السلام عليكم
سيدي الفاضل فضيلة الشيخ : محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي
سأقول لكم قولا: يصعب علي أي قارئ كائنا من كان أن يأتي بالحروف في كل كلمة بنفس قوتها .. وللتوضيح خذ هذا الرابط قد كنت كتبت شيئا في هذه النقطة ، ولكن عليك عند الحكم أن ترجعه للاختبار العملي ، ووقتها ستعلم نسبة تفاوت الحروف بحسب ما قبلها وما بعدها .
http://www.tafsir.org/vb/showthread...C7%E1%DE%D1%C7%C1%C9+%E6%C7%E1%C5%DE%D1%C7%C1
أما بالنسبة للتسهيل إليك ما كتبه د/ حميتو ـ حفظه الله ـ في مسألة الخلاف الموجود تنطق هاء أو بين بين ، ثم نتحدث عن تسهيل الحصري بعد قراءة البحث .
التسهيل للدكتور / حميتو
الفصل الثاني:
تتميم في كيفية النطق بالتسهيل بين بين عند أئمة أهل الأداء
ومما شاع وذاع في مدارس الإقراء وعمَّ به الأخذ على غير أساس: النطق بالهمزة المسهلة في هذا الباب هاء خالصة ونسبة القول بجواز ذلك الى أبي عمرو الداني أو غيره من الأئمة من رجال المدارس الأصولية في المغرب.
وأقدم من رأيته تعرض لذلك وأنكر في المسهل الهاء الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن الفاسي (ت 656هـ).
قال في كتابه "اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة":
"وربما قرب بعضهم لفظها من لفظ الهاء، وليس بشيء"( )
وقال أبو شامة المقدسي (ت 665 هـ) في ابراز المعاني منكرا لذلك أيضا :
"وكان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء، وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك، وليس بشيء"( ).
وقال أبو إسحاق الجعبري في قصيدته: عقود الجمان في تجويد القرآن:
واحـــذر من الها فيه أو محض وقـد قال ابن شيطا لم تـصـخ أذنــــاه
مــمـن قــرأت عـلــيـه إلا هــاويا وكـذا قـرأت الفـتـح كـل أوان"
الادعاء على أبي عمرو الداني أنه أجاز النطق بالتسهيل هاء.
ومن أقدم من وجدته نسب ذلك الى أبي عمرو الداني أبو وكيل في "تحفة المنافع" وحكى مع هذا المذهب مذهبين أحدهما لأبي عمران موسى بن حدادة المرسي نزيل فاس وشيخ ابي عبد الله الصفار، والثاني لأبي شامة المذكور. قال في التحفة:
"فصل وقل حـقيقــة التـســهيل أن تمزج همزة بحرف قد سكــــــن
من جنس شكك الهمز لـذ بالشرح من ضم أو من كسر أو من فتــح
واحـذر صويت الهاء عند النــطق وقيـل لا، أو عـــند فــتـح فابـق
ثلاثة للــشـامــــي والــــدانــي وابن حدادة الرضا المرضـــــــي
فمن يغلب ما بها من يــــــــاء أو واوها يمنع صوت الهـــــــاء
ومن يغلب ما بها من هـــمــــز لا يمنع الهاء ودم فــي عـــــــز
وان يكن بألف في المــــــــــزج كلامها والهاء جا في نهــــــــج
لابد من صوت كما في النقـــــل لابن حدادة الرضي العـــــــــدل
وكيف يستقبح هذا الصــــــوت وقد أتى هرقت في أرقــــــــــت
هـيـاك فـي إيـاك أيـضا جـــاء وبعضهم يرسـم همــــزا هـــــاء
ورسمــــها عينا لديـــنا أكثــر إذ موضــــع الهـــمز به يختــــبر
وقد تلقف المتأخرون هذه الإشارة عنده إلى أبي عمرو التي تزعم بجواز النطق بالتسهيل هاء، كما تلقفوا عنه ما نقله عن ابن حدادة المذكور من جواز ذلك بل تعينه ووجوبه في تسهيل المفتوحة نحو "ءآمنتم" و"جاءءال"، واستمسكوا بما ذكره من احتجاج على إبدال الهمزة هاء في بعض ما ورد من ألفاظ، فأقاموا على هذه الدعوى وما اقترن بها جواز إبدال الهمزة المسهلة هاء خالصة في سائر الأحوال التي تسهل فيها الهمزة لورش وغيره ممن يأخذ بالتسهيل.
أقوال الداني في كتبه وتبرئته مما نسب إليه:
وقد تتبعت ذلك في ما وقفت عليه في كتب الداني أو وقفت على النقل عنه ككتبه في الرسم والضبط والقراءة والتجويد فلم أجد لما نسب اليه أبو وكيل أثرا، كما وجدت الذين نسبوا ذلك اليه ممن جاء بعد أبي وكيل الفخار اكتفوا بهذه النسبة دون تسمية كتاب من كتبه أو ذكر لرواية من روى ذلك عنه أصحابه وتلامذته.
قوله في جامع البيان:
فهذا كتابه "جامع البيان" وهو أعظم كتبه، وفيه يقول ابن الجزري:"وهو كتاب جليل في هذا العلم لم يؤلف مثله، قيل انه جمع فيه كل ما يعلمه في هذا العلم"( )
وقد قرأت فيه باب الهمزتين من أوله الى آخره فما وجدته أحرى ذكرا لابدال الهمزة هاء ولا لتقريب صوتها من صوتها، وإنما وجدت عباراته هكذا:
- قال في أول باب الهمزتين المتلاصقتين في كلمة: "قرأ ابن كثير بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية، فتكون بين الهمزة والألف... ( ) وأعاد مثل هذه العبارات لأصحاب التسهيل في سائر الباب وسائر الأقسام. فقال مثلا عند ذكر الضرب الثاني من المختلفتين في كلمة مثل "أءله" و "أئن ذكرتم"
فقرأ ابن كثير بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الهمزة الثانية، فتكون بين الهمزة والياء من غير كسر مشبع على الياء...وقرأ نافع في رواية ورش من غير خلاف عنه كمذهب ابن كثير، بتحقيق الأولى ما لم يقع قبلها ساكن، وتليين الثانية، والنحو بها نحو الياء المكسورة المختلسة الكسرة من غير فاصل بينهما".
وقال في الضـرب الثـالث نحـو "أأنـزل" و "قل أؤنبئكم بخـير": "قرأالحرميـان ـ نافع وابن كثير ـ بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية، فجعلوها بين الهمزة والواو الساكنة، فتصير في اللفظ كالواو المضمومة المختلسة الضمة من غير اشباع( ).
وقال في باب الهمزتين المتلاصقتين في كلمتين عند ذكر المفتوحتين نحو "السفهاء أموالكم":
وقرأ ابن كثير.. ونافع من رواية ورش: من قراءتي على أبي الفتح بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية فتكون كمدة في اللفظ وهي في الحقيقة بين الهمزة والألف ...وهذا على ما روته الجماعة عن ورش من جعلها بين بين ".
وهكذا سار في سائر الباب من الكتاب حيثما ذكر الهمزة الملينة عبر بالتليين أو التسهيل بين بين أو غير ذلك ولم يذكر قط تقريب لفظها من الهاء لا صريحا ولا مكنى عنه، بل انه كان يطلق عبارة الإبدال في سائر مواضع الإبدال فلا يريد به الا إبدال الهمزة حرف مد ولين كقوله في الهمزتين المفتوحتين من كلمتين:
"فأما على رواية أصحاب أبي يعقوب عنه فانها تشبع، لأنهم رووا عنه عن ورش أداء ابدالها حرفا خالصا فهي ألف محضة، وهي في حال البدل أشبع منها في حال التليين"( ).
فانظر إليه كيف قال: "حرفا خالصا" وكيف فسر هذا الحرف بالألف المحضة، ولو كان قوله: "حرفا خالصا" يدخله احتمال آخر كابدالها هاء وخاصة في الفتح كما ذهب اليه ابن حدادة فيما نسب اليه أبو وكيل ـ لما تسامح في هذه العبارة، ولو كان عنده أن البدل قد يكون على لفظ الألف تارة وعلى لفظ هاء أخرى لما سكت عن بيان حكم المد فيه حينما يبدل الهاء، وذلك لما نعلمه من أن الهاء ليست من أحرف المد واللين، فلا يسكت عن بيان ذلك كما لم يسكت عن تقرير الفرق بين مقدار إشباع المد بين حال البدل وحال التليين كما رأينا في عبارته.
قوله في الأرجوزة المنبهة:
"وحكـــم ما يجعــل بينـــنا من جملة الهمز الذي حكينا
أن لا يتــم صــــوته بل يخفى ووزنه محـــــــرك كما مضى
والقول في اجتمـــاع همــزتين التقتا في حـــرف أو حرفين
نحو"من النســــاء أو أكنتم" و"أءله" وكذا" "أأمنــتم"
كالقول في المفــــردة المحـركة فاعمل بما هنا فقد عرفتكه( )
قوله في كتاب التعريف:
وعبارته في "التعريف عند ذكر ترك الإصبهاني عن ورش الهمزات المتحركة في نحو "كأنه وكأنهم وبأنه وبأي ورأيت"
قـال: "وحقيـقة ترك الهمـزة المتحركة المتقـدم ذكـرها في مذهبه أن تـكون بين بين...( ).
وقال في باب الهمزتين من كلمة:"كان ورش يسهل الثانية من الهمزتين ولا يدخل بينهما الفا... ( ).
قوله في كتاب التيسير
وقال في "التيسير" في باب الهمزتين المتلاصقتين في كلمة:" اعلم أنهما اذا اتفقتا بالفتح نحو "أأنذرتهم" "..فان الحرميين وأبا عمرو وهشاما يسهلون الثانية منها، وورش يبدلها الفا، والقياس أن تكون بين بين"( ).
وقال في "ذكر الهمزتين من كلمتين" عند المتفقتين بالكسر:" فقنبل وورش يجعلان الثانية كالياء الساكنة". وقال عنهما في المتفقتين بالفتح:"فورش وقنبل يجعلان الثانية كالمدة، " وفي المضمومتين:"يجعلانها كالواو الساكنة، " ثم قال لمزيد البيان:
"وحكم تسهيل الهمزة في البابين أن تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها... ( ).
وهكذا نلاحظ أن أبا عمرو لم يذكر في "جامع البيان" وهو أعظم كتبه، ولا في "التيسير" وهو أشهرها وأسيرها شرقا وغربا، ولا في "التعريف" وهو عمدة المغاربة في ما اختصوا به من "العشر الصغير" ـ أدنى إشارة إلى جواز إبدال الهمزة هاء أو تقريب لفظها عند التسهيل من لفظ الهاء.
قال ابن أبي السداد شارحا لقول ابي عمرو في "التيسير": "فإن الحرميين وأبا عمرو وهشاما يسهلون الثانية": "أعلم أن التسهيل يستعمل مطلقا ومقيدا، فاذا أطلق فالمراد به جعل الهمزة بين بين، أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، فإن كانت محركة بالفتح جعلت بين الهمزة والألف، ومعناه أن يلفظ بها نوعا من اللفظ يكون فيها شبه من لفظ الهمزة ولا تكون همزة خالصة، وشبه من لفظ ألف خالصة.
وكذلك إن كانت محركة بالكسر جعلت بين الهمزة والياء على التفسير المتقدم، وان كانت مضمومة جعلت بين الهمزة والواو على ما تقدم.
وهذا كله تحكمه المشافهة، ويقال في ذلك كله تسهيل وتليين، ويقال تسهيل على مذاق الهمزة، ويقال همزة بين بين، والمراد ما تقدم.
فإن قيد التسهيل فالمراد به اذ ذاك المعنى الذي يقتضيه التقييد، فيقال تسهيل بالبدل، وتسهيل بالنقل، وتسهيل بالحذف"( ).
والألقاب التي يترجم بها عن التسهيل بالمعنى المطلق هي أربعة عند ابن أبي السداد ـ كما رأينا ـ، ولكن أبا عمرو قال في "الايضاح في الهمزتين":
"والعلماء من القراء والنحويين يترجمون عن همزة بين بين بست تراجم، كلها تؤدي عن معنى واحدا، وهي مخففة، ومسهلة، وملينة، ومذابة، ومدغمة، ومبدلة، ( ).
وقد تتبعت عبارات ابي عمرو عن التسهيل في سائر كتبه التي ينقل عنها المنتوري وابن القاضي في باب الهمزتين، وقد سقت من النقول عنها الكثير فيما تقدم في هذا الباب، فلم اجده يزيد كلما ذكر التسهيل على ما تقدم من أنها مخففة أو مسهلة بين بين أو ملينة الخ، ولم أجد من بينها عبارة يمكن حملها ولو بنوع من الاحتمال على ما ذكره أبو وكيل ميمون الفخار من جواز إبدالها هاء.
قوله في التحديد في الاتقان والتجويد:
والعبارة الوحيدة التي وقفت عليها تنحو ذلك بضرب من التأويل هي العبارة التي ذكره ابو عمرو في "كتاب التحديد لصناعة الإتقان والتجويد" فقد وجدته يقول عند ذكره للهمزة المسهلة:
"والهمزة إذا سهلت وجعلت بين بين أشير اليها بالصدر إن كانت مفتوحة، وان كانت مكسورة جعلت كالياء المختلسة الكسرة، وإن كانت مضمومة جعلت كالواو المختلسة الضمة من غير إشباع، وتلك الكسرة والضمة هي التي كانت مع الهمزة، إلا أنها مع الهمزة أشبع منها مع الحرف المجعول خلفا منها. قال:
"ومعنى "بين بين" أي بين الهمزة المحققة وبين الحرف الساكن الذي منه حركتها، فالمفتوحة بين الهمزة والألف، والمكسورة بين الهمزة والياء الساكنة، والمضمومة بين الهمزة والواو الساكنة، فهي خفيفة ليس لها تمكن المحققة ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها، وهي في الوزن محققة، إلا أنها بالتوهين والضعف تقترب من الساكن، ولذلك لا يبدأ بها كهو"( ).
ومن هنا يتبين أن الحق في مذهب أبي عمرو خلاف ما نسب اليه، وأنه إنما يرى الإشارة إلى الهمزة المفتوحة في نحو "ءأامنتم" و "جاء ءال"، وربما نسب ذلك لأبي عمرو على مقتضى ما فهمه من كلامه السابق في كتاب "التحديد"، وخاصة أنه ذكر فيه"الاشارة بالصدر" في حالة المفتوحة لا غير، ولعل هذا الاختصاص قائم على استشعاره لتعذر النطق بجزء الحركة على الألف الساكنة التي هي خلف من الهمزة المفتوحة، في حين أنه قال في المكسورة "كالياء المختلسة الكسر"، وفي المضمومة "كالواو المختلسة الضم".
عبارة الإمام الشاطبي وأقوال الشراح فيها:
وهذا أقوم الناس على مذاهب أبي عمرو الداني بعد أصحابه ورائد مدرسته في المشرق الشيخ أبو القاسم الشاطبي يعبر عن التسهيل في الحرز كثيرا بهذا اللفظ كقوله في باب الهمزتين من كلمة: "والاخرى كمد عند ورش وقنبل". حتى إذا فرغ من باب الهمزتين من كلمة أو كلمتين وأراد أن يميز لنا الفرق بين البدل والتسهيل قال:
"والابدال محض والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا.
وقد تتابع شراح "الحرز "على بيان المراد بالتسهيل بين بين ولم يخرج أحد منهم عن المعنى الذي رسمه أبو عمرو في "التسيير" و"التحديد" وغيرهما، وأكثر من تعرضوا للقول بإبدالها هاء محضة فعلوا ذلك بقصد الإنكار، ولم أر أحدا منهم نسب القول بجوازه لأبي عمرو، وأكثرهم ينقل عن كتبه المعروفة.
قول الفاسي في شرح الشاطبية:
فمن ذلك مثلا ما قاله الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن الفاسي في "اللآلئ الفريدة" واصفا للهمزة المفتوحة المسهلة قال:
"وكيفية التسهيل في الهمزة المفتوحة أن تزال نبرتها وتقرب من الألف، وزاد بعضهم فتصير كالمد في اللفظ( ) ، وربما عبر بعضهم عنها بالمد لصيرورتها كالمدة( ) ، فحمل ذلك بعض الناس على قراءتها بألف خالصة، ولم يعن أحد بذلك البدل، وإنما عبر بذلك حيث أضعف الصوت بها فصارت كالمدة. قال:
"وربما قرّب بعضهم لفظها من لفظ الهاء، وليس بشيء"( ).
فانظر الى الشيخ الفاسي كيف شجب مجرد تقريب لفظها من الهاء وقال ليس بشيء، فكيف بمن يبدلها هاء خالصة، ويزعم أن العمل جرى بها؟
قول أبي شامة في شرحه:
أما الحافظ أبو شامة فيقول شارحا لبيت الشاطبي السابق: "والإبدال محض والمسهل بين ما هو الهمز...البيت: الإبدال محض أي: ذو حرف محض، أي يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبه من لفظ الهمز، بخلاف التسهيل فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه وبين الحرف المجانس لحركة الهمزة، فمن أبدل في موضع التسهيل، أو سهل في موضع الإبدال فهو غالط.. ثم ذكر ما تقدم من أن "بعض أهل الأداء كان يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء، قال: وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك، وليس بشيء"( ).
قول الجعبري في شرحه:
وأما أبو إسحاق الجعبري (ت 732) فقال محذرا من ذلك أي من ابدال الهمزة المسهلة هاء:
"وينبغي للقارئ أن يفرق في لفظه بين المسهل والمبدل، ويحترز في التسهيل عن الهاء والهاوي –يعني الألف الساكنة _وفيه لين لفظ المد، وهذا معنى قول مكي في همزة بين بين مد يسير لما فيها من الألف"( ).
فهؤلاء الثلاثة وهم رؤساء هذه الصناعة وشيوخ شراح الشاطبية كلهم أنكر ابدال الهمزة المسهلة هاء فحذر منه.
أقوال أئمة المغاربة في القراءة والأداء:
وإذا رجعنا الى مشايخ القراءة والأداء بالمغرب نجد أن أحدا منهم لم يثر هذه القضية ولا التفت إليها ابتداء من شيوخ القيروان كأبي عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وأبي العباس المهدوي صاحب الهداية والموضح في شرحها، وأبي محمد مكي بن أبي طالب صاحب التبصرة وشرح القراءات الواردة فيها في الكشف، وانتهاء إلى أبي الحسن الحصري في رائيته في قراءة نافع، إلى من سواهم من شيوخ الأندلس كأَبي القاسم بن عبد الوهاب في "المفتاح" وأبي عبد الله بن شريح في "الكافي" وأبي الحسن بن الطفيل العبدري في شرح الحصرية وأبي جعفر بن الباذش في "الإقناع" وسواهم كثير.
ثم من بعد هؤلاء هذا أبو الحسن بن بري صاحب "الدرر اللوامع" انما يذكر في هذه الأرجوزة التسهيل بين بين كما تقدم في باب الهمزتين.
ثم هذا شارحه الأول أبو عبد الله الخراز لم يعرج على ذكره، وإنما عرف التسهيل عند ذكره في بيت ابن بري:
"فنافع سهل أخرى الهمزتين بكلمة فهي بذلك بين بين"قال:
"ومعنى بين بين أي بين الهمزة وبين حرف من جنس حركة الهمزة، فتكون المفتوحة بين الهمزة والألف..الخ ( ).
وعاد إلى ذكر التسهيل بين بين مرات في باقي الباب ونقل من كتب أبي عمرو الداني فيه فلم يجر للهاء ذكرا، وسلك سائر الشراح بعده سبيله كالحلفاوي وابن المجراد والوارتني والمنتوري والثعالبي والشوشاوي وغيرهم، وأقدم من وجدته تعرض لجوازيل قال بوجوب صوت الهاء في المسهل من شراح الدرر اللوامع هو الشيخ يحيى بن سعيد الكرامي السوسي في "تحصيل المنافع" وسيأتي نقل كلامه مندرجا في هذه المسألة، كما أعاد أثارتها في أواسط المائة الحادية عشرة الشيخ أبو زيد بن القاضي شيخ الجماعة بفاس (ت 1082هـ).
ويبدو أن تحويل الهمزة المسهلة إلى هاء كان في زمن ابن القاضي قد أصبح أمرا واقعا، ودخل في جملة الأوضاع الغريبة التي دخلت في التلاوة المغربية مما ظل العلماء ينتقدونه بدون جدوى( )، الأمر الذي جعل مثل الشيخ ابن القاضي نفسه يمرره تحت لواء "ما جرى به العمل" كما سيأتي، أو ينتقده انتقادا رفيقا فيه الكثير من الهوادة بعد أن يعرض الأقوال الثلاثة وينسبها إلى القائلين بها كما سماهم الشيخ أبو وكيل في "تحفة المنافع" دون تحقق من صحة ما نسب إليهم بالرجوع إلى مؤلفاتهم، وخاصة مؤلفات الحافظ أبي عمرو التي ملأ كتابه الفجر الساطع بالنقول عنها إما مباشرة وإما بواسطة الشيخ المنتوري في شرحه.
ولقد كان ابن القاضي باستعراضه لهذه الأقوال ونسبة القول بجواز إبدال الهمزة المسهلة هاء إلى أبي عمرو الداني كأنه يعطي لهذا القول المشروعية الكاملة وينصب من تقريره له حجة بالغة وسندا عتيدا لكل من ذهب إلى القول به، وذلك لما لأبي عمرو من جلالة في النفوس ومكانة ورسوخ في هذه العلوم، ولما للشيخ ابن القاضي أيضا من منزلة فيها في زمنه كما قدمنا في ترجمته.
ولننظر الآن كيف عرض لهذه القضية في بعض كتبه، وماذا كان لإعادة إثارتها من جديد من تأثير سلبي ؟
قضية إبدال الهمزة المسهلة هاء عند أبي زيد بن القاضي :
ألف أبو زيد ابن القاضي في هذه القضية رسالة مشهورة سماها "قرة العين، في معنى قولهم تسهيل الهمزة بين بين"، وتعرض لبحثها أيضا في بعض كتبه كالفجر الساطع وغيره.
فأما في الكتاب الأخير فقد نبه على ذلك عند قول ابن بري : "فنافع سهل أخرى الهمزتين- في كلمة فهي بذاك بين بين" فقال : قوله "بين بين" : "اعلم أن "بين بين" اسمان مركبان جعلا اسما واحدا، ومعناه بين الهمزة وبين حرف من جنس حركتها، فتكون المفتوحة بين الهمزة والألف، والمكسورة بين الهمزة والياء، والمضمومة بين الهمزة والواو "ثم قال : "قائدة" : قال في "الكنز" : تجعل حرفا مخرجه بين مخرج المحققة ومخرج حرف المد الذي يجانس حركتها أو حركة سابقها وتأصل للمتحرك" "انتهى( ) ثم قال ابن القاضي:
تنبيه : "وقد اختلف القراء-رصوان الله عليهم ـ في كيفية النطق بالتسهيل، هل يجوز أن يسمع فيه صوت الهاء مطلقا كيفما تحركت الهمزة، وبه قال أبو عمرو الداني؟ أو لا يجوز صوت الهاء عند النطق بالتسهيل مطلقا، قاله الشامي شارح الشاطبية( )، وبمذ هبه أخذ في "مختصر البرية"( ) فشدد في منعه.
والقول الثالث لابن حدادة قال : "يجوز إبقاء صوت الهاء في تسهيل المفتوحة خاصة دون المضمومة والمكسورة" ثم قال ابن القاضي :
فمن اعتبر ما في التسهيل من الهمز قال يجوز أن يكون فيه صوت الهاء، وقد سمع إبدال الهمزة هاء نحو "هرقت الماء" و"هياك" في "اياك"، وجاء عن بعض الرسام أنهم يرسمون الهمزة كهاء نحو "جاه" في جاء" و"هامنوا" في "ءآمنوا"، ومن اعتبر ما في التسهيل من حرف المد قال لا يكون فيه صوت الهاء. وحجة القول الثالث لأنها سهلت بينها وبين الألف، وهو مع الهمزة مخرجهما واحد، وهوآخر الحلق، فلابد من صوت الهاء" قاله في "تحصيل المنافع" قال ابن القاضي :
قلت مشيرا للأقوال الثلاثة :
واختلفوا في النطق بالتسهيل
وفيل ممنــوع على الإطـــلاق فقيل بالهاء بلا تــفصيل
وقيل في المفتوح قـــط بــــاق
ثم نقل قول الجعبري في "الكنز" المتقدم وفيه قوله: "ويحترز في التسهيل عن الهاء والهاوي..ثم أتبعه بقول نسبه لابن غلبون قال فيه: "يلين الهمزة ويشير إليها بصدره"( )،ثم نقل قول ابن أبي السداد في "الدر النثير": "وعبر الحافظ في "التيسير" عن همزة بين بين بالمد، وكذلك عبر الشيخ في التبصرة وغيرها..ثم نقل النص الذي قدمنا عن أبي عبد الله محمد بن الحسن الفاسي من كتاب "اللألئ" الفريدة" وفيه القول: "وربما قرب بعضهم لفظها من لفظ الهاء وليس بشيء"، ثم نقل الأبيات الأربعة الأولى من الأبيات التي تقدمت من قول أبي وكيل ميمون الفخار في "تحفة المنافع" "وفيها ذكر المذاهب الثلاثة في قوله : "ثلاثة للشامي والداني" وابن حدادة الرضا المرضي"ثم انتقل إلى تفصيل أحكام الهمز دون أ، يقول شيئا عن المختار عنده من هذه الأقوال كما اعتاد فعله في كتابه.
ولكن الذين اعتمدوا تفصيله هذا من تلامذته وشيوخ مدرسته ذهبوا إلى إقراره لإبدال التسهيل هاء ولو على سبيل الجواز على الأقل، كما فهم ذلك من النقول التي أوردها وهي في الحقيقة نقول مدخولة لأنها تفتقر إلى وسائل الإثبات، ولأن أبا زيد بن القاضي لم يزد في الاحتجاج لمذهب الجواز على العزو إلى كل من أبي عمرو وابن حدادة دون أن يسمي كتابا أو ينقل نصا عن واحد منهما مما يدل على أنه إنما قلد في ذلك الشيخ ميمون الفخار فيما قاله في "التحفة" ومذلك الشأن في توجيه كل قول بما وجهه به من توجيه، فإنه لم يزد على نثر معنى أبيات أبي وكيل في "التحفة" ولم يسق نصها في "الفجر" واكتفى بتحليل معانيها دون عزو ذلك إليه بل نسب بعض ذلك إلى صاحب "تحصيل المنافع"، وهو متأخر عن صاحب التحفة بكثير.
ثم هو إلى ذلك ختم عرضه بأقوال المانعين من صوت الهاء كالفاسي والشامي (أبي شامة) والجعبري، وهي كلها تنقض كل ما بناه، لكنه لم يعلق عليها بحرف، وكأنه إنما جاء بها ليبين تعادل الكفتين واستواء الخلاف بين الطرفين.
ولهذا كان سكوته عن التعليق ذريعة إلى الأخذ بمذهب الجواز استنادا إلى مازعموه من نقله له ودعواهم أن الأخذ عم به كما نجد مثلا في قول الشيخ مسعود جموع في "الروض الجامع" حيث نقل التنبيه الذي نبه به هنا شيخه ابن القاضي بنصه، إلا أنه أدرج فيه بعد ذكر الجواز مطلقا قوله :
"وبه قال الحافظ أبو عمرو ثم قال : "وبه الأخذ عندنا بفاس والمغرب"( ).
وإذا كان الشيخ ابن القاضي قد جمجم في هذه القضية ولم يفصح عن مذهبه في "الفجر الساطع" فإنه في غيره من كتبه ك"كتاب المفردات" قد صرح بالجواز كما سيأتي.
في كتابه قرة العين :
وأما في كتابه "قرة العين" "فقد اضطرب رأيه بين ما قرره في أوله وما انتهى إليه في آخره.
وأصل التأليف المذكور أنه ورد عليه سؤال "من بعض الفضلاء" في "مسألة حمزة إذا وقف على الهمز في "رءا ونحوه فإنه يقف بإمالة الألف والهمزة والراء مع تسهيل الهمزة بين بين أي : بين الهمزة وبين حرف مد ولين يجانس حركتها، وهو الألف في الممال، فالهمزة مشتملة على طرف من الهمزة المحركة وطرف من الحرف الساكن، فكيف يتأتى مع هذه الحالة إمالتها؟…"..وأما على من يجوز نطق الهاء فلا إشكال في إمالتها، جوابا شافيا.
ويقع الجواب في ثمان ورقات من القطع المتوسط( ) أوله قوله : "الحمد لله مسهل الأمور مبين الخفاء…ثم قال بعد التصدير :
"فنقول ـ وبالله التوفيق ـ: "اعلم أن الجاري عندنا بأرض المغرب في تسهيل بين بين جعلها هاء خالصة، فمن قرأ بذلك فقد أبدل الهمزة هاء فلها مخرج معين وحيز محقق فعلى هذا الوجه لا إشكال فيه، ولا يلتبس على الناظر في أول وهلة. وهذا القول هو أحد الأقوال الثلاثة، والثاني : لا يجوز صوت الهاء مطلقا، والثالث : يجوز صوت الهاء في المفتوح لخفته وعدم التبعيض دون غيره كما في الروم والإشمام، وإليها أشرنا : "واختلفوا في النطق بالتسهيل …وساق البيتين السابقين ثم قال : وقد جمع الأقوال الثلاثة أبو وكيل ميمون في بيت واحد فقال :
واحذر صويت الهاء عند النطق وقيــل لا، أو عند فتـح فــابق
قال : وأشار بعضهم إلى طريق المنع بقوله :
"ومن يمل بصـوته للهـــاء فخارج عن ســـنن القراء
قال: "ويؤيده ما قال في "الكنز"..ثم نقل ما تقدم من قوله : "أن يحترز في التسهيل عن الهاء، "وأتبعه بنقل قول الفاسي في "اللألئ الفريدة" ثم قال :
"فمذهب أهل الأداء المعمول عندهم أنها تسهل بين بين كما هو مصرح به في كتبهم كالتيسير والشاطبية والدرر، وهم القدوة دون غيرهم، لأن الرواية من طريقهم، ولا يجوز لأحد أن يقرأ بغير طريقهم".
ثم أخذ يشرح معنى قولهم تسهل الهمزة "بين بين" ونقل عن أبي وكيل في التحفة بيتين في حقيقة التسهيل كما قدمناهما، وأتبع ذلك بنقل ما قدمنا من قول ابن أبي السداد عن التسهيل أنه يستعمل لفظه مطلقا ومقيدا، ونقل عن الكنز والشاطبية والمهدوي والقيسي وجماعة ثم قال في نهاية الجواب :
"فحصل بما ذكرنا أن الهمزة المسهلة ليست مشتملة على طرف من الهمزة وطرف من الألف كما هو المعتقد عند الناس، وكما سطر في السؤال على جهة الإقرار، إذ لا قائل به، بل إنما الممال حرف الهاء المبدل من الهمزة كما تقدم، وبه وقع الأخذ عندنا بأرض المغرب، ووقعت المشافهة به عن الأشياخ المقتدى بهم"، ثم قال ابن القاضي :
فإن قلت : هل يجوز لنا أن نأخذ بالحقيقة التي سطرنا كما هو المنصوص؟
الجواب : "لا يجوز، لأنهم اشترطوا فيه المشافهة، وقد عدمت فانعدم.
وأيضا حرف الهاء نص عليه الداني، فلنا مندوحة عن الأخــذ به ـ يعني بين بين ـ إذ لم نقدر على الإتيان به لعدم الأخذ، اللهم إن ساعدتك حافظتك، يجوز لك منفردا لا في الرواية للكذب والافتراء فاعلم، إذ لم نروه عن أحد".
ثم نقل قول أبي داود سليمان بن نجاح في "كتاب التنزيل" كما تقدم نقله مستدلا بقوله فيه : ليس للقياس طريق في كتاب الله- عز وجل- إذ هو سماع وتلقين، لقوله عليه السلام : لا يجوز أن يقرأ أحد إلا بما أقرئ وسمع تلاوته من القارئ على العالم، أو من العالم على المتعلم على قصد منهما :"وختم بقول مماثل للإمام الجعبري.
وهكذا انتهى من هذه الرسالة فانتقل بنا من قوله أولا عن مذهب أهل الأداء المعمول به عندهم الذين قال : "إن الرواية من طريقهم"، و"هم القدوة دون غيرهم" ولا يجوز لأحد ن يقرأ بغير طريقهم".
إلى دعوتنا ودعوة سائر قراء عصره أخيرا إلى هجران تلك الطريق التي هي طريق أهل الأداء والاكتفاء بما وقع "الأخذ به عندنا بأرض المغرب وقعت المشافهة به عن الأشياخ المقتدى بهم".
بل يزيد على ذلك فيحذر من محاولة حكاية مذهب أهل الأداء الذين وصفوا في كتبهم حقيقة التسهيل بأنها "بين بين كما هو منصوص عنهم، ولم يعد بذلك أخذ ولا مشافهة" وقد عدمت فانعدم"، ولنا مندوحة عنه بما نص عليه الداني من إبدال الهمزة المسهلة هاء إذ لم نقدر على الإتيان به لعدم الأخذ".
ثم تأتي الطامة الكبرى في تحرجه من العودة إلى تصحيح ما اختل وتدارك ما فسد حين يقول بمنطق مثهافت : "يجوز لك منفردا، لا في الرواية "للكذب والإفتراء..إلخ"، وكأن الذي يروي الخطأ عن "الأشياخ المقتدى بهم " لا يجوز له أن يعود إلى الصواب إذا وقف عليه، لا سيما والكيفية موصوفة منضبطة وتمثلها بالدرية والمران متأت وممكن فأي محظور في مراجعة الحق بعد ما تبين ؟ أو ليست مراجعة الحق خيرا من التمادي في الباطل؟.
ثم أين هو النص المزعوم عن الحافظ الداني الذي يجيز فيه إبدال الهمزة المسهلة هاء مطلقا أو في أي حالاتها الثلاث؟ لم نجد أحدا أرشد إليه ولا نقل أحد ممن إدعاه شيئا من كلامه فيه، فبأي ذريعة نخالف نصوصه الصريحة في سائر كتبه والتي تفسر لنا المراد بهمزة بين بين تفسيرا لا يدخله الاحتمال كما قدمنا نقلا عن بعض كتبه المتداولة والمشهورة ؟
أما الاحتجاج لجواز إبدال الهمزة هاء بما عليه العمل عندنا فهو احتجاج لا ينتهض أخذا بمنهج أبي زيد بن القاضي الصريح في كتبه، فإنه كثيرا ما يذكر ما عليه العمل بفاس ثم ينتقده وينسفه بقوة الحجة ويدعو إلى العودة إلى الحق والصواب.
فمن ذلك مثلا قوله في كتابه "مقالة الإعلام في تخفيف الهمز لحمزة وهشام" يقول عند ذكر الوقف على همزة "قروء" عند حمزة وهشام بالإبدال والإدغام : "تنبيه: قد بان بالدليل والبرهان من كلام الأئمة الأعيان أن ما جرى به العمل من نقل حركة الهمزة من قوله تعالى "ثلاثة قروء" لحمزة وهشام باطل لا عمل عليه.. فصار العمل به عندنا تقليدا، وإن ذكر الحق كان بعيدا، فرحم الله من أنصف، واتبع الحق حيث كان واعترف".
وقال في كتابه "بيان الخلاف والتشهير وما وقع في الحرز من الزيادة على التيسير" عند ذكر إخفاء النون وحقيقته في "أنذرتهم" في أول البقرة : "فمن أخل بالإخفاء فلا تحل تلاوته ولا روايته، فهذه وما أشبهها قد غفل عنها أهل مغربنا، فقد اجتمع أساتيذ المغرب يوما ب"المدرسة العنانية" وتفاوضوها فلم يلم بها أحد ولم يشعر بها، مع أنها صريحة في الشاطبية وفي كل كتاب من كتب أهل الأداء، فلا يغتر عاقل بإجماع الناس على أمر، فعليك بالحق واتباعه، واعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال، والزم طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين". وكثير من مثل هذا من الاعتراض على ما جرى به العمل في القراءة والرسم وغير ذلك مما نقف عليه في "الفجر الساطع" وبيان الخلاف والتشهير". والقول والفصل" و"الإيضاح" وعلم النصرة" وغيرها من كتبه.
الفصل الثالث:
أثر ما انتهى إليه ابن القاضي
من القول بالجواز وإسناد ذلك إلى أبي عمرو الداني :
ولنتابع الآن أثر هذه الدعوى في ساحة الإقراء لنرى كيف اغتر بها طائفة من المشايخ وتدرعوا بها للدفاع عن مذهب الإبدال المحض، وكيف تصدى آخرون بحق لإدحاضها وتفنيد مستنداتها.
فأما على المستوى الأول فنقف على صورة منه عند الشيخ أبي سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي الرحالة صاحب الرحلة المشهورة ب"ماء الموائد" (ت 1090) وهو من تلاميذ أبي زيد بن القاضي وممن سلك سبيله في الجواز( ) وقد نقل القول بالجواز إلى بعض أئمة الإقراء بالمشرق ونقل له عن شيخه ما يقيم به البرهان على دعواه فقبل منه. يقول في كتاب رحلته وهو بصدد الحديث عمن لقيهم من شيوخ القراءة بالمسجد النبي فيذكر الشيخ أبا الحسن علي بن محمد الزبيدي :
"ابتدأت عليه القراءة سنة 1073هـ بالمسجد النبوي الشريف، فقرأ "ءأنذرتهم" بالتسهيل بين بين، وكان حسن النطق به، وقال : لا نعرف فيه "محض الهاء"، فأخبرته بأن شيخنا أستاذ الجماعة بفاس أبا زيد بن القاضي قد نقل في "مفرداته" عن أبي عمرو الداني جواز إبداله هاء محضة، فسألني أن أطلعه على ذلك، فأطلعته عليه، فسر بذلك". قال أبو سالم :
"وقد اشتد سرور شيخنا الملا إبراهيم( ) بالإطلاع على ذلك، لكونه-رضي الله عنه- غلبت العجمة على لسانه، فيعسر عليه النطق بالهمزة المسهلة، بل كان لا يطيقه، فقال :
"الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ولم يكلفنا فوق طاقتنا، فنحن نقتنع بموافقة إمام من الأئمة، خصوصا الإمام المتفق على جلالته أبا عمرو الداني رضي الله عنه"، قال أبو سالم :
"ونص ما ذكره شيخنا ابن القاضي في "مفرداته المكية" ( ) :
"جرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل بهاء خالصة مطلقا، وبه قال الداني، ومنعه أبو شامة والجعبري وفصل ابن حدادة بجوازه في المفتوحة دون المضمومة والمكسورة"( ).
وانظر كيف أمسى هذا المذهب الذي لا سند له من رواية ولا أداء مأخوذا به آخر الأمر مشهودا له مزكى بما "جرى عليه العمل"، مدعوما بنقل الأئمة المشهورين عمن ثبتت جلالته، وهو في الوقت ذاته قد ملأ كتبه بما يناقضه ويدفعه، وسائر من نقلوا كتبه أو استفادوا منها أو نظموها أو شرحوها كابن الباذش في "الإقناع" وأبي القاسم الشاطبي في "الحرز" وابن أبي السداد المالقي في "الدر النثير" والمنتوري في شرح الدرر اللوامع" لم ينقلوا عنه حرفا واحدا في التسهيل إلا مصرحا فيه أو مرادا به أنه "بين بين"أي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها كما تقدم.
ومع هذا فقد جرى العمل "عندنا بفاس والمغرب في المسهل بهاء خالصة"، وهاهو أبو العباس الأوعيشي يقول في "الاحمرار"على ابن بري :
"وما به العمل ذا المسهــل يقرأ هاء خالصا ويقبــــل
ولا أدري عمل من هذا الذي جرى به، مع أن علماء القراءة شرقا وغربا على إنكاره وأطبق المعتمدون منهم على شجبه والتحذير منه قديما وحديثا.؟
ولنبدأ عرض صور من ذلك من قريب من زمن ابن القاضي بذكر ما يلي :
1- اعتراض الشيخ أبي الحسن علي النوري الصفاقسي (1053-1118) وهو من تلاميذ بعض أصحاب ابن القاضي كما تقدم( ).
قال في كتابه "تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين"، وإذا سهلت المفتوحة في نحو "ءأنذرتهم" وجاء أحدكم" و"السفهاء أموالكم" فالتسهيل حرف بين الهمزة المحققة وحرف المد الذي يجانس حركتها وهو الألف…ثم ذكر تسهيل المكسورة والمضمومة بنحو ما تقدم وقال :
و"بعض القاصرين يجعل التسهيل هاء محضة وهو لحن لا تحل القراءة به.
واستدل له بعض الأخذين به بأنه يجوز في كلام العرب إبدال الهمزة هاء، وهو باطل بديهي البطلان، إذ لا يلزم من جواز الشيء في العربية جواز القراءة به، وأيضا فإن إبدال الهاء من غير التاء مقصور في العربية على السماع من العرب، كقولهم "هياك" في إياك، ولا يجوز القياس عليه، وهو في الكتب المتداولة: "التوضيح"( ) وغيره ومسألتنا لم يسمع فيها. ثم قال :
"ولنا أدلة كثيرة في الرد على زاعم هذا بيناها في تأليف لنا مستقل في هذه المسألة بسبب سؤال ورد علينا فيها"( ).
-2اعتراض الشيــخ المقرئ أبي العلاء ادريس بن عبـد الله الودغـــيري الــبدراوي (ت 1257).
قال في كتاب "التوضيح والبيان"، "فيجب على القارئ أن يفرق في تلفظه بين البدل وبين التسهيل بين بين، لأن جل الناس إذا تلفظ بالتسهيل بين بين جعله هاء خالصة، وذلك عين البدل لا عين التسهيل بين بين، لأن حقيقة البينية هي أن يؤتى بالحرف بين مخرجين كما وصفت، فالهاء محضة لمخرج واحد، فليست بين مخرجين.
وأجاز بعضهم صوت الهاء في التسهيل بين بين، وبعضهم خصه بالمفتوحة منه فقط لشدة خفتها.
والمعتمد أنه لا يجوز منه شيء من ذلك، إذ ربما يظهر من مذهب المجيز لذلك الترخيص لعاجز عن التلفظ به على حقيقته، وإذا ما تأملت ألفاظ جميع الناس لا تجدهم يحسنون غير التلفظ بالتسهيل بين بين، فضلا عن أن يعجزوا عنه.
وبيان ذلك هو أن الهمز المحقق لما كان صعبا جدا عند التلفظ به افتقر إلى زيادة عمل واعتناء به عند النطق به، فمهما فرط الإنسان في شيء من حقه إلا وضعف الصوت به ومال اللفظ به إلى جهة مخرج الحرف الذي يناسب حركته، فإن كان مفتوحا مال اللفظ به إلى الألف، وإذا كان مضموما مال اللفظ به إلى الواو، وإذا كان مكسورا مال اللفظ به إلى الياء، وهذا القدر هو الموجود في طبع الناس كافة عند إرادتهم النطق بالهمز المحقق، ويدرك ذلك منهم عند سماعه للفظهم بالهمز من له أدنى تمييز.
"ثم إنهم إذا أرادوا أن ينطقوا بين بين في إعتقادهم ارتكبوا البدل المحض، فيأتون بالهاء الخالصة، فالجواب عن ذلك : لا حول ولا قوة إلا بالله، قال :
وقد جمعت هذه الأحكام التي ذكرت ههنا في عشرة أبيات أحببت ذكرها ههنا لأن ما ذكر كله كالشرح لها وهي هذه :
والنطق بالتسهيل في الأداء
ومن يقل بصوتها في الفتح
والعجز لا يثبت في الرواية
ومن يخلص هاء ها في الكل
إذ هي محض بدل بالهاء
يكون بين همزة والشكل
وصفة النطق بذا الطريق
يلزمه التهوين والتقليل
في الكسر والضم وفتح قد ألف
وذاك عين بين بين في الأدا
في مذهب الحذاق دون هاء
رخص للعاجز لذ بالشرح
في مثل هذا عن ذوي الدراية
يكن مخالفا لما في النقل
وبين بين صح في الأداء
لأنه ممحض في القول
عدم الإعتناء بالتحقيق
لصولة الهمزة لا التبديل
كاليا وكالواو يرى وكالألف
إذ محض حرف في الجميع فقدا( ).
فهذا شيخ الجماعة بفاس في زمنه وقاضي الجماعة بها في عهد المولى سليمان العلوي الشيخ إدريس البدراوي كما رأينا، والشيخ أبو الحسن النوري الصفاقسي التونسي قبله ينقضان كل ما تدرع به أصحاب مذهب الهاء ولا يلتفتان إلى ما نظره به الذين قاسوه على "هرقت" و"هياك"، ولا إلى قول من قال "نقتنع بموافقة إمام من الأئمة" لأنهما لا يثبتان هذا في رواية ولا دراية، كما رأينا أن العجز الذي تترس خلفه أبو زيد بن القاضي حين إدعى عدم القدرة على الإتيان به لعدم المشافهة "وقد عدمت فانعدم" جاء البدراوي فنقضه بأمر محسوس حين بين أن ترك الاعتناء بتحقيق الهمزة يجعلها تلقائيا مسهلة بينها وبين حرف المد واللين الذي منه حركتها كما تقدم.
-3موقف التونسيين بشكل عام :
تعرض الشيخ إبراهيم المارغني شيخ القراء بالزيتونة بتونس (ت 1349هـ) لهذه القضية في "النجوم الطوالع" فاستعرض الأحكام المتعلقة بالتسهيل بين بين ووصف كيفيته ثم قال :
"هذا هو المأخوذ به عندنا في كيفية التسهيل بين بين…ثم ساق قول أبي شامة السابق في إبراز المعاني القائل بالمنع، وأنه سمع بعض أهل الأداء ينطق بذلك هاء وليس بشيء" ثم قال المارغني مقلدا لابن القاضي :
"لكن جوز الداني وجماعة إبدالها هاء خالصة في الأنواع الثلاثة- قال : قال العلامة سيدي عبد الرحمن بن القاضي في بعض تآليفه: "جرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل بالهاء خالصة مطلقا وبه قال الداني"، ثم ذكر مذهب المجوزين في المفتوحة فقط وقال :
"والأكثرون على المنع مطلقا، وعليه جرى عملنا بتونس"( ).
-4موقف علماء سجلماسة ولمطة :
لم أقف إلا على بعض الإشارات في موضوع إبدال الهمزة المسهلة هاء وموقف أهل سجلماسة منه، ولكن يمكن من خلال هذه الإشارات على قلتها تصنيفهم ضمن السواد الأعظم من الأئمة المتأخرين الذين تتابعوا على رفض ذلك. ولا يستغرب منهم ذلك لما عرفوا به بين أهل المغرب من التحقيق كما تقدم في قول أبي العباس بن الرشيد السجلماسي في رسالته "عرف الند" إذ يقول عنهم : "ولقد صدق هذا المجيب فيما نسب إليهم من الطريقة المثلى والصنع العجيب، فما رأينا في هذا المغرب من وفى حروف الذكر حقها وأعطاها من المخارج والصفات مستحقها سوى هذه العصابة أولي التحقيق والإصابة، جزاهم الله رضوانه، وأسبغ عليهم إحسانه"( ).
ويظهر أن أصداء المعركة التي قامت حول هذه القضية قد بلغت إليهم فكان للشيخ المجود شيخ القراء في زمنه وزعيم "المدرسة اللمطية" في التجويد موقف صارم فيها ينسجم مع ما عرف له من مواقف أخرى مشابهة حكى عن بعضها صاحبه أبو العباس بن الرشيد السجلماسي في "عرف الند"( ).
إلا أن ما وصل إلينا من ذلك إنما هو بعض الإشارات لكنها وافية بالمراد بوجه عام، لأنها تدخل ضمن الموقف العام الذي اتخذه أكابر العلماء من هذه القضية منذ المائة العاشرة ـ فيما عدا ابن القاضي بفاس ـ.
أما إحدى هذه الإشارات فنجدها في الأرجوزة التالية للشيخ محمد الولاتي من علماء شيقيط في قوله :
وأحمد اللمطي حين نظرا
في الهاء عندهم سوى التصميم حفاظ أهل الغرب قال : لم أرى
كذاك رخوهم لحرف الجيم( ).
وأما الإشارة الثانية فهي من آخر ما كتب في وقتنا، وهي لمؤلف كتاب "المحجة في تجويد القرءان" قال بعد أن قرر أحكام الهمزة وأحوالها وبين أن همزة بين بين تسهل بين الهمزة وجنس حركتها (كذا) :
"يجوز إشراب الهمزة المسهلة بين بين صوت الهاء قليلا، ولا سيما المفتوحة، وبه قرأنا على شيخنا عن أشياخه( ) رحمهم الله ثم قال :
"وإبدالها هاء خالصة ليس براوية، وأراه لحنا"( ).
-5موقف أهل الصحراء المغربية وعلماء شيقيط :
ولعل أكثر المواقف صرامة في رفض إبدال همزة التسهيل هاء هي مواقف أهل الصحراء المغربية وما وراءها، ويترجم عن هذه المواقف عدد كبير من الآثار التي وقفت على بعضها أو على الإشارة إليها من آثار قراء الصحراء وعلمائهم.
ومن أبرز من تصدى لهذا المذهب من علماء هذه الجهات الشيخ محمد المختار بن محمد بن يحيى الولاتي، فألف في ذلك نظما ونثرا، وهو من علماء شنقيط توفي سنة 1352هـ.
فأما نثرا فقد ألف في ذلك كتابه الذي سماه "درة الغائص، في الرد على أهل الهاء الخالص"( ) وأما نظما فقد نظم فيه أرجوزة لعلها تضمنت أهم ما أدار عليه بحثه في كتابه النثري، ونظرا لأهميتها باعتبارها من ثمرات التمسك بالأصول والقواعد المنهجية التي أرسى عمداء المدرسة المغربية أركانها، كما أنها تمثل واجهة من واجهات هذه المعركة الأدائية في هذه الجهاب من البلاد المغربية، وحفاظا عليها وتعريفا بها نوردها بنصها وهي في 37 بيتا حسب النص الذي وصل إلي مصورا عن أصل أمدني بها بعض الأساتذة الباحثين شكر الله له( ). وهذا نصها :
أرجوزة محمد المختار الولاتي في تسهيل الهمز
الحمد لله الذي لي علما
وصلواته على من أيدا
وأله وصحبه إذ سطروه
وحرروه ورووه بالسند
وشرطوا فيه التواتر إلى
وبعد لما عمت البلايا
أردت نصحهم بما في علمي
تسهيلك الهمزة بين بين أن
من جنس شكلها متى تضم
وإن تكن مكسورة فمزجها
وإن تكن مفتــوحة فقد عــــرف علم كتابه الذي قد أحكما
بساطع النور فجاء مرشدا
ورتلوه غاية ونشروه
وجعلوه فيه شرطا يعتمد
طبقة سفلى كما قد نقلا
بالهاء خالصا على "الزوايا"( )
خوف حديث وارد في الكتم
تمزجها مزجا بحرف قد سكن
فمزجها بالواو قد يؤم
بالياء جنسها، وذاك نهجها
لها امتزاج واضح مع الألـــــف
في كلها صويت هاء نزعا
وقيل مع كل صويت الهاء
للشامي مع نجل حدادة الأبر
فبان أن من يقول العمل
ليس له في ذي الثلاث من سند
ومن يقل رويته فليات لي
أيــن رواه، وإلــى من استــــند وقيل في المفتوح قط وقعا
ثلاثة في طرق القراء
والحافظ الداني أبي عمرو الأغر
بالهاء خالصا لمن يسهل
فصار محدثا لقول انفرد
بالغزو في المطولات الأول
فيه، وهل قال به من يعتـمد؟؟؟
أول من قال به أكاز( )
لأنه خالف خط المصحف
فقد حكـى ابن الجزري في نشره( ) وقوله ليس له اعتزاز
والنحو، والسند فيه منتف
ألف طريق قد خلـت من ذكــره
وصوتها لا الهاء كل ذكره
وأذن التصغير( ) بالتقليل
إذ هو خالصا به لم يقل
كالمهدوي والداني والخراز
كذا ابن شنبوذ ونجل غلبون
والمالقي( ) والشاطبي والحصري
والغير من أئمة القراء
وأحمد اللمطي حين نظرا
في الهاء عندهم سوى التصميم
واغتر من للهاء جهلا مالا
واختلفوا في النطق بالتسهيل
من بعد نثره الذي فيه أبي
أن مضافا في النظـــام حــــذفا وكلهم ذكره مصغره( )
فضل أهل الهاء عن دليل
شيخ من أشياخ الأداء الأول
والشيخ مكي ونجل غازي
وفارس بن أحمد المقربون
وابن شريح والسخاوي الأشهر
لم يرو منهم واحد بالهاء
حفاظ أهل الغرب قال لم أرى
كذلك رخوهم لحرف الجيم
بنظم نجل القاضي حيث قالا :
فقيل بالهاء بلا تفصيل
عن ذكر هاء مطلقا فوجبا
وهو "صويت الها" لما قد عرفا
"وما يلي المضاف يأتي خلفا
وذا الذي أفادني الشيـــخ الأبــر عنه في الإعراب إذا ما حذفا"( )
شيخ الأداء الأحمدي( ) المعتبر
تلك أرجوزة الولاتي، وقد ناقش فيها القضية من جميع جوانبها، إلا أننا نلاحظ أنه سلم ولو جدلا بوجود الرواية في هذا عن الداني، كما لم يرفض القضية من أساسها، ولكن رفض منها القول بإخلاص الهاء في التسهيل، وقبل قبولا مبدئيا نوعا من المقاربة لذلك، وذلك عندما حاول الجمع بين ما قاله ابن القاضي نثرا في "الفجر الساطع" كما قدمنا- وبين ماقاله نظما في بيتيه اللذين ذكر فيهما المذاهب الثلاثة، ولذلك تأول قوله "فقيل بالهاء" على أن فيه حذف المضاف، لأنه أراد "صويت الهاء" لا الهاء الخالصة، لان القول بالهاء الخالصة معناه البدل الكامل وهو مخالف لرسم المصحف ولا سند له في الرواية عن أحد من الأئمة المعتبرين.
وهذه أرجوزة أخرى من عطاء هذه المعركة للشيخ عبد الله بن داداه الشنقيطي وتشتمل على نسعة وتسعين بيتا :
يقول عبد الله نجل سيدي
باسم الإله وله الحمد على
صلى على رسله وسلما
وبعد ذا فمقصدي أن أذكرا
وهو الذي من "بين بين" أبدلا
فلا ترى رواية بالهاء
سيان من قد صح ما كان روى
والكتب توجد من ادعاها
والحرف جاز فيه أن يذكرا
وحيثما القراء كانوا أطلقوا
لأنهم هم الذين ألفا
هــــــم نافــــع عــــاصم والمكي محمد بن الداه وهو المبتدي
نعمه التي بهاتفضلا
وأحمد، وكل شخص أسلما
إبطال هاء في البلاد اشتهرا
وحجة الإبطال وجهها جلا
مسندة لأحد القراء
وضده هذان في ذاك سوا
فلياتنا بها لكي نراها
وأن يؤنت كما عنهم يرى
الأربعة عشر هم فحققوا
ما قد رووه ففشا وعرفا
وحـمزة الكســـــــائي والبصري
ونجل عامر ويعقوب خلف
والأعمش اليزيدي ثم الحسن
فما إلى السبعة كان أسندا
وصح ما إلى الثلاثة نسب
وما للأربعة كان قد روي
وما عن السبعة ذا الهاء ورد
وما أتى عن هؤلاء الأربعة
فما بذي الها أتحف "الإتحاف"
والشاطبي ما في "القصيدة" روى
كذاك شراح "القصيدة"فما
والجزري في "نشره" لم يات به
وما "بغيث النفع" ذا الها جاء
إن قال ذو الها قد روى ابن القاضي
وقد عزا ما قاله للداني
فقل له : الداني ما إن ذكرا
همزة بين بين أنها قربت
فكان فيها حالة الأداء
وذلك الضعف هو التسهيل
والوصف غير الصوت والداني ما
وطالب ما قد نقلت عنه في
فمن عزا ذي الها له ما فهما
فهمز بين بين هاء أبدلا
وكون هذا الهمز ليس يشكل
إذ كل همزة بواو أبدلت
فــــــما لها إذ أبـــدلت بالهاء لا كذا أبو جعفر معهم ائتلف
ومعهم من أبه محيصن( )
فإنه تواترا قد –وردا
أو هو ذو تواتر وذا انتخب
فما رآه العلماء كالقوي
ولم يكن إلى الثلاثة استند
فما إليهم أحد قد رفعه
( )وقد أتى بما لهم يضاف
ذا الها لهم، وهو المقارئ حوى
رووا لهم ذا الها كما قد علما
عنهم ولا في غيره من كتبه( )
عنهم فمن عنهم روى ذا الهاء
ذا الها وما قد قال فهو ماض
وهو بالقرآن ذو عرفان
إبدال ذي الهمزة لكن فسرا
من مخرج الهاء لذاك ضعفت
ضعف وذاك صفة للهاء
لا أنه يعنى به التبديل
ذكر صوت الهاء فيما رسما
تيسيره يجده غير خفي
مراده بذكرها فوهما
ومقصد الداني أن تسهلا
وهو قد أبدل هاء يشكل
أو يا فشكلها لديهم ثبت
تشـــــكل عند من لها قد أبـــدلا
والحرف إن كـــمل في صفاته
وإن يكن منـــع بعض وصفه
لا المدغم الناقص شرح "المورد"
فبين بين عندهـــم ما شكلت
قلت انحذاف شكلها دل على
إذ نافع وصحبه مــا أشـــكلوا
وقد عزا ذو "الدرر اللوامع"
لقوله لا تك ذا نسيان
وما روى في نظمه إلا بدالا
"فنافع سهل أخرى الهمزتين
ثم إذا اختلفتا وانفتحت
إن قال ذو الها عندنا دليل
"لهنك" الوارد في شعر نرى
لأنه قد صح جعل الهاء
عن عربي والقرآن عربي
فقل له : ما قلت ليس حجة
أبدلت همزا من كلام البر
فلا يصح أخذ ما قد سبقا
مثال ذا أخذ كلام الوارث
فإن يقل ذو الها جرى بها العمل
وما به العمل ذا المسهل
فقل له القرآن لا بالعمل
لأنما العمل إن كان انفرد
فـــــــإن يقــــل ذو الها لنا رواية فشكــــله مقــــترن بــــذاته
فشكله عنه حــــر بحــــذفه
لنجل عاشر لذا انظر تجد
لكونها صفتها ما استكملت
طرو الإبدال الذي قد أشكلا
لأنهم ذا الهمز ها ما أبدلوا
تأليـــفه للـــداني ثم نـــافع
سلكت في ذاك طريق الداني
للهمز بالهاء ولكن قالا :
بكلمة، فهي بذاك بين بين
أولا هما فإن الأخرى سهلت"( )
لهائه قد وضح السبيل
فيه دليلا للذي بالها قرا( )
في موضع الهمز بلا خفاء
فمن قراه بلغاهم يصب
لكن به حدت عن المحجة
هاء لأن جا مثل ذا في شعر
عندهم من الذي قد لحقا
وهو قديم من كلام حادث
وقال منا رجل بيتا نقل:
يبدل هاء خالصا ويقبل"( )
يثبت لا ولا بقول رجل
عن الرواية فإنه يرد
بــــــها عن الداني "ذي الدارية
فقل له : ما صح ما قد نسبا
لا تنس في الهمزة ما قد قالا
وإن فرضنا أنه بالها قرا
فما رأيناه له مجاوزا
وننحن ننكر وجود سند
فالمدعي له بذي الها سندا
لا يثتب القرءان إلا بسند
وهكذا إلى النبي الأمي
صلى عليه ربنا وسلما
فالسند المقطوع لا يحتج به
فبان من ذا ضعف ما كان استند
وبين بين بالتواتر وصف
ببين بين قرأ البصري
كذا أبو جعفر واليزيدي ثم
وقل لمن عجز عن تحقيق
فإنه ورد عن قراء
ونجل عامر ومنهم خلف
ومعهم الأعمش أيضا والحسن
وألف الإدخال للشامي قد
ومن على التحقيق كان استندا
فسند التحقيق كالتسهيل
إياك أن تقرأ إلا بالذي
فمن بتسهيل أو التحقيق
ومن يكن بهذه الهاء قرا
لعدم الدليل والعاقل لا
وإن ترد حكم القراءة بها
فالعالم النوري بدر العلما
وصاحب "الكفاف" في بيتين
"من جغل الهمزة هاء خالصا
كما به النوري شيخ المقرئين
والعلما أكثرهم ذي الها منع
فقل لذي الهاء إذا ما علما
ويأخذ الذي رءاه اتفقا
ممتثلا "دع ما يريبك إلى
وفقنا الله لترك ما نهى
بجاه أحمد عليه الله
والحـــــــمد لله في الإنتـــهـــــاء له من الإبدال فاجعله هبا
من ذكره التسهيل لا إلابدالا
وأنه قد كان عنه صدرا
فما رواه قطع المفاوزا
بالهاء للداني بلا تردد
يأتي على الذي ادعى بشهدا
متصل عن عدد جم –ورد
ذكر ذا جميع أهل العلم
وءاله ومن لدينه انتمى
قد قال ذاك كل عالم نبه
ذو الها له لقطع ذلك السند
سندها في ذاك عنهم ما اختلف
ونافع الإمام والمكي
نجل محيصن إليهم يضم
لبين بين مل إلى التحقيق
هم عاصم حمزة والكسائي
كذاك يعقوب له ذا يعرف
ومن قفا ذا الرهط جاء بحسن
أتى مع التحقيق ذا به انفرد
فليس يحتاج لشيخ في الأدا
فيما له من قوة الدليل
صح عن القرا وغيره انبذ
قرأ ما حاد عن الطريق
فإنه بمهمه تحيرا
يسلك إلا منهجا مذللا
فاسمع كلام العلما وانتبها
قراءة القرآن بالها حرما( )
نظم ذا فقال دون مين :
لحن لحنا مستبينا وعصى
صرح في "إرشاده للقارئين( )
ومثل هذا في "النجوم" قد وقع( )
بمنعها يترك ما قد حرما
على جواز أخذه من سبقا
آخره، وهو حديث اعتلى
عنه ولاجتنابنا ما اشتبها
صلى وسلم ومن تلاه
كمــــا له الحـــمد في الإبتــــداء
قد تـــــم ذا الجــــــمع بطا وضاد عدد أســــــــــما خالق العباد( )
وقد وفقت على أرجوزة شنقيطية ثالثة للشيخ المسمى عال بن أف سماها "التنبيه للمنحرف في 79 بيتا جمع فيها عدة مباحث منها 15 بيتا لهذه القضية وناقشها بنحو مما تقدم في الأرجوزتين السالفتين ومما جاء فيها :
يقول راجيا بلوغ الأمــــل من العلي علي وعفــو الزلل
ثم قال بعد أبيات :
تسهيل همز بينه تلتمس
فقيل يسمع صويت الهاء
ولم يك الصويت محض الهاء
بخالص الهاء ابن حاج قاض
لقوله في بيته بالهاء
دليل ذاك أنه قد نصرا
فكيف نظمه لما يخالف
واحتج بعض بوجود الأرب
ورده الشسخ الشهير المقسط
فبان من ذا أن هاء خالصا
وصحة التسهيل بين بينا
وأيضا الإبدال عند الراوي
لذا كآنتم على احتمال
وإنما التسهيل عند القوم
فــــبان أن الهــاء مــــع عـدمه ومن حروف المد ما يجانس
وقيل لا، وذابه أدائي
كما رويناه عن القراء
وقد نماه لابن قاض راض
فحذفه المضاف فيه جاء
قبيل بيته لما تسطرا
لنثره فع ولا تخالف
نظما ونثرا في كلام العرب
بعدم الرواية اللت شرطوا
ليس بخالص القويل القالصا
أي بينه وبين ما ذكرنا
إبدالها محضا كيا أو واو
عبر في "الدرر" بالإبدال
أن تمزج المد بغير لوم
مــــــــخالف للاصطلاح فأدره( )
تلك صورة عن مواقف قراء الصحراء المغربية وما وراءها ممن حافظوا على صحة الأداء ووقفوا موقف الرفض والإباء من كل طارئ يطرأ على التلاوة في صفائها وسلامتها من الهجنة والفساد، ولعل القارئ الكريم يلاحظ أننا قد أفضنا في عرض وقائع هذه القضية، وقد فعلنا ذلك قصدا لبيان مواقف علماء المدرسة المغربية الأصلاء من كل تهاون أراد أن يتسلل إلى ساحة الإقراء تحت ستار "ما جرى به العمل" "احتياطا منهم لكتاب الله أن يؤدي بالأساليب الأدائية الهجينة، ورعاية لما أفنى فيه سلف هذه الأمة في هذا الجناح الغربي من العالم الإسلامي الأعمار، وبذلوا في تحصيله وتأصيله النفوس على توالي الأعصار، حتى وصل إلينا محررا مهذبا مصفى من كل شائبة وقذى.
ولينظر القارئ المتهاون في هذا ومثله مع من يضع نفسه في آخر المطاف حينما يأخذ في كل موضع أبان علماء هذا الشأن وهنه وضعفه أو سقوطه وبطلانه، بما يراه هو ومن لف لفه من المتهاونين تعللا بما عليه العمل مرة، وإدعاء لذهاب التحقيق في هذا الشأن كما قالوا في شأن النطق بالإمالة كما سيأتي، وإخلادا منهم إلى الأرض وركونا إلى الكسل الذي أدى في النهاية إلى هجران علم التجويد كله جملة وتفصيلا، وهو علم أصيل انبثق من مشكاة النبوة وتتابع عليه السلف والخلف في قراءتهم لكتاب الله يقيمون بقواعده وأصوله ميزان تلاوته على حد قول صاحب الخاقانية في قصيدته :
"زن الحرف لا تخرجه عن حد وزنه فوزن حروف الذكر من أفضل البر"
))) انتهي من رسالة دكتوراة لفضيلة الدكتور حميتو
والسلام عليكم