النوال... (76) (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فقبضت قبضة من أَثر الرسول فنبذتها)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (76)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "طه": (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)

القول بأن المراد بالرسول موسى عليه السلام, وأن المراد بأثره سنته وهديه وشريعته, وأنه أخذ منها شيئاً قليلاً ثم نبذه وطرحه ورجع إلى دينه, ولذلك فعل ما فعل.
هذا القول مقبول جداً ولعله الأقرب في المراد بالآية, وقد قال به أبو مسلم الأصفهاني, ورجحه الرازي, ومال إليه ابن عاشور كما سيأتي.
ومال الماتريدي إلى عدم صحة ما اشتهر عن أكثر المفسرين كما سيأتي.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
وقبل ذلك أشير إلى اختلافهم في قوله: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ)
فقد اختلفوا في ذلك على قولين:
الأول: علمت ما لم يعلموه, وهو (فعُلْت) من البصيرة: أي صرت بصيراً عالماً, ومنه قولهم: رجل بصير أي: عالم. (اقتصر عليه الزمخشري*)

القول الثاني: أن المراد أبصرت ما لم يبصروه. (اقتصر عليه الماتريدي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وذكر القولين ابن جرير*, وابن عطية*, والرازي*, وابن عاشور*) (ودمج بينهما البغوي*)
والقول الأول هو الأقرب.

وقد اختلف المفسرون في المراد بقوله: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فنَبَذْتُهَا) على قولين:
الأول: أن المراد بالرسول جبريل عليه السلام, وأن السامري رآه على فرس, فأخذ قبضة بكفه من أثر حافر الفرس. (اقتصر عليه أكثر المفسرين) (ومال الماتريدي* إلى عدم صحته كما سيأتي)

وقوله: (فَنَبَذْتُهَا) أي: فألقيتها مع الحلي.

قال الرازي: "ثم اختلفوا أنه متى رآه فقال الأكثرون: إنما رآه يوم فلق البحر. وعن علي عليه السلام أن جبريل عليه السلام لما نزل ليذهب بموسى عليه السلام إلى الطور أبصره السامري من بين الناس".

قال الماتريدي: "عامة أهل التأويل يقولون: إنه قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل، وليس في الآية ذكر التراب ولا ذكر الفرس، ولا أن ذلك الرسول جبريل أو غيره.
فإن ثبت ما قالوا وإلا لم نزد على ما ذكر في الكتاب من هذه الأنباء والقصص التي كانت في كتبهم، فذكرت في القرآن... لذلك وجب حفظ ما حكى في الكتاب من الأنباء والأخبار من غير زيادة ولا نقصان مخافة الكذب، إلا إن ثبت شيء يذكر عن رسول الله أنه كان، فعند ذلك يقال، وإلا الكف أولى لما ذكرناه".

القول الثاني: أن المراد بالرسول موسى عليه السلام, والمراد بأثره سنته وهديه وشريعته, وأنه أخذ منها شيئاً قليلاً ثم نبذه وطرحه ورجع إلى دينه, ولذلك فعل ما فعل. (انفرد به الرازي* ورجحه, ونقله عن أبي مسلم الأصفهاني)

قال الرازي: "قال أبو مسلم الأصفهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون, فههنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام, وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به, فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان ويقبض أثره إذا كان يمتثل رسمه, والتقدير أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل، فقال: بصرت بما لم يبصروا به، أي: عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق, وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول, أي: شيئاً من سنتك ودينك فقذفته أي: طرحته، فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة، وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقول الأمير في كذا وبما ذا يأمر الأمير...".

قال الرازي: "واعلم أن هذا القول الذي ذكره أبو مسلم ليس فيه إلا مخالفة المفسرين ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه:
أحدها: أن جبريل عليه السلام ليس بمشهور باسم الرسول ولم يجر له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه, فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل عليه السلام كأنه تكليف بعلم الغيب.
وثانيها: أنه لا بد فيه من الإضمار وهو قبضة من أثر حافر فرس الرسول والإضمار خلاف الأصل.
وثالثها : أنه لا بد من التعسف في بيان أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر ...".

قلت: وهذا القول الذي قاله أبو مسلم وجه مقبول, والله أعلم, وقد رجحه الرازي كما سبق, (ومال إليه ابن عاشور*).

وقول الرازي: "ليس فيه إلا مخالفة المفسرين" من المعلوم أن المفسرين يأخذ بعضهم من بعض, وأبو مسلم الأصفهاني توفي سنة (322) هـ, فهو متقدم, ولو اشتهر قوله هذا عنه أو عن غيره لرأيت كثيراً منهم يذكره وقد ينصره, والله أعلم.

قال ابن عاشور: "وهذا الذي ذكروه لا يوجد في كتب الإسرائيليين ولا ورد به أثر من السنة, وإنما هي أقوال لبعض السلف ولعلها تسربت للناس من روايات القصاصين...
فإذا صُرفت هذه الكلمات الستُّ إلى معان مجازية كان (بصُرت) بمعنى علمتُ واهتديت، أي: اهتديت إلى علم ما لم يعلموه، وهو علم صناعة التماثيل والصور الذي به صنع العجل، وعلم الحِيل الذي أوجد به خوار العجل، وكانت القبضة بمعنى النصيب القليل، وكان الأثر بمعنى التعليم، أي الشريعة، وكان نبذت بمعنى أهملت ونقضت، أي: كنت ذا معرفة إجمالية من هدي الشريعة فانخلعت عنها بالكفر. وبذلك يصح أن يحمل لفظ الرسول على المعنى الشائع المتعارف.
وكان المعنى: إني بعملي العجل للعبادة نقضت اتباع شريعة موسى"اهـ

(وانفرد صاحب الظلال*) فذهب إلى أن السامري ربما كذب في قوله هذا, وإنما قاله تملصاً من تبعة ما حدث.
قال صاحب الظلال: "والقرآن لا يقرر هنا حقيقة ما حدث، إنما هو يحكي قول السامري مجرد حكاية.. ونحن نميل إلى اعتبار هذا عذراً من السامري وتملصاً من تبعة ما حدث. وأنه هو صنع العجل من الذهب الذي قذفه بنو إسرائيل من زينة المصريين التي أخذوها معهم، وأنه صنعه بطريقة تجعل الريح تصوت في فراغه فتحدث صوتاً كالخوار.
ثم قال حكاية أثر الرسول يبرر بها موقفه، ويرجع الأمر إلى فطنته إلى أثر الرسول".

قلت: هذا القول من صاحب الظلال بعيد جداً, والله أعلم.

وقوله: (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي: زينت لي نفسي.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
هذا الترجيح في حاجة لنقاش مطول معكم يا فضيلة الشيخ وفقكم الله ورعاكم، وفيه ملحوظات منهجية.
ولكنني أرجو منك التكرم بالاطلاع على هذه المقالة المطولة للأخ خليل اليماني بعنوان :
الإسرائيليات في التفسير بين ضرورة التوظيف وإمكان الاستغناء
قراءة تحليلية لمقولات المفسرين في جواب السامري في سورة طه
على هذا الرابط : https://tafsir.net/research/25/al-isra-iylyat-fy-at-tfsyr-byn-drwrt-at-twzyf-wimkan-al-astghna-a

وأريد معرفة رأيك بعد قراءتها .
ثم لعلنا نناقش ما تفضلتم به وفقكم الله ورعاكم.
 
حياكم الله فضيلة الشيخ.
اطلعت على المقالة المذكورة, وهو بحث قيم جميل مفيد.

وسأكتب التعليقات كما طلبتم ولكنها ستكون مختصرة, فالكتابة شاقة علي فبعد أن كنت أكتب بعشرة أصابع أصبحت لا أكتب إلا بأصبع واحد وبعناء شديد وقريباً سيلحق هذا الأصبع بإخوته ولله الأامر من قبل ومن بعد.

لا شك أن القول المشهور عن السلف فيه قوة.
ولكن قوته لا يلزم منها الإطاحة بالقول الآخر فإن حجته في نظري قوية أيضاً.

ومن الحجج الوجيهة قول الرازي:
"لا بد من التعسف في بيان أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته, ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر".

قلت: فإن قيل: إن السامري له تميز عن قومه وخبرة بأشياء وعلوم ومعارف لا يعلمونها ولذلك اختص من بينهم بذلك.

فيقال: هذا الجواب يؤيد القول بأنه نبذ ما قبض من أثر شريعة موسى, لأنه يرى نفسه متميزاً بعلومه ومعارفه كما سياتي في الجواب عن الحجة الثانية.

ومن الحجج الوجيهة أيضاً قوله: "لو جاز اطلاع بعض الكفرة على تراب هذا شأنه لكان لقائل أن يقول: فلعل موسى عليه السلام اطلع على شيء آخر يشبه ذلك فلأجله أتى بالمعجزات".

فإن قيل: "إن كثيراً من الناس قد يأتي بأمور فيها خرق للمألوف ومع ذلك لا تقدح في معجزات الأنبياء (كما قال الباحث)

قلت: لكن فرق عظيم بين أن يأتي رجل في زمن النبي وفي قومه ومعارض لرسالته كما فعل السامري وبين أن يأتي أحد بعد زمنه بعد أن استقر أمر العقيدة والشريعة.

أما الاحتجاج على ضعفه بأنه لا يعرف عن السلف غيره فكما أشرت أن هذا القول ما اشتهر مبكراً, ولو اشتهر لرأيت له حضوراً وحظاً كبيراً والله أعلم.
أرأيت مثلاً لو ذكره ابن جرير حتى لو لم ينقله عن السلف فكيف سيكون حال المفسرين معه. لا شك أن كثيراً منهم سيذكره وبعضهم سيرجحه.

بدليل أنك ترى في التفاسير أقوالاً كثيرة هي في غاية الضعف ومع ذلك اشتهرت وتناقلها المفسرون لا لشيء إلا لشهرتها مبكراً سواء عن بعض السلف أو عن غيرهم.

وأقوى ما يحتج به مضعفوا هذا القول ثلاثة أمور:
الأول: عدم نقله عن السلف.
وقد أجبت عنه آنفاً.

وأزيد فأنقل ما قلته في تفسير آية (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)
قد يذهب جمهور السلف إلى قول ويخالفهم جماهير المتأخرين ولا يأخذون بقول هؤلاء الجمهور من السلف.
وخذ مثالاً واحداً على ذلك.
قوله تعالى: (وهم بها)
قال جماعة من السلف: إنه هم بها وبدأ يخلع ثيابه وسراويله وجلس منها مجلس الرجل من امرأته.
نسب هذا القول إلى جماعة من السلف.

ونقل البغوي عن أبي عبيد القاسم بن سلام قوله: "وقد أنكر قوم هذا القول، والقول ما قال متقدموا هذه الأمة، وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياءمن غير علم".
فهذا القول رده كثير من المفسرين وغيرهم بكل صراحة مع أنه مشهور عند المفسرين من السلف.


ولست بهذا أُزَهِّدُ في أقوال السلف الكرام في التفسير كلا ومعاذ الله.
فأقوالهم هي الأصل وهي المستقى العذب لمن جاء بعدهم ويجب الأخذ بها ورفعها فوق الرؤوس.


ولكن لا مانع من النظر في أقوال من جاء بعدهم ما دام القول المأثور (فيه بعض التوقف والقلق ومثاراً للجدل والقيل والقال) (والقول الآخر متقدم جداً وقريب من زمن السلف) (وتقويه القرائن) (بهذه الشروط الثلاثة)
ومن أغلق الباب بإحكام فسيصدم ببعض الأقوال الغريبة كما في المثال السابق وغيره, وغيره وغيره.
ولست أرى التوسع في هذا الباب أو الخبط في الأقوال بغير زمام ولا خطام كما يفعله كثير من الجهال من المعاصرين مع الأسف.

الثاني: (مما يحتج به مضعفوا هذا القول) أن الفاء في قوله: (فقبضت) تدل على التعقيب, فيكون البصر سابقاً للقبض والنبذ, أي: أنه قبض بعدما بصر بما بصر به.
فيكون المعنى: أن السامري بعد ما عرف أن الحق ليس في دين موسى قبض منه ما قبض, فيكون قبض بعد معرفته بأنه دين باطل.

والجواب عنه:
أنه لا يلزم أن يكون المعنى بصرت بأنه دين باطل.
فقد يكون المعنى: أنه متميز عن قومه وله خبرة وعلوم لا يعلمونها وحين قبض من دين موسى قبضة قليلة تبين له بفضل علومه وخبرته ـ كما يزعم ـ أنه ليس بحق فنبذه وزهد فيه.
ومن تأمل قوله: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) اتضح له ذلك, فإنه لم يقل: أبصرت ما لم يبصروه, بل قال: (بصرت) أي: كنت ذا بصيرة ومعرفة بما لم يكونوا فيه أصحاب بصيرة ومعرفة.

الثالث: أن وصف السامري لفعله بالتسويل كما في آخر الآية لا يتناسب مع تصريحه بأنه نبذ ما نبذه لأنه تيقن بطلانه وفساده, فلا يصح أن يقول الإنسان مثلاً: سولت لي نفسي نبذ هذا الباطل.

وهذه الحجة ضعيفة وقد تولى الباحث بنفسه بيان ضعفها.

وأما القول (بإطلاق) "إن توظيف المرويات الاسرائيلية له أهميته وضرورته في التفسير وتبيين المعاني, وأن الانفلات من توظيفها في التفسير قد يتعذر معه التفسير ولا يستقيم" (كذا قال الباحث)

قلت: القول هكذا بإطلاق فيه نظر لا يخفى, فكم من الإسرائيليات هي في غاية السوء والطعن في الأنبياء, وأول من تصدى لها بعض المفسرين أنفسهم.
وكم من الإسرائيليات لا تعطي للآية إلا معنى ضيقاً أو ركيكاً أو ضعيفاً.
والحق أن الاسرائيليات يجب أن تعرض على ميزان العقل والنقل.

وأما قول الباحث: إن هذا القول قد تبناه أعداد من المفسرين ثم حشد أسماء كثير من المتقدمين والمتأخرين.
فأقول: إن كثيراً من المفسرين لا سيما المتأخرين منهم قد يتتابعون على قول ولا يعني أنه أقوى حجة.
بل هيبة المخالفة وإيثار السلامة والتهيب والاستيحاش من القول غير المشهور.
ليس هذا في التفسير فقط بل في كل العلوم.
وانظر على سبيل المثال ما عليه حال موضوعات وعلوم القراءات عند المتأخرين!
والله أعلم.
شكر الله لكم فضيلة الشيخ ونفعنا بعلمكم ولفتاتكم القيمة.
وجزاكم الله خيراً.
 
بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ يمكن تأويلها عن الآثر مباشرة أي شاهد لحظة ظهور الأثر على الأرض وهو ما لم يشاهده غيره ، لذالك هو لم تكن لديه القدرة على رؤية الملائكة من قبل بل فقط إنتبه إلى ما لم ينتبه إليه غيره من ظهور الأثر فجأة على الأرض وأيضاً هو لم يكن يعلم بالقدرات الني سيكتسبها من خلال لمس الأثر بل فقط أخذه الفضول نحوه فقبض قبضة من ذالك الأثر .
والله أعلم
 
عودة
أعلى