الوجوه، والنظائر، والتصاريف؛ في القرآن " موضوع متجدد".

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: (5)]

*قوله ( لِذِي حِجْرٍ: ):* أي لذي عقل.
والحجر ها هنا العقل؛ وسمي الحجر عقلا: لأنه يمنع صاحبه من فعل ما يشينه؛ في الدين أو الدنيا، وما فيه عطبه في العاجل أو الآجل.

*(استطراد):*

ومنه المحجور عليه: أي الممنوع من التصرف في ماله؛ لردة عن الدين، أوسفه، أوجنون، أو إنفاق المال في مرض مخوف ليمنع ورثته، والوصية بأكثر من الثلث، وإتلاف المال على خلاف ما يقتضيه العقل والشرع، أو يكون له غرماء وعليه من الحقوق أكثر من الذي معه (المفلس). وهو هو مبين عند أرباب الفقه.

قال برهان الدين في المبدع في شرح المقنع: منع خاص أي: منع الإنسان من التصرف في ماله.

انتهى

فقوله ( لِذِي حِجْرٍ ): أي لذي عقل.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والأخفش في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان.

إلا أن أبا حيان، ونجم الدين: قالا: " عقل ". دون زيادة " لذي ".

زاد أبو عبيدة، والزجاج: ولبّ.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وتصور من الحجر معنى المنع لما يحصل فيه، فقيل للعقل حجر، لكون الإنسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه، وقال تعالى: هل في ذلك قسم لذي حجر.

قال الفراء في معانيه: والعرب تقول: إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها، كأنه أخذ من قولك: حجرت على الرجل.

قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي الحجر في التنزيل على عدة معان:

*منها: العقل: كما سلف.*

*ومنها: الحرام بمعناه التعبدي:*

كما في قوله تعالى ( وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ ): " حِجْرٌ ": أي حرام.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز، وابن أبي زمنين، والسيوطي في الاتقان، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: حراما لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم من الرجال دون النساء، وهو مالك بن عوف كان يفتيهم بالحل والحرمة.
انتهى

*ويأتي بمعنى: المنع. ( مطلق المنع):*

وقوله ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ): أي جعل بينهما حاجزا؛ مانعا ممنوعا أن يبغي أحدهما على الآخر.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي مانعا.

قال الفراء في معاني القرآن: أي حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أي حرم على العذب أن يملح، وحرم على المالح أن يعذب، وحرم على كل واحد منهما أن يختلط بصاحبه، وأن يغير كل واحد منهما طعم صاحبه.

وقال الثعلبي في الكشف والبيان: سترا ممنوعا يمنعهما ف لا يبغيان ولا يفسد الملح العذب.
انتهى كلامه.

قلت (عبدالرحيم): وإن شئت قلت: مانعا ممنوعا، أو حراما محرما؛ أن يبغي أحدهما على الآخر؛ لأن الحجر معناه: الحرام، والحرام المنع؛ كما تبين لك.

ولقوله تعالى (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ): قال الزركشي في علوم القرآن: ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم لكفرهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة.

وكما في قوله: ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ): قال الزجاج في معانيه: يعني أن الأرض المقدسة محرَّمٌ عليهم دخولُها أيهم ممنوعون من ذلك.

قال النحاس في معاني القرآن: أي هم ممنوعون من دخولها، ويروى أنه حرم عليهم دخولها أبدا.

انتهى.

ومنه قوله تعالى ( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ): " حِجْرًا مَحْجُورًا ": حراما محرما عليكم دخول الجنة.
أي: تقول الملائكة للكفار أنتم ممنوعون من الجنة، وهي ممنوعة عنكم؛ على القول بأن الخطاب من الملائكة للكفار.

ونظيرتها قوله تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ): حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ": أي منعه من دخولها.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والسيوطي في تفسير الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج، وغيرهم.

زاد البقاعي: منعا عظيما متحتما.

وزاد الخطيب: منعا متحتما فإنها دار الموحدين.

انتهى

فالحاصل أن معنى قوله تعالى «وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً»: أي حراما محرّما.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو عبيدة في المجاز، والفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

زاد الزجاج: أن يكون لهم البشرى. وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه أي: ما منعت من أن يوصل إليه، وكل ما منعت منه فقد حجرت عليه، وكذلك حجر القضاة على الأيتام إنما هو منع إياهم عن التصرف في أموالهم. وكذلك الحُجرة التي ينزلها الناس هو ما حوطوا عليه.
انتهى كلامه

*(استطراد) :*

ومن أحسن ما أنت قارئ قولا - أحسب - في قوله تعالى ( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ): [الفرقان: ٢٢]
ما قاله بيان الحق النيسابوري الغزنوي، وهو قول جماعة من المتقديمن؛ حيث قال في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن:
كان الرجل في الجاهلية، يلقى رجلا يخافه في أشهر الحرم، فيقول: "حجرا محجورا"، أي: حراما محرما عليك قتلي في هذا الشهر، فلا ينداه (1) بشر. فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب، فقالوا: حجرا محجورا، وظنوا أن ذلك ينفعهم، كما نفعهم في الدنيا.
انتهى.

وكذا يطلق الحجر في القرآن على ديار ثمود؛ كما في قوله ( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ).

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وسيأتي مزيد بحث؛ عند تعرضنا لمعاني وغريب سورة الفرقان ( إن شاء الله ).
...............

(1): النَّدْهُ: الدَّفْعُ. والنَّدْه: زجْر الإبل أيضاً نَدَه ينْدَه.
كذا ورد في كتاب الجيم لأبي عمرو إسحاق بن مرّار الشيباني بالولاء.
وقال عبدالكريم بن إبراهيم الغرباوي في تحقيقه كتاب غريب الحديث للخطابي: " وفي الوسيط" ندى" ولا ينداه بمكروه أي :لا يصيبه به.
.............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
لمتابعة قناتنا على تليجرام:
معاني وغريب القرآن.
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} الكهف: (76)

*قوله {مِنْ لَدُنِّي}:* من عندي.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، وبه قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم لتنزيل: أي قد أعذرت إلي فأنت معذور عندي.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( مِنْ لَدُنِّي ): يعني من عندي.
ونظيره في التنزيل كثير؛ من ذلك قوله تعالى {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ}: أي لو أردنا أن نتخذ زوجة لاتخذنا من عندنا لا من عندكم؛ واللهو: المرأة بلغة أهل اليمن فيما حكاه أبو بكر السجستاني في غريب القرآن. وسيأتي بيانه مفصلا (إن شاء الله).

فالحاصل أن معنى قوله (مِنْ لَدُنَّا ): أي من عندنا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيرهم جمع.

زاد ابن قتيبة: لا عندكم.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: لو أردنا أن نتخذ زوجة وولدا لاتخذنا ذلكمنعندنا، ولكنا لا نفعل ذلك، ولا يصلح لنا فعله ولا ينبغي، لأنه لا ينبغي أن يكون لله ولد ولا صاحبة.
انتهى كلامه.

ومنه قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}: ويؤت من لدنه: أي من عنده.

قاله أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن جزي الغرناطي.

زاد أبو حيان: على سبيل التفضل.

وزاد ابن جزي: تفضلا وزيادة على ثواب العمل.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ويعطه من عنده أجرا عظيما.

ومنه {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}: مِنْ لَدُنْكَ: يعني من عندك.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وغيرهما.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي اجعل نصرتي من عندك بتسليطي بالقدرة والحجة.

ومنه {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}: مِنْ لَدُنْ: من عنده.
قاله مكي بن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن.
وكذا القول في نظيرتها {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}.

ومنه {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا}: مِنْ لَدُنَّا: أي من عندنا.
قاله ابن كثير في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل.

ومنه {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا}: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا: رحمة من عندنا.
قاله الطبري، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، ورواه عبدالرزاق في تفسيره عن قتادة، وحكاه عنه نافع ابن الأزرق في مسائله عن ابن عباس، وغيرهم جمع.

قال ابن أبي زمنين: أعطيناه رحمة من عندنا.

ومنه {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا}: مِنْ لَدُنَّا: أي: عندنا.
قاله ابن كثير في تفسيره، وغيره.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: قد أعطيناك من عندنا تبيانا يعنى القرآن.
وهو قول النسفي في مدارك التنزيل.

قال الطبري: وقد آتيناك يا محمد من عندنا ذكرا...

ومنه {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}: قال الطبري في تفسيره: يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا، يعني: من عندنا.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي رزقا لهم من عندنا.
................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} سورة طه (71)

*قوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}:* معناه ولأصلبنكم على جذوع النخل؛ لأن {في} في هذا المقام بمعنى: على.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، ويحيى بن سلام في التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والزجاج في معاني القرآن: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ }: على جذوع النخل.

وقال السيوطي في اتقانه: عليها.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}: فِي السَّمَاءِ: أي على السماء؛ لأن الله على السماء على العرش استوى، ليست السماء تظله أو تقله؛ كما نطق به الكتاب، وصحت به السنة. وقد سبق بيانه بحمد الله.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: ظاهر النظم القرآني يقتضي أن الباري تعالى فوقالسماء" وفي " بمعنى على والمعنى من ثبت واستقر
في السماءأي على العالي وهو العرش.
انتهى كلامه.

ومنه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}: يعني على ما أنفق عليها.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف.

ومنه { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}: فِي مَسَاكِنِهِمْ: أي على مساكنهم؛ لأن " في " بمعنى على.

والمعنى: يمرون على منازل من أهلكهم الله؛ لا أن يمشوا داخل المنازل. فقد كانت قريش أثناء سفرها تمر على هذه الديار التي أهلك الله أصحابها؛ فكيف لا تتعظ من حالهم إن أصروا على كفرهم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يمرون على قراهم يعني قوم لوط، وصالح وهود، عليهم فيرون هلاكهم.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني يمرون على مساكنهم، يعني قراهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني يمرون على منازلهم.
...............
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}: سورة محمد: (13).

*قوله {وَكَأَيِّنْ}:* كلمة مركبةمنالكاف وأي بمعنى كم الخبرية ومحلها الرفع بالابتداء.
قاله أبو السعود في تفسيره.

فمعنى قوله {وَكَأَيِّنْ}: وكم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، والخطيب الشربيني في السراج، والجلال المحلي في الجلالين، وبه قال النسفي في مدارك التنزيل، والفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وغيرهم جمع.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وكأين}: يعني: وكم. ومنه قوله تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}: {وكأين من نبي}: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي: وكم من نبي.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: تفسيرها " كم من نبي ".

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: " وَكَأَيِّنْ " معناه: كم، وهي «أي» دخلته كاف الجر فحدث لها بعده معنى «كم».

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: قال الواحدي رحمه الله: أجمعوا على أن معنى «كأين» كم، وتأويلها التكثير لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم.

ومنه {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}: وَكَأَيِّنْ: أي كم من دابة لا تحمل رزقا لغد يرزقها الله من حيث لا تحتسب وإياكم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: ومعنى (وكأين): وكم من دابة. وقوله: (لا تحمل رزقها).أي لا تدخر رزقها، إنما تصبح فيرزقها الله.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي كم من دابة {لا تحمل رزقها} لا ترفع شيئا لغد.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: مجازه: وكم من دابة، ومجاز الدابة: أن كل شيء يحتاج إلى الأكل والشرب فهو دابة من إنس أو غيرهم.

ومنه {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}: قال الزركشي في علوم القرآن: كأين بمعنى كم للتكثير لأنها كناية عن العدد.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي كم من قرية.

قال النحاس في إعراب القرآن: والمعنى: وكم من أهل قرية عتوا عن أمر ربهم.

ومنه {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}: "وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ": قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: كم من دليل وعلامة.

وقال غلام ثعلب في الياقوتة: {وكأين من آية} معناه: وكم من آية.

قال النحاس في معاني القرآن: أي فكم من آية في رفع السموات بغير عمد ومجاري الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض من نخلها وزرعها أي يعلمونها.

ومنه {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}: وَكَأَيِّنْ: قال الواحدي في الوسيط، والألوسي في روح المعاني، وغيرهما: أي كم.

زاد الألوسي: منسكنة.

زادالواحدي: منقرية.

انتهى

*قوله {منقرية}:* يعني: أهلقرية.
قال السمرقندي في بحر العلوم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي:من أهلقرية.

*قوله {هيأشدقوة}:* يعني أهلها أشدقوة وبطش، وأكثر عدة وعددا؛ قد نقبوا في عرض وطول البلاد.

ونظيرتها قوله تعالى {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}.

*قوله {منقريتك}:*يعني منأهل قريتك؛ أهل مكة؛ إذ لا يعني جمادات القرية بطبيعة الحال!.

*قوله {التي أخرجتك}:* أي أخرجك أهلها.
قاله أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، وابن أبي زمنين في تفسيره، وبه قال الفراء في معاني القرآن، والماوردي في النكت والعيون، وابن قتيبة في غريب القرآن، وغيرهم جمع.

زاد ابن أبي زمنين: يعني: مكة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وكأين من قرية} أي كم من أهل قرية: {هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} يريد: [أخرجك] أهلها.

قال الزجاج في معانيه: المعنى وكم من أهل قرية هي أشد قوة من أهل قريتك التي أخرجتك. أي الذين أخرجوك أهلكناهم بتكذيبهم للرسل فلا ناصر لهم.

قال السمرقندي في البحر: أهل مكة الذين أخرجوكمنمكة إلى المدينة.

قال النسفي في مدارك التنزيل :وأراد بالقرية أهلها ولذلك قال أهلكناهم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك {أهلكناهم فلا ناصر لهم}.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية هي أشد قوة من قريتك، يقول أهلها أشدّ بأسا، وأكثر جمعا، وأعدّ عديدا من أهل قريتك، وهي مكة، وأخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها.

قلت (عبدالرحيم) : قوله تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}: تقديره: وكأين من أهل قرية هم أشد من أهل قريتك الذين أخرجوك.
إذ لا يتصور أنه يعني أن جمادات القرية هي التي أخرجت محمدا - صلى الله عليه وسلم -!.

ومنه قوله تعالى ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ): فقوله { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}: يعني اسأل أهل القرية؛ إذ لا يتصور أنه يسأل بيوت، وجمادات القرية!.

وقوله {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}: أي واسأل أهل العير؛ إذ لا يتصور أنه سيسأل العير وهي عجماوات!

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي أهل القرية.

قال الزجاج في معاني القرآن: لأن القرية لا تُسْأل ولا تجيب.
وقال أيضا (الزجاج) في المصدر ذاته - في أكثر من موطن -: المعنى اسال أهل القرية.
ومرة قال: سل أهل القرية.

قال الجصاص في أحكام القرآن: يريدأهلالقرية.

قال الزركشي في برهانه: {واسألالقريةالتيكنا فيها} أيأهلالقريةوأهلالعير.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {واسأل القريةالتيكنا فيها} أراد:أهلالقرية، وكما قال: {والعيرالتيأقبلنا فيها} أراد:أهل العير.

قال القصاب في النكت: وكان الأصل:
واسألأهلالقريةوأهلالعير، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه للإيجاز؛ لأن المعنى مفهوم.
انتهى كلامه.

قلت: ونظيرتها {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}: قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: وكم منأهل قريةأهلكناها، يعني: أهلكنا أهلها، وهي ظالمة أي: كافرة.

ومنه {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمَْ}: تقديره: واشربوا في قلوبهم حب العجل.

قال الفراء في معاني القرآن: فإنه أراد: حب العجل.
انتهى كلامه.

وبه قال ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب.

إلا أن الزجاج، وابن الجوزي قالا: سقوا حب العجل.

ومنه قوله تعالى{فإذا عزم الأمر}: أي عزم أصحاب الأمر.
قاله مكي بن طالب القيسي في إعراب القرآن.

ومنه {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}: تقديره أمم من أرسلنا إليهم قبلك؛ يعني اسأل أهل الكتاب هل في كبهم الأمر بعبادة غير الله، وفيه توبيخ للمشركين على عبادتهم الأوثان لأنه ليس بموجود في كتاب أنه أمر بعبادة الأوثان، وهم ربما يحتجون على محمد - صلى الله عليه وسلم - بأهل الكتاب.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: سل أتباعهم.

وقال النحاس في معاني القرآن: واسألأمممنقدأرسلنامنقبلكمنرسلنا.
وبه قال الواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، وتاج القراء الكرماني في غرائب التفسير، وغيرهم.

قال الكرماني: أي أمم من أرسلنا، يعني أهل الكتاب.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: ويجوز أن يكون التقدير: سل آل من أرسلنا، أو سل ذوي من أرسلنا .

قال القصاب في النكت: وفي الكلام على الوجه الأول حذف، والتقدير: وسلأمم منأرسلنامنقبلك.

قال مكي في الهداية: يعني: اسأل يا محمد أهل الكتابين عن ذلك. فالتقدير: وأسال من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا. و " من " زائدة.

قال الألوسي في روح المعاني: والكلام بتقدير مضاف أيواسألأمممنأرسلناأو على جعل سؤال الأممبمنزلة سؤال المرسلين إليهم.

وروى ابن جزير الطبري في تفسيره عن السدي أنه قال: إنها قراءة عبدالله: " سل الذين أرسلنا قبلك رسلنا".

قال ابن كثير في تفسيره: قال مجاهد: في قراءة عبد الله بن مسعود: "واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا". وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي، عن ابن مسعود. وهذا كأنه تفسير لا تلاوة، والله أعلم.

قال الطبري: إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا، فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب، إذ كان معلوما ما معناه.

قال الواحدي في الوجيز: يعني: أهل الكتابين هل في كتاب أحد الأمر بعبادة غير الله تعالى؟ ومعنى هذا السؤال التقرير لعبدة الأوثان أنهم على الباطل.

انتهى.

*قوله {أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُم}:* يعني أهلكناهم بأنواع العذاب، فلا مانع يمنعهم منا.

كما جاء في قوله تعالى { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية:

قوله تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}: يعني: وكم من أهل قرية هم أشد من هؤلاء الذين كذبوك، وأخرجوك طريدا، شريدا إلى طيبة؛ دمرناهم ومزقناهم كل ممزق، كما فعلنا بعاد وثمود، وغيرهم، فلم يمنعهم أحد من عذابنا.

وهذا تهديد لأهل مكة، إذ لو شاء لأهلكهم أجمعين؛ لكن شاء العلي العليم الحكيم - جل ذكره - ألا يكون ليخرج من شاء من أصلابهم من أهل التوحيد.

لذا لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}: أي له وحده الأمر في هدايتهم، وإسلامهم، أو تعذيبهم.
....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
عودة
أعلى