(( وقد ذكر المفسرون في علم التفسير الوقف وقد اختلف في أقسامه فقيل تام وكاف وقبيح وغير ذلك وقد صنف الناس في ذلك كتبا مرتبة على السور ككتاب أبي عمرو الداني وكتاب الكرماني وغيرهما ومن كان عنده حظ في علم العربية استغنى عن ذلك ))
ينظر : تفسير البحر المحيط ج1/ص133
سؤالي هل علم العربية يغني عن دراسة الوقف والابتداء عند علماء التفسير والقراءات كما قال أبو حيان ؟؟
هذه الكلمة من أبي حيان رحمه الله لسعة معرفته بالعربية، وبلوغه مرتبة عالية في فهم معاني القرآن، وعلم الوقف والابتداء مرتبط بالفهم الصحيح للمعنى ، فمَنْ وَقَفَ فقد فَسَّرَ . وكلام أبي حيان فيه كثير من الصواب، حيث إنَّ الجمع بين المعرفة الصحيحة لمعاني القرآن ولغته تغنيك عن مراجعة كتب الوقف والابتداء .
ولذلك فالحاجة إلى مراجعة كتب الوقف والابتداء قليلة إلا في المواضع التي يقع فيها الاجتهاد ، فتحتاج حينها لمراجعة أقوال علماء الوقف والابتداء ، وفي كثير من المواطن تجدهم ينقلون أقوال علماء اللغة ويبنون عليها اختيارهم في الوقف فإجادة اللغة وفهم معاني الايات وإتقان علم الوقف والابتداء مسائل مترابطة لارتباط علم الوقف بالمعنى الذي تدل عليه الآيات والله أعلم .
بارك الله فيكم فضيلة الدكتور / عبد الرحمن الشهري ، والشيخ الفاضل / أحمد الفقيه/ وفقكم الباري ونفع بكم .
كما تفضل فضيلة الدكتور عبد الرحمن أن المسألة تحتاج إلى دارية بعلوم التفسير ،والمفردات .. إلخ .
قال ابن مجاهد: لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحويّ، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، والقصص، وتلخيص بعضها من بعض، عالمٌ باللغة التي نزل بها القرآن، وكذا علم الفقه(1). جاء في التقرير العلمي لمصحف المدينة المنورة: عُني السلف رضوان الله عليهم بمعرفة فواصل الكلام، ومراعاتها خاصة في كلام الله عز وجل، فإن هذا مما يعين على معرفة معاني الآيات وتفسيرها، ولذلك احتيج في معرفته إلى معرفة الإعراب والعربية، ومعرفة التفسير، والقراءات(2). [القطع والإتناف ص: 94].
لاحظ قول ابن مجاهد :
عالم بالقراءات :
فالوقف يختلف باختلاف القراءات ، من تمامه إلى كفايته، إلى قبحه.
عالم بالتفسير :
فالوقف يختلف باختلاف أوجه التفاسير ، والصحيح من أسباب النزول، وهناك من التفاسير المخلة والآراء الضعيفة ، فهل يكفي مجرد إلمامه باللغة أن يكتشف الصحيح من روايات التفسير ؟!
عالم بالقصص وتخليص بعضها من بعض :
وهناك من الآراء الضعيفة والإسرائيليات وما أكثرها لا سيما في القصص، فهل يكفي مجرد إلمامه باللغة أن يكتشف الصحيح من روايات القصص ؟!
عالمٌ باللغة التي نزل بها القرآن:
لا خلاف في أهمية اللغة العربية وعلوم البلاغة .
عالم بالفقه :
فهناك كثير من المسائل الفقهية والتي تحتاج إلى علم بأصول الفقه، فهل يكفي مجرد إلمامه باللغة أن يحرر المسألة ويعرف آراء العلماء فيها .
ويضاف إلى ما سبق إلمامه بعلوم الحديث ، وعلوم القرآن، وكذلك العقيدة ومسائلها .
مثال ماله علاقة بأوجه التفسير :
ذكر فضيلة الدكتور عبد العزيز القارئ، قال: عندما كانت لجنة مصحف المدينة النبوية تراجع وقوف المصحف، جرى بحثٌ علميٌّ نفيسٌ طويلٌ، استغرقَ أيامًا، في هذه الآية، فسائر المصاحف تضع هنا رمز الوقف اللازم، ورأينا أنَّ هذا الرمز يترتب عليه إبطالُ أحدِ الوجهين في التفسير، أو في المعنى، بينما هما وجهان صحيحان معتبران .
الوجه الأول: أن التأويل لايعلمه إلا الله، والراسخون لايعلمون التأويل. الوجه الثاني: أنهم يعلمون التأويل ، فعلى الوجه الأول يختلف معنى التأويل عنه في الوجه الثاني : هو ما خفي من معاني القرآن، وكانالرَّاسِخُونَفالتأويل الذي يعلمُه يحتاج إلى استنباط لايقدرعليه إلا خواصُّ العلماء، ولذلك كان ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- وهو من أخصِّ خواصِّ العلماء، وأعلم الناس بالتفسير أو بالتأويل؛ كان يصل هذه الآية ويقول: " أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله .أمَّا التأويل الذي لا يعلمه أحدٌ ولايعلمُه إلا الله فله معنى آخر، وهو معرفة كلِّ الأشياء وحقائقها المغيبة عن الإنسان مثل: حقائق ما أخبر عنه في القرآن من أحوال يوم القيامة، ومن أشياء يوم القيامة، وحقائق الصفات ونحو ذلك، هذا لايعلمه إلا الله ، فإذا وصل فعلى المعنى الأول، أو على الوجه الأول ، وإذا وقف فعلى الوجه الثاني، فوجدنا أن رمز الوقف اللازم يصير فيه تحكم وإبطال لأحد الوجهين وكلا الوجهين صحيحان. لذلك اختارت اللجنة ألا تجعل الوقف هنا أو لا ترمز هنا إلى الوقف اللازم . بل وضعت (قلي)(1). [ ينظر: أضواء البيان في معرفة الوقف والابتداء ص: 25] .
مثال ما له علاقة بالفقه وأصوله:
إعراب الواو في قوله ( وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور5}النور4
الإعراب يقوم حول بيان [قبول شهادة القاذف أوعدم قبول شهادته بعد توبته ]
الفريق الأول : يرى قبول شهادته إذا تاب ، وبناء على ذلك [إلا ] تعود على جميع المذكور ، فالتوبة تعم قبول شهادته ، وتجب عنه الفسق ، وعلى ذلك تكون الواو عاطفة ، ويبني علماء الوقف رأيهم بعدم جواز الوقف على ( أبدأ ) فالكلام متعلق والاستثناء مازال يتنظر المستثنى منه.
الفريق الثاني : يرى قبول شهادته إن تاب، وبناء على ذلك [إلا] تعود على أقرب مذكور ( الفاسقون ) وتكون الواو مستأنفة ، ويبني علماء الوقف رأيهم بجواز الوقف على ( أبدأ )
جزيتم خيرا : الذي يظهر أنه لا يغني التوسع في علم العربية عن الاستفادة من كلام أئمة الوقف والابتداء لكونهم اجتهدوا في هذا الفن فذكروا من الفوائد والتدقيقات اللغوية وغيرها ومن علم التفسير أشياء كثيرة لا يستقل العارف باللغة بمعرفتها ابتداء ولكن من كان عنده حظ جيد من العربية وفهم قوي ومعرفة بالتفسير قد يستغني بذلك كما أشار إليه الإمام أبو حيان ولكن هذا الاستغناء مشروط بمعرفته بالتفسير لا بالعربية وحدها ،ثم إنه وإن قيل قد يستغني بذلك فالغنى درجات ومراتب وسيفوته فوائد ونفائس وإن قيل باستغنائه.
أثني على ما قاله أخي عبد الله الميموني ، وأقول إضافة لذلك :
إن الأصل ـ كما أشار إليه أخي الميموني ـ هو التفسير ؛ أي فهم المعنى ، ويغلب على ما بعد ذلك أنه تزيُّد في التقسيم الفني لا العلمي ،والصحيح اعتبار المعنى أولاً ، ثم الوقف ثانيًا بناءً على المعنى ، فمن حكم بقبول شهادة القاذف أوعدم قبول شهادته بعد توبته يترتَّب عليهما نوع الواو ، ثم مكان الوقف ، وليس المنطلق عندهم من الوقف ؛ أي : هل نقف هنا أو نقف هناك ؟ ثم يترتب المعنى على ذلك ، وهذا إذا فُهم حلَّ كثيرًا من الإشكال في علاقة بعض العلوم ( كالنحو القراءات والفقه وغيرها ) بالوقف والابتداء .