النوال... (81) (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا ولملئت منهم رعبا)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (81)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الكهف": (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)

القول الأقرب في المراد بالآية أنهم في صور وأوضاع غريبة تجعل من يطلع عليهم يمتلئ قلبه بالرعب ويولي منهم فراراً, فلا يتحمل مشاهدتهم, فليسوا بالنيام كالنيام وليسوا بأيقاظ, فهم في حالة غريبة, من انفتاح العيون والتقلب مع أحوال وصور أخرى غريبة لم يذكرها الله تعالى, إنما ألمح إليها.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في سبب الرعب والفرار منهم على خمسة أقوال.
القول الأول: أن السبب ما ألبسهم الله من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله. (اقتصر عليه ابن جرير*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)

قال الرازي*: "وقيل: إنه تعالى جعلهم بحيث كل من رآهم فزع فزعاً شديداً, فأما تفصيل سبب الرعب فالله أعلم به وهذا هو الأصح"اهـ

القول الثاني: أن سبب ذلك كثرة شعورهم وطول أظفارهم. (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفه الماتريدي*, وابن عطية*, والقرطبي*)

قال الماتريدي: "فلو كانوا على الحال التي ذكروا من تطاول الشعور وامتداد الأظفار وتغير أحوالهم لم يكونوا ليقولوا: (لبثنا يوما أو بعض يوم)".

وقال ابن عطية: "هذا قول بعيد، ولو كانت حالهم هكذا، لم يقولوا: {لبثنا يوماً أو بعض يوم}
وإنما الصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها، لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولا تغيرت صفة، ولا أنكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم".

القول الثالث: أن من يراهم يحسبهم لصوصاً قطاعاً للطريق، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق (ذكره الماتريدي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)

قال الماتريدي: "قال بعضهم: قوله: (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود) لأنهم كانوا في مكان الريبة واللصوص مما لا يأوي إليه إلا هارب من ريبة وشر أو قاصد ريبة وطالب عثرة ومكابرة لم يكونوا في مكان يسلم فيه ويرقد ولا يختار للنوم مثله".

قال ابن عاشور: "وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتاً إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب، على أنه قد سبق {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ}"اهـ

قلت: هذا القول بعيد, لأن الله تعالى قال: (لو اطلعت عليهم) ففيه إشارة إلى أن سبب الرعب ما يوجد في مرآهم من الأمور الغريبة المرعبة, لأن قوماً سينامون وهم أحياء عدة قرون لن تكون أوضاعهم إلا غريبة.

القول الرابع: أن السبب وحشة المكان. (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)

القول الخامس: أنهم في صور وأوضاع غريبة فأعينهم مفتحة ويتقلبون دون حس ولا شعور, فليسوا بالنيام كالنيام وليسوا بأيقاظ. (ذكره البغوي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
والقول الأول فيه قوة.
وهذا القول الأخير هو أقربها والله تعالى أعلم.

فإنهم في صور وأوضاع تجعل من يطلع عليهم يمتلئ قلبه بالرعب ويولي منهم فراراً, فلا يتحمل مشاهدتهم, فهم نيام كالأيقاظ, فليسوا بالنيام كالنيام وليسوا بأيقاظ, فهم في حالة غريبة, من انفتاح العيون والتقلب مع أحوال وصور أخرى غريبة لم يذكرها الله تعالى, إنما ألمح إليها بقوله: (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً).
ولهذا جاءت هذه الآية بعد قوله: (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)

قال صاحب الظلال: وهم في هيئتهم هذه يثيرون الرعب في قلب من يطلع عليهم. إذ يراهم نياماً كالأيقاظ، يتقلبون ولا يستيقظون.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى