ناصر عبد الغفور
Member
الواو في قوله تعالى:":" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا
بسم1
الواو في قوله تعالى:":" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ":
من الآيات التي زعم البعض أنها تضمنت واو الثمانية قوله تعالى في سورة الزمر:" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)".
قالوا إن الواو في قوله سبحانه:" وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" واو الثمانية وحجتهم أن أبواب الجنة ثمانية فناسب السياق الإتيان بواو الثمانية بخلاف النار فإن أبوابها سبعة لذا لم تذكر هذه الواو في قوله تعالى:" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا".
وهذا القول مردود من وجوه:
- الأول: على فرض صحة القول بوجود واو الثمانية في كلام العرب الذي نزل به القرآن، فإن آية الزمر لا يصح التمثيل بها على هذه الواو، فمن زعم بوجود هذا الواو يقول أن من عادة العرب أنهم إذا عدوا سبعة أتوا بالواو قبل الثمانية، والآية لم تتضمن ذكر ثمانية أمور للإتيان بالواو قبل الثامن، قال العلامة ابن هشام رحمه الله تعالى:" لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها إذ ليس فيها ذكر عدد البتة وإنما فيها ذكر الأبواب وهي جمع لا يدل على عدد خاص..."[SUP]([1])[/SUP].
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" ومن زعم أن "الواو" في قوله: { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } واو الثمانية، واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية، فقد أبعد النّجْعَة وأغرق في النزع. وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة."[SUP]([2])[/SUP].
يقول شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة المنان:" فقالت طائفة هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين."[SUP]([3])[/SUP].
وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر:" وهذه الطريقة تريحك من دعوى زيادة الواو ومن دعوى كونها واو الثمانية لأن أبواب الجنة ثمانية فإن هذا لو صح فإنما يكون إذا كانت الثمانية منسوقة في اللفظ واحدا بعد واحد فينتهون إلى السبعة ثم يستأنفون العدد من الثمانية بالواو وهنا لا ذكر للفظ الثمانية في الآية ولا عدها فتأمله"[SUP]([4])[/SUP].
- الثاني: هو قول ضعفه بل رده أغلب أئمة التفسير سواء من المتقدمين أو المتأخرين[SUP]([5])[/SUP].
- الثالث: الواو كما هو معلوم أداة من أدوات التفسير ترد لمعاني عدة، والقول باختصاصها بمعنى دون غيره تحكم إذا لم يدل عليه دليل، وقد ذكر العلماء للواو في آية الزمر معنى الحالية والعطف، وهما أولى من القول بالثمانية لدلالة السياق.
يقول ابن هشام رحمه الله تعالى:"وقد مر أن الواو في ( وفتحت ) مقحمة عند قوم[SUP]([6])[/SUP] عاطفة عند آخرين وقيل هي واو الحال أي جاؤوها مفتحة أبوابها كما صرح بمفتحة حالا في ( جنات عدن مفتحة لهم الأبواب )[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP]، وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة، قيل وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم."[SUP]([8])[/SUP].
- الرابع: ورود تفاسير للآية أقوى وأرجح من القول بواو الثمانية: كالقول بالعطف والحالية:
أ- الواو عاطفة على محذوف:
من الأقوال المعتبرة في تفسير الآية أن الواو عاطفة على شيء لم يذكر، قال تعالى:" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"، فالعطف يلزم معطوفا عليه، فدل على حذف كلام قبل الواو، وهو مجيء النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحه([9]).
وقد صحت الأخبار بأن أبواب الجنة لا تفتح حتى يستفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون أول من يقرع باب الجنة وأول من يفتح له، فعن أنس رضي الله عنه يرفعه:" أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة و أنا أول من يقرع باب الجنة" –رواه مسلم-، وفي رواية:"أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها"[SUP]([10])[/SUP].
وعن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا:" ولد آدم كلهم تحت لوائي يوم القيامة و أنا أول من يفتح له باب الجنة"[SUP]([11])[/SUP].
وهذه إحدى الشفاعات التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام:" "أنا أول شفيع في الجنة"[SUP]([12])[/SUP]، وفي رواية:"آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. قال: يقول: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحد قبلك"، وفي رواية:"أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة"[SUP]([13])[/SUP].
يقول علامة الحجاز عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:" وقال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى."[SUP]([14])[/SUP].
فمن تمام إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم وفضله على الخلائق "أن الجنة تكون مغلقة فلا تفتح لأهلها إلا على يديه فلو جاءها وصادفها مفتوحة فدخلها هو وأهلها لم يعلم الداخلون أن فتحها كان على يديه وأنه هو الذي استفتحها لهم، ألا ترى أن الخلق إذا راموا دخول باب مدينة أو حصن وعجزوا ولم يمكنهم فتحه حتى جاء رجل ففتحه لهم أحوج ما كانوا إلى فتحه كان في ذلك من ظهور سيادته عليهم وفضله وشرفه ما لا يعلم لو جاء هو وهم فوجدوه مفتوحا..."[SUP]([15])[/SUP].
ب- الواو عاطفة على فعل الشرط وجوابه محذوف:
ومن التفاسير التي قال بها الأئمة في الآية أن قوله تعالى:"وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" معطوف على"جَاءُوهَا" وأن جواب "إِذَا" من قوله تعالى:" إذا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" محذوف، ومن أسباب الحذف التعظيم والتهويل، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"وحذف الجواب تفخيما لأمره وتعظيما لشأنه على عادتهم في حذف الجوابات لهذا المقصد"[SUP]([16])[/SUP].
ويقول رحمه الله تعالى:"وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف وقوله "وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" عطف على قوله "جَاءُوهَا" وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم، قال المبرد: وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم، قال أبو الفتح بن جني: وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به..."[SUP]([17])[/SUP].
فالجواب في قوله تعالى عن أهل النار:" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" ظاهر، وهو قوله سبحانه:" فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"، أما في قوله جل في علاه:" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" فالجواب محذوف للتعظيم، أي أنهم إذا جاءوها وفتحت أبوابها رأوا أمرا عظيما ونعيما كبيرا يجل عن الوصف ولا تحيط به العبارة، ويكفي أن ربنا جل جلاله قال في ذلك:" أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر"-متفق عليه-.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:"وقوله: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لم يذكر الجواب هاهنا، وتقديره: حتى إذا جاءوها، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء، لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب، فتقديره: إذا كان هذا سَعِدوا وطابوا، وسُرّوا وفرحوا، بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم. وإذا حذف الجواب هاهنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل."[SUP]([18])[/SUP].
ج- الواو حالية:
ومن التفاسير التي ذكرها أهل العلم في الآية أن الواو حالية، وأن قوله تعالى:" وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" حال، أي أن أهل الجنة يأتونها وأبوابها مفتحة، وممن قال بهذا القول من أئمة اللغة العلامة أبو علي الفارسي رحمه الله تعالى، فقد جرت مناظرة بينه وبين أبي عبد الله الحسين بن خالويه رحمه الله تعالى بخصوص واو الثمانية في هذه الآية، وذلك في مجلس سيف الدولة حيث:"سئل ابن خالويه عن قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}، في النار بغير واو، وفي الجنة بالواو! فقال: هذه الواو تسمى واو الثمانية لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو، فنظر سيف الدولة إلى أبي علي وقال أحق هذا فقال أبو علي: لا أقول كما قال، إنما تركت الواو في النار لأنها مغلقة وكان مجيئهم شرطا في فتحها فقوله:{ فُتِحَتْ} فيه معنى الشرط وأما قوله:{ وَفُتِحَتْ} في الجنة فهذه واو الحال كأنه قال جاءوها وهي مفتحة الأبواب أو هذه حالها."[SUP]([19])[/SUP].
([SUB][1][/SUB] ) مغني اللبيب:476.
([SUB][2][/SUB] ) تفسير ابن كثير: 7/121.
([SUB][3][/SUB] ) حادي الأرواح:38.
([SUB][4][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/401.
([SUB][5][/SUB] ) وقد مر ذكر شيء من ذلك.
([SUB][6][/SUB] ) ومعنى مقحمة أي زائدة، والراجح أنه لا زائد في القرآن، فكل زائد في المبنى فهو زائد في المعنى كما قرره شيخ الإسلام وغيره، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:" وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة"-حادي الارواح:38-.
([7] ) من سورة ص.
([SUB][8][/SUB] ) مغني اللبيب: 476.
([SUB][9][/SUB] ) وعلى هذا القول يكون جواب الشرط هو المعطوف عليه المقدر، والله أعلم.
([SUB][10][/SUB] ) رواه الترمذي وغيره، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع تحت رقم:1459.
([SUB][11][/SUB] ) رواه ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه وهو في صحيح الجامع تحت رقم:7118.
([SUB][12][/SUB] ) رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه.
([SUB][13][/SUB] ) نفسه.
([SUB][14][/SUB] ) تيسير الرحمن: 730.
([SUB][15][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/402.
([SUB][16][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/401.
([SUB][17][/SUB] ) حادي الأرواح:38.
([SUB][18][/SUB] ) تفسير ابن كثير: 7/121.
([SUB][19][/SUB] ) البرهان للزركشي:3/189-190، بتصرف يسير.
بسم1
الواو في قوله تعالى:":" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ":
من الآيات التي زعم البعض أنها تضمنت واو الثمانية قوله تعالى في سورة الزمر:" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)".
قالوا إن الواو في قوله سبحانه:" وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" واو الثمانية وحجتهم أن أبواب الجنة ثمانية فناسب السياق الإتيان بواو الثمانية بخلاف النار فإن أبوابها سبعة لذا لم تذكر هذه الواو في قوله تعالى:" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا".
وهذا القول مردود من وجوه:
- الأول: على فرض صحة القول بوجود واو الثمانية في كلام العرب الذي نزل به القرآن، فإن آية الزمر لا يصح التمثيل بها على هذه الواو، فمن زعم بوجود هذا الواو يقول أن من عادة العرب أنهم إذا عدوا سبعة أتوا بالواو قبل الثمانية، والآية لم تتضمن ذكر ثمانية أمور للإتيان بالواو قبل الثامن، قال العلامة ابن هشام رحمه الله تعالى:" لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها إذ ليس فيها ذكر عدد البتة وإنما فيها ذكر الأبواب وهي جمع لا يدل على عدد خاص..."[SUP]([1])[/SUP].
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" ومن زعم أن "الواو" في قوله: { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } واو الثمانية، واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية، فقد أبعد النّجْعَة وأغرق في النزع. وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة."[SUP]([2])[/SUP].
يقول شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة المنان:" فقالت طائفة هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو وهذا قول ضعيف لا دليل عليه ولا تعرفه العرب ولا أئمة العربية وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين."[SUP]([3])[/SUP].
وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر:" وهذه الطريقة تريحك من دعوى زيادة الواو ومن دعوى كونها واو الثمانية لأن أبواب الجنة ثمانية فإن هذا لو صح فإنما يكون إذا كانت الثمانية منسوقة في اللفظ واحدا بعد واحد فينتهون إلى السبعة ثم يستأنفون العدد من الثمانية بالواو وهنا لا ذكر للفظ الثمانية في الآية ولا عدها فتأمله"[SUP]([4])[/SUP].
- الثاني: هو قول ضعفه بل رده أغلب أئمة التفسير سواء من المتقدمين أو المتأخرين[SUP]([5])[/SUP].
- الثالث: الواو كما هو معلوم أداة من أدوات التفسير ترد لمعاني عدة، والقول باختصاصها بمعنى دون غيره تحكم إذا لم يدل عليه دليل، وقد ذكر العلماء للواو في آية الزمر معنى الحالية والعطف، وهما أولى من القول بالثمانية لدلالة السياق.
يقول ابن هشام رحمه الله تعالى:"وقد مر أن الواو في ( وفتحت ) مقحمة عند قوم[SUP]([6])[/SUP] عاطفة عند آخرين وقيل هي واو الحال أي جاؤوها مفتحة أبوابها كما صرح بمفتحة حالا في ( جنات عدن مفتحة لهم الأبواب )[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP]، وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة، قيل وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم."[SUP]([8])[/SUP].
- الرابع: ورود تفاسير للآية أقوى وأرجح من القول بواو الثمانية: كالقول بالعطف والحالية:
أ- الواو عاطفة على محذوف:
من الأقوال المعتبرة في تفسير الآية أن الواو عاطفة على شيء لم يذكر، قال تعالى:" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"، فالعطف يلزم معطوفا عليه، فدل على حذف كلام قبل الواو، وهو مجيء النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحه([9]).
وقد صحت الأخبار بأن أبواب الجنة لا تفتح حتى يستفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون أول من يقرع باب الجنة وأول من يفتح له، فعن أنس رضي الله عنه يرفعه:" أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة و أنا أول من يقرع باب الجنة" –رواه مسلم-، وفي رواية:"أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها"[SUP]([10])[/SUP].
وعن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا:" ولد آدم كلهم تحت لوائي يوم القيامة و أنا أول من يفتح له باب الجنة"[SUP]([11])[/SUP].
وهذه إحدى الشفاعات التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام:" "أنا أول شفيع في الجنة"[SUP]([12])[/SUP]، وفي رواية:"آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. قال: يقول: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحد قبلك"، وفي رواية:"أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة"[SUP]([13])[/SUP].
يقول علامة الحجاز عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:" وقال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.
وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى."[SUP]([14])[/SUP].
فمن تمام إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم وفضله على الخلائق "أن الجنة تكون مغلقة فلا تفتح لأهلها إلا على يديه فلو جاءها وصادفها مفتوحة فدخلها هو وأهلها لم يعلم الداخلون أن فتحها كان على يديه وأنه هو الذي استفتحها لهم، ألا ترى أن الخلق إذا راموا دخول باب مدينة أو حصن وعجزوا ولم يمكنهم فتحه حتى جاء رجل ففتحه لهم أحوج ما كانوا إلى فتحه كان في ذلك من ظهور سيادته عليهم وفضله وشرفه ما لا يعلم لو جاء هو وهم فوجدوه مفتوحا..."[SUP]([15])[/SUP].
ب- الواو عاطفة على فعل الشرط وجوابه محذوف:
ومن التفاسير التي قال بها الأئمة في الآية أن قوله تعالى:"وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" معطوف على"جَاءُوهَا" وأن جواب "إِذَا" من قوله تعالى:" إذا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" محذوف، ومن أسباب الحذف التعظيم والتهويل، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"وحذف الجواب تفخيما لأمره وتعظيما لشأنه على عادتهم في حذف الجوابات لهذا المقصد"[SUP]([16])[/SUP].
ويقول رحمه الله تعالى:"وقالت طائفة ثالثة الجواب محذوف وقوله "وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" عطف على قوله "جَاءُوهَا" وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد والزجاج وغيرهم، قال المبرد: وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم، قال أبو الفتح بن جني: وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ولا يجيزونه ويرون أن الجواب محذوف للعلم به..."[SUP]([17])[/SUP].
فالجواب في قوله تعالى عن أهل النار:" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" ظاهر، وهو قوله سبحانه:" فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"، أما في قوله جل في علاه:" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" فالجواب محذوف للتعظيم، أي أنهم إذا جاءوها وفتحت أبوابها رأوا أمرا عظيما ونعيما كبيرا يجل عن الوصف ولا تحيط به العبارة، ويكفي أن ربنا جل جلاله قال في ذلك:" أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر"-متفق عليه-.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:"وقوله: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لم يذكر الجواب هاهنا، وتقديره: حتى إذا جاءوها، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء، لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب، فتقديره: إذا كان هذا سَعِدوا وطابوا، وسُرّوا وفرحوا، بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم. وإذا حذف الجواب هاهنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل."[SUP]([18])[/SUP].
ج- الواو حالية:
ومن التفاسير التي ذكرها أهل العلم في الآية أن الواو حالية، وأن قوله تعالى:" وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" حال، أي أن أهل الجنة يأتونها وأبوابها مفتحة، وممن قال بهذا القول من أئمة اللغة العلامة أبو علي الفارسي رحمه الله تعالى، فقد جرت مناظرة بينه وبين أبي عبد الله الحسين بن خالويه رحمه الله تعالى بخصوص واو الثمانية في هذه الآية، وذلك في مجلس سيف الدولة حيث:"سئل ابن خالويه عن قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}، في النار بغير واو، وفي الجنة بالواو! فقال: هذه الواو تسمى واو الثمانية لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو، فنظر سيف الدولة إلى أبي علي وقال أحق هذا فقال أبو علي: لا أقول كما قال، إنما تركت الواو في النار لأنها مغلقة وكان مجيئهم شرطا في فتحها فقوله:{ فُتِحَتْ} فيه معنى الشرط وأما قوله:{ وَفُتِحَتْ} في الجنة فهذه واو الحال كأنه قال جاءوها وهي مفتحة الأبواب أو هذه حالها."[SUP]([19])[/SUP].
([SUB][1][/SUB] ) مغني اللبيب:476.
([SUB][2][/SUB] ) تفسير ابن كثير: 7/121.
([SUB][3][/SUB] ) حادي الأرواح:38.
([SUB][4][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/401.
([SUB][5][/SUB] ) وقد مر ذكر شيء من ذلك.
([SUB][6][/SUB] ) ومعنى مقحمة أي زائدة، والراجح أنه لا زائد في القرآن، فكل زائد في المبنى فهو زائد في المعنى كما قرره شيخ الإسلام وغيره، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:" وقالت طائفة أخرى الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية وهذا أيضا ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة"-حادي الارواح:38-.
([7] ) من سورة ص.
([SUB][8][/SUB] ) مغني اللبيب: 476.
([SUB][9][/SUB] ) وعلى هذا القول يكون جواب الشرط هو المعطوف عليه المقدر، والله أعلم.
([SUB][10][/SUB] ) رواه الترمذي وغيره، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع تحت رقم:1459.
([SUB][11][/SUB] ) رواه ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه وهو في صحيح الجامع تحت رقم:7118.
([SUB][12][/SUB] ) رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه.
([SUB][13][/SUB] ) نفسه.
([SUB][14][/SUB] ) تيسير الرحمن: 730.
([SUB][15][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/402.
([SUB][16][/SUB] ) بدائع الفوائد:2/401.
([SUB][17][/SUB] ) حادي الأرواح:38.
([SUB][18][/SUB] ) تفسير ابن كثير: 7/121.
([SUB][19][/SUB] ) البرهان للزركشي:3/189-190، بتصرف يسير.