عبدالرحيم الشريف
Member
صدرت اليوم الثلاثاء (27 /9 / 2016م) موافقة مجلة دراسات / الجامعة الأردنية على نشر البحث الموسوم بـ:
يميل كثير من الدعاة المصلحين في عصرنا الحالي إلى الدعة والسكون والسلبية وعدم الاكتراث لما يدور حولهم من أحداث، ولا يتفاعلون معها، ومن هنا جاء هذا البحث ليسلط الضوء على قدوات ذكرها القرآن الكريم في معرض الثناء عليها، قدوات لم تكن من الأنبياء المسددين بالوحي، المؤيدين بالعصمة، ولكنهم مع ذلك كانت لهم بصمتهم الدعوية الإيجابية.
لذا جاء هذا البحث الذي يتألف من مبحيثن: الأول: نظري تحدث فيه عن تعريف الدعوة وبيان أهميتها، ثم مبحث عملي تناول التعريف بأبرز معالم شخصية الدعاة الإيجابية كما عرضها القرآن الكريم.
وفي نهايته خاتمة لخصَتْ أبرز تلك المعالم.
1. عدم تكرار قصصهم، والاقتصار على ذكرها في موضع واحد في سورة واحدة – باستثناء قصة مؤمني الجن الورادة في سورتي الأحقاف والجن-.
2. إغفال أسماء أولئك الدعاة – باستثناء لقمان -.
3. كان الأنبياء ممن اصطفى الله من رجال الإنس حصراً، ولكن القصص القرآني أخبرنا بوجود دعاة إلى الخير من غير جنس البشر كالهدهد والنملة ومؤمني الجن؛ ليقول لنا بأن الإيجابية في الدعوة إلى الخير سنة كونية لكل أمم الكائنات الحية مهما كان جنسها.
4. لا تحتوي تلك القصص على أدلة تثبت نزول تأييد إلهي مادي لنصرة أولئك الدعاة.
وبتأمل تلك المميزات يستطيع المرء استنباط الحكمة الرئيسة من ذكر قصص الدعاة من غير الأنبياء، وهي مخاطبة الدعاة في كل زمان ومكان بأنه بإمكانك أن تكون إيجابياً - كسلفك من أولئك الدعاة – الذين لم يكونوا من الأنبياء المؤيَّدين بالوحي الإلهي المعجز.
وبشكل عام، فإن القصص القرآني للدعاة من عير الأنبياء يعين الدعاة على تثبيت فؤادهم على الحق، كما يقدم لهم معارف سننية في التعامل مع الكون والحياة؛ فيمنحهم الوعي والبصيرة فيسدد مسيرتهم الدعوية، ويشحذ هممهم، ويسمو بنفوسهم، ويرفع من معنوياتهم.
أولاً: إيجابية القائد الداعية طالوت
إن من عوامل الشخصية القيادية الإيجابية: الجمع بين قوتي العلم والجسم، قال تعالى: " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [البقرة:247].
وجَّه النبيُّ بني إسرائيل إلى أن الشخصية القيادية التي تستحق الملك ليست الأكثر مالاً، بل إلى صفتين أهم من ذلك، فقد أوتي طالوت بسطة في العلم والجسم، وهذان عنصران مهمان في تكوين الشخصية الإيجابية؛ لأن الشخصية الإيجابية غالباً ما تكون قيادية، ومن النادر أن يُقبل الناس على التأثر بشخص يجمع بين ضعف الجسم والعلم؛ لذا جاءت الآية الكريمة لتصحيح مفاهيم الناس.
لقد " فضّله واختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطري للملك، ولا ينافي هذا كون اختياره كان بوحي من الله; لأن هذه الأمور هي بيان لأسباب الاختيار وهي أربعة: (1) الاستعداد الفطري (2) السعة في العلم الذي يكون به التدبير (3) بسطة الجسم المعبر بها عن صحته وكمال قواه المستلزم ذلك لصحة الفكر على قاعدة ((العقل السليم في الجسم السليم)) وللشجاعة والقدرة على المدافعة وللهيبة والوقار (4) توفيق الله تعالى الأسباب له وهو ما يعبر عنه بقوله: " وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ "، والاستعداد هو الركن الأول في المرتبة فلذلك قدمه، والعلم بحال الأمة ومواضع قوتها وضعفها وجودة الفكر في تدبير شئونها، هو الركن الثاني في المرتبة، فكم من عالم بحال زمانه غير مستعد للسلطة اتخذه من هو مستعد لها سراجا يستضيء برأيه في تأسيس مملكة أو سياستها، ولم ينهض به رأيه إلى أن يكون هو السيد الزعيم فيها، وكمال الجسم في قواه وروائه هو الركن الثالث في المرتبة، وهو في الناس أكثر من سابقيه.
وأما المال فليس بركن من أركان تأسيس الملك; لأن المزايا الثلاث إذا وجدت سهل على صاحبها الإتيان بالمال، وإنا لنعرف في الناس من أسس دولة وهو فقير أمي، ولكن استعداده ومعرفته بحال الأمة التي سادها، وشجاعته كانت كافية للاستيلاء عليها والاستعانة بأهل العلم بالإدارة والشجعان على تمكين سلطته فيها، وقد قدم الأركان الثلاثة على الرابع; لأنها تتعلق بمواهب الرجل الذي اختير ملكا فأنكر القوم اختياره فهي المقصودة بالجواب، وأما توفيق الله تعالى بتسخير الأسباب التي لا عمل له فيها لسعيه فليس من مواهبه ومزاياه فتقدم في أسباب اختياره، وإنما تذكر تتمة للفائدة وبيانا للحقيقة; ولذلك ذكرت قاعدة عامة لا وصفا له ".[SUP]([1])[/SUP]
إن على الدعاة الإيجابيين الحرص على الجمع بين قوة البدن وقوة الفهم والعقل ليتحملوا أعباء الدعوة إلى الخير ويصبروا على تبعاتها.
ثانياً: إيجابية الدعاة في قصة أصحاب السبت
الداعية الإيجابي يمارس الدعوة في مختلف البيئات، وهدفه الرئيس: الإعذار إلى الله تعالى، فإن استجاب المدعوون فذلك حسن، وإن لم يستجيبوا لم يصب بالإحباط.
قال تعالى: " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف: 163-164].
لمن يسأل: هل من الحكمة الإصرار على دعوة أشخاص مُصرِّين على المعاصي الذين لا جدوى من مناصحتهم؟
فجواب أولئك الدعاة الإيجابيون: " لقد وعظناهم اعتذاراً الى الله، وأدّينا واجبنا نحوه، لئلا نُنسَب الى التقصير، ولعلّ النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فَيَسْتثيرُ فيها وِجدان التقوى ".[SUP]([2])[/SUP]
الإعذار إلى الله تعالى وطلب الأجر منه فقط، يشكلان دافعاً للداعية إلى الاستمرار بالتفاؤل والأمل مع عدم الالتفات إلى المُحبِطات فلا يغتر بتلبيس إبليس بالسقوط وفتور الهمة بداعي أنه لا فائدة من هدايتهم.
ثالثاً: إيجابية الفتية (أصحاب الكهف):
الداعية الإيجابي حكيم فطِنٌ ليس بأحمق ولا متهور، بل يجعل اللطف نبراساً له في مخاطبة المدعوين، وسجية لا تضمحل مهما كانت الظروف، نعم هو مندفع لحث الناس على الخير، ولكنه في الوقت ذاته لا يدع التلطف. قال تعالى: " وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا " [الكهف: 19].
فارفق بهم وكن متسامحاً معهم عند معاملتهم بالبيع والشراء؛ لئلا يكتشفوا بأنك من أولئك الذين فارقوا دينهم.[SUP]([3])[/SUP]
إنَّ جمال الغايات لا يُبرر قسوة الوسائل الموصلة إليها إنْ أمكن اللطف، فاللطف لا يكون في شيء إلا زانه.
رابعاً: إيجابية الداعية مع صاحب الجنتين
الداعية الإيجابي يقدم البديل: " وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا " [الكهف: 39].
فلا يقتصر عمل الداعية على وصف المنكر والتحذير منه، بل يقدم البديل الأصلح، إنه طبيبٌ يشخِّص سبب المرض، ثم يقترح العلاج له، ويدل على سبل الوقاية منه في المستقبل.
لذا يخبر ابن القيم عن آداب المفتي التي من أبرزها: " إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه - وكانت حاجته تدعوه إليه - أن يدلَّه على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتى إلَّا من عالِمٍ ناصح مشفقٍ قد تاجرَ الله وعامَلَه بعِلمه ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][4][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وعلى الدعاة المعاصرين أن يستنبطوا من ذلك أنه " لا يمكن أن نعين الناس على الرجوع لالتزام دينهم وشرعتهم عبر الخطب المبكية التي تقطع القلوب، وتعصر النفوس من آلام ما تعانيه الأمة، والمواعظ التي تعتمد التحريم لكل شيء، والترهيب من كل أمر، والتحذير من كل ظاهرة تجتاح مجتمعات المسلمين.. وإنما العلاج الحق أن نقدم لهم في كل أمر جاهلي، وفي كل ظاهرة ..، وعن كل ممارسة فاسدة فاسقة فاجرة، بديلاً إسلامياً صالحاً نافعاً راشداً مرضياً لله رب العالمين.
فالمعاملات الاقتصادية الربوية الحرام، لا يمكن أن تحارَب ـ أو تغيَّر ـ عبر الخطب والفتاوى المحرمة لها. وإنما إيجاد البدائل لجميعها، فنغزو البنوك ونستبدلها ببنوك ومصارف إسلامية تحرم الربا ولا تتعامل معه..".[SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP])
الإسلام ليس بنظريات في الكتب لا يمكن تطبيقها في واقع الحياة، ولا تخلو تعاليمه وأحكامه مِن بديل شرعي منضبط مفيد للناس يجدون فيه خيراً من الفساد الذي يحرّمه ويمنع من اتخاذه سبيلاً، فلا يكتفي الداعية الذي يطلب من الناس ترك ذاك الفساد بالتحذير منه، بل عليه أن يدلهم على البديل الحلال.
خامساً: إيجابية العبد الصالح في رحلته مع سيدنا موسى عليه السلام
ليس من الإيجابية التحجُّر على رأيٍ قد يكون مآله ضاراً، فقد يضطر الداعية إلى ارتكاب منكر شديد؛ من أجل دفع خطر منكر أشد، وهذا ما يسمى: فقه الموازنات. قال تعالى: " أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا " [الكهف:79]
إن " في هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه "[SUP]([/SUP][SUP][SUP][6][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
فمن الحكمة التي يتحلى بها المصلح الإيجابي ارتكاب مفسدة صغرى - كإتلاف جزء من السفينة -، خشية مفسدة كبرى - مصادرة الملك الظالم للسفينة -.
سادساً: إيجابية ذي القرنين
الإيجابي يعطي المدعوين أفضل مما يطلبون، قال تعالى: " قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " [الكهف: 94-95].
إن الداعية الإيجابية ليس بالشخص الكسول الذي يفرح بطلب الناس فعل اليسير الخفيف، بل همته العالية وتطلعه إلى الأجر الأخروي يحتمان عليه أن لا يرضى إلا بالمعالي.
انظر إلى ذي القرنين فقد طلبوا منه الأدنى لكنه أعطاهم الأعلى، هم طلبوا بناء سدٍّ ولكنهم اختار الأفضل لهم وهو الردم. والفرقُ أن السد ساتر بينك وبين شيء، بينما الردم وضع أشياء فوق بعضها بعضاً.
فسدُّ بئرٍ مهجورة مثلاً قد يكون بوضع قطعة خشب أو لوح حديد فوقها، أما ردمها فيكون بإلقاء التراب والحجارة فيها حتى تسوى بالأرض، وردمها أفضل، وإن كان أصعب.
لذا حين طلبوا وضع سد في الفجوة التي بينهم وبين يأجوج ومأجوج، اختار الأفضل وهو ردم الفجوة التي بين الجبال خشية أن ينهار السد، فالردم أفضل.[SUP]([7])[/SUP]
قال رسول الله r: " خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ ".[SUP]([8])[/SUP]
وهذا الحديث يعلِّمنا بأن إيجابية الداعية تحثُّه على إعطاء المدعو أجود النصح، فهو ليست بمُلزمٍ ـ بالضرورة ـ بإعطائه ما يطلبه إن وُجِدَ البديل الأفضل.
سابعاً: إيجابية النملة
الشخصية الإيجابية تحرص على مصلحة الجماعة لا مصلحتها الفردية، قال تعالى: " قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " [النمل: 18].
هنا نجد النملة قد أخذت وقتاً لتحذير النمل الآخرين، فلم تكن أنانية وتنجو بنفسها، هنا تعارضت مصلحتان: مصلحة النملة التي تعود عليها خاصة، مع المصلحة العامة لباقي النمل. فإن المصالح " إذا تزاحمَت قدِّم أهمها وأجلّها ".[SUP]([9])[/SUP]
الداعية الإيجابي ليس أنانياً ويدرك العقلاء من قومه تلك الصفة الطيبة فيه، فيلتفون من حوله ويُقبلون على اتِّباع نصائحه.
وكأن هذه القصة تعطينا العبرة: من العار على الدعاة المصلحين أن يفكروا بأنانية وحرص على نفعهم الخاص، إذا تعارض مع مصلحة مجموع الأمة ونفعها.
ثامناً: إيجابية الهدهد
أهم ما يُميِّز الشخصية الإيجابية أنه لا يكتفي بالأعمال الروتينية المطلوبة منه، بل يُقدِم على الأحسن والأفضل ولو لم يطلب منه رئيسه ذاك الأمر.
هذا ما حدث بين الهدهد وسيدنا سليمان عليه السلام، قال تعالى: " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " [النمل: 20-25]
إنَّ " المرؤوس إنْ رأى خيراً يخدم الفكر العام، ووجد أن فرصته ضيقة: يُسمح له بالتصرف دون إذن "[SUP]([10])[/SUP] مع التنبيه إلى أن الداعية الإيجابي لا يستغل هذا الصنيع منه من أجل التسكُّع وتضييع الوقت، بل يعود سريعاً إلى مراجعه العليا ليخبرهم بمحصلة دافعيته (مبادرته الذاتية)، لذا فإنَّ مما نبهت عليه الآيات الكريمة:
" معنى " فَمَكَثَ ": أقام واستقر. " غَيْرَ بَعِيدٍ ": مدة يسيرة، فلم يتأخر كثيراً؛ لأنه يعلم أنه تخلّف عن مجلس سليمان، وذهب بدون إذنه؛ لذلك تعجَّل العودة، وما إنْ وصل إليه إلا وبادره. " فَقَالَ ": بالفاء الدالة على التعقيب؛ لأنه رأى سليمان غاضباً مُتحفِّزاً لمعاقبته ".[SUP]([11])[/SUP]
قد يخرج الشخص الإيجابي عن العمل الروتيني ليعمل بـ(روح القانون) – بل إنه يُمدَح على ذلك -، ولكن ينبغي عليه أن يقدِّم لرئيسه في العمل تقريراً يشرح له في مبررات ذاك العمل.
تاسعاً: إيجابية الرجل الذي سعى لتحذير سيدنا موسى عليه السلام
الدافعية (المُبادأة الذاتية):[SUP]([12])[/SUP] تُعَد الدافعية والإقبال إلى العمل بحماس، وبهمة عالية، وبدون انتظار الأوامر، ولا انتظار المحفزات المادية = العمود الفقري الذي يميز الشخص الإيجابي الفعّال، بمقابل الخامل الكسول الذي يشكل عبئاً على مجتمعه.
وهذا ما فعله ذاك الرجل الصالح الذي دعا سيدنا موسى عليه السلام لمغادرة مصر فوراً، " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ " [القصص: 20].
فالدافعية هي المحرك النشط لسلوك الشخص المبادر إلى الدعوة للخير والتحذير من الشر؛ فهو لا ينتظر التحفيز، وغالباً ما تتميز شخصيته بالحزم وبروح المغامرة والميل إلى التجديد.
الجانب المفيد في تلك الشخصية الدعوية أنه ينقل الفكرة والخاطرة الذهنية المحبوسة في الدماغ من حيّز مجرد كونها فكرة إلى عمل بدني فعّال ونشاط يظهر أثره المفيد للمجتمع؛ فالدافعية ما هي إلا طاقة انفعالية تتحول إلى نشاط ملموس.[SUP]([13])[/SUP]
إن من أخطر ما يعانيه الدعاة في عصرنا هو (الفتور الدعوي) واللامبالاة بحاجات الناس والحرص على علاجهم من أدوائهم، وكم حري بهم الاقتداء بأولائك الدعاة الذين كانوا (يسعون) لنصح الناس وحثهم على اتباع الحق!
عاشراً: إيجابية الدعاة في قصة قارون
الإيجابي متوازن في شخصيته، غير منعزل عن الاستفادة من متاع الدنيا وأسبابها، بل إنه يجعل من امتلاكها وسيلة تفيد مهمته الجليلة (عمارة الكون بطاعة الله تعالى).
تأمل ماذا قال الدعاة لقارون: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " [القصص: 76]. جاءت هذه القصة من أجل أن " تقرر حقيقة القيم، فترخص من قيمة المال والزينة إلى جانب قيمة الإيمان والصلاح مع الاعتدال والتوازن في الاستمتاع بطيبات الحياة دون علو في الأرض ولا فساد..
وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم. المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة. ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة. بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض. ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها. والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه، وانتفاع بها. فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى.
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة، التي لا حرمان فيها، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة ".[SUP]([14])[/SUP]
حادي عشر: الإيجابية التي أوصى بها لقمانُ الحكيم ابنَه
الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على البلاء خير ما يميز الشخصية الدعوية الإيجابية لا بد وأن تتعرض لأذى بعض المخالفين، لذا كانت وصية الداعية لقمان الحكيم لابنه: " يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [لقمان: 17].
فلماذا حثه على الصبر مباشرة بعد حثه على دعوة الناس إلى الخير؟
جوابه: " لأن الداعي إلى الحق معرّض لإيصال الأذى إليه "[SUP]([15])[/SUP] لقد حث لقمان ابنه على القيام بواجب الدعوة بجناحيها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ثم حثه على " الصبر على ما يصيب الداعية إلى الله، من التواء النفوس وعنادها، وانحراف القلوب وإعراضها. ومن الأذى تمتد به الألسنة وتمتد به الأيدي. ومن الابتلاء في المال والابتلاء في النفس عند الاقتضاء ".[SUP]([16])[/SUP]
إنَّ الصبر خلق رفيع جليل، به سيُستدعَى النصر الرباني، وبه سينال الداعية مراده. والداعية الناجح صبور لا ييأس من حث الناس إلى الخير، قد يُخفق في التأثير عليهم مرة، لكن لابدَّ أن يعاود الطرق مرات ومرات حتى إذا صبرَ فلابدَّ أن تفتَّح له أبواب القلوب الموصدة؛ فما النصر إلا صبر ساعة.
ثاني عشر: إيجابية الرجل الداعية في سورة يس
الداعية الإيجابي هدفه الرئيس رضا الله تبارك وتعالى، فلا يجعل من الدنيا محطته الأولى والأخيرة التي يبني عليها علاقته مع الناس والحياة والكون، الدنيا أحقر من أن يُخاصِمَ لأجالِها، لذا فإنه محبٌّ للخير للناس لكل الناس، حتى الذين يؤذونه منهم.
بعد أن مات الداعية الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لحث أهل القرية على اتباع المرسلين، قال: " يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " [يس: 26-27].
تكريماً لهذا الرجل الداعية الإيجابي دخل الجنة " فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره قال: ليت قومي يعلمون بما أنا فيه من نعيم، وخير عميم، لإيماني بربي وتصديقي برسله وصبري على أذى قومي، وإنما تمنى عِلمَ قومه بحاله، ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر والدخول فى حظيرة الإيمان والطاعة اتباعاً لسنن أولياء الله الذين يكظمون الغيظ ويترحمون على الأعداء ".[SUP]([17])[/SUP]
وهنا ارتاح هذا الداعية الإيجابي بعد سَعيهِ في الدنيا وجِدِّه واجتهاده لخير قومه، فلا يضره لو لم يؤمن به أحد، ولو لم يذكر اسمه أحد، فيكفيه الراحة الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأكرم بها من منزلة!
والأعجب من هذا أنه لم تدهشه عظمة الجنة وملذاتها ونعيمها عن محبة الخير لقومه، فياله من ناصحٍ محبٍّ لقومه في حياته وبعدَ مماته!
ثالث عشر: إيجابية مؤمن آل فرعون
فرق بين إيجابية الحكيم وتهوُّر المندفع، فمن الحكمة أن لا يُعلن الداعية أحياناً عن موقفه من الحق بصفته من أتباعه؛ ليعطي انطباعاً بأن حكمه موضوعي منزه عن التعصب للفئة التي ينتمي إليها.
حين دعا موسى عليه السلام فرعون إلى الحق، كان في المجلس شخص تدخَّل مؤيِّداً الحق الذي ينادي به موسى عليه السلام، قال تعالى: " وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ " [غافر: 28].
" وكتمان الإيمان هنا، ليس عن ضعف أو خوف، حتى يحمل إيمانه على أنه كان مجرد إعجاب بموسى، وميل إلى الطريق الذي هو عليه.. فإن إيمان هذا المؤمن كان إيماناً راسخاً وثيقاً، قائماً على اقتناع بلغ مبلغ اليقين القاطع، وإنما كان كتمان هذا الإيمان عن سياسة حكيمة، وتدبير محكم..
فالرجل لم يكن يريد الإيمان لنفسه وحسب، بل إنه كان يريد أن يكون داعية لفرعون وقومه جميعاً إلى الإيمان بالله.. ولو أنه أعلن إيمانه، وجاء إلى فرعون يدعوه إلى أن يؤمن كما آمن هو، لما استمع فرعون إلى كلمة منه، ولأخذته العزّة بالإثم، وأبى عليه كبره وعناده، أن ينقاد لداعية يدعوه إلى أي أمر، ولو فتح له أبواب السماء ".[SUP]([18])[/SUP]
ولكن الإيجابية معناها أن لا يستمر في كتمان الحق والخير إلى حين وفاته، بل يستغل الفرصة المناسبة للصدع بالحق إذا وجد الفرصة سانحة.
رابع عشر: إيجابية الدعاة من الجن
الداعية الإيجابي يفهم قبل أن يتحرك؛ ليتحرك على بصيرة، إنه يتفكر القرآن الكريم ويتفاعل معه ويتدبره ليستنبط منه سبل الهدى والرشاد، يجلس لينصت؛ يشحذ همته من عذب كلامه وجلال معانيه، ثم ينطلق منذراً قومه، قال تعالى مادحاً الدعاة الإيجابيين من الجن: " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم " [الأحقاف: 29-31].
فتأمل هذا الترتيب: التعلُّم والتدبر ثم الدعوة لذا " قالُوا أَنْصِتُوا أي ليتم التدبر والتفكر فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ من قراءته، كمل تأثرهم به، فأرادوا التأثير به، لذلك وَلَّوْا أي رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي عما هم فيه من الضلال ".[SUP]([19])[/SUP]
إن الداعية الإيجابي لا يجعل اندفاعه للدعوة وحماسه يمنعانه من الاستعداد والتعلُّم قبل التعليم، فهو يدعو إلى الله على بصيرة. قال تعالى: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [يوسف: 108] فالعلم بمضمون الدعوة بصيرة ؛ لأنه به يحصِّل الداعية الصواب، ويتبين له به الحق ، وتقوم به حجته، ويرتدع به المصرون على المنكر.
ويستنتج من هذا أنَّه من الإيجابية أن يمر الداعية إلى الخير بمراحل قبل ممارسته فريضة الدعوة: يُنصِت إلى الإمر الإلهي، ثم يتدبره ويتفاعل معه ويعمل بمقتضاه، ثم يدعو الناس إليه.
[1]) رضا، م، (1999م) تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 2/379.
[2]) القطان، إ، (د.ت) تيسير التفسير (د.ط) الناشر: المؤلف ذاته 2 / 85.
[3]) انظر: الماتريدي، م، (2005م) تأويلات أهل السنة، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 7 / 152.
[4]) ابن القيم، م، (1991م) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 4 /122.
[5]) عبدالرحمن، ع، (1421هـ) دعوة الجماهير، سلسلة كتاب الأمة، عدد76، سنة20، الدوحة، ربيع الأول، ص127.
[6]) القرطبي، م، (1994م) الجامع لأحكام القرآن، ط1 القاهرة: دار الحديث 11 / 36.
[7]) انظر: ابن عاشور، م، (1984م) تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد وتفسير الكتاب المجيد (المشهور بالتحرير والتنوير)، ط1 تونس، الدار التونسية 16/34.
[8]) رواه أحمد (8413) عن أبي هريرة t، قال شعيب الأرناؤوط في تخريجه للمسند 14/136: إسناده حسن.
[9]) ابن القيم، م، (1991م) مفتاح دار السعادة، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 2 / 22.
[10]) الشعراوي، م، (1991م) تفسير الشعراوي، ط1 القاهرة: دار أخبار اليوم 17 /10687.
[11]) المرجع ذاته 17 /10687.
[12]) يُقصَد بالدافع - بمعناه الشامل - : مجموعة القوى الداخلية والخارجية النشيطة المحّركة للسلوك، فيجمع كافة العناصر والقوى الفطرية والمكتسبة المحركة للسلوك؛ من حاجات، ورغبات، وميول، واتجاهات، وانفعالات، وعواطف، وقيم، وعادات، وحوافز، وبواعث، وأغراض، وأهداف. انظر: الشيباني، ع، (2001م) علم النفس التربوي، ط1 ليبيا: جامعة الفاتح، ص98.
[13]) انظر: رجب، م، (2011م) دور المعلم وآليات عمله، لندن: مجلة البيان، عدد 228 ص9.
[14]) قطب، س، (1981م) في ظلال القرآن، ط10 القاهرة: دار الشروق 5 / 2170
[15]) القاسمي، ج، (1994م) محاسن التأويل، ط1 بيروت: دار إحياء التراث العربي 8 / 31.
[16]) قطب، س، (1981م) في ظلال القرآن، ط10 القاهرة: دار الشروق 5 / 2790.
[17]) المراغي، أ (1946م) تفسير المراغي، ط1 القاهرة: مطبعة البابي الحلبي 22 / 154.
[18]) الخطيب، ع، (1390هـ) التفسير القرآني للقرآن، ط1 بيروت: دار الفكر العربي 12 / 1226.
[19]) القاسمي، ج، (1994م) محاسن التأويل، ط1 بيروت: دار إحياء التراث العربي 8 / 452.
معالم الشخصية الإيجابية للدعاة من غير الأنبياء في القرآن الكريم
وإليكم تعريفاً بأبرز ما ورد فيه؛ ليستفيد منه من يريد التطوير عليه أو الاستفادة منه لكتابة بحث أو دراسة مشابهة..الملخص
يميل كثير من الدعاة المصلحين في عصرنا الحالي إلى الدعة والسكون والسلبية وعدم الاكتراث لما يدور حولهم من أحداث، ولا يتفاعلون معها، ومن هنا جاء هذا البحث ليسلط الضوء على قدوات ذكرها القرآن الكريم في معرض الثناء عليها، قدوات لم تكن من الأنبياء المسددين بالوحي، المؤيدين بالعصمة، ولكنهم مع ذلك كانت لهم بصمتهم الدعوية الإيجابية.
لذا جاء هذا البحث الذي يتألف من مبحيثن: الأول: نظري تحدث فيه عن تعريف الدعوة وبيان أهميتها، ثم مبحث عملي تناول التعريف بأبرز معالم شخصية الدعاة الإيجابية كما عرضها القرآن الكريم.
وفي نهايته خاتمة لخصَتْ أبرز تلك المعالم.
توطئة
تختلف قصص الدعاة من غير الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم بمميزات عن قصص الأنبياءالمذكورين في القرآن الكريم، منها:1. عدم تكرار قصصهم، والاقتصار على ذكرها في موضع واحد في سورة واحدة – باستثناء قصة مؤمني الجن الورادة في سورتي الأحقاف والجن-.
2. إغفال أسماء أولئك الدعاة – باستثناء لقمان -.
3. كان الأنبياء ممن اصطفى الله من رجال الإنس حصراً، ولكن القصص القرآني أخبرنا بوجود دعاة إلى الخير من غير جنس البشر كالهدهد والنملة ومؤمني الجن؛ ليقول لنا بأن الإيجابية في الدعوة إلى الخير سنة كونية لكل أمم الكائنات الحية مهما كان جنسها.
4. لا تحتوي تلك القصص على أدلة تثبت نزول تأييد إلهي مادي لنصرة أولئك الدعاة.
وبتأمل تلك المميزات يستطيع المرء استنباط الحكمة الرئيسة من ذكر قصص الدعاة من غير الأنبياء، وهي مخاطبة الدعاة في كل زمان ومكان بأنه بإمكانك أن تكون إيجابياً - كسلفك من أولئك الدعاة – الذين لم يكونوا من الأنبياء المؤيَّدين بالوحي الإلهي المعجز.
وبشكل عام، فإن القصص القرآني للدعاة من عير الأنبياء يعين الدعاة على تثبيت فؤادهم على الحق، كما يقدم لهم معارف سننية في التعامل مع الكون والحياة؛ فيمنحهم الوعي والبصيرة فيسدد مسيرتهم الدعوية، ويشحذ هممهم، ويسمو بنفوسهم، ويرفع من معنوياتهم.
نماذج
ستجد – فيما سيأتي - نماذج من الدعاة المذكورين في البحث وبيان مثال على شخصيتهم الإيجابية:أولاً: إيجابية القائد الداعية طالوت
إن من عوامل الشخصية القيادية الإيجابية: الجمع بين قوتي العلم والجسم، قال تعالى: " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [البقرة:247].
وجَّه النبيُّ بني إسرائيل إلى أن الشخصية القيادية التي تستحق الملك ليست الأكثر مالاً، بل إلى صفتين أهم من ذلك، فقد أوتي طالوت بسطة في العلم والجسم، وهذان عنصران مهمان في تكوين الشخصية الإيجابية؛ لأن الشخصية الإيجابية غالباً ما تكون قيادية، ومن النادر أن يُقبل الناس على التأثر بشخص يجمع بين ضعف الجسم والعلم؛ لذا جاءت الآية الكريمة لتصحيح مفاهيم الناس.
لقد " فضّله واختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطري للملك، ولا ينافي هذا كون اختياره كان بوحي من الله; لأن هذه الأمور هي بيان لأسباب الاختيار وهي أربعة: (1) الاستعداد الفطري (2) السعة في العلم الذي يكون به التدبير (3) بسطة الجسم المعبر بها عن صحته وكمال قواه المستلزم ذلك لصحة الفكر على قاعدة ((العقل السليم في الجسم السليم)) وللشجاعة والقدرة على المدافعة وللهيبة والوقار (4) توفيق الله تعالى الأسباب له وهو ما يعبر عنه بقوله: " وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ "، والاستعداد هو الركن الأول في المرتبة فلذلك قدمه، والعلم بحال الأمة ومواضع قوتها وضعفها وجودة الفكر في تدبير شئونها، هو الركن الثاني في المرتبة، فكم من عالم بحال زمانه غير مستعد للسلطة اتخذه من هو مستعد لها سراجا يستضيء برأيه في تأسيس مملكة أو سياستها، ولم ينهض به رأيه إلى أن يكون هو السيد الزعيم فيها، وكمال الجسم في قواه وروائه هو الركن الثالث في المرتبة، وهو في الناس أكثر من سابقيه.
وأما المال فليس بركن من أركان تأسيس الملك; لأن المزايا الثلاث إذا وجدت سهل على صاحبها الإتيان بالمال، وإنا لنعرف في الناس من أسس دولة وهو فقير أمي، ولكن استعداده ومعرفته بحال الأمة التي سادها، وشجاعته كانت كافية للاستيلاء عليها والاستعانة بأهل العلم بالإدارة والشجعان على تمكين سلطته فيها، وقد قدم الأركان الثلاثة على الرابع; لأنها تتعلق بمواهب الرجل الذي اختير ملكا فأنكر القوم اختياره فهي المقصودة بالجواب، وأما توفيق الله تعالى بتسخير الأسباب التي لا عمل له فيها لسعيه فليس من مواهبه ومزاياه فتقدم في أسباب اختياره، وإنما تذكر تتمة للفائدة وبيانا للحقيقة; ولذلك ذكرت قاعدة عامة لا وصفا له ".[SUP]([1])[/SUP]
إن على الدعاة الإيجابيين الحرص على الجمع بين قوة البدن وقوة الفهم والعقل ليتحملوا أعباء الدعوة إلى الخير ويصبروا على تبعاتها.
ثانياً: إيجابية الدعاة في قصة أصحاب السبت
الداعية الإيجابي يمارس الدعوة في مختلف البيئات، وهدفه الرئيس: الإعذار إلى الله تعالى، فإن استجاب المدعوون فذلك حسن، وإن لم يستجيبوا لم يصب بالإحباط.
قال تعالى: " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف: 163-164].
لمن يسأل: هل من الحكمة الإصرار على دعوة أشخاص مُصرِّين على المعاصي الذين لا جدوى من مناصحتهم؟
فجواب أولئك الدعاة الإيجابيون: " لقد وعظناهم اعتذاراً الى الله، وأدّينا واجبنا نحوه، لئلا نُنسَب الى التقصير، ولعلّ النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فَيَسْتثيرُ فيها وِجدان التقوى ".[SUP]([2])[/SUP]
الإعذار إلى الله تعالى وطلب الأجر منه فقط، يشكلان دافعاً للداعية إلى الاستمرار بالتفاؤل والأمل مع عدم الالتفات إلى المُحبِطات فلا يغتر بتلبيس إبليس بالسقوط وفتور الهمة بداعي أنه لا فائدة من هدايتهم.
ثالثاً: إيجابية الفتية (أصحاب الكهف):
الداعية الإيجابي حكيم فطِنٌ ليس بأحمق ولا متهور، بل يجعل اللطف نبراساً له في مخاطبة المدعوين، وسجية لا تضمحل مهما كانت الظروف، نعم هو مندفع لحث الناس على الخير، ولكنه في الوقت ذاته لا يدع التلطف. قال تعالى: " وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا " [الكهف: 19].
فارفق بهم وكن متسامحاً معهم عند معاملتهم بالبيع والشراء؛ لئلا يكتشفوا بأنك من أولئك الذين فارقوا دينهم.[SUP]([3])[/SUP]
إنَّ جمال الغايات لا يُبرر قسوة الوسائل الموصلة إليها إنْ أمكن اللطف، فاللطف لا يكون في شيء إلا زانه.
رابعاً: إيجابية الداعية مع صاحب الجنتين
الداعية الإيجابي يقدم البديل: " وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا " [الكهف: 39].
فلا يقتصر عمل الداعية على وصف المنكر والتحذير منه، بل يقدم البديل الأصلح، إنه طبيبٌ يشخِّص سبب المرض، ثم يقترح العلاج له، ويدل على سبل الوقاية منه في المستقبل.
لذا يخبر ابن القيم عن آداب المفتي التي من أبرزها: " إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه - وكانت حاجته تدعوه إليه - أن يدلَّه على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتى إلَّا من عالِمٍ ناصح مشفقٍ قد تاجرَ الله وعامَلَه بعِلمه ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][4][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وعلى الدعاة المعاصرين أن يستنبطوا من ذلك أنه " لا يمكن أن نعين الناس على الرجوع لالتزام دينهم وشرعتهم عبر الخطب المبكية التي تقطع القلوب، وتعصر النفوس من آلام ما تعانيه الأمة، والمواعظ التي تعتمد التحريم لكل شيء، والترهيب من كل أمر، والتحذير من كل ظاهرة تجتاح مجتمعات المسلمين.. وإنما العلاج الحق أن نقدم لهم في كل أمر جاهلي، وفي كل ظاهرة ..، وعن كل ممارسة فاسدة فاسقة فاجرة، بديلاً إسلامياً صالحاً نافعاً راشداً مرضياً لله رب العالمين.
فالمعاملات الاقتصادية الربوية الحرام، لا يمكن أن تحارَب ـ أو تغيَّر ـ عبر الخطب والفتاوى المحرمة لها. وإنما إيجاد البدائل لجميعها، فنغزو البنوك ونستبدلها ببنوك ومصارف إسلامية تحرم الربا ولا تتعامل معه..".[SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP])
الإسلام ليس بنظريات في الكتب لا يمكن تطبيقها في واقع الحياة، ولا تخلو تعاليمه وأحكامه مِن بديل شرعي منضبط مفيد للناس يجدون فيه خيراً من الفساد الذي يحرّمه ويمنع من اتخاذه سبيلاً، فلا يكتفي الداعية الذي يطلب من الناس ترك ذاك الفساد بالتحذير منه، بل عليه أن يدلهم على البديل الحلال.
خامساً: إيجابية العبد الصالح في رحلته مع سيدنا موسى عليه السلام
ليس من الإيجابية التحجُّر على رأيٍ قد يكون مآله ضاراً، فقد يضطر الداعية إلى ارتكاب منكر شديد؛ من أجل دفع خطر منكر أشد، وهذا ما يسمى: فقه الموازنات. قال تعالى: " أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا " [الكهف:79]
إن " في هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه "[SUP]([/SUP][SUP][SUP][6][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
فمن الحكمة التي يتحلى بها المصلح الإيجابي ارتكاب مفسدة صغرى - كإتلاف جزء من السفينة -، خشية مفسدة كبرى - مصادرة الملك الظالم للسفينة -.
سادساً: إيجابية ذي القرنين
الإيجابي يعطي المدعوين أفضل مما يطلبون، قال تعالى: " قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " [الكهف: 94-95].
إن الداعية الإيجابية ليس بالشخص الكسول الذي يفرح بطلب الناس فعل اليسير الخفيف، بل همته العالية وتطلعه إلى الأجر الأخروي يحتمان عليه أن لا يرضى إلا بالمعالي.
انظر إلى ذي القرنين فقد طلبوا منه الأدنى لكنه أعطاهم الأعلى، هم طلبوا بناء سدٍّ ولكنهم اختار الأفضل لهم وهو الردم. والفرقُ أن السد ساتر بينك وبين شيء، بينما الردم وضع أشياء فوق بعضها بعضاً.
فسدُّ بئرٍ مهجورة مثلاً قد يكون بوضع قطعة خشب أو لوح حديد فوقها، أما ردمها فيكون بإلقاء التراب والحجارة فيها حتى تسوى بالأرض، وردمها أفضل، وإن كان أصعب.
لذا حين طلبوا وضع سد في الفجوة التي بينهم وبين يأجوج ومأجوج، اختار الأفضل وهو ردم الفجوة التي بين الجبال خشية أن ينهار السد، فالردم أفضل.[SUP]([7])[/SUP]
قال رسول الله r: " خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ ".[SUP]([8])[/SUP]
وهذا الحديث يعلِّمنا بأن إيجابية الداعية تحثُّه على إعطاء المدعو أجود النصح، فهو ليست بمُلزمٍ ـ بالضرورة ـ بإعطائه ما يطلبه إن وُجِدَ البديل الأفضل.
سابعاً: إيجابية النملة
الشخصية الإيجابية تحرص على مصلحة الجماعة لا مصلحتها الفردية، قال تعالى: " قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " [النمل: 18].
هنا نجد النملة قد أخذت وقتاً لتحذير النمل الآخرين، فلم تكن أنانية وتنجو بنفسها، هنا تعارضت مصلحتان: مصلحة النملة التي تعود عليها خاصة، مع المصلحة العامة لباقي النمل. فإن المصالح " إذا تزاحمَت قدِّم أهمها وأجلّها ".[SUP]([9])[/SUP]
الداعية الإيجابي ليس أنانياً ويدرك العقلاء من قومه تلك الصفة الطيبة فيه، فيلتفون من حوله ويُقبلون على اتِّباع نصائحه.
وكأن هذه القصة تعطينا العبرة: من العار على الدعاة المصلحين أن يفكروا بأنانية وحرص على نفعهم الخاص، إذا تعارض مع مصلحة مجموع الأمة ونفعها.
ثامناً: إيجابية الهدهد
أهم ما يُميِّز الشخصية الإيجابية أنه لا يكتفي بالأعمال الروتينية المطلوبة منه، بل يُقدِم على الأحسن والأفضل ولو لم يطلب منه رئيسه ذاك الأمر.
هذا ما حدث بين الهدهد وسيدنا سليمان عليه السلام، قال تعالى: " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " [النمل: 20-25]
إنَّ " المرؤوس إنْ رأى خيراً يخدم الفكر العام، ووجد أن فرصته ضيقة: يُسمح له بالتصرف دون إذن "[SUP]([10])[/SUP] مع التنبيه إلى أن الداعية الإيجابي لا يستغل هذا الصنيع منه من أجل التسكُّع وتضييع الوقت، بل يعود سريعاً إلى مراجعه العليا ليخبرهم بمحصلة دافعيته (مبادرته الذاتية)، لذا فإنَّ مما نبهت عليه الآيات الكريمة:
" معنى " فَمَكَثَ ": أقام واستقر. " غَيْرَ بَعِيدٍ ": مدة يسيرة، فلم يتأخر كثيراً؛ لأنه يعلم أنه تخلّف عن مجلس سليمان، وذهب بدون إذنه؛ لذلك تعجَّل العودة، وما إنْ وصل إليه إلا وبادره. " فَقَالَ ": بالفاء الدالة على التعقيب؛ لأنه رأى سليمان غاضباً مُتحفِّزاً لمعاقبته ".[SUP]([11])[/SUP]
قد يخرج الشخص الإيجابي عن العمل الروتيني ليعمل بـ(روح القانون) – بل إنه يُمدَح على ذلك -، ولكن ينبغي عليه أن يقدِّم لرئيسه في العمل تقريراً يشرح له في مبررات ذاك العمل.
تاسعاً: إيجابية الرجل الذي سعى لتحذير سيدنا موسى عليه السلام
الدافعية (المُبادأة الذاتية):[SUP]([12])[/SUP] تُعَد الدافعية والإقبال إلى العمل بحماس، وبهمة عالية، وبدون انتظار الأوامر، ولا انتظار المحفزات المادية = العمود الفقري الذي يميز الشخص الإيجابي الفعّال، بمقابل الخامل الكسول الذي يشكل عبئاً على مجتمعه.
وهذا ما فعله ذاك الرجل الصالح الذي دعا سيدنا موسى عليه السلام لمغادرة مصر فوراً، " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ " [القصص: 20].
فالدافعية هي المحرك النشط لسلوك الشخص المبادر إلى الدعوة للخير والتحذير من الشر؛ فهو لا ينتظر التحفيز، وغالباً ما تتميز شخصيته بالحزم وبروح المغامرة والميل إلى التجديد.
الجانب المفيد في تلك الشخصية الدعوية أنه ينقل الفكرة والخاطرة الذهنية المحبوسة في الدماغ من حيّز مجرد كونها فكرة إلى عمل بدني فعّال ونشاط يظهر أثره المفيد للمجتمع؛ فالدافعية ما هي إلا طاقة انفعالية تتحول إلى نشاط ملموس.[SUP]([13])[/SUP]
إن من أخطر ما يعانيه الدعاة في عصرنا هو (الفتور الدعوي) واللامبالاة بحاجات الناس والحرص على علاجهم من أدوائهم، وكم حري بهم الاقتداء بأولائك الدعاة الذين كانوا (يسعون) لنصح الناس وحثهم على اتباع الحق!
عاشراً: إيجابية الدعاة في قصة قارون
الإيجابي متوازن في شخصيته، غير منعزل عن الاستفادة من متاع الدنيا وأسبابها، بل إنه يجعل من امتلاكها وسيلة تفيد مهمته الجليلة (عمارة الكون بطاعة الله تعالى).
تأمل ماذا قال الدعاة لقارون: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " [القصص: 76]. جاءت هذه القصة من أجل أن " تقرر حقيقة القيم، فترخص من قيمة المال والزينة إلى جانب قيمة الإيمان والصلاح مع الاعتدال والتوازن في الاستمتاع بطيبات الحياة دون علو في الأرض ولا فساد..
وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم. المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة. ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة. بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض. ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها. والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه، وانتفاع بها. فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى.
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة، التي لا حرمان فيها، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة ".[SUP]([14])[/SUP]
حادي عشر: الإيجابية التي أوصى بها لقمانُ الحكيم ابنَه
الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر على البلاء خير ما يميز الشخصية الدعوية الإيجابية لا بد وأن تتعرض لأذى بعض المخالفين، لذا كانت وصية الداعية لقمان الحكيم لابنه: " يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [لقمان: 17].
فلماذا حثه على الصبر مباشرة بعد حثه على دعوة الناس إلى الخير؟
جوابه: " لأن الداعي إلى الحق معرّض لإيصال الأذى إليه "[SUP]([15])[/SUP] لقد حث لقمان ابنه على القيام بواجب الدعوة بجناحيها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ثم حثه على " الصبر على ما يصيب الداعية إلى الله، من التواء النفوس وعنادها، وانحراف القلوب وإعراضها. ومن الأذى تمتد به الألسنة وتمتد به الأيدي. ومن الابتلاء في المال والابتلاء في النفس عند الاقتضاء ".[SUP]([16])[/SUP]
إنَّ الصبر خلق رفيع جليل، به سيُستدعَى النصر الرباني، وبه سينال الداعية مراده. والداعية الناجح صبور لا ييأس من حث الناس إلى الخير، قد يُخفق في التأثير عليهم مرة، لكن لابدَّ أن يعاود الطرق مرات ومرات حتى إذا صبرَ فلابدَّ أن تفتَّح له أبواب القلوب الموصدة؛ فما النصر إلا صبر ساعة.
ثاني عشر: إيجابية الرجل الداعية في سورة يس
الداعية الإيجابي هدفه الرئيس رضا الله تبارك وتعالى، فلا يجعل من الدنيا محطته الأولى والأخيرة التي يبني عليها علاقته مع الناس والحياة والكون، الدنيا أحقر من أن يُخاصِمَ لأجالِها، لذا فإنه محبٌّ للخير للناس لكل الناس، حتى الذين يؤذونه منهم.
بعد أن مات الداعية الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لحث أهل القرية على اتباع المرسلين، قال: " يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " [يس: 26-27].
تكريماً لهذا الرجل الداعية الإيجابي دخل الجنة " فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره قال: ليت قومي يعلمون بما أنا فيه من نعيم، وخير عميم، لإيماني بربي وتصديقي برسله وصبري على أذى قومي، وإنما تمنى عِلمَ قومه بحاله، ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر والدخول فى حظيرة الإيمان والطاعة اتباعاً لسنن أولياء الله الذين يكظمون الغيظ ويترحمون على الأعداء ".[SUP]([17])[/SUP]
وهنا ارتاح هذا الداعية الإيجابي بعد سَعيهِ في الدنيا وجِدِّه واجتهاده لخير قومه، فلا يضره لو لم يؤمن به أحد، ولو لم يذكر اسمه أحد، فيكفيه الراحة الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأكرم بها من منزلة!
والأعجب من هذا أنه لم تدهشه عظمة الجنة وملذاتها ونعيمها عن محبة الخير لقومه، فياله من ناصحٍ محبٍّ لقومه في حياته وبعدَ مماته!
ثالث عشر: إيجابية مؤمن آل فرعون
فرق بين إيجابية الحكيم وتهوُّر المندفع، فمن الحكمة أن لا يُعلن الداعية أحياناً عن موقفه من الحق بصفته من أتباعه؛ ليعطي انطباعاً بأن حكمه موضوعي منزه عن التعصب للفئة التي ينتمي إليها.
حين دعا موسى عليه السلام فرعون إلى الحق، كان في المجلس شخص تدخَّل مؤيِّداً الحق الذي ينادي به موسى عليه السلام، قال تعالى: " وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ " [غافر: 28].
" وكتمان الإيمان هنا، ليس عن ضعف أو خوف، حتى يحمل إيمانه على أنه كان مجرد إعجاب بموسى، وميل إلى الطريق الذي هو عليه.. فإن إيمان هذا المؤمن كان إيماناً راسخاً وثيقاً، قائماً على اقتناع بلغ مبلغ اليقين القاطع، وإنما كان كتمان هذا الإيمان عن سياسة حكيمة، وتدبير محكم..
فالرجل لم يكن يريد الإيمان لنفسه وحسب، بل إنه كان يريد أن يكون داعية لفرعون وقومه جميعاً إلى الإيمان بالله.. ولو أنه أعلن إيمانه، وجاء إلى فرعون يدعوه إلى أن يؤمن كما آمن هو، لما استمع فرعون إلى كلمة منه، ولأخذته العزّة بالإثم، وأبى عليه كبره وعناده، أن ينقاد لداعية يدعوه إلى أي أمر، ولو فتح له أبواب السماء ".[SUP]([18])[/SUP]
ولكن الإيجابية معناها أن لا يستمر في كتمان الحق والخير إلى حين وفاته، بل يستغل الفرصة المناسبة للصدع بالحق إذا وجد الفرصة سانحة.
رابع عشر: إيجابية الدعاة من الجن
الداعية الإيجابي يفهم قبل أن يتحرك؛ ليتحرك على بصيرة، إنه يتفكر القرآن الكريم ويتفاعل معه ويتدبره ليستنبط منه سبل الهدى والرشاد، يجلس لينصت؛ يشحذ همته من عذب كلامه وجلال معانيه، ثم ينطلق منذراً قومه، قال تعالى مادحاً الدعاة الإيجابيين من الجن: " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم " [الأحقاف: 29-31].
فتأمل هذا الترتيب: التعلُّم والتدبر ثم الدعوة لذا " قالُوا أَنْصِتُوا أي ليتم التدبر والتفكر فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ من قراءته، كمل تأثرهم به، فأرادوا التأثير به، لذلك وَلَّوْا أي رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي عما هم فيه من الضلال ".[SUP]([19])[/SUP]
إن الداعية الإيجابي لا يجعل اندفاعه للدعوة وحماسه يمنعانه من الاستعداد والتعلُّم قبل التعليم، فهو يدعو إلى الله على بصيرة. قال تعالى: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [يوسف: 108] فالعلم بمضمون الدعوة بصيرة ؛ لأنه به يحصِّل الداعية الصواب، ويتبين له به الحق ، وتقوم به حجته، ويرتدع به المصرون على المنكر.
ويستنتج من هذا أنَّه من الإيجابية أن يمر الداعية إلى الخير بمراحل قبل ممارسته فريضة الدعوة: يُنصِت إلى الإمر الإلهي، ثم يتدبره ويتفاعل معه ويعمل بمقتضاه، ثم يدعو الناس إليه.
[1]) رضا، م، (1999م) تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 2/379.
[2]) القطان، إ، (د.ت) تيسير التفسير (د.ط) الناشر: المؤلف ذاته 2 / 85.
[3]) انظر: الماتريدي، م، (2005م) تأويلات أهل السنة، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 7 / 152.
[4]) ابن القيم، م، (1991م) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 4 /122.
[5]) عبدالرحمن، ع، (1421هـ) دعوة الجماهير، سلسلة كتاب الأمة، عدد76، سنة20، الدوحة، ربيع الأول، ص127.
[6]) القرطبي، م، (1994م) الجامع لأحكام القرآن، ط1 القاهرة: دار الحديث 11 / 36.
[7]) انظر: ابن عاشور، م، (1984م) تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد وتفسير الكتاب المجيد (المشهور بالتحرير والتنوير)، ط1 تونس، الدار التونسية 16/34.
[8]) رواه أحمد (8413) عن أبي هريرة t، قال شعيب الأرناؤوط في تخريجه للمسند 14/136: إسناده حسن.
[9]) ابن القيم، م، (1991م) مفتاح دار السعادة، ط1 بيروت: دار الكتب العلمية 2 / 22.
[10]) الشعراوي، م، (1991م) تفسير الشعراوي، ط1 القاهرة: دار أخبار اليوم 17 /10687.
[11]) المرجع ذاته 17 /10687.
[12]) يُقصَد بالدافع - بمعناه الشامل - : مجموعة القوى الداخلية والخارجية النشيطة المحّركة للسلوك، فيجمع كافة العناصر والقوى الفطرية والمكتسبة المحركة للسلوك؛ من حاجات، ورغبات، وميول، واتجاهات، وانفعالات، وعواطف، وقيم، وعادات، وحوافز، وبواعث، وأغراض، وأهداف. انظر: الشيباني، ع، (2001م) علم النفس التربوي، ط1 ليبيا: جامعة الفاتح، ص98.
[13]) انظر: رجب، م، (2011م) دور المعلم وآليات عمله، لندن: مجلة البيان، عدد 228 ص9.
[14]) قطب، س، (1981م) في ظلال القرآن، ط10 القاهرة: دار الشروق 5 / 2170
[15]) القاسمي، ج، (1994م) محاسن التأويل، ط1 بيروت: دار إحياء التراث العربي 8 / 31.
[16]) قطب، س، (1981م) في ظلال القرآن، ط10 القاهرة: دار الشروق 5 / 2790.
[17]) المراغي، أ (1946م) تفسير المراغي، ط1 القاهرة: مطبعة البابي الحلبي 22 / 154.
[18]) الخطيب، ع، (1390هـ) التفسير القرآني للقرآن، ط1 بيروت: دار الفكر العربي 12 / 1226.
[19]) القاسمي، ج، (1994م) محاسن التأويل، ط1 بيروت: دار إحياء التراث العربي 8 / 452.