الوقف عبر التاريخ

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الوقف عبر التاريخ
الزمان ظرف الأحداث ووعاؤها ، والتأريخ يقيد هذه الأحداث في أزمانها التي وقعت فيه ؛ ولقد سجل تاريخ الإسلام مؤرخون ثقات نقلوا لنا أحداث تلك القرون الغابرات بما فيها من خير وشر وحلو ومر ؛ فكان مما نقلوا لنا من أبواب الخير أوقاف أهل البذل والإحسان من هذه الأمة ليكون ذلك نبراسًا يستضيء به كل من يرغب في الخير ممن يأتي بعدهم .
ولا يخفى على متأمل ما كان لدور الوقف عبر التاريخ في التقدم الروحي والمادي ، كما لا يخفى دوره في التأثير على الحياة الاجتماعية والثقافية التي تشكل الحضارة كما هو في التصور الحديث لها .
فالوقف له دور فعال ومؤثر في جوانب الحياة ، ولقد قامت على أوقاف المسلمين عوامل ساعدت على قيام حضارة حقيقية ، لا حضارة مزعومة ؛ فقد كان الوقف يقوم بعمل مؤسسات ووزارات في النظم الحديثة .
فمدارس الوقف كانت تقوم بدور وزارات التعليم والتعليم العالي في نظام الحكومات المعاصرة ؛ والبيمارستانات ( المستشفيات ) كانت تقوم بدور وزارة الصحة ؛ والوقف على الفقراء والمساكين ورعاية الأرامل واليتامى والضعفاء ، كان يقوم بعمل وزارة الشئون الاجتماعية ؛ وهذه الوزارات هي التي تشكل التأثير على الحياة الاجتماعية والثقافية في أي حضارة .
ولذلك كانت الحضارة الإسلامية زاهرة في حين كانت أوربا وغيرها من الدول تعيش تخلفا ملحوظًا ، وقد شهد بذلك كثير من منصفي الغرب ومفكريه .
لقد كان للوقف دوره الكبير في التنمية الشاملة في المجتمعات الإسلامية ، وبخاصة في النواحي الثقافية والصحية والاجتماعية ، في وقت كان فيه دور الدولة محدودا نسبيًا فيها ؛ ومع توسع دور الدولة في التنمية فإنه لا يزال دور الوقف وعمله ملحوظًا في كثير من بلاد المسلمين بالمشاركة الفاعلة في التأثير في الحياة الثقافية والصحية والاجتماعية بشكل عام .
لقد أسهم الوقف في تكوين المجتمع الإسلامي المتراحم ، ووثق عرى النسيج الاجتماعي ، كما دعم روح التكافل والتواصل بين الناس .
وليس أدل على رقي الأمة وجدارتها بالحياة واستحقاقها لقيادة العالم - كما يقول د مصطفى السباعي - من سمو النزعة الإنسانية في أفرادها ، سموًّا يفيض بالخير والبر والرحمة على طبقات المجتمع كافة ، بل على كل من يعيش على الأرض من إنسان وحيوان ، وبهذا المقياس تخلد حضارات الأمم وبآثارها في هذا السبيل يفاضل بين حضاراتها ومدنياتها ( [1] ) .
وهنا حقيقة قد يكون من المفيد تجليتها - كما يقول د عمر عبيد حسنة - وهي : إن نظام الوقف يختلف عن سائر موارد التكافل الاجتماعي في الإسلام من صدقات وزكوات وكفارات ونذور ووصايا ... الخ ؛ لأن هذه الموارد في معظمها تمثل علاجات إغاثية استهلاكية آنية موقوتة ، وقد يكون نطاقها في كثير من الأحوال فرديًا .
أما الوقف فهو منذ البدء كان نزوعًا إلى بناء النظام المؤسسي التنموي الإنتاجي دائم النفع والعطاء ، والتأصيل والتأسيس للعملية التنموية الاجتماعية ، لدرجة يمكن معها وصفه بمؤسسة التنمية المستدامة في المجالات جميعا ؛ بل لعلنا نقول : إن نظام الوقف بشروطه وأحكامه وثمراته ومجالاته يعتبر عملا مؤسسيا ، فهو مؤسسة المؤسسات جميعا ، أو ( أبو ) المؤسسات جميعا .
فالدور التنموي الذي اضطلع به الوقف في التاريخ الإسلامي كان شاملا لكثير من مرافق الحياة .. ولا يزال ؛ فلقد كان يقوم بدور الكثير من الوزارات والمؤسسات اليوم ، من مثل وزارة الصحة - وزارة التربية والتعليم - وزارة السياحة - وزارة الشؤون الاجتماعية - وزارة الدفاع - وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد والتوجيه ؛ ومؤسسات الخدمة الاجتماعية ... الخ ( [2] ) ؛ لقد اتسعت مجالات الوقف الخيري حتى كاد يعم خيره وأثره مجالات الحياة جميعها ، مع استمرار عمله عبر الزمن ؛ ومن هنا كان أجره لا ينقطع ، كما أن نفعه كذلك إلا أن يشاء الله تعالى .

[1] - انظر ( من روائع حضاراتنا ) د مصطفى السباعي ص 121 ( المكتب الإسلامي ) .

[2] - انظر تقديمه لكتاب الأمة ( أوقاف الرعاية الصحية في المجتمع الإسلامي ) د أحمد عوف عبد الرحمن ( العدد 119 ) .
 
نماذج من الأوقاف عبر التاريخ
1 - أول وقف في الإسلام كان بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي الأرض الخاصة ببناء مسجده ، ثم وقف مخيريق رضي الله عنه في السنة الثالثة للهجرة ؛ وكان عبارة عن سبعة حوائط ( 1 ) كانت لمخيريق اليهودي أحد بني ثعلبة وكان من علماء يهود ، أسلم يوم أحد وأوصى أنه إذا قُتل يوم أحد فأمواله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء ، فقتل يوم أحد ؛ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله وجعلها صدقة في سبيل الله ؛ وما زالت كذلك حتى حُمل من ثمرها إلى عمر بن عبد العزيز أيام خلافته( 2 ) .

2 - وقف المساجد : وهذا أشهر من أن نذكر فيه أمثلة ؛ فما من قرن يمر إلا وفيه كثير من أهل البر والخير يسارعون في تشييد المساجد وبنائها رغبة فيما أعده الله تعالى لمن يفعل ذلك ، فقد ورد في فضل بناء المساجد كثير من الأحاديث منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ " .
وأول مسجد بني في الإسلام مسجد قباء ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد كان أول وقف في مصر جامع عمرو بن العاص ، تصدق بأرضه قيسية بن كلثوم التجيبي ، فيذكر ابن دقماق عن الليث بن سعد أن موضع مسجد أهل الراية ( جامع عمرو ) حازه قيسية بن كلثوم ؛ ثم سأل عمرو بن العاص قيسية في منزله هذا يجعله مسجدًا ؛ فقال قيسية : لقد علمتم يا معاشر المسلمين أني حزت هذا المنزل وملكته ، وإني أتصدق به على المسلمين ؛ وذلك سنة 21هـ - 641م ( 3 ) ؛ وما من بلد من البلاد التي فتحها المسلمون ونشروا فيها الخير ، إلا وحرص الفاتحون على أن يكون المسجد أول شيء يشيدونه .
وللحديث صلة .

( 1 ) الحائط : البستان من النخيل والأشجار .
( 2 ) انظر الأوقاف والحياة الاجتماعية ص 16، 17 ، أحكام الأوقاف للخصاف ص 4 ، وسيرة ابن هشام : 3 / 34 .
( 3 ) انظر الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ص 33 ، 34 .
 
نماذج من الوقف الخيري في أبواب البر
وقف الآبار والعيون :
1 ) أول ذلك كان بئر رومة التي اشتراها عثمان رضي الله عنه .
2 ) في سنن أبي داود عن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " الْمَاءُ " فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ ( 1 ) .
3 ) وفي ( السنن الكبرى ) للبيهقي أن على بن أبى طالب رضي الله عنه قطع له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينبع ، ثم اشترى علي رضي الله عنه إلى قطيعة عمر رضي الله عنه أشياء فحفر فيها عينًا ، فبينا هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء ، فأُتي علي وبشر بذلك ، قال : بشر الوارث ؛ ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وفى سبيل الله وابن السبيل ، القريب والبعيد ، وفى السلم وفى الحرب ، ليوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، ليصرف الله تعالى بها وجهي عن النار ويصرف النار عن وجهي ( 2 ) .
4 ) عين زبيدة بمكة المكرمة ؛ تنسب لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور ، توفيت سنة ست عشر ومائتين في خلافة المأمون ، اسمها أمة العزيز وهي ابنة عم الرشيد وزوجته وأم الأمين ، وكانت من فضليات النساء ؛ وهي التي بنت الآبار والبرك والمصانع بمكة المشرفة ، وحفرت العين المعروفة باسمها ؛ جلبت إليها الماء من أقصى وادي نعمان ، شرقي مكة ، وأقامت له الأقنية حتى أبلغته مكة ؛ قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب ( الألقاب ) : إنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار ، وإنها أسالت الماء عشرة أميال بحط الجبال ونحوت الصخر حتى غلغلته من الحل إلى الحرم ؛ وذكر المسعودي في ( مروج الذهب ) أنها أحدثت بناء دور السبيل بمكة ، واتخاذ المصانع والبرك والآبار بمكة ، وطريقها المعروفة إلى هذه الغاية ، كما أحدثت من الدور للتسبيل بالثغر الشامي وطرسوس ، ووقفت على ذلك الوقوف .
ولها أيضا في طريق مكة بين المغيثة والعُذيب : ( بركة أم جعفر ) ؛ ذكر ذلك ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ) ، فرحمة الله عليها وعلى مثيلاتها من فضليات النساء .
5 ) بئر الوطاويط : هذه البئر أنشأها الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات ، المعروف بابن خترابه ، لينقل منها الماء إلى السبع سقايات التي أنشأها وحبسها لجميع المسلمين ، التي كانت بخط الحمراء ، وكتب عليها : بسم الله الرحمن الرحيم ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، وله الشكر وله الحمد ، ومنه المنُّ على عبده جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات ، وما وفقه له من البناء لهذه البئر وجريانها إلى السبع سقايات ، التي أنشأها وحبسها لجميع المسلمين ، وحبسه وسبله وقفًا مؤبدًا لا يحل تغييره ولا العدول بشيء من مائه ، ولا ينقل ولا يبطل ولا يساق إلَّا إلى حيث مجراه ، إلى السقايات المسبلة ، { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ؛ وذلك في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم ( 3 ) .
هذه أمثلة ، ولا يخلو زمان ممن يتقرب إلى الله تعالى بحفر بئر ووقفها .
6 ) لم يقتصر الاهتمام على توفير الماء العذب للناس فقط بل شمل أيضًا الدواب ؛ فوجد كثير من الأحواض الموقوفة سبيلا لله تعالى لسقي الدواب ؛ من ذلك ما تذكره وثيقة وقف السلطان قايتباي : ووقف حوض السبيل المذكور أعلاه ، بالقرب من الجامع المذكور فيه ، وفسقية الحوض المذكور المجاور له ، لاستقرار الماء الذي يجري إليها من بئر الساقية المذكورة أعلاه المعلقة بذلك ، لينتفع به في سقي الدواب المارين على ذلك ، والمترددين إليه ، وفي غير ذلك من الانتفاعات الشرعية على العادة في ذلك ، وجعله سبيلا لله ( 4 ) .
وللحديث صلة .

( 1 ) - أبو داود ( 1681 ) .
( 2 ) السنن الكبرى للبيهقي : 6 / 160 .
( 3 ) انظر ( المواعظ والاعتبار ) للمقريزي :
( 4 ) وثيقة وقف السلطان قايتباي رقم 886 أوقاف ص 117 - نقلا عن (الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ) ص 154 .
 
وقف المدارس
كان بناء المدارس لتعليم القرآن والعلم الشرعي ووقفها والوقف عليها من الأمور التي نالت اهتمام كثير من أهل الخير حكاما ومحكومين ؛ ولو أراد باحث أن يجمع ذلك في كتاب لاحتاج إلى مجلدات ؛ لكنا نذكر ها هنا نماذج من ذلك تدل على غيرها .
1 ) بنى الوزير أبو نصر بن أردشير ببغداد ( دار العلم ) ووقف فيها كتبا كثيرة على المسلمين المنتفعين بها وكان ذلك في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة في خلافة القادر بالله أبي العباس الخليفة العباسي . قال ابن كثير - رحمه الله : وأظن أن هذه أول مدرسة وقفت على الفقهاء ، وكانت قبل النظامية بمدة طويلة .ا.هـ.
2 ) في سنة تسع وخمسين وأربعمائة فرغت المدرسة النظامية ، بناها الوزير نظام الملك في عهد القائم بأمر الله الخليفة العباسي ، وقرر لتدريسها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، فاجتمع الناس فلم يحضر ، واختفى ودرس ابن الصباغ صاحب ( الشامل ) ثم تلطفوا بالشيخ أبي إسحاق حتى أجاب ودرس ( 1 ) .
3 ) أنشأ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمه الله - عدة مدارس بمصر ووقف عليها أوقافاً كثيرة ؛ وهي :
المدرسة الناصرية للشافعية : أنشئت سنة 566 هـ وأوقف عليها من الصاغة وإحدى القرى ؛ والمدرسة القمحية للمالكية : وأوقف عليها قيسارية الوراقين وقريتي الحنبوشية والأعلام بإقليم الفيوم ، وبدء في إنشائها سنة 566 هـ ؛ والمدرسة اليوسفية للحنفية : وأوقف عليها اثنين وثلاثين حانوتًا وباب الفتوح وحارة برجوان ؛ وفي سنة 572هـ أمر بإنشاء مدرسة ثانية للشافعية بجوار قبر الإمام الشافعي وأوقف عليها حمَّامًا وفرنًا وحوانيت وجزيرة الفيل ؛ وفي نفس السنة أمر ببناء المارستان ( المستشفى ) بالقاهرة ووقف عليها وقوفًا كثيرة ( 2 ) .
4 ) وفي سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بنى الأمير مجاهد الدين بن قيماز نائب قلعة الموصل جامعًا حسنًا ورباطًا ومدرسة ومارستانًا متجاورات بظاهر الموصل ، وقد توفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة - رحمه الله - وله عدة مدارس وخوانقات وجوامع غير ما ذكرنا ، وكان دَيِّناً خَيِّرًا فاضلاً ( 3 ) .
5 ) وفي سنة 630 هـ فتحت دار الحديث الأشرفية المجاورة لقلعة دمشق وأملى بها الشيخ تقي الدين بن الصلاح الحديث ، ووقف عليها الملك الأشرف الأوقاف ( 4 ) .
6 ) المدرسة الظاهرية بالقاهرة : أسسها الملك الظاهر بيبرس البندقداري ، ابتدئ بعمارتها في ثاني ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة ، ولم يقع الشروع في بنائها حتى رتب السلطان وقفها ؛ وقف عليها رَبْعَ السلطان خارج باب زويلة فيما بين باب زويلة وباب الفرج ، وكان ربعًا كبيرًا ، وتحت هذا الربع عدة حوانيت هي من أجلِّ الأسواق ، وللناس في سكناها رغبة عظيمة ؛ وهذه المدرسة من أجلِّ مدارس القاهرة ، ولما فرغ من بنائها يوم الأحد خامس صفر سنة اثنتين وستين وستمائة اجتمع أهل العلم بها وقد فرغ منها ، وحضر القراء ، وجلس أهل الدروس كل طائفة في إيوان ، منهم طائفة القراء بالقراءات السبع بالإيوان الغربي ، وشيخهم الفقيه كمال الدين المحلي ، وقرروا كلهم الدروس ، وتناظروا في علومهم ( 5 ) .
7 ) المدرسة الحجازية : أنشأتها الست الجليلة الكبرى خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون زوجة الأمير بكتمر الحجازي ، سنة إحدى وستين وسبعمائة ؛ جعلت بهذه المدرسة درسًا للفقهاء الشافعية ، ودرسًا للفقهاء المالكية ... وجعلت بجوار المدرسة مكتبًا للسبيل فيه عدة من أيتام المسلمين ، ولهم مؤدب يعلمهم القرآن الكريم ، ويجري عليهم في كل يوم لكل منهم من الخبز النقي خمسة أرغفة ، ومبلغًا من الفلوس ، ويقام لكل منهم بكسوتي الشتاء والصيف ، وجعلت على هذه الجهات عدة أوقاف جليلة يصرف منها لأرباب الوظائف المعاليم السنية ( 6 ) .
8 ) دار القرآن الكريم الصابونية : خارج دمشق ، قبلي باب الجابية ، غربي الطريق العظمى ومزار أوس بن أوس الصحابي  ، وبها جامع حسن بمنارة ، تقام فيه الجمعة ... أنشأها الخواجكي أحمد الشهابي القضائي بن علم الدين بن سليمان بن محمد البكري الدمشقي ، المعروف بالصابوني ؛ ابتدأ في عمارتها في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة ، وفرغ منه في سنة ثمان وستين وثمانمائة ؛ وشرط الواقف شروطًا عديدة فما يختص بالوظائف الدينية ؛ وبنى أيضًا تجاه المكان المذكور بشرق مكتبًا للأيتام عشرة بشيخ يقرؤهم القرآن العظيم ؛ ووقف على هذا عدة قرى غربي مدينة بيروت ، تعرف هذه القرى بالصابونية ، ومنها جميع قرية مَديَرَى بالغوطة من المرج الشمالي ، ومنها بقرية ترحيم بالبقاع عدة فدان ونصف فدان ، ومنها بقرية الصويرة أربعة فدادين ، ومنها القرعون في البقاع ربعها ؛ وقد وقف قرى ومرافق عديدة في أماكن مختلفة ( 7 ) .
9 ) دار القرآن الدلامية : بالقرب من الماردانية بالجسر الأبيض بالجانب الشرقي من الشارع الآخذ إليه الصالحية ؛ أنشأها الجناب الخواجكي الرئيس الشهابي أبو العباس أحمد ابن المجلس الخواجكي زين الدين دلامة بن عز الدين نصر الله النصري ، أجل أعيان الخواجكية بالشام ؛ وقفها سنة سبع وأربعين وثمانمائة .. ومن شرط الإمام الراتب أن يتصدَّى شيخًا لإقراء القرآن لستة أنفار من الفقراء الغرباء المهاجرين ... رتب للإمام وللطلاب ، ولكافة القائمين على وظائف تعليم القرآن ، ووظائف المسجد رواتب سخية ( 8 ) .
10 ) دار الحديث الحسنية : وهي تعد من أشهر المؤسسات العلمية بالمغرب في العصر الحديث ؛ ففي عام 1388هـ وقف الحاج إدريس بن الحاج محمد البحراوي قصره الرائع الأنيق على القرآن والحديث ، وقد جاء نص خطابه لدى إعلان الوقفية : إنني أحبس هاته الدار على القرآن والحديث ، ولا أريد أن تكون في المستقبل إلا لهاته الغاية ، ولا تحول إلى أية غاية أخرى ، بحيث تركت الحق للورثة بالرجوع في هذا التحبيس فيما إذا أريد تحويلها عن غايتها ( 9 ) .
وللحديث صلة .

( 1 ) - انظر الكامل : 8 / 106، والبداية والنهاية : 12 / 94 ، وتاريخ الخلفاء ص 388 .
( 2 ) انظر العبر في أخبار من غبر للذهبي : 4 / 263 ، والبداية والنهاية أحداث سنة 572 ، وتاريخ الخلفاء ص 412، والمواعظ والاعتبار للمقريزي : 2 / 363: 366 ، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي : 6 / 79 ، والأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر د. محمد محمد أمين ص 63 .
( 3 ) البداية والنهاية أحداث سنة 572.
( 4 ) البداية والنهاية: 13 / 135.
( 5 ) انظر ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) المعروف بالخطط المقريزية : 4 / 225 ، 226 .
( 6 ) انظر : ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) للمقريزي : 4 / 230 ، 231 .
( 7 ) انظر ( الدارس في أخبار المدارس ) لعبد القادر النعيمي : 1 / 11، 13 .
( 8 ) انظر ( الدارس في أخبار المدارس ) لعبد القادر النعيمي : 1 / 8 .
( 9 ) انظر ( الوقف في الفكر الإسلامي ) لمحمد بن عبد العزيز بن عبد الله : 1 / 358 .

هذا بخلاف الخلاوي والكتاتيب التي تعنى بتعليم الصبيان القرآن الكريم ومبادئ العلوم الشرعية ؛ فقد انتشرت الكتاتيب العامة الموقوفة عبر العصور المختلفة في كل أنحاء العالم الإسلامي .
 
وقف البيمارستانات ( 1 ) ( المستشفيات )
اهتم ولاة المسلمين منذ القرون الأولى للإسلام بالعناية بدور العلاج لفقراء المسلمين ومرضاهم والتي كانت تعرف بالبيمارستانات ؛ وأوَّل من بنى المارستان في الإسلام ودار المرض الوليد بن عبد الملك ، وهو أيضاً أول من عمل دار الضيافة ، وذلك في سنة ثمان وثمانين ، وجعل في المارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق ، وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا ، وأجرى عليهم ، وعلى العميان الأرزاق ( 2 ) .
1 ) مارستان ابن طولون : في سنة إحدى وستين ومائتين بنى أحمد بن طولون المارستان ، ولم يكن قبل ذلك بمصر مارستان ، ولما فرغ منه حبس عليه دار الديوان ودوره في الأساكفة والقيسارية وسوق الرقيق ؛ وشرط في المارستان أن لا يُعالج فيه جنديٌّ ولا مملوك ، وعمل حمَّامين للمارستان ، أحدهما للرجال والآخر للنساء ، حبسهما على المارستان وغيره ؛ وشرط أنه إذا جيء بالعليل تُنزع ثيابه ونفقته وتحفظ عند أمين المارستان ، ثم يلبس ثيابًا ويُفرش له ويُغدى عليه ، ويُراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ ، فإذا أكل فرُّوجًا ورغيفًا أمر بالانصراف وأعطي ماله وثيابه ، وفي سنة اثنتين وستين ومائتين كان ما حبسه على المارستان والعين والمسجد في الجبل الذي يُسمى بتنور فرعون ، وكان الذي أنفق على المارستان ومستغله ستين ألف دينار ( 3 ) .
2 ) في أول يوم من المحرم سنة ست وثلاثمائة فتح المارستان الذي بنته السيدة أم المقتدر ببغداد ؛ ورُتبت فيه الأطباء والخدم والقومة ، وكانت نفقته في كل شهر سبعة آلاف دينار ( 4 ) .
3 ) مارستان كافور ؛ هذا المارستان بناه كافور الإخشيديِّ ، وهو قائم بتدبير دولة الأمير أبي القاسم أنوجور بن محمد الإخشيد بمدينة مصر في سنة ست وأربعين وثلاثمائة .
4 ) وفي سنة 355 هـ ابتدأ معز الدولة بن بويه في بناء مارستان ، وأرصد له أوقافًا جزيلة ( 5 ) .
5 ) وفي سنة 372 هـ وفي يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل بل لليلة خلت من ربيع الآخر: فتح المارستان الذي أنشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام ، ورتب فيه الأطباء والمعالجون والخزان والبوابون والوكلاء والناظرون ، ونقلت إليه الأدوية والأشربة والفرش والآلات ؛ وكان ( بجكم ) قد عمل مارستان فشرع فيه ، فلم يتم ؛ فعمله عضد الدولة وجلب إليه ما يصلح لكل فن ، وعمل بين يديه سوقًا للبزازين ، ووقف عليه وقوفًا كثيرة ( 6 ) .
6 ) مارستان واسط ؛ بناه أبو الفتوح العلوي أمير مكة الحسن بن الحسين أبو علي الرخجي ( ت 430 هـ ) ، وكان قد قيل : إن واسط خالية عن مارستان وهي مصر من الأمصار الكبار ، وتجاورها البطائح وأعمالها ، فاختار موضعًا فجعله مارستانًا وأنفق عليه جملة وافرة وفتح في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، وحملت إليه الأدوية ، ورتب له الخزان والأطباء ، ووقف عليه الوقوف ( 7 ) .
7 ) المارستان الكبير المنصوريِّ : هذا المارستان بناه الملك المنصور قلاون ، وكان الشروع في بنائه أوّل ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة ؛ وكان سبب بنائه أنَّ الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم في أيام الظاهر بيبرس سنة خمس وسبعين وستمائة ، أصابه بدمشق قولنج عظيم ، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من مارستان نور الدين الشهيد فبرأ ، وركب حتى شاهد المارستان فأعجب به ، ونذر إن آتاه الله الملك أن يبني مارستانًا ، فلما تسلطن أخذ في عمل ذلك ؛ ولما نجزت العمارة وقف عليها الملك المنصور من الأملاك بديار مصر وغيرها ما يقارب ألف ألف درهم في كلِّ سنة ، ورتب مصارف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام ، ثم استدعى قدحًا من شراب المارستان وشربه وقال : قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني ، وجعلته وقفًا على الملك والمملوك ، والجنديّ والأمير ، والكبير والصغير ، والحرِّ والعبد ، الذكور والإناث ، ورتب فيه العقاقير والأطباء وسائر ما يُحتاج إليه من به مرض من الأمراض ، وجعل السلطان فيه فرَّاشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى، وقرر لهم المعاليم ، ونصب الأسرَّة للمرضى وفرشها بجميع الفرش المحتاج إليها في المرض ، وأفرد لكل طائفة من المرضى موضعًا ، فجعل أواوين المارستان الأربعة للمرضى بالحميات ونحوها ، وأفرد قاعة للرمدى ، وقاعة للجرحى ، وقاعة لمن به إسهال ، وقاعة للنساء ، ومكانًا للمبرودين ، ينقسم بقسمين قسم للرجال وقسم للنساء ، وجعل الماء يجري في جميع هذه الأماكن ، وأفرد مكاناً لطبخ الطعام والأدوية والأشربة، ومكاناً لتركيب المعاجين والأكحال والشيافات ونحوها، ومواضع يخزن فيها الحواصل، وجعل مكاناً يفرّق فيه الأشربة والأدوية، ومكاناً يجلس فيه رئيس أطباء لإلقاء درس طب، ولم يحص عِدَّة المرضى بل جعله سبيلاً لكل من يرد عليه من غنيٍّ وفقير ، ولا حدَّد مدّة لإقامة المريض به ، بل يرتب منه لمن هو مريض بداره سائر ما يحتاج إليه .. وجعل النظر لنفسه أيام حياته ، ثم من بعده لأولاده ، ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعيِّ ، فضمن وقفه كتابًا تاريخه يوم الثلاثاء ثالث عشري صفر سنة ثمانين وستمائة ..( 8 ) .
8 ) أما في العصر الحديث فقد كان لديوان الأوقاف في مصر عام 1913 م أحد عشر مستوصفا وعيادة طبية ، قامت بعلاج ما يقرب من مليون شخص ؛ كما أقام المحسنون ثلاثين مشروعا طبيًا خلال النصف الأول من القرن العشرين ، واشترطوا الصرف عليها من أوقاف مخصصة لذلك ( 9 ) .

( 1 ) - البيمارستان : لفظ فارسي معرب ، مركب من ( بيمار ) يعني : مريض ، و ( ستان ) يعني : محل ، أي محل المرضى أو دار المرضى ؛ ويقال له اختصارا : ( المارستان ) وهو المستشفى المعد لعلاج كافة المرضى وإقامتهم ؛ لكنه لا يطلق في عرف المحدثين إلا على مستشفى المجانين .
( 2 ) انظر ( المواعظ الاعتبار ) للمقريزي : 2 / 405 .
( 3 ) انظر ( المواعظ الاعتبار ) للمقريزي : 2 / 405 ، وانظر ( الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ) د محمد محمد أمين ص 155.
( 4 ) انظر تاريخ الإسلام للذهبي ، والبداية والنهاية لابن كثير في أحداث سنة 306 .
( 5 ) انظر البداية والنهاية – أحداث سنة 355 هـ .
( 6 ) انظر المنتظم لابن الجوزي ، والبداية والنهاية لابن كثير – أحداث سنة 372 .
( 7 ) انظر المنتظم لابن الجوزي ، والبداية والنهاية لابن كثير – أحداث سنة 430 .
( 8 ) انظر ( المواعظ الاعتبار ) للمقريزي : 2 / 406 .
( 9 ) انظر ( إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية ) لفؤاد عبد الله العمر ، ص 27 – الأمانة العامة للأوقاف – الكويت .
 
وقف المكتبات
قد كان ارتفاع أسعار الكتب لدرجة كان يتعذر على غير الأغنياء اقتناؤها دافعًا للمحسنين ومحبو العلم المقدرين إلى إنشاء المكتبات ووقفها على طلاب العلم ، ووقفوا عليها أموالا كثيرة تقربًا إلى الله تعالى ؛ وقد عرفت المكتبات بعدة أسماء مثل : خزانة الكتب - دور الحكمة – دار العلم – دار الكتب ، وبعضها كان يقام في المدارس والمساجد ، وهي تشبه ما يعرف اليوم بالمكتبات العامة أو المركزية ؛ ومن أمثلة هذه المكتبات :
1 ) دار العلم بالكرخ : وهي مكتبة كبرى أوقفها الوزير أبو نصر أحد وزراء بني بويه المتوفى سنة 416 هـ ؛ وقيل : إنه لم يكن أحسن منها فهرسة وتنظيمًا ( 1 ) .
2 ) مكتبة المدرسة النظامية التي افتتحت في سنة 459 هـ ، وعين لها خزان ومشرفون ، وقد وقف عليها ( نظام الملك ) الأموال لشراء نفائس الكتب في المستقبل من موارد تلك الأوقاف ( 2 ) .
3 ) خزانة مدرسة المستنصرية التي افتتحت سنة 631 هـ ، والتي يقول فيها ابن الفوطي في ( الحوادث الجامعة ) : إن الخليفة المستنصر نقل إليها في يوم واحد من الكتب ما حمله مائة وستون حمالا ، عدا ما نقل إليها فيما بعد من كتب موقوفة أخرى ( 3 ) .
4 ) مكتبة المدرسة البشيرية ، التي أنشأتها زوج الخليفة المستعصم بالله العباسي ، وافتتحت سنة 654 هـ ، ووقفت عليها الكتب والأموال ، وكانت كتبها تعار خارج المدرسة نظير رهن يرد بعد رد الكتاب ، لضمان إعادة الكتاب المستعار ( 4 ) .
ولا يزال أهل الخير والفهم يقفون المكتبات لتيسير الاطلاع على الكتب ؛ ومن ذلك مكتبة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني ، ومكتبة الشيخ عبد الله الأنصاري بقطر ؛ ومكتبة الحاج حامد بالقاهرة .

( 1 ) - انظر ( المنتظم في أخبار الملوك والأمم ) لابن الجوزي : 8 / 22 .
( 2 ) انظر ( الحوادث الجامعة ) لابن الفوطي – تحقيق مصطفى جواد ص 54 - طبع بغداد 1451 هـ .
( 3 ) انظر الحوادث الجامعة لابن الفوطي – تحقيق مصطفى جواد ص 54 .
( 4 ) انظر ( أصالة الحضارة العربية ) لناجي معروف ، ص 461 – دار الثقافة بيروت ط 2 .
 
الوقف على الجهاد
اشتهر هذا من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد فرض الجهاد في العام الثاني من الهجرة ؛ وفي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ رضي الله عنه : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( 1 ) ؛ وفيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " .. وَأَمَّا خَالِدٌ .. قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ( 2 ) .
وفي ( معرفة الصحابة ) لأبي نعيم الأصبهاني عن أبي وائل ، قال : لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال : لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي ؛ وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله ، وأنا متترس بها ، ثم قال : إذا أنا مت ، فانظروا سلاحي وفرسي ، فاجعلوه عدة في سبيل الله .
ولا يزال أهل الخير من أمة الإسلام عبر التاريخ يبنون المرابط ويقفون الأموال والسلاح في الجهاد في سبيل الله تعالى ؛ وقُررت الأوقاف للصرف على القلاع والأبراج والمنشئات العسكرية وتوفير السلاح وفكاك الأسارى .
وقد اشتهر عبر تاريخ المسلمين الوقف على الربُط ( جمع رباط ) ، وهو اسم للمكان الذي يلزمه الجند لحراسة الثغور من الأعداء ، فهو مصطلح على نوع من الثكنات العسكرية التي يرابط فيها المجاهدون لحراسة حدود ديار المسلمين من غارات العدو – خاصة النصارى البيزنطيين – على طول سواحل البحر المتوسط الشرقية ( الشام وفلسطين ) ، والغربية ( مصر والمغرب العربي ) .

( 1 ) - البخاري ( 2853 ) ، ومسلم ( 987 ) .
( 2 ) البخاري ( 1468 ) ، ومسلم ( 983 ) .
 
نماذج أخرى من الوقف
لا يقتصر الوقف على جهة معينة من أبواب الخير ، بل شمل جهات عديدة تقوم عليها أمور الحياة ، ولعل ما ذكرناه من نماذج استوعب جوانب متعددة ؛ وهذه نماذج أخرى للوقف في جهات غير التي ذكرناها .
1 ) عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبد المطلب وبني هاشم ( 1 ) .
2 ) وفي سنن البيهقي الكبرى أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب ، وأن عليًّا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم ( 2 ) .
3 ) وبوب البخاري في صحيحه ( بَاب إِذَا وَقَفَ أَرْضًا أَوْ بِئْرًا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ ) ، وَأَوْقَفَ أَنَسٌ دَارًا فَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا نَزَلَهَا ؛ وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدُورِهِ وَقَالَ : لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ ، غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا ، فَإِنْ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ ( 3 ) ؛ وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ ( 4 ) .
4 ) في الرابع والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ست وستمائة وقف الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمهما الله تعالى - على المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ، ذكورهم وإناثهم ، كبيرهم وصغيرهم ، فاضلهم ومفضولهم ، جميع الحارة المعروفة المسماة بحارة المغاربة الكائنة بمدينة القدس الشريف ، ليسكنوا فيها في مساكنها وينتفعوا بمرافقها ( 5 ) .
5 ) وفي يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة عشرين وسبعمائة ، وقف شعيب بن محمد بن شعيب المعروف بأبي مدين زاوية في الحي المغربي قرب باب السلسلة أحد أبواب الحرم الشريف وجعل أرض قرية ( عين كارم ) التي يمتلكها والمجاورة للقدس وقفًا على هذه الزاوية وعلى المغاربة في القدس والقادمين إليها من المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ، لا ينازعهم فيه منازع ، ولا يشاركهم فيه مشارك ، ينتفعون بذلك ، فإذا انقرضت المغاربة ولم يوجد منهم أحد مقيمًا بالقدس الشريف فيرجع وقفًا على من يوجد من المغاربة في مكة المشرفة ، وعلى من يوجد منهم بالمدينة المنورة ، فإذا لم يوجد منهم أحد بالحرمين الشريفين ، فيرجع وقفًا على الحرمين الشريفين ( 6 ) .
وبعـد :
فهذه نماذج اخترتها من كثير من الأوقاف عبر التاريخ ، آثرت أن تكون متنوعة في مقاصدها مختلفة في أماكنها ، متباينة في أشخاص واقفيها ، لتعم الفائدة ؛ وما كان قصدي أن أتتبع الأوقاف عبر التاريخ فإن ذلك يحتاج إلى مجلدات ؛ وإنما هي نماذج تدل على خيرية أهلها وتحفز أهل الخير إلى الخير والله من وراء القصد .
وقد كانت الأوقاف تتجاوز كل ما ذكر إلى تزويج الأيامى واليتيمات ، والعناية بالمسنين ، وتخصيص مرتبات شهرية للشيوخ والعجزة ، ورعاية اليتامى والأرامل والمطلقات ، وتعبيد الطرق وإنارتها ليلا ، وبناء القناطر والحمامات العمومية ، وبناء بيوت لابن السبيل على طرق المسافرين ؛ إضافة إلى الأوقاف المتصلة بتأدية فريضة الحج ، وبرعاية الحرمين الشريفين .
هذا ، والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه .

( 1 ) - السنن الكبرى للبيهقي : 6 / 160 .
( 2 ) السنن الكبرى للبيهقي : 6 / 161 .
( 3 ) حديث تصدق الزبير وصله الدارمي ( 3300 ) عن عروة ، ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن : 6 / 161 ، والمردودة المطلقة .
( 4 ) انظر البخاري مع الفتح : 5 / 407 .
( 5 ) من كتاب الأوقاف الإسلامية بجوار المسجد الأقصى للدكتور عبد اللطيف الطيباوي ملحق رقم 2 ص 110: 112.
( 6 ) كتاب الأوقاف الإسلامية بجوار المسجد الأقصى للدكتور عبد اللطيف الطيباوي - ملحق رقم (1) ص 104: 109.
 
عودة
أعلى