بحث "دراسة نقدية حول الأحرف السبعة"

إنضم
27/12/2007
المشاركات
373
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
دراسة نقدية حول الأحرف السبعة


بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد ظن التراث الإسلامي وعلى رأسه القرّاء أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن هي لهجات العرب المأذون بقراءة القرآن بها للرعيل الأول الذي لا يستطيع العدول عن لسانه الذي تربى عليه وهو تصور يحتاج على نقاش ومراجعة .
وإنما سأناقش في هذا البحث أربع مسائل تتعلق بحديث إنزال القرآن على سبعة أحرف :
أولاها إجماعهم على تأويلهم دلالة الأحرف السبعة
وثانيها إجماع القراء والمفسرين على ما حسبوه سبب ورود الحديث
وثالثها مناقشة روايات الحديث
ورابعها تفسير جديد لمدلول الأحرف السبعة .

المسألة الأولى :
إن المصنفين من طرق الرواة كالداني في جامع البيان (1/107) قد أوّلوا الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بأحد وجهين :
1. بأوجه اللغات بقوله  ومن الناس من يعبد الله على حرف  الحج 11 أي على وجه النعمة والسراء .
2. بالقراءات من باب تسمية الشيء باسم بعضه .
وعلق ابن الجزري في النشر (1/24) على مذهب الداني المذكور بقوله " وكلا الأمرين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله  "سبعة أحرف" أي سبعة أوجه وأنحاء ، والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله عنه في الحديث : "سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله  أي على قراءات كثيرة ..." اهـ محل الغرض منه .
ولقد أجمع المصنفون من طرق الرواة على مسألتين :
1. أن ليس المقصود بالأحرف السبعة جواز قراءة كل كلمة من القرآن بسبعة أوجه
2. وأن ليس المقصود بالأحرف السبعة القراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد في سبعته في القرن الرابع الهجري
وتخلص المصنفون من طرق الرواة ومن المفسرين من الإشكالية بتأويل دلالة الأحرف السبعة على أنها لغات رغم اختلافهم في تعيينها فمنهم من يقول هي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن .
ولقد المحقق ابن الجزري في رد هذا التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة " اهـ بلفظه
ويلاحظ أن ابن الجزري قد اعتبر القول المدخول حسب وصفه وعدّه أولا ضمن تأويله دلالة الأحرف السبعة قال (1/26) :" ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك :
1. إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو  البخل  بأربعة
و يحسب  بوجهين .
2. أو بتغير في المعنى فقط نحو  فتلقى آدم من ربه كلمات   وادكر بعد أمة  و  أمه 
3. وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو  تبلوا  و  تتلوا  و  ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك  و  ننحيك ببدنك 
4. أو عكس ذلك نحو  بصطة  و  بسطة  و  الصراط  و  السراط 
5. أو بتغيرهما نحو  أشد منكم  و  ومنهم  و  يأتل  و  يتأل  و  فامضوا إلى ذكر الله 
6. وإما في التقديم والتأخير نحو  فيقتلون ويقتلون   وجاءت سكرة الحق بالموت 
7. أو في الزيادة والنقصان نحو  وأوصى   ووصى   والذكر والأنثى 
فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والمد والقصر والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الأول " اهـ بلفظه
وهنالك أربعة أقوال عن المتقدمين في تأويل دلالة الأحرف السبعة هي :
1. أنها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار .
2. أنها الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر
3. أنها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر
4. أنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل .
قال ابن الجزري (1/25) " وهذه الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي  كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبي وابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا في قراءة حروفه " اهـ بلفظه
ولعل من أحسن ما قرأت حول مناقشة ما قيل من قبل حول الأحرف السبعة كلام الشيخ محمد محمد أبو شهبة في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم " قال :
"يمكننا إجمال النقد فيما يلي :
1. إن القائلين بهذا الرأي ـ على اختلافهم ـ لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلا على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات .
ولا يقال كيف لا يعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراء .
لأنا نقول إنه استقراء ناقص بدليل أن طريق ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن الطيب والرازي وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من الثلاثة الآخرين بل برر ابن الجري إهماله مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع وأن الوجه الأول عند الرازي والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض وأن تعيينها إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح .
وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ولا متعين فهو مبني على الظن والتخمين .
2. إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي  منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة .
3. إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف ، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها" اهـ بلفظه ص 193ـ194
قلت : وهكذا يتبين الاضطراب في تأويل دلالة الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ولم ينسب السلف بسبب أمانتهم العلمية شيئا من تلك الأقوال إلى التابعين ولا إلى الصحابة ولا إلى النبي  بل ظلت تلك الأقوال اجتهادات متأخرة من المصنفين .
ونسجل لابن الجزري عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله الآنف الذكر : "ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله " اهـ ولم يقطع بأنه هو الصواب لا غيره .
ونسجل للداني عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله في جامع البيان (1/ 109) " ويمكن أن يكون هذه السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها " اهـ بلفظه .
وكذلك اعترف ابن الجزري في نشره (1/25) باحتمال أن لا يكون اختلاف القراءات هو المراد بالأحرف السبعة فقال " فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الطبراني من حديث عمر بن أبي سلمة المخزومي أن النبي  قال لابن مسعود "إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف :حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم حرامه واعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله فإن كلا من عند الله  وما يذكر إلا أولوا الألباب  فالجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها أن هذه السبعة غير الأحرف السبعة التي ذكرها النبي  في تلك الأحاديث وذلك من حيث فسرها في هذا الحديث فقال حلال وحرام إلى آخره وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه إلى آخره ثم أكد ذلك الأمر بقول  آمنا به كل من عند ربنا  فدل على أن هذه غير تلك القراءات " اهـ بلفظه
قلت : ولقد وقع الإدراج في الحديث فضم إليه من تفسير بعض الرواة إذ لم تكن بعض ألفاظ ما أدرج متداولة في جيل الصحابة ولا نطقوا بها ولا سمعوها من النبي  كمصطلحات : الإنشاء والإخبار والناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب .
وينقض تأويلهم دلالة الأحرف السبعة ـ التي أنزل عليها القرآن ـ بالقراءات أن المقروء بسبعة أوجه نادر جدا وأن بعض الكلمات قد قرئت بأكثر من سبعة أوجه بل بأكثر من عشرة أوجه مثل  مالك يوم الدين  ، ومثل  وعبد الطاغوت  ، ومثل  أف  كما هو معلوم وأن قد وقع التكلف في اقتصار  يخصمون  و  لا يهدي  على سبعة أوجه .

المسألة الثانية :
لقد اتفق المصنفون من طرق القراء ومنهم الداني وابن الجزري والمفسرون وغيرهم على أن سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الشيخ الفاني والعجوز المختلفة لغاتهم وألسنتهم ولا يستطيعون العدول عنها .
وهكذا قطعوا ولم يترددوا فاعتبروا اختلاف أهل الأداء في تلاوة القرآن هو المراد بالأحرف السبعة .
ويردّ عليه قول قول محمد محمد أبو شهبة الآنف الذكر " إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي  منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة" اهـ بلفظه
قلت ولا مزيد على قول الأستاذ محمد أبي شهبة لتمامه وحسنه فجزاه الله خيرا ما أحسن استنباطه وتأملاته ولنكملها بالأمثلة ليعلم الناس بعد نظره :
ـ القراءتان في قوله تعالى  وقد أخذ ميثاقكم  الحديد 8 بين التجهيل والتسمية أي مشقة وحرج في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التجهيل فيها إلى التسمية أو عن التسمية إلى التجهيل ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  وكفلها  آل عمران 37 بين الثقل والتخفيف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تشديد الفاء إلى تخفيفه أو عن تخفيف الفاء فيها إلى ثقله ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فتلقى آدم من ربه كلمات  البقرة 37 بين الرفع في آدم  والنصب في  كلمات  وبين النصب في  آدم  والرفع في  كلمات  أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن تقديم الفاعل إلى تأخيره أو عن تقديم المفعول إلى تأخيره ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  والذين اتخذوا مسجدا  التوبة 107 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة الواو قبلها أو تجريدها منه ؟
ـ القراءتان في قوله تعالى  فإن الله هو الغني الحميد  الحديد 24 أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن زيادة  هو  أو حذفها

المسألة الثالثة : مناقشة روايات الحديث
أخرج البخاري في صحيحه في الحديث رقم 4706 في كتاب فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف بسنده عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه
وكذلك الحديث مكرر في صحيح البخاري ، في كتاب الخصومات باب كلام الخصوم بعضهم في بعض وفي كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسا أن يقول سورة القرة وسورة وفي كتاب استتابة المرتدين المعاندين وقتالهم باب ما جاء في المتأولين وفي كتاب التوحيد باب قول الله فاقرأوا ما تيسر منه .
وأخرجه مسلم في الحديث رقم 818 في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناه
وأخرجه أبو داوود في سننه في الحديث رقم 1475 في كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
والترمذي في سننه في الحديث رقم 2943 في كتاب القراءات عن رسول الله باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف
وقال: حسن صحيح
والنسائي في سننه في الحديث رقم 938 في كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن
وفي الحديث رقم 936 في كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن
وفي الحديث رقم 937 في كتاب الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن
وأخرجه مالك في الموطإ في الحديث رقم 473 في كتاب القرآن باب ما جاء في القرآن
وأخرجه أحمد في المسند في الحديث رقم 279 مسند أحمد مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفي الحديث رقم 298 مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه
والبيهقي في سننه في الحديث رقم 2912 في كتاب الصلاة باب التوسع في الأخذ بجميع ما روينا في التشهد مسندا وموقوفا

وفي الحديث رقم 4089 سنن البيهقي الكبرى كتاب الصلاة باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة
وفي الحديث رقم 2265 شعب الإيمان التاسع عشر من شعب الإيمان هو باب في تعظيم القرآن العظيم فصل في ترك المماراة في القرآن
وفي الحديث رقم 2267 شعب الإيمان التاسع عشر من شعب الإيمان هو باب في تعظيم القرآن العظيم فصل في ترك المماراة في القرآن
وأخرجه ابن حبان في صحيحه في الحديث رقم 741 في كتاب الرقائق باب قراءة القرآن

الرواية الثانية للحديث :
حديث رقم 17266 مسند أحمد بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي 
عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال : سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من القرآن ، فقال : من أقرأكها ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : فقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم على غير هذا ، فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله آية كذا و كذا ، ثم قرأها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هكذا أنزلت ، فقال الآخر : يا رسول الله فقرأها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : أليس هكذا يا رسول الله ؟ قال : هكذا أنزلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فأي ذلك قرأتم فقد أحسنتم ، و لا تماروا فيه ، فإن المراء فيه كفر - أو آية الكفر

الرواية الثالثة للحديث :
حديث رقم 20649 مسند أحمد حديث سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهما
عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال : سمعت رجلاً يقرأ ، فقلت : من أقرأك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقلت : انطلق إليه ، فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : استقرئ هذا . فقال : اقرأ فقرأ . فقال : أحسنت . فقلت له : أو لم تقرئني كذا و كذا ؟ قال : بلى . و أنت قد أحسنت ، فقلت بيدي قد أحسنت مرتين . قال : فضرب النبي صلى الله عليه و سلم بيده في صدري ثم قال : اللهم أذهب عن أبي الشك ، ففضت عرقاً و امتلأ جوفي فرقاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبي إن ملكين أتياني فقال أحدهما : اقرأ على حرف ، فقال الآخر : زده . فقلت : زدني . قال : اقرأ على حرفين . فقال الآخر زده . فقلت زدني . فقال اقرأ على ثلاثة . فقال الآخر : زده . فقلت : زدني . قال : اقرأ على أربعة أحرف ، قال الآخر : زده . قلت : زدني قال : اقرأ على خمسة أحرف ، قال : الآخر : زده . قلت : زدني . قال : اقرأ على ستة ، قال الآخر : زده . قال : اقرأ على سبعة أحرف ، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف
قلت : لعل المراد هو صرفهم عن الانشغال بتعدد الأداء تعددا توقيفيا إلى تدبر القرآن المنزل على سبعة أحرف ، وهكذا حسّن النبي  قراءة كل من هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب سورة الفرقان .
وفي وصف قراءة الرجلين اللذين اختلفا على قراءة آية من القرآن ـ كما في حديث عمرو بن العاص ـ قال  هكذا أنزلت .
وفي وصف قراءة الذي اختلف مع أبيّ بن كعب على قراءة بعض القرآن قال  أحسنت ، وفي وصف قراءة أبيّ بن كعب نفس الآيات قال  "وأنت قد أحسنت" .
ولا يتعلق إنكار بعض الصحابة قراءة بعض باختلاف ألسنة العرب وإنما بأداء منزل أقرأ النبي  بكل منه بعضا من الصحابة فأنكر بعضهم قراءة بعض أن غاب عنه الأداء الذي تلقاه غيره من الصحابة من النبي  .
ولقد أشكل على المصنفين من طرق الرواة اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم القرشيان في قراءة سورة الفرقان ، ولكأن المصنفين من طرق الرواة لم يتصوروا أن يختلف القرشيان على الأداء في سورة الفرقان وإنما تصوروا أن يختلف الأداء لدى الصحابة من قبائل شتى عرفوا لهجات مختلفة كالذين لا يعرفون غير إمالة ذوات الياء والذين لا يعرفون غير الفتح فيها وكالذين لا يعرفون غير تحقيق الهمزتين من كلمة وكلمتين والذين لا يعرفون غير تسهيل الثانية منهما أو إسقاط الأولى من متفقتي الحركة .
وإنما نشأ عجب المصنفين من طرق الرواة من اختلاف القرشيين على أداء سورة الفرقان بسبب قطعهم أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن تعني لهجات العرب واختلافها .
ولقد تتبعت سورة الفرقان فألفيت فيها أكثر من عشرين حرفا اختلف في أدائه وتلاوته وقراءته اختلافا لا علاقة له بلهجات العرب وألسنتها وإنما هو اختلاف منزل من عند الله أقرأ بكل منه النبي  بعض الصحابة فالتزموه وإنما أنكر بعضهم من الأداء ما لم يتعلمه من نبيه  ولما صوّب النبي  وحسّن كلا منه وأخبر بأنه كذلك أنزل أذعنوا إذعانا كان سبب تعدد رسم المصاحف العثمانية .
وليختلفن أداء كل اثنين من الصحابة في سورة الفرقان كما في غيرها ما لم يتلقياها من في رسول الله  في نفس الجلسة ونفس المرة .
وهذه أحرف الخلاف ـ في سورة الفرقان ـ والتي لا علاقة لها باختلاف لهجات العرب وألسنتها :
ـ  أو تكون له جنة يأكل منها  الوجهان بين النون والياء
ـ  ويجعل لك قصورا  الوجهان بين الرفع والجزم
ـ  ويوم يحشرهم  الوجهان بين النون والياء
ـ  فيقول أأنتم  الوجهان بين النون والياء
ـ  أن نتخذ  الوجهان (1) بضم النون وفتح الخاء (2) بفتح النون وكسر الخاء
ـ  كذبوكم بما تقولون  الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ  فما تستطيعون  الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ  تشقق السماء  الوجهان بين تخفيف الشين وتشديدها
ـ  ونزل الملائكة  الوجهان (1) بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي ورفع اللام ونصب الملائكة وكذلك في المصحف المكي وحده رسمت بنونين (2) بنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع الملائكة
ـ  وهو الذي أرسل الرياح  الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ  بشرا بين يدي  الوجهان بين الباء والنون أي الموحدة التحتية والفوقية
ـ  بلدة ميتا  الوجهان بين التخفيف والثقل
ـ  ليذكروا  الوجهان (1) بإسكان الذال وضم الكاف مع تخفيفها (2) بفتح الذال والكاف وتشديدهما
ـ  لما تأمرنا  الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ  سراجا  الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ  لمن أراد أن يذكر  الوجهان (1) بتخفيف الذال ساكنة وتخفيف الكاف مضمومة (2) بتشديدهما مفتوحتين
ـ  ولم يقتروا  ثلاثة أوجه (1) بضم الياء وكسر التاء (2) بفتح الياء وكسر التاء (3) بفتح الياء وضم التاء
ـ  يضاعف له  ثلاثة أوجه (1) بمد الضاد بألف وتخفيف العين ورفع الفاء (2) بمد الضاد بألف وتخفيف العين وجزم الفاء (3) بقصر الضاد وتشديد العين
ـ  ويخلد  الوجهان بين الرفع والجزم
ـ  وذرياتنا  الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ  ويلقون  الوجهان (1) بفتح الياء وإسكان اللام وتخفيف القاف (2) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف .
ولعلنا فهمنا ما قصده عمر بن الخطاب بقوله : (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اهـ

ومن أمثلة الخلاف في الأداء الذي لا علاقة له بلهجات العرب خارج سورة الفرقان :
ـ قوله تعالى  أو أن يظهر في الأرض الفساد  قرئ بأربعة أوجه:
1. بالواو مع أن وأن  وبضم الياء وكسر الهاء في  يظهر  على أنه فعل رباعي وبنصب  الفساد  لوقوع الفعل عليه بعد إسناد الفعل إلى ضمير الغائب وهو موسى ، وهي المنسوبة فيما بعد للمدنيين وأبي عمرو
2. بالواو مع أن وأن  وبفتح الياء والهاء في  يظهر  على أنه ثلاثي وبرفع  الفساد  لإسناد الفعل إليه وهي المنسوبة فيما بعد للمكي والشامي
3. بزياة أو قبل أن  أو أن  وبضم الياء وكسر الهاء في يظهر  وبنصب  الفساد  وهي المنسوبة فيما بعد لحفص ويعقوب
4. بزياة أو قبل أن  أو أن  وبفتح الياء والهاء في  يظهر  وبرفع الفساد  وهي المنسوبة فيما بعد لشعبة وحمزة والكسائي وخلف
ـ قوله تعالى  ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد  الحديد 24 قرئ بوجهين :
1. بزيادة  هو  لتقرأ  ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 
2. بحذف تلك الزيادة لتقرأ  ومن يتول فإن الله الغني الحميد 
ـ قوله تعالى  هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت  قرئ بوجهين
1. بالباء الموحدة التحتية قبل اللام
2. وبالتاء المثناة الفوقية قبل اللام .
أما اختلافهم في الأداء كالإمالة والفتح والإدغام والإظهار وتخفيف بعض الهمز وتحقيقها واختلافهم في هاء الضمير ذلكم الاختلاف الذي يرجع إلى اختلاف لهجات القبائل العربية فلم يصلنا دليل على إنكار الصحابة بعضهم على بعض القراءة به والله أعلم .

المسألة الرابعة :
وأطبقت الأمة منذ القرون الأولى للتدوين على حصر مدلول الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بتعدد الأداء والأوجه التي يقرأ بها القرآن ، ولم يروا رأيا أو يذهبوا مذهبا في التأويل والبيان أبعد من ذلك .
ولو أن باحثا منصفا تجرد لبحث عن مدلول الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن في سورة المزمل التي بيّن النبي  ببعضها ـ وهو قوله تعالى  فاقرأوا ما تيسر منه  ـ مدلول الأحرف السبعة .
ولعل من شروط الفهم عن النبيين كلامهم أن نعلم دلالة لفظ النبوة التي أنعم الله عليهم بها والتي تعني أنهم ينبئون أمتهم باليقين من العلم الغائب عنهم ومنه الغيب الذي سيقع متأخرا عن حياة النبيين .
إن من تفصيل الكتاب أن النبوة عند إطلاقها هي الإخبار باليقين من العلم الغائب عنك ، أو بما كان من الحوادث التي غابت عنك فلم تحضرها سواء كانت ماضية أو معاصرة كما وقعت ، أو بما ستؤول إليه الحوادث كما ستقع مستقبلا .
فمن الأول قوله  قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض  يونس 18 وقوله  أم تنبّئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول  الرعد 33 والمعنى أن الله لا يغيب عنه ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وقوله  سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا  الكهف 78 .
ومن الثاني قوله  ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم  التوبة 70 وقوله  ونبئهم عن ضيف إبراهيم الحجر 51 في وصف الحوادث الماضية .
ومنه قوله  وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير  التحريم 3 .
ومنه قوله  فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين  النمل 22 من قول الهدهد في وصف الحوادث المعاصرة .
ومن الثالث قوله  وأمم سنمتّعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين  هود 48 ـ 49 وقوله  قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون  سورة ص 67 ـ 68 .
وإنه في يوم الدين  يوم لا تملك نفس لنفس شيئا  الانفطار 19 ينبّأ الإنسان بما قدّم وأخّر ، وذلك أن إلى الله مرجع الناس فينبئهم بما عملوا وبما كانوا يصنعون وبما كانوا فيه يختلفون وإليه أمرهم فينبئهم بما كانوا يفعلون .
ولا كرامة في هذه النبوة إذ هي بإحضار عمل الإنسان المنبإ به فيعرض عليه ليراه جهرة كما في قوله  علمت نفس ما أحضرت  التكوير 14 ، وقوله  علمت نفس ما قدمت وأخرت  الانفطار5 ، ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم كما في قوله  يوم ينظر المرء ما قدمت يداه  النبأ 40 ، وقوله  كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم  البقرة 167 ، وقوله  يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا  عمران 30 والمعنى أنه محضر كذلك وقوله  ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا  الكهف 49 .
وإن قوله  علمت نفس ما قدمت وأخرت  الانفطار 5 لمن المثاني مع قوله  ونكتب ما قدموا وآثارهم  يس 12 ، وقوله  ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغيرعلم  النحل 25 ، وقوله  وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم  العنكبوت 13 إذ الذي قدّموه هو ما عملوا في حياتهم والذي أخّروه هو الأثر الذي تركوه خلفهم ومنه الأشرطة المسموعة والمرئية فإن كان سيئا كان من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ومن الأثقال مع أثقالهم .
وإنما ذكرت الحديث عن النبوة الآخرة العامة لتقريب علم اليقين الحاصل للنبيّ في الدنيا بما ينبئه به الله العليم الخبير.
إن الذين كانوا يقولون عن النبيّ   هو أذن  التوبة 61 ّ بمعنى أنه يسمع ويقبل ما يتلقى من أعذارهم كالمغفل وهو أبعد ما يكون الرجل عن الوحي هم المنافقون الذين يحسبون النبيّ  كذلك ، لا يفقهون أن النبيّ تعرض عليه في يقظته ونومه أعمال أمته سواء منهم من عاصروه والذين سيتأخرون عنه ويعرض عليه مما سيكون من الحوادث في أمته إلى آخرها وإلى قيام الساعة فما بعده .
إن الله نبّأ النبي  بما سيكون في أمته فعرضه عليه عرضا ورأى رجال ونساء أمته حسب أعمالهم ودرجاتهم على نسق ما ينبئ الله به كل إنسان في يوم الدين والحساب بما قدم وأخر من أعماله .
ولا تسل عن اليقين من العلم الحاصل للإنسان المنبإ في يوم الدين ولا للنبيّ في الدنيا لأن الله يري النبي ذلك العرض بأم عينيه في الدنيا كما في الأحاديث المتواترة ومنها :
حديث صحيح البخاري في كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام
عن عقبة بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها .
ومنها حديث صحيح مسلم في كتاب الكسوف باب ما عرض على النبي  في صلاة الكسوف من أمر
عن جابر ومنه " ... ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه .
وكما فصلته في كلية النبوة والرسالة .
ولقد نبّأ الله نبيه الأمي  بالقرآن ومنه قوله تعالى  إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا  المزمل 5 وللباحثين المتجردين أن يتصوروا كم هو القرآن أثقل وأثقل علينا نحن عامة الأمة إذ لم يتنزل على قلب أحد منا ، وإنما أنزل الله القرآن على قلب نبيه  ، ووصف الله القرآن بالقول الثقيل وهو يتنزل على قلب نبيه  .
فوا عجبي أن يتخذ المؤمنون القرآن مهجورا أو يتصوروه خفيفا عليهم فهمه وتدبره والاهتداء به والعمل به .
ووا حيرتي في أمة لم تستنبط ـ عبر أربعة عشر قرنا من تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ـ حرفا واحدا ولا حرفين من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ، فما شغلها عن تدبر القرآن الميسر للذكر إلا أقفال على قلوبها ، أقفال من المتون وافتراض الأقضية والألغاز في ما يسمونه بفقه المعاملات ، وأقفال من التقليد حال بينهم وبين الطاعة باستعمال السمع والبصر والعقل في تدبر القرآن .
إن الله وصف القرآن بالقول الثقيل الملقى على النبي الأمي  في سياق مخاطبته وتكليفه : أن يتجافى عن المضاجع يقوم الليل ليقرأ القرآن في صلاته قياما ثقيلا طويلا يمتدّ إلى أدنى من ثلثي الليل مرة وإلى نصف الليل مرة وإلى ثلثه مرة ، قياما ينشئه بعد نوم ولتتمكن طائفة من الذين معه من تدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم .
هكذا صرف النبي الأمي  الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي أنزل عليها القرآن ، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن .
وعلم الله علام الغيوب أن الأمة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى  علم أن لن تحصوه  يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ، وأنى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر القول الثقيل ، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار المعدودين في سورة المزمل .
إن في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا .
ولن يحصي تلك المعاني تفصيلا إلا من هداه الله بالقرآن إليها ، وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبي  قد بيّن تلك المعاني كلها ويستشهدون بقوله تعالى  وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون  النحل 44
ولقد بيّن النبي الأمي رسول الله  للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما نزل عليه من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن ، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي  ، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله  ولعلهم يتفكرون  النحل 44 ، وكلفوا بتدبر القرآن العظيم .
ومن زعم أن خاتم التبيين  قد بيّن القرآن أي فسّره كله فليأتنا على سبيل المثال لا الحصر بما بيّن به النبي  الفواتح وهي مما نزّل إلى الناس من القرآن ومما كلفوا أن يتدبروه .
إن القرآن العظيم ليعظم أمام كل باحث قرأ القرآن وتدبره وتدارسه ، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم .
وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، ولهو إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله  بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم  العنكبوت 49 أي أنه تجاوز آذانهم وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، ولا يختلف منصف أن الصحابة الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله  ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا  القتال 16 يعني أن المنافقين الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن لم يفقهوا منه هدى ولا رشدا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات القرآن .
إنني شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم ولن يفرغوا من تدارس القرآن ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم .

الرواية الرابعة للحديث
إن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : أن جبريل عليه السلام لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم عند حجارة المراء ، فقال : يا جبريل ، إني أرسلت إلى أمة أمية ، إلى الشيخ والعجوز و الغلام و الجارية و الشيخ الذي لم يقرأ كتاباً قط ، فقال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف وهو الحديث رقم 22937 في مسند أحمد حديث حذيفة بن اليمان عن النبي 
وكذا حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، وهو الحديث رقم 2944 في سنن الترمذي كتاب القراءات عن رسول الله باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف .
وقال الترمذي : حسن صحيح
ليعني أن الأمة الأمية وهي التي لم تتدارس كتابا منزلا من قبل لبعيدة عن أن تحصي ما في القول الثقيل من المعاني والدلالات وهكذا أشفق النبي الأمي الرحيم بالمؤمنين على أن لا يستطيع الشيخ والعجوز والغلام والجارية والرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا قط دراية الغيب والوعد في القرآن ، فأخبره الملك جبريل أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة معان أو أوجه فمن يفقه أحد المعاني قد يفقه معنى آخر وهكذا إلى سبعة أوجه ، وليقرأن بواحد منها من قرأ ما تيسر له من القرآن .
ولعل الباحثين يلحظون معي اتفاق روايات الحديث على لفظ القرآن وأنه المنزل على سبعة أحرف إذ لم ترد رواية واحدة بلفظنا (إن هذا الكتاب أنزل على سبعة أحرف) .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي  أن لكل من لفظ الكتاب ولفظ القرآن في المصحف دلالة ومعنى قائما لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي  كما بينت في مقدمة التفسير .
ومنه باختصار ما يلي :
إن الكتاب والقرآن في كلامنا لفظان مترادفان لدلالة كل منهما على ما بين دفتي المصحف ، وهو الكتاب أي المكتوب ، وهو القرآن أي المقروء ، ولإثبات قصور هـذا الإطلاق في كلامنا فإن من تفصيل الكتاب أن قد وردت للفظ الكتاب في المصحف عشرة معان بل أكثر سأذكر منها في هـذا المقام تسعا :
أولاها : بمعنى المكتوب كما في قوله  ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله  البقرة 235
وثانيها : بمعنى الفريضة على المكلفين كما في قوله  إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا  النساء 103 أي فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة
وثالثها : اللوح المحفوظ كما في قوله  ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير  الحديد 22
ورابعها : الصحف التي سيؤتاها يوم يقوم الحساب صاحب اليمين بيمينه وصاحب الشمال بشماله وأشقى منه وراء ظهره كما في قوله  فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا  الانشقاق 7ـ8
وخامسها : بمعنى الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح بعد الموت إلى يوم البعث كما في قوله  كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون  التطفيف 18 ـ21 ، وكما في قوله  كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم  التطفيف 7 ـ9
وسادسها : كتاب كل أمة يوم القيامة كما في قوله  وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هـذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون  الجاثية 28 ـ 29
وسابعها : الكتاب الذي أوتيه جميع النبيين والرسل قبل التوراة كما في قوله  كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه  البقرة 213 وكما في قوله  لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان  الحديد 25
وثامنها وقوع لفظ الكتاب على التوراة أو الإنجيل أو هما معا كما في قوله :
•  وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب  الإسراء 4
•  فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك  يونس 94
•  أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين  الأنعام 156
•  وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل  المائدة 110
•  ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل  عمران 48
وكذلك حيث اقترن لفظ الكتاب بموسى سوى حرف الفرقان وحيث ورد لفظ أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب .
ولن يصح إبدال لفظ الكتاب في الأحرف المذكورة وشبهها بلفظ القرآن لأن للقرآن دلالة أخرى لا يصح إيرادها في غيرها كما يأتي تحقيقه .
وتاسعها الكتاب المنزل على خاتم النبيين  كما في قوله  نزّل عليك الكتاب بالحق  عمران 2
إن الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل قبل التوراة لا اختلاف بينه وبين الكتاب الذي تضمنه كل من التوراة والإنجيل والقرآن ، لأن التوراة قد حوت الكتاب وزادت عليه نبوة موسى ، وحوى الإنجيل الكتاب وزاد عليه نبوة عيسى ، وحوى القرآن الكتاب وزاد عليه نبوة خاتم النبيين  ونبوة النبيين قبله كما في قوله  وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه  المائدة 48 .
وإنما علم الرسل والنبيون قبل التوراة الكتاب غيبا فكانوا يعلّمون أممهم منه بقدر استعدادهم للتلقي ثم أنزل الله الكتاب مع موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وتعبد الناس بدراسته ودرايته .
إن الكتاب هو ما تضمن المصحف من الإيمان بالله رب العالمين ، وما تضمن عن العالمين كخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما ، وتدبير أمر الخلق كله ، وما حوى من النعم في الدنيا ومن وصف مخلوقاته وكذا المؤمنون والكفار والمشركون والمنافقون ، وما حوى من التشريع أي الخطاب الفردي والجماعي ، ومن التكليف لسائر العالمين ، وما تضمن عن الحياة والموت والقدر كله والبعث والحساب والجزاء بالجنة أو النار .
وأما القرآن فهو ما حوى المصحف من القصص والذكر والقول والنبوة والأمثال ومن الحوادث التي وعد الله أن تقع بعد خاتم النبيين  قبل النفخ في الصور .
وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن قوله :
•  إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس  النساء 105
•  إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين  الزمر 2
•  ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء  النساء 127
•  وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم  البقرة 231
قد تضمن لفظ الكتاب لاشتماله على الحكم بين الناس وعلى الأمر بالعبادة وعلى الأحكام الشرعية التي شرع الله للناس ، ولو أبدل لفظ الكتاب بلفظ القرآن في الآيات المتلوة المذكورة لانخرم المعنى كما سيأتي .
إن عاقلا أو مغفلا لن يقول إنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم سيعدمه ويعيد خلقه كما خلقه أول مرة ، وكان حريا بالناس أن يفهموا الكتاب لوضوحه وهل في الله فاطر السماوات والأرض شك ؟ ومتى احتاج الأمر بالصلاة والزكاة وسائر التكاليف إلى تدبر ، وإنما هي تكاليف من رب العالمين فمن شاء زكى نفسه بها ومن شاء دساها بالإعراض عنها .
وكان من تفصيل الكتاب أن قوله :
•  وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله امكثوا إني آنست نارا  النمل 6 ـ 7
•  نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا القرآن  يوسف 3
•  وأوحي إلي هـذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ  الأنعام 19
•  ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر  القمر 17 ،22 ، 32 ، 40
•  فذكر بالقرآن من يخاف وعيد  خاتمة سورة ق
•  ولقد ضربنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل  الروم 58 الزمر 27
•  هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ  خاتمة البروج
وشبهه قد تضمن لفظ القرآن لاشتماله على القصص والوعد في الدنيا والذكر والأمثال ولو أبدل لفظ القرآن فيه بلفظ الكتاب لانخرم المعنى .
ولقد أدرك كفار قريش هـذا التفصيل وقالوا كما في قوله  وقال الذين كفروا لن نؤمن بهـذا القرآن ولا بالذي بين يديه  سبأ 31 أي لن يؤمنوا بالقرآن ذي الموعودات في الدنيا ولا بالكتاب ذي التكاليف التي على رأسها ترك الأوثان وعبادة الله وحده ، وذي الموعودات بالآخرة .
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله  الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني  الزمر 23 ليعني أن كل دلالة أو معنى في الكتاب قد أنزل مرة ومرة حتى تشابه وتكرر كما في قوله  وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة  الزمر 45 ومن المثاني معه قوله  إلـهكم إلـه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة  النحل 22 ويعني أن قلوب المشركين تشمئز من الإيمان بالله وحده أي تنكره .
وكما في قوله  واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه  الأنفال 24 ومن المثاني معه قوله  ونحن أقرب إليه من حبل الوريد  سورة ق 16
وكما في قوله  لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش  الأعراف 41 ومن المثاني معه قوله  لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل  الزمر 16 وقوله  يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم  العنكبوت 55 .

بيان قوله  قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 

وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن لفظ النور حيث وقع في الكتاب المنزل قد تقع على أكثر من دلالة ومنها :
1. نور خارق معجز تشرق به الأرض يوم القيامة كما في قوله  وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب  الزمر 69
2. نور في يوم القيامة يهتدي به المكرمون إلى حيث يأمنون كما في قوله  يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا  التحريم 8
3 . نور كالموصوف في سورة النور قد تضمنه القرآن كما في قوله  أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس  الأنعام 122 وبينته في "من بيان القرآن" .
4 . نور يقع على تبيّن ما في الكتاب المنزل والاهتداء به أي في مقابلة الظلمات وهي كل سلوك ومنهج اختاره الإنسان لنفسه مخالفا لهدي الكتاب المنزل كما في قوله  ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور  إبراهيم 5
5 . وأما قوله :
•  قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس  الأنعام 91
•  إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور  المائدة 44
•  وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور  المائدة 46
فيعني أن كلا من التوراة والإنجيل قد تضمن موعودات نبّأ الله بها موسى وعيسى لن تقع إلا متأخرة كثيرا ، وكذلك النور يقع على البعيد فيتراءى للمستبصر رغم ظلمات الغيب .
ومما نبّأ الله به موسى قوله  وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين  المائدة 20 ، ووقعت نبوة موسى هـذه بعده فجعل الله فيهم أنبياء بعده وجعل فيهم ملوكا كطالوت وداوود وسليمان وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ومنه أن علم داوود وسليمان منطق الطير وآتاهما من كل شيء .
ومما نبأ الله به عيسى قوله  ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد  الصف 6
6 . وإن المثاني في قوله :
•  وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا  الشورى 52
•  يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين  المائدة 15
•  فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا  التغابن 8
•  يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا  النساء 174
•  فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون  الأعراف 157
لتعني أن القرآن نور أنزل من عند الله وكلف الناس بالاهتداء به ، إذ يقع على موعودات بعيدة يوم نزل القرآن على النبي الأمي  وكذلك النور يقع على البعيد فيتراءى لك قبل أن تصل إليه ، وسيعلم الناس رأي العين في الدنيا يوم تقع موعودات القرآن فتصبح شهادة بعد أن كانت غيبا يوم نزل القرآن أن القرآن قول ثقيل ألقي على خاتم النبيين  وأنه قرآن عجب يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم إذ سيهتدي به يوم تقع موعوداته أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ، وسيزداد به الذين في قلوبهم مرض رجسا إلى رجسهم وضلالا إلى ضلالهم .
إن إدراك الأحرف السبعة وتبينها في كل موعود من موعودات القرآن في الدنيا هو الغاية التي من أجلها كلفت الأمة كلها بتدبر القرآن والتفكر فيه .
ولعل الأحرف السبعة والله أعلم هي :
1. الأسماء الحسنى
2. الغيب في القرآن
3. الوعد في الدنيا
4. النبوة
5. القول
6. الأمثال
7. الذكر
فإن لم تكن هـذه هي الأحرف السبعة مجتمعة بذاتها فلقد اجتهدت ونحوت نحوها نحوا والعلم عند الله ، وليجدن من تدبر القرآن أن كل موعود في القرآن ـ وهو كل حادثة ستقع في الدنيا قبل انقضائها ـ قد تضمنها كل حرف من هـذه الأحرف السبعة ، وتضمن كل حرف منها ما شاء الله من المثاني ، وتضمنت كل واحدة من المثاني ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين ، فمتى يعقل أولوا الألباب أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل وأن رب العالمين قد فصله على علم ، وأن الأمة لا تزال أمية لم تتدارسه بعد .
ولقد نحا الأولون قريبا مما فهمت لكنهم لم يستطيعوا التفرقة بين الكتاب والقرآن ولا بين أحكام الكتاب كالناسخ والمنسوخ والحلال والحرام والعام والخاص والمجمل والمبين وبين خصائص القرآن كالأمثال والوعد في الدنيا والخبر بمعنى القصص .
ولقد تمكنت بفضل الله من إثبات كل موعود في القرآن بهذه الأحرف السبعة التي تضمن كل واحد منها ما شاء الله من المثاني :
ومن الموعودات والغيب في القرآن أن الله سيصدق رسالة النبي الأمي  بآيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء في آخر الأمة :
وتضمنها حرف القول كما في قوله  وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون  خاتمة النمل
وتضمنها حرف الغيب في القرآن كما في قوله  ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين  يونس
وتضمنها حرف الوعد في الدنيا كما في قوله :
ـ  وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين  الأنعام 4 يـس 46
ـ  قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون  الأنعام 109
ـ  يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون  الأنعام 158
ـ  إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم  يونس 96 ـ 97
ـ  ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون  خاتمة الروم
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني :
ـ  اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر  القمر 1
ـ  وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها  الأنعام 25 الأعراف 146
ـ  هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب  غافر 13
ـ  ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون  غافر 81
ـ  وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون  خاتمة النمل
ـ  سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق  فصلت 53
ـ  خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون  الأنبياء 37
ـ  وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا  الجاثية 9
ـ  فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون  البقرة 73
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة ، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه .
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني :
ـ  وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى  البقرة 260
ـ  لنريك من آياتنا الكبرى  طه 23
ـ  وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها  الزخرف 48
ـ  ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى  طه 56
ـ  لنريه من آياتنا  الإسراء 1
ـ  لقد رأى من آيات ربه الكبرى  النجم 18
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد  في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى ، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق .
وتضمنها حرف الذكر كما في قوله :
ـ  إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم  السجدة 15
ـ  ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها  الكهف 57
ـ  ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها  السجدة 22
ـ  وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون  الصافات 13 ـ 14
ـ  والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا  الفرقان 73
ـ  هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب  غافر 13
وتضمنها حرف الأسماء الحسنى كما في قوله  وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون  الأنعام 37
وتضمنها حرف النبوة لأنه من مما نبّأ الله به النبي الأمي  في القرآن ، وجميع أنباء القرآن محققة الوقوع بعد نزوله بحين من الدهر كما في قوله  ولتعلمنّ نبأه بعد حين  خاتمة سورة ص ، وقوله  لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون  الأنعام 67
وتضمنها حرف ضرب الأمثال كما في قوله  ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون  خاتمة الروم
ومن تلك الآيات الخارقة للتخويف والقضاء أن الماء سيصبح يوما غورا فلا يجد الناس ولا الدواب على ظهر الأرض أو في باطنها ماء يشربون منه .
وتضمنها حرف القول كما في قوله  قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين  أخر سورة الملك
وتضمنها القرآن في حرف الوعد في الدنيا كما في قوله  وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين  الحجر 22
وتضمنها حرف الذكر كما في قوله  وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا  الجن 16ـ17 فجعل الماء الغدق بعد أن كان غورا من الذكر الذي يعذب المعرض عنه ، وكما في قوله  وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر  البقرة 60 أي واذكروا يا أمة القرآن ذلك الحدث
وتضمنها حرف الأسماء الحسنى كما في قوله  وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون  المؤمنون 18
وتضمنها حرف الأمثال كما في قوله  واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ... أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ... هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا  الكهف 32ـ44 ويعني أن صيرورة الماء غورا هو من المثل الذي ضربه الله لهذه الأمة في القرآن
وتضمنها حرف النبوة وتضمنها حرف النبوة لأنه من مما نبّأ الله به النبي الأمي  في القرآن ، وجميع أنباء القرآن محققة الوقوع بعد نزوله بحين من الدهر كما في قوله  ولتعلمنّ نبأه بعد حين  خاتمة سورة ص ، وقوله  لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون  الأنعام 67
انواكشوط 26 ذو القعدة 1429هـ

الحسن محمد ماديك
 
أخي حسن، سلام عليك ورحمة الله وبركاته،
حتى تكون الفائدة عامة، أراجعك، أخي الكريم، في الموقع عسى أن يلتحق بالحوار ملتحق ليغني البحث وتعم الفائدة ـ إن شاء الله ـ
عجبت كثيرا بتحليلك وتتبعك لوجه الخلاف بين القراءات وحصرت انماطها في سبعة، وحمدت لك الله أن أجرى على لسانك بيان وجه دلالات الأحرف السبعة؛ ولما تابعت القراءة وجدتك أنك لا زلت في حيرة تبحث عن وجه دلالات الأحرف السبعة ؟
أما ما قلت عنه بأنه الأحرف السبعة:
1. الأسماء الحسنى
2. الغيب في القرآن
3. الوعد في الدنيا
4. النبوة
5. القول
6. الأمثال
7. الذكر
فلم أرى من وجه يجمع فيما بينها، إلا قولك تارة بأنها المثان السبع، وتارة بأنها الأحرف السبع.
ما تتبعت من معاني لفظة : " النور " يحتاج إلى مراجعة ذات دلالة لغوية بيانية؛ وفي هذا الشأن فالأمور اللغوية تحسم شأنها المعاجم، والأمور الاصطلاحية لها معاجمها الخاصة، ولا بد من اعتمادها حتى تعطي لقولك دلالات لغوية بينة.
وأنصح اخي الكريم، بأن يتمعن ما يكتبه مثلا د. السمرائي وأمثاله من رجال البلاغة القرآنية، فقد يفتح الله لك ما يجعل كلماتك تتآزر مع الدلالات اللغوية, وتكون لها قوة الحجة الدلالية، والتي لا يستطيع ردها راد بحول الله إلا باجتهاد خاص.
زادك الله فتحا مبينا، ورفعة لشأن قلمك، والسلام عاليكم ورجمة الله وبركاته.
أخوك محمد جابري
 
الأخ الكريم محمد جابري سلمك الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك على تعليقك الذي علمت من خلاله سلامتك بعدما افتقدك
أما قولك "ولما تابعت القراءة وجدتك أنك لا زلت في حيرة تبحث عن وجه دلالات الأحرف السبعة ؟" فإني لأعلنها لك وللناس جميع أني لا زلت في حيرة وتتبع وإنما اجتهدت اجتهادا في تفسير الأحرف السبعة وإيقاعها على المعاني التي وردت بها موعودات القرآن ، ولعل من لم يفهم ذلك باستقراء الأمثلة لن يستوعب عني ما قلت ،
ومعاذ الله أن أتعصب لاجتهادي في تفسير الأحرف السبعة وليتك تنقض لي استقرائي واستدلالي لأرجع عنه كما نقضت بالاستقراء أن اختلاف الأداء ليس هو المراد بالأحرف السبعة .
أما اعتراضك أخي العزيز على تفسيري معاني لفظ النور في القرآن فهو عجيب عندي لأنه أوضح من أن يجتاج إلى تعقيب
والله يحفظك ويرعاك
الحسن
 
عودة
أعلى