النوال... (82) (يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبور)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (82)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الممتحنة": (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)

(القول الأقرب والله أعلم أن المراد بالقوم الذين غضب الله عليهم المشركون, لأن السورة من أولها تتحدث عنهم وعن أحكام موالاتهم.

والمعنى أن الكفار قد يئسوا من البعث والحياة الآخرة يأساً كاملاً كيأس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور, وإنما نص على الكفار لأنهم هم الذين كانوا يطالبون بإحياء من في القبور ويعتقدون عدم حصوله ويتحدون به وفي هذا جواب على ما أورده ابن جرير وابن عاشور كما سيأتي).

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المراد بقوله: (قوماً غضب الله عليهم) هم اليهود بقرينة ذكر الغضب الذي وصف به اليهود في مواضع من القرآن. (اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*) (ورجحه ابن عاشور*, ومكمل أضواء البيان*)

قال ابن عاشور: "هم اليهود، فالمراد بهم غير المشركين إذ شبه يأسهم من الآخرة بيأس الكفار، فتعين أن هؤلاء غير المشركين لئلا يكون من تشبيه الشيء بنفسه.
وقد نعتهم الله بأنهم قوم غضب الله عليهم، وهذه صفة تكرر في القرآن إلحاقها باليهود"اهـ

والجواب على ما أورده ابن عاشور أن يقال: إنما نص على الكفار لأنهم هم الذين كانوا يطالبون بإحياء من في القبور ويعتقدون عدم حصوله ويتحدون به.
فكانوا يقولون: (فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
وقال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

وبهذا الجواب يجاب عما أورده ابن جرير بقوله: "لا وجه لأن يخص بذلك الخبر عن الكفار، وقد شركهم في الإياس من ذلك المؤمنون". كما سيأتي عند ذكر الخلاف في قوله: (كما يئس الكفار)

وذهب آخرون إلى أن المراد بهم المشركون, وأن السورة ختمت بمثل ما بدئت به من النهي عن موالاة الكفار. وهذا القول هو الأقرب.
(ذكر القولين ابن عطية*, والقرطبي*)

وقيل: المراد عموم الكفار من اليهود والنصارى والمشركين (اقتصر عليه الرازي* ابن كثير*) (ومال إليه صاحب الظلال*)

وبناء على الاختلاف السابق اختلفوا في المراد بقوله: (يئسوا من الآخرة).
فالقائلون بأنهم اليهود قالوا: قد يئس هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم من ثواب الله ورحمته في الآخرة.
(رجحه ابن جرير*) (واقتصر عليه الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, وابن كثير*)
فالمراد بيأسهم حرمانهم من نعيم الآخرة.
كقوله تعالى: (والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي).

والقائلون بأنهم المشركون قالوا: المراد قد يئسوا من القيامة والبعث بعد الموت (بمعنى أنكروه وجزموا بعدم حصوله) (اقتصر عليه صاحب الظلال*)
وهذا هو الأقرب.

قال صاحب الظلال: "اليهود والمشركون الذين ورد ذكرهم في السورة، وكل أعداء الله. وكلهم غضب عليه الله. وكلهم يائس من الآخرة، لا يعلق بها رجاء، ولا يحسب لها حساباً".
(وذكر القولين ابن عطية*) (وذكرهما القرطبي* لكنه قال هكذا: كفار قريش قد يئسوا من خير الآخرة)

قال ابن عطية: "اليأس من الآخرة إما أن يكون بالتكذيب بها، وهذا هو يأس كفار مكة، فمعنى الآية: أن اعتقاد أهل مكة في الآخرة كاعتقاد الكافر في البعث ولقاء موتاه.
ومن قال: إن القوم المشار إليهم هم اليهود، فمعنى الآية: أن يأس اليهود من رحمة الله في الآخرة مع علمهم بها كيأس ذلك الكافر في قبره".

تنبيه:
(ابن كثير* اقتصر على القول الأول) لكنه ذكر القول الثاني لما فسر الجزء الأخير من الآية.
فقال: "وقوله: {كما يئس الكفار من أصحاب القبور} قيل: كما يئس الكفار الأحياء من قراباتهم الذين في القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك, لأنهم لا يعتقدون بعثاً ولا نشوراً، فقد انقطع رجاؤهم منهم فيما يعتقدونه".

تنبيه آخر:
(ابن عاشور* اقتصر على القول الأول) لكنه ذكر احتمالاً آخر فقال: يحتمل أن معنى يأسهم من الآخرة يراد به الإعراض عن العمل للآخرة فكأنهم في إهمال الاستعداد لها آيسون منها.

وأما قوله: (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) فاختلف المفسرون فيه على قولين:
(ذكر القولين الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)

القول الأول: أن المعنى: كما يئس الكفار من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء. (اقتصر عليه صاحب الظلال*) وهو القول الأقرب.

القول الثاني: أن قوله: (من أصحاب القبور) بيان للكفار، أي: كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة، لأنهم تبينوا قبح حالهم وسوء منقلبهم ومصيرهم. (فالمعنى) أنهم يئسوا من الآخرة كيأس ذلك الكافر في قبره. (رجحه ابن جرير*)

قال ابن جرير: "لا وجه لأن يخص بذلك الخبر عن الكفار، وقد شركهم في الإياس من ذلك المؤمنون".
(ولكن سبق الجواب على هذا الإيراد من ابن جرير في الجواب عن الإيراد الذي ذكره ابن عاشور سابقاً).

(وذكر القرطبي* قولاً ثالثاً) فقال: "وقال مجاهد: المعنى كما يئس الكفار الذين في القبور أن يرجعوا إلى الدنيا".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى