امْضِ وَلَا تُبَالي بِمَنْ يَقْلَقُ وَيَحتَرِقُ قَلَقًا بِاضْطِرَابَاتِ الغَدِ!

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1

الكثير منا قد تابع وقرأ ورصد بنفسه خلال الفترة الأخيرة: تصاعد القلق السياسي عربيا وخليجيا, وحفنة من التشنجات في المواقف وردود الأفعال على أعلى المستويات, كما قد تناهى إلى مسامع المهتمين منا بالسياسية همهمات القلق التي تسري في الأروقة السياسية, وهي تتحدث عن مستقبل ضبابي تتجه نحوه دول المنطقة, وبدا أن المحللون السياسيون قد اتفقوا مبدئيا على أن الفترة القادمة هي فترة حرجة من تاريخ دول الخليج وشعوبها, لكنهم تفاوتوا في درجات قلقهم وتشاؤمهم!.
هذا التشاؤم وهذا القلق قد ألقى بظلاله القاتمة داخلي, فعشتُ أياما من الخوف والذهول والتفكير العميق, وبقيتُ هكذا مدة بين واقع لا أعيه وخيال أشرد إليه لأبحث فيه عما يجمع عليّ شتات نفسي، ويعيد إليّ يقيني وتوازني, فما تركت شيئا أعرفه إلا ورحتُ أطبب به نفسي لأعيد إليها استقرارها وطمأنينتها وأنزع عنها الخوف والقلق, فدارت بيني وبين نفسي حوارات عقلية وعاطفية ودينية كثيرة هدأت بها مخاوفي ـ بحمد الله ـ واستكانت نفسي, فلما رأيتُ ذلك منها فزعتُ إلى أوراقي كي أسجل خلاصة أفكاري رسالةً لكل من أصابه القلق من الغد الذي لا يُعرف أين ترسو سفنه, لعلي أترك بصمة فاعلة في التخفيف عن غيري, وأحسب أن في رسالتي هذه تسلية لقارئها, وإني لأرجو من الله أن تمس القلوب, ويقوى بها اليقين بالله, كما أسأل الله أن يبارك فيها ويضاعف لي الأجر عليها أضعافا كثيرة.

رسالتي: امْضِ وَلَا تُبَالي بِمَنْ يَقْلَقُ وَيَحتَرِقُ قَلَقًا بِاضْطِرَابَاتِ الغَدِ!

قارئي الكريم أنا لن أجاملك بمقدمات طويلة أحدثك فيها عن كم القراءات والتحليلات السياسية التي تصدق على أرض الواقع أو لاتصدق.. فهذا حديث لا يعنيني, لكني سأصوب سهمامي مباشرة نحو الهدف الذي أصبو إليه مستعينة بالله لأقول:

اقلق واحترق قلقا.. ليس لأنك صدقت تحليلات المحللين السياسيين؛ وليس لأن القلقون منهم أصابوك بسهم من سهام تكهناتهم المخيفة للمستقبل؛ وإنما اقلق إن كنت قد عشت حياتك شخصا أنانيا بامتياز, انغمست في النعيم آكلا شاربا عابثا مبذرا, لا ترى في الكون غير نفسك وحاجاتها, اقلق إن كنت ممن عاش الحياة مستأسدا, تنال حقوقك كاملة وغيرك بالكاد يلملم فتاتا من حقوقه المبعثرة, ثم أنت إلى جانب حقوقك تنتزع حقوق أي ضعيف تحتك, كأن الدنيا خلقت حقا أصيلا لك وحدك, وإذا اعتُدي عليك انتصرت لنفسك بظلم وبغي, تحيا الحياة بقوانين أنت اخترعتها لتناسب أهوائك وأنانيتك, ومادمت أنت بخير فالدنيا كلها بخير!, لا تشغلك حروب ظالمة تشتعل في بلاد العرب أو بلاد المسلمين من حولك, لا يهمك من يقتل من, ومن يحرق من, ومن يظلم من, ومن يستنجد بمن, ومن يبكي على من, ومن يموت لكي تحيا أنت.

إن كنت كذلك.. فاقلق واحترق قلقا, فلربما أوان سداد الدين قد آن!

أو كنت تظن أن رجلا ضعيفا أكلت حقه أو قهرته وأبكيته ثم انصرفت عنه مدبرا لا تلوي على شيء حتى طوى الماضي صفحته فنسيته.. أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق واحترق قلقا.
أو كنت تظن أن زوجتك التي هضمتها حقها, وفجَرت في خصومتك لها, ونشرت معايبها, وحرقت قلبها في فلذة كبدها, ثم نسيتها بما استقبلت من حياة رغيدة.. أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
أوكنت تظن أن إعراضك عن ظلم تراه قد وقع على ضعيف لم يبالي ظالمه بحقه, وأنت قادر على أن تنكر ظلمه ولو بقلبك الذي قد من حجر؛ لكنك لم تفعل ولم تعبأ لأن تفعل, وتركت الظلم يترعرع ويستقوي, ويزداد بأسا وفتكا بالضعفاء.. أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
أوكنت تظن أن قسوة قلبك على ظلم المستضعفين من إخوانك المسلمين من أهل الحق في سورية وفي مصر وفي كل بقاع الأرض؛ وتهربك من متابعة أخبارهم؛ وتقززك من مجرد رؤية جراحهم ودمائهم لكي لا يتكدر صفو حياتك.. أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
أوكنت تظن أن اموالا اكتسبتها من حلال ثم تاقت نفسك لتنميتها بالحرام فنميتها, وزينت لنفسك الحرام وحللته, ثم أنت بعد ذلك تتهاون في زكاتها وتبخل في التفريج بها عن عباد الله..أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
أوكنت تظن أن نعمة طعام بيدك قد قذفتها يوما ما من نافذة سيارتك, أو تركتها خلفك على طاولة طعام في مطعم, أو تركتها على سفرة مزدحمة بأصناف الطعام مُدتْ بين يديك في شهر الصيام؛ وأنت تعلم أن جياع المسلمين حولك يتمنون اللقمة.. وهم ليسوا في الصومال ولا في السودان ولا في مينمار ولا في سورية وإنما في نفس بلدك .. وفي نفس مدينتك, بل في نفس حيّك, ثم تتناسى ذلك كله..أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
أوكنت تظن أن إسرافك في الطعام مفاخرة أمام ضيوفك في زواج ابنك أوفي مناسبة ترقيتك أوفي شتى مناسبات حياتك, أو تلك الآلاف المؤلفة التي تصرفها على ثيابك وعطورك وساعاتك وأناقتك, وملابس أولادك وأزياء زوجتك, واكسسوارات سياراتك, وأجهزة الاتصال المختلفة التي يزدحم بها بيتك, وسفَراتك ورحلاتك, ثم أنت برغم سخاءك على نفسك وأهلك بخيل على مشاريع الخير, وبخيل على الفقراء والسائلين, ولربما بخلتَ على فقيرة اتخذت لها مكانا بجوار متجر؛ لأن نفسك الأمارة بالسوء قد نصحتك بأنها: تمتهن الشحاذة وربما كونت من وراء ذلك ثروة!..أوكنت تظن أن الله ينسى؟!! فاقلق إذن واحترق قلقا.
نعم اقلق واحترق قلقا.. فلربما أوان سداد الدين قد آن!
أو تظن أن المال منجيك من أي أزمة؟ ..أنت واهم إذن!, سل أغنياء ذلوا في الجوار عن ذلك.
..المال يسرق, والبنوك تغلق, والأرصدة تجمد, ولن يبق إلا أنت وديْنُك فقط!
ستسدد ديْنَك من كبريائك ذلا أذللته عبدا ضعيفا من عباد الله, وقد تدور بك الدنيا فتقف أنت الضعيف أمام جبار ينتقم من ظلمك للناس في سالف الأيام, وقد تعمل أجيرا لتسد جوعك, وسل التاريخ كم حكى من أشباه تلك القصص!
ستسدد دينك من عرضك وشرفك إن كان ثمة أعراض لم تخش الله فيها أيام عزك وجبروتك!
ستسدد دينك بجوعك وعطشك كما أكلت وأسرفت وبذرت في الأيام الخالية!​

ستسدد ديْنك تماما بالصورة التي اخترتها في حياتك, فانظر كيف عشت, واقلق بقدر تجبرك.


فإن كنتَ ـ أيها القارئ ـ ممن أحسن في حياته, ورُزق تواضعا ولين جانب, وحبا للمساكين, وعطفا على الأيتام والأرامل, وإحسانا للضعفاء, وإكراما لأهل الدين, ويعلم الله كم تنكسر نفسك ألما وهما إن رأيت ما يؤذي المسلمين في شتى بقاع الأرض, وقد حدثتك نفسك يوما حديثا صادقا بالجهاد في سبيل الله ونصرة المظلومين.. فإن كنت كذلك فلا تقلق.. فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

نعم لا تقلق ولا تبالي بمن يقلق!


أو تظن أن الله الذي رأى منك صلاح الحال والنية يضيعك؟ والله لقد أسأت الظن ـ إذن ـ بالله!

أو تظن أن الله يرى منك إكرام النعمة والقصد فيها ثم يتركك تجوع حتى تلهث؛ وتظمأ حتى تموت؟ والله لقد أسأت الظن بالله!

أو تظن أن الله المطلع على قلبك الذي يعتصر ألما على مآسي إخواننا المسلمين في سورية ومينمار وفلسطين وفي كل مكان سيجعلك مأساة يُبكى عليها؟ والله لقد أسأت الظن بالله!
أو تظن أن مالك الذي زكيته وأكثرت فيه من الصدقات, ودفعته للمضطرين بلا منّ ولا أذى ..أو تظن أن الله يعرضك لمنّ متصدقٍ أو فضلة متكبرٍ؟ والله لقد أسأت الظن بالله!​

أو تظن أن الله الذي علم تقواك وحرصك على ألا تعتدي على أعراض الناس ولو بنظرة .. مضيع عرضك؟ والله لقد أسأت الظن بالله!
دع القلق لغيرك, وخل الشائعات وراء ظهرك, وأكمل طريقك الطاهر بثبات ويقين, فصفحتك ناصعة, وذمتك نقية لا ديون عليها, ورصيدك الحقيقي في ازدياد, وهو قادر بإذن الله على تغطية الأزمات, وإخراجك من أية كوارث بأقل الخسائر والأضرار.

ازدد قربا لله وعبادة له, واجعل التقوى رداءك, والتواضع طبع من طباعك, والصدق خلق من أخلاقك, ولا تدع معروفا تعرفه إلا عملته واستزدت به لعله ينفع في يوم حاجتك, واقترب من الصالحين ليشدوا من أزرك, وليأخذوا على يدك إن اعوججت أو ملت, وعليك بالدعاء.. أليس بالدعاء يرد الله القضاء؟؟؟ فمالنا نغفل عنه وهو زاد المتقين ودوائهم, وبه يرفع الله المحن؟!!, ثم انهض أخي الكريم إلى الدعوة ولا تكسل, انقذ أمتك مما هي فيه المعاصي والفساد قبل أن يحل علينا غضب من الله, فوالله لازال الناس بخير لكنهم بحاجة لمن يحسن نصحهم وتذكيرهم بالله, فابدأ بأهل بيتك ومن حولك, ووسع دوائر دعوتك سريعا ولا تكسل, رزقنا الله وإياكم حسن الختام, ونقى سرائرنا, وطهر قلوبنا, وجعلنا بمنه وكرمه في هذه الحياة من السعداء الآمنين المكرمين, وفي الآخرة من الفائزين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.


بقلم: حفصة اسكندراني

11/01/1435 ه

 
جزاكم الله خيرا أختنا الفاضلة حفصة على هذا الموضوع الرائع، وسدد خطاك دائما وسلمت يمناك.
الحقيقة أنه كثيرا ما صدعنا بهذا الكﻻم في مساجدنا من قبل ظهور هذه الثورات وكذلك بعد ظهورها.
فالمشكلة ليست في الحاكم بقدر ماهي في المحكوم، لكن المشكلة الحقيقية والكبرى في صلة اﻹنسان بالله تبارك وتعالى.
وفقنا الله لما يحب ويرضى، ودمتم مباركين (*_*).

إبراهيم بن محمود دياب
 
جزاك الله كل خير وبارك الله فيك وفي قلمك
ونزيد نصيحة مع نصيحتك الطيبة أننى أدعوكم لقراءة مقدمات كتب العلامة محمد أبو موسى
وضرورى الآن مقدمة ال حم الجاثية والأحقاف دراسة في أسرار البيان
فإنه يحدثنا عما نحن فيه الآن وليت من يستفيد منه أن يتحفنا بما استفاده
 
عودة
أعلى