بحث قيم عن تحديد (مناط الكفر بموالاة الكفار) للدكتور عبدالله القرني حفظه الله

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

اطلعت على بحث جدير بالقراءة للدكتور الكريم ، والصديق العزيز أبي محمد عبدالله بن محمد القرني ، الأستاذ المشارك بقسك العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة . بعنوان :(مناط الكفر بموالاة الكفار) ، وقد تتبع فيه الدكتور عبدالله الآيات القرآنية التي تتحدث عن موالاة الكفار ، وبين القول الصحيح للمفسرين المعتبرين من أمثال ابن جرير ، ونقل كلاماً نفيساً للإمام الشافعي في توجيه حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قل من يتنبه له . وقد قرأت البحث ، واستحسنت مواضع منه ونقولات قيمة ، جعلتها بألوان مخالفة للون الأسود ، وقد أرفقت لكم هذه النسخة التي قرأتها مع هذه المشاركة . وقد نشر البحث كما أخبرني الدكتور عبدالله في موقع الإسلام اليوم ، وفي موقع الألوكة . ودارت حوله نقاشات جيدة كما بلغني ولم أطلع عليها بعدُ ، غير أني أحببت نشر البحث مرة أخرى في ملتقى أهل التفسير لصلته بالتفسير ، وكونه قائماً على بيان المعنى الصحيح للآيات التي وردت في الموضوع ، مع حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه المشهور .
وقد تناولت طعام العشاء عند الدكتور عبدالله القرني حفظه الله مساء الأربعاء 26/6/1428هـ ولقيت جمعاً من المشايخ وطلبة العلم ، وكان معنا الدكتور مساعد الطيار حفظه الله ، والدكتور حاتم الشريف العوني ، والدكتور سعود العريفي والدكتور لطف الله خوجة وفقهم الله جميعاً .
وقد أخبرني الدكتور لطف الله خوجة أن له بحثاً في تحرير معنى النصرة للكافر على المسلم ، وأنه توصل فيه لنتيجة تخالف ما توصل إليه الدكتور عبدالله القرني حفظه الله في بحثه هذا . وأخبرني أنه بعث ببحثه للتحكيم في إحدى المجلات العلمية المحكمة ، وسيشارك به معنا بإذن الله بعد ذلك ، فإن العقول الراجحة إذا تناولت فكرة علمية ، أو مسألة من المسائل الشائكة مع الإخلاص والتجرد فإنها تنضجها ، وتكشف جوانبها التي قد تغيب على العقل الواحد إذا انفرد ببحثها ، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى ، علماً أن الدكتور عبدالله القرني هو صاحب كتاب (ضوابط التكفير) وله كتاب آخر (المعرفة في الإسلام) . وله بحوث أخرى مطبوعة منشورة ، وهو عضو معنا في ملتقى أهل التفسير حفظه الله ، وأرجو أن يحظى بحثه هنا بتعقيباتكم وأرائكم العلمية المنصفة ، فهو يستفيد منه ويسعد بها .

الرياض في 29/6/1428هـ


[align=center]مقدمة البحث [/align]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد أوجب الله الموالاة بين المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وجاءت نصوص كثيرة في تقرير هذا الأصل، وتحذُير المؤمنين مما وقع فيه المنافقون من موالاة الكافرين.
ومن الأصول التي لا تحتمل الخلاف أن موالاة الكفار بمحبتهم أو نصرتهم لأجل دينهم كفر مخرج من الملة، وأنه يستحيل ثبوت الإيمان وأصل البراءة من الكفار مع حصول الموالاة للكفار بهذا المعنى، إذ لا يتصور اجتماع الإيمان مع محبة دين الكفار أو نصرتهم لأجل دينهم، لكون ذلك من اجتماع النقيضين. وهذا الأصل لا إشكال فيه.
لكن حصل الإشكال في أصل آخر، وهو ما يتعلق بحكم موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي، حين ظن من ظن أنه يلزم أن يكون حكم موالاة الكفار لغرض دنيوي كحكم موالاتهم على دينهم، وأنه لا فرق بين الحالين.
وأصل الإشكال في عدم التفريق بين موالاة الكفار بهذين المعنيين ما يظن من دلالة الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار على التكفير بمطلق الموالاة لهم، وأن النصرة إذا كانت داخلة في مطلق الموالاة فيلزم أن تكون تلك الآيات دالة على التكفير بمطلق مظاهرة الكفار على المسلمين، دون نظر إلى الحامل على نصرة الكفار، بحيث لا يفرق بين أن تكون نصرة الكفار لأجل دينهم أو لمجرد غرض دنيوي .
وقد ترتب على الخلط في هذا الباب الوقوع في الغلو، والتكفير بما تدل النصوص الشرعية على عدم التكفير به، وتأويل النصوص الدالة على عدم الكفر بمظاهرة الكفار لغرض دنيوي بما يناقض دلالتها الظاهرة، والتجاوز في ذلك بالحكم على دول وجماعات بالكفر بمجرد الظن واتباع المتشابه، مع وجود النصوص المحكمة الواضحة الدلالة في الفرق بين الحالين .
ويستند التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وبين موالاتهم لغرض دنيوي إلى أساسين :
أحدهما: حقيقة أصل الولاء والبراء، وما يقتضيه بيان تلك الحقيقة من التفريق بين ما ينافي أصل الولاء والبراء وما ينافي كماله، وأنه كما لا يلزم من مطلق معاداة المؤمن للمؤمن انتفاء أصل الموالاة بينهما، فإنه لا يلزم من مطلق موالاة المؤمن للكفار انتفاء أصل البراءة منهم، وأنه إذا كانت موالاة المؤمن للمؤمنين لا تنتفي إلا بما ينافي أصلها، بحيث تكون عداوة المؤمن للمؤمن لأجل إيمانه، فإن البراءة من الكفار لا تنتفي أيضاً إلا بما ينافي أصلها، بحيث تكون موالاة المؤمن للكفار لأجل دينهم، وجميع الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار فإنما تفهم وفق هذا الأصل، فلا يصح الاستناد إلى دعوى دلالة تلك الآيات على التكفير بمطلق الموالاة مع ذلك.
وأما الأساس الثاني للدلالة على التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وموالاتهم لمجرد غرض دنيوي فيستند إلى دلالة النصوص على أن موالاة الكفار لغرض دنيوي ليست كفراً لذاتها، ويكفي في الدلالة على ذلك ما جاء في قصة حاطب رضي الله عنه ، وما حصل منه من مكاتبة المشركين، ومظاهرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم تكفير النبي صلى الله عليه وسلم له، لما بين أن الحامل له على مظاهرتهم كان هو حماية أهله وماله بمكة، لا رضى بالكفر وردة عن الإسلام.
وقد كان هذا البحث في تقرير الدلالة في هذين الأساسين، وبيان اتفاق نصوص الكتاب والسنة في الدلالة عليهما ، ونقل أقوال العلماء المحققين في بيان وجه دلالة النصوص عليهما ، والرد على شبهات من يدعون دلالة النصوص على التكفير بمطلق موالاة الكفار. والحرص في ذلك كله على الاعتدال والتوسط، والبراءة من الغلو والجفاء في هذا الباب العظيم .
والله أسأل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به إنه سميع مجيب ،،


بقية البحث في المرفقات ، مع ملاحظة أنه كتب بخط لوتس فأرجو تنصيب الخط قبل قراءة البحث إن لم يكن لديك من قبل.

ويمكن تحميل البحث من هنا أيضاً .
 
قرأت البحث عدة مرات, واستفدت منه كثيراً, وكنت باحثت الشيخ المؤلف وفقه الله في طرف من هذه المسألة فذكر أن له فيه كتابة, وها هي بفضل الله, وإن سنح الوقت رجعت إلى بعض الوقفات حول هذا البحث المتميز الذي سبق أن تعرض له المؤلف في كتابه (ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة).
شكر الله لكم أبا محمد, وجزاكم خير الجزاء.
 
بارك الله فيكم يا شيخ عبدالرحمن على هذه الإفادة . ووفق الله الباحث لكل خير فقد أجاد وأفاد .
قرأت البحث وفيه فوائد ، لكن قد يرد سؤال : إذا لم يكن فعل حاطب رضي الله عنه من قبيل الأفعال الكفرية ، فما هو ضابط العمل الذي يكفر صاحبه إذاً ؟ وهو قد نصر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالممناصرة على من دون النبي صلى الله عليه وسلم أخف كما ذكر الشافعي في كلامه الجميل الذي نقله الباحث من كتاب الأم.
أم أنه يمكن أن يقال أنه متيقن من انتصار الرسول عليه الصلاة والسلام فعلم أن مناصرته لقريش بفعله هذا لن ينفعهم وسينفعه هو فلا ضرر من فعله ؟ كما قالت اليهودية التي أرادت تسميم الرسول وقتله فلما سئلت عن ذلك ، قالت : إن كان نبياً فلن يضره ، وإن كان كاذباً استرحنا منه .
يبدو أن البحث في حاجة إلى نقاش علمي يوضح كثيراً من الإشكاليات في الأمر التي قد تظهر للقارئ غير المتخصص مثلي . فهل يمكن أن يفتح هذا الحوار مع الباحث الكريم إن أمكن لطرح بعض الأسئلة ؟
أرجو ذلك لأن هذا من الموضوعات الشائكة ، والقول فيها والفصل يحتاج إلى التأني والمراجعة والله أعلم.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فإن بحث الشيخ وفقه الله يقوم على أن أ صل المولاة والمعاداة هو المحبة والبغض ... وأن من أتى بالمحبة للمؤمنين والبغض للكافرين فقد اتى بأصل الولاء وما دون ذلك فإنه يدخل في كمال الولاء

وهذا الكلام غير منضبط ؛ لأن فيه إهمالاً لقاعدة أهل السنة المحكمة والفاصلة بين أهل السنة والمرجئة وهي قاعدة تلازم الظاهر بالباطن ، وهي من المسائل التي اختلطت على الشيخ وفقه الله في كتابه (ضوابط التكفير) ولعل هذا البحث ثمرة لهذا الخلط !
فالشيخ هنا وفقه الله ذكر لنا جميع الأعمال الظاهرة التي تنافي كمال الولاء والبراء الباطن وتنقص من اصل البراءة من الكفار ولا تنافي اصلها أو تنقضها ، وجعل منها نصرة الكفار ومظاهرتهم وتوقيرهم وإكرامهم وتقديمهم ... إلخ
ولم يذكر الشيخ وفقه الله ما ينافي أصل البراءة من الأعمال الظاهرة !!!
فإذا كان الولاء والبراء له اصل وكمال في الباطن فلابد لهذا الباظن أن يستلزم أمراا ظاهرا بالضرورة ...
فإذا ذكر الشيخ ما ينافي كمال الولاء فنحن نطالبه بما ينافي أصله في الظاهر ...
وإلا فإن الله لا يعلق احكاما على أمور باطنة ، ولا يمكن أن يقال ان اصل الدين او ركن فيه لا يستلزم أمرا ظاهرا قط أو لا ينافيه شيء في الظاهر قط ...

ثانيا :
الشيخ وفقه الله ذكر ما له ولم يذكر ما عليه !
فنقل من النقولات ما يؤيد كلامه أو ما يظن انه يؤيد كلامه وأهمل ما يخالفه والذي على رأسه إجماعات لأهل السنة والجماعة تقضي بكفر من يظاهر المشركين على المسلمين وهذا ليس من صنيع المنصفين ، فهم ينقلون مالهم وما عليهم ويعرضون ما جاء في الباب كله ثم يرجحون أو يختارون !

ثالثا :
النصوص الشرعية أبطلت ما ذهب اليه الشيخ وفقه الله من أن المناصرة لغرض دنيوي لا يكفر فاعلها وذلك بصريح قوله تعالى :
((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) (52) [المائدة]
فذكر الله سبحانه وتعالى سببا صريحا ظاهرا لمن يتولى الكافرين من مرضى القلوب وهو قولهم:
" نخشى أن تصيبنا دائرة" فهذه هي حُجتهم التي فنّدها القرآن الكريم فكيف نجعلها هي هي عذرا لهم ؟!

وللحديث بقية إن شاء الله
والله الموفق
 
ولتوضيح وجهة نقدي أكثر أبسط القول قليلا في ما سبق :

ابتدأ الشيخ وفقه الله مبحثه ببناء الأصل الذي ينطلق منه وذكره في عدة مواضع حيث قال :
حقيقة أصل الولاء والبراء، وما يقتضيه بيان تلك الحقيقة من التفريق بين ما ينافي أصل الولاء والبراء وما ينافي كماله، وأنه كما لا يلزم من مطلق معاداة المؤمن للمؤمن انتفاء أصل الموالاة بينهما، فإنه لا يلزم من مطلق موالاة المؤمن للكفار انتفاء أصل البراءة منهم، وأنه إذا كانت موالاة المؤمن للمؤمنين لا تنتفي إلا بما ينافي أصلها، بحيث تكون عداوة المؤمن للمؤمن لأجل إيمانه، فإن البراءة من الكفار لا تنتفي أيضاً إلا بما ينافي أصلها
وقال :
وأما الأساس الثاني للدلالة على التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وموالاتهم لمجرد غرض دنيوي فيستند إلى دلالة النصوص على أن موالاة الكفار لغرض دنيوي ليست كفراً لذاتها
ثم قال :
وقد كان هذا البحث في تقرير الدلالة في هذين الأساسين، وبيان اتفاق نصوص الكتاب والسنة في الدلالة عليهما ، ونقل أقوال العلماء المحققين في بيان وجه دلالة النصوص عليهما ، والرد على شبهات من يدعون دلالة النصوص على التكفير بمطلق موالاة الكفار. والحرص في ذلك كله على الاعتدال والتوسط، والبراءة من الغلو والجفاء في هذا الباب العظيم .
***********************
وعلى هذا فإني اقول هذا المنطلق الذي انطلق منه الشيخ وفقه الله لتقرير المسالة غير صحيح وغير منضبط وذلك لأن الإيمان نفسه أصله الإيمان الذي في القلب !
ومع ذلك لايقال إطلاقا أنه لو اقتصر على الايمان الذي في القلب لكان مسلما بغير عذر !!!

بل هو كافر قطعا لان هذا الأصل يلزم منه لوازم هي بمنزلة الأصل وإن لم تسمى اصلا كالشهادتين وغيرها

والولاء والبراء ركن في اصل الإيمان وما يقال في الإيمان يقال في كل ركن من أركانه ...

ولذا فتقرير هذا الأصل دون ربطه بقاعدة تلازم الظاهر بالباطن خروج عن المنهج الحق وخلل في التحرير بلا شك

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

:" فإن الإيمان أصله الإيمان الذى فى القلب ولابد فيه من شيئين : تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته ويقال لهذا قول القلب ....... ولابد فيه من عمل القلب مثل حب الله ورسوله وخشية الله..."7 / 186
وقال :
" الإيمان والنفاق أصله في القلب وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليل عليه ، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه . ومعلومٌ أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصله المدلولُ عليه اهـ 2/453

وما يثبت أن الإيمان أصله في القلب من كلام اهل العلم لايخفى على الشيخ وفقه الله ...

ومع ذلك فانظر إلى كلام شيخ افسلام في تلازم الظاهر والباطن :
قال رحمه الله
" فلا يجوز أن يدعى أنه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة لا قول ولا عمل وهذا هو المطلوب، وذلك لأن القلب إذا تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة لا يمكن انفكاك أحدهما من الآخر فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور " 7/645
وقال :
" وهنا أصول تنازع الناس فيها ، منها إن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح وإنما يظهر نقيضه من غير خوف . فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح "

وفي المبحث : الشيخ وفقه الله لم يجعل لأصل الولاء والبراء الباطن عملا ظاهرا يحققة أو ينقضه

قال ابن القيم رحمه الله :
( الايمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية .
ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان. الفوائد ص 117
- وما يقال في الإيمان يقال في الولاء فإنه ركن فيه فيقال فيه أيضا" ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه "
وأرجوا ان يتسع صدر الشيخ وفقه الله لنا
والله الموفق
 
وعلى فرض أن الشيخ وفقه الله اصر على أن أصل الولاء والبراء الذي هو ركن التوحيد والإيمان لا يستلزم عملا ظاهرا ثبوتيا يحققه ولا منافيا يناقضه وجعله مدفونا هكذا في القلب لا يظهر إلا كماله ولا ينقض إلا بزواله !
فرغم بطلان ما سبق كما سبق
فإنا نحتج على الشيخ وفقه الله بآية من كتاب الله تنقض هذا الاصل وتثبت أن لأصل الولاء صور ظاهرة لا محالة تنقضه وتبطله ويلزم من وجودها في الظاهر زواله وبطلانه في الباطن ..
قال تعالى :
" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة"
فلو قيل إن الموالاة التي تستحق ان يكون المرء ليس من الله في شيء - يعني كافرا - هي الموالاة الباطنة لما كان لقوله تعالى إلا ان تتقوا منهم تقاة معنى !
فهي كقوله سبحانه وتعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره " كما ذكر اكثر المفسرين ...
فلو كان الكفر المذكور في الباطن كما يقول الشيخ لما كان لاستثناء المكره فائدة لانه لا إكراه على ما في الباطن..
واستثناء الإكراه والتقية في كلا الآيتين يدل على ان الكفر المقصود هو الكفر الظاهر لا الباطن وإلا لما كان للإستثناء معنى فإن الاكراه لا يكون على ما الباطن
وانا اختصر في العبارات والنقولات بقدر المستطاع لاني اعتبر نفسي بين مشائخي واخواني طلاب العلم مع التنبيه انه يمكن الاطالة كثيرا حول كل نقطة مما سبق ولكن كما يقال يكفي من القلادة ما احاط بالعنق..

والله الموفق
 
النقطة الثانية

وهي ان الشيخ وفقه الله في مبحثة كان ينبغي عليه ان يطرح كل ما في الموضوع من آراء

فهل يخفى على الشيخ وفقه الله أقوال أهل العلم في التكفير بمظاهرة المشركين على المسلمين مجردة عن الاعتقاد

هل يخفى على الشيخ حفظه الله نواقض الإسلام العشرة للشيخ محمد ابن عبد الوهاب ومنها مظاهرة المشركين على المسلمين .. أم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قيد النواقض كلها بالاعتقاد ؟!

هل يخفى على الشيخ وفقه الله الاجماع الذي ذكره الشيخ ابن باز في كفر من اعان الكفار بأي نوع من انواع المعاونة

ومن قبله إجماع ابن حزم وغيره

فإن خفي عليه و اظنه لا يخفى إن شاء الله فنذكره بطرف من ذلك ونحيله على البقية ...
لان في قلوبنا حزن أن يصف الشيخ مخالفه بأن لديه غلو في التكفير والله المستعان :

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

(وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ) مجموع الفتاوى والمقالات 1/274
فهل مثل هذا الإجماع يترك ولا يشار اليه ويستدل بكلام غيره من المعاصرين ؟!!

إن قوته ليست في أنه راي الشيخ رحمه الله ولكن قوته تكمن في أنه ينقل إجماعا يقضي على كل خلاف ...
وحتى لو كان رايا مجردا للشيخ فهو من القوة بمكان ألا يهمل فضلا من أن يوصف صاحبه بأن لديه غلوا أو نحو ذلك

وهذا الإجماع منقول ومقرر معناه ويفسر بعضه بعضا ودليه واحد عبر القرون وهو قوله تعالى : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".) . الدرر السنية 10/92

وقال أيضا :
( إن الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على المسلمين ـ ولو لم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين ). الرسائل الشخصية ص 272

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله ( الدرر8/326) : "فيمن أعان الكفار أو جرّهم إلى بلاد أهل الإسلام أنها ردة صريحة بالاتفاق"

وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ( الدرر15/479) : فيمن تولى الكفار ونصرهم وأعانهم على المسلمين أن هذه ردة من فاعله يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم" ..

وقال الشيخ سفر الحوالي حفظه الله "إن نصرة الكفار على المسلمين - بأي نوع من أنواع النصرة أو المعاونة ولو كانت بالكلام المجرد - هي كفر بواح ، ونفاق صراح ، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام - كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم - غير مؤمن بعقيدة الولاء والبراء" ..

لاحظ معي اخي الكريم أن ما سبق كله تقرير من اهل العلم - ومنهم المحققون بلا شك - أن المسالة مجمع عليها وكلهم يفسر التولي المكفر بالنصر والمظاهرة والمعاونة وكلهم يستدل بلآية نفسها على وقوع الكفر بمجرد الفعل ...
وأخيرا نصل إلى أقدم إجماع في المسالة ألا وهو :

قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (11/ 138) :
(صح أن قوله تعالى "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم" إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين )

ولقد اثار البعض شغبا حول هذا لإجماع ومراد ابن حزم رحمه الله من معنى التولي حتى أنهم حملوه وفسروه على أن التولي المذكور في الأية هو التولي على الدين !

ولكي أبين خطا هذا التوجه أنقل من كلام ابن حزم نفسه ما يوضح أنه رحمه الله قد عمل بمقتضى هذا الإجماع :
قال رحمه الله :
(وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والترك والسودان والروم من المسلمين، فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق؛ فهو معذور، فإن كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة؛ فهو كافر) اهـ.
المحلى 11/200
وقال أيضا : (ولو أن كافرا غلب على دار من دور الإسلام وأقر المسلمين بها على حالهم، إلا أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها، وهو معلن بدين غير الإسلام؛ لكفر بالبقاء معه كل من عاونه وأقام معه، وإن ادعى أنه مسلم) [اهـ.

فهل يقال بعد ذلك ان من يذهب لتكفر المعاون والمناصر والمظاهر للكفار عنده غلو في التكفير ؟!

هذا ولا اظن يخفى على الأخوة عشرات النقولات عن الأئمة رحمهم الله في هذا المعنى

ولعلها تاتي إن شاء الله في سياق التعليق على كلام الشيخ وفقه الله

والله الموفق
 
ذكرت فيما سبق أن الشيخ حفظه الله ووفقه قد انطلق في هذا المبحث من أن أصل الولاء هو المحبة وأن أصل البراءة هو البغض فمن حقق المحبة للمؤمنين والبغض للكافرين فقد حقق أصل الولاء وهذا أمر قلبي لا يطلع عليه احد إطلاقا الا الله سبحانه وتعالى وأنه ليس ثمة عمل ظاهر ينقض في باب الولاء والبراء ...
وبين فيما سبق بطلان ذلك وضربت مثلا بأصل الإيمان وأيضا أضرب معنى العبادة التي هي التذلل والخضوع أو كمال الذل وكمال المحبة ومع ذلك لا يقال ابدا ان من تحقق هذا في قلبه أنه عابد أو مسلم أو غير ذلك هذا كله غير صحيح وازيد هنا امرا هاما :

أن نفس المقدمة التي انطلق منها الشيخ حفظه الله ليست صحيحة !
فالولاء انوع وصور متعددة ، المحبة صورة مفردة منها وقد عرفه العلماء بمعان مختلفة قد تكون متلازمة وقد لا تكون والمحبة أحد هذه المعاني ..

والعجيب أن الشيخ حفظه الله قد نقل من اقوال أهل اللغة ما يعضد ذلك ولكنه حصر جميع هذه المعاني في المعنى الذي أراده وجعله اصله ومنطلقه ...

قال الشيخ وفقه الله في رسالته :

وجاء في الصحاح: ( الوَلْيُ: القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْيٍ ) ( ).(والوليّ ضد العدو) ( ). (والموالاة ضد المعاداة ) ( ).
(والمولى الحليفُ)

(والوِلاية بالكسر: السلطان. والوَلاية والوِلاية: النصرة. يقال: هم عليَّ وِلاية أي: مجتمعون في النصرة)( ).

وأزيد هنا ما جاء في لسان العرب من معنى الولاء :

" قال: والـمَوْلـى الـحَلِـيفُ، وهو من انْضَمَّ إِلـيك فعَزَّ بعِزِّك وامتنع بمَنَعَتك؛ قال عامر الـخَصَفِـي من بنـي خَصَفَةَ:
همُ الـمَوْلـى وإِنْ جَنَفُوا عَلَـيْنا وإِنَّا مِنْ لِقائِهم لَزُورُ
قال أَبو عبـيدة: يعنـي الـمَوالِـي أَي بنـي العم، وهو كقوله تعالـى: {ثم يخرجكم طِفْلاً والـمَوْلـى: الـمُعْتَقُ انتسب بنسبك، ولهذا قـيل للـمُعْتَقِـين الـمَوالـي، قال: وقال أَبو الهيثم الـمَوْلـى علـى ستة أَوجه: الـمَوْلـى ابن العم والعمُّ والأَخُ والابنُ والعَصباتُ كلهم، والـمَوْلـى الناصر، والـمولـى الولـي الذي يَلِـي علـيك أَمرك، قال: ورجل وَلاء وقوم وَلاء فـي معنى وَلِـيَّ وأَوْلِـياء لأَن الوَلاء مصدر، والـمَوْلـى مَوْلـى الـمُوالاة وهو الذي يُسْلِـمُ علـى يدك ويُوالـيك، "

وجاء في القاموس المحيط :
"الوَلْيُ: ي القُرْبُ، والدُّنُوُّ، والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ، وُلِيَتِ الأرضُ، بالضم. والوَلِيُّ: الاسمُ منه والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ. ووَلِيَ الشيءَ، وـ عليه وِلايَةً وَوَلايَةً، أَو هي المَصْدَرُ، وبالكسر: الخُطَّةُ، والإمارَةُ، والسُّلطانُ. وأوْلَيْتُه الأمْرَ: وَلَّيْتُه إياهُ. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابِعُ، والصِّهْرُ"


ولذلك فإن لنا أن نقول ان الولاء له عدة معاني منها النصرة والمحبة والقرب إلى غير ذلك مما ذكر وهو في اصل الوضع ...
وهذه المعاني قد تتلازم وقد لا تتلازم وكما قلت هي في اصل الوضع من معاني الولاء ، وفي اصطلاح الشارع كثير منها فلم نحصرها في معنى واحد ولماذا لا نتعامل مع كل هذه المعاني الصحيحة ونرى حكم الشرع في كل منها حال استعماله لها ؟!
فالواجب أن نراقب استعمال الشرع لأي من هذه المعاني لا ان نختزلها في صورةواحدة ونغض الطرف عن بقية الصور وكأن هذه الصور والمعاني ليس من معناه ...
فلو جئنا وقلنا عند قول الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " يعني نصراء وأحلاف فهو تفسير لغويا صحيح ولو قلنا أحبابا فهو أيضا صحيح ولو قلنا موالي لكان صحيح ايضا ولكن ايهما انسب للسياق وايهما مراد الشارع والذي اعطى حكم من يفعله بقوله " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "
ولقد فسر المفسرون بمقتضى ما سبق فجاء في تفسير القرطبي رحمه الله :

" قوله تعالى‏{‏ومن يتولهم منكم‏}‏ أي يعضدهم على المسلمين ‏{‏فإنه منهم‏}‏ بين تعالى أن حكمه كحكمهم؛ وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم "ابن أبي" ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة؛ وقد قال تعالى‏{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار‏} (‏هود‏:‏ 113‏)‏ وقال تعالى في ‏‏(آل عمران) {‏لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‏} (‏آل عمران‏:‏ 28‏)‏ وقال تعالى‏{‏لا تتخذوا بطانة من دونكم‏} (‏آل عمران‏:‏ 118‏) وقد مضى القول فيه‏.‏ وقيل‏:‏ إن معنى ‏{‏بعضهم أولياء بعض‏}‏ أي في النصر ‏{‏ومن يتولهم منكم فإنه منهم‏}‏ شرط وجوابه؛ أي أنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم؛ فصار منهم أي من أصحابهم‏" ا.هـ

وكثير من المفسرين على ذلك منهم من يفسرها بالمحبة ومنهم من يفسرها بالنصرة ومنهم من يفسرها بالولاء ( العتق )
ولكن لما كان الحكم المقرر لهذا العمل هو الكفر فقد يقيد البعض هذه المعاني بما يضبطه ، كالمحبة مثلا فلما كانت المحبة قد تختلط بالمحبة الفطرية او غيرها من أنواع المحبة الجائزة أو المباحة أو حتى المحرمة قيدت بالمحبة على الدين ليكون السياق متفق مع الحكم الذي حكم الله به .
وقد يستخدم هذا المعنى في سياق والمعنى الأخر في سياق آخر وكلها صحيحة فيقيد هنا ولا يقيد هناك ...
وسياتي مزيد بيان حول هذا إن شاء الله ...
والله اعلم
 
إن المشكلة أحيانا هي أن تهيمن فكرة معينة على رأس الباحث عند بحثه فيتخذها مرتكزا ويجعلها منطلقا ، وهذا يحعل الباحث أحيانا في تعامله مع النصوص وأقوال أهل العلم حاكما عليها لا محتكما إليها وهو أشبه بمن قيل فيه اعتقد ثم استدل ، ولذا تجده يعتصر النص أوالنقل حتى يخرج بما يشبه الفكرة التي سيطرت عليه فإن وجد فيها إشارة أو ذكر لما يريد ولو لم يكن له صله بالموضوع نفخ فيه وسلط الضوء عليه ولذا تجده يحيط بالنص إحاطة المعصم باليد فيوجه القارئ قبل النقل وبعده وربما أثناءه ويفسر قول العالم في هذا المكان بقول آخر له في سياق مختلف بل لعله بنقل لعالم آخر ليتصور القارئ وكأنه أمام سياق واحد في نقل واحد فلا يعطي للقارئ فرصة أن يتأمل المعنى أو يتدبر ما أمامه ، وهو مع كل ذلك لا يدعي انه استنباط أو تأويل أو ملحظ بل يزعم دائما انه نص الآية ومنطوق العالم ...

و الذي يحزن القلب أن يحصل هذا من الفضلاء اهل العلم والفضل يتبعون مثل هذا الأسلوب ( أحيانا ) فهو يعلم أن للعالم هذا مخالفون كثر أونه أوثق منه ,وأضبط بل إن لهذا العالم أقوالا واضحة وصريحة فيبدأ بما يتوافق معه من متشابه كلام العالم ومحتمله ثم يضعه في صورة المحكم بالأسلوب الذي سبق الإشارة إليه ثم يحمل كلامه الأخر على هذا المعنى ليحمل القارئ على ما أراد هو من النقل لا ما أراد صاحبه فيتصور القارئ ان ليس في المسالة غير هذا وانها على قول واحد لا يرد عليه اختلاف بل ويزيد أن المخالف لهذا غال وإنا لله وإنا إليه راجعون ...

و لو سألنا عن معنى التولي الذي فسره العلماء في قوله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، بعضهم أولياء بعض "
أهو المحبة ؟! أهو النصرة والمعونة ؟ أهو الميراث ؟ أهو العتق ؟ أهو الولاية والسلطان ؟
أي من هذه المعاني التي هي من معنى التولي لغة واصطلاحا أراد الله سبحانه وتعالى ؟
نجد الشيخ وفقه الله وغيره لم يتعرض لهذا إطلاقا !
إنما التركيز على نقطة معينة هي المنطلق والأساس أن التولي على الدين هو ما يستحق حكم الآية !
ما معنى هذا التولي ؟
لماذا لا تطرح التفاسير المعتمدة لهذه الآية وتترك للمتأمل أن يتأملها والقارئ أن يتدبرها ؟!
هذا وإن منطلقنا دائما وحجتنا الباقية والمتوافقة مع كلام اهل العلم وقواعدهم في الأصول والتفسير أن التولي في الآية هو" النصرة والمعونة" وهو ما عليه عامة المفسرين على إختلاف عباراتهم ، وان هذا المعنى الذي فسروا به التولي هو لغة واصطلاحا من معاني الولاء ، وأن الحكم في الآية ومن يتولهم منكم فإنه منهم صريح في تكفير من يظاهر الكفار وينصرهم ويعاونهم على المسلمين دون قيود ، وانه باعتراف الشيخ وفقه الله ليس ثمة دليل على أية قيود وإنما الأمر كما ذكر وفقه الله يرجع لمعنى التولي ! قال الشيخ في مبحثه :

والحاصل مما تقدم أن تقييد الكفر بموالاة الكفار بأن تكون الموالاة لأجل دين الكفار إنما يستند إلى حقيقة الولاء و البراء.....
وقال :
وهذا معنى ما قرره العلماء في النقول السابقة عنهم، على اختلاف عباراتهم، ويبين استنادهم إلى هذا الوجه ، وكونه كافيا عندهم في الدلالة على تقييد الكفر بموالاة الكفار لأجل دينهم أنهم لم يذكروا في مستند تقييدهم للموالاة أنه قد وردت نصوص أخرى تقيد الإطلاق في الآيات الواردة في الحكم بالكفر بموالاة الكفار، وأهمية ذلك أن يعلم أنه ولو لم يستدل بالنصوص الدالة على عدم الكفر بموالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي فإن مجرد العلم بحقيقة الولاء والبراء، والتفريق بين ما ينافي أصله وبين ما ينافي كماله فيه الدلالة الكافية على أن الكفر بموالاة الكفار ليس مطلقاً، بحيث يشمل كل موالاة لهم، وإنما هو مقيد بموالاتهم لأجل دينهم .
يعني ليس ثمة نصوص مقيدة
وقد أثبتنا فيما سبق الكثير من معاني التولي في أصل الوضع والاصطلاح ..

وبعد هذا نزعم أن معنى الآية واضح وصريح ومدعم بإجماع الأمة الذي سبق نقله فأي حجة بعد هذه الحجة وأي وضوح بعد هذا الوضوح ...

وسيأتي طرف من كلام أهل العلم حول هذا المعنى إن شاء الله
وارجوا من الأخوة أن يقبلوا عذري في التأخر لان لدي من الأشغال الشيء الكثير ( هذا إن كان يتابعني احد أصلا )

والله الموفق
 
بعدما اظهرنا المنطلق الذي ننطلق منه وهو بابراز معاني االولاء لغة وشرعا وبينا ان هذه المعاني قد تتلازم مع المحبة وقد لا تتلازم وأن المعنى المتفق عليه بين المفسرين ف معنى الولاء في الآية هو النصرة والمعونة...
نذكر هنا منطلقا اخر يمليه العمل بمقتضى قواعد الأصول ألا وهو :
أن لفظ الولاء هنا ( يتولهم ) لفظا مطلقا ( يشتمل كل معاني الولاء المذكورة سابقا ) وعلى فرض أن السياق أو نص الآيات لم تحدد ايا من هذه المعاني هو المقصود ..
وقد حكم الله سبحانه وتعالى على من يتخذ الكفار أولياءا بالكفر وانه منهم ..
فالأصل ان يكون هذا الحكم على إطلاقه في كل صورة من صور الولاء إلا ما استثنى الشارع نفسه ..
هذا هو الأصل وهو الذي تدل عليه قواعد اصول الفقه واللغة
فإن جاء وقال البعض أنتم تكفرون بكل صور الولاء نقول هذا هو الأصل إلا ما دل الدليل علىإخراجه من هذا الأصل ،كمحبة الأب والام الكافرين الفطرية وإكرامهم والانبساط لهم وطاعتهم في الحدود التي ذكر الشرع ...
وكقصة حاطب رضي الله عنه وما روري عن ابي لبابة رضي الله عنهم أجمعين وغير ذلك....
على تفصيل يرجع كله لهذا الأصل ..


وهذا طرف من كلام اهل العلم :
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية :

1- والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعا أن يتـخذوا الـيهود والنصارى أنصارا وحلفـاء علـى أهل الإيـمان بـالله ورسوله، وأخبر أنه من اتـخذهم نصيرا وحلـيفـا وولـيا من دون الله ورسوله والـمؤمنـين، فإنَّه منهم فـي التـحزّب علـى الله وعلـى رسوله والـمؤمنـين، وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الآية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد الله بن أبـيّ ابن سلول وحلفـائهما من الـيهود، ويجوز أن تكون نزلت فـي أبـي لُبـابة بسبب فعله فـي بنـي قريظة، ويجوز أن تكون نزلت فـي شأن الرجلـين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والآخر بنصرانـي بـالشأم، ولـم يصحّ بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بـمثله حجة فـيسلـم لصحته القول بأنه كما قـيـل. فإذ كان ذلك كذلك فـالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما عمّ، ويجوز ما قاله أهل التأويـل فـيه من القول الذي لا علـم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الآية نزلت فـي منافق كان يوالـي يهودَ أو نصارى، خوفـا علـى نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التـي بعد هذه تدل علـى ذلك، وذلك قوله: فَتَرى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ... الآية.

فهذا تفسير صريح من إمام المفسرين لمعنى التولي في هذه الآية بلا شك ..

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنَّ اللّهَ لا يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِـمِينَ.

2- يعنـي تعالـى ذكره بذلك، أن الله لا يوفق من وضع الولاية فـي غير موضعها فوالَـى الـيهود والنصارى مع عداوتهم الله ورسوله والـمؤمنـين علـى الـمؤمنـين، وكان لهم ظهيرا ونصيرا، لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللـمؤمنـين حرب.

3- أُولئكَ بعضُهمْ أوْلياءُ بَعْضٍ يقول: هاتان الفرقتان، يعني المهاجرين والأنصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على من سواهم من المشركين، وأيديهم واحدة على من كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض، وأن الله ورَّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة دون القرابة والأرحام،...
4- والَّذِينَ آمَنُوا الذين صدقوا بالله ورسوله، ولَمْ يُهاجِرُوا قومهم الكفار، ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام. ما لَكُمْ أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرضَ الحرب، مِنْ وَلايَتِهِمْ يعني: من نصرتهم وميراثهم. وقد ذكرت قول بعض من قال: معنى الولاية ههنا الميراث،
5- القول في تأويل قوله تعالى :
{وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
يقول تعالى ذكره: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بالله ورسوله، بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره، وأحقّ به من المؤمنين بالله ورسوله.
6- (من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء، أي قد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر)
وقوله على دينهم لا إشكال فيه لأنه قال بعد ذلك : (ومن تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم، أي من أهل دينهم وملتهم. فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه)
فهذا هو المفهوم الصحيح لكلام هذا الإمام فلا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض...
شاء أم أبى لأنه لازم له لا محيد له عنه لا أنه قيد !!!

- الإمام النسفي :

1- {ياأيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء} أي لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين. ثم علل النهي بقوله {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }[الانفال:37] وكلهم أعداء المؤمنين، وفيه دليل على أن الكفر كله ملة واحدة {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }[المائدة:15] من جملتهم وحكمه حكمهم، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }[المائدة:15] لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة {فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }[المائدة:25] نفاق {يُسَـٰرِعُونَ } حال أو مفعول ثانٍ لاحتمال أن يكون من رؤية العين أو القلب {فِيهِمْ } في معاونتهم على المسلمين وموالاتهم {يَقُولُونَ } أي في أنفسهم لقوله على «ما أسروا» {نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ }[المائدة:25] أي حادثة تدور بالحال التي يكونون عليها {فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ }[المائدة.
2- {أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }[الانفال:27] أي يتولى بعضهم بعضاً في الميراث، وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة وبالنصرة دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله {وَأُوْلُو ٱلاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ }[الأحزاب:6] وقيل: أراد به النصرة والمعاونة.
البيضاوي :
{وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى ٱلاٌّرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }
{وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } في الميراث أو المؤازرة، وهو بمفهومه يدل على منع التوارث أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين. {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } إلا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم لبعض حتى في التوارث وقطع العلائق بينكم وبين الكفار.
الثعالبي :

1- وقوله سبحانه: {وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }[الانفال:37]؛ وذلك يجمع الموارثَةَ والمعاوَنَةَ والنُّصْرة،

2- وقوله سبحانه: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء }[المائدة:15]: نهى اللَّه سبحانه المؤمنين بهذه الآية عَن اتخاذِ اليهودِ والنصارَىٰ أولياءَ في النُّصْرة والخُلْطة المؤدِّية إلى الِٱمتزاج والمعاضَدَة، وحُكْمُ هذه الآيةِ باقٍ، وكلُّ مَنْ أكثر مخالطةَ هذَيْن الصِّنْفين، فله حَظُّه من هذا المَقْت الذي تضمَّنه قوله تعالى: {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ..
- القرطبي :
وقد سبق النقل عنه وأيضا قال رحمه الله :

{أُوْلَـٰئِكَ} رفع بالابتداء. {بَعْضُهُمْ} ابتداء ثان {أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} خبره، والجميع خبر «إنّ». قال ٱبن عباس: «أولياء بعض» في الميراث؛ فكانوا يتوارثون بالهجرة، وكان لا يرث من آمن ولم يهاجر من هاجر فنسخ الله ذلك بقوله «وَأُولُوا الاٌّرْحَامِ» الآية. أخرجه أبو داود. وصار الميراث لذوي الأرحام من المؤمنين. ولا يتوارث أهل ملّتين شيئاً. ثم جاء قوله عليه السلام:
«ألحِقوا الفرائض بأهلها»
على ما تقدّم بيانه في آية المواريث. وقيل: ليس هنا نسخ، وإنما معناه في النصرة والمعونة؛ كما تقدّم في «النساء». {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} ابتداء والخبر {مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} وقرأ يحيى بن وثَّاب والأعمش وحمزة «من وِلايتهم» بكسر الواو. وقيل هي لغة. وقيل: هي من وليت الشيء؛ يقال: ولِيٌّ بيّن الوَلاية. ووالٍ بيّن الوِلاية. والفتح في هذا أبيَن وأحسن؛ لأنه بمعنى النصرة والنسب. وقد تطلق الوِلاية والوَلاية بمعنى الإمارة.............................. الرابعة ـ قوله تعالى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} الضمير عائد على الموارثة والتزامها. المعنى: إلا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون؛ قاله ٱبن زيد. وقيل: هي عائدة على التناصر والمؤازرة والمعاونة وٱتصال الأيدي.
ولتراجع الآية وكلام القرطبي رحمه الله ففيها تنوع استخدام أهل العلم لمعنى الولاء للكثير من معانيه ...

الإمام البغوي :

1- {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}، في العون والنصرة ويدهم واحدة على المسلمين، {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ}، فيوافقهم ويعينهم، {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ}.
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، أي: نفاق يعني عبد الله بن أُبي وأصحابه من المنافقين الذين يُوالون اليهود، {يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ}، (أي:) في معونتهم وموالاتهم، {يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}، دولة، يعني: أن يدول الدهر دولته فنحتاج إلى نصرهم إيّانا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه نخشى أن لا يتمّ أمر محمد فيدور الأمر علينا، وقيل: نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه من جدب وقحط، ولا يعطنا الميرة والقرض، {فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ}، قال قتادة ومقاتل: بالقضاء الفصل من نصر محمد على من خالفه، وقال الكلبي والسدي: فتح مكة، وقال الضحاك: فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك، {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ}، قيل: بإتمام أمر محمد ، وقيل: (هذا) عذاب لهم، وقيل: إجلاء بني النضير، {فَيُصْبِحُواْ}، يعني: هؤلاء المنافقين، {عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ}، من موالاة اليهود ودسّ الأخبار إليهم، {نَـٰدِمِينَ}.

2- {أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}، دون أقربائهم من الكفار. قيل: في العون والنصرة. وقال ابن عباس: في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة، فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام، وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكّة انقطعت الهجرة وتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا، وصار ذلك منسوخاً بقوله عزّ وجلّ: {وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ} (الأنفال: 75)، {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلـٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ}، يعني: في الميراث، {حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ}، قرأ حمزة: {وَلـٰيَتِهِم} بكسر الواو والباقون بالفتح، وهما واحد كالدلالة والدلالة. {وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ}، أي: استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا...



والله الموفق
 
[align=center]

مالي لا أجد الإخوان يتفاعلون مع الموضوع ؟!
على العموم سأختم هذه التعليقات ببيان بعض ما يستند اليه الشيخ في هذا المبحث ...
علما بانني أحرص على أن يكون الطرح جديدا ما أمكن لأني اعلم أن كثيرا مما قيل في هذه المسالة لا يخفى على إخواني فضلا عن شيخنا وفقه الله صاحب المبحث الذي أعلق عليه ..[/align]
 
إن المشكلة أحيانا هي أن تهيمن فكرة معينة على رأس الباحث عند بحثه فيتخذها مرتكزا ويجعلها منطلقا ، وهذا يحعل الباحث أحيانا في تعامله مع النصوص وأقوال أهل العلم حاكما عليها لا محتكما إليها وهو أشبه بمن قيل فيه اعتقد ثم استدل ، ولذا تجده يعتصر النص أوالنقل حتى يخرج بما يشبه الفكرة التي سيطرت عليه فإن وجد فيها إشارة أو ذكر لما يريد ولو لم يكن له صله بالموضوع نفخ فيه وسلط الضوء عليه ولذا تجده يحيط بالنص إحاطة المعصم باليد فيوجه القارئ قبل النقل وبعده وربما أثناءه ويفسر قول العالم في هذا المكان بقول آخر له في سياق مختلف بل لعله بنقل لعالم آخر ليتصور القارئ وكأنه أمام سياق واحد في نقل واحد فلا يعطي للقارئ فرصة أن يتأمل المعنى أو يتدبر ما أمامه ، وهو مع كل ذلك لا يدعي انه استنباط أو تأويل أو ملحظ بل يزعم دائما انه نص الآية ومنطوق العالم ...

أظنك كنت في غنية عن أن تقفو ما ليس لك به علم !

وليس بك حاجة إلى الدخول في ما كان يدور في نفس الشيخ ويهيمن على عقله ! لأنك لستَ طبيباً نفسياً ، ولم تعرض لنا الأشعة الضوئية والتلفزونية والمقطعية ( والتخرصية ) لعقل الشيخ ، وهل استدل ثم اعتقد ؟ أو اعتقد ثم استدل ؟

فهذه الأساليب يحسنها كل أحد !

فليس الشيخ عاجزاً أن يقول لك : ( إن المشكلة أحيانا هي أن تهيمن فكرة معينة على رأس الباحث عند بحثه ....) وحينها ستنبري لتذكرنا بأنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وأنه لا يجوز أن نشق قلوب الناس ونخبر عن نواياهم .. و.. و..

أما الشيخ عبد الله بن محمد القرني فرجلٌ مُلِأَ علماً وفهماً وذكاءً ، مكينٌ في تخصصه ، مليءٌ في بحثه ، عميقٌ في استدلاله .

ثم هو قبل ذلك وبعده بشرًٌ يصيب ويخطئ ، لكنه ليس جاهلاً يُفَرَّقُ له بين الاعتقاد والاستدلال !
 
أخي رجل من أقصى المدينة كلامك صحيح واعتذر عن هذا الكلام .... وفقك الله
والشيخ نحبه ونقدره وردي عليه لا يعني انتقاصه أو نتقاص قدره وعلمه وحاشاني أن أفعل ذلك ...
_____________
وألخص ما سبق للنتقل إلى قضية الغرض الدنيوي واثرها في التكفير وضوابطه :

ذكرت فيما سبق ان كون الولاء اصله المحبة لا يعني أن هذا الاصل لا يستلزم أعمالا ظاهرة
وذكرت أن الانطلاق في البحث من هذا المنطلق خطا ظاهر وغير منضبط
وذكرت من الدلالات على ذلك ان أصل الإيمان أيضا في القلب ولم يقل أن من حققه في الباطن فقد حقق اصل الإيمان دون ما يستلزمه من الاعمال الظاهرة
وذكرت في السياق أن العبادة اصلها الخضوع والتذلل وهذا صحيح ولكن لم يقلاحد من أهل العلم ان من حقق هذا الخضوع فقد حقق العبادة
بل إن أصل الإيمان في عبارات ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة جعله التصديق والمحبة وعبر بلفظ المحبة تعبير عن اعمال القلوب ولا يقال طبعا ان من حقق المحبة المذكورة دون لوازمها فقد حقق اصل الإيمان
وذكرت أن الولاء لا يقتصر معناه على المحبة فقط بل غن من معانيه في اللغة والاصطلاح النصرة وإن لم تكن ثمة محبة فقد تتلازم مع المحبة وقد لا تتلازم كما قال الله سبحانة وتعالى عن الكافرين من اليهود والنصارى " بعضهم أولياء بعض " مع قوله سبحانه وتعالى في اليهود ‏{‏وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة‏}‏ وقال في النصارى ‏{‏فنسوا حظا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة‏}‏‏.‏
والايات في ذلك كثيرة ...
وكذلك من معاني الولاء العتق والسلطان والميراث وغير ذلك من المعاني وقد نقلت من ذلك شيئا فيما سبق ..
وذكرت أن تفسير العلماء للولاء بالنصرة في اية التولي وغيرها هو الصحيح وهو ما يتوافق مع السياق ومنهم من يفسرها بالمحبة والمودة ويقيدها بأن تكون على الدين وهذا صحيح لا إشكال فيه ولا تعارض بين التفسيرين فالنصرة والمحبة من معاني الولاء وكذا الميراث وقد فسرت الآية وغيرها على كل هذه المعاني فما كان يستحق التقيد بأن يكون على الدين كالمحبة وغيرها قيد وما كان لا يلزم منه لانه يستلزم ذلك ضرورة كالنصرة والمظاهرة فلا يقيد والاصل عدم التقييد...
علما بأن أخر الآية يؤكد أن التولي المذكور لم يكن أبدا على الدين بل كان لغرض دنيوي وهو نص لا ادري كيف تذهب بنا الغفلة فنتجاوزه إلى التقات الكامات من هنا وهناك ... فقوله فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم " لم يسارعون فيهم ؟ هل لأجل محبتهم أو محبة دينهم ابدا والله بل كانوا قبل بعثة النبي صلى لل عليو سلم في حروب ضروس وبغضاء وتقاتل فهل جاء الاسلام ليحبب المشركين في اليهود ودينهم ؟ !!!
بل كما ذكر الله سبحانه وتعالى سبب المسارعة وهو قوله " يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة "
فمن أصدق من الله قيلا ؟
وذكرت ايضا ان المنطلق الصحيح المتوافق مع اصول البحث والاستدلال على فرض عدم التسليم بهذا التفسير هو أن يقال ان التولي هنا عام يشمل كل معاني التولي ومن يتولهم باي نوع من التولي فهو منهم فيقال ان جميع الصور تدخل في الاية ولا يستثنى منها الا بنص
فتكون كل صور التولي مكفرة إلا ما يدل الشرع على إخراجه من هذه الصور .... وهذا اصل
إلى غير ذلك مما ذكرت في ثنايا هذه الوقفات إن صح التعبير ...
وننتقل بعد ذلك إلى تتمة الرد والله المستعان
 
الغرض الدنيوي
أولا : الغرض الدنيوي لا اعتبار له في الأحكام لأنه أولا : أمر باطن والأحكام تناط بالأعمال الظاهرة
وثانيا : ليس وصفا منضبطا له حدود يمكن أن تناط به الأحكام فلا هو ظاهر و هو منضبط وأي منهما يبطل اعتباره في الأحكام الظاهرة
ثانيا : لا دليل صريح على اعتبار هذا الغرض في الأحكام الظاهرة .. بل الأدلة على عدم اعتباره كما سيأتي .
ثالثا : بعض الأعمال تكون لغرض دنيوي فتكون معصية وتكون لغرض ديني فتكون كفرا كما يقول من يتبنى ذلك ونقول له : هذه الأعمال في ذاتها مجردة عن الغرض الديني والغرض الدنيوي إما أتكون معصية وإما أن تكون كفرا فإن كانت كفرا وكانت لغرض دنيوي قالوا فتكون معصية قلنا هذا تسليم منكم بأن هذا العمل في الأصل هو كفر
وإن قالوا لا هو معصية في الأصل قلنا فما دخل الغرض الدنيوي هنا وما تأثيره وما فائدة ذكره ؟!
فإن قالوا هو كفر في الأصل وإذا فعل لغرض دنيوي كان معصية قلنا إذا سلمتم بان العمل في ذاته كفر وانتم لا تقولون ذلك !!! فألزمناهم الحجة من أقوالهم أنفسهم بدلالة الآيات على كون موالاة الكفار بمعنى نصرتهم ومظاهرتهم على المسلمين كفر مخرج من الملة ... وصدق الله " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "
رابعا : لو قيد آخرون جميع المكفرات بنفس القيد الذي قيد به الشيخ الكفر في مسالة الموالاة واستدل بنفس دليله فبماذا يرد الشيخ وفقه الله على ذلك ؟ فإن قال هو دليل خاص قيل لا دليل على التخصيص والأصل أن لا تخصيص إلا بنص ... فإن قال نعم هو عام في جميع المكفرات - وهذا ما نلزمه به - فقد ولج بابا عظيما من الإرجاء لم يسبق إليه ونحن يقينا ننزه الشيخ عن ذلك ولكن يبقى أن نلزمه بعموم دلالة دليله على جميع المكفرات ويكون جوابه هنا هو جوابنا ...
خامسا : الآيات تدل على عدم اعتبار هذا الغرض في الأحكام الظاهرة ، بل جعله الله سبحانه وتعالى في غير ما آية سببا لكفر جميع الكفار بل للمعاندين الذين هم أشد الناس كفرا وجحودا..
قال تعالى : عن الكفار {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} فأخبر سبحانه أنه لم يحملهم على الكفر إلا حظوظ الدنيا، فآثروها على الآخرة... فكيف يكون سبب كفرهم عذرا لهم ..
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
والثانية قوله تعالى : (( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة )) .
فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر ، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين . (كشف الشبهات)
وقال تعالى في اليهود : " {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}."
وقال تعالى : "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهما مما يكسبون " فهل هناك أصرح من هذا ؟!
وقال تعالى : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون"
وقال جل شأنه : "وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال مبين"
وقال تعالى : فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ...) وهذا نص في مسالة المولاة
وقال تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا " وهذا أيضا نص في الموالاة والنصوص الأول نص في حال الكافرين عموما وسبب كفرهم
وقال صلى الله عليه وسلم : "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافر ويمسي مؤمنا ويصبح كافر يبيع دينه بعرض من الدنيا " الحديث
قال الشيخ ابن باز رحمه الله " وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، فيصبح مؤمناً، ويأتيه من يقول له: تسب الله تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، ويصبح كافراً أو يمسي كذلك، أو يقولوا: لا تكن مع المؤمن ونعطيك كذا وكذا لتكون مع الكافرين، فيغريه بأن يكون مع الكافرين، وفي حزب الكافرين، وفي أنصارهم، حتى يعطيه المال الكثير فيكون ولياً للكافرين وعدواً للمؤمنين، وأنواع الردة كثيرة جداً، وغالباً ما يكون ذلك بسبب الدنيا، حب الدنيا وإيثارها على الآخرة؛ "
والله الموفق
وننتقل لدليل حاطب رضي الله عنه
 
موضوع شيق، لو يستمر في حدود الأدب الرفيع والنقد العلمي. وأرجو أن يستكمل بتعليق الدكتور عبد القرني.
ولي ملاحظة خاصة أرجو تقبلها بصدر رحب: مواضيع الدين لا تحتمل النقل عن مجهولين. والأخ (الموحد السلفي) يستخدم كنية مجهولة. وهذا ينقص من مصداقية خطابه.
ولا شك أن الكتابة في المنتديات الإسلامية العامة قد توقع في أنواع كثيرة من الحرج. غير أنني ارى انتفاء هذا الأمر في المنتديات العلمية مثل (منتدى أهل التفسير).
نسأل الله أن يلهمنا جميع الرشد والصواب والإخلاص والسداد والحكمة في كل أعمالنا
 
موضوع ذو علاقة بالكتاب والمسألة

موضوع ذو علاقة بالكتاب والمسألة

شكر الله لك أخي ( الموحد السلفي ) هذا الخلق الكريم .
وإتماماً للفائدة فقد تناول الإخوة في ( الألوكة ) كتاب الشيخ عبد الله القرني بالبحث والنقاش وللفائدة أحببت وضع الرابط هنا :

http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=4120&highlight=%E3%E4%C7%D8
 
حديث قصة حاطب رضي الله عنه

ذكر الشيخ وفقه الله حديث علي رضي الله عنه : ( بعثني رسول الله  أنا والزبير والمقداد بن الأسود، وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله  فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله  ، فقال رسول الله  : يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله  : قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )

وعلق الشيخ وفقه الله : وفي هذا الحديث الدلالة على أصلين، هما قوام الاستدلال على أن موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي ليست كفرًا. فأما الأصل الأول فما دل عليه الحديث من أن ما فعله حاطب  من مكاتبة قريش وإفشاء سر رسول الله  داخل في عموم موالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين، وأما الأصل الثاني فما دل عليه الحديث من أن حاطبًا  لم يكفر بتلك الموالاة؛ لأنها لم تكن موالاة للمشركين على دينهم، وإنما كانت لمجرد غرض دنيوي وهو حماية أهله وماله بمكة.

والتعليق على هذا أقول :
أما الأصل الأول وهو دخول فعل حاطب رضي الله عنه في عموم الموالاة فنعم وأهل العلم في التفريق بين الموالاة والتولي على حالين :
فمنهم من يفرق بينهما ويجعل التولي كفرا والمولاة ليست بكفر إلا أن تكون على الدين
ومنهم من يجعله بابا واحدا ويقسمه إلى قسمين موالاة مكفر ة ومولاة غير مكفرة
وهذا التقسيم بحد ذاته حجة على من يجعل كل صور الموالاة او التولي دون الكفر وسيأتي من يقول بهذا التقسيم في حينه ...
وعلى ذلك فأن إدراج بعض العلماء لفعل حاطب في باب الموالاة ليس معناه انه يعده من المظاهرة المكفرة كما دمج الشيخ بينهما في تعليقه !
والفعل قد يكون جنسه كفرا وهو ليس بكفر كالحلف بغير الله فهو كما جاء في الحديث "من حلف بغير الله فقد أشرك " ومع ذلك فهو ليس بشرك اكبر إلا على أوجه ذكرها اهل العلم
او كالطواف حول القبر وغير ذلك
وفعل حاطب يدخل في عموم الموالاة بل في عموم المظاهرة ايضا ومع ذلك فقد يصل إلى الكفر وقد لا يصل لأنه حالة خاصة و صورة محتملة كما سيأتي ... ..
والصورة المحتملة يجب فيها الإستفصال دون غيرها لورود الإحتمالعلى دلالتها ...و لان التكفير لا يقع بالظنون ولا بما يحتمل أكثر من وجه بل لا بد من القطععند ورود الاحتمال
أما الصور الظاهرة القاطعة فلا ايقال فيها بالاستفصال لأنها ظاهرة الدلالة وهذا أمر معروف لا يخفى على أحد
وهذا مثل ما يقال في ألفاظ السب الصريح والمحتمل فما كان صريحا في السب والاستهزاء فانه قاطع في استحقاق الحكم بالكفر على قائله ولو ادعى خلافه أما ما كان محتملا فالقول قول قائله ويجب هنا الاستفصال لورود الاحتمال في قصده " للمعنى المكفر " من اللفظ " لا لقصده الكفر " ولذا قال سبحانه وتعالى " لا تقولوا راعنا " لما كان اليهود يقصدون به الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ لانهم يعنون به الرعونة ..
وأبدله سبحانه بقوله " وقولوا انظرنا " ..والألفاظ قد تكون في أصل الوضع على معنى وفي الاستعمال والاصطلاح على معاني أخرى كما هو معلوم فيراعى معنى اللفظ في عرف الاستعمال خاصة في ألفاظ السب والتنقص وهل هذا اللفظ صريح في هذا المعنى أو لا في عرف الاستعمال فإن كان صريحا اخذ به وإلا فلابد من الاستفصال عند احتمال اللفظ لأكثر من معنى ...
وهذا أصل ( أي التفريق بين الصريح في الدلالة والمحتمل ) جاءت به الشريعة وقررته في الكثير من أبوابها ...
فمثلا في باب الشرك أختلف العلماء في صورة الطواف بالقبر هل هي شرك بذاتها أم أنها بدعة لا تكون شركا إلا إذا قصد تعظيم المقبور واتفقوا على الكثير من صور الشرك الصريح كالدعاء والذبح وغير ذلك
فإذا جاء وقال قائل نستفصل في كل صور الشرك فلا شك انه مخطئ ويحتاج أن يراجع أصوله ...
وهنا في قصة حاطب رضي الله عنه جاء الشيخ وفقه الله مع إقراره أن فعل حاطب محتمل الدلالة وسحب حكم فعل حاطب على جميع صور الموالاة وجعلها جميعا في حكم المحتمل من الأفعال ولم يراعي أنه صورة محتملة من جنس صور قطعية ...

فنحن لدينا ثلاثة أنواع من صورالموالاة :
1 - صور قطعية الدلالة على المولاة أو التولي وحكمها كفر مخرج من الملة ومن أظهرها التصريح بمحبة دين الكافرين والرضى به وأيضا نصرة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين ومعاونتهم بالرأي والنفس والمال وغير ذلك ... وهذه كفر مخرج من الملة
2- صور محتملة الدلالة على الموالاة فهي تدخل في عمومها وهي من جنس الصور السابقة كما أن الحلف والريا من جنس الشرك ولكنها تكون تارة على وجه الكفر وتارة تكون كبيرة من الكبائر والفرق بينها وبين التي تليها أن ذات العمل مختلف الدلالة بحسب القرائن وما يحيطه فتارة يكون موالاة ومظاهرة وتارة لا يكون كفعل حاطب رضي الله عنه
3- صور محرمة تدخل في عموم الموالاة كبعض أنواع التشبه والمصادقة والركون والبشاشة والمحبة وغير ذلك ..

فإذا رجعنا إلى فعل حاطب رضي الله عنه فنجده فعلا يدخل في عموم الموالاة وهو من جنس المعاونة والمظاهرة إلا انه فعلا محتملا في ذاته على هذا المعنى الأخير والشيخ يقر بذلك ..
والدليل على أن فعل حاطب من هذا النوع ( الثاني ) من صور الموالاة :
أذكر دلالتين على ذلك الأولى من كلام الشافعي رحمه الله :
والثانية هي اختلاف العلماء في حكم فعل حاطب
وكلا الدلالتين تقضيان أن صورة فعل حاطب رضي الله عنه من الصور المحتملة ... وهذا لا يعني ان ثمة صور صريحة ... هذا بالضرورة
قال الشافعي رحمه الله : " في هذا الحديث - مع ما وصفنا لك
طرح الحكم باستعمال الظنون ؛ لأنه لما كان" الكتاب يحتمل" أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام , وأنه فعله ليمنع أهله , ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام , " واحتمل المعنى الأقبح ," " كان القول قوله فيما احتمل فعله" , وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب "
في هذه الأسطر القليلة درر كثيرة ازعم انها تحل الإشكال في هذه المسالة لمن يتأملها حق التأمل إن شاء الله منها :
1-أن الشافعي بنى حكمه وكلامه على كتاب حاطب الذي شنع الشيخ وفقه الله على من ذكره وقال :
" وأما ما استند إليه في تبرير إخراج فعل حاطب عن كونه موالاة للكفار من أن حاطبًا قد كتب إلى المشركين يتوعدهم، ويدعوهم إلى الإسلام، فلم يذكر لقوله إسنادًا يحكم عليه، وقد ذكر الإمام القرطبي نحوما ذكره، وقال بعده: (ذكره بعض المفسرين). وذكره الحافظ ابن حجر ونسبه إلى بعض أهل المغازي، ولم يحكم عليه، وحكاه الشوكاني عن السهيلي، ولم يحكم عليه أيضًا(فأي حجة في مثل هذا. "
فالشيخ هنا لا يقر بما ورد عن كتاب حاطب للمشركين ومع هذا فإن الإمام الشافعي يستند في كلامه كله إلى ما ورد في كتاب حاطب وما يتضمنه فما يقول الشيخ الكريم ألان ؟!
هل يترك كلام الشافعي رحمه الله كله لأنه بناه على ما لا يحتج به عنده ؟!
أم كيف سيتصرف الشيخ ؟ هذا أمر هام جدا لعل الشيخ قد غفل عنه ونحن نتظر تعليق الشيخ على هذا ..
2-أن الشافعي رحمه الله صرح بان الكتاب الذي أرسله للكفار وما يحتويه يتضمن احتمال ثلاثة أوجه وهي :
- يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام , وأنه فعله ليمنع أهله
- ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام
- ويحتمل أن يكون على المعنى القبيح
فالشافعي رحمه الله يتكلم هنا عن كتاب وما يحتويه من كلمات ... يعني ركن مادي وعمل ظاهر.. وذكر أن هذا الكتاب يحتمل أن يكون على الثلاثة أوجه السابقة فالمرجع في احتمالية العمل هو الكتاب وما تحيطه من قرائن ظاهرة مقالية وحالية تدل على صدق حاطب فيما اخبر عند الاستفصال ولذا قال رحمه الله : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون ... فالحكم كان على الظاهر وبني على الظاهر ..
3-الإمام الشافعي رحمه الله يؤصل القاعدة التي سبق ذكرها وهي أن العمل يكون فيه الاستفصال عند ورود الاحتمال على دلالته وذلك بقوله " كان القول قوله فيما احتمل فعله" وقوله " : أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله  قال: (( قد صدق )) إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره، فيقال له: قد علم رسول الله  أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي  في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر، وتولى الله  منهم السرائر"
4-الاحتمال هنا في العمل ودلالته كما ذكر الشافعي رحمه الله وهو مضمون كتاب حاطب الذي بنى الشافعي حكمه عليه وذكر ما يتضمنه من احتمالات " كعمل ظاهر" وذكر أن هذا الحديث فيه طرح الحكم باستعمال الظنون ، والقرائن تدل على صدقه من أنه كان لصيقا في قريش ولم يكن منها وان له أموالا وأولادا يريد أن يحفظها بهذا الكتاب وانه يوقن بأن الله ناصر دينه ومعلي كلمته فالقرائن الحالية والمقالية تدل على صدقه مع احتمال الوجه القبيح ... كل هذا في " عمل ظاهر " رسالة مكتوبة "
ولكن الشيخ وفقه الله غض الطرف عن كل هذا وجعل الاحتمال ليس في عمل حاطب الظاهر" الكتاب وما يحتويه " ولكن في " قصد حاطب " الباطن فجعل مدار الأمر على قصد الكفر أو مودة الكافرين لدينهم دون اعتبار للعمل الظاهر ! ... وهذا خطأ ظاهر لمن يتأمله !
وليته وفقه الله قصر هذا الأمر على فعل حاطب بل سحب حكمه على كل صور المولاة هكذا بضربة لازب
لا فرق بين محتمل الدلالة ولا قطعيها ولا ادري ما فائدة أن يقرر الشيخ وفقه الله احتمالية فعل حاطب بقوله :
" وما ذكره الإمام الشافعي في دلالة قصة حاطب  على الاحتمال في فعله، وأن النبي  لم يكفر حاطبًا؛ لأن فعله يحتمل الكفر وما دونه فقه متين، والدلالة فيه واضحة، لا ينكرها إلا جاهل بما بينه الإمام الشافعي أو جاحد معاند."
" فأي فقه استفيد من كلام الشافعي وكلامه رجمه الله عن الحكم الظاهر وكلام الشيخ كله الحكم بالظنون والبواطن والأغراض ؟!
5-مما يؤكد أن فعل حاطب رضي الله عنه فعلا محتملا قول الشافعي رحمه الله :
" وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيّـن.
"
فقوله ليس بكفر بين يعني أمورا :
أن من صور الموالاة ما يكون كفرا بينا في الظاهر وهي مظاهرة المشركين وممالأتهم على المسلمين وهذا مفهوم كلام الشافعي رحمه الله
ويعني أيضا أن فعل حاطب ليس بكفر بين وهذا لا يقال في الذنوب والمعاصي فمثلا الزنا وغيره من الكبائر لا يقال فيه ليس بكفر بين بل يقطع أنه ليس بكفر فقوله ليس بكفر بين يدل ‘لى انه يحتمل الكفر بذاته ويحتمل أن يكون غير ذلك بحسب القرائن على ما سبق عنه رحمه الله ورضي الله عنه ..
6- قول الربيع رحمه الله في بداية النقل : " قيل للشافعي رحمة الله عليه: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم، هل يحل ذلك دمه، ويكون ذلك دلالة على ممالأة المشركين على المسلمين؟.
" فقوله " ويكون ذلك دلالة على ممالأة المشركين على المسلمين " تدل أن ممالأة المشركين بمعنى مظاهرتهم ونصرتهم على المسلمين كفر وأن هذا مقرر عند الشافعي والربيع والإشكال في دلالة هذه الأعمال على هذا المعنى المكفر .... ولو قيل فقط ممالة المشركين لكان يمكن تفسيرها على المحبة أو الموافقة ولكن العبارة " ممالأة المشركين على المسلمين " فهل هناك أوضح من ذلك ؟!
-7-قول الشيخ وفقه الله "وكان جواب الإمام الشافعي بأن ما ذكر مما هو من مظاهرة المشركين، وما هو أبلغ منه في المظاهرة، وهو التقدم في نكاية المسلمين، بأن يقاتل المسلمين مع المشركين ليس من الكفر البين. وإنما قال الإمام الشافعي إن التقدم في نكاية المسلمين ليس بكفر بين " مغالطة واضحة أسأل الله أن يغفر له
فقول الشافعي رحمه الله "" وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيّـن. " فقوله أو يتقدم عائد على الكافر الذي يحذر الغرة لا على المسلم الذي يدل على العورة والدليل على ذلك استدلاله بحديث حاطب رضي الله وليس فيه سوى الدلالة ..
وأيضا السؤال الذي ذكره الربيع رحمه الله كان حكم المكاتبة إلى الكفار ومدى دلالتها على ممالأة المشركين على المسلمين وذلك بقوله : " قيل للشافعي رحمة الله عليه: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم " فكيف يقال أن الشافعي أجاب عن حكم ممالأة المشركين على المسلمين رأسا واستدل بفعل حاطب ففهم الشيخ وفقه الله أن النكاية بالمسلمين حصلت من المسلم خطا والله أعلم ..
وما بناه على ذلك أيضا خطا وتكرار الشيخ أن الشافعي أجاب عن حكم " مظاهرة المشركين" مرارا لا ينفع ، فالشافعي أجاب عن سؤال واضح بإجابة سبق التعليق عليها والدليل مطابق لما سئل عنه ...
ولذلك فإن قول الشيخ :

- وكان جواب الإمام الشافعي بأن ما ذكر مما هو من مظاهرة المشركين، وما هو أبلغ منه في المظاهرة، وهو التقدم في نكاية المسلمين، بأن يقاتل المسلمين مع المشركين ليس من الكفر البين...
- ومقتضى قول الإمام الشافعي هذا أنه يجزم بالإحكام في دلالة حديث حاطب على عدم التكفير بمظاهرة المشركين لغرض دنيوي
- ومستند الإمام الشافعي في قصة حاطب  على أن مظاهرة المشركين ليست من الكفر البين أن النبي  لم يحكم بكفر حاطب بمجرد ما حصل منه من مظاهرة المشركين، مع أنه لا أحد يمكن أن يأتي في مظاهرة المشركين...
- ومع تشديد الإمام الشافعي في شأن ما حصل من حاطب من مظاهرة المشركين إلا أن ذلك عنده ليس من الكفر البيّـن؛ لأن فعل
- ثم نبه الإمام الشافعي بعد ذلك على أمر مهم، وهو أنه قد يقع في النفس ترجيح الاحتمال بالكفر بمجرد الموالاة الظاهرة للمشركين،
ويحذر الإمام الشافعي من الاستناد إلى مجرد دلالة الفعل في ذلك، وإن غلب على النفوس من ذلك ما يغلب، والاكتفاء بدلالة القول، لكونه وحده المنبئ عن الاعتقاد الباطن في حال مظاهرة المشركين لأجل دينهم.
كل ما سبق وغيره إيهام أو إيحاء للقارئ بإغراقه بالتكرار أن الشافعي أجاب عن حكم " مظاهرة المشركين" خطا يؤخذ على الشيخ غفر الله له ونجل الشيخ أن يفعل مثل هذا ...
ومن يتأمل السؤال والجواب ودليله ينبغي أن يجل الإمام الشافعي رحمه الله ويحفظ له قدره ...
ولكن الإشكال هو في تركيب المعاني ! فلما جزم الشيخ وفقه الله أن المكاتبة والدلالة هي من جنس المظاهرة ( وهذا صحيح ) بل جعلها اشد أنواع المظاهرة ضررا بالمسلمين فتصور - مع ما سبق التنبيه عليه - أن الشافعي أجاب عن حكم المظاهرة واخذ يكرر هذا ويستعمله في اكثر من عشر مواضع في صفحة أو صفحتين وهذا خطأ قصده الشيخ أم لم يقصده ...
فليس من شك أن تأمل السؤال والجواب واجب والتدقيق فيهما لابد أن يكون على نفس الدرجة فإذا كان السؤال عن مدى دلالة هذه الأعمال على المظاهرة أو الممالأة وكان الجواب هو أن هذه الأعمال محتملة الدلالة على ذلك المعنى والدليل هو حديث حاطب فكيف جاء هذا الفهم الغريب ؟!
فالدلالة وما فعل حاطب عمل ظاهر وهو من جنس المظاهرة والموالاة والممالأة لا شك ولكن الشافعي جعله محتملا بذاته على هذه المعاني فكيف نسحب حكم هذه الصورة على الأصل الذي لم تتحقق دلالة هذه الصورة عليه ؟!
ولا شك أن ثمة أعمال هي اقطع في الدلالة منه فمن يقود جيوش الكفار رافعا رايتهم لقتال المسلمين أو يمدهم بالسلاح والرأي والمشورة أظهر في الدلالة على الممالأة والموالاة من من يكاتبهم من بعيد وفي خفيه ومقابل مال مثلا على إرادة ظهور الكفار ورفع راية الكفر وإن كانوا في الكفر سواء ... إلا أن يدل دليل ظاهر أو قرائن ظاهرة حالية أو مقالية على أن الأخير كان كفعل حاطب وأنى له . .
8- - قول الشيخ بناءا على ما سبق :
" وما ذكره الإمام الشافعي هنا عام في التفريق بين ما هو كفر لذاته وبين ما يكون الكفر به متعلقًا بالباطن، بحيث لا يحكم على فاعله بالكفر إلا من جهة دلالة القول على الكفر الباطن. فما كان كفرًا لذاته لم يشترط في تكفير المعين به التثبت من اعتقاده الباطن بدلالة القول عليه، وإنما يكتفى بالتثبت من تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه في حقه، بخلاف الذنوب التي دون الكفر، فإنها لا تكون كفرًا لذاتها، وإنما يكون الكفر بما يكون في الباطن من الاعتقاد الذي هو كفر، كاستحلال المعصية"
أقول تقسيم الكفر إلى ما هو كفر لذاته وبين ما يكون الكفر به متعلقًا بالباطن هو راجع إلى تقسيم الأعمال على كفر وما دون الكفر أي معاصي وذنوب وليس هناك نوع كفر يسمى كفر متعلق بالباطن بل الأعمال على قسمين كفر أكبر مخرج من الملة ، وذنوب دون ذلك كبائر وصغائر لا تكون كفر إلا بالاستحلال أو الجحود
ولا تسمى كفرا متعلقا بالباطن يعني لا تعد نوعا من الكفر وإلا فجميع الذنوب قد نعدها من هذا النوع من الكفر ... ولم يقل بذلك احد! والشيخ وفقه الله في غالب مباحثه وكتيه يميل إلى تأصيل نظرياته بوضعها أصولا وقواعد كما في كتابا لضوابط وهذه خطورتها !
فأراد الشيخ هنا وفقه الله أن يحدث نوعا من الكفر متعلقا بالباطن ليقول بعد ذلك أن الكفر في الموالاة كفر نفاق باطن وان هذه الأعمال تدخل في هذا النوع وان كلها ليست دليلا عليه بذاتها بل تفتقر إلى الإستفصال كما حدث مع حاطب ، بحيث لا يحكم على فاعله بالكفر إلا من جهة دلالة القول على الكفر الباطن للتحقق من كفر الباطن الذي ذكره وهذا كلام غير مسئول وبعيد عن التحقيق العلمي تماما ....
وقول الشيخ :" فما كان كفرًا لذاته لم يشترط في تكفير المعين به التثبت من اعتقاده الباطن " خطا أيضا لانه لا دخل للباطن في كلا الحالتين سواء في الكفر بذاته أو ما كان كفرا بالاستحلال وغيره فالحكم كله بالظاهر فمن استحل المحرمات كفر بالاستحلال وقوله أني استحل هذا في الباطن أو لا لا اعتبار له في الأحكام الظاهرة ومسالة الإستفصل ليست للتحقق من الباطن كما يذهب الشيخ بل هي للتحقق من قصد المكلف للعمل المكفر أو المعنى المكفر لعدم قطعية دلالة العمل على هذا ...
فلو قال لفظا يحتمل التنقص للنبي صلى الله عليه وسلم او قال كلاما يحتمل الإقرار بحاكمية غيرا لله سبحانه وتعالى كلفظ الديمقراطية مثلا فالإستفصل هو عن المعنى المقصود من اللفظ وهل هو يقصد المعنى المكفر من اللفظ أم المعنى الأخر فإن قال أقصد بالديمقراطية الحرية والتمدن مثلا فقد قصد معنى يحتمله اللفظ لا سيما وهو لفظ محدث كان القول قوله فيما احتمل ...
ولا نقول هنا كل الألفاظ ترجع إلى هذه القاعدة أو ان جميع الألفاظ مبنية على هذا اللفظ ... فهذا خطا لا شك في ذلك
والصحيح هو ما قرر بفضل الله من كلام الشافعي رحمه الله من أن نفس كتاب حاطب والذي هو "العمل الظاهر" يحتمل في نفسه ما ذكره فكان الإستفصال في مورد الاحتمال لا أن الحكم متعلق بالباطن وان الإشكال في القصد والغرض أو غير ذلك ...
وكانت صورة الدلالة أو المكاتبة تحتمل أن تكون كفرا وتلحق بالممالأة أو المظاهرة ويحتمل أن تكون غير ذلك بحسب القرائن الظاهرة ويكون حكم فعل حاطب أصلا في هذه الصورة فقط لا سيما وهي قضية عين ، وتبقى دلالة النصوص في صورة المظاهرة والنصرة على ما هي عليه بحسب ما سبق


والله أعلم
يتبع إن شاء اله
 
فيما سبق سلطنا الضوء على كلام الإمام الشافعي رحمه الله واظهرنا دلالته ..
وبينا أن الشافعي رحمه الله بنى كلامه وحكمه على كتاب حاطب رضي الله عنه
وأن هذا هو الظاهر الذي بنى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام حكمه مع قول حاطب لما استفصل منه
وذكرنا ان الشافعي رحمه الله قرر أن فعل حاطب من الافعال المحتمة للكفر وغيره وان هذا أصل في هذه القاعدة
وهذا دليل في حد ذاته على أن من العمال ما هو قطعي في الدلالة لمن يتأمل ..
وبينا خطا الشيخ وفقه الله في سحب هذه القاعدة على الأعمال الصريحة الدلالة وو خطأ لا شك فيه
وبينا أن الدلالة والمكاتبة للكفار بعورات المسلمين هي وإن كانت من جنس المعاونة والموالاة إلا أنها قد تحتمل معنى آخر إذا كانت على مثل فعل حاطب، وذكرنا امثلة على ذلك وأزيد هنا كلام شيخ الإسلام رحمه الله تدعيما لهذه القاعدة :
-(( وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن قال لشريف أي من أهل البيت : يا كلب يا ابن الكلب . فقيل له : إنه شريف ، فقال : لعنه الله ، ولعن من شرّفه .. فهل يجب قتله أم لا ؟ وشهد عليه بذلك عدو له .
فأجاب : ( لا تقبل شهادة العدو على عدوه ولو كان عدلا ، وليس هذا الكلام بمجرّده من باب السب الذي يقتل صاحبه ، بل يستفسر عن قول ( من شرّفه ).

- فإن ثبت بتفسيره أو بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد لعن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قتله .

- وإن لم يثبت ذلك ، أو ثبت بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد غير النبي صلى الله عليه وسلم مثل أن يريد لعن من يعظّمه ، أو يبجّله ، أو لعن من يعتقده شريفا ، لم يكن ذلك موجبا للقتل باتفاق العلماء ، لا يظن بالذي ليس بزنديق أنه يقصد لعن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن عرف من حاله أنه مؤمن ليس بزنديق ؛ كان ذلك دليلا على أنه لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب قتل مسلم بسب أحد من الأشراف باتفاق العلماء ،إنما يقتل من سب الأنبياء ..) أهـ مجموع الفتاوى (35/120) .

وذكرنا أن الشيخ وفقه الله ( فيما ارى ) قد اختلط عليه كلام الشافعي رحمه الله مما ذهب به إلى ان الشافعي يقرر حكم مظاهرة المشركين على المسلمين وليس كذلك كا سبق... وهذا من خلال أمرين :
الأول: قول الشافعي رحمه الله " وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيّـن.
" فظن وفقه الله أن قول الشافعي رحمه الله " أو يتقدم في نكاية المسلمين " عائد على المسلم الذي دل وخابر والصحيح انه يعود على الكافر وقد سبق بيان الدليل
والثاني : أنه ظن أنه طالما ان الدلالة والمكاتبة قد تكون اخطر على المسلمين من غيرها من الصور وأنها من جنس المناصرة والمظاهرة فإن كلام الشافعي يشملها تضمينا او لزوما وهذا خطا وقد بينا انه لا يلزم أن يكون الشيء من جنس معين أن يكون له حكمه وكلام شيخ الاسلام السابق يوضح ذلك ...
والمسالة لا تقاس بالخطورة إطلاقا !!!
وهذا خطا يقع فيه الكثير من الفضلاء فإن المرء يكفر بمجرد محبة أوإرادة ظهور الكفار وهو عمل قلبي لا يمثل ايه خطورة وينتقض معه ولاء المسلم ويكفر ويخرج من الملة ويكون عدوا لله ولرسوله وللمسلمين ...
وفي الجهة المقابلة قد يقتل المسلم النفر الكثير من المسلمين ويفجر بهم ويهدم منازلهم ويستولي على أموالهم ويظلمهم كما فعل الحجاج بن يوسف أكثر من ذلك ومع كل هذا لم يكفره احد من أهل العلم رغم كل ما فعله ومن كفره كفره لغير هذا المعنى ... بل عد هذا من فسوقه وضرب به المثل في الظلم
فالقضية ليست خطورة العمل -وإن كان لها وزنها من جهة تغليظ العقوبة - وهي شبهة استحكمت على الكثير
القضية أن إرادة ظهور الكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة وهو عمل قلبي مكفر ...
وهذا العمل القلبي له لوازم في الظاهر تحققه شأنه شان جميع أعمال القلوب ....
هذه اللوازم بالضرورة هي اعمال ظاهرة ، قد تكون قطعية الدلالة على تحقيق هذا العمل القلبي وقد تكون محتملة ومنها اعمال محرمة ليست ملزومة له
الشيخ وفقه الله يجعل هذا العمل لقلبي دفين القلب ليس له لازم يحققه .... وهذا خطا سبق بيانه في أول مشاركة
والإشكال ليس في هذا المبحث بل الإشكال راجع لكتاب الضوابط حيث خرق قاعدة التلازم بين الظاهر والباطن وفتتها وابطلها وكسر الحاجز المميز بين أهل السنة والمرجئة فلم يبقي لنا من قاعدة التلازم اي تلازم !... واحتاجت الضوابط إلى ضوابط وروابط ! وليس هذا حديثنا ولكن الشيخ وفقه الله هذا منطلقه والله يوفقنا واياه إلى سواء السبيل ..
هذا العمل القلبي وهو إرادة ظهور الكفار وانتصارهم على المسلمين يحققه قطعا مظاهرتهم ومناصرتهم ومعونتهم بالنفس والمال والرأي والمشورة ولذا كان الإجماع على كفر من يظاهر المشركين علىالمسلمين ظاهرا وأدلته واضحة والفتوى على ذلك على مر العصور - كما سيأتي - ، وكان من المقررات في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من نواقض الإسلام العشرة : الناقض الثامن :ـ هو مظاهرة المشركين على المسلمين والدليل هو قوله تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وتوارث هذا الفقه اجيال من بعده رحمه الله ثم جاء من يقول لنا اليوم هذا كله غلو في التكفير !!!
فإنا لله وإنا غليه راجعون
- هذا العمل القلبي هو كالتعظيم تماما وما ينافيه من أعمال في الظاهر كالسب وغيره هو من لوازمه
وهكذا في كل اعمال القلوب كما هي قاعدة أهل السنة والجماعة في تلازم الظاهر بالباطن...
ومع ذلك كله قد تأتي أعمال محتمله في السب والشرك والحكم والموالاة وسائر أعمال الكفر يستفصل فيها عن قصد قائلها أو فاعلها لاحتمالها وعدم قطعية دلالتها على هذا العمل القلبي المكفر ..
وهذا الإستفصال عن القصد ليس هو " قصد الكفر " كما يقول البعض و ليس للتعرف على الباطن كما يقول الشيخ !
بل للتحقق من أنه قصد المعنى المكفر الذي يحتمله القول أو الفعل أو قصد المعنى الآخر الذي يحتمله أيضا القول أو الفعل ...
فاحتمالية العمل تسبق إحتمالية القصد .. لا ان العمل قد يكون قطعيا والقصد يحتمل كما يقرر الشيخ في الضوابط !
والحكم بالظاهر على طول الخط وليس للباطن أي اتصال بالحكم إلا قصد العمل وإرادة المعنى والذي قد يكون العمل قطعي الدلالة عليه وقد يحتمل فيستفصل ...
هذا ما اردت تثبيته لتصور فعل حاطب رضي الله عنه ووضعه في موضعه الصحيح مع ما سبق من تعليق على كلام الشافعي رحمه الله وسأكمل إن شاء الله
وانا آسف لتكرار بعض المسائل ولكن قد تفوتي بعض المعاني اريد ان اسجلها فيفوتني ذلك في ما سبق
والله الموفق
 
نقاش علمي ممتع بارك الله في الجميع .
 
يقول الشيخ وفقه الله : "والذي يستنتج من كلام الإمام الشافعي أن الكفر بموالاة الكفار عنده هو من الكفر الباطن، الذي يكون به النفاق وإن لم يدل عليه دليل في الظاهر، وأن ما يكون في الظاهر من موالاة الكفار لا يكفي لذاته عند الإمام الشافعي دليلًا على الكفر الباطن، وأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بدلالة القول"

والتعليق على هذا
أننا بينا بطلان ذلك وان ليس في كلام الشافعي أن ثمة نوع من أنواع الكفر يسمى كفر الباطن يبقى دفين القلب لا لوازم له تنقضه في الظاهر ،
وإذا تجاوزنا هذا اللفظ فنقول إن هذا يكون كما قرر الشافعي بلفظه في صور محتملة يكون فيها الاستفصال عن( الكفر الباطن ) لا يجري حكمها بالضرورة على الصور الواضحة والصريحة والتي من أبرز صورها مظاهرة المشركين على المسلمين بالنفس والمال والسلاح والرأي والمشورة ...

وذكرنا فيما سبق أن ليس هناك شيء اسمه كفر باطن لا دليل عليه في الظاهر ،.. فلا تعلق لأي من أنواع الكفر بالباطن حتى النفاق وهو كفر باطن له في الظاهر ما يلزمه من أعمال وإن أخفاها المنافق تحت عارض السيف ولكن كما قال سبحانه " وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن " فالمنافق يظهر ما في باطنه من كفر ونفاق فما يسر من سريرة إلا ظهرت على صفحات وجهه وفلتات لسانه ... وقال سبحانه " ولتعرفنهم في لحن القول "
فلا يقول بمسألة الكفر الباطن إلا من خرق قاعدة التلازم بين الظاهر والباطن وقد سبق الإشارة إلى موقف الشيخ وفقه الله وأنه وفقه الله جعلها مرقا بيننا وبين أهل الإرجاء فأعطانا منه جزءا وجعل لأهل الإرجاء منها ثلاثة اجزاء - هدية للمرجئة من عالم سلفي قح - بعد أن كانت قاعدة مصمتة لا ترى فيها عوجا نضرب بها في وجوه المرجئة أو من تأثر بهم ولعله ياتي في هذا مزيد بيان ...

وقول الشيخ واستنباطه :
" ..فإنه إذا كان ما فعله حاطب من مظاهرة المشركين هو أظهر ما يكون من موالاة الكفار في الظاهر، ولم يمكن الحكم على حاطب بالكفر لعدم إمكان دلالة الفعل لذاته على ذلك لم يمكن الحكم على شيء من الموالاة الظاهرة للكفار أنها كفر لذاتها، لأنها دون ما حصل من حاطب من مظاهرة المشركين على رسول الله  . وهذه النتيجة المستنبطة من قصة حاطب عند الإمام الشافعي تتفق مع ما سبق تقريره في بيان دلالة الآيات الواردة في الحكم بالكفر بموالاة الكفار، وأنها مقيدة بموالاة الكفار على دينهم، على ما سبق تفصيله."

هذا كلام غير صحيح والشافعي رحمه الله لم يتعرض إطلاقا لحكم مظاهرة المشركين والذي يتامل السؤال والجواب والدليل الذي هو قصة حاطب يعرف ذلك جيدا .

يقول الشيخ وفقه الله :
وتأمّل بإنصاف جواب حاطب  للنبي ، وأنه قد فرق بين موالاة الكفار لأجل دينهم وبين موالاتهم لمجرد غرض دنيوي، حيث نفى عن نفسه أن يكون قد ظاهر المشركين عن شكٍّ في الإسلام وردة عنه، لكنه أقرَّ بأنه قد فعل ما فعل لحماية أهله وماله بمكة، ومع علمه أن موالاة الكفار لغرض دنيوي معصية شنيعة إلا أنه يعلم أيضًا أنها ليست كفرًا، ولو كان حكمهما عنده واحدًا ما كان لاعتذاره وتفريقه بين الحالين معنى، وقد أقرّه النبي  على هذا التفريق، وأخبر بصدقه في نفي النفاق عن نفسه، وأخبر بأن ما حصل منه من المعصية التي دون الكفر قد غفرها الله له بشهوده بدرًا، فأي حجّة لمن يدّعي المساواة بين موالاة الكفار على دينهم وبين موالاتهم لمجرد غرض دنيوي بعد هذا ؟!

أقول الإنصاف عن هذا الإستنتاج بعيدالمنال !
فمن تأمل بإنصاف يجد ان رد حاطب يؤكد أن هذا العمل مستقر في نفسه أنه كفر مخرج عن الملة ولذا ذهب يصرفه عن نفسه
ولو كان على معصية الزنا مثلا وضبط متلبسا فلن يكون رده اني لم افعله ردةعن ديني ولا شكا في إسلامي سيكون الجواب غير ذلك بالضرورة ولكن لما كان متقررا في نفوس الصحابة ان هذا العمل جنسه كفر كان هذا الجواب من حاطب وكان هذا لموقف الصريح من عمر حيث قال : دعني أضرب عنق هذا المنافق ...
ولا يقال مثل هذا في المعاصي مهما كبرت ....
هذا مقتضى الإنصاف بل هو مقتضى اللغة وفقه المسألة والبحث العلمي الدقيق ... فما بالنا نترك هذا للإنصاف الذي هو أعز ما يكون في هذا الزمان ؟!

والشيخ وفقه الله لما بنى بحثه كله على أن فعل حاطب مظاهرة للمشركين وان حكمها متعلق بالغرض الدنيوي وجودا وعدما اخذ يحمل كل أقوال العلماء الواردة في قصة حاطب رضي الله عنه على أنها في مظاهرة المشركين وهذا إن كان الشيخ يعلم ان مخالفه لا يسلم له بذلك فهو منقصة للشيخ نربا به أن يقع فيها
فالعلماء على ما سبق القول في مسالة الموالاة يجعلون منها الصور المكفرة ومنها دون ذلك كما سبق
وعليه فما قرره عن شيخ الاسلام وابن كثير والقرطبي والشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمهم الله تعالى أن كلامهم في مظاهرة المشركين ليس صحيحا وهو قائم على طريقة انتقائية لأقوالهم وسنضرب لذلك أمثلة مناقوالهم توضح ذلك ولنبدا بالإمام القرطبي رحمه الله :
قال الشيخ وفقه الله : " وممن نص على أن مظاهرة المشركين لمجرد غرض دنيوي ليست كفرًا استنادًا إلى قصة حاطب الإمام القرطبي، حيث قال: ( من كثر تطلعه على عورات المسلمين، وينبه عليهم، ويعرف عدوهم بأخبارهم، لم يكن بذلك كافرًا، إذا كان فعله لغرض دنيوي، واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد، ولم ينو الردة عن الدين )
وهذا خطأ لا شك فيه فليس كلام القرطبي رحمه الله عن مظاهرة المشركين على المسلمين ولكن سبق ذكر طريقة الشيخ في اعتماد هذا الأسلوب الغير لائق بمثله وإذا رجعنا لتفسر آيات التولي عند الإمام القرطبي رحمه الله نجده على أصول الشيخ غال في التكفير بل ومتناقض تناقضا شديدا حيث فسر التولي بالنصرة وجعله ردة عن الإسلام ...
قال القرطبي رحمه الله :
الثانية قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم ) أي " يعضدهم" على المسلمين ( فإنه منهم ) بين تعالى أن حكمه كحكمهم وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد وكان الذي تولاهم بن أبي ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة وقد قال تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار هود وقال تعالى في آل عمران لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين آل عمران وقال تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم وقد مضى القول فيه وقيل إن معنى ( بعضهم أولياء بعض ) أي في" النصر" ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) شرط وجوابه أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم

قوله تعالى ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) شك ونفاق وقد تقدم في البقرة والمراد بن أبي وأصحابه ( يسارعون فيهم ) أي في موالاتهم ومعاونتهم ( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) أي يدور الدهر علينا إما بقحط فلا يميروننا ولا يفضلوا علينا وإما أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمد e وهذا القول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور الأمر "

ومثل هذا عند شيخ اسلام رحمه الله وغيره ممن تكلم في حكم فعل حاطب رضي الله عنه
ومثالا آخر وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ حيث نقل الشيخ وفقه الله عنه قوله :
" وللشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رسالة مفردة في حكم موالاة الكفار وبعض مسائل التكفير، ذكر في أولها أن الباعث له على كتابتها أن بعض أهل زمانه ممّن يدعي العلم غلوا في التكفير، حيث كفروا حكام زمانهم، بحجة أنهم يكاتبون من يعتقد أولئك الغلاة كفرهم، بل إنهم كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ المسلمين، وذكر عنهم أنهم خاضوا في مسائل من هذا الباب، كالكلام في الموالاة والمعاداة، والمصالحة، والمكاتبات، وبذل الأموال والهدايا( ).
وقد ذكر في الرد عليهم دلالة قصة حاطب  على عدم التكفير بمطلق الموالاة، وأن ما فعله حاطب  لم يكن من الكفر؛ لأنه « إنما فعل ذلك لغرض دنيوي »، ثم بين أن الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار لا تعارض ذلك، لأنها مقيدة بالموالاة المطلقة العامة.
"

وهذا الذي ذكره الشيخ حق لا شك فيه ولكنه غفل وفقه الله أن الشيخ العلامة عبد اللطيف يقسم أعمال الموالاة إلى قسمين كفر وما دون الكفر ... وهذا التقسيم بحد ذاته حجة عليه لمن يتامل !

فجعل بعض الأعمال كفرا مخرجا من الملة دون قيود وجعل غيرها معاصي وكبائر
وأدرج فعل حاطب في الموالاة الغير مكفرة وقيدها بما تكون المعاصي كفرا فما حجة الشيخ في ذلك ؟!
وهذا نتف من كلام الإمام حيث قال رحمه الله : "
( ... وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة ، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات ، وعرفتم قوله تعالي { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الممتحنة 1 وأنها نزلت فيمن كاتب المشركين بسر الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جعل ذلك من "الموالاة المحرمة " وإن اطمئن قلبه بالإيمان....) الدرر صـ 8/342
"
فليس اوضح من قوله رحمه الله منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ومنها ما دون ذلك وقد عد الشيخ رحمه الله فعل حاطب من الموالاة المحرمة ولذا قيدها بما تكون كفرا ولم يقل أنها مظاهرة للمشركين ولا ان جميع صور الموالاة مقيدة بمحبة دين الكافرين كما يذهب الشيخ فالحقيقة أن كلام الشيخ عبد اللطيف يتفق ما ما قررته لا مع ما قررة الشيخ وفقه الله ...

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله:
"وتعزيرهم وتوقيرهم – يعني الكفار – تحته أنواع أيضاً :
أعظمها رفع شأنهم ، ونصرتهم على أهل الإسلام ومبانيه ، وتصويب ما هم عليه ، فهذا وجنسه من المكفرات . ودونه مراتب من التوقير بالأمور الجزئية ، كلياقة الدواة ونحوه " ( الدرر 8 / 360)

وما يهمني في النقل ليس فقط أن مذهب الإمام عبد اللطيف يختلف ويتناقض مع ما ذهب اليه الشيخ وفقه الله في مبحثه بل ايضا إبطال نظرية الشيخ ان الموالاة من الكفر الباطن الذي لا يدل عليه عمل ظاهر ويرجع فيه عند الإستفصال لمعرفة الباطن إلى القول فقط .... ولعل هذا واضح في كلام الشيخ السابق بلا إشكال

وقال الإمام عبد اللطيف رحمه الله :

( قال شيخ الإسلام في اختياراته : من جمز إلى معسكر التتار ولحق بهم ، أرتد وحل دماه ودمه) (الدرر السنية 8/338)

ولهذا لم أنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما ينقض ما فهمه الشيخ وفقه الله عنه في كلامه عن حاطب وتركت النقل لهذا الإمام عنه فلعله قد وضح الان أن كلام أهل العلم عن حكم فعل حاطب رضي الله عنه ليس هو عن مظاهرة المشركين وإن كانت من جنسها ..


ولعلي انقل فيما بعد بعض النقولات في هذه المسألة والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
الأخ الكريم الموحد السلفي

سؤال شخصي

هل أنت أبو أميرة في منتدى أهل الحديث ؟

والموضوع شيق جدا
 
الأخ المكرم الحضار

لست ابو اميرة وفقه الله
والرجل سيما أهل العلم تبدو على كلامه فهو من أهل العلم والفضل نستفيد منه ومن مشائخنا الكرام أمثال الشيخ عبد الله القرني وفقه الله وغيره من علمائنا الأفاضل ..

وبالمناسبة احب ان اشير هنا أنه قد يفهم من كلامي عن موقف الشيخ عبد الله القرني من قاعدة التلازم الظاهر بالباطن في كتابه " ضوابط التكفير" أن الشيخ قد وافق المرجئة في ذلك أو شيء من هذا القبيل وأؤكد هنا أن الشيح ليس كذلك وحاشاه وهو العالم السلفي القح ، وليس هذا تزكية مني له وليس مثلي من يزكي مثله ولا هو بحاجه وفقه الله إلى شيء من ذلك فهو من اهل العلم والفضل ولكن التنبيه على خطأ مثله واجب لأن الشيخ وكتابه يعد مرجعا للفضلاء واهل العلم لثقتهم فيه وحسن الظن به وهذا حق الشيخ ...وقد لا يعظم الخطر من حجم الخطأ بقدر ما يعظم من تقليد الأفاضل واتباع الأتباع ، ولك مثال على ذلك الشيخ العبد اللطيف في كتابه النواقض العملية والقولية فقد قلد الشيخ في نصف خطأه في هذه المسالة علما بأن كتاب النواقض من أفضل ما اطلعت عليه في بابه ولهذا قالوا زلة عالم زلة عالم ، فانا وغيري يرد على مثل هؤلاء الفضلاء ويترك غيرهم لهذه الحيثية ، مع إقرارنا بفضلهم وعلو كعبهم في العلم ...
والله الموفق
 
الحمد لله رب العالمين .
قرأت بحث الدكتور عبدالله القرني من قبل طرحه هنا مرتين ، واستفدت منه كثيراً ، واستشكلت فيه بعض المواضع حينها على أمل العودة لقراءة كتاب الدكتور عبدالله (ضوابط التكفير) مرة أخرى لمحاولة فهم تلك المسائل .
ثم قرأت ما تفضل به الأخ العزيز الموحد السلفي وتمعنت فيه كثيراً فاضاء لي كثيراً من المسائل التي عنَّت لي في البحث، وأحسب أن هذا النقاش قد زاد البحث ثراء ولله الحمد ، مع شكري الجزيل للأخ الكريم الموحد على أدبه الجم ، وتناوله العلمي لهذه المسألة ، ولي طلب إن تكرم بتلبيته رغبة في زيادة الانتفاع بهذه النقاشات العلمية المميزة ، وهو أن يتكرم بإعادة تنسيق وترتيب هذه التعقيبات كلها لنجعلها في موضوع واحد مركز ، بحيث يتضح للمتابع النقاط الرئيسة التي نوقش بها البحث الأًصلي ، وحتى يتسنى للدكتور عبدالله القرني إن يفيدنا حولها بإذن الله لتكتمل الصورة العلمية للمسألة في أذهاننا ، ونخلص من هذه الحلقة العلمية المميزة بالفائدة إن شاء الله . وسوف أقوم بعد تفضل الأستاذ الموحد السلفي بتلبية هذا الطلب بإعادة تحرير الموضوع والإبقاء على التعقيب المحرر واستبعاد بقية التعقيبات الأخرى .

في 23/7/1428هـ
 
فكرة جيدة لو إعيد ترتيب النقاش وتنسيقه وطرحه لكان أفضل ويمكن وضعه أيضاً ملف وورد مرفق لسهولة طباعته أيضاً.
 
شيخنا الكريم عبد الرحمن الشهري وفقه الله

أشكر لكم تواضعكم الجم وتكرمكم بمتابعة ما كتبته من تعليقات رغم انشغالكم وأسفاركم وما جئت بشيء في هذه التعليقات مما يخفى على مثلكم ولكن التواضع هو سيما أهل العلم والفضل ، ولقد تشرفت بكم وبإخواني في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله أسأل الله أن يجعله في موازين أعمالكم الصالحة ،،،فأما طلبكم مني تنسيق هذه التعليقات فلربما أخذ وقتا طويلا لم أعد له نفسي بعد ، ولكني ساحاول مالم يسبقني أحد الإخوان ويكفيني هذا الأمر مشكورا وطلبكم يصعب على التواني عن إجابته ، ،،، ولفضيلتكم جزيل الشكر

والله الموفق
 
لدي اشكال فى المعنى اللغوى ابتداءا : كيف يكون الولى هو النصير وقد قال تعالى " ما لهم من دونه من ولى لا نصير " ؟وقد علمنا أن العطف يقتضى المغايرة , اذن الولى غير النصير .
 
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا

الأخ الفاضل الموحد السلفي ردك موفق،حبذا لو تجمع هذه الرودود في رسالة صغيرة ليعم النفع وجزاكم الله خيراً
أخوكم محمد المصري
 
الأخ الحبيب مصطفى تأمل قوله سبحانه وتعالى : "من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين " الآية ثم اذكر لي ما فهمته حول استفسارك ولتكن مدارسة بيننا
ولعل مشائخنا الكرم في المنتدى يفيدونا حول ما تفضلت به
الأخ محمد المصري جزاكم الله خيرا وما زلت بصدد ترتيب المشاركات والامر اقرب للتأليف لذا يصعب علي جدا لاني لست اهلا لذلك ولا املك أدواته ولكن الله المستعان
 
بارك الله فيك
لعلى أفهم أنه من عطف الجزء على الكل أو الخاص على العام هو ماجاء فى الآية "وملائكته ورسله وجبريل "فان جبريل من الملائكه وقد عطف اسمه عليهم , نعم أخى ولكنى أيضا أفهم أن افراد ذكره عطفا على جنسه يدل على خصوصية له فى الموضوع الذى نحن بصدده فالحديث ليس فى كونه من الملائكة أم لا ,ولكن فى الرد على من خصوه بعداوة . فهو نوع من المغايرة التى يقتضيها العطف فى لسان العرب
وحتى ان كان كما فهمت منك فكيف يخرج عطف نصير على ولى وهل ينقاس على ماذهبت اليه , ولملذا تكرر حرف النفى لنفى الولى أولا , ثم ينفى أيضا كون أن هناك نصيرا من دون الله حينئذ .
وشكر الله لك حسن سؤالك , وأدعو معك مشائخنا الكرام للتفضل بتوضيح مدى صحه ماذهبت اليه .
 
وفيك بارك أخي الكريم

ما أحببت أن أشير إليه أن العطف وإن كان يدل أحيانا على المغايرة إلا أنه لا يلزم منها التباين بالضرورة ...
وهذا كما في قوله سبحانه : ( خلق السموات والأرض ) وقوله تعالى : ( لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) فالعطف هنا يقتضي المغايرة والمغايرة تقتضي التباين فليست الأرض هي السماء او جزءا منها ....
وقد يكون عطفا يقتضي المغايرة بين متلازمين حتى وإن كان ثمة تباين بينهما ...
وقد يكون عطفا يقتضي المغايرة ولا يلزم منها ذلك بل تكون كما تفضلتم لخصوصية المذكور وإبرازه ومنها عطف الجزء على الكل وعطف الخاص على العام كقوله سبحانه : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ..
والعطف في هذه الآية قد يكون من هذا الباب ... والله أعلم
ولما كان الولاء أعم من النصرة جاز استعماله في غيرها فيكون هنا الولي بمعنى آخر غير النصرة كالشفيع وغيره ويكون ذكر النصرة لمعنى زائد عن ذلك ولقد ذكر العلماء شيئا من ذلك في تفسير مثل هذه الآيات ..
قال أبو السعود في تفسيره : (من ولي ولا نصير ) ينقذهم من العذاب بالشفاعة أو المدافعة ..
وقال البيضاوي : " ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) وإنما هو الذي يملك أموركم ويجريها على ما يصلحكم والفرق بين الولي والنصير أن الولي قد يضعف عن النصرة والنصير قد يكون أجنبيا عن المنصور فيكون بينهما عموم من وجه"
وقال الألوسي : الولي المالك والنصير المعين والفرق بينهما أن المالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل والمعين قد يكون مالكا وقد لا يكون بل يكون أجنبيا والمراد من الآية الاستشهاد على تعلق إرادته تعالى بما ذكر من الإتيان بما هو خير من المنسوخ أو بمثله فإن مجرد قدرته تعالى على ذلك لا يستدعي حصوله البتة إنما الذي يستدعيه كونه تعالى مع ذلك وليا نصيرا لهم فمن علم أنه تعالى وليه ونصيره لا ولي ولا نصير له سواه يعلم قطعا أنه لا يفعل به إلا ما هو خير له فيفوض أمره إليه تعالى

والشاهد من هذا أن الولي لما كان استعماله على معاني كثيرة سواء في أصل الوضع أو في الاصطلاح فقد يستعمل في غير النصرة كمعنى مغاير له وتكون النصرة في معناها المختص بها والله أعلم

وأرجوا أن لا نكون قد اجتررنا إلى ما لا نحسن والله المسعان
 
عودة
أعلى