بشير عبدالعال
Member
قَالَ تَعَالَى فِي سورةِ الْأَنْعَامِ :{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَقَوْلُهُ {لَهُمُ الْأَمْنُ } أَشَارَتِ اللَّامُ إِلَى أَنَّ الْأَمْنَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَثَابِتٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: آمِنُونَ. وَالْمُرَادُ الْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِئْصَالِ وَنَحْوِهِ وَمَا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ الْجَاحِدَةُ، وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا مِنْهُمْ حِينَئِذٍ إِلَّا التَّوْحِيدُ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْنُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ الْأَمْنُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى إِذْ لَا يُحْتَمَلُ هُنَا غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَرِيقُ الْمُوَحِّدِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ ، وَيَخَافُونَ وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَخَافُونَ وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ مِنْ دُونِهِ ، وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ الْأَسْبَابَ بِالْأَسْبَابِ ، وَيُدَافِعُونَ الْأَقْدَارَ بِالْأَقْدَارِ ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْأَمْرَاضِ قَبْلَ وُقُوعِهَا ، وَمُدَافَعَتِهَا بِالْأَدْوِيَةِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ بِهَا ، وَفَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تَأْثِيرَ بَعْضِ الْأَسْبَابِ ، فَاتَّخَذُوا مِنْهَا مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ ، بَلْ نَسَبُوا إِلَى بَعْضِهَا النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِخِدَاعِ الْمُصَادَفَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْأَوْهَامِ ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ : أَيُّ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ وَأَجْدَرُ بِالْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ ، مِنْ عَاقِبَةِ عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ ؟ وَنُكْتَةُ عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِ : فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ، إِلَى قَوْلِهِ : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) هِيَ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُوَحِّدٍ وَمُشْرِكٍ ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مُوَحِّدٌ وَالْآخِرَ مُشْرِكٌ ، لَا خَاصَّةَ بِهِ وَبِهِمْ ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلَّةِ الْأَمْنِ . وَقِيلَ : إِنْ نُكْتَتَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَاسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ ، فَالْمُرَادُ أَيُّنَا الْحَقِيقُ بِالْأَمْنِ ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بَاسِمِ التَّفْضِيلِ نَاطِقًا فِي اسْتِنْزَالِهِمْ عَنْ مُنْتَهَى الْبَاطِلِ - وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْحَقِيقُونَ بِالْأَمْنِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقُ بِالْخَوْفِ - إِلَى الْوَسَطِ النَّظَرِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِ كُلِّهِ ثُمَّ قَالَ : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ - أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ - فَأَخْبَرُونِي بِذَلِكَ ، وَبَيِّنُوهُ بِالدَّلَائِلِ وَهَذَا إِلْجَاءٌ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ أَوِ السُّكُوتِ عَلَى الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ .
{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ } مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَعِقَابِهِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى عَدَمِ مُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ ، كَالْفَقْرِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ غَيْرَهُمْ فَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَا أَمَانَ لَهُمْ ، بَلْ كُلُّ ظَالِمٍ عُرْضَةٌ لِلْعِقَابِ وَإِنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى لِسِعَةِ رَحْمَتِهِ لَا يُعَاقِبُ كُلَّ ظَالِمٍ عَلَى كُلِّ ظُلْمٍ ، بَلْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبِ الدُّنْيَا ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي الْآخِرَةِ مَا دُونُ الشِّرْكِ بِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْنَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللهِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَدَرِيِّ جَمِيعًا لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ ، دَعْ خَوْفَ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ ، الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَهْلُ الْكَمَالِ ، وَقَدْ صَحَّ إِسْنَادُ الْخَوْفِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ : (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ عِقَابِ الْآخِرَةِ بِالْفِعْلِ - وَهُوَ النَّجَاةُ مِنْهُ - فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَلِكَثِيرٍ مِمَّنْ دُونَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كُلٌّ مِنْهُمْ لِيَبْقَى جَامِعًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي إِدْخَالِ مِثْلِ هَذَا فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ .
قَالَ العُثَيمِينُ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................
فَالْأَمْنُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْإِيمَانِ، وَعَدَمِ الظُّلْمِ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَقَوْلُهُ {لَهُمُ الْأَمْنُ } أَشَارَتِ اللَّامُ إِلَى أَنَّ الْأَمْنَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَثَابِتٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: آمِنُونَ. وَالْمُرَادُ الْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِئْصَالِ وَنَحْوِهِ وَمَا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ الْجَاحِدَةُ، وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا مِنْهُمْ حِينَئِذٍ إِلَّا التَّوْحِيدُ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْنُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ الْأَمْنُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى إِذْ لَا يُحْتَمَلُ هُنَا غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَرِيقُ الْمُوَحِّدِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ ، وَيَخَافُونَ وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَخَافُونَ وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ مِنْ دُونِهِ ، وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ الْأَسْبَابَ بِالْأَسْبَابِ ، وَيُدَافِعُونَ الْأَقْدَارَ بِالْأَقْدَارِ ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْأَمْرَاضِ قَبْلَ وُقُوعِهَا ، وَمُدَافَعَتِهَا بِالْأَدْوِيَةِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ بِهَا ، وَفَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تَأْثِيرَ بَعْضِ الْأَسْبَابِ ، فَاتَّخَذُوا مِنْهَا مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ ، بَلْ نَسَبُوا إِلَى بَعْضِهَا النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِخِدَاعِ الْمُصَادَفَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْأَوْهَامِ ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ : أَيُّ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ وَأَجْدَرُ بِالْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ ، مِنْ عَاقِبَةِ عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ ؟ وَنُكْتَةُ عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِ : فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ، إِلَى قَوْلِهِ : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) هِيَ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُوَحِّدٍ وَمُشْرِكٍ ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مُوَحِّدٌ وَالْآخِرَ مُشْرِكٌ ، لَا خَاصَّةَ بِهِ وَبِهِمْ ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلَّةِ الْأَمْنِ . وَقِيلَ : إِنْ نُكْتَتَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَاسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ ، فَالْمُرَادُ أَيُّنَا الْحَقِيقُ بِالْأَمْنِ ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بَاسِمِ التَّفْضِيلِ نَاطِقًا فِي اسْتِنْزَالِهِمْ عَنْ مُنْتَهَى الْبَاطِلِ - وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْحَقِيقُونَ بِالْأَمْنِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقُ بِالْخَوْفِ - إِلَى الْوَسَطِ النَّظَرِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِ كُلِّهِ ثُمَّ قَالَ : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ - أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ - فَأَخْبَرُونِي بِذَلِكَ ، وَبَيِّنُوهُ بِالدَّلَائِلِ وَهَذَا إِلْجَاءٌ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ أَوِ السُّكُوتِ عَلَى الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ .
{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ } مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَعِقَابِهِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى عَدَمِ مُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ ، كَالْفَقْرِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ غَيْرَهُمْ فَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَا أَمَانَ لَهُمْ ، بَلْ كُلُّ ظَالِمٍ عُرْضَةٌ لِلْعِقَابِ وَإِنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى لِسِعَةِ رَحْمَتِهِ لَا يُعَاقِبُ كُلَّ ظَالِمٍ عَلَى كُلِّ ظُلْمٍ ، بَلْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبِ الدُّنْيَا ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي الْآخِرَةِ مَا دُونُ الشِّرْكِ بِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْنَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللهِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَدَرِيِّ جَمِيعًا لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ ، دَعْ خَوْفَ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ ، الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَهْلُ الْكَمَالِ ، وَقَدْ صَحَّ إِسْنَادُ الْخَوْفِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ : (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ عِقَابِ الْآخِرَةِ بِالْفِعْلِ - وَهُوَ النَّجَاةُ مِنْهُ - فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَلِكَثِيرٍ مِمَّنْ دُونَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كُلٌّ مِنْهُمْ لِيَبْقَى جَامِعًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي إِدْخَالِ مِثْلِ هَذَا فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ .
قَالَ العُثَيمِينُ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................
فَالْأَمْنُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْإِيمَانِ، وَعَدَمِ الظُّلْمِ.