع ويُعجز عنه، قال في القاموس عند تعريف المعجزة : هي ما أعجز به الخصم عند التحدي. والعد والعدد: الإحصاء، ويُراد به هنا الأرقام المعروفة التي يُعد بها ويُحصى.
وبهذا يظهر أن مصطلح الإعجاز العددي يراد به ـ وبحسب ما تبين لي من خلال الدراسات المتعلق به ـ أنه:( ما ورد في القرآن الكريم من أشارت إلى حقائق كونية بطريق الحساب العددي ).
ومن خلال هذا يتبين أن مصطلح الإعجاز العددي يتألف من ركنين أساسين:
أولهما: أن يكون أمراً معجزاً ليس في مقدور البشر المجيء بمثله.
الثاني: أن يكون الأمر المعجز معتمداً على الأرقام والأعداد.
إن معرفة هذين الركنين في مصطلح (الإعجاز العددي) أمر أساس ، فلكي يصح أن نطلق على ذلك النوع من الدراسات أنها من قبيل البيان لما في القرآن الكريم من إعجاز عددي ، فيجب أن يتوفر فيها هذان الركنان:
الأول: أنها أمر معجز.
والثاني: أنها تعتمد على لغة الأرقام والأعداد.
وبهذا يظهر لنا جلياً الخلل الكبير الذي اتسمت به كثير من الدراسات المتعلقة بهذا النوع من الإعجاز، وقد أشار السائل الكريم إلى مثال على هذا، وهو تساوي ذِكْر الرجل والمرأة في القرآن الكريم أو تساوي ذكر الدنيا والآخرة، أو الملائكة والشياطين، فهذه أمور ذكرها من كتب في الإعجاز العددي مستشهدا بها على ما في القرآن الكريم من إعجاز عددي، وهذه الأمثلة ونحوها لو سُلِم بصواب عَدِها وانضباطهـ مع أن فيها نظر ـ فهي ليست مما يندرج ضمن الأمور المعجزة التي لا يُقدر عليها، فأنت مثلا تستطيع أن تؤلف كتابا ضخما وتتعمد أن تراعي تساوي عدد المرات التي تذكُر فيها لفظ الرجل والمرأة، أو لفظ الدنيا والآخرة، أو لفظ الملائكة والشياطين، فمثل هذا لا خلاف أنه في مقدور كل أحد أن يفعله، وإذاً فهو ليس أمراً معجزاً، فلا يصح أن يدرج في البحوث المتصلة بالإعجاز العددي. لأنها غير معجزة أصلا، وربما ازداد الأمر وضوحا في الفقرة الرابعة.

ثالثا: أما ما يتعلق بالحكم الشرعي على هذا النوع من الدراسات الحديثة ، فقد أبدى كثير من المختصين في الدراسات القرآنية تحفظهم الشديد على هذا النوع من البحوث المتصلة بالقرآن الكريم، بل رأينا المبالغة في النكير على القائلين به والداعين إليه، حتى خرج البحث عن المسار العلمي إلى نطاق يتعلق بالأشخاص، وهذا شطط لا موجب له. وربما أثر في هذا ما أحاط نشأته من إشكالات وما اتسمت به كثير من دراساته بالتكلف والتمحل ـ كما سبق الإشارة إليه ـ إننا قبل أن نطلق الحكم الشرعي على هذه المسألة يجب أن نطرح سؤالا منهجيا مهما وهو:
هل هذه ( الأعداد المعجزة) التي يُذكر أنها في القرآن الكريم، والتي تشير إليها البحوث والدراسات المعاصرة جائزة الوقوع عقلا ؟ بحيث لا يمتنع وقوعها عقلا في القرآن الكريم، وبمعنى آخر هل هناك ما يمنع من ورود أرقام وأعداد تحسب بطريقة ما فتدل على حقائق علمية وكونية؟
إن هذا سؤال جوهري ، الإجابة عليه بشكل علمي تزيل كثيرا من الحرج، وترفع كثيرا من اللبس في هذه المسألة، والظاهر عندي أن هذا الأمر جائز الوقوع عقلا؛ لأنه لا يوجد ما يحيل وقوعه لا من حيث نصوص الشرع، ولا من حيث جريان العادات والسنن، كما أنه تعالى لا يعجزه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة، وعدم وجود المانع دليل على الجواز قطعا، على أنه لا تلازم بين الجواز العقلي والوقوع الفعلي، إذ ليس كل ما يجوز عقلا يقع فعلا، وهذا لا إشكال فيه بحمد لله.
ومتى صار بنا البحث إلى التسليم بجواز وقوعه عقلا، فلا معنى للقول بمنعه والحكم بتحريمه ابتداءً، لأنه ممكن الوقوع، ومتى ما وقع صار ذات الوقوع دليلا على جوازه شرعا، مثال ذلك: حينما نقول: يجوز عقلا ورود إشارة في القرآن الكريم إلى إحدى الحقائق الكونية التي كشفها العلم الحديث، فلا يلزم منه أن ترد في القرآن الكريم، لكن متى ما وردت كان ذلك الورود بعينه في القرآن دليلا على جواز البحث القرآني في مثل هذه المسائل شرعا وصحة القول بها، وكذا الحال هنا في المسألة محل البحث، وهذا يجعلنا على حذر من المسارعة إلى الإنكار والتحريم لهذا النوع من الدراسات، معتمدين في ذلك على ما نراه من دراسات جانبت الصواب؛ لأن الإنكار والتحريم سيذهب سُدى بمجرد أن تظهر دراسة علمية رصينة تكشف دلالة الحساب العددي في القرآن الكريم على حقيقة علمية ما، لا سبيل إلى ردها أو التشكيك فيها، إلا بنوع من المكابرة.
ـ وفي الحق ـ فلا تلازم بين القول بجواز هذا النوع من الدراسة من حيث النظر العقلي وتصحيح البحوث الموجودة اليوم، بل فيها ما هو باطل قطعا، وفيها ما دون ذلك مما يحتاج إلى مزيد من النظر، وإنما المقصود بحث هذه المسألة بحثا علميا مجرداً .

رابعاً: من المسائل المهمة التي وقع خلال كبير نتيجة عدم الوعي بها، أن كثيرا من الدراسات ذات الصلة بموضوع الإعجاز العددي، لا تفرق بين ما توفر فيه ركنا الأمر المعجز ـ كما تقدم في الفقرة الثانية ـ وبين ما أخل بهذين الركنين أو أحدهما، فأدخلوا بعض الحسابات العددية التي توصلوا لها وفق عملية حسابية معينة ضمن إطار الإعجاز، وهذا خلال في المنهج، وقد مَرّ قريبا في الفقرة الثانية ضرب بعض الأمثلة على هذا الأمر، ومن الأمثلة كذلك قول بعضهم: إن لفظة الجهر ورد في القرآن (16 ) مرة، مساويا لفظ العلانية، ولفظ إبليس وردت (11) مرة ويساويه لفظ الاستعاذة بالله، ولفظ الرغبة بلغ (8) مرات ويساويه لفظ الرهبة، فهذه وأمثالها ـ كما مر ـ ليست أمرا معجزا لا يُقدر عليه؛ لأن كل أحد يقدر على هذا، وإذاً فمثل هذه التوافقات العددية في القرآن الكريم ليست من الإعجاز، ويمكن أن نطلق عليها مصطلح الظاهرة العددية في القرآن الكريم.
فهي حقيقة ظواهر عددية في القرآن الكريم، وليست أمرا معجزا يدرج ضمن بحوث الإعجاز العددي، وعليه فيجب أن يفرق بين الظاهرة العددية في القرآن وبين الإعجاز العددي فيه.
ولا يفهم من هذا النهي عن الاشتغال بمثل هذه الظواهر العددية، ذلك أن السلف قديما أحصوا حروف القرآن الكريم بشكل دقيق وتفننوا في ذلك وشققوا المسائل فيه وفرعوا، فلنا فيهم أسوة، وإنما أردت القول إنها ليست من ضمن البحث الإعجازي في القرآن الكريم.

خامسا: من خلال ما قرأته من دراسات تتعلق بموضوع الإعجاز العددي ظهر لي بشكل جلي ـ وأعتقد أن كثيرا من المختصين يشاركونني هذا الرأي ـ أن هذا النوع من الدراسات يفتقر إلى المنهجية العلمية التي تحكم مساره وتضبط أبحاثه، ولا سيما أن هذا النوع من الدراسات قد يتأثر بمقررات عند الباحث سابقة لدراسته، قد تجعله ـ حتى من غير قصد ـ يتحكم في مسار البحث واتجاه الدراسة، ومن صور افتقاد المنهجية اعتماد بعض الدراسات على بعض المسائل الخلافية المتصلة بالقرآن الكريم التي لم يزل الخلاف فيها بين أهل العلم قائما، نحو رسم المصحف وترتيب السور، حيث وجدت أن بعض من كتب في هذا المجال يصرح بشكل واضح أنه ينطلق في أبحاثه من اعتبار رسم المصحف أمرا توقيفيا، وهذه المسائل الخلافية وإن كان المرء ربما يرجح فيها قولا ما، فمن الصعب أن يجعل اختياره وترجيحه أساسا منهجيا يُبنى عليه دراسات علمية، بل قد رأيت من تلك الدراسات ما يعتمد على بعض ما أُحدث في رسم المصحف الشريف من الأحزاب والأجزاء، وهذا خلال منهجي خطير؛ لأن هذه الأحزاب والأجزاء أمور حادثة من صنع البشر، بل هي مخالفة لما كان عليه الشأن في عصر النبوة حيث اشتهر أن القرآن الكريم كان يقسم إلى الطوال والمئين والمثاني والمفصل، فهذه الأمور المحدثة في رسم المصحف ليس لها العصمة التي لكلام الله حتى يبنى عليها وتجعل مأخذا ومنزعا لما يسمى بالإعجاز العددي؛ لأن الباحث ينطلق مما للقرآن الكريم من عصمة باعتباره كلام الله جل وعلا، فيجعله دليلا يرشده إلى حقائق كونية أو مسائل غيبية، ولولا هذه العصمة لم يصح استدلاله، فكيف يساوى هذا بما هو من اجتهاد البشر وصنعهم. ومن الأمثلة التي نُذَكِر بها هنا ما تردد كثيرا بعد الأحداث التي وقعت في أمريكا، واستدلال بعضهم عليها بما ورد في سورة التوبة، معتمدين في جزء من قوله على هذه الأجزاء والأحزاب.
ومما يذكر في هذا الصدد؛ أن تكون الدراسات التي يتوصل لها الباحث ذات قيمة علمية، أي أن تكون ذات معنى علمي مفيد مهما كان مجاله، شرط أن تكون ذات قيمة علمية أو فائدة عملية، و إلا كانت عبثا ينزه كلام الله عنه، وتصان الدراسات المتعلقة به عن مثله.
وهاك مثالا ذكره أحد أشهر المهتمين بالدراسات العددية في القرآن الكريم حيث يقول: إنّ سورة النمل تُستهلّ بـ (طس) وقد لفت انتباهنا أنّ حرف الطاء يتكرر في السورة 27 مرّة، وهذا هو ترتيب سورة النمل في المصحف، وأنّ تكرار حرف السين في سورة النمل هو 93 وهذا هو عدد آيات السورة، وأن المجموع هو: ( 27+ 93) = 120 وهذا هو جُمّل كلمة (نمل) " أ.هـ كلامه.
ويريد بقوله (جمل) أي حساب الجمل الذي تقدم بيانه، فهذا المثال على فرض التسليم بصحة ما تضمنه من أرقام وحساب، فإن المحصلة النهائية له ليست ذات قيمة علمية أو عملية، فضلا عن أنها ليست أمرا معجزا في ذاتها، فأين هذا من وصف ربنا جل وعلا لكتابه الكريم بقوله: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).

سادساً: وأخيرا أود أن أختم هذا الكلام بالتذكير ببعض التنبيهات التي لا تغيب عن فطنة القارئ الكريم:
- أولها: يجب أن لا يغيب عن النظر ونحن ندرس ما في القرآن الكريم من تلك الإشارات الكونية، أن القرآن الكريم لم ينزل ليكون كتاب علوم كونية أو دلالة على حوادث غيبية، بل هو كما أخبر جل وعلا كتاب هداية وبيان وإيضاح ورشاد، فلا يضير القرآن الكريم أن لا يوجد فيه شيء من تلك المسائل، وإذا فنحن لسنا بحاجة إلى أن نتكلف أمرا لم يدل عليه القرآن الكريم بشكل جلي بعيد عن الكلفة والتحمل.
-ثانيها: لقد رأينا بعض الدراسات التي تتعلق بمسائل غيبية أوحوادث مستقبلة ـ وفي الحق ـ فهذا دحض مزلة، ومسلك خطر، لا تُأمن فيه السلامة، ولم يزل الدجل والإفك يقترن بماتصل بالغيبيات والأمور المستقبلة من بحوث ودراسات، ومسائل الغيب قد حجبها الله عن عباده إلا من ارتضى من رسله، فينبغي أن تنزه البحوث المتعلقة بالقرآن الكريم عن الخوض في هذا البحر اللجي.
-ثالثها: كثير من المحاولات التي نراها اليوم يقوم بها أناس فيهم غيرة ومحبة لهذا الدين ، لكنهم ليسوا على علم راسخ بالقران الكريم، ولا معرفة بالأدلة الشرعية والأصول المرعية، وأهل العلم مجمعون على أن الناظر في كلام الله عز وجل ـ حتى يجوز له الكلام فيه ـ لا بد أن يستجمع أموراً معروفة ويحقق شروطاً معلومة، ومن نتائج الخلال في هذا الجانب والقصور فيه، أننا رأينا بعض الدراسات تنطلق من قناعات سابقة في أمر ما، تكون حكما على القرآن الكريم، حتى إنك ترى الباحث يتكلف ويتمحل في البحث والاستنتاج حتى يصل إلى تلك النتيجة المقررة عنده سلفا.

وأخيرا فلعلك ـ أيها السائل الكريم ـ قد تبين لك أن مسألة الإعجاز العددي أمر جائز الوقوع عقلا، ولا يوجد ما يمنع من ورود ما يؤيده في القرآن الكريم، غير أن التكلف والتمحل في الإبحاث ذات الصلة وافتقاد المنهجية شابت كثيرًا من تلك الدراسات، مما يجعل المرء على حذر من قبولها مطلقا دون فحص ونظر.
هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
عذرا الاعجاز العددي لا بد فيه من تناول ثلاثة مسائل
الاولى هل الشرع يقر نسبة هذه الاستنتاجات اليه ?
الثانية هل تدخل هذه الموافقات العددية في مفهوم الاعجاز ?
الثالثة ماضوابط وشروط اعتبار التوافق العددي ?
وقد تفضلتم بالاجابة عن المسالة الثانية تفصيلا ويستفاد بعض جواب المسالة الثالثة من كلامكم تصريحا وضمنا وتبقى المسالة الاولى بلا جواب مع كونها اصل البحث ولو اذنت لي ان اشارككم الحديث لاجبت بالنفي للاوجه الاتية
1- اهمال النبي صلى الله عليه وسلم لها مع توفر الداعي وانتفاء المانع
2- ان هذا التوافق ليس مما يدخل في اطار الكمالات في لسان العرب محل الاعجاز القراني
3- ان فتح هذا الباب يؤدي لمفاسد راجحة قطعا
ولكم جزيل الشكر
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك أخي الكريم أبا فارس على طرح هذا الموضوع بطريقة منظمة مرتبة كما هي عادتكم وفقكم الله. وما أشرتم إليه من مسائل ، وأمثلة توضيحية ، وشروط ، واستدراكات قد وفقتم فيه كثيراً ولله الحمد. ويبقى الأمر بعد ذلك مطروحاً لتتبع الأدلة والمؤلفات في هذا الباب بشيء من العمق العلمي ، والنظر إلى الأمر من جميع جوانبه حتى تتضح الصورة ، ويتبين الحق من غيره في مثل هذه المسائل التي يشتد ولع الناس بها ، ويخوض فيها كثير من الكاتبين في مناسبات مختلفة ، وبمناهج كثيرة بعلم أحياناً ، وبغير علم أحياناً.
ولا شك أن الدعوة إلى المنهجية في تناول قضايا البحث العلمي ، والعمق فيها من الأمور التي يجب أن لا نمل من تذكير أنفسنا بها ، والحرص على تنمية هذا الجانب بقدر الطاقة البشرية. فإن هذا الأمر مما يثري البحوث ، ويبعث على الثقة بها. وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى معاناة شديدة لكلام العلماء قديماً وحديثاً ، وقدرة على فهم كلامهم على وجهه ، دون تكلف في الإثبات أو النفي. وما أجمل التوسط والاعتدال في كل الأمور.
والسير في طريق الاعتدال **من أفضل العادات والخصالِ
وهناك كتاب نقدي لكتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم سبقت افشارة إليه في الملتقى ، وهو كتاب يتميز بالإنصاف في المناقشة والحوار ، والأدب في الأخذ والرد . وهو كتاب
رسم المصحف والإعجاز العددي
(دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم)
للدكتور أشرف عبدالرزاق قطنة.

وقد قدم له الدكتور وهبة الزحيلي ، والأستاذ محمد راتب النابلسي ، والأستاذ نذير كتبي.
والكاتب قام بشكل رئيسي في كتابه هذا بدراسة ثلاثة كتب اعتنت بموضوع الإعجازز العددي في القرآن الكريم ، هي :
1- كتاب (معجزة الرقم (19) - مقدمات تنتظر النتائج).
لكاتبه بسام نهاد جرار . وهو يدرس العلاقة بين الحروف في فواتح السور ، وبعض كلمات القرآن الكريم والعدد 19.
2- كتاب (الإعجاز العددي للقرآن الكريم) لمؤلفه الدكتور عبدالرزاق نوفل. وهو يدرس العلاقات بين تكرار ورود الكلمات المترادفة والمتضادة في القرآن الكريم.

وفقكم الله أخي ناصر لما يحب ويرضى ، وأرجو أن يتواصل هذا الجهد العلمي الموفق في موقع الإسلام اليوم وموقع أهل التفسير فالهدف واحد ولله الحمد.
 
للرفع والفائدة
قال الشيخ خالد بن عثمان السبت
((هذا النوع من الإعجاز باطل جملة وتفصيلاً، إذ لم يكن معهوداً لدى المخاطبن بالقرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الأمة بكتاب الله، وأبرها قلوباً، وأكثرها صواباً، فلم ينُقل عن أحد منهم بإسناد صحيح شئ من هذا القبيل إطلاقاً، ولو كان هذا من العلم المعتبر لكانوا أسبق الناس إليه، وأعلم الأمة به، وذلك أن هذا الأمر لا يتطلب آلات وتقنيات حتى يتمكن الإنسان من اكتشافه، وإنما هو مجرد إحصاء وعدد، وهذا أمر لا يُعْوِز أحداً، وقد عدَّ السلف جميع كلمات القرآن، وجميع حروفه، وعرفوا بذلك أعشاره، وأرباعه، وأثلاثه، وأخماسه، وأسداسه، وأسباعه وأثمانه وأنصاف ذلك كله، وغير ذلك بدقه متناهية كما هو معروف في محله [انظر في ذلك على سبيل المثال: فنون الأفنان لابن الجوزي، البرهان للزركشي، الاتقان للسيوطي 1/197، جمال القراء للسخاوي 1/231].

فكيف خفي عليهم هذا العلم جملة وتفصيلاً وعرفه من بعدهم؟ هذا لا يكون أبداً، وما يذكره بعضهم من أمثلة على هذا الإعجاز المزعوم كثير منه لا يصح فيه العد أصلاً – كما في موضوعنا هذا كما سيأتي – وما كان العد فيه صحيحاً فإنه ما يُذكر معه إنما هو من باب الموافقة والمصادفة، ولا يعجز الإنسان إذا أحصى أموراً كثيرة مما ورد في القرآن – مثلاً – كعدد المرات التي ذكرت فيها الجنة، والنار، والبر، والأبرار، والخير، والشر، والنعيم، والجزاء، والعذاب، والمحبة، والبغض، والكفار، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، والمؤمنون، والكفار، والمنافقون، والكفر، والإيمان، والنفاق ... الخ.

فإذا أحصيت ذلك كله ستجد أشياء منه تستطيع أن تلفق منها بعض الفِرَى، فقد تتساوى بعض الأعداد، أو يكون بعضها على النصف بالنسبة لغيره، وهكذا مما لا يعجز معه أهل التلبيس من إيجاد وجوه للربط بينها، يطرب لها بعض السذج والمغفلين . ))
 
مقال ماتع نافع ابا فارس :
واحببت ان اطرح عليك ما يلي

ما دام ان الأمر هو دراسة للمصطلح ألا ترى أن لفظ الإعجاز كذلك من المصطلحات الحادثة إذ لم يرد في القرآن والسنة بهذا المصطلح وإنما ورد بلفظ الآية .
ولذا فأصل التسمية فيه خلل والذي بنيت عليها النتيجة التالية :
وبهذا يظهر لنا جلياً الخلل الكبير الذي اتسمت به كثير من الدراسات المتعلقة بهذا النوع من الإعجاز، وقد أشار السائل الكريم إلى مثال على هذا، وهو تساوي ذِكْر الرجل والمرأة في القرآن الكريم أو تساوي ذكر الدنيا والآخرة، أو الملائكة والشياطين، فهذه أمور ذكرها من كتب في الإعجاز العددي مستشهدا بها على ما في القرآن الكريم من إعجاز عددي، وهذه الأمثلة ونحوها لو سُلِم بصواب عَدِها وانضباطهـ مع أن فيها نظر ـ فهي ليست مما يندرج ضمن الأمور المعجزة التي لا يُقدر عليها، فأنت مثلا تستطيع أن تؤلف كتابا ضخما وتتعمد أن تراعي تساوي عدد المرات التي تذكُر فيها لفظ الرجل والمرأة، أو لفظ الدنيا والآخرة، أو لفظ الملائكة والشياطين، فمثل هذا لا خلاف أنه في مقدور كل أحد أن يفعله، وإذاً فهو ليس أمراً معجزاً، فلا يصح أن يدرج في البحوث المتصلة بالإعجاز العددي. لأنها غير معجزة أصلا، وربما ازداد الأمر وضوحا في الفقرة الرابعة
أم أن هذا الأمر مبني على رأي من كتب فيه فما رأيك وفقك الله .
 
للمدارسة

للمدارسة

بسم الله الرحمن الرحيم
وفقك الله أخي ناصر على هذه الدراسة النافعة لموضوع الإعجاز العددي في القرآن الكريم ،
أريد أن أبين أمراً قبل التعليق على المشاركة وهو أن الذين كتبوا بالإعجاز العددي وروجوا له هم أهل العقائد الباطلة والنحل المنحرفة المنتسبة للإسلام ، ففي بلادنا راجت كتب الإعجاز العددي وجل من يكتب فيه من الباطنية ، ثم انجر الأمر على بعض المثقفين الذين ينبهرون بكل جديد استخدم له مصطلحات ضخمة توهم عظمة ما يقدم تحت هذا المصطلح ، ولبساطة هؤلاء وسذاجتهم وعدم معرفتهم لأبعاد هذا الأمر كتبوا في الإعجاز العددي فكتب المهندس عبد المنعم الكحيل مثلاً سلسلة الإعجاز العددي في القرآن وأصدر ثلاث أعداد من هذه السلسلة وعظم وضخم من أهمية إثارة هذا العلم ، وعده الإعجاز المقصود في القرآن في هذا العصر وذكر في مقدمة العدد الأول من سلسلته أن اللغة المستخدمة في هذا العصر هي لغة الأعداد والأرقام ، ولم يعد للكلام قيمة كالعدد ، وبما أن القرآن معجز في كل زمان ، وكان إعجازه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والعصور الأولى هو في أسلوبه وبيانه ، وكانت اللغة العربية هي المتعامل بها ، فإننا الآن نتعامل بالعدد والرقم ولم يعد الناس يفهمون اللغة العربية ، والقرآن لاينفك عن الإعجاز في كل زمان فلا بد أن يكون اليوم إعجازه من نوع آخر ، ألا وهو الإعجاز العددي حتى نثبت للعالم أن القرآن معجز في كل زمان .( الكلام مع تصرف مني )، وكان عمله في عد كلمات الآية ثم تقسمها ومعرفة جذرها ليخرج بنتيجة أن أكثر الآيات تقبل تعود لجذر العدد 33 مثلاً
ولست بصدد الرد على هذه المغالطات والحجج الباطلة ، ولكني عرضت لهذا الأمر من أجل أن نعلم أن مصطلح ( الإعجاز العددي ) وليد أبوين غير شرعيين وهما : الفرق الباطنية ، والتأثر بالمستوردات الغربية ما هب منها وما دب مع ضعف الوعي والتسلح بالعلم الشرعي .ومعرفة هذا يفيدنا للحذر من أبعاد هذا الفن على العقيدة والشريعة والبحث في حيثياته للحكم عليه .
ثم أنتقل الآن للتعليق على ما سبق من كلام الأخوة :
أولاً :استدلال الأخ ناصر بحديث عمر رضي الله عنه واستدلال ابن عباس على كون ليلة القدر هي السابع والعشرون فقال : (فابن عباس رضي الله عنه نظر إلى تكرر رقم سبعة في عدد من آيات القرآن الكريم ، مما يدل على أن له معنى خاصا، فجعله أمارة يستنبط منها أن ليلة القدر الوارد ذكرها في قوله تعالى:(إنا أنزلنا في ليلة القدر) هي ليلة السابع من العشر الآواخر من رمضان، وهذا لا يمنع أن يكون رضي الله عنه استند في فهمه إلى قرائن أخرى ) .ليس دليلاً على وجود الإعجاز العددي أو ما سماه بالإرهاصات فالحديث أولاً ضعيف كما ذكر ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف، ثم قال ابن رجب بعدما ذكر الحديث : ( وقد صح عن ابن عباس أنه كان ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين ) ثم ذكر ابن رجب أن طائفة من المتأخرين استنبطت من القرآن أنهاليلة سبع وعشرين من موضعين :
أحدهما : تكرار ذكر ليلة القدر في ثلاثة مواضع ، وليلة القدر حروفها تسع حروف والتسع إذا ضربت في ثلاثة فهي سبع وعشرون .
والثاني أنه قال ( سلام هي ) فكلمة ( هي ) هي الكلمة السابعة والعشرون من السورة فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة .ثم نقل ابن رجب عن ابن عطية الغرناطي أنه قال : ( هذا ملح التفسير لا من متين العلم ) قال ابن رجب : ( وهو كما قال .) .
فأمثال هذه الأمور كانت عندهم معلومة ولكنهم يعدون المشتغل بها كالمشتغل بما لا يعنيه ولذا فإنهم لم يعظموا شأنه ولم يلتفتوا إليه ولم يجعلوه إعجازاً .
أما ما ورد عن بعض المفسرين من السلف في حساب الجمل للحروف المقطعة في القرآن أوائل السور ، فيقول ابن جرير الطبري رحمه الله 1/68 في تفسير سورة البقرة عند تفسير ( ألم ) : ( وقال بعضهم هي حروف من حساب الجمل كرهنا ذكر الذي حكى ذلك عنه إذ كان الذي رواه ممن لا يعتمد على روايته ونقله . ) .وفي هذا بيان أن مثل هذه الأمور التي تسمى بالإعجاز العددي كانت موجودة كما ذكر الأخ ناصر إلا أن السلف رضي الله عنهم كانوا يكرهونها .
ثانياً : تعريف الإعجاز العددي بما ذكره الأخ ليس جامعاً مانعاً وإنما بقتصر على نوع من الإعجاز العددي الذي يروج له أصحابه ، وكما ذكر الأخ فإن التطبيقات القائمة لهذا الفن لا تنبئ عن إعجاز ، وإنما هي ظواهر ـ كما اصطلح عليها الأخ ناصر ـ إن صحت وصح الإستدلال بها وصح مدركها ، ولكني أرتاح لما قاله الأخ: سين ـ حبذا لو يذكر اسمه ـ أنها موافقات ، أي أن المكتشفات العلمية وافقت ما أشار إليه النص القرآني من أعداد هذا إن سلمت وصحت .
ولكن ألا تشاركوني الرأي أن تساوي ذكر عدد لفظ الرجل مع المرأة في القرآن والاستدلال به هو نتيجة تأثر بالأفكار الغربية والوقوف أمامها بضعف .؟ وإلا لم لم يفطن لها إلا الآن ؟
ثالثاً : من ناحية الحكم الشرعي ، هل كل ما جاز عقلاً جاز شرعاً ؟ فالإمام الشافعي أنكر نسخ السنة للقرآن شرعاً مع تجويزه لوقوعه عقلاً ، ولكن لم يثبت لديه نسخ السنة للقرآن .
ومع أنني أوافق أخي ناصر في كثير مما قال في الفقرة الثالثة إلا أنني أنكر أن يكون لما يسمى الإعجاز العددي وجود في القرآن وكما مر فإن أمثال هذه الدراسات كانت موجودة في القرون المتقدمة إلا أنه لم يكن يأبه لها ويعطى لها مشروعية وإنما كان يتمرسها الذين يبحثون عن الغرائب ، وفي نفس الوقت لم تحرم وكما قال ابن عطية فإنها ليست من متين العلم ولكننا اليوم أمام واقع سببه التطفل من قبل غير المتخصصين في الدراسات القرآنية والكتابة في أشباه هذه الأمور والترويج لها وسكوت المختصين والتردد فيها .
رابعاً :لا بد أن نفرق بين الإشارات العلمية الواردة في القرآن وبين ما يسمى بالإعجاز العددي.
خامساً صحيح أن لفظ الإعجاز لم يرد في القرآن الكريم ولم يستخدم عند الصحابة والتابعين بل كانوا يستخدمون لفظ ( آية) كما ألف ابن المديني كتاباً سماه ( آيات النبي صلى الله عليه وسلم ) ثم استخدم لفظ ( أعلام النبوة ) ، ويظهر أن استخدام ( معجزة ) و ( إعجاز ) بدأ في نهاية القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابع الهجري عند المتكلمين،فقد ألف محمد بن يزيد الواسطي المتوفى 306 هـ كتاباً سماه ( إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه ) (1) ، وقد ذكر السيد صقر أنه أول من ألف كتاباً يشتمل على هذا العنوان وقال : ( وهي من الكتب التي لا نعرف عنها غير أسمائها المجردة ).انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص 10 .مقدمة السيد أحمد صقر محقق الكتاب ، واانظر فكرة إعجاز القرآن لـ نعيم الحمصي ص 7 ـ 8 ,وع ذلك لا مانع أن يصطلح أهل الفن على معنى لهذه اللفظة . والله أعلم
 
مداخلة لباحث في الإعجاز العددي

مداخلة لباحث في الإعجاز العددي

[align=justify][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ، والصلاة والسلام على من نطق بأفصح لسان ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ، أما بعد :

فقد تردّدت كثيراً قبل الكتابة في هذا الموضوع .. علماً بأنه مرّ على تدوينه أكثر من عام ونصف العام ..

على أني وجدت فيه أموراً ينبغي التوقف عندها .. وتبيين حقيقة أبعادها .. سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يفتح عليّ ببيانها .. وأن يعصمني من زلل الرأي فيها ..

وأول ذي بدء أتقدم بكلمة شكر للأخ ناصر الماجد على تناوله الراقي لموضوع الإعجاز العددي بهذه الروح الوسطية المعتدلة .. ذلكم المنهج الذي أشار إليه أخونا الكريم عبد الرحمن الشهري مشكوراً ، في قوله : "وما أجمل التوسط والإعتدال في كل الأمور" .. ..

وإن ما دعاني في الحقيقة إلى رفع هذا الموضوع من جديد ، وإعادة النظر فيه ، هو المنهج الذي يتبعه بعض العلماء وكثير من المتعلمين في احتجاجهم على ما يسمّى بالإعجاز العددي للقرآن الكريم .. وليتهم أنصفوا فعرضوا على الناس الحقيقة ، أو قدّموا للمتخصّصين نقداً منهجياً موضوعياً .. لكان ما عزمت عليه أمراً منسياً ..

ولكني وجدت للأسف أن "المعارضين" لم يفرّقوا حتى بين دراسات جادّة إبداعية وبين دراسات سخيفة ركيكة .. بل وعمدوا إلى الإحتجاج على البطلان بالدراسات السخيفة ، ليسلّوا سيوفهم في وجوه أشباح لم نجد لها أصلاً على أرض الواقع .. مما جعلني أدرك أنّهم لم يدرسوا المسألة دراسة جادّة .. فهم قد آمنوا أنه لا وجود لإعجاز عددي في القرآن الكريم مطلقاً ، وبالتالي لا داعي لإضاعة الوقت في أمر قد حُسم مسبقاً ..

فجمعوا "أدلتهم" من بطون الكتب ، وقدّموها للناس على أنها القول الفصل الذي لا يجوز مخالفته .. وعندما شعروا بضعف موقفهم لجأوا إلى عبارات طنانة ، وشتائم وأوصاف قد تجدي فقط في ردع الذين يطلبون السّلامة ، وكأنهم لا يعلمون أنّ الذي ينهل من روح القرآن الكريم لا يقيم وزناً إلا للحقيقة الربّانية ..

ذلك أن كتاب الله أعظم من أن يحيط به فهم أحد من البشر ، في أي زمان وأي عصر .. إذ كيف لمحدود أن يحيط علماً بدلالات كلام الله العليم الحكيم ؟

وإن تعجب فعجب قولهم : ألّو كان هذا حقاً ، فلِمَ لَم يعلمه علماؤنا بسلفهم وحاضرهم ؟ ولماذا لم يتقوّلوا به ، أو بأمر يشابهه ؟ ولا يسعنا هنا إلا أن نقول : إن هذا بالطبع لم يكن قصوراً بهم ولا جهلاً فيهم رحمهم الله ، ولكنه تصديق لقول الحق تبارك وتعالى "لكل نبأ مستقرّ" ، "ولتعلمنّ نبأه بعد حين" .. ولو كان هذا السؤال في محله ، لما حلّ لعبد أن ينظر أو يخالف .. ولكان أول من ابتدع هم التابعون عند أول كلمة تفوّهوا بها بغير سند عن الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً .. فمن منا يقول بهذا ؟

ومن ثم ، أفلم يأت المجدّدون بجديد ؟ ألم يأت علماء الإسلام وشيوخه بجديد ؟ فما المانع إذن بأن يأتي علماؤنا بجديد في تأصيل القواعد المنهجية ، كما فعل أسلافنا الكرام في تحقيقاتهم ؟ وإلا فما هي الفائدة من التقدّم العلمي واتساع دائرة المعارف الإنسانية ؟

أولم يقل الجرجاني رحمه الله في رسالته الشافية : "إن من حق المنع إذا جُعل آية وبرهاناً ، ولا سيّما للنبوّة ، أن يكون في أظهر الأمور ، وأكثرها وجوداً ، وأسهلها على الناس ، وأخلقها بأن تبين لكل راء وسامع " .. ونحن نسأل : ما هي أظهر الأمور اليوم بنظر "المعارضين" ؟ وما هو أكثرها وجوداً ؟ وأسهلها على الناس ؟ وأخلقها بأن تبين لكل راء وسامع ؟

وأولم يقل السيوطي رحمه الله في إتقانه : " إن العلوم وإن كثُر عددها ، وانتشر في الخافقين مددها فغايتها بحر قعره لا يُدرك ، ونهايتها طود شامخ لا يُستطاع إلى ذروته أن يُسلك ، ولهذا يُفتح لعالِم بعد آخر من الأبواب ما لم يتطرّق إليه من المتقدّمين الأسباب " ؟

وأولم يقل ابن مالك رحمه الله في تسهيله : "إذا كانت العلوم منحاً إلهية ومواهب اختصاصية ، فغير مستبعد أن يُدّخر لبعض المتأخّرين ما عسُر على المتقدّمين ، نعوذ بالله من حسد يسدّ باب الإنصاف ، ويصدّ عن جميل الأوصاف " ؟

فَلِم يُشاع في المسلمين أن علوم القرآن باتت في الكتب والتفاسير ، وما سوى ذلك بدعة واختلاق ، وأن السلف الصالح تكفّل بمهمّة النظر والتدبّر نيابة عنا ، فأجابوا عن كل سؤال ، وبيّنوا كل مشكل ، ولم يتركوا متّسعاً لنظر ولا حيّزاً لتدبّر ؟ فهل هم لم يتركوا لنا سوى فرض التلاوة والترتيل ، وترديد ما أثبتوا وأقرّوا ؟ ألم يعلم هؤلاء أن هذا فيه تعطيل لأمر الله تعالى لنا بتدبّر كتابه : "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب" ؟

ومع هذا وذاك ، فنحن لا نغفل عن حقيقة أن الناس مع ما ألفت قلوبهم واعتادت عقولهم ، "قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" ، فهم ينكرون كل جديد ويستعجبوه ، ولو قامت عليه الحجج البيّنات ، "أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ، ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلا اختلاق" .. ولكن هل كل عجيب باطل ، وهل كل معهود حق ..

والحق ، أن السادة العلماء هم أول من يتحمّل همّ البحوث الصادرة في هذا المجال وتبعاتها .. فإن يك حقاً فعليهم إثباته وبيانه للناس .. وإن يك باطلاً فعليهم ردّه بالحجّة والبرهان .. ولن يقنع الناس بقول بعضهم : إن هذا لم يقل به أحد من السلف .. فتلك حجّة صالحة في العقائد والشرائع .. وما كان من سواهما من آيات الأرض والسماء .. فالأصل النظر والإعادة ، "فلكل نبأ مستقرّ وسوف تعلمون" ..

وعلى هذا ، فإن أردنا الحكم على مصطلح الإعجاز العددي ، فلا بدّ من الإتصاف بالإنصاف ولا بدّ من معالجة هذه القضية بموضوعية دون آراء مسبقة .. وكما أشار الأخ ناصر الماجد في بداية مقالته فإن الكلام عن هذا المصطلح يحتاج إلى دارسة وافية ونظر متأمل .. ثم ضرورة التدبّر في إيغال وتؤدة مع الإعمال الحريص للنظر في البحوث المتعلقة به ..

يتبع[/align]
 
هنا بعض أبحاث الإعجاز العددي ، وهي بحاجة إلى دراسة جادة حتى يكون الحكم عليها حكماً علمياً مبنياً على الحجة والبرهان : أبحاث في الإعجاز العددي

وخاصة موضوع : الإعجاز العددي بين الحقيقة والوهم ؛ فقد ناقش كاتبه الذين أنكروا هذا النوع مناقشة مفصلة تحتاج إلى قراءة فاحصة متأنية .
 

===================
أقول:
===================
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم - و الله لقد كنت أحتاج الي موضوع كهذا
أقرأ فيه - وجهة نظر المعارضين - المؤيدين - لا مؤيدين ولا معارضين " محتارين "
فالحق و الحق يقال -- أنني قرأت المداخلات كلها
و رايت منطقيه في الطرح عند الطرفين
و لقد سمعت في التلفاز للشيخ محمد سعيد البوطي - كلام منطقي
سأضعه بأختصار جدا -- بما معناه
قال
لو ان الرئيس دعا الوزراء او العلماء - لإجتماع مهم جدا
ليقرروا قرار مهم جدا - لدولتهم - يعني الأمر خطير
و إجتماع طاريء كما يسمى في أيامنا هذه
ثم حضر الجميع الي الإجتماع لمناقشة هذا الأمر الخطير
فجلس - وزير ما - ينظر الي القاعة
ينظر و يتأمل الثريات الجميلة و الترتيب المبدع
ينظر و يتأمل إلي الأرضية و الي السقف المزخرف
ينظر و يتأمل الي الوحات الجميلة و ........الخ
ثم يسألونه عن رأيه و عن مشاركته لتقرير مصير الدوله
و هو غير مكترث - للقضية و الآراء التي طرحت في الإجتماع
ثم إنتهى الإجتماع - و هو ينظر و يتأمل
ما اراد الشيخ أن يبينه أن بما يسمى بالإعجاز العددي - أصبح كالمتأمل
يأخذ الآية - لا يتدبر معناها - و جلس و أخذ قلم و ورقه - و يحسب - كم حرف و كم كلمة و .....الخ
فجعلته لاهيا عن التدبر في الآيات القرآنية
رأيت ان مثاله صحيح و منطقي - و أنه واقعي جدا
فالذي يأخذ القرآن - و يجعله كأنه كتاب رياضيات - يلهيه هذا عن التدبر لمعنايه البلاغيه
و لـــــكن
ما الإشكاليه هنا - إذا وجدنا جمعا أو ربطا بينهما
أي - تدبر لمعانيه - و حساب له !!!!!
يعني هل يوجد - تحريم أو منع او نهي عن هذا الفعل ؟؟؟
أن يجمع المرء بين العلوم - إذا صح بأن يسمى الإعجاز العددي - علوما !!!
اما إشكالية - عدم عمل الرسول عليه الصلاة والسلام او صحابته رضوان الله عليه بهذا العلم
فهذا لا يعني - أن نمتنع بالبحث عن العلوم العلميه الفضائيه او الجيولوجيه او الفيزيائيه أو ....الخ من العلوم
لعدم إهتمامهم بها !!!
فلكل عصر - و الله أعلم - اهتمامات تختلف عن العصور الأخرى
فأكيد نحن في هذا العصر - التكنولوجيا هي إهتمام الجميع
كما كان في فترة من العصور - إهتمامهم بصنع الأسلحة الكبيرة الضخمة ثم إنتقالها الي الصغيرة الدقيقه
إخواني - انا من أصحاب " المحتارين "
فأرى بأن كل من الطرفين - له وجهة نظر منطقيه عقليه
و لا يوجد دليل عندي شرعي بتحريم او نهي لمثل هذه العلوم
و لكن اكثر الذي يخيفني - هو عدم وجود منهجيه له - و أن اكثر من يستخدمه يهدم ثوابت إسلاميه
أو يكون صاحب بدعه او ........الخ . و الله أعلم
نرجوا إثراءنا بالحسنى أكثر - بعيدا عن التعصب او اللمز ببعضنا البعض
/////////////////////////////////////////////////
 
[align=center]البيان الرياضي في التعبير القرآني[/align]

الإسلام ديني قال:
[align=justify]و لقد سمعت في التلفاز للشيخ محمد سعيد البوطي - كلام منطقي سأضعه بأختصار جدا -- بما معناه قال : لو ان الرئيس دعا الوزراء او العلماء - لإجتماع مهم جدا ليقرروا قرار مهم جدا - لدولتهم - يعني الأمر خطير و إجتماع طاريء كما يسمى في أيامنا هذه ثم حضر الجميع الي الإجتماع لمناقشة هذا الأمر الخطير فجلس - وزير ما - ينظر الي القاعة ينظر و يتأمل الثريات الجميلة و الترتيب المبدع ينظر و يتأمل إلي الأرضية و الي السقف المزخرف ينظر و يتأمل الي الوحات الجميلة و ........الخ ثم يسألونه عن رأيه وعن مشاركته لتقرير مصير الدوله وهو غير مكترث - للقضية و الآراء التي طرحت في الإجتماع ثم إنتهى الإجتماع - و هو ينظر و يتأمل .
ما اراد الشيخ أن يبينه أن بما يسمى بالإعجاز العددي - أصبح كالمتأمل يأخذ الآية - لا يتدبر معناها - وجلس و أخذ قلم و ورقه - ويحسب - كم حرف و كم كلمة و .....الخ . فجعلته لاهيا عن التدبر في الآيات القرآنية .
رأيت ان مثاله صحيح و منطقي - و أنه واقعي جدا . فالذي يأخذ القرآن - و يجعله كأنه كتاب رياضيات - يلهيه هذا عن التدبر لمعنايه البلاغيه . [/align]
[align=justify]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعقيباً على ما جاء في مداخلة أخينا الإسلام ديني ، وردّاً على ما تفضّل به الشيخ البوطي حفظه الله - إن كان هذا كلامه - أقدّم لكم جزءاً من بحث سأنشره قريباً إن شاء الله تعالى . والسؤال الذي سأحاول أن أقدم له إجابة في هذا الفصل من البحث هو : هل أن التعبير الرياضي موجود في القرآن أصلاً ؟ [/align]
[align=center]البيان الرياضي في التعبير القرآني[/align]
[align=justify]
إن المتأمّل في القرآن الكريم يجد أنه كتاب جمع أبعاد الزمان ، والتقط مفردات الأحداث ورموز الوقائع ، وقوافل كافّة المعاني ، ليحضرها على متن لوحة تعبيرية موجزة ، كان أصدق أسمائها «آيـة» ، هي أعمق من البحر ، وأوسع من السماء . هي كذلك ، لأنها «آيـة» ! آية تحكي عظمة المبدع ، ووحدانية الصانع لتلك الهيكلية المحكَمة ، ولذلك النظام الذي يحمل في طيّاته أجمل صور الإبداع والإتقان . إنه الكتاب الذي تحدّى الله به الجنّ والإنس على أن يأتوا بمثله ، فعجزوا !

وهذا العجز لم يأتِ من فراغ ! ذلك أن الارتباط والتناسق بين مكوّنات القرآن الكريم ، هو مطلق في ماهيّته ، لأنه كلام فوق الحدوث ، وفوق قوانين النطق المادي الذي يتقيّد بالزمان والمكان . فعظمة الكلمات والحروف القرآنية تتجلّى في تصويرها المطلق للأشياء بشكل يطابق تماماً حقيقة وجود هذه الأشياء ، حتى لتكون الصورة المنبثقة عن هذه الحقيقة عبارة عن كلمات تنبض هي وحروفها بروح هذه الأشياء . ولذلك نجد أن الكلمات القرآنية ، بمجموع حروفها ، ومواقع هذه الكلمات في العبارات القرآنية ، ومن ثم مواقع العبارات في الآيات والسور القرآنية ، كلها ترتبط بصورة مطلقة في المسائل التي تصفها وتعبّر عنها ، ومن ثم تصوّر المسائل بشكل مطابق تماماً للواقع الذي تبحث فيه هذه المسائل .

وهذا ما يدفعنا في الحقيقة إلى البحث عن أسرار الكلمات القرآنية ، التي تعطي لكل جيل ما يناسب معرفته وعلمه ، حول ماهيّة الأشياء التي تصفها ، دون أن يناقض ذلك المفاهيم التي تعطيها هذه الكلمات لغيره من الأجيال . ولذلك سنتعرّض في هذا الباب من البحث إلى مجموعة من الأمثلة ، التي من شأنها أن تتيح لنا فهم كيفية تداخل الكلمات القرآنية في معادلات التصوير المطلق للعبارات القرآنية ، ولندرك كيف أن موقع الكلمة في العبارة القرآنية ، يرتبط ارتباطاً مطلقاً بالمعاني التي تحملها العبارة التي تنتمي إليها . ولبيان مرجعيّة القرآن لهذه الطلاقة الفريدة ، نحتاج أن نقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات ، التي من شأنها أن تساعدنا على إدراك هذا التصوير المطلق والمقصود . [/align]
[align=center]اللّغة والمنطق والقرآن[/align]

[align=justify]يجيب النصّ القرآني عن أسئلة الوجود والكون والحياة والمصير . وهو يجيب عن ذلك بشكل فنّي لا يمكن فهمه إلا بفهم لغته أولاً ، لأن اللّغة التي نزل بها القرآن ليست مجرّد مفردات وتراكيب ، وإنما تحمل في مضمونها رؤيا مطلقة للإنسان وللحياة وللكون . فلا عجب إذن أن دهشة العرب الأولى إزاء القرآن كانت لغوية محضة ، حيث فتنهم بلغته ، جمالاً وفناً ، فكانت هي المفتاح المباشر الذي فتح لهم الأبواب لدخول عالَم النصّ القرآني والإيمان بدين الإسلام .

ولذلك يمكن القول إن المسلمين الأوائل الذين شكّلوا النواة الصلبة الأولى في الدعوة إلى الإسلام قد آمنوا بالقرآن لكونه نصّاً بيانياً امتلكهم . فَهُمْ لم يؤمنوا به لأنه كشف لهم عن أسرار الكون والإنسان ، أو لأنه قدّم لهم نظاماً جديداً للحياة ، بل لأنهم رأوا فيه لغة لا عهد لهم بما يشبهها . فبلغة القرآن تغيّر كيانهم النفسي ، وبلغته تغيّرت حياتهم ، حتى صار هو نفسه وجودهم . فأجمعوا على أن القرآن كتاب فريد لم يروا مثله من قبل ، وأقرّوا بأنه لا يمكن مضاهاته ومحاكاته ، واتفقوا على أنه نقض لعادة الكتابة شعراً ، وسجعاً ، وخطابة ، ورسالة ، وأن نظمه عجيب وغريب . ولهذا لا يمكن الفصل ، على أي مستوى ، بين القرآن واللّغة التي نزل بها .

وإن هذا الإقرار الذي توصّل إليه العرب قبل أربعة عشرة قرناً ، نجده يتحقّق بشكل جديد في عصرنا الحالي . فحيثما قلب الإنسان نظره في القرآن الكريم ، يجد الإعجاز اللّغوي في نظامه البديع ، وفي ألفاظه التي تفي بحق كل معنى في موضعه ، لا ينبو منها لفظ يقال إنه زائد ، ولا يعثر الباحث على موضع يقال إنه إثبات لفظ ناقص .

فالباحث المتعمّق في كلمات القرآن ، يجد بالفعل أن لغة هذا الكتاب العظيم ، ليست كباقي اللغات الوضعية ، ذلك أن إعجازه اللّغوي ، لا يقتصر على نحوه وصرفه واشتقاقه ، ولا على بلاغته وفصاحته فحسب ، وإنما كذلك على منطقه وبيانه ، الذي يتّخذ منه القرآن سبيلاً في هدايته . فهناك ارتباط وثيق وعلاقة مطلقة بين اللّغة التي يستعملها القرآن ، وبين المنطق الذي تعبّر عنه هذه اللّغة . فكيف وأين يتجلّى لنا هذا الترابط بين اللّغة والمنطق في القرآن الكريم؟

عند النظر في قوانين اللّغة بشكل عام ، نجد أنها تتمثّل في أدائها لأغراض متعدّدة ومتنوعة ، أهمّها أمران اثنان . الأول : وصف العالَم . والثاني : وصفها لذاتها( ) . ففي حين أن التمثيل في الحالة الأولى ينعكس على "استعمال" كلمة ما في عبارة معيّنة ، نجد أن التمثيل في الحالة الثانية ينعكس على "ذكر" تلك الكلمة في العبارة نفسها . فما الفرق بين الحالتين ؟

إننا نكون بصدد "استعمال" شيء ما عندما نسند إليه خاصيّة معيّنة ، في قولنا مثلاً : «يرفض زيد أن يمتثل للأوامر» . في حين أننا نتكلّم عن "ذكر" شيء ما في حالة إسناد خاصيّة معيّنة لاسم الشيء ، وليس للشيء ذاته ، في قولنا مثلاً : «هذه الجملة تتكوّن من ست كلمات» . إذ يبدو الفرق واضحاً بين الجملتين . فالأولى تنتمي إلى اللّغة الشيئيّة ، لكونها تعيّن واقعة شيئيّة تتمثّل في رفض زيد أن يمتثل للأوامر . في الوقت الذي تطرح فيه الجملة الثانية بعض الصعوبات ، لأنها تتميّز بتسميتها لذاتها ، أي أنها انعكاسية وتقوم بوصف ذاتها وهي تعود في المنطق إلى ما يسمّيه العلماء بـ"الإحالة الذاتية"( ) . وإن البحث عن الفرق بين هاتين الحالتين يجرّنا مباشرة إلى البحث عن المفارقات اللّغوية .

فلو أخذنا – مثلاً - الجملة القائلة : "إن الصبا يسبق الشيخوخة" ، لعلمنا أنها تفي بشروط اللغة من نحو وتأليف ، وأن "استعمال" الكلمات الواردة فيها يفي أيضاً بالمعنى المطلوب ، إلا أنها تكشف لنا في الوقت نفسه عن ثغرة منطقية عميقة ! لماذا ؟ لأننا نجد – مثلاً - عند اللجوء إلى أي قاموس لغوي ، أن "ذكر" كلمة (شيخوخة) ككلمة قد سبق "ذكر" كلمة (صبا) ككلمة ، وذلك لأن ترتيب حرف "الشين" قد سبق حرف "الصاد" بحسب ترتيب الحروف الأبجدية ، وعليه فإنه طبقاً لما جاء في القاموس ، فإن كلمة (شيخوخه) تسبق كلمة (صبا) !

وهذا الأمر قد شكّل تناقضاً في تركيب الجملة القائلة بأن "الصبا يسبق الشيخوخة" ! حيث وجدنا ثمّة حالة واحدة على الأقل والتي تدلّ على عدم استقامة هذه الجملة من ناحية منطقية . ذلك أن "ذكر" كلمة (شيخوخة) في القاموس قد سبق "ذكر" كلمة (صبا) ، في مثالنا ! وإن لهذا النوع من المنطق اللّغوي تاريخاً طويلاً ، ويرجع في أصله إلى العصر الإغريقي .

ومن أشهر الأمثلة التي ما زالت تشكّل تناقضاً ظاهراً في المنطق الرياضي حتى يومنا هذا ، هو ما وردنا عن الفيلسوف الكريتي إبمنيدس( ) في عبارته المشهورة : "إن جميع الكريتيين كاذبون"( ) ! فما هو التناقض في هذه العبارة ؟ بما أن إبيمنيدس يُعدّ من جزيرة كريت اليونانية ، أي أنه من الكريتيين ، وبما أنه ادّعى بأن الكريتيين جميعهم كاذبون ، كما جاء في العبارة ، فلا بدّ أن تكون العبارة التي قالها إبيمنيدس كاذبة وغير صحيحة ! ولكن .. إذا كانت عبارته غير صحيحة ، فهذا يعني أن الكريتيين جميعهم صادقون . ولكن .. إذا صدق جميع الكريتيين ، فوجب أن يكون إبيمنيدس صادقاً . وإذا صدق إبيمنيدس ، فستكون عبارته صادقة .. وعليه فقد دخلنا في دوّامة لا مخرج منها ، إذ نجد أنفسنا نرجع إلى نفس نقطة التناقض والمفارقة .

وقد شكّلت مثل هذه التناقضات عقبات جدّية في المفاهيم المنطقية ، وخصوصاً في المنطق الرياضي . وإن أول من تنبّه لهذه النقطة الحرجة في العصر الحديث كان عالم الرياضيات النمساوي جودل( ) ، والذي تمكّن من تقديم برهان رياضي قاطع في إثباته لما تقدّم من كلام ، على استحالة تمثيل عبارة ما لذاتها بصورة مطلقة( ) ، أي أنه لا يمكن إثبات شيء ما بصورة قاطعة( ) ! ولذلك نجد أن المنطق اللّغوي الذي نتعامل معه نحن البشر ينقسم إلى النوعين اللذين ذكرناهما آنفاً لحالتي "ذكر" شيء ما أو "استعمال" ذات الشيء في الكلام .

وعليه فلا يمكننا وصف أيّة لغة بشرية بالطلاقة ، لكونها مولّداً للتناقضات والمفارقات . ذلك أن اعتمادها سيؤدّي حتماً إلى بناء جمل غير متّسقة ، أي جملاً تحتمل الصدق والكذب في الوقت نفسه ، مثل العبارة الصادرة عن إبمنيدس في المثال السابق . ويتحقّق هذا الأمر خاصّة عندما نسمح لتعبير ما بأن يتكلّم عن نفسه ، أو عندما ينطبق محمول ما على نفسه ، أو أن تتضمّن مجموعة ما نفسها . وكملخّص لما ذكرناه أعلاه ، نقول : إن "الإحالة الذاتية" تأخذ بعين الاعتبار نوعيّة الكلمات الواردة في عبارة ما ، أي أنها تفرق بين "استعمال" أو "ذكر" تلك الكلمات . فعندما "نستعمل" كلمة ما في عبارة معيّنة ، فإننا نقصد المعنى الذي جاءت هذه الكلمة لتعبّر عنه . في حين أننا عندما "نذكر" كلمة ما ، فنحن نتكلّم عن اللفظ ، وبالتالي ليس عن المعنى . وهنا ، يتّضح لنا الضعف في اللّغات الطبيعية ، التي نتعامل معها نحن البشر . فمهما علت ومهما توسّعت وترعرعت هذه اللّغات ، فإنها ستبقى ضعيفة وناقصة ، وستحوي المفارقات في ثنايا كلماتها ، ذلك أن الفكر الإنساني محدود أصلاً ، ولن يتأتّى له الاتّصاف بالطلاقة أبداً .

هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية فإنه طبقاً لمواصفات مبدأ "الإحالة الذاتية" ، أو ما يُسمّى أيضاً بـ"الانعكاسية" ، يمكننا أن نعتمد على هذه الطريقة لامتحان قيمة اللّغة ، أيّة لغة كانت . وبعودة إلى القرآن ، وبما أنه يتكلّم عن أشياء عديدة ، ويستعمل كلمات كثيرة ، منها ما يتكرّر ومنها ما يفسّر نفسه ، فإنه لو كان من تأليف بشر ، لكان من الضروري أن نجد في ثناياه مفارقات وتناقضات منطقية ، كالتي تعرّضنا لها سابقاً ، والتي تجلّت بتطبيق هذا المبدأ عليها ولكن هيهات .. هيهات ..[/align]
[align=center]التدبّر ومثل التحدّي ..[/align]

[align=justify]يروّج كثير من المستشرقين أن هناك تناقضات في القرآن الكريم ، ويلجأون في ادعاءاتهم هذه إلى ألاعيب المنافقين قديماً وحديثاً . وأساس هذا الاتجاه هو أن القرآن الكريم ، وهو المعجزة ، هو كلام الله سبحانه وتعالى ، وأن الله سبحانه منزّه عن الخطأ ، ومنزّه عن النسيان ، ومنزّه عن كل ما في البشر من نقص وتناقض . وبالتالي فإن وجود أي تناقض أو اختلاف فيه ، ولو كان ظاهرياً ، سيساعدهم على هدم المعجزة ، ومن ثم الادعاء بأن هذا الكلام ليس منزلاً من عند الله تعالى .

ولكن الإعجاز القرآني الموجود في كل كلمة من كلماته ، وفي كل حرف من حروفه ، إنما يظهر أمام هؤلاء بهذه الصورة ، ليجعلهم بالفعل شهداء على المعجزة الخالدة ، وليجعلهم وهم يحاولون ادّعاء التناقض في القرآن ، أن يبيّنوا معجزاته . إذ هم يثيرون مما يزعمونه أشياء تجعل العقل ينشط في محاولة للردّ عليهم . وبالتالي فإنه في بحثنا في القرآن الكريم تتبيّن المعجزة ، ويتبيّن أنه كلام الله سبحانه وتعالى ، المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم .

ولقد عاب القرآن الكريم إعراض المنافقين عن تدبّره ، في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } [النساء: 82] . فلكون الرسالة المنبثقة منه سبحانه خالية من التناقض والاختلاف ، ولكونها متناسقة وثابتة في نصّها ، نعلم علماً يقينياً أنها من عنده سبحانه وتعالى . وإن هذه الآية الكريمة وحدها فيها من الإعجاز القرآني ما يكفي للردّ على مطاعنهم . وكيف لا يكون كذلك ، وهي تصرّح بأن سلامة القرآن الكريم من الاختلاف والتناقض ، هو دليل على كونه من عند الله تبارك وتعالى ؟

ومع أن هذا التصريح جليّ للأعيان ، إلا أننا نعجب أن مِن علمائنا مَن أغفل قيمته في مصنّفاته ، حتى أن الإمام يحيى بن حمزة العلوي قد شكّك في اعتبار كون القرآن خالياً عن التناقض ، وجهًا من وجوه إعجازه . يقول رحمه الله في بيانه لما ذهب إليه : "وهذا فاسد لأوجه ، أما أولاً فلأن الإجماع منعقد على أن التحدّي واقع بكل واحدة من سور القرآن ، وقد يوجد في كثير من الخطب والشعر والرسائل ، ما يكون في مقدار سورة خالياً عن التناقض ، فيلزم أن يكون معجزاً . وأما ثانياً فلأنه لو كان الأمر كما قالوه في وجه الإعجاز لم يكن تعجّبهم من أجل فصاحته ، وحسن نظمه ، ولوجب أن يكون تعجّبهم من أجل سلامته عما قالوه ، فلمّا علمنا من حالهم خلاف ذلك بطل ما زعموه . وأما ثالثاً فلأن السلامة عن المناقضة ليس خارقاً للعادات ، فإنه ربّما أمكن كثيراً في سائر الأزمان ، وإذا كان معتاداً لم يكن العلم بخلوّ القرآن عن المناقضة والاختلاف معجزاً ، لما كان معتاداً ، ومن حقّ ما يكون معجزاً أن يكون ناقضاً للعادة"( ) .

وبعد أن ذكر هذه الأوجه الثلاثة ، قال رحمه الله : "وأيضاً فإنا نقول جعلكم الوضع في إعجازه خلوّه عن المناقضة والاختلاف ليس علماً ضرورياً ، بل لا بدّ فيه من إقامة الدلالة ، فيجب على من قال هذه المقالة تصحيحها بالدلالة لتكون مقبولة ، وهم لم يفعلوا ذلك" .

ويبدو كذلك أن الشيخ عبد العظيم الزرقاني قد تأثّر ملاحظة الإمام العلوي ، إذ نراه هو الآخر يورد في كتابه عنواناً أسماه "وجوه معلولة" ، قال بعده مباشرة : "ذكر بعضهم وجوهاً أخرى للإعجاز ، ولكنها لا تسلم في نظرنا من طعن ، لأن منها ما يتداخل بعضه في بعض ، ومنها ما لا يجوز أن يكون وجهاً من وجوه الإعجاز بحال . ونمثّل لهذا الذي ذكروه بتلك الأوجه العشرة التي عدّها القرطبي ، وهي .."( ) . وبعد أن تعرّض لهذه الوجوه ، وقام بدمج بعضها في بعض خالف القرطبي في وجهين منها هما : الحِكم البالغة والتناقض بين معانيه . وقال : "إن واحداً منهما لا يصلح وجهاً من وجوه الإعجاز لأنهما لا يخرجان عن حدود الطاقة ، بل كثيراً ما نجد كلام الناس مشتملاً على حِكَمٍ وسليماً من التناقض والاختلاف"( ) .

ولكن المتأمّل في كلام هذين الإمامين الجليلين يرى أنه بنفيهما "عدم الاختلاف والتناقض" من بين وجوه الإعجاز ، قد خالفا النصّ القرآني الوارد في آية النساء ، وهو ما جاء في قوله تعالى : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } [النساء: 82] . فالقرآن الكريم يصرّح بأن سلامته عن الاختلاف دليل على كونه من عند الله تعالى ، فهو إذن وجه أصيل من وجوه الإعجاز . خاصّة وأن القرآن استغرق إنزاله ثلاثاً وعشرين سنة ، ومع هذا لا نلمح خلافاً بين أول ما نزل وآخر ما نزل من حيث استواؤه موضوعاً وشكلاً( ) .

يقول ابن كثير : "يقول تعالى آمراً عباده بتدبّر القرآن ، وناهياً لهم عن الإعراض عنه ، وعن تفهّم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، ولا تضادّ ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حقّ من حقّ"( ) . ويقول الطبري : "أفلا يتدبّر المبيتون غير الذي تقول لهم ، يا محمد كتاب الله ، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك ، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم ، لاتِّساق معانيه ، وائتلاف أحكامه ، وتأييد بعضه بعضاً بالتصديق ، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد بعض"( ) .

فتفسير الآية واضح وجليّ . ولكن الأمر الذي سنعلّق عليه هنا هو قوله تعالى : { لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } . إذ إن قوله تعالى : { لَوَجَدُواْ فِيهِ } قابل لأن يحيل على قضية شيئية أو قضية لغوية ، كما افترضنا من قبل في قولنا مثلاً : "هذه الجملة تتكوّن من ست كلمات" . والآية تقول إنه لو كان القرآن من تأليف البشر ، وليس من عند الله { لَوَجَدُواْ فِيهِ } { اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } ! فهل يمكننا تطبيق مبدأ "الإحالة الذاتية" على هذه العبارة من النصّ القرآني الكريم ؟

قبل أن نباشر بتطبيق هذا المبدأ على كلمات من القرآن الكريم ، نودّ أن نسلّط بعض الضوء على مفهوم الكلمة القرآنية التي نحن بصددها هنا . وقد وجدنا بُعداً جميلاً لهذا المفهوم عند الأستاذ محمد العفيفي ، في قوله : "إن كل كلمة في القرآن تعطيك مع اتصالها فصلاً خاصّاً بها وحدها ، لا يتكرّر في القرآن كله بعد ذلك .."( ) . وهو يؤكّد على أن "تفصيل القرآن هو التطابق المطلق بين مواقع الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها ، وبين عدد الحقائق التي تقدّمها مواقع كل كلمة قرآنية . فعدد مواقع كل كلمة قرآنية هو نفسه عدد حقائقها"( ) . ويقول في موضع آخر : "كلما تدبّرنا أي كلمة قرآنية متعدّدة المواقع في موقع جديد من مواقعها ، فإن تعداد المواقع إنما هو تحقيق الاستجابة لحاجاتنا إليه"( ) . ثم يخلص العفيفي إلى القول بأن "تعدّد مرات ورود أى كلمة في القرآن ، دليل على ثبات هذه الكلمة ، وحاجتنا نحن المخلوقين إلى عدد من الحاجات ، قدّرها الخالق سبحانه تقديراً ، فجاءت في كتابه العزيز آية قرآنية مفصّلة تفي بهذه الحاجات، على مستويات الفكر الإنساني والعمل الإنساني كما وصلهما الله بالحياة"( ) .

ويؤكّد على أن "الكلمة القرآنية مهما تعدّدت مواقعها ، فقد أتت مرة واحدة ، والحاجات هي التي تكرّرت ، بدليل أن القرآن ليس به أي إضافة عددية لكلمة من كلماته ، دون حاجة حقيقيّة يأتي ذكرها مفصّلاً ومحكماً لا مكان معه لتكرارنا لكلامنا العادي"( ) . وذلك ليقرّر بحُكم قاطع أن "النظر في كلمات القرآن على أساس البُعد العددي لمواقع كل كلمة في سائر الآيات التي جاءت فيها الكلمة القرآنية ، إذا وعينا هذه المواقع تفصيلاً وتوصيلاً ، فقد وعينا عدد الحقائق السماوية لها تفصيلاً وتوصيلاً"( ) .

لقد استوحى الأستاذ العفيفي من هذا المفهوم للكلمة القرآنية أن الله سبحانه وتعالى ربط كل كلمة في كتابه العزيز مع جنسها من الكلمات الأخرى ، وجعل منها شخصيّة واحدة مرتبطة بذاتها ، هي شخصيّة القرآن الكريم . ولذلك وجب علينا عند التعرّض لأي كلمة قرآنية أن نتدبّرها من خلال اتصالها بمواقعها وعلاقاتها في القرآن كله . ولعلّ هذا التصريح الذي أدلى به الأستاذ العفيفي قيّم وجميل ، إلا أنه يشعرنا بجزء ضئيل من عظمة المقصود في هذا الوجه من الإعجاز القرآني .

فالأستاذ العفيفي لم يبّين مدى تفوّق الكلمة القرآنية على غيرها من الكلمات ، ولم يوفّر لنا الإجابة على أسئلة كثيرة أخرى ، منها : أين نجد البناء القولي للكلمة القرآنية بالثبات والحقيقة المرتبطة بها ؟ وما هو العلم الذي يمكننا أن نصله من خلال السياق للكلمة القرآنية إذا توالت صِلاتنا بها في كل موقع من مواقعها ؟ ثمّ أين نجد الفصول الخاصّة التي ترسمها لنا الكلمة القرآنية من خلال تعدّدها في مواقعها عند اتصالها بسياقها القرآني ؟

وهذه التساؤلات تحثّنا على افتراض بُعد جديد يكمل ما انتهى إليه العفيفي ، وذلك للكشف عن الحقيقة التي تعبّر عنها الكلمة القرآنية من خلال تعدّدها في مواقعها . وإن من القواعد التي ننطلق منها لفهم هذا البُعد مبدأ الإحالة الذاتية . ولنضرب مثلاً يقرّب ما نرمي إليه إلى الأذهان : فإن قلت لك : «هذه الجملة تحوي كلمة "تحوي"» . هل هي صحيحة ؟ إن هذه الجملة انعكاسية وهي تحيل على قضية لغوية لأنها تتكلّم عن نفسها . ستقول إذن : إن الجملة صحيحة لأنها تحوي بالفعل كلمة "تحوي" . ولكن ماذا بالنسبة لهذه الجملة : «هذه الجملة تتكوّن من خمس كلمات» ؟ فهل هي صحيحة ؟ الجواب هو طبعاً بالنفي . لأنك إذا قمت بإحصاء الكلمات الواردة فيها ، ستجد أن عددها هو ستة ، وليس خمسة ، ولذلك كان من المفروض أن تقول : "هذه الجملة تتكوّن من ست كلمات" !

نعود من جديد إلى الآية التي أخبرنا الله سبحانه وتعالى فيها ، أنه لو لم يكن هذا الكتاب من عنده ، لوجد فيه الذين يتدبّرونه «اختلافاً كثيراً» . ونقول : لقد تمّ "استعمال" كلمة «اختلافاً» في العبارة القرآنية للدلالة على عدم وجود التناقض في كلامه تعالى . ولكن في حالة إسناد كلمة «اختلافاً» إلى "ذكرها" في العبارة القرآنية ، نجد أنفسنا أمام أمر عجيب ، لأننا نحصل على صورة مغايرة تماماً لما نعهده في الكتب البشرية جمعاء . فإذا أمعنت النظر في ذكر كلمة «اختلافاً» ، وليس في "استعمالها" ، أي في دلالتها المعنوية في الآية ، فستتجلّى لك الصورة التالية :

لو كان القرآن من تأليف البشر ، لوجدت أن "ذكر" كلمة «اختلافاً» ككلمة ، جاء فيه أكثر من مرة واحدة ، لأن كلمة «كثيراً» تفيد الكثرة ، وهي بالعادة أكثر من مرة واحدة . والآن وبعد الرجوع إلى القرآن الكريم ، نجد أن كلمة «اختلافاً» جاءت بهذه الصيغة في كل القرآن الكريم مرة واحدة فقط ، وذلك في الآية التي نحن بصددها .

فلو كان هذا القرآن من عند غير الله ، «لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» ، كأن قد قيل : لو كان هذا القرآن من كلام البشر ، لوجدتم فيه أيها السادة أن كلمة «اختلافاً» "كذكر" لكلمة «اختلافاً» ، جاءت فيه أكثر من مرة واحدة . ولكن بما أن هذه الكلمة لم ترد بهذه الصيغة إلا مرة واحدة في كل القرآن ، فإن ما نقرؤه في القرآن الكريم هو حقاً كلام الله سبحانه وتعالى !

فهل يمكن لبشر أن يحيط بشيء من هذا القبيل ؟ لا يمكن ! ولماذا ؟ لأن البشر لا يستطيعون تصوير الحقائق بصورة مطلقة ، يستوي في ذلك ما كان معلوماً منها عندهم أو مجهولاً . وكلما اتسع إدراكنا لهذه الحقيقة ، تبيّن لنا أن التصوير المطلق للعبارات القرآنية يوحي بأن هذا الكتاب العظيم قادم من الملأ الأعلى ، وفيه من الإعجاز ما تنتهي الدنيا ولا ينتهي ! ولنوضّح هذه الصيغ العجيبة بمزيد من الأمثلة .[/align]


[align=center]اثنا عشر شهراً في كتاب الله ..[/align]

[align=justify]يقول الله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 36] . فواضح من الآية أن عدد الشهور المعتدّ بها عند الله سبحانه وتعالى في شرعه وحكمه ، هو اثنا عشر شهراً على المنازل القمرية .

يقول الدكتور حسين جمعة في شأن فصاحة كلمة «عِدّة» في هذه الآية الكريمة أنها "اكتسبت أبعاداً فكرية وجمالية خاصّة في سياقها القرآني . فالعدّة تشير إلى المقدار والتهيّؤ للعملية الإحصائية .. ولكنها في الوقت نفسه ارتبطت ببلاغة التصميم للكون منذ بدء التكوين ثم اتّفقت بالدلالة مع ما تواضع عليه الخَلْق في عدد الشهور . فانتظم التهيّؤ الكيفيّ التركيبيّ للكلمة مع الدلالة في تطورّها منذ تصميم الكون حتى خلق البشرية ، واتفاقهم على معطيات العدد والعِدَّة في مواضَعاتهم الاجتماعية والفكرية .."( ) .

ومع اكتساب الـ«عِدّة» لهذه الجمالية الخاصّة ، إلا أننا نجد لها جمالية أعظم في تأليفها المحكم ، واقترانها الدقيق بعبارة «في كتاب الله» . يقول الزمخشري: "«في كتاب الله» : أي فيما أثبته ، وأوجبه من حكمه ورآه حكمة وصواباً ، وقيل : في اللوح"( ) ، أي في اللوح المحفوظ «يوم خلق السموات والأرض» . وإلى هذا الرأي الأخير ذهب أكثر المفسرين( ) .

ولكن عند تدبّر عبارة «في كتاب الله» في هذه الآية الكريمة ، نجد أنها جملة قابلة لأن تحيل على قضية لغوية ، لأنها تتكلّم عن نفسها ، أي أنها جملة انعكاسية ، وتكشف لنا عن سرّ جديد من أسرار التعبير القرآني العجيب . فالآية تقول : «إن عِدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله» ، ولم تقل : "إن عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في اللوح المحفوظ يوم خلق السموات والأرض .." ، مع أن هذا هو المعنى العام والمقصود للعبارة ، كما أشار إليه المفسّرون . فلابدّ إذن أن يكون لهذا الاختيار دلالته . وإننا لنعجب حقاً عندما نجد أن كلمة "شهر" تردّدت في كل القرآن الكريم بصيغة المفرد (12) مرة بالضبط ، فكان ذلك في المواقع التالية :

البقرة : 185
البقرة : 185
البقرة : 194
البقرة : 194
البقرة : 217
المائدة : 2
المائدة : 97
التوبة : 36
سبأ : 12
سبأ : 12
الأحقاف : 15
القدر : 3

فهذا الاختيار الحكيم يضفي معنى بيانياً - رياضياً إلى المعنى العام الذي عبّرت عنه الآية الكريمة ، ليصبح مفهومها كما جاء في تعبير النصّ القرآني نفسه : «اثنا عشر شهراً في كتاب الله» . فمع أن عدد الشهور في السنة هو (12) شهراً ، إلا أننا نجد أن عدد الشهور الواردة «في كتاب الله» يساوي أيضاً (12) شهراً ، أي أن كلمة "شهر" جاء ذكرها (12) مرة في صفحات القرآن . فانظر إلى دقّة انتقاء الكلمات في التعبير القرآني المعجز . فلو أن كلمة "شهر" تكرّرت أكثر أو أقل من (12) مرة في القرآن الكريم ، لنجم تناقض في النصّ ! ولكن هيهات .. فهذا لا يكون إلا تنزيل من العزيز الحكيم سبحانه .

وللحديث بقية .. إن شاء الله تعالى ..

[/align]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لكم إهتمامكم ، ونكرر أن الأمر ينقصه " منهج" متفق عليه وصحيح لأبحاث الإعجاز العددى

فكل علم له منهج ، فلماذا هذا العلم الجديد الناشيء ، ليس له منهج

ولا يمكن الحديث عن " منهج" وتصحيح إحصائيات ، إلا بعمل جماعي
فأنا أرفض البحث المنفرد ، وأشجع البحث الجماعي ، يكفي أن أقول أن أي شركة إقتصادية " محترمة" فيها آلاف العمل ، من أجل إنتاج جماعي يرقي للفائدة

فلماذا أبحاث الدراسات القرآنية وهي أهم من الأعمال الإقتصادية، يغلب عليها العمل الفردي ، لا العمل الجماعي
نوجه دعوة للعمل الجماعي المنظم

ونفيدكم علما بأنه جارى بحث مشترك لأربع باحثين فى الإعجاز العددى ، لوضع منهج الإعجاز العددى ، والإتفاق على إحصائياته
تم وضع خطة البحث فى هذا المنتدي هنا:
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=5773

وهنا
http://www.geocities.com/estratigy/planing/plane3gaz.htm

يمكن من شاء أن يشترك معنا فى هذا البحث المشترك أن يبلغنا ببريده ليشترك فى العمل الجارى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرى
[email protected]
 
عودة
أعلى