محمد جابري
New member
الوقوف مع نماذج من أسماء الله الحسنى التي علمهاالله لخلقه
أسوق هذه النماذج تبيينا للناشئة، ودغدغة لمشاعرها، واستفزازا لطموحاتها، وتشجيعا لها لاقتحام هذا المجال على هذا المقاس، والله عليم خبير.
1- العزيز الحكيم
سيق هذا الاسم على لسان كل من ملائكة الرحمان وسيدنا عيسى عليه السلام : فقد قالت الملائكة متوسلة إلى الله باسمه العزيز الحكيم : ]رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ [غافر : 8]. وقال سيدنا عيسى عليه السلام : ]إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ [المائدة : 118].
فاختلاف الأمكنة بين موطن تذلل الملائكة في توسلها رحمة بالبشر، وموطن سيدنا عيسى عليه السلام، فضلا عن اختلاف الأزمنة بينهم، يؤكد بأن هذا الاسم كان من تعليم الله لهم بدليل قول الملائكة : ]قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [ [البقرة : 32]. وقول سيدنا عيسى عليه السلام : ]قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ[ [المائدة :116].
2- السميع العليم
أ- اسم السميع العليم ومقتضيات التحصين
يأتي اسم "السميع العليم" ضمن الآيات الدالة على التحصين مثل :
]فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [يوسف:34]
] فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [البقرة : 137].
]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم[ [الأنفال : 61].
] وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [يونس : 65].
] وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ [فصلت : 36].
]قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [المائدة : 76].
وإن الالتجاء والاحتماء بالله والتحصين به من كيد شياطين الإنس والجن أمر ضروري ولا بد، والاسم المناسب له هو اسم "السميع العليم".
وقد يكون الالتجاء إلى الله نداء خفيا وقولا لا يعلمه إلا الله، كما جاءت به سورة الأنبياء - وعلى اختلاف بين من قرأ "قال" أو "قل"- في قوله تعالى : ]قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [الأنبياء:4]. وسواء أتعلق الأمر بالحكي في صيغة "قال" أو بالأمر في صيغة "قل" فكلتا الدلالتين تؤكد استعمال الاسم "السميع العليم" للتحصين ؛ إذ من لا يسمع القول لا ثقة لنا بحصنه، وعلمه سبحانه وتعالى تعلق بكل أجناس القول من سر وعلانية، وعلى بابه يقف سير السائرين، وعنده تناخ نوق الراحلين.
ب-مواطن استعمال اسم السميع العليم في الأدعية القرآنية
جاء دعاء سيدنا إبراهيم الخليل مع ابنه عليهما السلام :] إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم [[البقرة : 125].
ورغم اختلاف الزمان الذي كانت فيه امرأة عمران عليه السلام مع زمان سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام جاءت نفس أسماء الله الحسنى في دعاء امرأة عمران عليه السلام متناغمة مع الموطن الذي استعمله فيه سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام :
]إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ [آل عمران : 35].
واستجاب الله دعاءها بقوله تعالى :
]فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَنا[ً [آل عمران : .37].
جاء اسم " السميع العليم " سواء في دعاء سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام أو امرأة عمران عليه السلام منسجما مع مواطن استعمال الاسم التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم.
خلاصة :
ودل اختلاف الزمان على أن سيدنا إبراهيم الخليل وسيدنا إسماعيل وامرأة عمران، وسيدنا محمدا عليهم جميعا أزكى الصلاة والسلام لم يجتهدوا في استخراج هذه الأسماء ولنفس الغرض، بل كان ذلك من تعليم العليم الحكيم سبحانه إياهم لاستعمال هذا الاسم في موطن تقبل الدعاء، وما علينا إلا اقتباس الحكمة والسير على دربهم.
3 - أرحم الراحمين
- مع دعاء سيدنا موسى عليه السلام :
]قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ( [الأعراف : 151].
ويستجيب الله دعاءه بعدما توعد الذين اتخذوا العجل بالغضب والذلة في الحياة الدنيا، وكذلك يكون جزاء المفترين وفق الحكمة الإلهية. ]إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيم[ [الأعراف : 152- 153].
واسم "أرحم الراحمين" يسوقه الله جل جلاله على لسان كل من سيدنا يعقوب عليه السلام : إذ]قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[ [يوسف : 64].
] قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[ [يوسف : 92]. وأما سيدنا أيوب عليه السلام فينادي ربه : ]أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[ [الأنبياء : 83].
خلاصة:
فاستعمال الاسم من قبل سيدينا موسى ويعقوب عليهما السلام في مجال الاستغفار دليل باختلاف الزمان على تعليم الله إياهم، بينما استعمال سيدنا أيوب عليه السلام له في مجال الالتجاء من الضر لم يكن عن اجتهاد ؛ إذ أقر الله ذلك في قوله تعالى : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين}َ [الأنبياء : 84]. فاستجابته للدعاء ثم قوله "ذكرى للعابدين" تأكيدان للمنحى الذي نحاه سيدنا أيوب عليه السلام فأصبح دأب الملتجئين، ودرب المبتلين.
4 – الله رب العالمين:
سيق هذا الاسم على لسان ابن آدم عليهما السلام :{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة : 28].
كما جاء أيضا في سياق دعاء أهل الجنة ]دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[[يونس :37]
وخص القرآن الكريم موطن استعماله لطلب الاستقامة {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [28]وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [29]} [التكوير]. وهو ما ينسجم مع خشية الله والدعاء حيث جاء استعماله في الآيات السابقة.
5 – أحكم الحاكمين :
- دعاء سيدنا نوح عليه السلام : ] وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[ [هود : 45].وجاء التصحيح الرباني ليشفي صدر نوح ]قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[ [هود : 46]. وكان يكفيه تشبثه بعهد ربه وبخاصة وهو يؤكد ]وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[ لكن العاطفة المجنحة تعمي وتصم.
أما الاسم " أحكم الحاكمين " فقد جاء في القرآن الكريم في شكل استفسار استنكاري ]أَلَيْسَ اللَّهُ بأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟[ [التين : 8] بعد ما ساق الكلام عن حكمة خلق الإنسان.
وهو ما ينسجم مع ما جاء به سيدنا نوح عليه السلام.
6 –ربك حكيم عليم
دلالة الاسم في القرآن الكريم ورد هذا الاسم المركب من ثلاث أسماء هي : "ربك حكيم عليم" في آيتين في سورة الأنعام تبين كلاهما المراد وميادين استعمال هذا الاسم :]-1 نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[ [الأنعام : 83].
2-]وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[ [الأنعام : 128].
فالآية الأولى تأتي في سياق رفعة الدرجات بمشيئة الله، بينما تأتي الثانية في سياق وعيد الله للمشركين.
ومن هنا نستنتج حكمة الرب الحكيم سبحانه وتعالى المميزة بالعلم بأنه سبحانه يرفع من يستحق الرفعة فضلا منه وتكرما، ويخذل المشركين عدلا منه وإنصافا ويركمهم في جهنم.
أ- دلالة الاسم المركب في سياق قول سيدنا يعقوب u : ]وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ [يوسف : 6].
أ- استعمل سيدنا يعقوب u اسم : "ربك عليم حكيم" عوض : "ربك حكيم عليم".واستجاب الله دعاء نبيه فآتى يوسف u الحكم والعلم : ]وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين[[يوسف : 22]
أ-
ب- ويقر يوسف u لربه بمنته شكرا، ويقدم سيدنا يوسف u منة الملك على منة العلم، ولا يخفى ما لميزة التقديم من فضل : ]رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [ [يوسف : 101].
ج- وهنا نعتمد القاعدة الأصولية القاضية برد ما رده القرآن في السياق أو السباق. وعليه، فالاسم المعتمد لرفعة الدرجات هو : "ربك حكيم عليم". فالمقام مقام وضع الأشخاص في المكان الذي يناسبهم، ومن هنا كانت الحكمة موصوفة بالعلم وليس العكس.
7- التواب الرحيم
قال سيدنا إبراهيم عليه السلام : ]رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[[البقرة128]
]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم[ُ [البقرة : 54]
فلئن سيقت هذه الأقوال عن أنبياء فقد جاء اسم "التواب الرحيم" عن الحق سبحانه وتعالى مستعملا في نفس الموطن الذي وظفه الأنبياء في قوله تعالى : ]إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[ [البقرة : 160] وقوله تعالى: ]أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[ [التوبة : 104]
وهو ما يؤكد تعليم الله لهم الاسم في موطن استعماله.
8- العزيز الحكيم
جاء في دعاء سيدنا إبراهيم: ]رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ[ [البقرة : 129].
واستجاب الله دعاء نبيه الكريم وأكده في ثلاث آيات هي :
]كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ[ [البقرة : 151]
]لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[ [آل عمران : 164]
]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[ [الجمعة : 2]
والملاحظ أن سيدنا إبراهيم قدم العلم على التزكية بينما أبت الآيات الثلاث إلا
تقديم التزكية على التعليم، وهي إشارة كافية لتقديم علوم التزكية على غيرها من العلوم والذي يهمنا اللحظة هي الأسماء الحسنى " العزيز الحكيم " فهل جاء في القرآن ما يشهد لهذا الاستعمال في هذا الموطن أن لا؟
ففي قوله تعالى : ]يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[1] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين[2] ٍ[ الجمعة ما يشهد لهذا الاستعمال في هذا الموطن وجاء هنا الاسم مركبا من أربعة أسماء عوض اثنين " الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ "
9- علام الغيوب
يقول عز من قائل نقلا عن الرسل جميعا: ]يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ[ [المائدة : 109]
وقال سيدنا عيسى عليه السلام ]وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ[ [المائدة : 116]
انظر حفظك الله إلى هذا الأدب الجم لرسل الله بين يديه سبحانه وتعالى كيف تساوت فيه العبارة وانسجمت مع الأسماء في لطيف الإشارة.إنه الإتباع لما جاء منصوصا عليه في القرآن الكريم ]إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[ [سبأ : 48] وقوله تعالى : ]أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ[ [التوبة : 78]
10- العليم الخبير
] وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير[ُ [التحريم : 3] نلاحظ هنا استعماله صلى الله عليه وسلم اسم : " العليم الخبير " وإذا ما نحن استفسرنا القرآن عن اسم يطابق استنباء الغيب وجدناه في قوله عز من قائل : ]إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ [لقمان : 34] فالقرآن الكريم يبين لنا بأن طلب معرفة أمر غيبي لا يتم إلا بالاستعانة باسم " الله العليم الخبير " مكتملة مجتمعة، مما يجعلنا نتساءل: ما سر استعماله صلى الله عليه وسلم لاسم "العليم الخبير"؟
يدل اسم " العليم الخبير " على طلب التوفيق بين الأزواج وهو مقصوده صلى الله عليه وسلم من كشف بعض الحديث دون بعض، غضا للطرف، وجبرا للقلوب، وتجاوزا عن الذنوب. واقرأ قوله تعالى في هذا الصدد: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء : 35].ولما لان قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، تولى الله التوفيق بينه وبين أزواجه ] إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [4] عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً [5] [التحريم. وكان هذا الشرط والوعيد الذي تلاه كافيان لإعلانهما التوبة النصوح.
جاءت هذه الأسماء بجملة من الأسماء المركبة تركيبا نعتيا أو إضافيا ومعلوم بأن التركيب الإضافي لا يستجيب لمتطلبات الأسماء البالغة في الحسن غايته وهنا وجدتني واقفا أسأل الله من فضله أن يمنّ بحل الإشكال.
وعلى أي ففي كل هذه الأسماء لم نشهد إلا الأسماء المركبة وليست فيها أسماء مفردة فهل نستخلص الدرس ونستبق الخيرات لنكون من السابقين بالخيرات بإذن الله؟