أحمد العمراني
New member
أين نحن من خلق الستر
من المعلوم أن الستر خلق رفيع ، ما أحوج أمتنا تمثله في حياتها ، الكل يحتاج إليه، رجالا ونساء ، صغارا وكبارا.
1-حقيقة الستر:
الستر صفة من صفات العلي القدير، وهو سبحانه- سِتِّير يحب الستر، ففي الحديث :" إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر " . [1] ويحققها لعباده في يوم هم أحوج ما يكونون إليها ، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدنو أحدكم من ربه ، فيقول : أعملتَ كذا وكذا ؟ فيقول : نعم . ويقول : عملت كذا وكذا؟ فيقول : نعم . فيقرره ، ثم يقول : إني سترتُ عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ". [2]
-وجاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم آخرَ أهلِ الجنّة دخولاً الجنّة وآخر أهل النار خروجاً منها: رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقول : اعرضُوا عليه صِغارَ ذنوبِه. فيقال: عملتَ يومَ كذا وكذا كذا وكذا، وعملتَ يومَ كذا وكذا كذا وكذا. فيقول: نعم، لا يستطيعُ أن يُنكِرَ وهو مُشْفِقٌ من كبارِ ذُنوبِه أن تُعرَض عليه. فيقال له: فإنَّ لك مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً . فيقول : رب قد عملتُ أشياءَ لا أراها هاهنا. فلقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضحك ؛ حتى بَدَتْ نَواجِذُه ".[3]
-روي أنه لحق بني إسرائيل قحط على عهد موسى عليه السلام ، فاجتمع الناس إليه فقالوا : يا كليم الله ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ، فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفا أو يزيدون ، فقال موسى عليه السلام : إلهي اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع ، فما زادت السماء إلا تقشعا والشمس إلا حرارة ، فقال موسى : إلهي إن كان قد خُلق جاهي عندك فبجاه النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي تبعثه في آخر الزمان فأوحى الله إليه ما خلق جاهك عندي وإنك عندي وجيه ، ولكن فيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي ، فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم فبه منعتكم . فقال موسى : إلهي وسيدي أنا عبد ضعيف وصوتي ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألفا أو يزيدون ؟. فأوحى الله إليه منك النداء ومني البلاغ ، فقام مناديا وقال : يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر ؟. فقام العبد العاصي فنظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحدا خرج فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني إسرائيل وإن قعدت معهم منعوا لأجلي ، فأدخل رأسه في ثيابه نادما على فعاله ، وقال : إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني ، وقد أتيتك طائعا فاقبلني فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب ، فقال موسى : إلهي وسيدي بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد ؟. فقال : يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم ، فقال موسى: إلهي أرني هذا العبد الطائع ؟. فقال : يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني ، أأفضحه وهو يطيعني ، يا موسى إني أبغض النمامين أفأكون نماما ".[4]
وهو صفة في الإنسان يحبها الله عز وجل ، لهذا تحلى بها الأنبياء والمرسلون ومن تابعهم بإحسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يُرى من جلده شئ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستر هذا التستر إلا من عيب بجلده....". صحيح البخاري. وعن أبي السمح رضي الله عنه قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال:"ولني قفاك". وأنشر الثوب فأستره به.
2-فضل الستر: ولمزيد من بيان قيمته وقدره، تحدثت الشريعة عن فضله، فستر الانسان نفسه، أو ستره لغيره، لا يعني الستر المطلق، إنما هو الستر الدنيوي ليس غير، وإلا فرب العالمين مطلع على كل شيء، على كل صغيرة وكبيرة، قال تعالى:" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون".
-عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أصاب حدا فعجل الله له عقوبته في الدنيا، فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه ".[5]
لكن مع ذلك فالستر مطلوب، وأعطى عليه رب العالمين من الفضل والثواب ما يغري على تمثله، ومن ذلك :
أ-الجزاء من جنس العمل بل وضعفه، الستر في الدنيا ويوم القيامة:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر العورات؛ فقال:" لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة "[6]. وقال صلى الله عليه وسلم:" من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ".[7] وقال صلى الله عليه وسلم:" ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ".[8]
ب-ثوابه الجنة: أخرج الطبراني عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه، إلا أدخله الله بها الجنة ".
ج- الدفاع عنهم والانتقام لهم ؛ لأن من تجرأ على فضح أخيه تكفل الله بفضحه وكشف ستره عنه، حتى إن كان في جوف رحله ، جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ:" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِه ِ".[9]
ومن رحمةِ الله عزَّ وجلَّ بِخَلقِه، أنه نَهَى العبدَ أنْ يَهتكَ سِترَه بِنَفسِه، كما روى البخاري في باب (ستر المؤمنِ على نفسِه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كلُّ أمتِي مُعافًى إلا المجاهِرين، وإنَّ من المجاهرةِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملتُ البارحةَ كذا وكذا؛ وقد بات يسترُه ربُّه ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ الله عنه".
3-أنواع الستر:
أ-ستر العورات : المسلم يستر عورته، ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها. قال الله تعالى : " والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ". المؤمنون/ 5-6. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي وما نذر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك ". فقال السائل: يا نبي الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن استطعتَ أن لا يراها أحد، فلا يرينَّها " قال السائل: إذا كان أحدنا خاليًا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فالله أحق أن يستحيا منه من الناس".[10] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ".[11] أما ما تفعله كثير من النساء اليوم من كشفٍ لعوراتهن ، وعدم إخفاء زينتهن ، وخروج بلا أدب ولا حشمة ، بكل سفور وتبرج ، فإنما ذلك إثم كبير ، وذنب عظيم ، والمسلمة الملتزمة أبعد ما تكون عن ذلك؛ لأنها تصون جسدها وتلتزم بحجابها.
ب-الستر عند الاغتسال : يجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر ؛ حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل استتر عن الناس ، ثم اغتسل. وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".[12]
ج-الستر عند قضاء الحاجة : إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط (براز)، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر؛ حتى لا يكون عرضة لأنظار الناس. وليس من الأدب ما يفعله بعض الصبية من التبول في الطريق ، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالقبور فسمع صوت اثنين يعذبان في قبريهما، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ". [13]
د-ستر أسرار الزوجية : المسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله ، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة، أمرنا الدين الحنيف بكتمانها ، وعدَّها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها ، وإنما عليه أن يسترها. قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها ".[14]
هـ-من الستر عدم وضع الزوجة ثيابها في غير بيت زوجها:
عن أبي المليح قال : دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها فيما بينهما وبين الله عز وجل".[15]
و-ستر الصدقة : المسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله سبحانه، لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد سوى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" البقرة/ 274.
كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة رجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقال صلى الله عليه وسلم : " صدقة السر تطفئ غضب الرب".[16]
ز-ستر الرؤيا السيئة : إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله ، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات ، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا ، ولا يذكرها لأحد ، وليعلم أنها من الشيطان ، ولا تضره. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ؛ فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ ، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله".[17]
ح-ستر وساوس الشيطان : إذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ ، أو نوى أن يقوم بمعصية، لكنه عاد إلى رشده ؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره وما حدثتْه به نفسه من الشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به".[18]
ط-ستر الميت : عن أبي أمامة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من غسل ميتا فستره ستره الله من الذنوب ، ومن كفنه كساه الله من السندس ".[19]
4-أشياء تجلب ستر الله : الطريق إلى ستر الله سهل ميسور على من يسَّره الله عليه ، ومن الأسباب التي تجلب الستر على العبد المؤمن :
أ-الصدقة : لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي"، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ اللهِ وَفِي حِفْظِ اللهِ وَفِي سَتْرِ اللهِ حَيًّا وَمَيِّتًا".[20]
ب-الرفق وبر الوالدين والإحسان : من الأشياء التي تجعل العبد يدخل فيمن شملهم الله بستره وحفظه ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ : رِفْقٌ بِالضَّعِيف ِ، وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوك ".[21]
ج-ستر عورات المسلمين وزلاتهم : -يُحكى أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- كان له كاتب ، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر ؛ فقال يومًا لعقبة : إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمر ، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم ، فقال له عقبة : لا تفعل وعِظْهُمْ . فقال الكاتب : إني نهيتهم فلم ينتهوا ، وأنا داعٍ لهم الشرطة ليأخذوهم ، فهذا أفضل عقاب لهم . فقال له عقبة : ويحك . لا تفعل ؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة ".
-عن مريم بنت طارق : أن امرأة قالت لعائشة: يا أم المؤمنين إن كَريَّا (هو من يؤجرك دابته ) أخذ بساقي وأنا محرمة ، فقالت : حِجرا حِجرا حَجرا ( أي: سترا وبراءة من ذلك ) وأعرضت بوجهها وقالت : يا نساء المؤمنين ، إذا أذنبت إحداكن ذنبا فلا تخبرن به الناس ولتَستَغفِرَنَّ الله ولتَتُب إليه ؛ فإن العباد يُعَيِّرون ولا يُغَيِّرون ، والله تعالى يُغَيِّرُ ولا يُعَيِّر ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " من أطفأ على مؤمن سيئة فكأنما أحيا موءودة"، وعن أبي الشعثاء قال : كان شرحبيل بن السمط على جيش فقال : إنكم نزلتم بأرض فيها نساء وشراب ، فمن أصاب منكم حدا فليأتنا حتى نطهره ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه : لا أم لك ، تأمر قوما ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم.
5-شروط الستر: إذا أراد المسلم أن يستر أخاه ، فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره ؛ حتى يحقق الستر الغرض المقصود منه ، وأهم هذه الشروط:
أ-أن يكون الستر في موعده المحدد له ؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية وبعدها ، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
ب- أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه ، أما إذا وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
ج-أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -تعالى-، أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية ، وممن يفسد في الأرض ، فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر يجعل العاصي يتمادى في المعصية.
د-ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور واستغلاله وتعييره بذنوبه.
هـ-ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت:" ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ". البقرة/ 283.
و-الستر مرهون برد المظالم ، فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع حق الغير .
6-عقوبة فضح الناس : الذين لا يسترون الناس ويشيعون بينهم الفاحشة ، فإن لهم العذاب الأليم من الله تعالى حيث يقول : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ". سورة النور /19. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ".[22] .
7-السلف والستر : يحكى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جلس بين مجموعة من أصحابه ، وفيهم جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- وبينما هم جالسون أخرج أحد الحاضرين ريحًا، وأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ، فقال جرير لعمر: يا أمير المؤمنين ، أو يتوضأ القوم جميعًا . فسُرَّ عمر بن الخطاب من رأيه وقال له : رحمك الله . نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية ، ونعم السيد أنت في الإسلام.
-قال أبو بكر رضي الله عنه : " لو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله ، ولو أخذت شاربا لأحببت أن يستره الله ".
-وعن عثمان بن أبي سودة قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله . قيل: وكيف يهتك ستر الله ؟ قال: يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه فيذيعه في الناس.
-وعن علام بن مسقين قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، رجل عَلِمَ من رجل شيئا، أيفشي عليه؟ قال: يا سبحان الله ! لا.
-وعن يحيى بن معين قال : أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا ما أعلمت بها أحدا وأعلمته في ما بيني وبينه ، ولقد طلب إلي خلف بن سالم فقال : قل لي أي شئ هي ؟. فما قلت له وكان يحب أن يجد عليه. قال يحيى : ما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته ، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه ، ولكن أبين له خطأه في ما بيني وبينه فإن قبل ذلك وإلا تركته ".[23]
8-تربية الأبناء على حفظ السر : مما يجدر بنا أن نفعله أن نُربيَ أبناءنا على حفظ الأسرار وأمانة المجالس ، وعدم إفشاء أحاديثها كما فعلت أم أنس رضي الله عنهما ، جاء في الحديث أن أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ فَأَبْطَأْت عَلَى أُمِّي ، فَلَمَّا جِئْت قَالَتْ مَا حَبَسَك ؟ قُلْت بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ، قَالَتْ : مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْت: إنَّهَا سِرّ ٌ، قَالَتْ : لا تُخْبِرْنَ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ:" وَاَللهِ لَوْ حَدَّثْت بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُك بِهِ يَا ثَابِتُ".
وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: "يَا بُنَيَّ.. إنِّي أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ- يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلاثًا: لا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلا تَغْتَابَنَّ أَحَدًا، وَلا يَطَّلِعَنَّ مِنْك عَلَى كِذْبَةٍ" .
نسأل الله أن يسترنا فوق الارض ، ويسترنا تحت الارض ، ويسترنا يوم العرض عليه، آمين..
د/أحمد العمراني الجديدة المغرب.
[1]-أبو داود والنسائي وأحمد.
[2]-صحيح البخاري.
[3]-صحيح مسلم 1/177، حديث 190. والسنن الكبرى للبيهقي 10/190.
[4] -كتاب التوابين :1/81-82.
[5]-المستدرك:1/48/13.هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي .
[6]-صحيح مسلم.
[7]-سنن ابن ماجه.
[8]-سنن الترمذي.
[9]-سنن الترمذي، ح رقم (1955)، وقال حسن صحيح، وصححه الألباني .
[10] - أبوداود والترمذي وابن ماجه.
[11] -صحيح مسلم.
[12] - أبوداود والنسائي وأحمد.
[13] -متفق عليه.
[14] -صحيح مسلم وسنن ابي داود.
[15] - المستدرك :4/321/7780.تعليق الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم.
[16] - الطبراني.
[17] -متفق عليه.
[18] -متفق عليه.
[19] - المعجم الكبير :8/281/8077. الجامع الصغير وزيادته:1/1135/11349.
[20]-سنن الترمذي ح رقم (3483)، قال الترمذي حسن غريب. رقم 3560.
[21] - سنن الترمذي، ح رقم (2418)، وقال حسن غريب.
[22] -سنن ابن ماجه.
[23] -تاريخ دمشق :65/28.