أحمد البريدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,318
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
القرآنُ الكريم مَوعظةٌ كما سَمّاهُ الله تعالى بِقَوْلِهِ :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}(يونس:57) ، قالَ الشوكانيُّ رحمه الله في تفسير هذه الآيةِ :"{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } يَعْنِي القرآن فيهِ ما يتَّعِظُ به مَن قرأهُ وعَرَفَ مَعناهُ ، والوَعْظُ في الأصلِ : هو التذكير بالعواقبِ سواء بالترغيبِ أو الترهيب، والواعظُ هو كالطبيبِ يَنهَى المريضَ عَمَّا يَضُرُّه ".( )
ولقد اهْتمَّ الشيخُ رحمه الله بهذا الجانبِ ، فتجـدهُ يُذَكِّرُ بالقرآنِ ويَعِـظُ بآياتهِ ، وسأذكرُ مِن الأمثلةِ ما يَدُلُّ على ذلك .
عند تفسيره لقوله تعالى :{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة: من الآية66)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ المواعظَ قِسمَان : كَوْنِيَّةٌ ، وشَرْعِيَّةٌ ؛ فالموعظةُ هنا كَونِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ ؛ لأنّ الله أحلَّ بهم العقوبةَ التي تكونُ نكالاً لما بينَ يديها ، وما خلفها ، وموعظةً للمتقينَ ؛ وأمّا الشرعيةُ فمثلُ قولهِ تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ }(يونس:من الآية57) ؛ والمواعظُ الكونيةُ أشَدُّ تأثيراً لأصحابِ القلوبِ القاسيةِ ؛ أما المواعظُ الشرعيةُ فَهِيَ أعظمُ تأثيراً في قلوبِ العارفينَ بالله الليِّنةِ قلوبهم ؛ لأنّ انتفاعَ المؤمنِ بالشرائعِ أعظمُ مِن انتفاعهِ بالمقْدُورَات .
ومن فوائدِ الآيتين : أنّ الذينَ ينتفعونَ بالمواعظِ هم المتقونَ ؛ وأمّا غير المتَّقِي فإنّه لا ينتفعُ لا بالمواعظِ الكونيةِ ، ولا بالمواعظِ الشرعيةِ ؛قد ينتفعُ بالمواعظِ الكونيةِ اضطرارًا ، وإكراهًا ؛ وقد لا ينتفع ؛ وقد يقولُ : هذهِ الأشياءُ ظَواهِرُ كونيةٌ طبيعيةٌ عاديةٌ ، كما قالَ تعـالى : {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}(الطور:44) ؛ وقد ينتفعُ ، ويَرجِعُ إلى الله تعالى ، كما قالَ تعالى : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:65) ، وقالَ تعالى :{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان:32) .
ومِن فوائدِ الآيتين : أنّ مِن فوائدِ التقوى - وما أكثر فوائدها - أنّ المتَّقِي يَتَّعِظُ بآياتِ الله الكونيّةِ والشرعيّة ".( )
فَبَيَّنَ فِيمَا سبقَ أقسامَ الموعظةِ ومَن ينتفعُ بها ، وأنّ الاتّعاظَ مِن ثمارِ التقوى .
وفي مَوضعٍ آخرَ بيّنَ أنّه ينبغي للواعظِ أنْ يجمعَ في وَعْظِهِ بينَ الترغيبِ والترهيب مُتَّبِعًا في ذلكَ طريقةَ القرآن .
فعند تفسيره لقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ}(الزمر:من الآية23)
قال :" المثاني :أن يُقْرَنَ المعنى وما يُقابله ، فتأمّل الآياتِ الكريمةِ تجد أنّه إذا ذُكرت النار ذُكرت بعدها الجنّة ، وإذا ذُكر أهل النارِ ذُكر بعدهم أهل الجنّةِ ؛ وهكذا ، وذلكَ مِن أجْلِ أنْ لا يَمَلَّ السامعُ مِن مَوضوعٍ واحـد ، ومِن أجْلِ أن ينتقلَ مِن تخويفٍ إلى ترغيب فينشطَ لفعلِ الواجباتِ ويحذرَ مِن فعلِ المحرّماتِ ، وهذا مِن أساليبِ البلاغةِ التَّامَّةِ ".( )
وذكرَ مِـن فوائـدِ الآيةِ :" أنّ القرآنَ قد بَلَغَ الغايةَ في البلاغةِ لِكَوْنِهِ يأتي مَثانِيَ ، ويتفرّعُ على هذه الفائدةِ أنّه ينبغي لِمَنْ تكلّمَ في مَوعظةِ الناسِ أنْ لا يأتي بالترغيبِ المُطْلَقِ ولا بالترهيبِ المُطْلَقِ ، وذلكَ لأنّه إذا أَتَى بالترغيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على الرَّجَاءِ فَتَهاونُوا ، وإذا أَتَى بالترهيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على اليَأْسِ فقنطوا مِن رحمةِ الله .
ومِن فوائد الآيةِ : أنّ المؤمنَ يتأثَّرُ بالقرآنِ ويقْشعرُّ مِنه جلدهُ ويخاف ، ثم بعد ذلكَ ترجعُ إليه الطمأنينةُ ولِينُ القلبِ ، ويتفرّعُ على هذه الفائدة أنّكَ إذا رأيتَ نفسكَ على غير هذه الحال فَاعْلَمْ أنّ إيمانكَ ضعيف ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(البقرة:من الآية203)
ذكرَ مِن فوائدها :" قَرْنُ المواعظِ بالتخويف ؛ لقوله تعالى :{ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}؛ لأنّ الإنسانَ إذا عَلِمَ أنّه سَيُحْشَرُ إلى الله ، وأنّه سَيُجَازِيِهِ فإنّه سوفَ يَتَّقِي الله ، ويقومَ بما أوجبَ الله ، ويتركَ ما نَهَى الله عنهُ ؛وبهذا عَرفْنَا الحكمةَ مِن كَوْنِ الله يَقْرِنُ الإيمانَ باليومِ الآخرِ في كثيرٍ مِن الآياتِ بالإيمانِ بالله دونَ بقيةِ الأركانِ التي يُؤْمَن بها ؛ وذلكَ لأنّ الإيمانَ باليومِ الآخرِ يَستَلزِمُ العملَ لذلكَ اليومِ ؛ وهو القيامُ بطاعـةِ الله ورَسُولهِ ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}(يّـس: من الآية11)
قال :" وقوله :{ بِالْغَيْبِ}قالَ المؤلِّفُ_ يعني جلال الدين المحلي _ ( ):" وَلَمْ يَرَهُ " كأنّهُ يُفسِّرُ أنّ المرادَ بالغيبِ: أنّهُ يَخشَى اللهَ مع غَيْبَةِ الله عنهُ ،فيكونُ " بالغَيْب " حَالاً مِن المخْشِي ، يعني يَخشَى اللهَ واللهُ غائبٌ عنه ، هذا أحدُ الوجهين ِفي الايةِ .
الوجه الثاني : يَخشَى اللهَ بالغيبِ ،أيْ يَخشَى اللهَ في حالِ الغَيْبَةِ عن الناسِ ، يخشى اللهَ في قلبهِ في عملٍ غائبٍ لا يغفل ، فيكونُ " بالغيب " حالاً مِن الخاشي ، يعني أنّ هذا الإنسانَ الذي أنذرته وانتفعَ بإنْذاركَ هو الذي اتّبعَ الذِّكْرَ وخشي الله بالغيبِ حالَ كَونهِ غائبًا عن الناسِ ، خشيَ اللهَ بالغيبِ أيْ بالعملِ الغائبِ ، وهذه هي الخشيةُ الحقيقيّةُ ؛ لأنّ خشيةَ الله تعالى في العلانيةِ قد يكونُ سببها مُراءاةُ الناسِ ، ويكون في هذه الخشيةِ شيءٌ مِن الشركِ ؛ لأنّه يُرائي بها ، ولكن إذا كانَ يخشى الله في مكانٍ لا يَطَّلِعُ عليه إلاّ الله فهذا هو الخاشي حقيقةً ، وكم مِن إنسانٍ عند الناسِ لا يفعلُ المعاصي ولكن فيما بينه وبينَ نفسهِ يتهاونُ بها ، فهذا خَشِيَ الناسَ في الحقيقةِ ولم يَخْشَ الله ؛ لأنّ الذي يخشى الله لا بُدَّ أنْ يقومَ بقلبهِ تعظيمُ الله سواء بِحَضْرَةِ الناسِ ، أو بِغَيْبَةِ الناس ، أيضًا يخشى الله بالغيبِ أيْ بما غابَ عن الأبصارِ نظرًا ، وعن الأذن سمعًا ، وهو خشية ُالقلبِ ، وخشيةُ القلبِ أعظمُ مُلاحظةً مِن خشيةِ الجوارحِ؛ إذْ خشيةُ الجوارحِ بإمكانِ كُلِّ إنسانٍ أنْ يقومَ بها حتّى في بيتهِ، فَكُلُّ إنسانٍ يستطيع ُأنْ يُصلِّي ولا يتحرّك ، ينظرُ إلى مَوضعِ سجودهِ ، يرفعُ يديهِ في مَوضعِ الرفعِ ، يعني يستقيمُ استقامةً تامّةً في ظاهر الصلاةِ ، لكنّ القلبَ غافلٌ ؛ أمّا خشيةُ القلبِ فهي الأصلُ ،وهي التي يجبُ أنْ يُراقبها الإنسانُ ويحرصَ عليها حِرصًا تامًّا ، وهذا معنى قوله تعالى : { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً} (الكهف:100) قالَ :" {وَعَرَضْنَا }أيْ عَرَضْناها لهم فتكونُ أَمَامَهُمْ - اللّهم أَجِرْنَا مِنها -.
{ جَهَنَّمَ }اسمٌ مِن أسماءِ النار .
{ عَرْضاً}يعني عَرْضًا عَظِيمًا ، ولذلكَ نُكِّرَ ، يعني : عَرْضًا عَظِيمًا تتساقطُ مِنه القلوبُ ، ومِن الحكمِ في إخبارِ الله بذلكَ أنْ يُصلحَ الإنسانُ ما بينهُ وبينَ اللهِ ، وأنْ يَخاف مِن هذا اليومِ ، وأنْ يستعدَّ لهُ ، وأنْ يُصوِّرَ نَفسهُ وكأنّه تَحْتَ قَدَمَيْهِ .
هذه نماذج مختصرة , القصد منها الإشارة , اسأل الله أن ينفعنا بالقرآن .
ولقد اهْتمَّ الشيخُ رحمه الله بهذا الجانبِ ، فتجـدهُ يُذَكِّرُ بالقرآنِ ويَعِـظُ بآياتهِ ، وسأذكرُ مِن الأمثلةِ ما يَدُلُّ على ذلك .
عند تفسيره لقوله تعالى :{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة: من الآية66)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ المواعظَ قِسمَان : كَوْنِيَّةٌ ، وشَرْعِيَّةٌ ؛ فالموعظةُ هنا كَونِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ ؛ لأنّ الله أحلَّ بهم العقوبةَ التي تكونُ نكالاً لما بينَ يديها ، وما خلفها ، وموعظةً للمتقينَ ؛ وأمّا الشرعيةُ فمثلُ قولهِ تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ }(يونس:من الآية57) ؛ والمواعظُ الكونيةُ أشَدُّ تأثيراً لأصحابِ القلوبِ القاسيةِ ؛ أما المواعظُ الشرعيةُ فَهِيَ أعظمُ تأثيراً في قلوبِ العارفينَ بالله الليِّنةِ قلوبهم ؛ لأنّ انتفاعَ المؤمنِ بالشرائعِ أعظمُ مِن انتفاعهِ بالمقْدُورَات .
ومن فوائدِ الآيتين : أنّ الذينَ ينتفعونَ بالمواعظِ هم المتقونَ ؛ وأمّا غير المتَّقِي فإنّه لا ينتفعُ لا بالمواعظِ الكونيةِ ، ولا بالمواعظِ الشرعيةِ ؛قد ينتفعُ بالمواعظِ الكونيةِ اضطرارًا ، وإكراهًا ؛ وقد لا ينتفع ؛ وقد يقولُ : هذهِ الأشياءُ ظَواهِرُ كونيةٌ طبيعيةٌ عاديةٌ ، كما قالَ تعـالى : {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}(الطور:44) ؛ وقد ينتفعُ ، ويَرجِعُ إلى الله تعالى ، كما قالَ تعالى : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:65) ، وقالَ تعالى :{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان:32) .
ومِن فوائدِ الآيتين : أنّ مِن فوائدِ التقوى - وما أكثر فوائدها - أنّ المتَّقِي يَتَّعِظُ بآياتِ الله الكونيّةِ والشرعيّة ".( )
فَبَيَّنَ فِيمَا سبقَ أقسامَ الموعظةِ ومَن ينتفعُ بها ، وأنّ الاتّعاظَ مِن ثمارِ التقوى .
وفي مَوضعٍ آخرَ بيّنَ أنّه ينبغي للواعظِ أنْ يجمعَ في وَعْظِهِ بينَ الترغيبِ والترهيب مُتَّبِعًا في ذلكَ طريقةَ القرآن .
فعند تفسيره لقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ}(الزمر:من الآية23)
قال :" المثاني :أن يُقْرَنَ المعنى وما يُقابله ، فتأمّل الآياتِ الكريمةِ تجد أنّه إذا ذُكرت النار ذُكرت بعدها الجنّة ، وإذا ذُكر أهل النارِ ذُكر بعدهم أهل الجنّةِ ؛ وهكذا ، وذلكَ مِن أجْلِ أنْ لا يَمَلَّ السامعُ مِن مَوضوعٍ واحـد ، ومِن أجْلِ أن ينتقلَ مِن تخويفٍ إلى ترغيب فينشطَ لفعلِ الواجباتِ ويحذرَ مِن فعلِ المحرّماتِ ، وهذا مِن أساليبِ البلاغةِ التَّامَّةِ ".( )
وذكرَ مِـن فوائـدِ الآيةِ :" أنّ القرآنَ قد بَلَغَ الغايةَ في البلاغةِ لِكَوْنِهِ يأتي مَثانِيَ ، ويتفرّعُ على هذه الفائدةِ أنّه ينبغي لِمَنْ تكلّمَ في مَوعظةِ الناسِ أنْ لا يأتي بالترغيبِ المُطْلَقِ ولا بالترهيبِ المُطْلَقِ ، وذلكَ لأنّه إذا أَتَى بالترغيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على الرَّجَاءِ فَتَهاونُوا ، وإذا أَتَى بالترهيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على اليَأْسِ فقنطوا مِن رحمةِ الله .
ومِن فوائد الآيةِ : أنّ المؤمنَ يتأثَّرُ بالقرآنِ ويقْشعرُّ مِنه جلدهُ ويخاف ، ثم بعد ذلكَ ترجعُ إليه الطمأنينةُ ولِينُ القلبِ ، ويتفرّعُ على هذه الفائدة أنّكَ إذا رأيتَ نفسكَ على غير هذه الحال فَاعْلَمْ أنّ إيمانكَ ضعيف ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(البقرة:من الآية203)
ذكرَ مِن فوائدها :" قَرْنُ المواعظِ بالتخويف ؛ لقوله تعالى :{ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}؛ لأنّ الإنسانَ إذا عَلِمَ أنّه سَيُحْشَرُ إلى الله ، وأنّه سَيُجَازِيِهِ فإنّه سوفَ يَتَّقِي الله ، ويقومَ بما أوجبَ الله ، ويتركَ ما نَهَى الله عنهُ ؛وبهذا عَرفْنَا الحكمةَ مِن كَوْنِ الله يَقْرِنُ الإيمانَ باليومِ الآخرِ في كثيرٍ مِن الآياتِ بالإيمانِ بالله دونَ بقيةِ الأركانِ التي يُؤْمَن بها ؛ وذلكَ لأنّ الإيمانَ باليومِ الآخرِ يَستَلزِمُ العملَ لذلكَ اليومِ ؛ وهو القيامُ بطاعـةِ الله ورَسُولهِ ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}(يّـس: من الآية11)
قال :" وقوله :{ بِالْغَيْبِ}قالَ المؤلِّفُ_ يعني جلال الدين المحلي _ ( ):" وَلَمْ يَرَهُ " كأنّهُ يُفسِّرُ أنّ المرادَ بالغيبِ: أنّهُ يَخشَى اللهَ مع غَيْبَةِ الله عنهُ ،فيكونُ " بالغَيْب " حَالاً مِن المخْشِي ، يعني يَخشَى اللهَ واللهُ غائبٌ عنه ، هذا أحدُ الوجهين ِفي الايةِ .
الوجه الثاني : يَخشَى اللهَ بالغيبِ ،أيْ يَخشَى اللهَ في حالِ الغَيْبَةِ عن الناسِ ، يخشى اللهَ في قلبهِ في عملٍ غائبٍ لا يغفل ، فيكونُ " بالغيب " حالاً مِن الخاشي ، يعني أنّ هذا الإنسانَ الذي أنذرته وانتفعَ بإنْذاركَ هو الذي اتّبعَ الذِّكْرَ وخشي الله بالغيبِ حالَ كَونهِ غائبًا عن الناسِ ، خشيَ اللهَ بالغيبِ أيْ بالعملِ الغائبِ ، وهذه هي الخشيةُ الحقيقيّةُ ؛ لأنّ خشيةَ الله تعالى في العلانيةِ قد يكونُ سببها مُراءاةُ الناسِ ، ويكون في هذه الخشيةِ شيءٌ مِن الشركِ ؛ لأنّه يُرائي بها ، ولكن إذا كانَ يخشى الله في مكانٍ لا يَطَّلِعُ عليه إلاّ الله فهذا هو الخاشي حقيقةً ، وكم مِن إنسانٍ عند الناسِ لا يفعلُ المعاصي ولكن فيما بينه وبينَ نفسهِ يتهاونُ بها ، فهذا خَشِيَ الناسَ في الحقيقةِ ولم يَخْشَ الله ؛ لأنّ الذي يخشى الله لا بُدَّ أنْ يقومَ بقلبهِ تعظيمُ الله سواء بِحَضْرَةِ الناسِ ، أو بِغَيْبَةِ الناس ، أيضًا يخشى الله بالغيبِ أيْ بما غابَ عن الأبصارِ نظرًا ، وعن الأذن سمعًا ، وهو خشية ُالقلبِ ، وخشيةُ القلبِ أعظمُ مُلاحظةً مِن خشيةِ الجوارحِ؛ إذْ خشيةُ الجوارحِ بإمكانِ كُلِّ إنسانٍ أنْ يقومَ بها حتّى في بيتهِ، فَكُلُّ إنسانٍ يستطيع ُأنْ يُصلِّي ولا يتحرّك ، ينظرُ إلى مَوضعِ سجودهِ ، يرفعُ يديهِ في مَوضعِ الرفعِ ، يعني يستقيمُ استقامةً تامّةً في ظاهر الصلاةِ ، لكنّ القلبَ غافلٌ ؛ أمّا خشيةُ القلبِ فهي الأصلُ ،وهي التي يجبُ أنْ يُراقبها الإنسانُ ويحرصَ عليها حِرصًا تامًّا ، وهذا معنى قوله تعالى : { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً} (الكهف:100) قالَ :" {وَعَرَضْنَا }أيْ عَرَضْناها لهم فتكونُ أَمَامَهُمْ - اللّهم أَجِرْنَا مِنها -.
{ جَهَنَّمَ }اسمٌ مِن أسماءِ النار .
{ عَرْضاً}يعني عَرْضًا عَظِيمًا ، ولذلكَ نُكِّرَ ، يعني : عَرْضًا عَظِيمًا تتساقطُ مِنه القلوبُ ، ومِن الحكمِ في إخبارِ الله بذلكَ أنْ يُصلحَ الإنسانُ ما بينهُ وبينَ اللهِ ، وأنْ يَخاف مِن هذا اليومِ ، وأنْ يستعدَّ لهُ ، وأنْ يُصوِّرَ نَفسهُ وكأنّه تَحْتَ قَدَمَيْهِ .
هذه نماذج مختصرة , القصد منها الإشارة , اسأل الله أن ينفعنا بالقرآن .