النوال... (89) (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (89)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يوسف": (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

القول الصحيح أن هذا قول امرأة العزيز, فقالت: إني اعترفت بذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في من هو قائل هذا القول على قولين:
الأول: أنه قول يوسف عليه السلام.
وأنه قال: إنما رددت رسول الملك وتركت إجابته والخروج إليه وطلبت أن يسأل النسوة اللاتي قطعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب.
ثم قال: يوسف عليه السلام: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي).
(اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*) (ورجحه الزمخشري*).

وقال أصحاب هذا القول: إن المعنى يؤيد أن يكون من كلام يوسف ولو كان غير متصل بكلامه الأول, لمعرفة السامعين لمعناه، كاتصال قول الله: (وكذلك يفعلون) بقول المرأة: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة)
وكذلك قول فرعون لأصحابه: (فماذا تأمرون)، وهو متصل بقول الملأ: (يريد أن يخرجكم من أرضكم)

القول الثاني: أنه قول امرأة العزيز, فقالت: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} أي: إني اعترفت بذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه.
وهذا هو القول الصحيح, والقول الأول ضعيف.

ومما يدل على ضعفه قوله: (وما أبرئ نفسي) فيبعد أن يؤسف يريد أن يبرئ ساحته من الاتهام ثم يقول في هذا المقام: وما أبرئ نفسي, واللائق أن يكون هذا القول من المرأة لأنه وقعت في السوء ومراودة يوسف عليه السلام.

(رجح هذا القول ابن كثير*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
(وذكر القولين دون ترجيح ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)

قال ابن كثير رحمه الله مرجحاً لهذا القول: "وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام, وقد حكاه الماوردي في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، فأفرده بتصنيف على حدة... وهذا القول أقوى وأظهر, لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم".

وقال ابن تيمية: "وقد قال كثير من المفسرين: إن هذا من كلام يوسف, ومنهم من لم يذكر إلا هذا القول, وهو قول في غاية الفساد ولا دليل عليه, بل الأدلة تدل على نقيضه, وقد بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع".

وقال في "جامع المسائل": "قوله: (وما أبرئ نفسي) هو من تمام كلام امرأة العزيز، وكما دل على ذلك القرآن في غير موضع, ومن قال: إنه من كلام يوسف فقد قال باطلاً، والنقولات في ذلك عن ابن عباس ضعيفة بل موضوعة.
ولو قدر أنه قال ذلك فبعض ما يخبره هذا وعبد الله بن عمرو من الإسرائيليات كله مما سمعوه من أهل الكتاب، فلا يجوز الاحتجاج به"اهـ

تنبيه:
قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) أي: أني اعترفت بذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه. (هذا هو المعنى كما سبق).

(وانفرد ابن كثير*) فذكر أن المعنى: أني اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أن لم أخنه في نفس الأمر.
ويبدو أن هذا ذهول من ابن كثير, فإن هذا يناسب القول الأول وأنه قول يوسف عليه السلام.
وأنه قال: إنما فعلت ذلك ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
خالص التقدير والشكر للشيخ صالح أصلحني الله وإيّاه.
ولكن فليسمح لي فضيلته بهذا الاستدراك:
أقول: بل يجب أن يكون قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين* وما أُبرّئ نفسي إنَّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)، من كلام يوسف، وهو – في تقديري – لا يحتاج أدنى توقُّف فيه، واستدعاء قول الرازي من مقام آخر إلى هذا المقام: (إن الذين يتبعون أمثال هذه الكلمات فقد ‌حرموا ‌الوقوف ‌على معاني كلام الله تعالى حرمانا عظيمًا) تحكُّم لا يعجز عنه أحد. وكان المنتظر فيمن ندب نفسه للترجيح بين أقوال المفسرين أن يستفرغ وسعه في تتبعها، ومعرفة مأخذها، ولوازمه، والجواب عنه، والإيراد عليه .... إلى آخر ما هو معروفٌ لأهل هذه الصنعة.
ونعود إلى المعنى، فيوسف – عليه السلامعليه السلام – كان ينتظر لا محالة نتيجة مساءلة الملك للنسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ، لأنه هو الذي ندب الملك إليها في قوله: (ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة) الآية... فلا شكَّ أنَّه عُلِّم بقولهنَّ، فعند ذلك قال: "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"، وهذا مفهوم، وقد جرت السورة الكريمة على هذا الأسلوب في اختصار المفهوم؛ كقول الساقي: (فأرسلونِ* يوسف أيها الصديق أفتنا)؛ أي فأرسلوه فجاءه فقال له: يوسف أيها الصديق...
ويوسف – وإن هَمَّ – فإنه لم يَخُن، والتي خانت هي امرأة العزيز، ويُستغرب أشدَّ الاستغراب من أن يكون كلُّ ما فعلته امرأة العزيز، من إعجاب بيوسف، ومراودتها إيّاه عن نفسه، وتغليقها للأبواب، وتمزيق قميصه، ثم إنكارها أنَّها هي البادئة، ومجاهرتها برغبتها فيه أمام ثلة من النسوة، وحملها زوجها على إلقائه في السجن ظلمًا وعدوانًا؛ كلُّ هذا ولم تخنه بالغيب؟!!! فهي إمَّا كاذبة، وإمَّا أنَّ الخيانة في عُرفهم لها تعريف غير الذي في عُرفنا!! ولو كانت إحدى نساء المسلمات وفعلت كل هذا فهل كان ينطبق عليها الوصف المرويّ عن النبي صلى الله عليها وسلّم: (وإذا غاب عنها حفظته)؟!
كذلك؛ فإنَّ القول بأنه من كلام يوسف عليه السلام منسجم مع ما فيه من تصريح بأسماء الله تعالى وصفاته ومعرفته بسُنَّته في الخائنين، فهذا كلام مؤمن، لا كلام امرأة من قومٍ مشركين تحيا حياة الترف والدعة.
وأما قوله: (وما أبرئ نفسي) فهو الذي حمل بعض المتأخرين على استبعاد كونه من كلام يوسف؛ لأنهم نفوا عن يوسف عليه السلام الهَمَّ، وقد أثبته الله تعالى منه بقوله: (وهمَّ بها)، أي وقع في نفسه بعضُ الهمِّ لولا أن عصمه الله تعالى وأراه برهانه، فهذا هو اللائق بألفاظ كتاب الله تعالى ونظمه، مع اعتقادنا أنَّه لم يجلس منها مجلس الرجل من زوجه كما هو قول عامّة مفسّري السلف باختلاف العبارات عنهم. وإنما نُثبت له الهمَّ ونُمسِك عمَّا فوقه، والهمُّ فوقه حَزمٌ فعَزمٌ فعقدٌ ففِعلٌ، والذي ذكره الله جل ذكره عنه الهمُّ، والذي يذكرونه فِعلٌ، ولذا قال يوسف: "إنَّ النفس لأمَّارة بالسوء" فصرّح بأنَّ همَّه كان مجرّد حديث نفسٍ، وهؤلاء يدَّعون أنه فِعلٌ، فتأمَّل!
والله تعالى أعلى وأعلم.
 
قولك بارك الله فيك: "هذا كلام مؤمن، لا كلام امرأة من قوم مشركين"

ومن قال إن المشركين لا يعرفون الله وصفاته وملائكته والتقرب إليه والبر والاثم.

هذا الله يقول عن المشركين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
وقال: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
وقال: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً)
وقال العزيز لامرأته: (َواسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)
وقالت النسوة: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)

قال ابن عاشور: "وهذا يقتضي أن قومها يؤمنون بالله ويحرمون الحرام، وذلك لا ينافي أنهم كانوا مشركين فإن المشركين من العرب كانوا يؤمنون بالله أيضاً، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) وكانوا يعرفون البر والذنب".

أما القياس على قوله: (فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا) أي: فأرسلوه فجاءه فقال له: يوسف أيها الصديق..

فهذا القياس من أبعد ما يكون.
حذف فأرسلوه فجاءه لا يجهله حتى العامي البليد والعجوز الأمية والطفل الغبي.
أما ارتباط قوله: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) بقول يوسف فلولا أنه قيل بهذا القول الباطل لما كان ليدور بخلد أحد من العالمين.

وأما قولك: "ويُستغرب أشدَّ الاستغراب من أن يكون كلُّ ما فعلته امرأة العزيز، من إعجاب بيوسف، ومراودتها إيّاه عن نفسه، وتغليقها للأبواب، وتمزيق قميصه، ثم إنكارها أنَّها هي البادئة، ومجاهرتها برغبتها فيه أمام ثلة من النسوة، وحملها زوجها على إلقائه في السجن ظلمًا وعدوانًا كلُّ هذا ولم تخنه بالغيب"

نعم كل هذا ليس خيانة بالغيب بل ويوسف شاهد يسمع.

فليس المراد أنها لم تخن زوجها بل المراد أنها لم تخن يوسف بالغيب.
 
بوركتم شيخنا الكريم، وفَّقني الله وإياكم إلي كلِّ خيرٍ، ونفع بكم.
فرق بين أن يكون المشرك يعرف الله، وبين أن يكون يعلم أسماءه وصفاتِه ويتصرّف على أساس هذا العلم، فيُقرِّر مقتضياتها ويؤكده، ولو تأمَّلت في صياغة الآية مليًّا لاستشعرت ما أريد أن أومئ إليه: (إنَّ النفس لأمَّارة بالسوء إلا ما رحِم ربِّي إن ربي غفور رحيم) بإضافة اسم الربِّ إلى ضمير المتكلم المشعر بالمعية الخاصة مرتين، وبالتوكيد.
فهو على هذه الصورة من النَّظم – أكرُّر – قد يُستبعد أن يكون من مقول امرأة من قومٍ مشركين تحيا حياة الترف والدعة، وحكى عنها سياق السورة الكريمة ما حكى. فحين نحتار في نسبته لنبيٍّ أو لامرأة هذه صفتها، فانظر إلى مَن تميل الكفّة.
وأمَّا استبعاد القياس في الحذف فشيء يخصُّك غير مبنيٍّ على قواعد علمية، وإنما أردتّ أن أبين لك أن أسلوب السورة جارٍ على الاختصار، وعادة القرآن الأسلوبية مُعتبرة في الترجيح كما لا يخفى على فضيلتكم، ولو تكلّفتُ لك قليلًا لأتيتك بعشرة أمثلة عليه من السورة الكريمة، بعضها في غاية الوضوح، وبعضها يحتاج لتفهُّم وتدبُّر، كقوله تعالى: (ما لك لا تأمنا) الآية؛ دلَّ على أنه قد تقدَّم منهم سؤال لأبيهم في أن يخرج أخوهم معهم؛ لأن مثل هذا الكلام لا يُشبه أن يُتكلَّم به مُبتدَأً من غير تقدُّمِ نحوِه، فدلَّ على أنه قد كانت بينهم وبين أبيهم مراجعاتٌ قبل هذا، طلبوا إليه فيها أن يصحبوا معهم يوسف إلى حيث يسرحون بأغنامهم، فأبى عليهم ذلك؛ متعلّلًا بخوفه عليه من أن يصيبه مكروه [انظر: تأويلات أهل السنة، للماتريدي (6/ 213)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (9/ 138)، والبحر المحيط، لأبي حيان (6/ 244)، والتفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم الخطيب (6/ 1240) وغير ذلك]. فهذا محذوف غالبًا سيجهله "العامي البليد والعجوز الأمية والطفل الغبي"، وكما قلتُ لك: التحكُّم لا يعجِز عنه أحد، وليس من صنعة العلم في شيءٍ، بَلْهَ أن يكون من صنعة التقويم والترجيح.
وكان يمكن أن أكتفي بأن أقول لك: والحذف في موضعنا هذا مما يفهمه المتدبِّرون، وليس كلّ القرآن يعرفه العاميّ البليد والعجوز الأمية والطفل الغبي، فتأمل أيضًا.
وأما تفسير أنها لم تخُن يوسف بالغيب، فما الفائدة منه أصلًا، وقد اعترفت عليها النسوة؟!! ألا ترى قوله تعالى: (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ)؟ الآن بعد أن اعترفت عليها النسوة، وانكشف المفضوح أصلًا؟!!! ما الذي أفاده تقرير المقرَّر، وما الذي طلب يوسف صلى الله عليه وسلم إلا شهادة النسوة اللاتي قطّعن أيديهن؟!! هل كان يوسف يأبه باعترافها أصلًا؟!! وأما هي فبعد أن ثبتت عليها الجريمة، وأحدقت بها الفضيحة من كل جانب؛ قالت لنفسها بلهجة المصريين: يا بِتْ خليها بجميل، واعترفي على نفسك وخلاص، واكسبي بونط عند يوسف!!! بل وتبجّحي بأنك لم تخونيه بالغيب. ولماذا أيتها المرأة ما دمت تخشين على صورتك أمامه، لماذا لم تسعي بوساطتك لإخراجه من السجن كما ألقيتِه فيه؟! قرَّرتِ اعتراف النسوة، وعرَّفتِ بالمعروف المكشوف لكلِّ الناس في الوقت الضائع حتى لا يقولَ أنَّك لم تخونيه بالغيب؟!! أي معنًى كان بذهنها، لو كان هذا المراد؟!!
على أنَّ البليغَ يعلم أنَّها لو أرادت هذا المعنى لقالت: ليعلم أني لم أنُكر ما قاله، أو: ليعلم أني لم أكذب عليه هذه المرة، أو ليعلم أني لم أواصل اتهامه، أو ليعلم أني لم أظلمه مرة ثانية... أو نحو ذلك من العبارات الأكثر دلالة على هذا المعنى من إقحام الخيانة ها هنا. والله أعلم.
والخلاصة: فالآية مهما تأملت في نظمها وفي سياقي النصِّ والموقف بيّنة أنَّها من كلام يوسف كما ذهب إليه الجمهور.
وليس بي حاجة لكثرة الردّ والمساجلة فالوقت أضيق من ذلك، وقد طالعتُ بعض موضوعات فضيلتكم الأخرى المعنونة بـ"النوال"، ولي عليها ملحوظات منهجية، وعلى بعضها ملحوظات خاصَّة، ورُغم ذلك لم أتدخل بالتعليق؛ لضيق الوقت وحرصي على ما أقامني الله عز وجلّ فيه، وكلٌّ مُيسَّر لما خُلِق له. ولكن الذي استفزني إلى التعليق على هذا الموضوع بالخصوص:
استدعاؤكم قول الرازي من مقام آخر إلى هذا المقام: (إن الذين يتبعون أمثال هذه الكلمات فقد ‌حرموا ‌الوقوف ‌على معاني كلام الله تعالى حرمانًا عظيمًا) وهو- كما قلتُ - تحكُّم لا يعجز عنه أحد، ومُوحٍ بسوء صنيع الجمهور فيما ذهبوا إليه. ولو اقتصرتم على أنَّ القولين محتملان، ولكنكم ترجّحون ما رجّحتم فما كنتُ لأعلِّق، فهذا شأنكم، ولكلٍّ ما يختار.
وإتمامًا للنصيحة، فمن الملحوظات المنهجية حول هذه السلسلة:
  1. أنَّه يجب على من انتدب للترجيح بين الأقوال التفسيرية ألا يقتصر على عدة كتب، ويدع ما سواها، فقد يكون الخير في المتروك، ولو خُيِّرت ما بين توسيع نطاق الكتب التي أرجّح منها مع الاقتصار على مواضع قرآنية محدودة أتعاطاها بالبحث، فهو أفضل عندي من تكثير المواضع القرآنية، وتضييق نطاق مصادر البحث. ولو لم توفَّق في حياتك كلها إلا للفصل في موضع واحدٍ بعمق بحثيٍّ يطمئن مَن يقف عليه إلى ما توصَّلت إليه من نتائج فحسبك وكفاك.
  2. وهذا يجرُّنا إلى الملحوظة الثانية، وهي أنَّ صنعة الترجيح قائمة أساسًا على استفراغ الوسع في تتبع الأقوال، وتحرير محل النزاع، ومعرفة الفروق الدقيقة بين الأقوال، ومعرفة مأخذها، ولوازمه، والجواب عنه، والإيراد عليه، والجواب عن الإيراد إن وُجِد...إلخ ما هو معلوم من ذلك.
وبعد؛ فهذه تذكرة لنفسي، ونصيحة لأخٍ فاضل يجمعنا به حبُّ القرآن والغيرة عليه، فأسأل الله أن يوفّقني وإياكم إلى الحقِّ، وأن يُرينا الحقّ حقًّا، وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا، وأن يرزقنا اجتنابه، وأن يجمعنا في جنّته إخوانًا على سرر متقابلين. آمين.
 
عودة
أعلى