باب وعيد من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم

إنضم
02/02/2009
المشاركات
196
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
ليبيا
وقول الله تعالى : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ إلى قوله : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال في القرآن برأيه - وفي رواية: من غير علم - فليتبوأ مقعده من النار رواه الترمذي وحسنه.

وعن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال في القرآن بِرَأْيِهِ فأصاب فقد أخطأ رواه أبو داود والترمذي وقال: غريب .

--------------------------------------------------------------------------------


نعم هذا الباب ذكر فيه المؤلف الوعيد الشديد على من تجرأ في القول على الله بلا علم ثم صدر هذا الباب بهذه الآية العظيمة في سورة الأعراف يأمر الله تعالى فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول للناس: إن ربي حرم كذا وكذا قال: "إنما" وإنما هذه من أدوات الحصر، فحصر المحرمات في خمسة أشياء أو أربعة أشياء : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أو نقول وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ هذه واحدة فتكون أربعا، وهذه الآية جمعت أصول المحرمات في القرآن الكريم، جمعت أصول المحرمات في القرآن الكريم، وابتدأ الله تعالى فيها بالأسهل ثم الأشد ثم الأخطر والأعظم من ذلك، ولا يعني الترتيب البداية من الترتيب أنه أعظم، بدأ الله تعالى فيها بالأسهل ثم ترقى إلى الأشد فالأشد فالأعظم خطورة، فأول شيء حرمه الله تعالى على العباد، كما قال تعالى في هذه الآية إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .

فالفواحش كلها محرمة الفواحش القولية والفواحش الفعلية، هذه محرمة ظاهرا وباطنا، ودخل في هذا التحريم في الفواحش كل فاحشة قالها الإنسان أو عملها الإنسان، وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى هذا التحريم : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فيها الفواحش هذه ؟ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ نهى عن قربان الفواحش، ثم في القرآن الكريم جاء تفصيل لبعض الفواحش التي فيها خطورة شديدة على المجتمع منها أيضا الزنا قال : وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا خص بعض الفواحش بالذكر لشناعتها وبشاعتها وخطورتها بين الناس، وإلا فإن الله تعالى قد حرم الفواحش ودخل في هذا التحريم الفواحش الظاهرة والباطنة القولية والفعلية، ثم بعد ذلك قال : وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ الإثم هو الخطايا والمعاصي التي يرتكبها العباد ويقعون فيها بما تدعوه إليهم شهواتهم، ويقول تعالى : وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ سورة الأنعام وَذَرُوا يعني: اتركوا وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ يعني الشيء الخفي والشيء الظاهر الذي في العلن والذي في السر حتى حديث النفس ابتعدوا عنه وإن كان الإنسان لا يؤاخذ عليه لكن لا يحدث نفسه بفعل معصية وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ .

جاء التأكيد على النهي أيضا في هذه الآية، فالإثم هو الخطايا والمعاصي والذنوب التي يرتكبها الناس في حياتهم، والبغي هو الاعتداء على الناس في أموالهم ودمائهم وأعراضهم وديارهم -أيضا- الاعتداء عليهم في ديارهم في ديارهم وأموالهم وأعراضهم ودمائهم، ودخل في هذا البغي كل شيء حرمه الله تعالى من الاعتداء، وجاءت آيات أخرى أيضا تحذر من ذلك وتنذر فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال : فَبَغَى عَلَيْهِمْ هذا عن قارون، يعني: تطاول عليهم وربما سلب أموالهم واعتدى عليهم، ومن ذلك أيضا ما يقع من الحوادث فهي داخلة في البغي، والله تعالى قد قال : وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ الفساد في الأرض هو تعطيل السبل والمنافع على الناس وقطع مصالحهم أو إراقة دمائهم وسلب أموالهم وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فنهى الله تعالى عن البغي في هذه الآية وحرمه ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقيده بغير الحق ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وهذا هو الثالث.

حذر أيضا من الشرك بالله وأدخله في دائرة التحريم، وأن من مات على الشرك بالله فإنه من أهل النار، قال تعالى : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أي: ومات على الشرك فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ودخل في هذه الكلمة وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ كل أنواع الشرك صغيرها وكبيرها، فكلها محرمة حرمها الله تعالى، وختم هذا التحريم بأعظم محرم حرمه الله وهو القول على الله بلا علم، الذي هو الكذب والافتراء واختلاق الكلام، ولأن أيضا، فما هو أعظم إذا الشرك بالله أو القول على الله بلا علم؟

القول كما قال أهل العلم ؛ لأن الشرك بالله هو فرد من أفراد القول على الله بلا علم ؛ لأن الشرك أيضا هو كذب، الشرك هو نسبة شيء إلى الله ما لا يجوز، وهو داخل في أنواع الكذب، والقول على الله بلا علم أعم أعم من ذلك فقال تعالى : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ الإنسان لا يقول شيئا في أحكام الشريعة أو في القرآن والسنة إلا وهو يعلم، ومن تكلم أو أفتى الناس بما لا يعلم فهو داخل في هذا الوعيد الشديد، وقد تشبه بالمشركين الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، قال الله تعالى : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ قال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وقال تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فهؤلاء كلهم داخلون في الوعيد، قال تعالى في سورة البقرة أيضا : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ هذا في حق المشركين، فالشاهد وأن هذه الآية أيها الإخوة فيها بيان عقوبات مغلظة ومحرمات كبيرة على الإنسان أن يتأملها.

وكما قال أهل العلم: هذه الآية جمعت أصول المحرمات، والإنسان لا يقول في دين الله إلا بما يعلم ولا يجوز أن يفتي الناس بما يخالف الكتاب أو السنة أو ما عليه إجماع الأئمة ؛ لأن هذا من المشاقة في ما عليه أهل الإسلام، وقد قال تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى يقول أنا سوف أخالف إجماع الأمة وأفتي بهذه المسألة بين الناس، هو إما أن يريد أن يضل الناس أو يريد أن يشتهر بين الناس، وأن يعلم باسمه وأنه فلان، وهذا ربما يكون داخلا في مثل هذا الوعيد الشديد وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .

وفي الحديثين التاليين أيضا تحذير شديد في تفسير القرآن بغير علم، وأن الإنسان المسلم لا يقول في القرآن برأيه، وإنما يقول بما علمه وأنه الحق الموافق لما في الكتاب وفي السنة.

ويحسن بنا أيضا أن نبين في هذا المقام على وجه السرعة التفسير وأنه على نوعين: تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأي.

فالتفسير بالمأثور: هو الذي يعتمد على المنقول الصحيح من تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القرآن بالسنة أو تفسير القرآن بأقوال الصحابة أو تفسير القرآن بأقوال التابعين، هذا هو القسم الأول من التفسير، فهذا التفسير يدور على الرواية والنقل، وهذا هو الذي يجب اتباعه والأخذ به ؛ لأنه الطريق الصحيح الذي فيه النجاة، وهو آمن سبيل للحفظ من الزيغ والزلل في كتاب الله تعالى والتفسير.

القسم الثاني: التفسير بالرأي، وهو قسمان أيضا: قسم مذموم وقسم ممدوح:

فأما القسم المذموم: الذي يعتمد فيه المفسر على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد الذي لا يستند على أصول شرعية، فهذا ولا شك مدعاة للشطط والوقوع في الزيغ والضلل والضلال، وقد قال الله تعالى : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وهذا المعنى هو المقصود في الحديث الذي هو التفسير بالرأي المذموم، هذا الذي جاء النهي عنه في الحديثين من قال في القرآن برأيه - وفي رواية من غير علم - فليتبوأ مقعده من النار وفي الحديث الآخر قال : من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أي: أنه كان لا يتحرى الصواب يقول قولا ووافق الصواب، فلم يجتهد في الصواب الصحيح، وإنما وافق مع الأخطاء التي وقع فيها وافق الصواب أيضا، وهذا داخل في الآية السابقة، وهو في القول على الله بلا علم.

والنوع الثاني: وهو التفسير بالرأي الممدوح، وهو ما يستند على أصول شرعية وضوابط علمية، ذكر أهل العلم منها: صحة الاعتقاد، والتجرد عن الهوى، والعلم بالعلوم الأخرى المساندة، والعلم باللغة العربية، وأن يسعى في طلب التفسير من طرقه وضوابطه الصحيحة، هذا تفسير ممدوح ؛ ولهذا جمع بين التفسير بالرأي الممدوح والتفسير بالأثر أئمة من العلماء ؛ منهم الطبري، ومنهم ابن كثير، ومنهم البغوي، هؤلاء جمعوا بين الأمرين بين النقل وبين بين الأثر والرأي الرأي الصحيح.

أما بعض التفاسير فإنها سلكت مسلك الرأي المذموم ؛ كتفاسير المعتزلة، وتفاسير الرافضة، وبعض تفاسير الأشاعرة، تفسير الزمخشري تفسير معتزلي فيه ضلالات كثيرة، وإن كان فيه معاني كبيرة من اللغة لكنه سلك مسلك الرأي المذموم، وهذا القول على الله تعالى بلا علم في القرآن الكريم داخل في هذا الوعيد الشديد، نعم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شرح فضائل القرآن.

للشيخ :محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
شرح:د. عبد الله بن عبد الرحمن الشثري.
 
رحم الله الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وجزاه عن أمة الإسلام خير الجزاء
وأثاب الله الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن وأحسن إليه
ولا حرمك الأجر أختنا الفاضلة وجعل ما نقلت في ميزان أعمالك.


قال تعالى:
(يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ فَوْق صَوْت النَّبِيّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات:2
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عند هذه الآية:
"فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم أرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟ "
 
ما أحوجنا لمثل هذه المواضيع

ما أحوجنا لمثل هذه المواضيع

جزى الله الجميع خير الجزاء ، وخاصة أختنا الفاضلة على مبادرتها في طرق هذا الموضوع ..
ولا شك أن الأمة عامة ، وأعضاء هذا الملتقى المبارك خاصة بحاجة لمثل هذا الموضوع ، وخاصة بعد أن كثرت المشاركات في هذا الملتقى حول ما يسميه البعض بالإعجاز العددي ، وآخرون في الإعجاز الموضوعي ، وجماعة في الإعجاز الجغرافي .. إلخ..
وأصبح كتاب الله تعالى - والحالة هذه - مسرحا - وحاشاه من ذلك - لكل من هب ودب يفسره بلا مستند من حديث صحيح ، أو قول في لغة العرب معروف ، أو فهم عالم من علماء السلف ممدوح ..
وكأن كثيرا ممن يتغافلون عن تحريم القول في كتاب الله بالرأي يطبقون ما يسميه الغرب بحرية التعبير ، وينسون أو يتناسون أن الإسلام قيد كل عضو في الإنسان ، فاللسان مقيد ، والعين مقيدة ، واليد كذلك ؛ بل حتى مجرد التفكير مقيد ...
والمسلم لا يرتاب في أن كل تلك القيود وضعها الشارع من أجل مصلحة الإنسان وصونا له عن الوقوع فيما لا يفيد ..
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..
والله تعالى أعلم وأحكم .
 
هذه الآيات والأحاديث العظيمة التي استفتحت بها الأخت المباركة مشاركتها ، تبعث في القلوب المؤمنة التعظيم لكلام الله تعالى وعدم الاجتراء عليه إلا بعلم ، لعظم الكلام والمتكلم به .
وهذا مما يجعل المسلم يتوقف كثيراً في الجزم بمراد الله تعالى إلا بعلم بالأصول الشرعية واللغوية ورجوع لكلام أهل العلم والمفسرين .

وإن كان اجتهاد المسلم في فهم كتاب الله مع الاستعانة بكتب التفسير وأهل التفسير، أمر لاتثريب عليه فيه وهو خارج عن المنهي عنه في الآيات ، لأن المسلم مأمور بتدبر القرآن وفهم معانيه للعمل به ، فكونه يتأمل الآية ويتدبرها ثم يرجع لكتب التفسير أو يسأل أهل العلم فذلك المطلوب .
كما أن المدارسة لكلام الله تعالى والسؤال عن معنى آية في الدروس العلمية وفصول التعليم بقصد الوصول للمعنى المراد في الآية مع وجود من لديه علم لاحرج فيه ، لأن الغرض هو المدارسة للوصول للمعنى الصحيح .
وإنما المحذور هو الجزم بالمعنى المراد من غير علم بالأصول الشرعية واللغوية ، ورجوع لأهل العلم وكتب التفسير . والله أعلم
 
عودة
أعلى