الْعَقِيدَةُ وَالْأَمْنُ - أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قَالَ تَعَالَى فِي سورةِ الْأَنْعَامِ :{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}

قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................

وَقَوْلُهُ {لَهُمُ الْأَمْنُ } أَشَارَتِ اللَّامُ إِلَى أَنَّ الْأَمْنَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَثَابِتٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: آمِنُونَ. وَالْمُرَادُ الْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِئْصَالِ وَنَحْوِهِ وَمَا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ الْجَاحِدَةُ، وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا مِنْهُمْ حِينَئِذٍ إِلَّا التَّوْحِيدُ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْنُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ الْأَمْنُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى إِذْ لَا يُحْتَمَلُ هُنَا غَيْرُ ذَلِكَ.

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....

(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَرِيقُ الْمُوَحِّدِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ ، وَيَخَافُونَ وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَخَافُونَ وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ مِنْ دُونِهِ ، وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ الْأَسْبَابَ بِالْأَسْبَابِ ، وَيُدَافِعُونَ الْأَقْدَارَ بِالْأَقْدَارِ ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْأَمْرَاضِ قَبْلَ وُقُوعِهَا ، وَمُدَافَعَتِهَا بِالْأَدْوِيَةِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ بِهَا ، وَفَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تَأْثِيرَ بَعْضِ الْأَسْبَابِ ، فَاتَّخَذُوا مِنْهَا مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ ، بَلْ نَسَبُوا إِلَى بَعْضِهَا النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِخِدَاعِ الْمُصَادَفَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْأَوْهَامِ ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ : أَيُّ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ وَأَجْدَرُ بِالْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ ، مِنْ عَاقِبَةِ عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ ؟ وَنُكْتَةُ عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِ : فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ، إِلَى قَوْلِهِ : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) هِيَ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُوَحِّدٍ وَمُشْرِكٍ ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مُوَحِّدٌ وَالْآخِرَ مُشْرِكٌ ، لَا خَاصَّةَ بِهِ وَبِهِمْ ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلَّةِ الْأَمْنِ . وَقِيلَ : إِنْ نُكْتَتَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَاسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ ، فَالْمُرَادُ أَيُّنَا الْحَقِيقُ بِالْأَمْنِ ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بَاسِمِ التَّفْضِيلِ نَاطِقًا فِي اسْتِنْزَالِهِمْ عَنْ مُنْتَهَى الْبَاطِلِ - وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْحَقِيقُونَ بِالْأَمْنِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقُ بِالْخَوْفِ - إِلَى الْوَسَطِ النَّظَرِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِ كُلِّهِ ثُمَّ قَالَ : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ - أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ - فَأَخْبَرُونِي بِذَلِكَ ، وَبَيِّنُوهُ بِالدَّلَائِلِ وَهَذَا إِلْجَاءٌ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ أَوِ السُّكُوتِ عَلَى الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ .
{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ } مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَعِقَابِهِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى عَدَمِ مُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ ، كَالْفَقْرِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ غَيْرَهُمْ فَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَا أَمَانَ لَهُمْ ، بَلْ كُلُّ ظَالِمٍ عُرْضَةٌ لِلْعِقَابِ وَإِنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى لِسِعَةِ رَحْمَتِهِ لَا يُعَاقِبُ كُلَّ ظَالِمٍ عَلَى كُلِّ ظُلْمٍ ، بَلْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبِ الدُّنْيَا ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي الْآخِرَةِ مَا دُونُ الشِّرْكِ بِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْنَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللهِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَدَرِيِّ جَمِيعًا لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ ، دَعْ خَوْفَ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ ، الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَهْلُ الْكَمَالِ ، وَقَدْ صَحَّ إِسْنَادُ الْخَوْفِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ : (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ عِقَابِ الْآخِرَةِ بِالْفِعْلِ - وَهُوَ النَّجَاةُ مِنْهُ - فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَلِكَثِيرٍ مِمَّنْ دُونَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كُلٌّ مِنْهُمْ لِيَبْقَى جَامِعًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي إِدْخَالِ مِثْلِ هَذَا فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ .

قَالَ العُثَيمِينُ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................

فَالْأَمْنُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْإِيمَانِ، وَعَدَمِ الظُّلْمِ.
 
قَالَ تَعَالَى:{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوَجِيزِ.....................

قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} هَذِهِ بَاءُ السَّبَبِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمُشْرِكَ بِاللهِ نَفْسُهُ مُقَسَّمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ بِاللهِ تَعَالَى ثِقَةٌ ، فَهُوَ يَكْرَهُ المَوْتَ وَيَسْتَشْعِرُ الرُّعْبَ مِنْهُ ، وَ « السَّلطَانُ » ، الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : هَذَا هُوَ شَأْنُ الْكَافِرِينَ الْمُعَانِدِينَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، كَأَنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ : هَذِهِ هِيَ الطَّبِيعَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ ، إِذَا قَاوَمُوا الْمُؤْمِنِينَ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَلَا تُبَالُوا بِقَوْلِ مَنْ يَدْعُوكُمْ إِلَى مُوَالَاتِهِمْ وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِمْ .
قَالَ : بِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مَا بَالُنَا نَجِدُ الرُّعْبَ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ؟ فَإِنَّ الَّذِينَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ مُسْلِمِينَ قَدْ يَكُونُونَ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا الْوَعْدِ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ وَالْإِذْعَانِ وَالثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ ، وَبَذْلِ النَّفْسِ وَالْمَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَتَمَنِّي الْمَوْتِ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ ، فَمَعْنَى الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِيهِمْ ، وَإِنَّمَا رُعْبُ الْمُشْرِكِينَ مُرْتَبِطٌ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الْآثَارِ ، فَحَالُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ لَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدِ انْصَرَفُوا عَنِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْحَقِّ ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَعْمَالِ ، فَالْقُرْآنُ بَاقٍ عَلَى وَعْدِهِ ؟ ، وَلَكِنْ هَاتِ لَنَا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَنْطِقُ إِيمَانُهُمْ عَلَى آيَاتِهِ وَلَكَ مِنْ إِنْجَازِ وَعْدِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مَا تَشَاءُ . وَتَلَا قَوْلَهُ - تَعَالَى - : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [24 : 55] الْآيَةَ . قَالَ : وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِشْرَاكُ سَبَبًا لِلرُّعْبِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي رَبَطَ اللهُ بِهَا الْمُسَبِّبَاتِ كَالشُّرْبِ لِلرِّيِّ وَالْأَكْلِ لِلشِّبَعِ ، فَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْحَقُّ تَزَلْزَلَّ الْبَاطِلُ فِي نَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ .
أَقُولُ : وَمِنْ تَمَامِ التَّشْبِيهِ أَنْ تَكُونَ بَعْضُ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا يَقَعُ فِيهَا الرُّعْبُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ ، كَالْوَقَائِعِ الَّتِي يُشْرَبُ فِيهَا الْمَرْءُ وَلَا يَرْوَى لِعَارِضٍ مَرَضِيٍّ ، فَسُنَنُ الِاجْتِمَاعِ كَسُنَنِ الْأَجْسَامِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهَا عَوَارِضُ وَشُرُوطٌ وَمَوَانِعُ .
وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ أَيْ هِيَ مَكَانُهُمِ الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْخِذْلَانِ فِي الدُّنْيَا وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ أَيْ وَالنَّارُ الَّتِي يَأْوُونَ إِلَيْهَا بِئْسَ الْمَثْوَى وَالْمَقَامِ لَهُمْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْجُحُودِ وَمُعَانَدَةِ الْحَقِّ وَمُقَاوَمَةِ أَهْلِهِ ، وَظُلْمِ النَّاسِ بِسُوءِ الْمُعَامَلَةِ .
قَالَ فِي مَحَاسِنِ التَّأْوِيِلِ .....

أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ ذَلِكَ الرُّعْبَ بِسَبَبِ مَا فِي قُلُوبِهِم مِنْ الشِّرْكِ بِاللهِ ، وَعَلَى قَدْرِ الشِّرْكِ يَكُونُ الرُّعْبُ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً .
 
قَاَلَ فِي البَحْرِ المُحِيطِ ..............

وَكَانَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ سَبَبًا لِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ، لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْمَوْتَ وَيُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ، إِذْ لَمْ تَتَعَلَّقْ آمَالُهُمْ بِالْآخِرَةِ وَلَا بِثَوَابٍ فِيهَا وَلَا عِقَابٍ، فَصَارَ اعْتِقَادُهُمْ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي الرَّغْبَةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَا قَالُوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَفِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، دَلِيلٌ عَلَى إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ، إِذْ لَا بُرْهَانَ مَعَ الْمُقَلِّدِ.
وَمَأْواهُمُ النَّارُ أُخْبِرَ تَعَالَى بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ وَمَرْجِعَهُمْ إِلَى النَّارِ فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَرْعُوبُونَ وَفِي الْآخِرَةِ مُعَذَّبُونَ، بِسَبَبِ إِشْرَاكِهِمْ. فَهُوَ جَالِبٌ لَهُمُ الشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................

والرُّعْبَ: شِدَّةُ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ لِلْعِوَضِ وَتُسَمَّى بَاءَ الْمُقَابَلَةِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: هَذِهِ بِتِلْكَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: جَزاءً بِما كَسَبا [الْمَائِدَة: 38] ..

وَهَذَا جَزَاءٌ دُنْيَوِيٌّ رَتَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْإِشْرَاكِ بِهِ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى أَنْ رَتَّبَ عَلَى الْأُمُورِ الْخَبِيثَةِ آثَارًا خَبِيثَةً، فَإِنَّ الشِّرْكَ لَمَّا كَانَ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ مَنْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ يَرْتَكِزُ فِي نُفُوسِ مُعْتَقَدِيهِ عَلَى غَيْرِ دَلِيلٍ، كَانَ مِنْ شَأْنِ مُعْتَقِدِهِ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرِبَ النَّفْسِ مُتَحَيِّرًا فِي الْعَاقِبَةِ فِي تَغَلُّبِ بَعْضِ الْآلِهَةِ عَلَى بَعْضٍ، فَيَكُونُ لِكُلِّ قَوْمٍ صَنَمٌ هُمْ أَخَصُّ بِهِ، وَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ مِثْلُ مَا لَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْغَيْرَةِ. فَلَا تَزَالُ آلِهَتُهُمْ فِي مُغَالَبَةٍ وَمُنَافَرَةٍ. كَمَا لَا يَزَالُ أَتْبَاعُهُمْ كَذَلِكَ، وَالَّذِينَ حَالُهُمْ كَمَا وَصَفْنَا لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ قَرَارٌ فِي الثِّقَةِ بِالنَّصْرِ فِي حُرُوبِهِمْ، إِذْ هُمْ لَا يَدْرُونَ هَلِ الرِّبْحُ مَعَ آلِهَتِهِمْ أَمْ مَعَ أَضْدَادِهَا، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً صِلَةٌ أُجْرِيَتْ عَلَى الْمُشْرِكِ بِهِ لَيْسَ الْقَصْدُ بِهَا تَعْرِيفُ الشُّرَكَاءِ، وَلَكِنْ قُصِدَ بِهَا الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ، إِذْ هُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ فِيمَا أَشْرَكُوا وَاعْتَقَدُوا، فَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ مُتَزَلْزِلَةٌ، إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الشُّرَكَاءَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ سُلْطَانٌ.

فَإِنْ قُلْتَ: مَا ذَكَرْتَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشِّرْكَ سَبَبٌ فِي إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ أَهْلِهِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الرُّعْبُ نَازِلًا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْوَقْعَةِ، وَاللَّهُ يَقُولُ سَنُلْقِي» أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَسْتَكِنُّ فِي النُّفُوسِ حَتَّى يَدْعُوَ دَاعِي ظُهُورِهَا، فَالرُّعْبُ وَالشَّجَاعَةُ صِفَتَانِ لَا تَظْهَرَانِ إِلَّا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَتَقْوَيَانِ وَتَضْعُفَانِ، فَالشُّجَاعُ تَزِيدُ شَجَاعَتُهُ بِتَكَرُّرِ الِانْتِصَارِ، وَقَدْ يَنْزَوِي قَلِيلًا إِذَا انْهَزَمَ ثُمَّ تَعُودُ لَهُ صِفَتُهُ سَرْعَى.
 
عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانهم بظُلْم) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُول اله: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ ذَاكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: (يَا بني لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟) فِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ» . مُتَّفق عَلَيْهِ
 

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ...

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وَلَمْ يَقُلِ : الظَّالِمُونَ هُمُ الْكَافِرُونَ.
 
عودة
أعلى