الْمُكْثُ أَبَدًا فِي الأَجْرِ

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قوله تعالى :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)}

قال في البحر المُحيط:
وَالْأَجْرُ الْحَسَنُ الْجَنَّةُ، وَلَمَّا كَنَّى عَنِ الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ أَجْراً حَسَناً قَالَ: ماكِثِينَ فِيهِ أَيْ مُقِيمِينَ فِيهِ، فَجَعَلَهُ ظَرْفًا لِإِقَامَتِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ الْمُكْثُ لَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ قَالَ أَبَداً وَهُوَ ظَرْفٌ دَالٌّ عَلَى زَمَنٍ غَيْرِ مُتَنَاهٍ .

قال في أضواء البيان..........
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :{ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا }، أَيْ وَلِيُبَشِّرَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا . الْأَجْرُ : جَزَاءُ الْعَمَلِ ، وَجَزَاءُ عَمَلِهِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِالْأَجْرِ : هُوَ الْجَنَّةُ . وَلِذَا قَالَ :{ مَاكِثِينَ فِيهِ} ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : فِيهِ ; لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَجْرِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَجْرِ الْجَنَّةَ . وَوَصَفَ أَجْرَهُمْ هُنَا بِأَنَّهُ حَسَنٌ ، وَبَيَّنَ أَوْجُهَ حُسْنِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ : ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ - إِلَى قَوْلِهِ –{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ }، وَكَقَوْلِهِ :{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ } ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

قال العُثيمين رحمه الله في تفسيره :
وقوله تعالى: {الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } يفيد أنه لا بدَّ مع الإيمان من العمل الصالح، فلا يكفي الإيمان وحده بل لا بد من عمل صالح.
(أجرا) أي ثواباً، وسمى الله عز وجل ثواب الأعمال أجراً لأنها في مقابلة العمل، وهذا من عدله جلَّ وعلا أن يسمي الثواب الذي يثيب به الطائعَ أجراً حتى يطمئن الإنسان لضمان هذا الثواب؛ لأنه معروف أن الأجير إذا قام بعمله فإنه يستحق الأجر.

قال الطبري رحمه الله ............
وَقَوْلُهُ : {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ : وَيُبَشِّرَ الْمُصَدِّقِينَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَمَلِ بِهِ ، وَالاِنْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} يَقُولُ : ثَوَابًا جَزِيلاً لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَمَلِهِمْ فِي الدُّنْيَا الصَّالِحَاتِ مِنَ الأَعْمَالِ ، وَذَلِكَ الثَّوَابُ : هُوَ الْجَنَّةُ الَّتِي وَعَدَهَا الْمُتَّقُونَ.
وَقَوْلُهُ : {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} يقولُ : لا ِبثين فبه أبداً خَالِدِينَ ، لاَ يَنْتَقِلُونَ عَنْهُ ، وَلاَ يَنْقُلُونَ.

قال في المُحرر الوجيز :
وقوله { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا } تقديره بأن لهم أجراً ، والأجر الحسن نعيم الجنة ، ويتقدمه خير الدنيا ، و { مَاكِثِينَ } حال من الضمير في { لهم } و{ أَبَدًا } ظرف لأنه دالٌ على زمن غير متناه .

قال العُثيمين رحمه الله في تفسيره :
وقوله تعالى: {الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } يفيد أنه لا بدَّ مع الإيمان من العمل الصالح، فلا يكفي الإيمان وحده بل لا بد من عمل صالح.
(أجرا) أي ثواباً، وسمى الله عز وجل ثواب الأعمال أجراً لأنها في مقابلة العمل، وهذا من عدله جلَّ وعلا أن يسمي الثواب الذي يثيب به الطائعَ أجراً حتى يطمئن الإنسان لضمان هذا الثواب؛ لأنه معروف أن الأجير إذا قام بعمله فإنه يستحق الأجر.
وقوله: (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) أي باقين فيه أبداً، إلى ما لا نهاية، فلا مرض ولا موت ولا جوع ولا عطش ولا حر ولا برد، كل شيء كامل من جميع الوجوه.
واعلم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنَّة موجودة الآن وأنها مؤبدة، وأن النار موجودة الآن وأنها مؤبدة، وقد جاء هذا في القرآن، فآيات التأبيد بالنسبة لأصحاب اليمين كثيرة، أما بالنسبة لأصحاب الشمال فقد ذُكر التأبيد في آيات ثلاث:
1 -في سورة النساء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً- إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) }.
2 -في سورة الأحزاب، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً - خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً }.
3 -في سورة الجن في قوله تعالى: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً }..
وإذا كانت ثلاثُ آيات من كتاب الله صريحة في التأبيد فلا ينبغي أن يكون هناك خلاف، كما قيل:
(وليس كل خلاف جاء معتبراً إلاَّ خلافاً له حظٌّ من النَّظرِ) وما ذكر من الخلاف في أبدية النار لا حظَّ له، كيف يقول الخالق العليم: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) ثم يقال: لا أبدية؟ هذا غريب، من أغرب ما يكون، فانتبهوا للقاعدة في مذهب أهل السنّة والجماعة: أن الجنَّة والنار مخلوقتان الآن لأن الله ذكر في الجنة (أعدت) وفي النار (أعدت) . وثانياً: أنهما مؤبدتان لا تفنَيان لا هما ولا من فيهما كما سمعتم.

قال أبو السعود رحمه الله :
قوله تعالى : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } أي شيئاً من العِوَج بنوع اختلالٍ في النظم وتَنافٍ في المعنى أو انحرافٍ عن الدعوة إلى الحق وهو في المعاني كالعِوَج في الأعيان ، وأما قوله تعالى : { لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } مع كون الجبالِ من الأعيان فللدِلالة على انتفاء ما لا يُدرك من العوج بحاسة البصر ، بل إنما يوقف عليه بالبصيرة بواسطة استعمالِ المقاييسِ الهندسيةِ ولمّا كان ذلك مما لا يُشعَر به بالمشاعر الظاهرةِ عُدّ من قبيل ما في المعاني. { أَنَّ لَهُمْ } أي بأن لهم بمقابلة إيمانِهم وأعمالِهم المذكورة { أَجْرًا حَسَنًا } هو الجنةُ وما فيها من المثوبات الحُسنى . { مَّاكِثِينَ } حال من الضمير المجرور في لهم { فِيهِ } أي في ذلك الأجر { أَبَدًا } من غير انتهاء أي خالدين فيه ، وهو نصبٌ على الظرفية لماكثين.

قال السعدي رحمه الله :
{ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } وهو الثواب الذي رتبه الله على الإيمان والعمل الصالح، وأعظمه وأجله، الفوز برضا الله ودخول الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وفي وصفه بالحسن، دلالة على أنه لا مكدر فيه ولا منغص بوجه من الوجوه، إذ لو وجد فيه شيء من ذلك لم يكن حسنه تاما.
ومع ذلك فهذا الأجر الحسن { مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } لا يزول عنهم، ولا يزولون عنه، بل نعيمهم في كل وقت متزايد، وفي ذكر التبشير ما يقتضي ذكر الأعمال الموجبة للمبشر به، وهو أن هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح، موصل لما تستبشر به النفوس، وتفرح به الأرواح.

قال ابنُ كثيرِ رحمه اللهُ :
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ تَعَالَى يَحْمَدُ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ عِنْدَ فَوَاتِحَ الْأُمُورِ وَخَوَاتِيمِهَا، فَإِنَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى إِنْزَالِهِ كِتَابَهُ الْعَزِيزَ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؛ إِذْ أَخْرَجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، حَيْثُ جَعَلَهُ كِتَابًا مُسْتَقِيمًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا زَيْغَ، بَلْ يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، بَيِّنًا وَاضِحًا جَلِيًّا نَذِيرًا لِلْكَافِرِينَ وَبَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} أَيْ: لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ اعْوِجَاجًا وَلَا زَيْغًا وَلَا مَيْلًا بَلْ جَعَلَهُ مُعْتَدِلًا مُسْتَقِيمًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {قَيِّمًا} أَيْ: مُسْتَقِيمًا.
{لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أَيْ: لِمَنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، يُنْذِرُهُ بَأْسًا شَدِيدًا، عُقُوبَةً عَاجِلَةً فِي الدُّنْيَا وَآجِلَةً فِي الْآخِرَةِ {مِنْ لَدُنْهُ} أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُعَذّب عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ.
{وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِينَ صَدَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} أَيْ: مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ جَمِيلَةً .{مَاكِثِينَ فِيهِ} فِي ثَوَابِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، خَالِدِينَ فِيهِ {أَبَدًا} دَائِمًا لَا زَوَالَ لَهُ وَلَا انْقِضَاءَ.

قال في التحرير والتنوير:"
وَذِكْرُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ الْأَجْرِ بِحُصُولِ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ.
 
بارك الله فيكم ..
المكث : هو ثبات مع انتظار كما في المفردات .. ولو تأملنا المواضع الستة الأخرى في القرءان الكريم التي وردت فيها هذه المادة لوجدنا انطباق هذا المعنى ..
وفي هذا الموضع في سورة الكهف .. أهل الجنة ماكثون في النعيم .. حالهم ثابت أبدا لا يتغير ( بمعنى خالدون ).. ولكن ماذا ينتظرون ؟ ..
هم في انتظار أبدي أيضا .. انتظار من أو انتظار ماذا ؟..
والله أعلم ربما المراد هو النظر إلى وجه الله الكريم .. لأنه كما جاء في الأثر يرون ربهم كل جمعة في الجنة .. والنظر إلى وجه الله الكريم هو أعظم لذات أهل الجنة وأعلى نعيمهم .. فهم في شوق وتطلع لهذا الموعد الاسبوعي بلا شك .. كلما وفاهم موعدهم .. بقوا في شوق وانتظار للذي بعده .. وهكذا أبدا .. الانتظار لا ينقطع .. والله أعلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم ..
ولعل المقصد أيضا أن هذه الآيةَ تؤكد بوضوح على وجوب العمل المترتب عليه الأجرُ ...
فكيف الأجرُ بلا عمل ....؟ وهذا صريح القرآن في مجاورة العمل الصالح- وليس أي عمل- للإيمان .....
 
عودة
أعلى