النوال... (77) (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أَن الأَرض يرثها عبادي الصالحون)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (77)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأنبياء": (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)
القول الأقرب في الآية أن المراد بالزبور كتب الأنبياء كلها، والذكر اللوح المحفوظ.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالزبور والذكر في هذه الآية على سبعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالزبور كتب الأنبياء كلها لأنه مأخوذ من زبرت الكتاب إذا كتبته، والذكر اللوح المحفوظ.

والمعنى كتب ذلك في كتب الأنبياء وقد كتب قبل في اللوح المحفوظ (رجح هذا القول ابن جرير*, والشنقيطي*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*) (واقتصر عليه القرطبي*)
وهذا هو القول الأقرب.

قال ابن كثير: "أخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن لا محالة".

القول الثاني: أن الزبور الكتب التي أنزلها الله على مَنْ بعد موسى من الأنبياء، والذكر: التوراة. (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والقرطبي*)

القول الثالث: أن الزبور زبور داود، والذكر توراة موسى. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*).

القول الرابع: أن الزبور زبور داود والذكر القرآن، وبعد بمعنى قبل (انفرد به البغوي*)

القول الخامس: أن الزبور هو القرآن والذكر هو التوراة (ذكره الرازي*, وابن كثير*)

القول السادس: أن الزبور زبور داود عليه السلام، والذكر هو الذي يروى عنه عليه السلام قال: كان الله تعالى ولم يكن معه شيء، ثم خلق الذكر.(انفرد به الرازي*)

وقال الرازي: "وعندي فيه وجه آخر: وهو أن المراد بالذكر العلم أي كتبنا ذلك في الزبور بعد أن كنا عالمين علماً لا يجوز السهو والنسيان علينا، فإن من كتب شيئاً والتزمه ولكنه يجوز السهو عليه فإنه لا يعتمد عليه، أما من لم يجز عليه السهو والخلف فإذا التزم شيئاً كان ذلك الشيء واجب الوقوع".

القول السابع: أن الزبور كتاب داود, والذكر التذكير والوعظ للأمة. (انفرد به ابن عاشور*)

قال ابن عاشور: "ومعنى (من بعد الذكر) أن ذلك الوعد ورد في الزبور عقب تذكير ووعظ للأمة. فبعد أن ألقيت إليهم الأوامر وُعِدوا بميراث الأرض"
قال ابن عاشور: "فيكون تخصيص هذا الوعد بكتاب داوود لأنه لم يذكر وعْد عام للصالحين بهذا الإرث في الكتب السماوية قبله".

(وقد ذكر الماتريدي*) بعض هذا القول فقال: "وجائز أيضا: (كتبنا) في كتاب (من بعد الذكر)، أي: من بعد ما ذكرهم ووعظهم".

قال صاحب الظلال: "وعلى أية حال فالمقصود بقوله: «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ...» هو بيان سنة الله المقررة في وراثة الأرض...
لقد وضع الله للبشر منهجاً كاملاً متكاملاً للعمل على وفقه في هذه الأرض. منهجاً يقوم على الإيمان والعمل الصالح. وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصل هذا المنهج، وشرع له القوانين التي تقيمه وتحرسه وتكفل التناسق والتوازن بين خطواته.
في هذا المنهج ليست عمارة الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بطاقاتها هو وحده المقصود. ولكن المقصود هو هذا مع العناية بضمير الإنسان، ليبلغ الإنسان كماله المقدر له في هذه الحياة...
والوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين، الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح. فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم.
وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ. ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح. وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان، وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح، وإلى عمارة الأرض، والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان.
وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم، وهو العمل الصالح، والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله، وتجري سنته: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» .. فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون..".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى