صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (84)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الزمر": (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)
وقال تعالى في سورة "الأعراف": (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقال تعالى في سورة "الزمر": (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
القول الراجح أن المراد بـ(الأحسن) في هذه الآيات القرآن كله, والمعنى: اتبعوا القرآن الذي هو غاية في الحسن.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالأحسن في هذه الآيات الثلاث على أقوال كثيرة أهمها ثلاثة سأذكرها ثم أذكر الأقوال الأخرى الضعيفة لاحقاً.
القول الأول: أن المراد فعل أحسن ما يؤمرون به, فالعفو أحسن من الانتصار, والعفو أحسن من القصاص، وإخفاء الصدقة أحسن من إبدائها, والأخذ بالأحسن من العزائم أو الرخص وهكذا. (ذكره القرطبي*) (ورجحه الشنقيطي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
(وذكره البغوي* والزمخشري* وابن عطية* والرازي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
(واقتصر عليه الرازي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
قال الزمخشري عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ): "وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها، نحو القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء، والإبداء والإخفاء لقوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)".
وقال أيضاً: "أراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب وندب اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب، حراصاً على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً".
القول الثاني: أن المراد يستمعون إلى القرآن وفيه الأمر والنهي فيتبعون أمره وينتهون عما نهى عنه (اقتصر عليه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*)
(وذكره البغوي*, والزمخشري*, والقرطبي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
قال ابن جرير: "أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه، لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه".
ونحوه قول من قال: المراد اتبعوا سبيل الخير منه، ولا تتبعوا سبيل الشر (ذكره الماتريدي*)
(واقتصر عليه البغوي*) فقال: "التزموا طاعته واجتنبوا معصيته, فإن في القرآن ذكر القبيح لتجتنبه, وذكر الأدون لئلا يرغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره". (وذكره الرازي*, والقرطبي*)
(واقتصر عليه ابن عطية*) وزاده توضيحاً فقال: "معناه: أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وحدوداً على المعاصي ووعيداً على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل، وطريق الطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجد أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ(أَحْسَنَ)، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها".
القول الثالث: أن المراد القرآن كله, والمعنى: اتبعوا القرآن الذي هو غاية في الحسن (ذكره الرازي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
وذكره البغوي* وابن عطية* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
وهذا القول هو المعنى الراجح في الآيات الثلاث كلها.
قال الماتريدي: "أي: يتبعون الحسن منه. الأحسن بمعنى: الحسن".
وقال البغوي: "قال قطرب: بأحسنها أي: بحسنها, وكلها حسن".
وقال ابن عطية: "المعنى الآخر الذي يحتمله قوله: (بِأَحْسَنِها) أن يريد بأحسن وصف الشريعة بجملتها، فكأنه قال: قد جعلنا لكم شريعة هي أحسن كما تقول: الله أكبر دون مقايسة, ثم قال: فمرهم يأخذوا بأحسنها الذي شرعناه لهم".
وقال الرازي: قيل: المراد القرآن كله, ومعناه واتبعوا القرآن, والدليل عليه قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً)
وقال ابن عاشور: "و(أحسن) اسم تفضيل مستعمل في معنى كامل الحسن، وليس في معنى تفضيل بعضه على بعض لأن جميع ما في القرآن حسن.
وإضافة (أحسن) إلى (ما أنزل) من إضافة الصفة إلى الموصوف".
وقال عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا): "و(بأحسنها) وصف مسلوب المفاضلة مقصود به المبالغة في الحسن، فإضافتها إلى ضمير الألواح على معنى اللام، أي: بالأحسن الذي هو لها وهو جميع ما فيها، لظهور أن ما فيها من الشرائع ليس بينه تفاضل بين أحسن ودون الأحسن، بل كله مرتبة واحدة فيما عين له... فقرائن سلب صيغة التفضيل عن المفاضلة قائمة واضحة... وهذه الآية نظير قوله تعالى: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) والمعنى: وأمر قومك يأخذوا بما فيها لحسنها".
وهناك قولان آخران ذكرهما بعض المفسرين عند آية: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
فقيل: الذين يستمعون كلام الناس من الخير والشر فيتبعون أحسنه وأرشده (اقتصر عليه ابن جرير*, وصاحب الظلال*) (وذكره الماتريدي*, وابن عطية*)
وقيل: يستمعون القرآن وكلام الناس فيأخذون بالقرآن ويتركون كلام الناس. (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
قال ابن عطية: "كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه. وما ذكره المفسرون أمثلة وما قلناه يعمها"
وفي الآيات أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: المراد بالأحسن المحكمات، أي: وكلوا المتشابه إلى عالمه (ذكره القرطبي*)
وذكره البغوي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقيل: أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور، ثم أنزل القرآن ناسخاً لها وأمر باتباعه فهو الأحسن (انفرد بذكره القرطبي*)
وقيل: ما علم الله النبي عليه السلام وليس بقرآن فهو حسن، وما أوحى إليه من القرآن فهو الأحسن (انفرد بذكره القرطبي*)
وقيل: بأحسن مما عمل به الأولون, إذ فيه أخبار الأولين. (ذكره القرطبي*)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقيل: يتبعون أحسنه، أي: ناسخه، ويعملون به ويتركون منسوخه. (ذكره الرازي*)
وذكره ابن عطية* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
وقيل: المراد أن موسى أُمر أن يأخذ بأشد ما أُمر به قومه (ذكره ابن كثير* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
(واقتصر عليه صاحب الظلال*) فقال: "وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم".
توضيح:
مما يوضح أن المراد بالأحسن الكل هذا السؤال الذي ذكره الرازي.
قال الرازي عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا): "سؤال: وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به وظاهر قوله: (يأخذوا بأحسنها) يقتضي أن فيه ما ليس بأحسن وأنه لا يجوز لهم الأخذ به وذلك متناقض"
وقال: "فإن قالوا: فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن فقد منع من الأخذ بذلك الحسن, وذلك يقدح في كونه حسناً, فنقول: يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الزمر": (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)
وقال تعالى في سورة "الأعراف": (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقال تعالى في سورة "الزمر": (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
القول الراجح أن المراد بـ(الأحسن) في هذه الآيات القرآن كله, والمعنى: اتبعوا القرآن الذي هو غاية في الحسن.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالأحسن في هذه الآيات الثلاث على أقوال كثيرة أهمها ثلاثة سأذكرها ثم أذكر الأقوال الأخرى الضعيفة لاحقاً.
القول الأول: أن المراد فعل أحسن ما يؤمرون به, فالعفو أحسن من الانتصار, والعفو أحسن من القصاص، وإخفاء الصدقة أحسن من إبدائها, والأخذ بالأحسن من العزائم أو الرخص وهكذا. (ذكره القرطبي*) (ورجحه الشنقيطي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
(وذكره البغوي* والزمخشري* وابن عطية* والرازي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
(واقتصر عليه الرازي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
قال الزمخشري عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ): "وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها، نحو القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء، والإبداء والإخفاء لقوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)".
وقال أيضاً: "أراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب وندب اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب، حراصاً على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً".
القول الثاني: أن المراد يستمعون إلى القرآن وفيه الأمر والنهي فيتبعون أمره وينتهون عما نهى عنه (اقتصر عليه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*)
(وذكره البغوي*, والزمخشري*, والقرطبي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
قال ابن جرير: "أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه، لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه".
ونحوه قول من قال: المراد اتبعوا سبيل الخير منه، ولا تتبعوا سبيل الشر (ذكره الماتريدي*)
(واقتصر عليه البغوي*) فقال: "التزموا طاعته واجتنبوا معصيته, فإن في القرآن ذكر القبيح لتجتنبه, وذكر الأدون لئلا يرغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره". (وذكره الرازي*, والقرطبي*)
(واقتصر عليه ابن عطية*) وزاده توضيحاً فقال: "معناه: أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وحدوداً على المعاصي ووعيداً على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل، وطريق الطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجد أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ(أَحْسَنَ)، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها".
القول الثالث: أن المراد القرآن كله, والمعنى: اتبعوا القرآن الذي هو غاية في الحسن (ذكره الرازي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
وذكره البغوي* وابن عطية* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
وهذا القول هو المعنى الراجح في الآيات الثلاث كلها.
قال الماتريدي: "أي: يتبعون الحسن منه. الأحسن بمعنى: الحسن".
وقال البغوي: "قال قطرب: بأحسنها أي: بحسنها, وكلها حسن".
وقال ابن عطية: "المعنى الآخر الذي يحتمله قوله: (بِأَحْسَنِها) أن يريد بأحسن وصف الشريعة بجملتها، فكأنه قال: قد جعلنا لكم شريعة هي أحسن كما تقول: الله أكبر دون مقايسة, ثم قال: فمرهم يأخذوا بأحسنها الذي شرعناه لهم".
وقال الرازي: قيل: المراد القرآن كله, ومعناه واتبعوا القرآن, والدليل عليه قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً)
وقال ابن عاشور: "و(أحسن) اسم تفضيل مستعمل في معنى كامل الحسن، وليس في معنى تفضيل بعضه على بعض لأن جميع ما في القرآن حسن.
وإضافة (أحسن) إلى (ما أنزل) من إضافة الصفة إلى الموصوف".
وقال عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا): "و(بأحسنها) وصف مسلوب المفاضلة مقصود به المبالغة في الحسن، فإضافتها إلى ضمير الألواح على معنى اللام، أي: بالأحسن الذي هو لها وهو جميع ما فيها، لظهور أن ما فيها من الشرائع ليس بينه تفاضل بين أحسن ودون الأحسن، بل كله مرتبة واحدة فيما عين له... فقرائن سلب صيغة التفضيل عن المفاضلة قائمة واضحة... وهذه الآية نظير قوله تعالى: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) والمعنى: وأمر قومك يأخذوا بما فيها لحسنها".
وهناك قولان آخران ذكرهما بعض المفسرين عند آية: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
فقيل: الذين يستمعون كلام الناس من الخير والشر فيتبعون أحسنه وأرشده (اقتصر عليه ابن جرير*, وصاحب الظلال*) (وذكره الماتريدي*, وابن عطية*)
وقيل: يستمعون القرآن وكلام الناس فيأخذون بالقرآن ويتركون كلام الناس. (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
قال ابن عطية: "كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه. وما ذكره المفسرون أمثلة وما قلناه يعمها"
وفي الآيات أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: المراد بالأحسن المحكمات، أي: وكلوا المتشابه إلى عالمه (ذكره القرطبي*)
وذكره البغوي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقيل: أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور، ثم أنزل القرآن ناسخاً لها وأمر باتباعه فهو الأحسن (انفرد بذكره القرطبي*)
وقيل: ما علم الله النبي عليه السلام وليس بقرآن فهو حسن، وما أوحى إليه من القرآن فهو الأحسن (انفرد بذكره القرطبي*)
وقيل: بأحسن مما عمل به الأولون, إذ فيه أخبار الأولين. (ذكره القرطبي*)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وقيل: يتبعون أحسنه، أي: ناسخه، ويعملون به ويتركون منسوخه. (ذكره الرازي*)
وذكره ابن عطية* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
وذكره الماتريدي* عند تفسير آية: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
وقيل: المراد أن موسى أُمر أن يأخذ بأشد ما أُمر به قومه (ذكره ابن كثير* عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)
(واقتصر عليه صاحب الظلال*) فقال: "وأن يأمر قومه أن يأخذوا بما فيها من التكاليف الشاقة بوصفه الأحسن لهم والأصلح لحالهم".
توضيح:
مما يوضح أن المراد بالأحسن الكل هذا السؤال الذي ذكره الرازي.
قال الرازي عند تفسير آية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا): "سؤال: وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به وظاهر قوله: (يأخذوا بأحسنها) يقتضي أن فيه ما ليس بأحسن وأنه لا يجوز لهم الأخذ به وذلك متناقض"
وقال: "فإن قالوا: فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن فقد منع من الأخذ بذلك الحسن, وذلك يقدح في كونه حسناً, فنقول: يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/