بحث جديد للدكتور علي مصطفى عن نصر حامد أبو زيد

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
قام الدكتور علي مصطفى بنقد فكر نصر حامد ابو زيد كما ونقد بعض الدراسات التي نقدت فكر نصر حامد ابو زيد
-صدرت دراسة الدكتور علي مصطفى حفظه الله في عدد مجلة جامعة حران التركية لشهرنا هذا-امس
والدراسة كاملة والمجلة في الرابط التالي، وهي تبدأ من صفحة 151، والبحث بعنوان(المذهب النقدي عند "الدكتور نصر حامد أبو زيد"
وموقفه من الاحتجاج بالسنة
قراءة نقدية
إعداد
د. علي صالح مصطفى
كلية الإلهيات، جامعة حران
شانلي أورفة، تركيا"
ومما قاله حفظه الله عن بحثي(الفصل من كتابي أقطاب العلمانية ج1) :"وقد حاول ابن الشاطئ في كتابه "أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي" أن يسلّط النقد على نظرية النقد عند الدكتور ، ولعلي أحاول إكمال النقص ، وتطوير الطرح للخروج بنقد مقنع لمذهبه النقدي ..."انظر ، ابن الشاطئ ، أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي (1/63) .
البحث للتحميل
http://web.harran.edu.tr/assets/uploads/sites/58/files/dergi-32-29012016.pdf
 
لي تعقيب قصير على ما أورده الدكتورعلي مصطفى في بحثه من أن أبو زيد "ينطلق من نظريات النقد اللغوي ذات الجذور الفلسفية الغربية..."
أولا- نصر أبوزيد لا علاقة له بنظريات النقد الغربية،رسالته للماجستير مطبوعة منذ أكثر من 30 سنة موضوعها "الاتجاه العقلي في التفسير:دراسة في قضية المجاز عند المعتزلة"
أما رسالة الدكتوراه فعن "التأويل عند ابن عربي" الباطني.وهما مقدمتان في تخصص الأدب العربي.
فمتى درس نظريات النقد الغربية؟؟؟
قدر لي الاطلاع على رسالته للماجستير قبل عقود،ولم أجد فيها كلاما علميا عن "المجاز"و لا "تفسيرا عقليا اعتزاليا"...
بل وجدت فيها سعيا حثيثا وتكلفا لاضفاء "صبغة" مادية على تاريخ الخلافة الراشدة وعلى جانب من فكر الاعتزال،وطعنا في عقيدة أهل السنة التي تتناقض مع ما (أشربه في مخ عظامه من الماركسية).
ففي مقدمة رسالته للماجستير يدعي بأن المعتزلة سعوا "لنفي التصورات الشعبية عن الذات الالهية..."!!!
والتصورات الشعبية هذه...هي عقيدة السلف الصالح،عقيدة الأعلام كمالك بن أنس والشافعي وأحمد والأوزاعي...أي الاعتقاد بما وصف به البارى نفسه مما نقل الينا وحيا...،المعتزلة أولوا ذلك ولم يجرؤوا على ادعاء أنه "تصورات شعبية" حتى جاء هذا الماركسي...
وفي نفس المقدمة أيضا نجده يشيد بقتلة عثمان رضي الله عنه واصفا اياهم بـ"ثوار الأمصار" الذين ثاروا لأن الخليفة-تبعا لماركسيته-"أباح لأعلام قريش أن يتملكوا الضياع ويشيدوا القصور..." ثم " كونوا طبقة أريستوقراطية دينية"..
(الرجل يصبغ كل شيء باللون الأحمر ولم يبق له سوى أن يضيف اليه "المطرقة والمنجل"ليصبح المعتزلة في زمنهم هم الذين أنجبوا ماركس ولينين وستالين وقادة الماركسية المعاصرين...)وهذا في مقدمة رسالة الماجستير الموبوءة المقدمة الى قسم الآداب بجامعة القاهرة عام 1976...
وأتساءل أين هي نظريات النقد الغربية في مثل هذا الافتراء؟؟؟
ثانيا-حصل أبو زيد على الدكتوراه عام 1979م وبحكم أن هذه الفترة -خاصة في مصر-شهدت نفورا من كل ما له تعلق بالماركسية والماركسيين فقد غير الرجل طريقة كتابته عن طريق الانخراط في "جوقة" يتامى الحداثة بالقاهرة الذين تحلقوا حول مجلة "فصول" التي أسست 1979 وتدعي تخصصها في "النقد الأدبي"تحت اشراف جابر عصفور.
في العدد1 من المجلد5 من المجلة(1984م) نجده -مثلا-يلجأ الى أسلوب ملتو للتطاول على عبدالقاهر الجرجاني والتنقيص من علمه من أجل التلبيس على تفسيره الماركسي لاعجاز القرآن بالنظم...مدعيا-وأنا أسوق هنا كلامه بالحرف ص22-"...لم يكن عبدالقاهر يستطيع ان يتجاوز تجاوزا كاملا حدود ثقافته وعصره،لأنه يتحرك في حدود هذه الثقافة وفي أفق العصر،ومهما حاول أن يتجاوز فان ثم حدودا لا يمكنه تجاوزها..."
وأتساءل:وأنا أقرأ مثل هذا الكلام هل نظفر به خارج "التفسير المادي التاريخي" الذي هو لباب الماركسية ؟؟؟
 
المذهب النقدي عند "الدكتور نصر حامد أبو زيد"
وموقفه من الاحتجاج بالسنة
رؤية نقدية
إعداد
د. علي صالح مصطفى
كلية الإلهيات، جامعة حران
شانلي أورفة، تركيا
ملخص
وجه عدد من أساتذة العلوم الشرعية في جامعة القاهرة نقدا لآراء الدكتور نصر حامد أبي زيد بسبب آرائه المخالفة لثوابت الإسلام وقواعده المستقرة، لكن هذا النقد توجه إلى النتائج التي وصل إليها الدكتور أبو زيد دون الدخول معه في نقاش حول مذهبه النقدي وجذوره الفلسفية التي اعتمد عليها للوصول إلى النتائج المثيرة للجدل. وتحاول هذه الدراسة أن تسد هذه الثغرة فتناقش الدكتور نصرا في مذهبه النقدي وجذوره الفلسفية من أجل بيان قيمة مذهبه هذا في ميزان البحث العلمي، ثم اخترت أهم آرائه في حجية السنة النبوية لمناقشتها وبيان القيمة العلمية لها.
مقدمـــة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد، فقد ظهر قوم هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، نعرف منهم وننكر ـ انبروا للدعوة إلى فهم الإسلام فهماً معاصراً يقوم على أساس حاكمية العقل تطبيقاً لصلاحية الإسلام لكل مكان وزمان؛ من أجل النهوض بالأمة واللحاق بركب المدنية الحديثة، لكن كثيراً من المتخصصين في العلوم الشرعية والباحثين والمفكرين الإسلاميين رموا هؤلاء بأنهم نقضوا أصول الإسلام، وقلبوا حقائقه، وفرّغوه من مضمونه، وابتدع كل منهم بعقله ديناً لا يشبه الإسلام إلا في اسمه، وصار القرآن لا يشبه القرآن إلا في رسمه.
ومن هؤلاء الحداثيين الذين ذاع صيتهم، وتبوّؤوا منصب التنظير للعصرنة، وانبرى المتخصصون والمفكرون الإسلاميون للرد عليهم وبيان زيف منطقهم ـ الدكتور نصر حامد أبو زيد.
ولم يتبوّأ أبو زيد هذه المنـزلة بين الحداثيين بسبب نبوغه أو قوة حجته أو سبقه في محيطه، وإنما اشتهر بعد رفض مجلس البحث العلمي في جامعة القاهرة ترقيته إلى درجة أستاذ في اللغة العربية بناءً على أن أبحاثه التي قدمها لنيل الترقية تفتقر إلى شروط البحث العلمي، فهي لا تصلح أن تكون أبحاثاً علمية؛ لأنها مجموعة مغالطات، تنفصم فيها النتائج عن المقدمات، يخرج فيها الباحث بنتائج لا سند علمياً لها، وإنما هي أوهام سطرها، وحاول أن يلتمس لها أدلة، فأخفق، وامتلأت كتاباته بالأخطاء العلمية التي تنقض أصول الإسلام باسم فهمه.
ولم يرض الدكتور وأنصاره اليساريون "السابقون" هذه النتيجة؛ لأنها تتجاوز أبحاث الدكتور نصر لتحكم على أفكار الحداثيين جميعاً بالإعدام، فسارعوا إلى نقل هذه المسألة العلمية إلى الشارع، فصار يحكم فيها الدهماء بعد أن بتّ فيها العلماء، وتجاوزت الضجة حدود مصر، وتباكى الحقوقيون والإعلاميون الغربيون على حرية الرأي المهضومة على يد التيار "الماضوي".
ثم دخل الخلاف أروقة المحاكم بعد أن رفعت ضد الدكتور نصر دعوى تفريق بينه وبين زوجته بسبب ردّته عن الإسلام معتمدين على قرار مجلس البحث العلمي؛ فعلت أصوات أنصاره داعين إلى إنصاف "شهيد الفكر الحر"، وانتهى الأمر باحتضان بعض الجامعات الغربية له.
أقول: لقد تولى الرد عليه عدد كبير من العلماء، وهاك ما وقفت عليه:
(1) قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة للدكتور عبد الصبور شاهين، أورد فيه نقد مجلس البحث العلمي لأبحاث الدكتور نصر، ثم أورد عدداً من الردود الأخرى لعدد من العلماء والمفكرين.
(2) نقض كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته للدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، وهو رد على كتاب الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية.
(3) أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي لابن الشاطئ طارق منينه، نقد المؤلف أفكار عدد من الحداثيين منهم أبو زيد في الجزء الأول.
(4) نصر حامد أبو زيد والهرمنيوطيقا لسليمان بن صالح الخراشي، وقد اعتمد على دراسة ابن الشاطئ السابقة.
وقد تناولت الردود السابقة آراء الكاتب بالتحليل والنقد، وتقويم الأخطاء التي وقع فيهـا، وتميزت بما يلي:
(1) تحليل النص الذي اعتمد عليه الكاتب، ثم تحليل فهم الكاتب للنص ونقده.
(2) تعجب النقاد من طريقة فهم الكاتب للنصوص، واتهامه بليّ أعناق النصوص لتقرير ما يريد.
(3) رمى كثير من النقاد الكاتب بالجهل بالعلوم التي يتولى نقد نصوصها؛ لأنه يقرر فهمه الخاص لأصولها واتجاهات علمائها، ويعرض عن الفهم المتفق عليه بين العلماء لتلك المصطلحات والاتجاهات.
(4) اهتم النقاد الذين وقفت على دراساتهم بالرد على نماذج متعددة من أفكاره التي طرحها، تشمل علوم القرآن، والتفسير، والحديث، والفقه، وأصول الفقه، والعقيدة، وغيرها.
أما دراستي هذه فليست تكرارا لما خطّه السابقون، وإنما هي تصويب للطريقة التي سلكوها في النقد؛ فقد اتجهت هذه الدراسات إلى نقد مخرجات أبحاث أبي زيد مباشرة دون البحث في منهجه الفكري وجذوره الفلسفية، وفي النتيجة حصل فصام شديد بين الطرفين، واتهم كل طرف الآخر بالجهل وجمود الفكر، وانقطع حبل التواصل بين الأفكار؛ لأن أبا زيد ينطلق من نظريات النقد اللغوي ذات الجذور الفلسفية الغربية، أما ناقدوه فيعتمدون على التراث اللغوي والشرعي المستمد من الحضارة الإسلامية، وكل طرف يرفض أن ينتقل إلى ساحة الآخر ليحاوره في منهجه الفكري، ويصرّ على فهم مصطلحات الآخر بعيدا عن بيئتها الفكرية. وقد رأيت أن أفضل طرق نقد المخالف فهم نظرياته ومصطلحاته بناء على المعنى الذي يقصده هو حسب بيئته الفكرية، وبعد ذلك يمكن محاكمته إلى المنهج الإسلامي كونه اقتحم النصوص الإسلامية وسلّط عليها فهمه ونقده المستمد من بيئة أخرى. وبناء على هذا فقد قصدت في هذا البحث تحقيق الأهداف التالية:
(1) بيان المنهج الفكري الذي يعتمد عليه الدكتور أبو زيـد في التحليل والنقد والاستنتاج.
(2) نقد طريقته في التفكير.
(3) إبراز أهم آرائه في علوم السنة، ونقدها.
وقد تضمن البحث مقدمة وتمهيداً وعدداً من المطالب وخاتمةً وفهرساً للمراجع وآخر للموضوعات.
المقدمة: ذكرت فيها موضوع البحث، والدراسات المتصلة به، وسبب اختياره، والإضافة التي أرجو تحقيقها.
التمهيد: وهو مدخل إلى البحث، عرّفت فيه اليسار الإسلامي كتيار حداثي يطرح فهماً جديداً للإسلام، ثم عرّفت الشخصية العلمية للدكتور نصر حامد موضوع الدراسة.
المطلب الأول: المذهب النقدي عند الدكتور " نصر حامد أبو زيد ".
المطلب الثاني : نقد المذهب النقدي عند الدكتور " نصر حامد أبو زيد "
المطلب الثالث: نقد موقفه من الاحتجاج بالسنة.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
فهرس المراجع.

تمهيد
قبل البدء بالدراسة ينبغي التعريف بتيار الحداثة أو اليسار الإسلامي كما يحب الدكتور أبو زيد أن يسميه، ثم التعريف بالدكتور نصر حامد كونه موضوع هذه الدراسة.
· أولاً: التعريف باتجاه اليسار الإسلامي.
انبهر كثير من المثقفين بالتيار الشيوعي في ستينات القرن العشرين، وصاروا يدافعون عن النظرية المادية في تفسير حركة التاريخ التي من أسسها الإلحاد وازدراء الدين والاشتراكية بين الناس في تقاسم حاجاتهم المعيشية، وبلغ الأمر أن صار بعضهم يروجون لاشتراكية الإسلام؛ تجميلاً لوجه الإسلام في عيون الشباب !
ولما سقطت الشيوعية في أرضها وبين أهلها، ولم تحقق في أرضنا شيئاً مما وعدت، وصار روادها يتحررون من رقها، وجماهيرها يعلنون براءتهم منها، أسقط في أيدي من ظلت الشيوعية منهجهم اعتقاداً أو انتفاعاً؛ فلم يجد هؤلاء تياراً أقوى من الإسلام في حس الجماهير التائبة، فصاروا يروجون الفكر المادي باسم الإسلام، وتحولوا من ازدراء الدين إلى ادعاء اعتناقه واحترامه والنطق باسمه[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP]، وانضم إلى هؤلاء العلمانيون على اختلاف مرجعياتهم الفكرية.
وهؤلاء جميعاً رغم الاختلافات العميقة بينهم إلى حد التناقض إلا أنهم يروجون أفكارهم من خلال الإسلام بادعاء تجديد فهم الإسلام ليكون قادراً على حل "إشكاليات النهضة"، وذلك بعد تفريغ النصوص الشرعية من مضامينها، بل ينكرون أن يكون لها مضامين ثابتة أصلاً، ثم يفسرها كل حسب مرجعيته الفكرية، ويجمعهم أيضاً التعالم على علماء المسلمين الذين أفنوا أعمارهم في تأصيل العلوم الشرعية، ومما يلفت النظر أن "الإسلاميين الجدد" ينظرون بعين الشك والريبة إلى كل ما أبدعه علماؤنا، وينظرون بعين التقدير والاحترام والتسليم لنظريات الغربيين؛ فنقض هؤلاء المتفق عليه والثابت من الأصول الشرعية كي لا تتعارض مع ما عليه الغربيون.
إذن ليس من قبيل الصدفة أن يصنف هؤلاء أنفسهم في الاتجاه "الليـبرالي"[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]، فهم يفسرون الإسلام تفسيراً متحرراً من الإسلام، ومن الشعارات التي رفعها هؤلاء شعار الحداثة التي تعني عندهم الانقلاب على الماضي وليس الاستفادة منه في النهوض بالحاضر.
ومن هؤلاء الدكتور نصر حامد موضوع هذه الدراسة، وقبل البدء بها يحسن الوقوف على أبرز محطات حياته العلمية؛ علّها تكشف جذوره الفكرية، ودوافعه المخبوءة.
· ثانياً: التعريف بالدكتور "نصر حامد أبو زيد"[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP]
ولد في (10/7/1943م) في طنطا التابعة للمحافظة الغربية في مصر، حصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية من قسم اللاسلكي عام (1960م)، وحصل على الليسانس والماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب في جامعة القاهرة، وقد حصل على الدكتوراه عام (1972م).
تلقى عدة منح دراسية وجوائز وزيارات علمية، وهي:
(1) منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1976-1977م.
(2) منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1977-1980م.
(3) جائزة عبد العزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982م.
(4) أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 1985 - 1989م.
(5) وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية "تونس" 1993م.
(6) أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا بدءا من أكتوبر 1995م.
(7) جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان، 1996.
(8) كرسي "كليفرينخاCleveringa" للدراسات الإنسانية -كرسي في القانون والمسئولية وحرية الرأي والعقيدة- بجامعة ليدن بدءا من سبتمبر 2000م.
(9) ميدالية "حرية العبادة"، مؤسسة "إليانور وتيودور روزفلت"،2002.
(10) كرسي "ابن رشد" لدراسة الإسلام والهيومانيزم"، جامعة الدراسات الهيومانية في أوترخت، هولندا 2002.
للكاتب عشرات الأبحاث من كتب ومقالات ومحاضرات باللغة العربية وغير العربية، عدد منها ترجم إلى لغات أوروبية، هاك أهمها[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]:
(1) ابن رشد: التأويل والتعددية، مجلة العربي، الكويت.
(2) الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة.
(3) الأرثوذكسية المعمّمة، مجلة الناقد، لندن.
(4) إشكاليات القراءة وآليات التأويل.
(5) الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية.
(6) تجديد الفكر الإسلامي: أسئلة واقتراحات، جريدة الحياة، لندن.
(7) ترجمة هولندية لمختارات من كتابي: "مفهوم النص" و "نقد الخطاب الديني" ترجمة: فريد وروبي ليمهاوس.
(8) التفكير في زمن التكفير.
(9) التلفيقية في التجديد الإسلامي (قراءة نقدية لكتاب محمد شحرور)، مجلة الهلال، القاهرة.
(10) الخطاب والتأويل.
(11) الخلافة وسلطة الأمة.
(12) دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة.
(13) عصيان الدين أم عصيان الدولة، مجلة الناقد، لندن.
(14) فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي.
(15) القراءة الأدبية للقرآن: إشكالياتها قديما وحديثا، مجلة الكرمل، فلسطين.
(16) قراءة التراث وعدسة الناقد الحداثي، مجلة القاهرة.
(17) القول المفيد في قصة أبي زيد.
(18) الكشف عن أقنعة الإرهاب، مجلة أدب ونقد، القاهرة.
(19) كلام ليس جديدا تماما عن الإسلام والشعر، مجلة أدب ونقد، القاهرة.
(20) اللغة//الوجود//القرآن: دراسة في الفكر الصوفي، مجلة الكرمل، فلسطين.
(21) محاولة قراءة المسكوت عنه في خطاب ابن عربي، مجلة الهلال، القاهرة.
(22) المرأة في خطاب الأزمة.
(23) مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن.
(24) المقاصد الكلية للشريعة: قراءة جديدة، مجلة العربي، الكويت.
(25) من علمانية بداية القرن إلى أصولية نهايته، حرية، لجنة الدفاع عن حرية الفكر والاعتقاد.
(26) المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية (رد على شحرور)، مجلة الهلال، القاهرة.
(27) النص، السلطة، الحقيقة.
(28) نصوص مختارة، ترجمة: محمد شاريت.
(29) نقد الخطاب الديني، ترجم إلى الألمانية.
(30) هكذا تكلم ابن عربي.
(31) اليسار الإسلامي: إطلالة عامة.
بالتأمل في قوائم المنح الدراسية والجوائز والأبحاث التي قام بها المؤلف وتلك التي ترجمت- تظهر النتائج التالية:
(1) اهتمام الأقسام الاستشراقية في الجامعات الأمريكية بالدكتور نصر في بداية مشواره العلمي، وسيتبيّن في هذه الدراسة مدى تأثره بآراء المستشرقين والفكر الغربي عموماً في آرائه التي تبناها فيما بعد.
(2) بعد تعرّض الدكتور نصر لحملة نقد عنيفة من قبل المؤسسات الإسلامية والعلماء امتدت أيادي المؤسسات الاستشراقية في الغرب لتبني الدكتور ودعمه ونشر أبحاثه وترجمتها، وصوّرته بصورة المفكر الإسلامي المضطهد بسبب آرائه الإصلاحية.
(3) حذت المؤسسات العلمانية في العالم الإسلامي حذو المؤسسات الاستشراقية، فمنحت الدكتور الجوائز التقديرية، واستضافته لإلقاء المحاضرات، وروّجت أبحاثه بصفتها تمثّل "الفكر الإسلامي المستنير".
(4) يحاول الدكتور إبراز نفسه بصورة الباحث عن الحقيقة من غير التزام بتيار فكري معين؛ لذلك فهو ينقد زملاءه في تيار الحداثة، ويختلف معهم إلى حـد التناقض أحياناً، ويتكلم عن تيار اليسار الإسلامي وكأنه لا ينتمي إليه، ونظرة إلى مسرد مؤلفاته تدل على هذا.
(5) جلّ مؤلفات الدكتور تدور حول نقد التراث الإسلامي، سواء كانت النصوص الشرعية أو اجتهادات العلماء المتفق عليها أو المختلف فيها.
(6) يلاحظ من يتأمل مسرد المؤلفات ظاهرة التكرار في مضمون عناوينها مع اختلاف القالب الشكلي، وأقصد بالتكرار أنه يجتر أفكاره في كتبه في قوالب لغوية شتى، وكذا مضامين كتبه عند تأملها، فجل مؤلفاته تدور حول فكرة رفض اجتهادات العلماء السابقين المتفق عليها والمختلف فيها سواء، وتأسيس فهم جديد للنصوص على ضوء المذاهب الغربية في النقد الأدبي مما يؤدي إلى إنتاج إسلام معاصر يقوم على الأسس الفكرية الغربية، ولا عيب أن يخدم الكاتب فكرته في عدة مؤلفات شرط أن يطرقها في كل مرة من جانب مختلف، أما التكرار غير المفيد الذي ليس فيه جديد فهو المعيب.

المطلب الأول
المذهب النقدي عند "الدكتور نصر حامد أبو زيد"
اتسم النقد الموجه لفكر الدكتور نصر بالاهتمام بالنتائج التي توصل لها؛ فانصبت محاولات النقاد على تحليل آرائه في العقيدة وعلوم القرآن والحديث والأصول والفقه، وبيان مخالفتها للأصول المتفق عليها عند العلماء المتخصصين قديماً وحديثاً، وعزوا هذا إلى سوء فهم الباحث لكلام العلماء وجهله باتجاهاتهم النقدية وأصولهم المنهجية في العلوم التي قاموا بتأصيلها، وصاروا يردون عليه بالآيات والأحاديث وكلام العلماء معتمدين على وضوح دلالات هذه النقول متعجبين من جرأة الدكتور على مخالفتها متسائلين عن السبب هل هو الجهل أم الإنكار ؟ وأحلاهما مر[SUP][SUP][5][/SUP][/SUP].
أما الدكتور أبو زيد فقد رد على منتقديه، وأخذ عليهم التفكير السطحي، والسذاجة في النقد، وعدم إمعان النظر في دلالات كلامه، وعدم فهم النصوص الشرعية التي يستدلون بها في الرد عليه، وصار يفسر هذه النصوص تفسيراً موافقاً لأطروحاته، ووصف الحقائق العلمية والثوابت الشرعية التي ذكروا أنه خالفها بأنها "محفوظات" تلقوها من أساتذتهم تقليداً، وهم الآن يلقنونها طلبتهم اليوم، وأنهم لا يحسنون النقد أو التفكير العلمي[SUP][SUP][6][/SUP][/SUP].
من الواضح أن اختلاف الدكتور مع منتقديه أشبه بحوار "الطرشان"، والمتابع لما صدر من نقد ونقد مضاد تتبين له الحاجة إلى فرز نقاط الاتفاق والافتراق، وتأجيل نقد النتاجات الفكرية إلى مرحلة لاحقة، والاهتمام بنقد المنهج الفكري الذي أنتج هذه الآراء؛ لأن نقض القواعد والأصول سيؤدي بالضرورة إلى نقض الفروع الناتجة عن هذه الأصول.
وقد أفصح الدكتور عن منهجه في النقد، وكرر توضيحه والاستدلال عليه في عدة مؤلفات كعادته، ثم طبق منهجه هذا على النصوص الشرعية وكلام المجتهدين، فأنتج آراء جديدة لا تتناقض مع المجمع عليه عند العلماء فقط، وإنما تختلف مع زملاء الدكتور في التيار الحداثي.
وعلى الرغم من هذا فقد اتجه النقد - في حدود ما اطلعت عليه - إلى الأمثلة التطبيقية التي قدمها الدكتور بصفتها فهماً جديداً معاصراً للإسلام، وأغفل نقد النظرية ذاتها التي أنتجت هذه الآراء.
هذه السمة العامة التي اتسمت بها الردود التي جمعها الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه "قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة"، وكذا رد الدكتور رفعت فوزي على كتاب "الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية"، وقد حاول ابن الشاطئ في كتابه "أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي"[SUP][SUP][7][/SUP][/SUP] أن يسلّط النقد على نظرية النقد عند الدكتور، ولعلي أحاول إكمال النقص، وتطوير الطرح للخروج بنقد مقنع لمذهبه النقدي.
وبعد جمع كلام الدكتور المتعلق بتأصيل مذهبه النقدي الذي فرّقه بين ثنايا كتبه يمكن توضيح المذهب الذي يعمله في نقد النصوص في النقاط التالية:
(1) لا يجهل الدكتور منهج العلماء المسلمين في تفسير النصوص ونقدها، والتمييز بين دلالاتها اللغوية، لكنه يرفض الاعتماد عليه؛ لأن التطور في البحث العلمي في مجال علم اللغة الحديث والمذاهب النقدية الحديثة في اللغويات قد تجاوزه؛ لذلك فهو يعتمد نظريات النقد الأدبي الحديث في تفسير النصوص الشرعية ونقدها، يقول الدكتور[SUP][SUP][8][/SUP][/SUP]: " إن قراءة التراث من منظور المنهجيات الحديثة هي الاحترام الحقيقي؛ لأنها تفترض قدرة هذا التراث على الاستمرار والتطور، لكن هذه القراءة لا تقف عند حدود الاحتفال والتوقير الزائف، بل تتجاوز ذلك إلى النقد الذي يكشف عن ما في هذا التراث من جوانب ضعف منبعها لا تاريخيته، إن الدرس العلمي الحقيقي يكشف الإيجابي كما يكشف السلبي دون تعصب أو حميّة زائفة أو تقديس لفكر بشري واجتهاد إنساني "، وقد صرّح باعتماده على نظرية الفيلسوف الأمريكي "هيرش"[9] في التفريق بين المعنى والمغزى للنصوص اللغوية[SUP][SUP][10][/SUP][/SUP]، وبناء عليه قد عد الأحكام الشرعية تاريخا مضى لا يصلح لحكم الواقع المعاصر. واعتمد على نظرية "دي سوسير"[11] في إنكار دلالة المفردات اللغوية على حقائق موجودة في الواقع[SUP][SUP][12][/SUP][/SUP]، وإنما تدل على مفاهيم ذهنية لا تدل بالضرورة على وجودها واقعاً، ويصرّح أيضاً باعتماد "الهرمنوطيقية الجدلية"[13] أساساً لتفسير القرآن[SUP][SUP][14][/SUP][/SUP].
(2) ادعاء الدكتور أن القرآن "منتج ثقافي"[SUP][SUP][15][/SUP][/SUP]، أو قوله "بشرية النصوص "[SUP][SUP][16][/SUP][/SUP]، وغيرها من العبارات المشابهة، لا يقصد بها إنكار الوحي الإلهي المتمثل في نصوص القرآن، لكنه يرى أن فهم النصوص وتطبيقها جهد بشري يخضع للمعايير الاجتماعية والثقافية السائدة في زمن المفسّر، وهذا التأويل يختلف من زمن لآخر، بناءً على النظريات الغربية في النقد التي يحتكم لها، وقد أشار الدكتور إلى قول المعتزلة بخلق القرآن[SUP][SUP][17][/SUP][/SUP] للدلالة على وجود الفكر التحرري العقلي عند المسـلمين، يقول الدكتور:[SUP][SUP][18][/SUP][/SUP] " إن النصوص الدينية نصوص لغوية، شأنها شأن أية نصوص أخرى في الثقافة، وأن أصلها الإلهي لا يعني أنها في درسها وتحليلها تحتاج لمنهجيات ذات طبيعة خاصة تتناسب مع طبيعتها الإلهية الخاصة ".
يتبين أن هذه الألفاظ لا تدل على إنكار الوحي الإلهي صراحة خلافاً لما ألمح إليه الدكتور شاهين[SUP][SUP][19][/SUP][/SUP]، ولا تناقض في كلامه خلافاً لما صرّح به الدكتور مصطفى الشكعة[SUP][SUP][20][/SUP][/SUP]، وأن موقفه المتذبذب من مصدر الوحي له تفسير آخر.
(3) يفرّق الدكتور بين الدين والفكر الديني أو الخطاب الديني فيقول[SUP][SUP][21][/SUP][/SUP]: " ولا بد هنا من التمييز والفصل بين الدين والفكر الديني، فالدين هو مجموعة من النصوص المقدسة الثابتة تاريخياً، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها، ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر، بل ومن الطبيعي أيضاً أن تختلف من بيئة ـ واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدد ـ إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدد الاجتهادات بنفس القدر من مفكر إلى مفكر داخل البيئة الواحدة "، ثم أنكر محاولة الخطاب الديني المعاصر ادعاء قداسة فهمه للدين حتى صار فهمه للدين هو الدين ذاته.
وهذا التفريق بين الدين والفكر الديني هو الفرق بين النصوص وسلطة النصوص، يقول الدكتور[SUP][SUP][22][/SUP][/SUP]: " من هنا تصح التفرقة بين النصوص والسلطة التي يضفيها عليها العقل الإنساني ولا تنبع من النص ذاته، ومن هنا تكون الدعوة إلى التحرر من سلطة النصوص هي في حقيقتها دعوة إلى التحرر من السلطة المطلقة والمرجعية الشاملة للفكر الذي يمارس القمع والهيمنة والسيطرة حين يضفي على النصوص دلالات ومعاني خارج الزمن والمكان والظروف والملابسات، إنها دعوة للفهم والتحليل وللتفسير العلمي القائم على التحليل اللغوي للنصوص....". لكن الذين تصدوا لنقده اتهموه بالدعوة إلى نبذ النصوص الشرعية[SUP][SUP][23][/SUP][/SUP]، ولم يقدموا تفسيراً لعدم تفريقهم بين النص وسلطة النص مما جعل الكاتب يتهمهم بعدم فهم كلامه والتقوّل عليه[SUP][SUP][24][/SUP][/SUP].
(4) يقول الدكتور[SUP][SUP][25][/SUP][/SUP]:" ولعلنا نستطيع أن نقول: إن النصوص في ذاتها لا تمتلك أي سلطـة "، ويقول أيضا[SUP][SUP][26][/SUP][/SUP]: " والسؤال الذي يثار عادة من جانب بعض المدافعين عن سلطة النصوص هو: أليس هناك من سبيل لإبقاء العقل إلا برفض النصوص ؟ وهو سؤال ماكر خبيث؛ لأنه لا أحد يرفض النصوص، بل الرفض موجه إلى سلطة النصوص، وهي السلطة المضفاة على النصوص من جانب أتباع النقل، والحقيقة أنه ليس هناك تصادم بين العقل والنص لسبب بديهي وبسيط، هو أن العقل هو الأداة الوحيدة الممكنة والفعالية الإنسانية التي لا فعالية سواها لفهم النص وشرحه وتفـسيره، ولدينا هؤلاء المدافعون عن النقل بتشويه العقل والتقليل من شأنه، كيف يتلقى الإنسان النص ويتفاعل معه ؟ لقد قام الإمام علي بن أبي طالب في رده المعروف جداً والمشهور على الخوارج حين قالوا: "لا حكم إلا لله" بتأسيس هذا الوعي الذي نحاول شرحه فقال: " القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال "، والدلالة الواضحة لهذا المبدأ المهم جداً والخطير والمغيّب تماماً في الخطاب الديني المعاصر أن عقل الرجال ومستوى معرفتهم وفهمهم هو الذي يحدد الدلالة ويصوغ المعنى، وهذا كله ينفي وجود تصادم بين العقل والنص، وإنما ينشأ التصادم بين العقل وسلطة النصوص،... يصبح التقليل من شأن العقل مؤدياً مباشرة إلى إلغاء النصوص، والنصوص في هذه الحالة تصبح مملوكة ملكية استثمار لبعض العقول التي تمارس هيمنتها باسم النصوص ". قلت: بعد التأمل في المقولات السابقة يتبين أن الكاتب لا يرى لأي نص من النصوص الشرعية أي مضمون ثابت أو معنى مستقر لا يتغير بتفاوت العقول أو تغير الظروف.
(5) يقوم المذهب النقدي في تأويل النصوص الشرعية عند الدكتور نصر على الاعتماد على فكرة "تاريخية النصوص" التي تقوم على التفريق في دلالات النص بين المعنى والمغزى، وهي ترجمة حرفية لكلام " هيرش" و " سوسير" الباحثين في مجال النقد اللغوي الحديث. يقول الدكتور[SUP][SUP][27][/SUP][/SUP]: " المعنى يمثل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص الناتج عن تحليل بنيتها اللغوية في سياقها الثقافي، وهو المفهوم الذي يستنبطه المعاصرون للنص من منطوقه، وبعبارة أخرى يمكن القول إن المعنى يمثل الدلالة التاريخية للنصوص في سياق تكونها وتشكلها، وهي الدلالة التي لا تثير كثير خلاف بين متلقي النص الأوائل وقرائه، لكن الوقوف عند دلالة المعنى وحدها يعني تجميد النص في مرحلة محددة وتحويله إلى أثر أو شاهد تاريخي "، ويقول[SUP][SUP][28][/SUP][/SUP]:" والفرق بين المعنى والمغزى من منظور دراستنا هذه يتركز في بعدين غير منفصلين: البعد الأول أن المعنى ذو طابع تاريخي، أي أنه لا يمكن الوصول إليه إلا بالمعرفة الدقيقة لكل من السياق اللغوي الداخلي والسياق الثقافي الاجتماعي الخارجي، والمغزى ـ وإن كان لا ينفك عن المعنى بل يلامسه وينطلق منه ـ ذو طابع معاصر، بمعنى أنه محصلة لقراءة عصر غير عصر النص... البعد الثاني للفرق بين المعنى والمغزى ـ وهو يعد بمثابة نتيجة للبعد الأول ـ أن المعنى يتمتع بقدر ملحوظ من الثبات النسبي، والمغزى ذو طابع متحرك مع تغيّر آفاق القراءة، وإن كانت علاقته بالمعنى تضبط حركته وترشدها "، ويزيد الأمر توضيحاً فيقول[SUP][SUP][29][/SUP][/SUP]:" إن عدم التفرقة بين ما هو تاريخي وما هو دائم مستمر في دلالة النصوص الدينية يؤدي إلى الوقوع في كثير من العثرات والمتاهات،وإذا كان الأمر - أمر التفرقة بين الخاص والعام - في دلالة النصوص عموماً أمراً هاماً، فإن الشأن في دلالة النصوص الدينية خطير لارتباطه بالعقائد والقيم... والذي نعنيه بالخصوص والعموم هنا هما جانبا الدلالة في النصوص: فالخاص هو ذلك الجانب الدلالي المشير إشارة مباشرة إلى الواقع الثقافي التاريخي لإنتاج النص، والعام هو الجانب الحـي المستمر القابل للتجدد مع كل قراءة، إنه بعبارة أخرى الفرق بين الدلالة الجزئية الوقتية وبين الدلالة العامة الكلية... وقد سبق لنا بيان أن الجزئي والخاص يمكن أن يتحول بالتأويل المجازي إلى الكلي والعام، لكن بعض الدلالات الجزئية ـ خاصة في مجال الأحكام والتشريع ـ يسقطها تطور الواقع الاجتماعي التاريخي، وتتحول من ثم إلى شواهد دلالية تاريخية". ثم يقرر الدكتور أن مستويات الدلالة في النصوص الدينية ثلاثة، فيقول[SUP][SUP][30][/SUP][/SUP]: " المستوى الأول: مستوى الدلالات التي ليست إلا شواهد تاريخية لا تقبل التأويل المجازي أو غيره، والمستوى الثاني: مستوى الدلالات القابلة للتأويل المجازي، والمستوى الثالث: مستوى الدلالات القابلة للاتساع على أساس المغزى الذي يمكن اكتشافه من السياق الثقافي /الاجتماعي الذي تتحرك فيه النصوص، ومن خلاله تعيد إنتاج دلالاتها "[SUP][SUP][31][/SUP][/SUP].
ثم انتقل إلى مرحلة التطبيق على النصوص، فهاك أهم الأمثلة التي ضربها:
المثال الأول: مسألة العلاقة بين المسلمين وغيرهم القائمة على أساس الجزية والخضوع أسقطها التطور الاجتماعي عندما استقر مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين واللون والجنس، وذكر أن المسلمين طبقوا هذا المبدأ عندما قاسوا المجوس على أهل الكتاب في حقن دمائهم بالجزية اجتهاداً منهم في إسقاط النصوص الآمرة بقتل المشركين عوضاً عن ارتكاب مذابح جماعية للقوى المنتجة في المجتمعات المفتوحة[SUP][SUP][32][/SUP][/SUP].
المثال الثاني: يقول:"الحسد والسحر والجن والشياطين مفردات في بنية ذهنية ترتبط بمرحلة محددة من تطور الوعي الإنساني... وليس ورود كلمة الحسد في النص الديني دليلاً على وجودها الفعلي الحقيقي، بل هو دليل على وجودها في الثقافة مفهوماً ذهنياً... يرى علم اللغة الحديث أن المفردات اللغوية لا تشير إلى الموجودات الخارجية ولا تستحضرها، ولكنها تشير إلى المفاهيم الذهنية؛ لذلك قد تشير اللغة إلى مدلولات ليس لها وجود عيني"[SUP][SUP][33][/SUP][/SUP].
المثال الثالث: يقول: " ومن مظاهر تثبيت المعنى الديني الخطرة في الخطاب الديني المعاصر استدعاء كلمة الربا - وهي كلمة تجاوزتها اللغة في الاستعمال لاختفاء الظاهرة التي تدل عليها من المعاملات الاقتصادية - للدلالة على نمط من التعامل الاقتصادي يختلف في بنيته وفي مستوى تعقيده عن النمط الذي يدخل الربا في تركيبه... إن استدعاء كلمة الربا للدلالة على ما يسمى في النظام الاقتصادي الحديث والمعقد باسم الأرباح أو الفوائد إنما هو بمثابة الإصرار على ارتداء الجلباب في وسائل المواصلات المزدحمة ذات الإيقاع السريع والتعرض من ثم لخطر الوقوع تحت عجلات السيارات في الطريق العام[SUP][SUP][34][/SUP][/SUP]... استخدام كلمة الربا للدلالة على أرباح النظم الاقتصادية الحديثة وفوائدها ليس مجرد حكم فقهي موضوعي مجرد؛ فلا وجود لأحكام فقهية من هذا النوع، بل هو جزء من آلية الخطاب الديني لإعادة صياغة الحاضر في قوالب الماضي... فإن الخطاب الديني في سعيه لإحياء اللغة القديمة - لغة النص - التي تجاوزها تطور الواقع يتناقض مع النص ذاته، وإن بدا على السطح أنه يحاول التوافق معه "[SUP][SUP][35][/SUP][/SUP].
المثال الرابع: يطالب الدكتور بإلغاء التفريق بين الذكر والأنثى في الميراث استناداً إلى مغزى نصوص الميراث؛ لأنه " من الطبيعي أن تكون حركة النص التشريعية غير مصادمة للأعراف والتقاليد والقيم التي تمثل محاور أساسية في النسق الثقافي والاجتماعي، وليس معنى عدم التصادم أن النصوص لا تحدث خلخلة في نسق تلك القيم خلخلة تكشف المغزى المستكن خلف المعنى، لكنها خلخلة لا تحدث نتائجها إلا من خلال حركة الواقع بما ينتظم في هذه الحركة من صراع اجتماعي فكري "، ويرى أن ثقافة مجتمع النص كانت تهين المرأة وتنظر إليها على أنها شيء يورث كالأشياء لا إرادة لها ولا رأي، فجاء التشريع ليساويها مع الرجل في جميع التشريعات، أما في الميراث فكانت العصبية الأبوية هي المعيار، فكان الذكر هو محور عملية التوريث؛ لأنه محور العملية الإنتاجية، والمضمر المسكوت عنه المستفاد من سائر النصوص المساوية بين الرجل والمرأة هو مغزى النص الذي يلغي حرفيته بالتطور الثقافي الاجتماعي[SUP][SUP][36][/SUP][/SUP].
المثال الخامس: ينكر الكاتب وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة ونبذ القوانين الوضعية؛ لأنه يرى الفصل بين الدين والحياة، فلا يجوز توسيع دلالة النصوص لتشمل أنظمة الحياة المختلفة، أما آيات الحاكمية الواردة في سورة المائدة والنساء فدلالتها جزئية وقتية خاصة، يقول[SUP][SUP][37][/SUP][/SUP]:" النصوص التي تؤسس الحاكمية طبقاً لتأويل الخطاب الديني تتحدث عن الحكم بمعنى الفصل بين المختلفين في قضية جزئية... ويتم الوثب الدلالي من الحكم بمعنى الفصل في الوقائع الجزئية بين المتخاصمين للدلالة على الحكم بالمعنى السياسي والاجتماعي، إن الدعوة إلى تحكيم الرسول - عليه الصلاة والسلام - في أي خلاف يشتجر بين اثنين أو بين جماعتين أمر طبيعي في بنية المجتمع العربي آنذاك، ألم يختلفوا في شأن الحجر الأسود فاتفقوا على أن يرضوا بحكم أول الداخلين، ولم يكن ذلك يعني إعطاءه أية صلاحيات خارج إطار الخلاف موضوع الحكم، النص لم يتحدث عن الحكم بالمعنى الشامل الواسع الذي يطرحه الخطاب الديني ".




المطلب الثاني
نقد المذهب النقدي عند " نصر حامد أبو زيد "
حاولت في المطلب السابق إبراز أهم ملامح المذهب النقدي الذي أعمله الدكتور نصر في نقد النصوص الشرعية، وراعيت توضيح أهم النقاط التي أظنها تحتاج إلى بيان؛ بسبب التباسها على بعض النقاد الذين تصدوا له دفاعاً عن دينهم.
وسأحاول في هذا المطلب نقد أصول المذهب الذي تبناه الدكتور في فهم النصوص الشرعية في إطار النقاط التي أشرت لها في المطلب السابق.
أولا: يتهم الدكتور ما يسميه بالخطاب الديني بتقديس التراث وعدم الجرأة على نقده، ويدعو إلى التحرر من أسر الثوابت والأصول الموروثة دون التمييز بين العقائد القطعية والاجتهادات البشرية؛ لأن التطور التاريخي لا يسمح بالثبات على شيء، لكن كثيراً من الباحثين يرون أن الدكتور لم يلتزم ما دعا إليه؛ فهو ينظر بعين التقديس والتقليد لمذاهب الغربيين وفلسفتهم، ويعدها أصلاً يجب اعتماده في النقد، أما منجزات العلماء المسلمين في المجال الشرعي واللغوي فهو يرميها بالتخلف، ويرى أن التطور العلمي قد تجاوزها، ولا يجد حرجاً في نقض ما أجمع عليه العلماء لأنه يخالف ما قاله أحد النقاد الغربيين خالفه فيه غيره، بل شذ فيه عن جمهور نقادهم، ولا ينقضي عجب القارئ عندما يقف على عدم تسليم الكاتب لدلالات النصوص الشرعية وصرفها عن حقائقها الصريحة، ثم يقف بالمقابل على تعامل الكاتب مع كلام الفلاسفة والنقاد الغربيين، فيجده يسوق كلامهم مسلماً به لا يجرؤ على مناقشته، فهل يستوي من يسلّم لكلام الله مع من يسلًم لكلام ناقد شنّع عليه غيره ؟ فالكاتب إذن ليس سوى ناقل لأفكار نقاد اللغة الغربيين، وليس مفكراً حراً يبحث عن الحقيقة خلافاً لما يدعي.
وليس الكاتب ناقلاً أميناً؛ لأنه يدعي أن ما نقله عن نقاد الغرب هو قمة التطور في الدرس اللغوي النقدي، لكن الواقع أن المذاهب التي اختارها تمثل أكثر المذاهب تطرفاً كونها تعد المذهب المادي أساساً فلسفياً لبنائها؛ لذلك فهي تتعرض لحملات النقد اللاذعة من قبل المذاهب النقدية الأخرى، وتعتمد المذاهب التي اختارها الكاتب على إلغاء دور قائل النص في التفسير " أنسنة النص" خلافاً للسائد في الدراسات العلمية التي تؤكد على أن لفهم شخصية قائل النص دور أساس في تفسير كلامه[SUP][SUP][38][/SUP][/SUP].
إذن ليست هذه الطريقة في النقد هي نتاج التطور في الدرس اللغوي النقدي، وإنما هي رأي قاله صاحبه وخضع للنقد فوافقه البعض وخالفه الأكثرون، لكن الدكتور يجعله أصلاً ينقض به كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين.
واختيار الدكتور النقد المعتمد على المادية الجدلية دليل على وقوعه في الإسقاط الأيديلوجي والقراءة المغرضة التلوينية التي اتهم بها "الخطاب الديني"؛ فهو يريد من النصوص أن تنطق بما يريد لا بما أراد القائل.
قال[SUP][SUP][39][/SUP][/SUP]:" وتعد الهرمنيوطيقا الجدلية عند جادامر[40] بعد تعديلها من خلال منظور جدلي مادي نقطة بدء أصلية للنظر إلى علاقة المفسر بالنص لا في النصوص الأدبية ونظرية الأدب فحسب بل في إعادة النظر في تراثنا الديني حول تفسير القرآن منذ أقدم عصوره وحتى الآن لنرى كيف اختلفت الرؤى ومدى تأثير كل عصر من خلال ظروفه في النص القرآني "، انظر إليه وهو يريد نقض تراث المسلمين قاطبة من أجل شيوعي رأى رأياً.
ويخبرنا أبو زيد عن الأصل الفلسفي للهرمنيوطيقا فيقول[SUP][SUP][41][/SUP][/SUP]: " يركز بول ريكور[42] اهتمامه على تفسير الرموز، وهو يفرق بين طريقتين للتعامل مع الرموز، الأولى هي التعامل مع الرمز باعتباره نافذة نطل منها على عالم من المعنى، والرمز في هذه الحالة وسيط شفاف عما وراءه، هذه الطريقة يمثلها بولتمان في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير... والطريقة الثانية يمثلها كل من فرويد و ماركس ونيتشه وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به، بل يجب إزالتها وصولا إلى المعنى المختبئ وراءها، إن الرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى، بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفًا، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الصحيح. لقد شككنا فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحيًا يخفي وراءه اللاوعي، وفسر كل من ماركس ونيتشه الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة ووضعا نسقًا من الفكر يقضى عليها ويكشف زيفها، وإذا كان تفسير الرموز عند بولتمان[43] أو فرويد[44] أو نيتشه[45] أو ماركس[46] ينصب على الرموز بمعناها العام اللغوي والاجتماعي، فإن تعريف ريكور للرمز معبرًا عنه باللغة، ومن ثم ينصب التفسير عنده على تفسير الرموز في النصوص اللغوية، وهذه هي غاية الهرمنيوطيقا".
والسؤال الذي يلح على القارئ ما هذه الرموز التي يريد أبو زيد تحطيمها في النص القرآني ؟ هذه الرموز الوهمية! الزائفة! التي تشف عن الحقيقة أو تخفيها !؟ يجيب أبو زيد نفسه فيقول[SUP][SUP][47][/SUP][/SUP]: " رغم هذا الإنجاز المتحقق في تراثنا الفكري والعقلي[SUP][SUP][48][/SUP][/SUP]، يصر الخطاب الديني على التمسك بما قبله في الوعي الإسلامي، هذا الما قبل الذي صاغه أبو الحسن الأشعري في القرن الرابع[SUP][SUP][49][/SUP][/SUP] صياغة لم تفد من النهج الاعتزالي إلا في بعض الإجراءات الجزئية، ما زال الخطاب الديني يتمسك بوجود القرآن في اللوح المحفوظ اعتماداً على فهم حرفي للنص، وما زال يتمسك بصورة الإله الملك بعرشه وكرسيه وصولجانه ومملكته وجنوده الملائكة، وما زال يتمسك بالدرجة نفسها من الحرفية بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال، والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط... إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية ".
قلت: إن تفسير القرآن ذي الأصل الغيبي على ضوء مذاهب نقدية تقوم على إنكار الغيب وعدم الاعتراف بالله الذي يعترف أبو زيد أنه أنزل القرآن - يعد إسقاطاً أيديلوجيـاً صارخاً، وهو يمثل أشنع درجات القراءة التلوينية المغرضة والتأويل المستكره الذي رمى به "الخطاب الديني"، لكن شتان بين القراءة المستمدة من دلالة النص الصريحة التي يسميها حرفية النص والقراءة المستمدة من الأيديلوجية المناقضة.
ثانياً: ينفي أبو زيد عن نفسه إنكار الوحي الإلهي[SUP][SUP][50][/SUP][/SUP]، وأن مصطلح "أنسنة النصوص" و"بشرية النصوص" والتعبير عن القرآن بأنه "منتج ثقافي" يراد بها معنى النص وتفسيره وليس أصله، لكن كلامه عن الوحي ملغز وهو قريب من الإنكار[SUP][SUP][51][/SUP][/SUP]، فإذا أضيف هذا إلى الجذور الفكرية المادية لطريقة التفكير عنده، تبين أنه لا يؤمن بحقيقة الغيب، وأن دفاعه عن نفسة من باب التقية التي يقوم على أساسها اليسار الإسلامي[SUP][SUP][52][/SUP][/SUP] بكافة أطيافه، ومن باب التقية أيضاً لا يصرّح الكاتب بأن وجود الله وجود ذهني لا واقعي؛ لأنه إن قال هذا ظهر إلحاده، لكنه يجرؤ على الزعم أن ذكر الجن والشياطين والحسد والسحر في القرآن لا يدل على وجودها في الواقع وإنما على وجودها في الثقافة التي تجاوزها التطور المعرفي، مع العلم بأن عالم الغيب كله "رموز دينية زائفة" تسعى الهرمنيوطيقا إلى تحطيمها كما صرّح به الكاتب.
ثالثاً: ينفي الكاتب عن نفسه إنكار الدين والتنكر للنصوص الشرعية، ويدعي أنه متدين ومفكر إسلامي، وهو يفرق بين الدين والفكر الديني، وبين النص وسلطة النص كما تبين في المطلب السابق[SUP][SUP][53][/SUP][/SUP]، لكن نقاده لا يصدقونه لأنه ينكر أصول الدين القطعية.
والحقيقة أن الكاتب يصرح أنه يؤمن بالدين وبالنص، لكنه يؤمن بجسد بلا روح ولفظ بلا معنى، فهو يصرح أن النص ذاته لا يملك أية سلطة، وسلطة النص عند النقاد الغربيين تعني الدور الأساسي والأحقية في تفسير النص، هل هي للقائل أم للقارئ ؟ والمذاهب النقدية في هذا طرفان ووسط[SUP][SUP][54][/SUP][/SUP]، والكاتب -كعادته- تبنى أكثر المذاهب تطرفاً وبعداً عن الحقيقة، وأكثر النقاد على خلافه، ثم يتعالم على المتخصصين في العلوم الشرعية، ويزعم أن ما اختاره هو أحدث ما توصل إليه الدرس اللغوي النقدي الحديث، فالنص الشرعي عنده قالب فارغ ينطق بما يشاء القارئ، وهذه هي القراءة التلوينية المغرضة بعينها.
ثم يحاول الكاتب مخاطبة خصومه بلغتهم، فيستدل بكلام علي بن أبي طالب عندما رد على الخوارج رفضهم التحكيم بقولهم " لا حكم إلا لله "، يقول ـ رضي الله عنه ـ: " القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال"[55]، وقد فهم الدكتور أن الإمام يرى أن نصوص القرآن ليس لها معنى في ذاتها، وإنما يفسرها القراء حسب ثقافتهم، وهو أبعد ما يكون عن قصده؛ لأن دلالته المستفادة من السياق التاريخي تبين بوضوح أنه يقصد ما فهمه ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عندما بعثه علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إلى الخوارج، فبين لهم أن آيات القرآن تحتاج إلى من يتلوها ويفهم قصد منـزلها ليحكم بها في الخصومات؛ فرجع كثير منهم. لكن الدكتور لا يعنيه ما سبق؛ لأنه يرى أن من حقه أن يفهم كما يشاء لا كما شاء القائل. ولازم قوله هذا إنكار مستويات الدلالة: دلالة النص والمحكم والظاهر والقطعي والظني، فالنصوص كلها سواء، وهو خلاف الواقع الذي لا ينكره إلا السفسطائية، ويؤيد هذه النتيجة قوله أن العقل لا يتعارض من النص، وإنما يتعارض مع سلطة النص، لأن النص لا سلطة له أي لا مفهوم ذاتياً له، وبسبب تعارض بعض المذاهب النقدية مع مستويات الدلالة السابقة الذكر رفضها كثير من النقاد الغربيين[SUP][SUP][56][/SUP][/SUP].
يتبين مما سبق أن لا فرق بين الدعوة إلى التحرر من النص أو من سلطة النص؛ لأن كليهما رفض لحقائق الدين لا اتباعاً للعقل، وإنما تقليداً لأصحاب المذهب المادي، ويتبين أيضاً خطأ نقد الفكر الديني جملة؛ لأنه ليس كله اجتهادات بشرية يسوغ فيها الخلاف، فمنها ما هو قطعي صريح أنه مراد الله جل جلاله.
وبعد، فالإسلام الذي يؤمن به الرجل ألفاظ وكلمات لا معنى لها، قد تفسر في عصر ما بما يناقض تفسيرها في عصر آخر، فهل "الاحترام الحقيقي" للنصوص إفراغها من معانيها وجعلها أوعية للإلحاد ؟!
رابعاً: تاريخانية النصوص التي تقوم على أساس إهمال المعنى وإعمال المغزى تقوم على أساس الفلسفة المادية التاريخية التي تقرر نسبية القيم وعدم ثباتها على مر العصور، فالتطور المادي يلغي بعض القيم الاجتماعية ويستحدث قيماً أخرى تتناسب مع الواقع الجديد، فضلا عن اختلاف القيم بين الطبقات القائمة على أساس اقتصادي[SUP][SUP][57][/SUP][/SUP].
وقد حاول الكاتب أن يثبت أن هذه النظرية نتاج غربي خالص وأن الفقهاء المسلمين لم يتوصلوا إلى ما توصل هؤلاء إليه من تطور في النقد، ثم فرّق تفريقاً جذرياً بين التاريخانية والقياس الفقهي والمقاصد الشرعية الكلية[SUP][SUP][58][/SUP][/SUP].
والمتأمل في القياس الفقهي يعلم أنه قائم على الاجتهاد العقلي في استنباط العلة إذا لم ينص عليها؛ من أجل تعدية حكم الأصل إلى الوقائع المستجدة، وكذا الاجتهاد العقلي في استنباط المقاصد الكلية التي راعتها النصوص المختلفة من أجل ضبط عملية الاجتهاد في أطار مراد الله جل جلاله.
أقول: المتأمل في ما أبدعه الفقهاء يتبين له أن "هيرش" أستاذ صاحبنا لم يأت بجديد في نظريته القائمة على اكتشاف المغزى، وأنه لم يفعل شيئاً سوى أنه ترجم الفكرة الإسلامية، ثم أخضعها لنظريته المادية التاريخية الجدلية ففقدت ضوابطها العلمية وغدت شوهاء تفقد النص مضمونه وتفرغه من محتواه، فالإبداع الفكري في أصل نظرية المغزى بضاعتنا ردت إلينا، أما ما اعتورها من تشوهات جدلية فلا حاجة لنا بها.
وقد أصاب الكاتب عندما قال: إن الفرق بين نظرية "هيرش" والقياس والمقاصد الشرعية فرق جوهري؛ لأن الفقهاء كانوا يستنبطون مراد الشارع كي لا يخرجوا عنه في اجتهاداتهم، أما "هيرش" وأتباعه فهم ينكرون منـزل النص، ولا يعترفون له بسلطة.
ثم يحاول الكاتب مخاطبة خصومه بلغتهم، فيستدل ببعض دلالات النصوص الشرعية واجتهادات الصحابة؛ من أجل إثبات نظرية "هيرش" وكأنها مستنبطة من القرآن ذاته، لكنه ينبه أن هذا الاستدلال ليس حقيقياً، وإنما هو من باب السجال مع الخصوم والتنـزل معهم، لا قناعة بصحة الاستدلال بالنصوص ذاتها[SUP][SUP][59][/SUP][/SUP]، يقول[SUP][SUP][60][/SUP][/SUP] في معرض رده على الأساتذه الذين منعوه الترقية:" وعلى سبيل السجال - ليس إلا- ما رأي محمد بلتاجي في عدم انصياع عمر بن الخطاب لبعض أوامر القرآن الكريم وممارسات النبي - صلى الله عليه وسلم - في إعطاء المؤلفة قلوبهم نصيبهم من الزكاة، والمنصوص عليهــا في القـرآن نصاً لا يحتمـل التأويـل ؟ وما رأيه في اجتهاده - رضي الله عنه - في عدم إقامة حد السرقة المنصوص عليه في القرآن كذلك نصاً لا يحتمل التأويل عام الرمادة ؟ وهل كان عمر بن الخطاب ينكر النصوص، كما اتهم بلتاجي الباحث في حكم متسرع خطير بأنه يعرف النصوص وينكرها ؟ ولماذا لم ينهض له باقي الصحابة والمسلمون جميعاً ليكفروه على تعطيل النصوص، وهي التهمة التي لا يكف فهمي هويدي عن ترديدها ضد اجتهادات الباحث كلما وجد فرصة لذلك ؟ أغلب الظن أنه لا بلتاجي ولا هويدي يستطيع أن يخرج من هذا المأزق إلا بالتسليم بحق الاجتهاد مع متغيرات الزمان والمكان، وبكل ما يترتب على هذا التسليم من أن سلطة النصوص سلطة مضفاة وليست ذاتية ".
أقول: لا يدل اجتهاد عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه يرفض أوامر القرآن والسنة، وحاشاه وهو الذي يقرن اسمه بعبودية الله وهو أمير المؤمنين اعتزازاً بمقام العبودية، وإذا كان الدكتور يعطي لنفسه الحق في تفسير كلام الله كما يشاء، فليس غريباً أن يفسر موقف عمر على هواه لا كما قصد عمر " فإن عمر إنما حرم قوماً من الزكاة كانوا يتألفون في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورأى أنه لم يعد هناك حاجة لتأليفهم، وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم، ولم يجاوز الفاروق الصواب فيما صنع؛ فإن التأليف ليس وضعاً ثابتاً دائماً، ولا كل من كان مؤلفاً في عصر يظل مؤلفاً في غيره من العصور. وإن تحديد الحاجة إلى التأليف، وتحديد أشخاص المؤلفين أمر يرجع إلى أولي الأمر وتقديرهم لما فيه خير الإسلام ومصلحة المسلمين. لقد قرر علماء الأصول أن تعليق الحكم بوصف مشتق يؤذن بعلية ما كان منه الاشتقاق، وهنا علق صرف الصدقة بالمؤلفة قلوبهم، فدل على أن تأليف القلوب هو علة صرف الصدقات إليهم، فإذا وجدت هذه العلة ـ وهي تأليف قلوبهم ـ أعطوا، وإن لم توجد لم يعطوا. ومن الذي له حق تأليف هؤلاء أو أولئك أو عدم التأليف ؟ إنه ولي أمر المسلمين أولاً: إن له الحق في أن يترك تألف قوم كان يتألفهم حاكم مسلم قبله، وله الحق في أن يترك تأليف القلوب في عهده بالمرة إذا لم يوجد في زمنه ما يدعوا إليه؛ فإن ذلك من الأمور الاجتهادية التي تختلف باختلاف العصور والبلدان والأحوال. وعمر حين فعل ذلك لم يعطل نصاً ولم ينسخ شرعاً؛ فإن الزكاة تعطى لمن يوجد من الأصناف الثمانية التي جعلهم الله تعالى أهلها، فإذا لم يوجد صنف منهم سقط سهمه، ولم يجز أن يقال: إن ذلك تعطيل لكتاب الله أو نسخ له. فإذا لم يوجد صنف العاملين عليها لعدم قيام حكومة مسلمة تجمع الزكاة وتوزعها على مستحقيها، وتوظف من يقوم بذلك؛ فقد سقط سهم العاملين عليها. وإذا لم يوجد صنف في الرقاب كما في عصرنا الذي ألغى الرق الفردي، فقد سقط هذا السهم، ولا يقال في سقوط هذا السهم أو ذاك: إنه نسخ للقرآن أو تعطيل للنص "[SUP][SUP][61][/SUP][/SUP].
بعد هذا البيان ينبغي أن ندرك أن ما فعله عمر - رضي الله عنه - إنما هو تطبيق للنص وليس إلغاءً له؛ لأن الأحكام الشرعية لها ضوابط وشروط يجب أن تتوافر كي يجب تطبيقها، وتوافر هذه الضوابط رهن بفقه واقع الحادثة الجزئية المراد النظر فيها، فعدم تطبيق الحكم عند تخلف أحد شروطه هو إعمال للنص وليس " رفضاً له "، كأن يثبت أن رجلاً سرق مالاً من آخر ثم تبين أن المال دون ربع دينار، أو أن السارق والد المسروق منه، أو كان للسارق دين على المسروق منه بقيمة المبلغ المسروق أو يزيد، فكل هذه شبهات تمنع إقامة الحد على الجاني؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات كما قرر الفقهاء في القواعد الكلية[SUP][SUP][62][/SUP][/SUP]، ومن هذا الباب عدم تطبيق عمر حد السرقة عام الرمادة، لأن المجاعة شبهة تسقط حد السرقة.
لكن الكاتب يرى أن الحكم الشرعي ذاته يسقط ويستبدل بما يناسب القيم الجديدة التي يفرضها التاريخ الجدلي للمادة، وشتان بين الأمرين، وبما أن الكاتب يرى أن من حقه أن يفهم كما يشاء لا كما يقصد عمر، فيسقط الخطاب معه.
ولا يكتفي الكاتب بإلغاء منطوق النصوص وإسقاطها لمصلحة التطور فحسب، إنما يستطيع أن يستنبط المسكوت عنه من السياق اللغوي للمنطوق، فيكون المسكوت عنه هو المراد من السياق اللغوي المنطوق، لكن العجيب أن يكون المسكوت عنه يتناقض مع المنطوق بشكل تام، ثم يزعم أن المراد من المنطوق ما يناقضه من مفهوم سكت عنه النص مراعاة لثقافة البيئة، فهو يعترف أن سياق سورة الجن يدل على وجود الجن، وأن وجوده لا يحتاج إلى إثبات، لكنه يستنبط من تقسيم القرآن الجن إلى مؤمن وكافر نتيجة استماعهم للقرآن أنه يؤنسنهم فهو يؤسس لنفي وجودهم حقيقة مخالفة للمعرفي الثقافي[SUP][SUP][63][/SUP][/SUP].
أقول: لقد تنبه العلماء إلى وجود المنطوق والمفهوم في دلالة النص، وضبطوا الإفادة من المفهوم بعد تقسيمه إلى مستويات دلالية متفاوتة، لكن الاهتمام بقصد قائل النص جعلهم يرتبون المستويات الدلالية عند تعارضها فيقدمون الأوضح وهو المنطوق على غير الصريح وهو المفهوم، وعند إعمال المفهوم يراعى تقديم المفهوم الأقرب، أما عند الدكتور فقد انقلبت الموازين، فجعل العربة أمام الحصان، فخالف المعقول، ولم يوافق المنقول.
وبعد ثبوت بطلان القول بتاريخية النصوص كمبدأ نقدي مادي، يحسن أن نناقش بعض نتائج تطبيق هذه النظرية من خلال الأمثلة التي ضربها الكاتب نفسه.
(1) أخطأ الكاتب في قوله بسقوط عقد الذمة عن أهل الكتاب مرتين:
الأولى: عندما قال: إن الفقهاء قاسوا المجوس على أهل الكتاب لحقن دمائهم، والصواب أن مستند الفقهاء هو النص عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم[SUP][SUP][64][/SUP][/SUP]:" أجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد توقف في أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هَجر، ذكره البخاري[SUP][SUP][65][/SUP][/SUP].وذكر الشافعي أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: ماأدرى كيف أصنع في أمرهم. فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سـنوا بهم سنة أهل الكتاب)[SUP][SUP][66][/SUP][/SUP].".
الثانية: زعمه أن المساواة بين الناس قد استقرت، وهو غير صحيح؛ لأنها لا تزال حبراً على ورق لم تدخل حيز التطبيق رغم مرور أكثر من نصف قرن على إعلانها، وهذه الصراعات بين الشمال والجنوب في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية شاهد على ذلك.
(2) أما ما يتعلق بالربا، فإن الكاتب يرى سقوط حكمه لعدم وجوده في الواقع الحديث، لأن الفوائد البنكية الحديثة تقوم على حسابات معقدة لا تمت بصلة للربا القديم الذي يتصف بالبساطة والسذاجة، ولا أدري ما الذي جعل الدكتور يغفل عن اتفاق الفائدة البنكية والربا في الحقيقة، إلا أن تكون البنايات الشاهقة والمكاتب الفخمة والمصطلحات الجديدة قد عطلت قدرته على اكتشاف "المغزى"، فوقع في السطحية الفكرية التي يرمي خصومه بها.
(3) وكلامه عن إلغاء التفريق بين الرجل والمرأة في الميراث فيه عدة مغالطات، منها:
أولاً: ليس صحيحاً أن الإسلام لا يصطدم مع أعراف المجتمع وقيمه الجاهلية، وأنه يخلخلها شيئاً ليغيرها فيما بعد، والصحيح أنه صدم المجتمع بتشريعاته في الأصول والفروع، كرفض الشرك والتعصب القبلي وإهانة الأنثى والربا، إلخ...، ولولا هذا الاصطدام لما قاومه أهل مكة أكثر من عشرين سنة.
ثانياً: ليس صحيحاً أن الإسلام ساوى بين الذكر والأنثى في كل شيء، والصحيح أن كثيراً من الأحكام فرق فيها بين الرجل والمرأة؛ كالقوامة في الأسرة وما يتبعها من حق الطاعة وقرارها في البيت دونه والطلاق، وفرق بينهما في الوظيفة الاجتماعية واللباس، إلخ..، لكنه ساوى بينهما في الكرامة الإنسانية والثواب والعقاب، فالتفريق في الميراث ليس تشريعاً شاذاً.
ثالثاً: نظام الميراث في الإسلام ينبثق عن نظرته للمرأة التي صاغها في عشرات النصوص والأحكام، وهو يختلف عن نظرة الغرب إلى حد التناقض، فالمرأة في الإسلام ليست مصدراً اقتصادياً، وإنما هي مصرف اقتصادي في جميع أحوالها بنتاً وأختاً وأماً وزوجة؛ فكان من الطبيعي أن يختلف نصيبها عن نصيب الذكر المنفق عليها في جميع أحوالها، وبعد طرح التزامات الرجل من نصيبه في الميراث ومقارنته بنصيب المرأة الخلية عن الالتزامات يكون نصيبها أكثر بلا شك، مع العلم أنهما يتساويان في بعض الحالات الأخرى لحكم أخرى.
(4) تظهر "القراءة التلوينية المغرضة" جلياً في تأويل الكاتب آيات الحاكمية، فالآيات تأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وتحذّره من العدول عنه، وتحكم بالكفر على من يترك حكم الله ورسوله، فلا فرق بين القرن الأول والخامس عشر في وجوب ذلك، لكن مذهب الدكتور العلماني الذي يرفض التحاكم للدين في سياسة شؤون الدنيا يأبى هذا التفسير الواضح؛ فيلجأ إلى قصر هذا الحكم على عصر النبوة دون غيره، من غير أن يقدم لنا دليلاً واحداً على هذا التخصيص، فالتحاكم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -كان مطلوباً في حياته، أما بعد موته فكل أحد حاكم بنفسه؛ لأن نص الحكم ليس له معنى نحتكم إليه، فانظر كيف يرفض حكم الله وهو يدعي احترامه !؟

المطلب الثالث
نقد موقفه من الاحتجاج بالسنة
لا تشغل السنة حيزاً كبيراً في اهتمامات الدكتور أبي زيد وكتاباته؛ لأنه فرغ منها مبكراً: فهو لا يقيم لها وزناً، ولا يقدر جهود علمائها، وينظر إليها كما ينظر إلى كلام أي رجل قال كلاماً تجاوزه الارتقاء المعرفي بفعل التطور.
وفي هذا المطلب سوف أبرز أهم آراء الدكتور فيما يتعلّق بمكانة السنة والاحتجاج بها، ثم أناقشه فيها.
· المسألة الأولى: إنكاره أن تكون السنة وحياً من الله أو مصدراً للتشريع.
يطلق الكاتب على السنة مصطلح النص الثانوي، ويرى أنها في جوهرها شرح وبيان للنص الأصلي الأول[SUP][SUP][67][/SUP][/SUP]، يقول[SUP][SUP][68][/SUP][/SUP]:" إن فهم النبي للنص يمثل أولى مراحل حركة النص في تفاعله بالعقل البشري، ولا التفات لمزاعم الخطاب الديني بمطابقة فهم الرسول للدلالة الذاتية للنص، على فرض وجود هذه الدلالة الذاتية، إن مثل هذا الزعم يؤدي إلى نوع من الشرك من حيث أنه يطابق بين المطلق والنسبي، وبين الثابث والمتغير، حين يطابق بين القصد الإلهي والفهم الإنساني لهذا القصد ولو كان فهم الرسول، إنه زعم يؤدي إلى تأليه النبي، أو إلى تقديسه بإخفاء حقيقة كونه بشراً، والكشف عن حقيقة كونه نبياً بالتركيز عليها وحدها".
ويزيد الكاتب الأمر وضوحاً فيقول[SUP][SUP][69][/SUP][/SUP]: " إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حامل رسالة بلغها عن ربه هي القرآن وفي هذا البلاغ يكمن الوحي، أما سنته - صلى الله عليه وسلم - فمنها ما هو شرح وبيان، ومنها ما هو اجتهاد، وفي هذا القسم الأخير اختلف المختلفون. وما فعله الإمام الشافعي إزاء هذا الاختلاف هو أنه أدمج كل العناصر في مفهوم كلي وضعه في المستوى نفسه المقدس للوحي ؟ أي لكلام الله سبحانه وتعالى، وبهذا الصنيع صار كل ما ينطق به محمد وكل ما يفعله وحياً، واختفت الحدود والفواصل بين الإلهي والبشري، ودخل الأخير دائرة المقدس."، ويقول[SUP][SUP][70][/SUP][/SUP]:" الإمام الشافعي بما قام به من إدماج السنة في الوحي حوّل التقاليد والأعراف والعادات القرشية إلى وحي "، ولا ينسى أبو زيد أن يؤكد أن من أبرز هموم الشافعي كانت تأسيس السنة كوحي ومصدر ثان للتشريع[SUP][SUP][71][/SUP][/SUP]، .
ويمكن تسجيل المؤاخذات التالية على ما سبق:
الأولى: لا تلازم بين الفهم عن الله وادعاء الألوهية، وإلا لكان كل من فهم عن الله شيئاً صار جزءاً من إله بقدر ما فهم، وينبني عليه أن الدكتور له نصيب الأسد من الألوهية كونه اكتشف "المغزى المسكوت عنه " ! الذي عجز الرسول - صلى الله علبه وسلم -عن فهمه !!!
لا أدري من أين جاء بهذا التلازم الذي يرفضه العقل ويكذبه الواقع، والمسلمون عندما يعتقدون مطابقة السنة للقرآن لا يعتقدون بألوهية النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما يعتقدون أنه يوحى إليه بالقرآن ويوحى إليه بالسنة، فلم يتجاهل الدكتور هذا التفسير ؟
الثانية: عرض الدكتور بعض أدلة الإمام الشافعي على أن السنة وحي، لكنه لا يناقشها من حيث الدلالة، فيكتفـي بكونها غير مقنعـة أو أنه يقـوّل النص ما ليس فيه انتصاراً لأيديلوجيته[SUP][SUP][72][/SUP][/SUP]، مع أن الإمام الشافعي حرص على الاستدلال الواضح الصريح من القرآن، كقوله تعالى:" وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم "[SUP][SUP][73][/SUP][/SUP]، فضلاً عن الأحاديث الصريحة الصحيحة، لكنه يفر من الجواب كعادته إذا دخل ميدان الدلالات الحقيقية المنضبطة.
الثالثة: يزعم الكاتب أن الإمام الشافعي أول من أسس السنة وحياً ومصدراً ثانياً للتشريع، وأن الناس كانوا مختلفين في عصره في هذا الأمر، ولولا هذا الاختلاف لم يكثر من الاستدلال والمناقشات، وسبب هذا الزعم عدم إيمانه بالدلالات الصريحة للنصوص القرآنية والحديثية الناطقة بوحي السنة، ولما أراد الشافعي تأصيل قواعد الاجتهاد كان لا بد من الاستدلال على صحة كل أصل على انفراد، فليس كل مسألة استدل لها يوجد من يخالفها من المسلمين.
· المسألة الثانية: إنكاره أن تستقل السنة بالتشريع
قال الإمام الشافعي رحمه الله[SUP][SUP][74][/SUP][/SUP]: " وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان: أحدهما نص كتاب، فاتبعه رسول الله كما انزل الله، والآخر: جملة بين رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة وأوضح كيف فرضها عاما أو خاصا، وكيف أراد أن يأتي به العباد، وكلاهما اتبع فيه كتاب الله، فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه فاجتمعوا منها على وجهين، والوجهان يجتمعان ويتفرعان؛ أحدهما: ما أنزل الله به نص كتاب، فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب، والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد، وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما، والوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة: وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله قال: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، فما أحل وحرم فإنما بين فيه عن الله كما بين الصلاة، ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله، ومنهم من قال: ألقي في روعه كل ما سن: وسنته الحكمة الذي القي في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سنته ".
نقل الكاتب الكلام السابق ثم قال[SUP][SUP][75][/SUP][/SUP]: " وإذا كان الوجهان الأولان ليسا محل خلاف، فإن الوجه الثالث محل الخلاف ـ وهو استقلال السنة بالتشريع ـ يكشف عن طبيعة الموقف الذي أهيل عليه تراب النسيان في ثقافتنا وفكرنا الديني. وطبقاً لهذا الموقف ليست السنة مصدراً للتشريع، وليست وحياً، بل هي تفسير وبيان لما أجمله الكتاب. وحتى مع التسليم بحجية السنة، فإنها لا تستقل بالتشريع ـ ولا تضيف إلى النص الأصلي شيئاً لا يتضمنه على وجه الإجمال أو الإشارة. ولا شك أن ذلك الموقف يختلف إلى حد كبير عن الموقف الذي جعله الشافعي يسود، وهو اعتبار السنة وحياً من نمط مغاير عن وحي الكتاب. إن وحي السنة هو "الإلقاء في الروع" أي الوحي بالمعنى اللغوي الذي هو الإلهام، وليس بالمعنى الاصطلاحي أي عن طريـق الملك جبريل ".
ويمكن تسجيل المؤاخذات التالية على فهم الكاتب للنص الذي نقله عن الإمام الشافعي، هاك أهمها:
الأولى: حكى الإمام الشافعي أوجه الاتفاق والاختلاف، وسكت، لكن الدكتور يقوّله ما لم يقل، فمن أين له أن الشافعي رجح رأياً على آخر ؟!
الثانية: لم يقصد الشافعي أن يقول إن العلماء مختلفون في استقلال السنة بالتشريع، الذي ينبني عليه رد كل حديث يتضمن حكماً زائداً على القرآن، وإنما يبين أن العلماء مختلفون في تكييف الأحكام الشرعية التي جاءت بها السنة ولم توجد في القرآن: فمنهم من قال: هو تشريع آخر غير القرآن، ومنهم من قال: جميع التشريعات التي جاءت في السنة لها أصل كلي في القرآن، والسنة تلحق فرعاً بأصل ولا تنفرد بتأصيل أصل كلي لا يوجد في القرآن، " أرأيت أن الشافعي حكى اتفاق أهل العلم على الأوجه الثلاثة للسنة بما فيها السنة التي ليس فيها نص كتاب، وأن خلافهم كان حول أصلها إنما هو اتفاق عليها. وأن الشافعي قد حكى الخلاف، ولم يدل بدلوه، وكأنه رأى أنه لا أثر لهذا الخلاف ولا طائل، ولكن المهم هو ما اتفق عليه، وهو طاعة الرسول لله في هذا الوجه من السنن كالوجهين الآخرين"[SUP][SUP][76][/SUP][/SUP].
الثالثة: قرر الكاتب أن وحي السنة هو الإلهام فقط، وظن أنه بهذا الترجيح يقضي تماماً على أصله الإلهي، وهو جهل أو تجاهل؛ لأن أهل العلم قرروا أن لوحي عدة صور منها إرسال الملك والرؤيا المنامية، والإلهام...، وكونها إلهاماً لا يعني أنها ليست من الله.
· المسألة الثالثة: اتهام علماء الجرح والتعديل بعدم الموضوعية في نقد الرجال
قال الكاتب: " ولم يكن علماء الحديث، بحكم غلبة الطابع النقلي التوثيقي على عملهم، وبحكم الارتباط بين أغلبهم وبين جهاز السلطة في أكثر العصور ، يتمتعون باتساع الأفق العقلي القابل للخلاف والنقاش مثل المتكلمين أو الفقهاء أو علماء القرآن، بل كانوا أقرب إلى الوعاظ في تصور الحقيقة، وفي التعصب ضد أي اجتهاد ليس له سند مباشر من النقل، لذلك ليس غريباً في كتب علم الرجال أن يستبعد من مجال الرواة العدول كل من كان من أصحاب المقالات، وهي توصيف لكل الفرق، عدا تلك التي تعاطف معها المحدّث، ومن السهل على من يقرأ هذه الكتب أن يلاحظ تناقض الأحكام على الراوي الواحد، فبينما يوثقه البعض يرى آخرون أنه مدلس كذاب، وإذا وصفه البعض بالحفظ والاستيعاب نجد البعض الآخر يضعه في دائرة المغفلين الذين يغلب عليهم النسيان، وليست تلك الأحكام المتناقضة ناشئة عن الحب والكراهية، أو الإعجاب والاحتقار، بل ناشئة عن اختلاف المعايير نتيجة لاختلاف المواقف الأيديلوجية. لن نشير هنا لرفض علماء السنة لروايات الشيعة، ولا لرفض علماء الشيعة روايات أهل السنة، وهو شديد الدلالة في ذاته، إنما نشير إلى رفض كل فرقة من فرق السنة روايات أتباع الفرق الأخرى. ثم استأثرت إحدى الفرق باسم أهل السنة والجماعة واحتكرته لنفسها بتأييد من سلطة الدولة بعد القضاء على الاعتزال، وأصبحت هي الحكم والفيصل في قبول المرويات أو رفضها، بل واكتسبت بحكم تأييدها للسلطة السياسية والتمتع بحمايتها سلطة مرجعية في كل ما يتعلق بشؤون الدين والعقيدة " ا. هـ.
زخرت الفقرة السابقة المنقولة عن الدكتور نصر بكثير من المغالطات العلمية والتاريخية، أشير إلى أهمها:
الأولى: لا يقصد الكاتب بكلامه عامة الرواة، وإنما يقصد العلماء والأئمة من المحدثين، وإذا كان كذلك، فإن الطابع النقدي بكل أشكاله هو الغالب عليهم، أما الحفظ فهو الأرضية التي ينطلقون منها، ومن عانى نقد الروايات واكتشاف أوهام الثقات يدرك هذا، لكن من جهل شيئاً عاداه.
الثانية: لعل الكاتب لم يطلع على اختلاف النقاد في قبول رواية من يغشى السلطان، ويقبل جوائزه، ولم يقرأ في سير النقاد وجفائهم عن ملازمة السلطان[77]، لكن الكاتب يحلو له أن "يصنع من الحبة قبة "، فرأى أن رفع المتوكل العباسي محنة خلق القرآن مدخل لإثبات التهمة.
الثالثة: أما تفسير اختلاف النقاد في الجرح والتعديل بالاختلاف المذهبي فقط، فهو قصور شديد ومسلك معيب، وهو يدل على استقراء قاصر يدل على قراءة "تلوينية مغرضة" لنصوص النقد وملابساته؛ لأن أسباب اختلاف النقاد في الحكم على الرواة تعود إلى معطيات علمية منهجية كثيرة[78] يجهلها الكاتب وأمثاله، ولو تأمل الصحيحين لوجدهما زاخرين بروايات أصحاب المقالات، وهما أصح كتابين في الحديث، ولو طالع كتب أصول النقد لرأى اختلاف الأئمة في قبول روايات أهل البدع[79]، وكلهم يحرص على انتقاء الصدوق الحافظ منهم.

الخاتمــة
بعد هذه الجولة، يمكن تسجيل أهم النتائج، وهي:
(1) يحاول الدكتور أبو زيد تفسير النصوص الشرعية تفسيراً يتوافق مع المادية الجدلية والمادية التاريخية.
(2) يستخدم أبو زيد في سبيل هذا بعض المذاهب النقدية اللغوية، خاصة نظرية "هيرش" القائلة بتاريخية النصوص بناء على التفريق بين المعنى الثابت والمغزى المتغيّر، ونظرية "دي سوسير " التي تنكر الوجود الحقيقي لمعاني مفردات اللغة، ويستعمل النظرية الهرمنيوطيقية التي تفسر النصوص تفسيراً مادياً جدلياً يقوم على إنكار علم الغيب.
(3) يختار أبو زيد أكثر المذاهب النقدية تطرفاً وبعداً عن الحقيقة ليفسر بها النصوص الشرعية، ليخرج بنتائج تتناقض مع ثوابت الأمة، ويدعي أن هذه المذاهب تمثل التقدم العلمي في نقد اللغة الحديث.
(4) يرى أبو زيد أن سلطة تفسير النص للقارئ وليست للقائل، لذلك فهو لا يرى للنصوص سلط ذاتية، أي أن النصوص قوالب فارغة يملؤها القارئ حسب عصره وثقافته.
(5) ويرى أن كل العقائد والأفكار والمفاهيم والأحكام قابلة للتطور، والقول بثبات شيء منها يعده أبو زيد تخلفاً ورجعية، وهذا عين نظرية نسبية القيم التي تقوم عليها النظرية المادية؛ لهذا يرى أبو زيد وجوب إسقاط العقائد والمفاهيم والأحكام التي كانت سائدة في الماضي كونها لا تتناسب مع الارتقاء المعرفي والتطور الاجتماعي المعاصر.
(6) يرى أبو زيد أن الوحي هو القرآن فقط، وأن أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله ليست وحياً، وإنما صدرت منه كونه شراً يعيش في بيئة ثقافية محددة.
(7) يعتقد أبو زيد أن السنة شارحة ومفسرة للقرآن فقط، وليس بالضرورة أن يكون تفسير الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقرآن هو التفسير الصحيح، والقول بخلاف هذا تأليه للرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرك بالله.
(8) يقلل أبو زيد من قيمة السنة لأسباب كثيرة منها عدم الموضوعية عند نقاد الحديث في نقد الرجال، وتناقض أحكامهم بسبب التعصب المذهبي، وضيق أفقهم العقلي بسبب اشتغالهم بالحفظ دون النقد.
(9) تحتاج الردود العلمية الصادرة من المتخصصين التي تتناول الفكر الحداثي ـ إلى العمق في التحليل، والاطلاع على الجذور الفلسفية والنقدية لرموز هذا التيار؛ حتى يكون النقد أكثر إقناعاً.
(10) ينبغي على المتخصصين في العلوم الشرعية أن يتنبهوا لخطورة الفكر الحداثي، ويعملوا على توسيع دائرة الاهتمام بأطروحاته ونقدها بشكل مؤسسي فاعل؛ لأن الجهود الفردية لا تستطيع مقاومة تيار يجد العم في الداخل والخارج.

فهرس المصادر


· أحكام أهل الذمة، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، توفي عام (751)هـ، تحقيق شاكر العاروري ويوسف البكري، رمادي للنشر،الدمام، ط1،1418هـ،1997م.
· أسباب اختلاف المحدثين؛دراسة نقدية مقارنة حول أسباب الاختلاف في قبول الأحاديث وردها، خلدون الأحدب، الدار السعودية للنشر، جدة، 1984م.
· الأشباه والنظائر في الفروع، جلال الدين السيوطي، توفي عام (911)هـ، دار الفكر، شركة نور الثقافة، جاكرتا.
· إشكاليات القراءة وآليات التأويل، د. نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط4، 1995
· أكذوبة اليسار الإسلامي، د. مصطفى محمود. بلا معلومات طبع.
· أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي، ابن الشاطئ طارق منينة، دار الدعوة، الإسكندرية، الطبعة الأولى،1421هـ،2000م.
· الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية، د. نصر حامد أبو زيد، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1996م.
· تاريخ الأمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، توفي عام (310)هـ، دار التراث، بيروت، ط2، 1387هـ.
· تحرير علوم الحديث، عبد الله يوسف الجديع، دار الريان، بيروت،ط1، 1424هـ،2003م.
· التفكير في زمن التكفير، د. نصر حامد أبو زيد، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1995م.
· التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر، توفي عام (852)هـ، تحقيق حسن بن عباس بن قطب، مؤسسة قرطبة، مصر، ط1، 1416هـ،1995م.
· التلمذة الفلسفية، هانز جورج غادامر، توفي عام (2002)م، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2013م.
· الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل البخاري، توفي عام (256)هـ، تحقيق محمد بن زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ.
· الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، توفي عام (204)هـ، بلا معلومات نشر، تحقيق وتعليق أحمد شاكر.
· فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية والعشرون، 1417هـ، 1996م.
· قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة، د. عبد الصبور شاهين، الناشرون العرب، الرياض.
· اللغة والخطاب في فلسفة بول ريكور، يونس رابح، رسالة ماجستير في كلية العلوم الإنسانية، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2007م.
· ما راوه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين، جلال الدين السيوطي، توفي عام (911)هـ، تحقيق محمد فتحي السيد، دار الصحابة، مصر، ط1، 1411هـ، 1991م.
· مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق.
· النظرية الأدبية المعاصرة، رامان سلدن، ترجمة جابر عصفور، دار قباء، القاهرة، 1998م.
· معجم الفلاسفة، جورد طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط3.
· المعجم الفلسفي، مراد وهبة، دار قباء الحديثة، القاهرة، ط5، 2007م.
· مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ط2، 1994. والمركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط3، 1996.
· من صيد الخاطر في النقد الأدبي، وليد قصاب، دار البشائر، دمشق، الطبعــــــة الأولى،1424هـ،2003م.
· النص، السلطة، الحقيقة، الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، د. نصر حامـد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،1995م.
· نصر حامد أبو زيد والهرمنيوطيقا، سليمان بن صالح الخراشي، موقع صيد الفوائد الإلكتروني.
· نقد الخطاب الديني، د. نصر حامد أبو زيد، سينا للنشر، مصر، الطبعة الأولى، 1992م.
· نقض كتاب أبو زيد ودحض شبهاته ن د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417هـ، 1996م.
· موقع جوائز الإلكتروني.
· موقع صيد الفوائد الإلكتروني.
· ويكيبيديا، موسوعة على شبكة المعلومات الدولية.






[1]ـ انظر، مصطفى محمود، أكذوبة اليسار الإسلامي، ص ( 10).

[2]ـ أصل الكلمة في الإنجليزية تعني التحرر.

[3]ـ انظر موقع جوائز الإلكتروني ودراسة سليمان الخراشي في موقع صيد الفوائد الإلكتروني "نصر حامد أبو زيد والهرمنيوطيقا". توفي أبو زيد عام 2010م، وقد كتبت هذا البحث قبل وفاته بثلاث سنوات، عام 2007م.

[4]ـ انظرها مجموعة في موقع جوائز الإلكتروني.

[5]ـ انظر، الدكتور عبد الصبور شاهين، قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة.

[6]ـ انظر، الدكتور نصر حامد، التفكير في زمن التكفير، ومقدمة الطبعة الثانية لكتابه الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية.

[7]ـ انظر، ابن الشاطئ، أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي (1/63).

[8]ـ د. نصر أبو زيد، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية، ص(9).

[9] . هو الناقد الأمريكي أربك دونالد هيرش، ولد في عام (1928)م، انظر ويكيبيديا، النسخة الإنجليزية.

[10]ـ انظر، د. نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص( 217).

[11] . هو فرديناند دي سوسير (1857-1913)م، عالم لغويات سوسيري، من أهم أعلام اللسانيات الحديثة والنظرية البنيوية في تحليل النص، تلك النظرية التي تقوم على تفسير النص بمعزل عن قائله، وأن وظيفة النص ليست الإخبار عن الحقيقة، انظر، ويكيبيديا، موسوعة إلكترونية على شبكة المعلموات الدولية، وانظر، رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة جابر عصفور، ص(88).

[12]ـ انظر، نصر حامد، نقد الخطاب الديني، ص( 207).

[13] الهرمنيوطيقا: علم العلاقة بين النص واللغة والمؤلف، وقد أصبح علما في عصر النهضة الأوروبية لمواجهة احتكار الكنيسة لتفسير الكتاب المقدس، انظر، مراد وهبة، المعجم الفلسي، ص(665).

[14]ـ انظر، د. نصر أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، ص(49).

[15]ـ انظر، د. عبد الصبور شاهين، قصة أبو زيد، ص(66).

[16]ـ انظر، د. أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص(198).

[17]ـ انظر، المصدر السابق، ص(195).

[18]ـ المصدر السابق، ص(197).

[19]ـ انظر، د. شاهين، قصة أبو زيد، ص(29).

[20]ـ انظر، المصدر السابق، ص(67).

[21]ـ د. نصر أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص(185).

[22]ـ د. نصر أبو زيد، الأمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية، ص(15).

[23]ـ انظر، د. شاهين، قصة أبو زيد، ص(13).

[24]ـ انظر، د. أبو زيد، الإمام الشافعي، ص (12).

[25]ـ المصدر السابق، ص(15).

[26]ـ المصدر السابق، ص(16).

[27]ـ د. نصر أبو زيد، نقد الخطاب الديني،ص(217).

[28]ـ المصدر السابق، ص(218).

[29]ـ المصدر السابق، ص(202).

[30]ـ المصدر السابق، ص(203).

[31]ـ لعل الفرق بين المستويين الأول والثاني حسب فهمي لكلامه أن الأول كان حقيقة واقعة في زمن النص مثل العبودية والحاكمية لكن التطور التاريخي تجاوزه، أما الثاني فذكره في القرآن لا يدل على وجوده في الواقع زمن النص وإنما يدل على وجوده في الثقافة، والنص يحمل في طياته رفضـه لكنه رفض مسكوت عنه، مثل الجـن والحسد .

[32]ـ انظر، المصدر السابق،ص(204).

[33]ـ المصدر السابق، ص(205 ـ207).

[34]ـ العجيب! أن أعداداً كبيرة من الناس لا يزالون يرتدون الجلابيب في المواصلات السريعة، ولا يزالون على قيد الحياة !

[35]ـ المصدر السابق، ص(208 ـ 209).

[36]ـ انظر، المصدر السابق بتصرف، ص (219 ـ 221).

[37]ـ المصدر السابق، ص(215 ـ 216).

[38]ـ انظر السجال بين الرأيين في كتاب من صيد الخاطر في النقد الأدبي، وليد قصاب، ص(19).

[39]ـ د. أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، ص(49).

[40] . هانز جورج غادامر، من فلاسفة الهرمنيوطيقا في القرن العشرين، فيلسوف ألماني (1900-2002)م، من أهم كتبه الحقيقة والمنهج، بداية الفلسفة، انظر سيرته الذاتية في كتابه التلمذة الفلسفية.

[41]ـ المصدر السابق،ص(44ـ45).

[42] . بول ريكور من أبرز الفلاسفة الفرنسيين في القرن العشرين (1913-2005)م، اهتم بفلسفة اللغة وركز على الرمز والأسطورة في اللغة، انظر اللغة والخطاب في فلسفة بول ريكور، يونس رابح، ص(7).

[43] . هو رودولف بولتمان، فيلسوف ألماني (1884-1976)م، ناصبه البروتستانت والكاثوليك العداء بسبب دعوته إلى إلغاء الأساطير الموجودة في الكتاب المقدس، فقد دعا إلى عقلتة الكتاب المقدس. انظر، جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة (207-208).

[44] . هو سيجموند فرويد طبيب نمساوي من أصل يهودي (1856-1939)م، مؤسس علم النفس الحديث ونظرية التحليل النفسي، وقد عرف بتفسير الدوافع النفسية على أساس غريزة الجنس، انظر ويكيبيديا، موسوعة على شبكة المعلومات الدولية.

[45] . هو فريدريك نيتشه، فيلسوف ألماني (1844-1900)م، تقوم فلسفته على إعلاء شأن الإنسان بديلا عن الدين والنبوة، ومن أشهر كتبه هكذا تكلم زرادشت، انظر، جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، ص(677).

[46] . كارل ماركس فيلسوف ألماني (1818-1883)/، هو مؤسس النظرية الشيوعية التي تقوم على التفسير المادي للتاريخ وإنكار الحالق والأديان، انظر، جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، ص(622).

[47]ـ د. أبو زيد، النص السلطة الحقيقة، الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، ص(135).

[48]ـ يقصد الفكر الاعتزالي.

[49]ـ هذه إحدى مغالطاته الكثيرة؛ فهو يوهم القارئ أن هذه العقيدة من ابتكار الأشعري، والمتفق عليه الذي لا يجهله صغار الطلبة خلاف ذلك، ويوهم أن المعتزلة على خلاف هذه العقيدة، وهو باطل؛ لأن المعتزلة لا يتأولون نصوص المعاد ولا الكونيات الغيبية.

[50]ـ انظر ص(11).

[51]ـ انظر، د. أبو زيد، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن،ص(67).

[52]ـ اعترف أبو زيد بممارسة المفكر اليساري مبدأ التقية، انظر كتابه نقد الخطاب الديني، ص(124).

[53]ـ انظر ص(12).

[54]ـ انظر، وليد قصاب، من صيد الخاطر في النقد الأدبي، ص (19).

[55] . انظر، الطبري، تاريخ الأمم والملوك (5/66).

[56]ـ انظر المصدر السابق، ص (22).

[57]ـ انظر، محمد قطب، مذاهب فكرية معاصرة، ص(293،297،298).

[58]ـ انظر، د. أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص( 218،219).

[59]ـ انظر مثالاً على هذا في نقد الخطاب الديني، ص(101).

[60]ـ د. أبو زيد، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية، ص(18).

[61]ـ د. يوسف القرضاوي، فقه الزكاة (2/601).

[62]ـ انظر، السيوطي، الأشباه والنظائر،ص(84).

[63]ـ انظر، د. أبو زيد، النص السلطة الحقيقة، ص(109).

[64]ـ ابن القيم، أحكام أهل الذمة (1/79).

[65]ـ أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب.

[66]ـ حسّنه الحافظ في التلخيص، كتاب النكاح، باب موانع النكاح (3/353).

[67]ـ انظر، د. أبو زيد، الإمام الشافعي،ص(13).

[68]ـ د. أبو زيد، نقد الخطاب الديني،ص(93).

[69]ـ د. أبو زيد، الإمام الشافعي،ص(35).

[70]ـ المصدر السابق، ص (44).

[71]ـ انظر، المصدر السابق، ص (54).

[72]ـ انظر، المصدر السابق، ص (85).

[73]ـ سورة النساء، الآية (113).

[74]ـ الإمام الشافعي، الرسالة،ص (91ـ92).

[75]ـ د. أبو زيد، الإمام الشافعي،ص (83).

[76]ـ د. رفعت فوزي، نقض كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته، ص (58).

[77] . انظر كتاب ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين للسيوطي، فقد ذكر الأحاديث في هذا الأمر، وكلام العلماء ومواقفهم الواقعية من فتنة السلطان.

[78] . انظر كتاب أسباب اختلاف المحدّثين، خلدون الأحدب.

[79] . انظر، تحرير علوم الحديث، عبد الله يوسف الجديع (1/397)، فيه مقارنة بين آراء العلماء في الراوي المبتدع من الناحية النظرية والتطبيقية، وقد خلص إلى أن الصدق في الرواية هو ضابط قبول الرواية عند أئمة النقد جميعا، وإن اختلفوا في تحقق هذا الضابط في التنظير والتطبيق.
 
عودة
أعلى