السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلفت من قبل أحد الأساتذة بالإجابة على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بـ ( التوحيد) واجتهدت في الإجابة عليها و أسأل الله التوفيق ، لكن بقي سؤال لم أتوصل للإجابة عليه فأرجو منكم جزيتم خيرا الارشاد والتوجيه - والوقت المتاح قليل -
السؤال :
قال تعالى ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ، قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ) هذه الآية الكريمة فيها إثبات الرسالة ومن باب أولى الربوبية وضحي ذلك ثم اذكري عددا من الأدلة القرآنية المشابهة لها في المعنى
لعلي أدلي بدلوي في الشطر الأول من السؤال:قوله تعالى:"قل تربصوا فإني معكم من المتربصين": فيه ثقة كاملة بمآل الرسالة ومآل أعداء الحق. وبما أننا نعلم ما حصل بعد نزول هذه الآيات من انتصار الحق وهزيمة الباطل، فدل ذلك على أن المخبر هو الله المالك لمصائر البشر. ولم يكن بإمكان الدّعي أن يجزم بمستقبل كهذا في الوقت الذي كانت الظواهر كلها تشهد بصولة الكفر وتفوقه.وتتجلى ربوبية الخالق بإنزال الرسالة وحفظها وضمان تفوقها ووصولها إلى عباده ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الهداية الربانية.
أما الشطر الثاني من السؤال فنقول:"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"، أيضاً:"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً".أيضاً:" كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي". وأيضا:" إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً". وأيضاً: " والله يعصمك من الناس".
بارك الله فيك أخي سنان و جزاك الله خيراً . كانت إجابتي كالآتي : الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بمعجزة القرآن وهذه المعجزة هي أحد دلائل نبوته وصدق دعواه ، وادعى كفار قريش أن هذا القرآن شعر والرسول صلوات ربي وسلامه عليه شاعر ، وقول من قال ذلك هو من نقص الفطرة بحيث لا يدرك الشعر وهو الكلام الموزون على طريقة معروفة من النثر الذي ليس هو على ذلك المضمار ، ولا شك أن بعضهم كان يدرك ذلك إذ كان فيهم شعراء ولكنهم تمالؤوا مع أولئك الناقصي الفطرة على قولهم ( هو شاعر ) جحدا لآيات الله بعد استيقانها . فلما كانت المعجزة - وهي هنا القرآن- آية ظاهرة دالة على نبوته وصدقه دلت بظهورها على أنه رسول ، وإذا ثبتت رسالته صلى الله عليه وسلم ثبت لزاماً أن هناك مرسِلاً أرسله ولا يقدر على مثل ذلك إلا الله سبحانه وتعالى فهو القادر المعين رب العالمين ، ( فالمعجزة تدل بنفسها على ثبوت الصانع ، وتدل بظهورها على الرسول ، وإذا تبين أنها تدعو إلى الإقرار بأنه رسول الله فتتقرر بها الربوبية والرسالة ) . فتقرر من هذا أنه يمكن إثبات ربوبية الله ووجوده بالآيات والمعجزات وإن لم يكن المخاطب مقر ا بذلك ومن ثم يقوم لله بالعبادة ، و أما إن كان المخاطب مقرا بوجود الله بفطرته التي لم تتغير فإنه بالآية والمعجزة تتقرر عنده النبوة والوحدانية في الإلهية كما قال تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما ُأنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) ، فهذا نص واضح على أنه بالآية تثبت وتتقرر الرسالة والوحدانية ضرورة ً ، ومعلوم أن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية ، فإذا ثبت الأول ثبت الثاني تضمناً ، ضرورةَ ثبوت المتضمَّن بثبوت المتضمِّن ، فثبت أنه يمكن إثبات الربوبية بايآت الأنبياء . والأخبار في هذا كثيرة جدا يحصل بمجموعها القطع والعلم الضروري فيدل ذلك على صدقه في الرسالة وعلى وجود الخالق لأنه هو الذي أطلعه على ذلك إذ أنه لا يعقل أبدا أن يتحدث الإنسان ويخبر بأشياء و يصدق فيها دائما دون تردد ودون أن يُجرَّب عليه كذب إلا إذا كان موحى إليه و أن الذي أوحى إليه هو الذي بيده الأمور وتتطابق أخباره مع قدره . وعلى هذا يمكن أن يقال أن كفار قريش لما تربصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عليهم صلوات ربي وسلامه عليه بالتهديد وحصل ما حصل يوم بدر تبين بذلك الحدث صدق النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة وبهذا – وبغيره- ثبتت رسالته لتحقق ما توعد به ومادام أن الرسالة ثبتت فلابد من مرسل ولا يقدر على ذلك إلا الله جل وعلا وبهذا تثبت الربوبية والله أعلم . ومن الآيات المشابهة لهذه الآية في المعنى قوله تعالى ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين * أن أرسل معنا بني إسرائيل * قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين * قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين * ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين * وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل * قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون * قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين * قال أولو جئتك بشيء مبين * قال فأت به إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضـاء للناظرين ) جعل موسى عليه السلام مجئيه بالمعجزة دلالة على ربوبية الله على خلقه ، وهذا ظاهر . وأيضا قوله تعالى ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون* فليأتوا بحديث من مثله إن كانوا صادقين ) تحداهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأتوا بمثله ، ولو اجتمعوا أنسهم وجنهم لم يأتوا بمثله ، فهم بذلك إما أن يؤمنوا به ويهتدوا لأن الحق معه والبرهان بيّن وواضح ودال على صدقه ورسالته وأن هذا القرآن لا يأتي من البشر فمن المؤكد أن الله جل وعلا أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة الخارقة ولا يكاد أحد من عقلاءهم ينكر ذلك ، وإما أن يصدوا عن ذلك عنادا و اتباعا للهوى . فثبتت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزة و الربوبية تثبت تضمناً ، والله أعلم . الحاصل : أن الآيات التي يأتي بها الرسل عليهم السلام تدل على وجود الله تعالى ، وقال ابن القيم في ذلك ( وهذه الطريق – يقصد طريق إثبات الربوبية بواسطة دلالة معجزات الأنبياء – من أقوى الطرق و أصحها و أدلها على الصانع وصفاته وأفعاله ).