صلاح الدين سامي الجراح
New member
- إنضم
- 01/01/2011
- المشاركات
- 106
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
قصة مجيء الأعرابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم طالبا الاستغفار
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واتخذتها المتصوفة دليلاً على مشروعية طلب الدعاء والشفاعة من الأموات.أولاً: متن القصة:
1- روي عن أبي حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم سلم على أبي بكر وعمر ثم أقبل على رسول الله، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا مستشفعًا بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64. وقد جئت بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع فيَّ ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ في الأرضِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
قلت: أخرج هذه الرواية بهذا اللفظ البيهقي في "شعب الإيمان" (3-495) (ح4178) قال: أخبرنا أبو علي الرودباري، حدثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن الحسين بن بقية إملاءً، حدثنا سكر الهروي، حدثنا أبو يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: فذكر القصة.
القصة بلفظ آخر وطريق آخر
2- رُوي عن محمد بن حرب الهلالي قال: "دخلت المدينة فأتيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فزرته وجلست حذاءه، فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابًا صادقًا، قال فيه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاعِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِنَ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم استغفر وانصرف، فرقدت فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومي وهو يقول: الحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي، فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده". اه.
قلت: هذه الرواية عزاها السبكي إلى ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في مثير العزم الساكن، وسنبين للقارئ الكريم الرد على هذه الرواية والرواية السابقة لها.
القصة أيضًا بلفظ آخر وطريق آخر:
3- رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قدم علينا أعرابي بعدما تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحثى على رأسه من ترابه، وقال: يا رسول الله، قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله - عز وجل - فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله - عز وجل - عليك: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64.
وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر أنه قد غفر لك. اه.
قلت: هذا الطريق رواه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي، حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي، قال: حدثني أبي عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: فذكر كذا في "الصارم المنكى (ص323)، وأوردها القرطبي في "تفسيره" (2-1929).
القصة أيضًا بلفظ آخر وطريق آخر:
4- رُوي عن العُتْبي قال: كنت جالسًا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64، وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاعِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِنَ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقال: يا عُتْبي، الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له. اه.
قلت: هذه الحكاية أوردها ابن كثير في "تفسيره" (1-520) وقال: "وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العتبي قلت: كنت جالسًا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -... " القصة. اه
التحقيق للقصة
فائدة: لقد اغتر كثير من الخطباء والوعاظ والقصاص بوجود مثل هذه القصص في التفاسير متوهمين صحتها ويذكرون أمام العوام ومن لا دراية له بهذا الفن أن القرطبي أوردها في تفسيره، أو أن ابن كثير أوردها في تفسيره فيتوهم الناس صحتها وتنتشر القصة.
ولقد أورد هذه القصة الإمام ابن كثير وسكت عنها مبينًا مصدرها، كما أورد قصة ثعلبة بن حاطب وسكت عنها واغتر بسكوت ابن كثير مُخْتصر تفسيره الشيخ الصابوني فأورد القصة مشيرًا إلى صحتها لأنه زعم في مقدمة مختصره (ص9) أنه اقتصر على الأحاديث الصحيحة.
يجب على طالب العلم أن يعلم:
أولاً: أن ابن كثير درج على طريق أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئت عهدته لأنه ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث.
ثانيًا: بالنسبة لمنهج ابن كثير في تخريج أحاديث "تفسيره" له طريقان في غير ما رواه الشيخان في صحيحيهما.
1- أن يذكر الحديث بإسناد مخرجه من المصنفين.
2- أن يذكر الحديث ويخرجه بعزوه للمصنفين دون أن يسوق الإسناد وهو في كلتا الحالتين يصرح بدرجة الحديث تارة ويسكت عن ذلك تارة أخرى فيتوهم من لا دراية له بهذا الفن من السكوت الصحة كما في مثل هذه الحكاية.
التحقيق
أولاً: هذه القصة منكرة، ولقد بين نكارتها الحافظ ابن عبد الهادي وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الفقيه الحنبلي المقرئ المحدث الناقد النحوي المتقن الجبل الراسخ.
ولقد بين نكارة هذه القصة - رحمه الله - في كتابه "الصارم المنكى في الرد على السبكي"، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يدافع في كتابه هذا عن شيخه حيث اتهمه السبكي بتحريم زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، هذه التهمة نفسها بعد سبعة قرون قام أحد القبوريين الذي لا يهمنا ذكر اسمه أو رسمه في جريدة تصدر في مصر لا يهمنا أيضًا ذكر اسمها لأننا أمام بحوث علمية حديثية، وذلك في يوم 25-8-2003م بإشعال نار فتنتها مجددًا هذه التهمة في مقال بعنوان: "جماعة أنصار السنة: زيارة قبر الرسول حرام".
هذا القبوري ذكر في مقاله هذه القصة المنكرة التي ذكرها السبكي من قبل وقام ابن عبد الهادي - رحمه الله - في كتابه "الصارم المنكى في الرد على السبكي" بتحقيق المسائل المتعلقة بزيارة القبور، وبين ما كان فيها من حق وزور وأظهر جهل السبكي بعلم الحديث وعدم فهمه لمقاصد الشريعة.
قال ص246: "هذه الحكاية التي ذكرها بعضهم:
1- يرويها عن العتبي بلا إسناد.
2- وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي.
3- وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
4- وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناخ راحلته فعقلها ثم دخل حتى أتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدم.
5- وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. اه.
قلت: بعد أن بين هذه الطرق للقصة وألفاظها قال (ص247): "وفي الجملة: ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة وإسنادها مظلم مختلف ولفظها مختلف فيه ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق". اه.
وقال في (ص323): "وأما حكاية العتبي التي أشار إليها فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كما بينا ذلك فيما تقدم وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا أو مندوبًا لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق". اه.
ثم أورد ابن عبد الهادي القصة عن علي بن أبي طالب وبين نكارتها فقال في "الصارم" (ص323): "إن هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض". اه.
قلت: ثم ذكر علة هذا الخبر في خمسة عشر سطرًا بين مجهول ومتروك.
قلت: وفوق هذا الطعن في الرواة هناك الانقطاع في السند، فأبو صادق أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-538-10300) وقال: أبو صادق الأزدي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال محمد بن سعد يتكلمون فيه، وقال آخر لم يسمع من علي. اه.
قلت: ولذلك قال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (21-299-8027): إذا روى عن علي بن أبي طالب يقال: مرسل. اه. وأقره الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (12-143) قائلاً: أبو صادق أرسل عن علي بن أبي طالب. اه.
قلت: والخبر الذي جاءت به القصة مضطرب روي من أوجه مختلفة اختلافًا لا يمكن الجمع بينها وطرقها واهية مظلمة لا يمكن ترجيح رواية على أخرى فمنهم من رواها عن العتبي بلا إسناد والعتبي هو محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية أبو عبد الرحمن العتبي من أهل البصرة أورده الخطيب في تاريخ بغداد (3-324) وقال: "كان صاحب أخبار ورواية للآداب بلغني أن العتبي مات سنة ثمان وعشرين ومائتين". اه.
قلت: ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مجهول الحال وتجد الاضطراب واضحًا حيث إن العتبي من طبقة ما بعد الثامنة، حيث قال الحافظ في "مقدمة التقريب": "وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم:
1- فإن كان من الأولى والثانية فهم قبل المائة.
2- وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة.
3- وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين". اه.
وبتطبيق هذه القاعدة على العتبي وسنة وفاته فهو من طبقة ما بعد الثامنة أي من الطبقة الصغرى من أتباع التابعين فمن دونهم.
فتجد حكاية الأعرابي تروى عن علي بن أبي طالب وهو من الطبقة الأولى طبقة الصحابة ومنهم من رواها عن العتبي وهو من الطبقة الصغرى من أتباع التابعين، ومنهم من رواها عن محمد بن حرب الهلالي، ومنهم من رواها عنه عن الزعفراني، ومنهم من رواها عن أبي حرب الهلالي، هذا الاضطراب في السند مع أسانيد واهية مظلمة بل هناك طرق لا أصل لها مثل الرواية عن العتبي بلا إسناد كما بينا آنفًا، وكذلك الاضطراب في المتن كما هو ظاهر من اختلاف ألفاظه.
ثانيًا: تحقيق شيخ الإسلام ابن تيمية للقصة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1-241): "وأيضًا فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعًا عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين: ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابيّا أتى قبره وقرأ هذه الآية: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64، وأنه رأى في المنام أن الله قد غفر له، وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين، الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعيًا، ومعلوم أنه لو كان طلبُ دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعًا لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك، وما أحسن ما قال مالك: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها". قال: "ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، فمثل هذا الإمام - يقصد العتبي - كيف يشرع دينًا لم ينقل عن أحد من السلف، ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار - بعد موت الأنبياء والصالحين - منهم عند قبورهم وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة؟ اه.
ثالثًا: التفسير الصحيح يدل على نكارة القصة:
إنَّ العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" (ص185) لقوله - تعالى -: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما النساء: 64، قال: "هذا المجيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكَوْن الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء، بل ذلك شرك". اه.
قلت: وهذا هو الحق؛ لأن إتيانه - صلى الله عليه وسلم - بعد مماته غير متحقق، وإنما المتحقق إتيان قبره، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ قبره عيدًا، ودعا الله أن لا يجعل قبره من بعده وثنًا يعبد، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
صححه النووي في "الأذكار" (ص93)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (ح7226) وقال الحافظ ابن عبد الهادي: هو حديث حسن جيد الإسناد، وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة كما عند الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي" (ح20) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3-577-6694).
رابعًا: الرد على تهمة تحريم زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
هذه التهمة التي اتهم بها شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده أنصار السنة المحمدية.
قلت: وهذا كذب وافتراء عظيم من هذا الدعي على شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -، فكتبه وفتاويه طافحة مصرحة بمشروعية زيارة قبور المسلمين عامة وزيارة قبره - عليه الصلاة والسلام - خاصة كما يعلم ذلك كل من اطلع على شيء من كتب الشيخ ودرسها، ومن ذلك كتابه "الرد على الأخنائي"، وانظر "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (27-214- 313) ثم كتابه "الجواب الباهر في زوار المقابر"، وهو أيضًا في "مجموع الفتاوى" (27-314- 444)، وفيه قال شيخ الإسلام "مجموع الفتاوى" (27-329):
1- "قد ذكرت فيما كتبته من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره - كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج - عمل صالح مستحب، وقد ذكرت في عدة "مناسك الحج" السنة في ذلك وكيف يسلم عليه وهل يستقبل الحجرة، أم القبلة على قولين". اه.
2- ثم قال في "مجموع الفتاوى" (27-330): "ولا نهى أحدًا عن السفر إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره - صلى الله عليه وسلم - بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة، ولا في شيء من كلامي وكلام غيري نهي عن ذلك، ولا نهي عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور، بل قد ذكرت في غير موضع استحباب زيارة القبور كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور أهل البقيع وشهداء أحد، ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم"، وإذا كانت زيارة قبور عموم المؤمنين مشروعة فزيارة قبور الأنبياء والصالحين أولى". اه.
قلت: هذه هي السنة بفهم سلف الأمة والتي اتبعها شيخ الإسلام ابن تيمية وأنصار السنة المحمدية الذين يقولون بمشروعية السفر إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم - اتباعًا للحديث الذي أوردناه آنفًا ولتحقيق الأفضلية في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام"، ثم المسافر إلى مسجده يزور قبره - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كما بيَّنا عمل صالح مستحب، وكذلك استحباب زيارة القبور كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور أهل البقيع وشهداء أحد دون خلط بين السفر وبين الزيارة.
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد
</SPAN>