الهجرة .. الحدث والعبرة

[محمد محمود إبراهيم عطية]

​

يستقبل المسلمون في جميع بقاع الأرض العام الهجري عاما تلو العام ؛ وهو يذكرهم بهجرة سيد الأولين والآخرين ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ووالله إنه لحدث عظيم ، لا ينسيه مرور الأعوام ، ولا تعاقب الأجيال ، إنه الحدث الذي غير الله به تاريخ الإنسانية ، فكان سببًا في ظهور دينه ، وإعلاء كلمته ، وكان نصرًا استنفر به المسلمين للقتال : { إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة:40 ] ، وكان منة امتن الله بها على رسوله والمسلمين : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [ الأنفال:30 ] . { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الأنفال:26 ] .​

إنه الحدث الذي نقل المسلمين من دار الاضطهاد والاستذلال إلى دار العزة والمنعة. فمنذ أن صدع النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه ، ودعا الناس لتوحيد الله الخالق ، وإفراده بالعبودية وهو يلاقي - ومن آمن معه - من كفار قريش العنت والإيذاء بكل صوره ، فقد كانوا قبل الهجرة أفرادًا مستضعفين ، قد ذاقوا من ألوان التعذيب المادي والمعنوي الشيء الكثير ، لا لشيء إلا لأنهم قالوا : ربنا الله ، وكفروا بالجبت والطاغوت ، وسجل التاريخ للنبي الأعظم والمسلمين الأول بمداد من نور صبرهم واستمساكهم بالحق ، وتضحياتهم في سبيل الإبقاء على دينهم ، ورفع راية التوحيد ، ولله در القائل : ​

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر​