صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (92)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يوسف": (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا)
القول الراجح أن المراد لا يأتيكما طعام في اليقظة إلا أخبرتكما بنوعه وماهيته وصفته قبل أن يأتيكما.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
الأول: أن المراد لا يأتيكما طعام تريانه في النوم إلا أخبرتكما بتأويله.
(اقتصر عليه الماتريدي*, وابن كثير*)
(واقتصر عليه ابن جرير*) لكنه ذكر القول الآخر في التعليق على رواية لابن جريج فيها أن الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معلوماً فأرسل به إليه، فقال يوسف:(لا يأتيكما طعام ترزقانه)... الخ.
قال ابن جرير: "وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج فقوله:(لا يأتيكما طعام ترزقانه) في اليقظة لا في النوم".
القول الثاني: أنه في اليقظة يخبرهما بنوع الطعام الذي سيأتيهما وماهيته وصفته.
(اقتصر عليه الزمخشري*, والرازي*, وصاحب الظلال*) (وذكر القولين دون ترجيح البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*)
قال ابن عطية: وهذا على ما روي من أنه نبي في السجن، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام.
وقال البغوي والرازي: فهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم}
والقول الثاني هو الراجح بقرائن:
منها قوله: (ترزقانه) فإن الذي يرى طعاماً في النوم لا يقال عادة: رزق طعاماً.
ومنها أن يوسف لا يؤول الطعام الذي يرى في المنام فحسب, بل يؤول كل أنواع الرؤى.
ومنها أنه لو كان في النوم لما احتاج أن يقول لهما ذلك, فإنهما قد عرفاه, وما سألاه عن الرؤيا إلا لعلمهما بمعرفته بالتأويل.
(وذهب ابن عاشور* إلى معنى آخر انفرد به)
قال ابن عاشور رحمه الله: جعل لتعبيره رؤيا الرجلين ذلك وقتاً معلوماً لهم، وهو وقت إحضار طعام المساجين, إذ ليس لهم في السجن حوادث يوقتون بها، فليس لهم إلا حوادث أحوالهم من طعام أو نوم.
ويظهر أن أمد إتيان الطعام حينئذ لم يكن بعيداً كما دل عليه قوله: {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} من تعجيله لهما تأويل رؤياهما وأنه لا يتريث في ذلك.
وضمير {بِتَأْوِيلِهِ} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {بِتَأْوِيلِهِ} الأول في قوله: {نبأنا بِتَأْوِيلِهِ}، وهو المرئي أو المنام. ولا ينبغي أن يعود إلى طعام إذ لا يحسن إطلاق التأويل عن الأنباء بأسماء أصناف الطعام خلافاً لما سلكه جمهور المفسرين".
ومعنى قول ابن عاشور رحمه الله: أنهما حين سألاه عن الرؤيا قال: سأخبركما بها قريباً فلن يحضر السجان رزقكما من الطعام في الوقت المعتاد إلا وقد أخبرتكما بتأويل رؤياكما, فقوله: (إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ) يعود إلى المرئي لا على الطعام.
وقول ابن عاشور هذا جيد وواضح, لكن عند التأمل يظهر أن فيه بعداً لأمرين:
الأول: أنه ليس فيه كبير معنى, فليس فيه إلا أنه سيخبرهم بتأويل الرؤيا قبل أن يأتي الطعام.
الثاني: كأن قوله: (لا يأتيكما طعام) فيها إشارة إلى تكرار وطعام مجهول, وهذا بخلاف الطعام المعتاد الذي يأتيهم في السجن.
وعلى هذا فالقول الأقرب هو القول الثاني والله تعالى أعلم.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يوسف": (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا)
القول الراجح أن المراد لا يأتيكما طعام في اليقظة إلا أخبرتكما بنوعه وماهيته وصفته قبل أن يأتيكما.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
الأول: أن المراد لا يأتيكما طعام تريانه في النوم إلا أخبرتكما بتأويله.
(اقتصر عليه الماتريدي*, وابن كثير*)
(واقتصر عليه ابن جرير*) لكنه ذكر القول الآخر في التعليق على رواية لابن جريج فيها أن الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معلوماً فأرسل به إليه، فقال يوسف:(لا يأتيكما طعام ترزقانه)... الخ.
قال ابن جرير: "وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج فقوله:(لا يأتيكما طعام ترزقانه) في اليقظة لا في النوم".
القول الثاني: أنه في اليقظة يخبرهما بنوع الطعام الذي سيأتيهما وماهيته وصفته.
(اقتصر عليه الزمخشري*, والرازي*, وصاحب الظلال*) (وذكر القولين دون ترجيح البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*)
قال ابن عطية: وهذا على ما روي من أنه نبي في السجن، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام.
وقال البغوي والرازي: فهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم}
والقول الثاني هو الراجح بقرائن:
منها قوله: (ترزقانه) فإن الذي يرى طعاماً في النوم لا يقال عادة: رزق طعاماً.
ومنها أن يوسف لا يؤول الطعام الذي يرى في المنام فحسب, بل يؤول كل أنواع الرؤى.
ومنها أنه لو كان في النوم لما احتاج أن يقول لهما ذلك, فإنهما قد عرفاه, وما سألاه عن الرؤيا إلا لعلمهما بمعرفته بالتأويل.
(وذهب ابن عاشور* إلى معنى آخر انفرد به)
قال ابن عاشور رحمه الله: جعل لتعبيره رؤيا الرجلين ذلك وقتاً معلوماً لهم، وهو وقت إحضار طعام المساجين, إذ ليس لهم في السجن حوادث يوقتون بها، فليس لهم إلا حوادث أحوالهم من طعام أو نوم.
ويظهر أن أمد إتيان الطعام حينئذ لم يكن بعيداً كما دل عليه قوله: {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} من تعجيله لهما تأويل رؤياهما وأنه لا يتريث في ذلك.
وضمير {بِتَأْوِيلِهِ} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {بِتَأْوِيلِهِ} الأول في قوله: {نبأنا بِتَأْوِيلِهِ}، وهو المرئي أو المنام. ولا ينبغي أن يعود إلى طعام إذ لا يحسن إطلاق التأويل عن الأنباء بأسماء أصناف الطعام خلافاً لما سلكه جمهور المفسرين".
ومعنى قول ابن عاشور رحمه الله: أنهما حين سألاه عن الرؤيا قال: سأخبركما بها قريباً فلن يحضر السجان رزقكما من الطعام في الوقت المعتاد إلا وقد أخبرتكما بتأويل رؤياكما, فقوله: (إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ) يعود إلى المرئي لا على الطعام.
وقول ابن عاشور هذا جيد وواضح, لكن عند التأمل يظهر أن فيه بعداً لأمرين:
الأول: أنه ليس فيه كبير معنى, فليس فيه إلا أنه سيخبرهم بتأويل الرؤيا قبل أن يأتي الطعام.
الثاني: كأن قوله: (لا يأتيكما طعام) فيها إشارة إلى تكرار وطعام مجهول, وهذا بخلاف الطعام المعتاد الذي يأتيهم في السجن.
وعلى هذا فالقول الأقرب هو القول الثاني والله تعالى أعلم.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/