النوال... (67) (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (67)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "النور": (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)

القول الراجح أن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح.
ومعنى الآية: الزاني إن تزوج العفيفة فهي زانية لعدم صحة النكاح, فهو إذاً لا ينكح إلا زانية أو مشركة لا تلتزم حكم الله ولا تعتقده. (وكذلك القول في الزانية لو تزوجت العفيف)
والمراد بالزاني من عرف بالزنى وكان دأبا له (لا مجرد الوقوع فيه)

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالنكاح في هذه الآية على قولين:

القول الأول: أن المراد بالنكاح الوطء الذي هو نفس الزنى. (رجحه ابن جرير*, وابن عطية, والشنقيطي*) (وضعفه الزمخشري*) (ومال إلى تضعيفه الرازي*)

والمعنى: الزاني لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا يطاوعها إلا زان عاص بزناه أو مشرك لا يعتقد تحريمه.

قال ابن عطية: "تشنيع وتبشيع أمر الزنى وأنه محرم على المؤمنين, واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ، ويريد بقوله: (لا يَنْكِحُ) أي: لا يطأ فيكون النكاح بمعنى الجماع, وردد القصة مبالغة وآخذاً من كلا الطرفين، ثم زاد تقسيم المشرك والمشركة من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنى، فالمعنى: الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية من المسلمين أو من هي أخس منها من المشركات".

وضعفه الزمخشري فقال: "وليس بقول لأمرين:
أحدهما: أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم ترد إلا في معنى العقد.
والثاني: فساد المعنى وأداؤه إلى قولك: الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان".

القول الثاني: أن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح. (ذكره الرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال* في كلام جميل سأذكره آخر الموضوع)
(وذكر القولين الماتريدي*, والبغوي*, وابن كثير*)

(واقتصر عليه ابن عاشور* لكنه يرى ان الآية في من كان الزنى دأباً له قبل الإسلام وتخلق به ثم أسلم وأراد تزوج امرأة ملازمة للزنى. كما سيأتي).

ومعنى الآية: الزاني إن تزوج العفيفة فهي زانية لعدم صحة النكاح, فهو إذاً لا ينكح إلا زانية أو مشركة لا تلتزم حكم الله ولا تعتقده.
وكذلك الزانية إن تزوجها العفيف فهو زان لعدم صحة النكاح, فهي إذاً لا تنكح إلا زانياً أو مشركاً لا يلتزم حكم الله ولا يعتقده.
وهذا القول هو الراجح في معنى الآية.

قال البغوي: "قال يزيد بن هارون: إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك، وإن جامعها وهو محرِّم فهو زان، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول: إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبداً".

قال الشنقيطي: "هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقاً, لأن حمل النكاح فيها على التزويج لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعيِّن أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج".

ولكن سبق بيان أنه لا إشكال كما في قول يزيد بن هارون الذي ذكره البغوي كما سبق.
ويوضحه ابن القيم في "زاد المعاد" فيقول: "وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: {وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين} ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى.
إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا...".

ومما يقوي هذا القول أن ذكر النكاح في القرآن لا يأتي إلا بمعنى عقد النكاح.
وأما اعتراض ابن عطية على ذلك فغير مسلم.
إذ يقول ابن عطية: "أنكر ذلك الزجاج وقال: لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج، وليس كما قال، وفي القرآن (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وقد بينه النبي عليه السلام أنه بمعنى الوطء.

قلت: في قول ابن عطية نظر.
فإن المراد بقوله: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) عقد النكاح لا الوطء.
وأما الوطء فهو شرط زائد جاءت به السنة.

قال ابن عاشور: "النكاح هنا عقد التزوج كما جزم به المحققون من المفسرين مثل الزجاج والزمخشري وغيرهما. وأنا أرى لفظ النكاح لم يوضع ولم يستعمل إلا في عقد الزواج, وما انبثق زعْمُ أنه يطلق على الوطء إلا من تفسير بعض المفسرين قوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)".

تنبيه:
الزمخشري كما سبق ضعف القول بأن المراد بالنكاح الوطء, لكنه لم يفسر الآية على أن المراد المنع من النكاح, وإنما فسر الآية على أن العادة أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية.

فهو يقول: "الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنى والتقحب لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء واللاتي على خلاف صفته، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله، أو في مشركة. والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أو المشركين". (وهذا المعنى الذي ذكره الزمخشري رجحه الرازي*)

تنبيه آخر:
ابن عاشور كما سبق يرى أن المراد بالآية المنع من النكاح, لكنه يرى أن الآية في من كان الزنى دأباً له قبل الإسلام وتخلق به ثم أسلم وأراد تزوج امرأة ملازمة للزنى.

فهو يقول: "فتمحض أن يكون المراد من قوله: (الزاني لا ينكح إلا زانية) إلخ: من كان الزنى دأباً له قبل الإسلام وتخلق به ثم أسلم وأراد تزوج امرأة ملازمة للزنى مثل البغايا ومتخذات الأخدان ـ ولا يكن إلا غير مسلمات لا محالة ـ فنهى الله المسلمين عن تزوج مثلها بقوله: (وحرم ذلك على المؤمنين). وقدم له ما يفيد تشويهه بأنه لا يلائم حال المسلم وإنما هو شأن أهل الزنى، أي غير المؤمنين، لأن المؤمن لا يكون الزنى له دأباً، ولو صدر منه لكان على سبيل الفلتة كما وقع لماعز بن مالك...
وقد كان المسلمون أيامئذ قريبي عهد بشرك وجاهلية فكان من مهم سياسة الشريعة للمسلمين التباعد بهم عن كل ما يستروح منه أن يذكرهم بما كانوا يألفونه قصد أن تصير أخلاق الإسلام ملكات فيهم, فأراد الله أن يبعدهم عما قد يجدد فيهم أخلاقاً أوشكوا أن ينسوها".

قال صاحب الظلال: "الآية تفيد نفور طبع المؤمن من نكاح الزانية، ونفور طبع المؤمنة من نكاح الزاني واستبعاد وقوع هذا الرباط بلفظ التحريم الدال على شدة الاستبعاد: «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» .. وبذلك تقطع الوشائج التي تربط هذا الصنف المدنس من الناس بالجماعة المسلمة الطاهرة النظيفة...
فهي فعلة تعزل فاعلها عن الجماعة المسلمة وتقطع ما بينه وبينها من روابط. وهذه وحدها عقوبة اجتماعية أليمة كعقوبة الجلد أو أشد وقعا!...
إنما أراد الإسلام محاربة الحيوانية التي لا تفرق بين جسد وجسد، أو لا تهدف إلى إقامة بيت، وبناء عش، وإنشاء حياة مشتركة، لا تنتهي بانتهاء اللحظة الجسدية الغليظة! وأن يقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية، التي تجعل من التقاء جسدين نفسين وقلبين وروحين، وبتعبير شامل التقاء إنسانين، تربط بينهما حياة مشتركة، وآمال مشتركة، وآلام مشتركة، ومستقبل مشترك، يلتقي في الذرية المرتقبة، ويتقابل في الجيل الجديد الذي ينشأ في العش المشترك، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان.
من هنا شدد الإسلام في عقوبة الزنى بوصفه نكسة حيوانية، تذهب بكل هذه المعاني، وتطيح بكل هذه الأهداف وترد الكائن الإنساني مسخاً حيوانياً، لا يفرق بين أنثى وأنثى، ولا بين ذكر وذكر. مسخاً كل همه إرواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة. فإن فرق وميز فليس وراء اللذة بناء في الحياة، وليس وراءها عمارة في الأرض، وليس وراءها نتاج ولا إرادة نتاج!...
إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوي الحيواني، ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية. فأما الزنى- وبخاصة البغاء- فيجرد هذا الميل الفطري من كل الرفرفات الروحية، والأشواق العلوية ومن كل الآداب التي تجمعت حول الجنس في تاريخ البشرية الطويل ويبديه عارياً غليظاً قذراً كما هو في الحيوان، بل أشد غلظاً من الحيوان...".

فائدة:
لا يجوز لعفيف أن يتزوج زانية وكذلك العكس, ولا يصح العقد, وهو مذهب الإمام أحمد.
لهذه الآية {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين} وقد تبين أن الراجح في معناها تحريم عقد النكاح على من تعرف بالزنى وكذلك الرجل.

ويؤيده قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ}
فقوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي أعِفِّاء غير زناة.

وكذلك قوله تعالى: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}
فقوله: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} أي عفائف غير زانيات.

ومن الأدلة أيضاً الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية ومنها:
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} فدعاني فقرأها علي وقال: «لا تنكحها» أخرجه أبو داود وغيره.

والقول بجواز نكاح الزانية ضعيف.

وأما استدلالهم بحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلاً جاء إلى المدينة فقال: إن امرأتي لا ترد لامس. قال: غربها. قال: أخاف أن تتبعها نفسي. قال: فاستمتع بها).
فهو حديث لا يصح.
قال الإمام أحمد: هذا الحديث لا يثبت، وليس له أصل.
وعلى فرض صحته فهو في استدامة النكاح لا في ابتدائه وبين المسألتين فرق كما قال الشنقيطي.

وأما القول بأن الآية منسوخة أو أنها في ناس معينين فهي أقوال ضعيفة جداً.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى