محمد بن إبراهيم الحمد
New member
[align=justify]هذه المقولة يطلقها الفلاسفة، ومن يوافقهم من المتفلسفة المنتسبين إلى الإسلام ممن يقولون بالعقول العشرة، وأن الله واحد لا يصدر عنه - عندهم - إلا واحد وهو العقل الأول على ما سيأتي بيانه.
كما أنها ترد في كتب العقائد خصوصاً في باب القدر، وارتباطه بفعل الأسباب؛ حيث يبين العلماء أن الأسباب لا تستقل بالتأثير، وأنه ما من سبب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولا بد له من مانع يمنع مقتضاه وأثره إذا لم يدفعه الله عنه؛ فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إلا الله وحده.
قال الله - تعالى -: [وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (الذاريات: 49).
أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.
وأما بالنسبة للمخلوق فليس هناك مخلوق يصدر عنه شيء استقلالاً، بل لا بد له من سبب أو أسباب أخرى تعينه في حصول مسببه، ولا بد له من زوال الموانع التي تمنع تأثيره -كما مر - [1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ولهذا من قال: إنه لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد - كان جاهلاً؛ فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء لا واحد ولا اثنان إلا الله الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون؛ فالنار التي جعل الله فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحلٍّ يقبل الاحتراق؛ فإذا وقعت على السَّمَنْدل[2] والياقوت[3] ونحوهما لم تحرقهما.
وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون عنها الشعاع - لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه، وإذا حصل حاجز من سحاب، أو سقف لم يحصل الشعاع تحته)[4].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في القصيدة التائية في القدر:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وفي الكون تخصيص كثير يدل مَن = له نوعُ عقلٍ أنه بإرادةِ
وإصداره عن واحد بعد واحد = أو القول بالتجويز رَمْيةُ حيرةِ[5][/poem]ويريد الشيخ -رحمه الله- من خلال هذه الأبيات أن يبين أن ما في الكون من التخصيصات المتنوعة من كل وجه دلالةٌ واضحة على نفوذ مشيئة الله، وأن ذلك كائن بإرادته - عز وجل-.
ومن تلك التخصيصات ما يُرى من الحِكم والانتظام، والحسن والالتئام، والخلق الغريب، والإبداع العجيب.
ومن ذلك جَعْل بعضها عالياً وبعضها سافلاً، وبعضها كبيراً وبعضها صغيراً، وبعضها متصلاً بغيره، وبعضها منفصلاً، وبعضها على صفة، وبعضها على صفة أخرى مثل قوله - تعالى -: [وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ] (النور: 45).
ومن ذلك ما في الكون من الخيرات الكثيرة، والمنافع الغزيرة؛ فكل ذلك ينطق بأنها صادرة عن إرادة تامة، ومشيئة نافذة.
وهذا أمر يدركه من عنده أدنى مُسْكةٍ من عقل.
ثم إن هذه التخصيصات مما يبين خطأ المتفلسفة الذين قالوا: إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ فهذه المقولة صادرة عن حيرة وضلال؛ فإن الواحد العقلي الذي يثبته الفلاسفة كالوجود المجرد من الصفات، وكالعقول المجردة، وكالكليات التي يدَّعون تركُّب الأنواع منها؛ فإن هذا الواحد لا حقيقة له في الخارج.
والمقصود هنا أن التأثير إذا فسر بوجود شرط الحادث، أو سبب يتوقف حدوث الحادث به على سبب آخر، وانتفاء موانع - وكل ذلك بخلق الله تعالى - فهذا حق، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار.
وإن فسِّر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا معاوق مانع فليس شيء من المخلوقات مؤثِّراً، بل الله وحده خالق كل شيء لا شريك له، ولا ند؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
قال الطوفي -رحمه الله- في شرح البيتين السابقين: (وقد تضمن البيتان المذكوران الإشارة إلى ثلاثة مذاهب.
أحدها: مذهب القائلين بأن صانع العالم يفعل بالطبع والإيجاب كإحراق النار، وتبريد الماء، وهبوط الحجر الثقيل في الهواء لا بالقدرة والاختيار: وشبهتهم على ذلك دقيقة تعسُّفية، ولا أصل لها.
وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله: [يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ] (الرعد: 4).
ورد عليهم الأصوليون بأن الفاعل بالطبع لا يتمادى زمنُ فعله، ولا يتخصص بعد وجود فاعله ببعض الأزمنة والأمكنة دون بعض.
وأفعال الله - تعالى - تتمادى، ويتأخر بعضها عن بعض، ويختص ببعض ظروف الزمان والمكان دون بعض.
وما ذاك إلا لصدوره عن قدرة واختيار، لا عن طبع وإيجاب.
وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله: وفي الكون تخصيص كثير... البيت.
فإن وجود زيد - مثلاً - اليوم دون أمس وغدٍ، أو غداً دون أمس واليوم، أو أمس دون اليوم وغدٍ، وموتُه في مكة دون بغداد أو في مصر دون مكة - دليلٌ على أن مُخصِّصاً ذا إرادة تامة خَصَّص هذه الأحداثَ ببعض هذه الظروف دون بعض، ولعل في قوله - تعالى -: [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ] (لقمان: 34) إشارة إلى هذا الدليل.
وإذا ثبت أن الموجودات واقعة بإرادة الله - تعالى - فالأفعال من طاعة ومعصية منها؛ فهي - إذاً - واقعة بإرادة الله - تعالى - فقول القائل: معصيتي خَلْقي لا خلق الله خطأ والله أعلم.
المذهب الثاني: قول القائلين بأن واجب الوجود واحد، الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد لكان من حين صدور هذا عنه مغايراً لنفسه من حيث صدورُ الآخر عنه، والمغايرة تقتضي التعدد، والتكثُّر؛ فيلزم أن يكون واحداً كثيراً، وهو محال.
قالوا: فوجب القول بأن الصادر عنه واحد، وهو الفلك الذي دونه، وعن ذلك الفلك ما دونه إلى أن انتهى التدريج إلى فلك القمر، وهو الذي يلي العالم السفلي، وهو عالم الكون، والفساد؛ فأثَّر فلك القمر في العناصر الأربعة: النار، والهواء، والماء، والأرض، ثم دبَّرت هذه العناصر ما تركَّب منها، وهو هذا العالم.
وهذا ونحوه تقرير مذهب الحكماء - يعني الفلاسفة - على ما ذكره بعضهم.
وهو فاسد؛ لأنه يوجب أن لا يوجد شيئان إلا وأحدهما علة للآخر).
إلى أن قال -رحمه الله-: (وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله:
وإصداره عن واحد بعد واحد...
وأجاب عنه بأنه رمية حَيْرة، أي أنه دعوى لا برهان عليها، وإنما هو رأي صدر عن عقولٍ حارَتْ، وعن طريق الحق جارَتْ، وما لا برهان عليه لا يسمع).
ثم انتقل بعد ذلك إلى المذهب الثالث فقال:
(المذهب الثالث: مذهب القائلين بالتجويز، وهم القدرية، الذين يقولون: لو عذبنا الله على خلقه فينا لكان جائزاً، وإنما يعذبنا على ما نخلقه نحن.
وأجاب عنه - يعني ابن تيمية - بما أجاب عن الذي قبله من أنه رمية حيرة، والتقريرُ التقريرُ.
وقوله: (أو القول) أي والقول؛ فهي - يعني أو - بمعنى الواو، وليست لأحد الشيئين، والله أعلم)[6].
[1] انظر التدمرية ص211.
[2] السمندل: يقال: إنه دابة دون الثعلب يكثر في الهند، ويتلذذ بالنار، ومكثه فيها.
وزعم آخرون أنه طائر ببلاد الهند يُفَرِّخ في النار، ويدخلها، ولا يحترق ريشه. انظر حياة الحيوان للدميري 1/573-574، والحيوان للجاحظ 2/11 و 5/309، و 6/434.
[3] الياقوت: قال القزويني في كتابه (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) ص212: (حجر صلب شديد اليبس رزين شفاف صافٍ مختلف الألوان، ذكروا أنه لا تذوبه النار؛ لقلة دهنيته، ولا يتفتت؛ لغلظ رطوبته، بل يزداد لونه حسناً).
[4] التدمرية ص211-212.
[5] مجموع الفتاوى 8/247-248.
[6] انظر شرح جواب ابن تيمية للطوفي ص24-26، وانظر القصيدة التائية في القدر لابن تيمية شرح وتحقيق الكاتب ص128-129.
[/align]
كما أنها ترد في كتب العقائد خصوصاً في باب القدر، وارتباطه بفعل الأسباب؛ حيث يبين العلماء أن الأسباب لا تستقل بالتأثير، وأنه ما من سبب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولا بد له من مانع يمنع مقتضاه وأثره إذا لم يدفعه الله عنه؛ فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إلا الله وحده.
قال الله - تعالى -: [وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (الذاريات: 49).
أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.
وأما بالنسبة للمخلوق فليس هناك مخلوق يصدر عنه شيء استقلالاً، بل لا بد له من سبب أو أسباب أخرى تعينه في حصول مسببه، ولا بد له من زوال الموانع التي تمنع تأثيره -كما مر - [1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (ولهذا من قال: إنه لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد - كان جاهلاً؛ فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء لا واحد ولا اثنان إلا الله الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون؛ فالنار التي جعل الله فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحلٍّ يقبل الاحتراق؛ فإذا وقعت على السَّمَنْدل[2] والياقوت[3] ونحوهما لم تحرقهما.
وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون عنها الشعاع - لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه، وإذا حصل حاجز من سحاب، أو سقف لم يحصل الشعاع تحته)[4].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في القصيدة التائية في القدر:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وفي الكون تخصيص كثير يدل مَن = له نوعُ عقلٍ أنه بإرادةِ
وإصداره عن واحد بعد واحد = أو القول بالتجويز رَمْيةُ حيرةِ[5][/poem]ويريد الشيخ -رحمه الله- من خلال هذه الأبيات أن يبين أن ما في الكون من التخصيصات المتنوعة من كل وجه دلالةٌ واضحة على نفوذ مشيئة الله، وأن ذلك كائن بإرادته - عز وجل-.
ومن تلك التخصيصات ما يُرى من الحِكم والانتظام، والحسن والالتئام، والخلق الغريب، والإبداع العجيب.
ومن ذلك جَعْل بعضها عالياً وبعضها سافلاً، وبعضها كبيراً وبعضها صغيراً، وبعضها متصلاً بغيره، وبعضها منفصلاً، وبعضها على صفة، وبعضها على صفة أخرى مثل قوله - تعالى -: [وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ] (النور: 45).
ومن ذلك ما في الكون من الخيرات الكثيرة، والمنافع الغزيرة؛ فكل ذلك ينطق بأنها صادرة عن إرادة تامة، ومشيئة نافذة.
وهذا أمر يدركه من عنده أدنى مُسْكةٍ من عقل.
ثم إن هذه التخصيصات مما يبين خطأ المتفلسفة الذين قالوا: إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ فهذه المقولة صادرة عن حيرة وضلال؛ فإن الواحد العقلي الذي يثبته الفلاسفة كالوجود المجرد من الصفات، وكالعقول المجردة، وكالكليات التي يدَّعون تركُّب الأنواع منها؛ فإن هذا الواحد لا حقيقة له في الخارج.
والمقصود هنا أن التأثير إذا فسر بوجود شرط الحادث، أو سبب يتوقف حدوث الحادث به على سبب آخر، وانتفاء موانع - وكل ذلك بخلق الله تعالى - فهذا حق، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار.
وإن فسِّر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا معاوق مانع فليس شيء من المخلوقات مؤثِّراً، بل الله وحده خالق كل شيء لا شريك له، ولا ند؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
قال الطوفي -رحمه الله- في شرح البيتين السابقين: (وقد تضمن البيتان المذكوران الإشارة إلى ثلاثة مذاهب.
أحدها: مذهب القائلين بأن صانع العالم يفعل بالطبع والإيجاب كإحراق النار، وتبريد الماء، وهبوط الحجر الثقيل في الهواء لا بالقدرة والاختيار: وشبهتهم على ذلك دقيقة تعسُّفية، ولا أصل لها.
وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله: [يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ] (الرعد: 4).
ورد عليهم الأصوليون بأن الفاعل بالطبع لا يتمادى زمنُ فعله، ولا يتخصص بعد وجود فاعله ببعض الأزمنة والأمكنة دون بعض.
وأفعال الله - تعالى - تتمادى، ويتأخر بعضها عن بعض، ويختص ببعض ظروف الزمان والمكان دون بعض.
وما ذاك إلا لصدوره عن قدرة واختيار، لا عن طبع وإيجاب.
وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله: وفي الكون تخصيص كثير... البيت.
فإن وجود زيد - مثلاً - اليوم دون أمس وغدٍ، أو غداً دون أمس واليوم، أو أمس دون اليوم وغدٍ، وموتُه في مكة دون بغداد أو في مصر دون مكة - دليلٌ على أن مُخصِّصاً ذا إرادة تامة خَصَّص هذه الأحداثَ ببعض هذه الظروف دون بعض، ولعل في قوله - تعالى -: [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ] (لقمان: 34) إشارة إلى هذا الدليل.
وإذا ثبت أن الموجودات واقعة بإرادة الله - تعالى - فالأفعال من طاعة ومعصية منها؛ فهي - إذاً - واقعة بإرادة الله - تعالى - فقول القائل: معصيتي خَلْقي لا خلق الله خطأ والله أعلم.
المذهب الثاني: قول القائلين بأن واجب الوجود واحد، الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد لكان من حين صدور هذا عنه مغايراً لنفسه من حيث صدورُ الآخر عنه، والمغايرة تقتضي التعدد، والتكثُّر؛ فيلزم أن يكون واحداً كثيراً، وهو محال.
قالوا: فوجب القول بأن الصادر عنه واحد، وهو الفلك الذي دونه، وعن ذلك الفلك ما دونه إلى أن انتهى التدريج إلى فلك القمر، وهو الذي يلي العالم السفلي، وهو عالم الكون، والفساد؛ فأثَّر فلك القمر في العناصر الأربعة: النار، والهواء، والماء، والأرض، ثم دبَّرت هذه العناصر ما تركَّب منها، وهو هذا العالم.
وهذا ونحوه تقرير مذهب الحكماء - يعني الفلاسفة - على ما ذكره بعضهم.
وهو فاسد؛ لأنه يوجب أن لا يوجد شيئان إلا وأحدهما علة للآخر).
إلى أن قال -رحمه الله-: (وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله:
وإصداره عن واحد بعد واحد...
وأجاب عنه بأنه رمية حَيْرة، أي أنه دعوى لا برهان عليها، وإنما هو رأي صدر عن عقولٍ حارَتْ، وعن طريق الحق جارَتْ، وما لا برهان عليه لا يسمع).
ثم انتقل بعد ذلك إلى المذهب الثالث فقال:
(المذهب الثالث: مذهب القائلين بالتجويز، وهم القدرية، الذين يقولون: لو عذبنا الله على خلقه فينا لكان جائزاً، وإنما يعذبنا على ما نخلقه نحن.
وأجاب عنه - يعني ابن تيمية - بما أجاب عن الذي قبله من أنه رمية حيرة، والتقريرُ التقريرُ.
وقوله: (أو القول) أي والقول؛ فهي - يعني أو - بمعنى الواو، وليست لأحد الشيئين، والله أعلم)[6].
[1] انظر التدمرية ص211.
[2] السمندل: يقال: إنه دابة دون الثعلب يكثر في الهند، ويتلذذ بالنار، ومكثه فيها.
وزعم آخرون أنه طائر ببلاد الهند يُفَرِّخ في النار، ويدخلها، ولا يحترق ريشه. انظر حياة الحيوان للدميري 1/573-574، والحيوان للجاحظ 2/11 و 5/309، و 6/434.
[3] الياقوت: قال القزويني في كتابه (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) ص212: (حجر صلب شديد اليبس رزين شفاف صافٍ مختلف الألوان، ذكروا أنه لا تذوبه النار؛ لقلة دهنيته، ولا يتفتت؛ لغلظ رطوبته، بل يزداد لونه حسناً).
[4] التدمرية ص211-212.
[5] مجموع الفتاوى 8/247-248.
[6] انظر شرح جواب ابن تيمية للطوفي ص24-26، وانظر القصيدة التائية في القدر لابن تيمية شرح وتحقيق الكاتب ص128-129.
[/align]