ابوهبة الله
New member
- إنضم
- 15/02/2006
- المشاركات
- 33
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بداية تعدّ ظاهرة الهمز من أهمّ الظواهر الصّوتيّة في القراءات القرآنيّة , كما أنها من أهمّ الظواهر الصّوتيّة التي نالت عناية الدّارسين - القدامى والمحدَثين - فاهتمّوا اهتماماً كبيراً وعقدوا له فصولاً تحدّثوا فيها بصورة مفصّلةٍ عن أحكام الهمزة من حيث نطقها تحقيقاً وتخفيفاً وتكلموا على عَلاقة حروف المدّ واللين فيها وعيّنوا القبائل التي تهمز والقبائل التي تحقق مع بيان أسباب ذلك .
وقد حصل خلاف بين الدّراسين في طبيعة الهمزة وفي صفتها حتى قال بعض الباحثين :"إنّ الهمزة علم مشكلة من أعقد مشكلات الأصوات العربيّة ، ويرجع ذلك إلى الاختلاف في ماهيّته وفي عَلاقاته " .( )
فبعض القبائل كانت تميل إلى تخفيف الهمزة وبعضهم كان يحققها ، والدّارس لسبب تغيير الهمزة وقفاً عند حمزة يجد هنالك عوامل لهذا التغيير ، ومنها :
إنّ قوما ً حققوا الهمزة مطلقاً - أي وقفاً ووصلاً - "فكأنما الهمز قد ملأ على الناس شعورهم فلهذا وجد حمزة من الضروري أن يحذر الناس من المبالغة في تحقيق الهمزة عند التلاوة".()
ومنها أنّ حمزة "اختصّ بقراءته بالمدّ التام والتحقيق الحسن , فإذا رام الوقف قصد بذلك الاستراحة , فخففت الهمزة عند ذلك ؛ لأنّ الهمزة في النطق بها مشقة وكلفة ... أو لضيق يلحق القارئ في نفسه ، او لكلال يعتريه في مواصلة قراءته ، أو انه اختار أن يجمع بين اللغتين " .( ) "ولأنّ الهمز صوت حَنجريّ انفجاريّ".( ) .. لذلك عمدت بعض القبائل العربيّة إلى تخفيف النطق بالهمز .
فان قيلَ : لِمَ خصّ حمزة الهمزة بالتخفيف دون غيرها من حروف الهجاء ؟
أجيب على ذلك : أنّ حروف الهجاء لمّا سمّيت بحروف البناء ؛ ذلك لأنها أساس الكلمات والألفاظ التي تتكوّن منها الجمل التي تدلّ على المعاني المتغايرة والمختلفة ، وأنّ بعض الحروف قويّ وبعضها ضعيف ومتوسط وفق ما يوصف من الصّفات ، فلمّا كانت الهمزة توصف ببعض صفات القوّة وقد بعُد مخرجها عن الجميع، فقصد تخفيف الكلمة التي أتت بها همزة لثقلها .( )
أو بتعبير مختصر : " خففت من بين حروف المعجم ؛ لأنها كالتهوّع( ) من صاحبها تخرج من صدره كالسّعلة إذا قال أكرم أو أحسن , فثقلت عليهم فخففوها وأبدلوها.. " . ( )
هذا وقد اختصّ حمزة بالوقف( )؛ لأنّ قراءته تشتمل على التحقيق( ) والمدّ( ) والسّكت( ) وما شاكل ذلك . كما أشار إلى هذا ابن الجزري بقوله :" وقد اختصّ حمزة بالوقف من حيث قراءته اشتملت على شدّة التحقيق والترتيل والمدّ والسّكت فتناسب التسهيل في الوقف , ولذلك روينا عنه الوقف بتخفيف الهمز" . ( )
ونخلص ممّا تقدم أنّ سبب التغيير عند حمزة هو كما يأتي :
1- لأنه يقرأ بالمدّ الطويل اللازم .( )
2- لأنّ قراءته تحقيقاً ببطء , فإذا وقف قصد الاستراحة .
3- لوجود ضيق يعتري مواصلة النفس .
4- من أجل الجمع بين أحكام لغتين أو قراءتين أو أكثر استحساناً .
5- لصعوبة مخرج الهمزة وشدّتها .
إذاً استحبّت العرب تخفيف الهمزة ؛ ذاك لأنّ عملية إخراجها يحتاج إلى جهد عضلي قد يزيد على ما يحتاج إليه أيّ صوت آخر , هذا الأمر وغيره هو الذي جعلَ الباحثينَ الدّارسينَ يعدّون الهمزة من المُشكلات الصّوتيّة ، ولاسيّما من حيث نطقها وتخفيفها وعَلاقتها بالأصوات الأخرى . ولذا صار للهمزة أحكاماً مختلفة ذكرتها كتب اللغة والقراءات وبسبب الشدّة التي تحدث من إنتاج الهمزة مالت بعضُ اللهجات العربيّة إلى تخفيفها ففرّت من نطقها مخففة ولهذا جاءت الرّواية عن حمزة بتخفيف المتطرّفة والمتوسطة والمبتدئة إذا نزلت منزلة المتوسطة . وجاءت عن هشام بتخفيف المتطرّفة فحسب .( )
وقبل الخوض في التفاصيل , علينا أن نعلم بأنّ الهمزة التي نحن في صددها لها تسميات عدّة؛ كي يتسنى لنا معرفة موضوعنا بالتحديد , ومنها :
- أصليّة : وهي كلّ همزة وقعت فاء للكلمة , نحو : أكل ، وأمر . أو عينها مثل : فأس ، ورأس . أو لامها مثل : ضياء ، وقثاء .( )
- زائدة : كل همزة وقعت أوّلاً قبل فاء الكلمة , نحو : أحمر، وأصفر , وآخراً بعد لامها مثل : حمراء , وصفراء . ولا تقع وسطاً إلا قليلاً مثل : شمْأل , وبعبارة أخرى :"فيما لم تكن فاء الكلمة ولا عينها ولا لامها " . ( )
- ملحقه : مثل : خرباء ، وعلياء , ولا تقع إلا آخراً . ( )
- منقلبة : كلّ همزة وقعت لاماً للكلمة ، وأصلها واو أو ياء مثل همزة : كساء ، وجزاء ؛ لأنها من : كسوت ، وجزيت . وقد تقع المنقلبة عينا ً في نحو : قائل ، وسائل ، وسائر , وفاء مثل: وشاج ، وأشاج . ( )
أمّا موضوع الوقف على الهمز – والذي هو موضوع دراستنا – فموضوع متشعب ومُشكل للغاية ... لذا قال عنه ابو شامة : "هذا الباب من أصعب الأبواب نظماً ونثراً في تمهيد قواعده وفهم مقاصده "( ).. وقد استدلّ على صعوبته بقول الشاطبي – رحمه الله- : "إنه قرأ على غير واحد من الأئمّة فوجد أكثرهم لا يقومون به حسب الواجب فيه "( ) ؛ وذلك لكثرة أحكامه .
وأمّا الجعبري( ) فقد قال : "وهذا الباب يعمّ أنواع التخفيف ، ومن ثمّ عسر ضبطه , متشعباً , وقد كثر إشكاله ، إنّ الطالب قد لا يقف عند قراءته على شيخه فيفوته أشياء , فإذا عرض له وقف بعد ذلك أو سُئل عنه لم يجد له أداء , وقد لا يتمكن من الحاقه بنظرائه فيتحيّر .." .( )
أيّ يتهرّب الطالب من الوقوف على كلّ كلمةٍ فيها همزة ؛ خشية صعوبة الأحكام .. وهذا ما نراه اليوم ونسمعه .
ورأي الإمام ابن الجزري – رحمه الله – فيه بأنه : "مُشكل يحتاج إلى معرفة تحقيق مذاهب أهل العربيّة ، وأحكام رسم المصاحف العثمانيّة ، وتمييز الرّواية ، وإتقان الدّراية ، ولصعوبته أفرد بالذكر , وخُتم به أبواب الهمز ؛ لأنّ محله الوقف" .( ) وهذا يؤكد ضرورة تعلم اللغة العربيّة , ورسم المصحف , وكيفية الوقف ؛ لأنّ تعلقهم بالهمزة تعلق متلازم .
وقال الشيخ محمد أمين المدعو بعبد الله أفندي( ) : "إعلم أنّ مسائل وقف حمزة وهشام من أصعب مسائل علم القراءة" .
... هذا وسأتناول فيما يأتي كلّ ما يطرأ على الهمزة من تخفيف عند الوقف .. وحتى لا أطيل عليك أخي الحبيب , فبفضل نتائج تحليل الأساتذة والشيوخ القدماء والمحدَثين للأصوات اللغويّة , قالوا إنّ الهمزة تكون على ضربين لا غير :
أحدهما : أن تكون محققه ، وهي الأصل . والآخر: أن تكون مخففة . ( )
وعليهما أبيّن أقسام الهمزة وأوضحه لأكشف النقاب عن أحكامها لدى الوقف خصّيصاً ( ) ..
وهي سبعة أقسام :
ــ مبتدأة : ولا تكون إلا متحرّكة , وهذه ليس فيها شيء لحمزة وهشام مطلقاً إلا التحقيق .( )
ــ متوسّطه: وهي قسمان : ساكنة , ومتحرّكة . والمتحرّكة قسمان : متحرّكة بعد ساكن ومتحرّكة بعد حركة .
ــ متطرّفة : وتأتي فيها الأقسام الثلاثة , في المتوسّطة بأن تكون ساكنة أو متحرّكة بعد ساكن أو بعد حركة . ( ) .. وإليك الآن أقسام الهمز السّاكن والمتحرّك عند الوقف :
§ أوّلاً : السّاكن : وينقسم إلى متطرّف ومتوسّط ...
* والسّاكن المتطرّف , يُقسم على قسمين :
أحدهما : لازم لا يتغيّر في حاليه . وثانيهما : عارض يسكن وقفاً ويتحرّك بالأصالة أصلاً.
والسّاكن المتطرّف اللازم يأتي قبله : فتح , كقوله تعالى :{إقرأ}[العلق:1] . وكسر , كقوله تعالى:{نبّئ}[الحجر:49] .. فالهمزة في مثل هذه حيثما تقع تبدل ألفاً وياء على حسب حركة ما قبلها( ) .. فتقرأ :((إقرا ، نبّي)) , ولم تأت في القرآن ساكنة مضموماً ما قبلها، ومثالها في غير القرآن نحو :" لم يبوءْ ، لم يضوء " .( )
* وأمّا السّاكن المتطرّف العارض , فيأتي قبله الحركات الثلاث ...
أ- الفتح , كقوله تعالى:{بَدَأ ، فقالَ المَلؤا ، عن النّبَإِ}[العنكبوت:20،المؤمنون:24،النبأ:2] .
ب- الضمّ , كقوله تعالى:{لؤْلُؤٌ}[الطور:24] .
ج- الكسر , كقوله تعالى:{من شاطِئ}[القصص:30] .( )
فهي في ذلك كله وما أشبهه حيث وقعت تبدل ألفاً ، وواواً ، وياءً ، على حسب حركة ما قبلها على ما تقدّم. فتقرأ : ((بَدَا ، لُولؤٌ ، شاطِي)) .. وهكذا .
* وأمّا السّاكن المتوسط : ونعني بالمتوسط : الذي هو لام الفعل ، فاتصل به ضمير أخرجه عن الطرف ، أو الذي هو عين الفعل ، أو فاء الفعل ، ودخل عليه حرف زيادة فصيَره متوسط لأنّ حرف الزيادة من بناء الكلمة التي يزاد فيها ، كزوائد المضارعة في {يُؤمِنُ}[البقرة:232] والميم في {مُؤمِنٌ}[البقرة:221] , فأمّا حروف المعنى ففي تقدير كلمة منفردة كغيرها من الكلم نحو حروف الجرّ وحروف العطف ...إلخ وستأتي الأمثلة على ذلك لا حقاً إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا يكون الهمز السّاكن المتوسّط على ضربين : بنفسه أو بغيره , وتفصيل ذلك ..
1- الهمز المتوسط بنفسه : وهو إذا ما حُذف من الكلمة اختلّ معناها ، ويأتي قبله :
أ- حرف مفتوح- كقوله تعالى : {وَكَأْسٍ}[الواقعة:18] .
ب- حرف مضموم- كقوله تعالى :{وَالمُؤْتفكة}[النجم:53] .
ج- حرف مكسور – كقوله تعالى :{نبّئْنا}[يوسف:36] .
فتبدل الهمزة في الأوّل ألفاً ، وفي الثاني واواً , وفي الثالث ياء .( ) وتكون قراءتها : ((وَكاس ، والمُوتفكة ، نبَّينا)) .
2- الهمز المتوسط بغيرة : وهو إذا ما حُذف لا يختلّ المعنى ، على عكس ما تقدّم . ويأتي على قسمين :
أ- متوسط بحرف : ويكون قبله فتح كقوله تعالى : {فَأْووا}[الكهف:16] . ولم يقع قبله ضمّ ولا كسر . (42)
ب- متوسط بكلمة(43) ويأتي قبله :
ــ فتح , كقوله تعالى : {إلى الهُدَى ائْتِنا}[الأنعام:71] .
ــ ضمّ , كقوله تعالى : {وقالَ الملك ُائْتوني}[يوسف:50] .
ــ كسر , كقوله تعالى :{الذِي اؤْتمِنَ}[البقرة:283] .
حكم الجميع : إبدال الهمزة عل جنس حركة ما قبلها . ( ) فتقرأ : (( الهُدَاتِنا ، المَلكُوتوني ، الذيتُمِن )) .
وقبل أن ننهي الكلام عن الهمز السّاكن يواجهنا سؤال يقول : لِمَ كانت الهمزة السّاكنة تبدل حرفاً من جنس حركة ما قبلها( ) ، ولم تكن من جنس حركة ما بعدها ؟
أجاب عن هذا التساؤل العلامة ابو شامة( ) رحمه الله بقوله بقوله :" لأنّ ما قبلها حركة بناء لازمة ، وما بعدها يجوز أن تكون حركة الإعراب ، وحركة الإعراب تنتقل وتتغيّر من ضمّ إلى فتح إلى كسر فأيّ حركة منها تعتبر ولا ترجيح لأحداهنّ على الأخرتين ، فننظر إلى ما لا يتغيّر ، وهو حركة ما قبلها – فإن قلت : كان من الممكن أن يعتبر كلّ حركة في موضعها . قلتُ : يلزم من ذلك أن تقلب الهمزة مع الضمّ واواً ومع الفتح ألفاً ومع الكسر ياء .. فتخيّل بنية الكلية نحو : (رأس) , يصير عين الكلمة في الرّفع واواً , وفي النصب ألفاً , وفي الجرّ ياءً , وفي ذلك اختلال الألفاظ واختلاط الأبنية ، وأيضاً اعتبار الحرف بما قبله إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده ؛ لأنّ اعتبار الأوّل أضعف " .( )
ثانيا : المتحرّك : ويُقسم أيضاً على قسمين هما :
- متحرّك قبله ساكن .
- متحرّك قبله متحرّك .
*فالهمز المتحرّك الذي قبله ساكن : يُقسم على قسمين :
أ- متحرّك متطرّف قبله ساكن :
ولا يخلو ذلك السّاكن قبله من أن يكون ألفاً أو واواً أو ياءً زائدتين أو غير ذلك ، فإن كان ألفاً فإنه يأتي بعده كلّ من الحركات الثلاث , كقوله تعالى :{ جَآءَ ، السّفهآءُ ، مِنَ السّمآءِ } [الحديد:14،البقرة:13 ,22] . وأمّا إذا كان واواً فإنه لم يرد إلا في حرف واحد , كقوله تعالى :{ثلاثة قرُوءٍ}[البقرة :228] . وإذا كان السّاكن قبل الهمز ياء , فقد وردت في حرفين كقوله تعالى:{وَإنّني بَريءٌ ، إنّمَا النسِيءُ}[الأنعام:19،التوبة:37] .
فحكم ما قبله ألف : "تسكن الهمزة للوقف ثم تبدل ألفاً من جنس ما قبله فيجتمع ألفان , فيجوز حذف أحدهما ؛ للتخلص من التقاء السّاكنين فان قدّر المحذوف الأولى وهو القياس – قصر- لأنّ الألف حينئذ تكون مبطلة من همزة في – مدّ – كألف (تأمر) وإن قدّر الثانية جاز المدّ والقصر ؛ لأنها حرف مدّ قبل همز مغيّر( ) بالبدل( ) ثمّ الحذف( ) , ويجوز إبقاؤهما للوقف فيمدّ لذلك مدّاً طويلاً ليفصل بين الألفين ، ويجوز التوسط قياساً على سكون الوقف .. فتحصل حينئذ ثلاثة أوجه القصر والتوسط والطول " .( )
فتقرأ حينئذ هكذا : (( جا )) , مع الأوجه الثلاثة .
أما حكم ما قبله ( واو) أو (ياء) - زائدتان - :" أن يبدل الهمز من جنس ذلك الحرف الزائد ويدغم الحرف فيه " .( ) فتقرأ: (( ثلاثة قرُوّ ، وَإنّني بَرِيّ ، إنّمَا النّسِيّ )) .
وأمّا إذا كان السّاكن غير ذلك من سائر الحروف , فحكمه :" أن تنقل حركة الهمزة إلى ذلك السّاكن ويحرّك بها ثمّ تحذف سواء كان ذلك السّاكن صحيحاً نحو :{يَوْمَ ينظرُ المَرْءُ ، مَا يُفرّقُونَ بهِ بيْنَ المَرْءِ ، يُخْرِجُ الخَبْءَ}[النبأ:40،البقرة:102،النمل:25] , أو واواً أو ياء أصليّين ، وسواء كانا حرفي مدّ , نحو :{وَمَا عَمِلتْ مِنْ سُوءِ ، وَجاِْئَ}[آل عمران:30 ، الفجر:23] , أو حرفي لين نحو :{شئ ، للذينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ}[البقرة:20، النحل:60] بأيّ حركةٍ تحرّكت الهمزة فيها " .( )
وممّا تجدر الإشارة إليه هنا :" أنّ مثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرّف من الهمز أي: كلّ ما يُذكر لحمزة في المتطرّفة , فمثله لهشام إلا انه لم يوافقه في المتوسطة ؛ لأنّ المتطرّفة أخرى بالتخفيف ... ولأنها آخر لفظ القارئ وموضع استراحته وانقطاع نفسه " .( )
وقد أشار إلى هذا الأمام الشاطبي بقوله( ) :
وفي غير هذا بَيْنَ بَيْنَ ومثله يقول هشام ما تطرّف مسهلا
وأوضح ذلك ابو شامة بقوله :" أي مهما تطرّف الهمز , فهشام موافق لحمزة " .( )
وذلك بأن يقرأ هشام بتسهيل الهمزة المتطرّفة كما يقرأها ويسهلها حمزة وقفاً. وأمّا المتوسّط فلا ، وسنأتي إلى تفصيل ذلك ..
ب- متحرك متوسط قبله ساكن : ويأتي على قسمين:
1- متوسط بنفسه : ويكون السّاكن الذي قبله إمّا ألفاً , نحو :{مَا كَانَ لَهَمْ أنْ يَدْخُلُوهَآ إلا خآئفينَ}[البقرة:114] ، أو ياءً زائدة نحو :{هَنيئَاً , مَرِيئَاً )[النساء:4] ، ولم يقع في القرآن منه واو زائدة ..
فحكم الأوّل : التسهيل بَيْنَ بَيْنَ . ( )- أي بين الهمزة والحركة التي تحرّك بها – .
قال ابن يعيش( ) معللاً ذلك بقوله :" ذلك لأنه لا يُمكن إلقاء حركتها على الألف إذ الألف لا تتحرّك ولو قبلت الهمزة ألفاً وأخذت تدغم فيها الألف على حدّ مقروّة لا ستحال ذلك , إذ الألف لا تدغم ولا يدغم فيها وكان في جعلها بَيْنَ بَيْنَ ملاحظة لأمر الهمزة اذ فيها بقية منها وتخفيفها بتليينها وتسهيلها . فإن قيل : فهلا امتنع جعلها بَيْنَ بَيْنَ لسكون الألف وقربها من السّاكن .. قيل الذي سهل ذلك أمران , أحدهما : خفاء الألف فكأنه ليس قبلها شيء . والآخر: زيادة المدّ في الألف قام مقام الحركة فيها كالمدغم " .( )
وحكم الثاني : إبدال الهمزة ياء ثمّ ادغامها بالأولى( ) ، فتكون : ((هنيّا ، مريّا)) .
أمّا السّاكن غير ذلك فهو أيضاً إمّا أن يكون صحيحاً – مع الحركات الثلاث - نحو :{إنّ العَهْدَ كَانَ مَسْئوُلا ، وَجَعَلَ لكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ والأفْئِدَة ، قالُوآ أتَتّخِذُنَا هُزُؤَاً( )}[الإسراء:34، النحل:78، البقرة:67] , أو واواً أو ياء أصليين سواء كانا حرفي مدّ نحو :{سِيئَت ، السُّوأَى} [الملك:27،الرّوم:10] , أو حرف لين نحو :{وَاتّقُوا يَوْمَاً لا تَجْزِي نَفسٌ عَنْ نَفسٍ شَيْئَاً ، لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}[البقرة:48،الأعراف:20] , فحكم هذا كله النقل( ).. فتقرأ : (( سَيت ، السُّوَى ، شيَا , سوَاتهما )) .. وهكذا كما سبق .
2- متوسط بغيره : لا يخلوا السّاكن قبله من أن يكون متصلاً به رسما ً أو منفصلا ً عنه .
* والمتصل : يكون ألفاً وغير ألف , والألف تكون في موضعين :
أ- ياء النداء , كقوله تعالى :{يَآ أيّهَا ، قَالَ يَآ آدَمُ}[البقرة:21 ,33] .
ب- هاء التنبيه , كقوله تعالى :{هَآ أنتُمْ ، فَيَقُولُ هَآؤُمُ}[آل عمران:66،الحاقة:19] .
أمّا غير الألف فهو في موضع واحد , وهو لام التعريف حيث وقع , كقوله تعالى :{وَلَهُمْ فِي الآخِرَة ، إنّ فِي خَلقِ السّمَاوَاتِ وَالأرَضِ ، وَالذينّ اتّبَعُوهُمْ بِإحْسَانٍ}[البقرة:114 ,164، التوبة:100] .. فحكم الأوّل :" التسهيل بَيْنَ بَيْنَ . والثاني: النقل ، وهذا مذهب الأكثريّة . قد اعتبر ما ذكر جارياً على كلّ ما أتى متوسطاً بزائد سواء أكان منفصلاً حكما ً أو متصلاً رسماً وكثير من أهل الأداء ذهبوا إلى الوقف بالتحقيق في هذين " .( )
وقد أشار الإمام الداني إلى هذين الوجهين بقوله : "والمذهبان جيدان وبهما ورد نصّ الرّوّاة" .( ) كما ذكرهما الشاطبي ( ) أيضاً في نظمه قائلاً :
ومافيه يُــــلفى واســـطاً بزائــــد دخلن عليه فيه وجهان أعملا
كما هاويا واللام والباء ونحوهما ولامـات تعريف لمن قد تأملا
*وأمّا المنفصل رسما ً: فيكون السّاكن ما قبله صحيحاً أو حرف علة ...
أ- السّاكن الصّحيح , كقوله تعالى :{بَشّرِ المُنَافِقينَ بِأنّ لَهُمْ عَذابَاً أليمَاً ، وَقَدْ أَفلَحَ} [النساء : 138، طه:64] .
"اختلف أهل الأداء في تسهيل هذا النوع وتحقيقه ، فروى كثير منهم عن حمزة تسهيله بالنقل وألحقوه بما هو من كلمةٍ ، وروى الآخرون تحقيقه" .( ) وقد اخذ الإمام ابن الجزري رحمه الله بالوجهين فقال :" والوجهان من النقل والتحقيق صحيحان معمول بهما ، وبهما قرأتُ وبهما آخذ " .( )
ب- السّاكن (حرف عّلة) : فلا يخلو من أن يكون حرف لين أو حرف مدّ , فان كان حرف لين كقوله تعالى :{وَإذَا خلوْ إلَى}[البقرة:14] .. فإنه يلحق بالنوع قبله -وهو السّاكن الصّحيح- وحكي وجهان في هذا النوع : احدهما : النقل كما ذكر . وثانيهما : أن يقلب حرف لين من جنس ما قبلها ويدغم الأوّل في الثاني فيصير حرف لين مشدّداً .( )
وقد رجَح ابن الجزري القول الأول إذ قال :" والصّحيح الثابت رواية في هذا النوع هو النقل ليس إلا ، وهو الذي لم اقرأ بغيره على أحد من شيوخي ولا آخذ بسواه ".( )
وان كان حرف مدّ فلا يخلوا من أن يكون ألفاً أو غيرها ... فإن كان ألفاً , كقوله تعالى : {وَالذينَ يُؤمِنُونَ بمَآ أُنزلَ}[البقرة :4] .. فقد سهّلَ الهمزة في هذا النوع بَيْنَ بَيْنَ من سهّلَ الهمزة بعد السّاكن الصّحيح بالنقل ، وأمّا الجمهور فقد مالوا إلى التحقيق في هذا النوع , وفي كلّ ما وقع الهمزة فيه محرّكاً منفصلاً سواء كان قبله ساكن أو محرّك ، وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه ، وهو الأصح رواية .( )
إذاً الرّاجح ممّا تقدّم التحقيق دون التسهيل مادام قبلها مدّ .
وإن كان غير ألف فإمّا أن يكون واواً أو ياء . . .فإن من سهّلَ القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معهما بالنقل والإدغام مطلقاً ، سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة , كقوله تعالى :{وَفِي أنفُسِكُم}[الذاريات:21] ضميراً أو زائداً كقوله تعالى :{إنّ الذينَ تَوَفّاهُمُ المَلآئِكَةُ ظالِمِي أنفُسِهِم ، وَيَقُولُونَ أَئِنّا لتَارِكُوآ ءَالِهَتِنا}[النساء:97،الصافات:36] , وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصّلة كقوله تعالى :{فَنَجّيْنَاهُ وَأهْلَهُ أجْمَعِينَ}[الشعراء:170]
وأخذ ابن الجزري من ذلك ما ذكره :" لكني آخذ في الواو والياء بالنقل – إلا فيما كان زائداً صريحاً لمجرّد المدّ والصّلة – فبالإدغام " .( )
* والهمز المتوسط المتحرّك الذي قبله متحرّك .. هذا ما سنكمله لاحقاً إن شاء الله تعالى .
وقد حصل خلاف بين الدّراسين في طبيعة الهمزة وفي صفتها حتى قال بعض الباحثين :"إنّ الهمزة علم مشكلة من أعقد مشكلات الأصوات العربيّة ، ويرجع ذلك إلى الاختلاف في ماهيّته وفي عَلاقاته " .( )
فبعض القبائل كانت تميل إلى تخفيف الهمزة وبعضهم كان يحققها ، والدّارس لسبب تغيير الهمزة وقفاً عند حمزة يجد هنالك عوامل لهذا التغيير ، ومنها :
إنّ قوما ً حققوا الهمزة مطلقاً - أي وقفاً ووصلاً - "فكأنما الهمز قد ملأ على الناس شعورهم فلهذا وجد حمزة من الضروري أن يحذر الناس من المبالغة في تحقيق الهمزة عند التلاوة".()
ومنها أنّ حمزة "اختصّ بقراءته بالمدّ التام والتحقيق الحسن , فإذا رام الوقف قصد بذلك الاستراحة , فخففت الهمزة عند ذلك ؛ لأنّ الهمزة في النطق بها مشقة وكلفة ... أو لضيق يلحق القارئ في نفسه ، او لكلال يعتريه في مواصلة قراءته ، أو انه اختار أن يجمع بين اللغتين " .( ) "ولأنّ الهمز صوت حَنجريّ انفجاريّ".( ) .. لذلك عمدت بعض القبائل العربيّة إلى تخفيف النطق بالهمز .
فان قيلَ : لِمَ خصّ حمزة الهمزة بالتخفيف دون غيرها من حروف الهجاء ؟
أجيب على ذلك : أنّ حروف الهجاء لمّا سمّيت بحروف البناء ؛ ذلك لأنها أساس الكلمات والألفاظ التي تتكوّن منها الجمل التي تدلّ على المعاني المتغايرة والمختلفة ، وأنّ بعض الحروف قويّ وبعضها ضعيف ومتوسط وفق ما يوصف من الصّفات ، فلمّا كانت الهمزة توصف ببعض صفات القوّة وقد بعُد مخرجها عن الجميع، فقصد تخفيف الكلمة التي أتت بها همزة لثقلها .( )
أو بتعبير مختصر : " خففت من بين حروف المعجم ؛ لأنها كالتهوّع( ) من صاحبها تخرج من صدره كالسّعلة إذا قال أكرم أو أحسن , فثقلت عليهم فخففوها وأبدلوها.. " . ( )
هذا وقد اختصّ حمزة بالوقف( )؛ لأنّ قراءته تشتمل على التحقيق( ) والمدّ( ) والسّكت( ) وما شاكل ذلك . كما أشار إلى هذا ابن الجزري بقوله :" وقد اختصّ حمزة بالوقف من حيث قراءته اشتملت على شدّة التحقيق والترتيل والمدّ والسّكت فتناسب التسهيل في الوقف , ولذلك روينا عنه الوقف بتخفيف الهمز" . ( )
ونخلص ممّا تقدم أنّ سبب التغيير عند حمزة هو كما يأتي :
1- لأنه يقرأ بالمدّ الطويل اللازم .( )
2- لأنّ قراءته تحقيقاً ببطء , فإذا وقف قصد الاستراحة .
3- لوجود ضيق يعتري مواصلة النفس .
4- من أجل الجمع بين أحكام لغتين أو قراءتين أو أكثر استحساناً .
5- لصعوبة مخرج الهمزة وشدّتها .
إذاً استحبّت العرب تخفيف الهمزة ؛ ذاك لأنّ عملية إخراجها يحتاج إلى جهد عضلي قد يزيد على ما يحتاج إليه أيّ صوت آخر , هذا الأمر وغيره هو الذي جعلَ الباحثينَ الدّارسينَ يعدّون الهمزة من المُشكلات الصّوتيّة ، ولاسيّما من حيث نطقها وتخفيفها وعَلاقتها بالأصوات الأخرى . ولذا صار للهمزة أحكاماً مختلفة ذكرتها كتب اللغة والقراءات وبسبب الشدّة التي تحدث من إنتاج الهمزة مالت بعضُ اللهجات العربيّة إلى تخفيفها ففرّت من نطقها مخففة ولهذا جاءت الرّواية عن حمزة بتخفيف المتطرّفة والمتوسطة والمبتدئة إذا نزلت منزلة المتوسطة . وجاءت عن هشام بتخفيف المتطرّفة فحسب .( )
وقبل الخوض في التفاصيل , علينا أن نعلم بأنّ الهمزة التي نحن في صددها لها تسميات عدّة؛ كي يتسنى لنا معرفة موضوعنا بالتحديد , ومنها :
- أصليّة : وهي كلّ همزة وقعت فاء للكلمة , نحو : أكل ، وأمر . أو عينها مثل : فأس ، ورأس . أو لامها مثل : ضياء ، وقثاء .( )
- زائدة : كل همزة وقعت أوّلاً قبل فاء الكلمة , نحو : أحمر، وأصفر , وآخراً بعد لامها مثل : حمراء , وصفراء . ولا تقع وسطاً إلا قليلاً مثل : شمْأل , وبعبارة أخرى :"فيما لم تكن فاء الكلمة ولا عينها ولا لامها " . ( )
- ملحقه : مثل : خرباء ، وعلياء , ولا تقع إلا آخراً . ( )
- منقلبة : كلّ همزة وقعت لاماً للكلمة ، وأصلها واو أو ياء مثل همزة : كساء ، وجزاء ؛ لأنها من : كسوت ، وجزيت . وقد تقع المنقلبة عينا ً في نحو : قائل ، وسائل ، وسائر , وفاء مثل: وشاج ، وأشاج . ( )
أمّا موضوع الوقف على الهمز – والذي هو موضوع دراستنا – فموضوع متشعب ومُشكل للغاية ... لذا قال عنه ابو شامة : "هذا الباب من أصعب الأبواب نظماً ونثراً في تمهيد قواعده وفهم مقاصده "( ).. وقد استدلّ على صعوبته بقول الشاطبي – رحمه الله- : "إنه قرأ على غير واحد من الأئمّة فوجد أكثرهم لا يقومون به حسب الواجب فيه "( ) ؛ وذلك لكثرة أحكامه .
وأمّا الجعبري( ) فقد قال : "وهذا الباب يعمّ أنواع التخفيف ، ومن ثمّ عسر ضبطه , متشعباً , وقد كثر إشكاله ، إنّ الطالب قد لا يقف عند قراءته على شيخه فيفوته أشياء , فإذا عرض له وقف بعد ذلك أو سُئل عنه لم يجد له أداء , وقد لا يتمكن من الحاقه بنظرائه فيتحيّر .." .( )
أيّ يتهرّب الطالب من الوقوف على كلّ كلمةٍ فيها همزة ؛ خشية صعوبة الأحكام .. وهذا ما نراه اليوم ونسمعه .
ورأي الإمام ابن الجزري – رحمه الله – فيه بأنه : "مُشكل يحتاج إلى معرفة تحقيق مذاهب أهل العربيّة ، وأحكام رسم المصاحف العثمانيّة ، وتمييز الرّواية ، وإتقان الدّراية ، ولصعوبته أفرد بالذكر , وخُتم به أبواب الهمز ؛ لأنّ محله الوقف" .( ) وهذا يؤكد ضرورة تعلم اللغة العربيّة , ورسم المصحف , وكيفية الوقف ؛ لأنّ تعلقهم بالهمزة تعلق متلازم .
وقال الشيخ محمد أمين المدعو بعبد الله أفندي( ) : "إعلم أنّ مسائل وقف حمزة وهشام من أصعب مسائل علم القراءة" .
... هذا وسأتناول فيما يأتي كلّ ما يطرأ على الهمزة من تخفيف عند الوقف .. وحتى لا أطيل عليك أخي الحبيب , فبفضل نتائج تحليل الأساتذة والشيوخ القدماء والمحدَثين للأصوات اللغويّة , قالوا إنّ الهمزة تكون على ضربين لا غير :
أحدهما : أن تكون محققه ، وهي الأصل . والآخر: أن تكون مخففة . ( )
وعليهما أبيّن أقسام الهمزة وأوضحه لأكشف النقاب عن أحكامها لدى الوقف خصّيصاً ( ) ..
وهي سبعة أقسام :
ــ مبتدأة : ولا تكون إلا متحرّكة , وهذه ليس فيها شيء لحمزة وهشام مطلقاً إلا التحقيق .( )
ــ متوسّطه: وهي قسمان : ساكنة , ومتحرّكة . والمتحرّكة قسمان : متحرّكة بعد ساكن ومتحرّكة بعد حركة .
ــ متطرّفة : وتأتي فيها الأقسام الثلاثة , في المتوسّطة بأن تكون ساكنة أو متحرّكة بعد ساكن أو بعد حركة . ( ) .. وإليك الآن أقسام الهمز السّاكن والمتحرّك عند الوقف :
§ أوّلاً : السّاكن : وينقسم إلى متطرّف ومتوسّط ...
* والسّاكن المتطرّف , يُقسم على قسمين :
أحدهما : لازم لا يتغيّر في حاليه . وثانيهما : عارض يسكن وقفاً ويتحرّك بالأصالة أصلاً.
والسّاكن المتطرّف اللازم يأتي قبله : فتح , كقوله تعالى :{إقرأ}[العلق:1] . وكسر , كقوله تعالى:{نبّئ}[الحجر:49] .. فالهمزة في مثل هذه حيثما تقع تبدل ألفاً وياء على حسب حركة ما قبلها( ) .. فتقرأ :((إقرا ، نبّي)) , ولم تأت في القرآن ساكنة مضموماً ما قبلها، ومثالها في غير القرآن نحو :" لم يبوءْ ، لم يضوء " .( )
* وأمّا السّاكن المتطرّف العارض , فيأتي قبله الحركات الثلاث ...
أ- الفتح , كقوله تعالى:{بَدَأ ، فقالَ المَلؤا ، عن النّبَإِ}[العنكبوت:20،المؤمنون:24،النبأ:2] .
ب- الضمّ , كقوله تعالى:{لؤْلُؤٌ}[الطور:24] .
ج- الكسر , كقوله تعالى:{من شاطِئ}[القصص:30] .( )
فهي في ذلك كله وما أشبهه حيث وقعت تبدل ألفاً ، وواواً ، وياءً ، على حسب حركة ما قبلها على ما تقدّم. فتقرأ : ((بَدَا ، لُولؤٌ ، شاطِي)) .. وهكذا .
* وأمّا السّاكن المتوسط : ونعني بالمتوسط : الذي هو لام الفعل ، فاتصل به ضمير أخرجه عن الطرف ، أو الذي هو عين الفعل ، أو فاء الفعل ، ودخل عليه حرف زيادة فصيَره متوسط لأنّ حرف الزيادة من بناء الكلمة التي يزاد فيها ، كزوائد المضارعة في {يُؤمِنُ}[البقرة:232] والميم في {مُؤمِنٌ}[البقرة:221] , فأمّا حروف المعنى ففي تقدير كلمة منفردة كغيرها من الكلم نحو حروف الجرّ وحروف العطف ...إلخ وستأتي الأمثلة على ذلك لا حقاً إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا يكون الهمز السّاكن المتوسّط على ضربين : بنفسه أو بغيره , وتفصيل ذلك ..
1- الهمز المتوسط بنفسه : وهو إذا ما حُذف من الكلمة اختلّ معناها ، ويأتي قبله :
أ- حرف مفتوح- كقوله تعالى : {وَكَأْسٍ}[الواقعة:18] .
ب- حرف مضموم- كقوله تعالى :{وَالمُؤْتفكة}[النجم:53] .
ج- حرف مكسور – كقوله تعالى :{نبّئْنا}[يوسف:36] .
فتبدل الهمزة في الأوّل ألفاً ، وفي الثاني واواً , وفي الثالث ياء .( ) وتكون قراءتها : ((وَكاس ، والمُوتفكة ، نبَّينا)) .
2- الهمز المتوسط بغيرة : وهو إذا ما حُذف لا يختلّ المعنى ، على عكس ما تقدّم . ويأتي على قسمين :
أ- متوسط بحرف : ويكون قبله فتح كقوله تعالى : {فَأْووا}[الكهف:16] . ولم يقع قبله ضمّ ولا كسر . (42)
ب- متوسط بكلمة(43) ويأتي قبله :
ــ فتح , كقوله تعالى : {إلى الهُدَى ائْتِنا}[الأنعام:71] .
ــ ضمّ , كقوله تعالى : {وقالَ الملك ُائْتوني}[يوسف:50] .
ــ كسر , كقوله تعالى :{الذِي اؤْتمِنَ}[البقرة:283] .
حكم الجميع : إبدال الهمزة عل جنس حركة ما قبلها . ( ) فتقرأ : (( الهُدَاتِنا ، المَلكُوتوني ، الذيتُمِن )) .
وقبل أن ننهي الكلام عن الهمز السّاكن يواجهنا سؤال يقول : لِمَ كانت الهمزة السّاكنة تبدل حرفاً من جنس حركة ما قبلها( ) ، ولم تكن من جنس حركة ما بعدها ؟
أجاب عن هذا التساؤل العلامة ابو شامة( ) رحمه الله بقوله بقوله :" لأنّ ما قبلها حركة بناء لازمة ، وما بعدها يجوز أن تكون حركة الإعراب ، وحركة الإعراب تنتقل وتتغيّر من ضمّ إلى فتح إلى كسر فأيّ حركة منها تعتبر ولا ترجيح لأحداهنّ على الأخرتين ، فننظر إلى ما لا يتغيّر ، وهو حركة ما قبلها – فإن قلت : كان من الممكن أن يعتبر كلّ حركة في موضعها . قلتُ : يلزم من ذلك أن تقلب الهمزة مع الضمّ واواً ومع الفتح ألفاً ومع الكسر ياء .. فتخيّل بنية الكلية نحو : (رأس) , يصير عين الكلمة في الرّفع واواً , وفي النصب ألفاً , وفي الجرّ ياءً , وفي ذلك اختلال الألفاظ واختلاط الأبنية ، وأيضاً اعتبار الحرف بما قبله إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده ؛ لأنّ اعتبار الأوّل أضعف " .( )
ثانيا : المتحرّك : ويُقسم أيضاً على قسمين هما :
- متحرّك قبله ساكن .
- متحرّك قبله متحرّك .
*فالهمز المتحرّك الذي قبله ساكن : يُقسم على قسمين :
أ- متحرّك متطرّف قبله ساكن :
ولا يخلو ذلك السّاكن قبله من أن يكون ألفاً أو واواً أو ياءً زائدتين أو غير ذلك ، فإن كان ألفاً فإنه يأتي بعده كلّ من الحركات الثلاث , كقوله تعالى :{ جَآءَ ، السّفهآءُ ، مِنَ السّمآءِ } [الحديد:14،البقرة:13 ,22] . وأمّا إذا كان واواً فإنه لم يرد إلا في حرف واحد , كقوله تعالى :{ثلاثة قرُوءٍ}[البقرة :228] . وإذا كان السّاكن قبل الهمز ياء , فقد وردت في حرفين كقوله تعالى:{وَإنّني بَريءٌ ، إنّمَا النسِيءُ}[الأنعام:19،التوبة:37] .
فحكم ما قبله ألف : "تسكن الهمزة للوقف ثم تبدل ألفاً من جنس ما قبله فيجتمع ألفان , فيجوز حذف أحدهما ؛ للتخلص من التقاء السّاكنين فان قدّر المحذوف الأولى وهو القياس – قصر- لأنّ الألف حينئذ تكون مبطلة من همزة في – مدّ – كألف (تأمر) وإن قدّر الثانية جاز المدّ والقصر ؛ لأنها حرف مدّ قبل همز مغيّر( ) بالبدل( ) ثمّ الحذف( ) , ويجوز إبقاؤهما للوقف فيمدّ لذلك مدّاً طويلاً ليفصل بين الألفين ، ويجوز التوسط قياساً على سكون الوقف .. فتحصل حينئذ ثلاثة أوجه القصر والتوسط والطول " .( )
فتقرأ حينئذ هكذا : (( جا )) , مع الأوجه الثلاثة .
أما حكم ما قبله ( واو) أو (ياء) - زائدتان - :" أن يبدل الهمز من جنس ذلك الحرف الزائد ويدغم الحرف فيه " .( ) فتقرأ: (( ثلاثة قرُوّ ، وَإنّني بَرِيّ ، إنّمَا النّسِيّ )) .
وأمّا إذا كان السّاكن غير ذلك من سائر الحروف , فحكمه :" أن تنقل حركة الهمزة إلى ذلك السّاكن ويحرّك بها ثمّ تحذف سواء كان ذلك السّاكن صحيحاً نحو :{يَوْمَ ينظرُ المَرْءُ ، مَا يُفرّقُونَ بهِ بيْنَ المَرْءِ ، يُخْرِجُ الخَبْءَ}[النبأ:40،البقرة:102،النمل:25] , أو واواً أو ياء أصليّين ، وسواء كانا حرفي مدّ , نحو :{وَمَا عَمِلتْ مِنْ سُوءِ ، وَجاِْئَ}[آل عمران:30 ، الفجر:23] , أو حرفي لين نحو :{شئ ، للذينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ}[البقرة:20، النحل:60] بأيّ حركةٍ تحرّكت الهمزة فيها " .( )
وممّا تجدر الإشارة إليه هنا :" أنّ مثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرّف من الهمز أي: كلّ ما يُذكر لحمزة في المتطرّفة , فمثله لهشام إلا انه لم يوافقه في المتوسطة ؛ لأنّ المتطرّفة أخرى بالتخفيف ... ولأنها آخر لفظ القارئ وموضع استراحته وانقطاع نفسه " .( )
وقد أشار إلى هذا الأمام الشاطبي بقوله( ) :
وفي غير هذا بَيْنَ بَيْنَ ومثله يقول هشام ما تطرّف مسهلا
وأوضح ذلك ابو شامة بقوله :" أي مهما تطرّف الهمز , فهشام موافق لحمزة " .( )
وذلك بأن يقرأ هشام بتسهيل الهمزة المتطرّفة كما يقرأها ويسهلها حمزة وقفاً. وأمّا المتوسّط فلا ، وسنأتي إلى تفصيل ذلك ..
ب- متحرك متوسط قبله ساكن : ويأتي على قسمين:
1- متوسط بنفسه : ويكون السّاكن الذي قبله إمّا ألفاً , نحو :{مَا كَانَ لَهَمْ أنْ يَدْخُلُوهَآ إلا خآئفينَ}[البقرة:114] ، أو ياءً زائدة نحو :{هَنيئَاً , مَرِيئَاً )[النساء:4] ، ولم يقع في القرآن منه واو زائدة ..
فحكم الأوّل : التسهيل بَيْنَ بَيْنَ . ( )- أي بين الهمزة والحركة التي تحرّك بها – .
قال ابن يعيش( ) معللاً ذلك بقوله :" ذلك لأنه لا يُمكن إلقاء حركتها على الألف إذ الألف لا تتحرّك ولو قبلت الهمزة ألفاً وأخذت تدغم فيها الألف على حدّ مقروّة لا ستحال ذلك , إذ الألف لا تدغم ولا يدغم فيها وكان في جعلها بَيْنَ بَيْنَ ملاحظة لأمر الهمزة اذ فيها بقية منها وتخفيفها بتليينها وتسهيلها . فإن قيل : فهلا امتنع جعلها بَيْنَ بَيْنَ لسكون الألف وقربها من السّاكن .. قيل الذي سهل ذلك أمران , أحدهما : خفاء الألف فكأنه ليس قبلها شيء . والآخر: زيادة المدّ في الألف قام مقام الحركة فيها كالمدغم " .( )
وحكم الثاني : إبدال الهمزة ياء ثمّ ادغامها بالأولى( ) ، فتكون : ((هنيّا ، مريّا)) .
أمّا السّاكن غير ذلك فهو أيضاً إمّا أن يكون صحيحاً – مع الحركات الثلاث - نحو :{إنّ العَهْدَ كَانَ مَسْئوُلا ، وَجَعَلَ لكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ والأفْئِدَة ، قالُوآ أتَتّخِذُنَا هُزُؤَاً( )}[الإسراء:34، النحل:78، البقرة:67] , أو واواً أو ياء أصليين سواء كانا حرفي مدّ نحو :{سِيئَت ، السُّوأَى} [الملك:27،الرّوم:10] , أو حرف لين نحو :{وَاتّقُوا يَوْمَاً لا تَجْزِي نَفسٌ عَنْ نَفسٍ شَيْئَاً ، لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}[البقرة:48،الأعراف:20] , فحكم هذا كله النقل( ).. فتقرأ : (( سَيت ، السُّوَى ، شيَا , سوَاتهما )) .. وهكذا كما سبق .
2- متوسط بغيره : لا يخلوا السّاكن قبله من أن يكون متصلاً به رسما ً أو منفصلا ً عنه .
* والمتصل : يكون ألفاً وغير ألف , والألف تكون في موضعين :
أ- ياء النداء , كقوله تعالى :{يَآ أيّهَا ، قَالَ يَآ آدَمُ}[البقرة:21 ,33] .
ب- هاء التنبيه , كقوله تعالى :{هَآ أنتُمْ ، فَيَقُولُ هَآؤُمُ}[آل عمران:66،الحاقة:19] .
أمّا غير الألف فهو في موضع واحد , وهو لام التعريف حيث وقع , كقوله تعالى :{وَلَهُمْ فِي الآخِرَة ، إنّ فِي خَلقِ السّمَاوَاتِ وَالأرَضِ ، وَالذينّ اتّبَعُوهُمْ بِإحْسَانٍ}[البقرة:114 ,164، التوبة:100] .. فحكم الأوّل :" التسهيل بَيْنَ بَيْنَ . والثاني: النقل ، وهذا مذهب الأكثريّة . قد اعتبر ما ذكر جارياً على كلّ ما أتى متوسطاً بزائد سواء أكان منفصلاً حكما ً أو متصلاً رسماً وكثير من أهل الأداء ذهبوا إلى الوقف بالتحقيق في هذين " .( )
وقد أشار الإمام الداني إلى هذين الوجهين بقوله : "والمذهبان جيدان وبهما ورد نصّ الرّوّاة" .( ) كما ذكرهما الشاطبي ( ) أيضاً في نظمه قائلاً :
ومافيه يُــــلفى واســـطاً بزائــــد دخلن عليه فيه وجهان أعملا
كما هاويا واللام والباء ونحوهما ولامـات تعريف لمن قد تأملا
*وأمّا المنفصل رسما ً: فيكون السّاكن ما قبله صحيحاً أو حرف علة ...
أ- السّاكن الصّحيح , كقوله تعالى :{بَشّرِ المُنَافِقينَ بِأنّ لَهُمْ عَذابَاً أليمَاً ، وَقَدْ أَفلَحَ} [النساء : 138، طه:64] .
"اختلف أهل الأداء في تسهيل هذا النوع وتحقيقه ، فروى كثير منهم عن حمزة تسهيله بالنقل وألحقوه بما هو من كلمةٍ ، وروى الآخرون تحقيقه" .( ) وقد اخذ الإمام ابن الجزري رحمه الله بالوجهين فقال :" والوجهان من النقل والتحقيق صحيحان معمول بهما ، وبهما قرأتُ وبهما آخذ " .( )
ب- السّاكن (حرف عّلة) : فلا يخلو من أن يكون حرف لين أو حرف مدّ , فان كان حرف لين كقوله تعالى :{وَإذَا خلوْ إلَى}[البقرة:14] .. فإنه يلحق بالنوع قبله -وهو السّاكن الصّحيح- وحكي وجهان في هذا النوع : احدهما : النقل كما ذكر . وثانيهما : أن يقلب حرف لين من جنس ما قبلها ويدغم الأوّل في الثاني فيصير حرف لين مشدّداً .( )
وقد رجَح ابن الجزري القول الأول إذ قال :" والصّحيح الثابت رواية في هذا النوع هو النقل ليس إلا ، وهو الذي لم اقرأ بغيره على أحد من شيوخي ولا آخذ بسواه ".( )
وان كان حرف مدّ فلا يخلوا من أن يكون ألفاً أو غيرها ... فإن كان ألفاً , كقوله تعالى : {وَالذينَ يُؤمِنُونَ بمَآ أُنزلَ}[البقرة :4] .. فقد سهّلَ الهمزة في هذا النوع بَيْنَ بَيْنَ من سهّلَ الهمزة بعد السّاكن الصّحيح بالنقل ، وأمّا الجمهور فقد مالوا إلى التحقيق في هذا النوع , وفي كلّ ما وقع الهمزة فيه محرّكاً منفصلاً سواء كان قبله ساكن أو محرّك ، وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه ، وهو الأصح رواية .( )
إذاً الرّاجح ممّا تقدّم التحقيق دون التسهيل مادام قبلها مدّ .
وإن كان غير ألف فإمّا أن يكون واواً أو ياء . . .فإن من سهّلَ القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معهما بالنقل والإدغام مطلقاً ، سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة , كقوله تعالى :{وَفِي أنفُسِكُم}[الذاريات:21] ضميراً أو زائداً كقوله تعالى :{إنّ الذينَ تَوَفّاهُمُ المَلآئِكَةُ ظالِمِي أنفُسِهِم ، وَيَقُولُونَ أَئِنّا لتَارِكُوآ ءَالِهَتِنا}[النساء:97،الصافات:36] , وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصّلة كقوله تعالى :{فَنَجّيْنَاهُ وَأهْلَهُ أجْمَعِينَ}[الشعراء:170]
وأخذ ابن الجزري من ذلك ما ذكره :" لكني آخذ في الواو والياء بالنقل – إلا فيما كان زائداً صريحاً لمجرّد المدّ والصّلة – فبالإدغام " .( )
* والهمز المتوسط المتحرّك الذي قبله متحرّك .. هذا ما سنكمله لاحقاً إن شاء الله تعالى .