صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (65)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرحمن": (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)
اختلف المفسرون في هذه الآية في مسألتين: (المراد بالنجم) و(المراد بالسجود)
والقول الراجح أن المراد بـ(النجم) النجم الذي في السماء.
و(المراد بالسجود) خضوعها لله تعالى وانقيادها واستسلامها بالتسخير.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالنجم في الآية على قولين:
القول الأول: أنه نبات الأرض الذي لا ساق له, سمي نجماً لأنه ينجم أي: يظهر ويطلع. (رجحه ابن جرير*, والرازي*).
القول الثاني: أنه النجم الذي في السماء. (رجحه ابن كثير*, والشنقيطي*).
(وذكر القولين الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*)
والقول الثاني هو الراجح, لأنه المتبادر, ولأن المراد والله أعلم بيان أن جميع الكون يسجد لربه, فذكر النجم مثالاً لما في السماء, وذكر الشجر مثالاً لما في الأرض.
ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الحج: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ).
فذكر الشمس والقمر والنجوم لما في السماء, والجبال والشجر والدواب لما في الأرض.
قال الشنقيطي: "الذي يظهر لي صوابه أن المراد بالنجم هو نجوم السماء، والدليل على ذلك أن الله جل وعلا في سورة الحج صرح بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه.
فدلت هذه الآية أن الساجد في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة مع الشمس والقمر في سورة الحج, وخير ما يفسر به القرآن القرآن".
واختلف في المراد بالسجود على ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد غروب النجم, واستدارة الظل, وارتسامه على الأرض, ونحو ذلك. (ذكره الماتريدي*) (واقتصر عليه ابن جرير*, والبغوي*, وابن عاشور*)
القول الثاني: أن المراد خضوعها لله تعالى وانقيادها واستسلامها بالتسخير. (ذكره الماتريدي*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (واقتصر عليه صاحب الظلال* كما يفهم من قوله) (وذكر القولين ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
وهذا القول الثاني هو الراجح.
قال ابن عطية: "اختلف الناس في هذا السجود:
فقال مجاهد: ذلك في النجم بالغروب ونحوه، وفي الشجر بالظل واستدارته، وكذلك في النجم على القول الآخر.
وقال مجاهد أيضاً ما معناه: أن السجود في هذا كله تجوز، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل، ونحوه قول الشاعر: ترى الأكم فيها سجداً للحوافر ...".
وقال الزمخشري: "وسجودهما انقيادهما لله فيما خلقا له، وأنهما لا يمتنعان، تشبيهاً بالساجد من المكلفين في انقياده".
قال صاحب الظلال: "هي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه, وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية.
إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول، وخالقه المبدع. والنجم والشجر نموذجان منه، يدلان على اتجاهه كله.
والكون خليقة حية ذات روح. روح يختلف مظهرها وشكلها ودرجتها من كائن إلى كائن. ولكنها في حقيقتها واحدة.
إن الكون يتجه إلى مبدعه بحركة روحه- وهي الحركة الأصيلة فحركة ظاهره لا تكون إلا تعبيراً عن حركة روحه- وهي الحركة التي تمثلها في القرآن آيات كثيرة منها هذه:
«تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» ..
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ» ..
وتأمل هذه الحقيقة ومتابعة الكون في عبادته وتسبيحه مما يمنح القلب البشري متاعاً عجيباً، وهو يشعر بكل ما حوله حياً يعاطفه ويتجه معه إلى خالقه وهو في وقفته بين أرواح الأشياء كلها، وهي تدب فيها جميعاً، وتحيلها إخواناً له ورفقاء! إنها إشارة ذات أبعاد وآماد وأعماق...".
القول الثالث: أن المراد السجود حقيقة، فيجعل الله في سرية هذه الأشياء معنى يسجدون به لله تعالى يعلمه هو ولا يعلمه غيره, كقوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). (ذكره الماتريدي*, والرازي*)
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرحمن": (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)
اختلف المفسرون في هذه الآية في مسألتين: (المراد بالنجم) و(المراد بالسجود)
والقول الراجح أن المراد بـ(النجم) النجم الذي في السماء.
و(المراد بالسجود) خضوعها لله تعالى وانقيادها واستسلامها بالتسخير.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالنجم في الآية على قولين:
القول الأول: أنه نبات الأرض الذي لا ساق له, سمي نجماً لأنه ينجم أي: يظهر ويطلع. (رجحه ابن جرير*, والرازي*).
القول الثاني: أنه النجم الذي في السماء. (رجحه ابن كثير*, والشنقيطي*).
(وذكر القولين الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*)
والقول الثاني هو الراجح, لأنه المتبادر, ولأن المراد والله أعلم بيان أن جميع الكون يسجد لربه, فذكر النجم مثالاً لما في السماء, وذكر الشجر مثالاً لما في الأرض.
ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الحج: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ).
فذكر الشمس والقمر والنجوم لما في السماء, والجبال والشجر والدواب لما في الأرض.
قال الشنقيطي: "الذي يظهر لي صوابه أن المراد بالنجم هو نجوم السماء، والدليل على ذلك أن الله جل وعلا في سورة الحج صرح بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه.
فدلت هذه الآية أن الساجد في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة مع الشمس والقمر في سورة الحج, وخير ما يفسر به القرآن القرآن".
واختلف في المراد بالسجود على ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد غروب النجم, واستدارة الظل, وارتسامه على الأرض, ونحو ذلك. (ذكره الماتريدي*) (واقتصر عليه ابن جرير*, والبغوي*, وابن عاشور*)
القول الثاني: أن المراد خضوعها لله تعالى وانقيادها واستسلامها بالتسخير. (ذكره الماتريدي*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (واقتصر عليه صاحب الظلال* كما يفهم من قوله) (وذكر القولين ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
وهذا القول الثاني هو الراجح.
قال ابن عطية: "اختلف الناس في هذا السجود:
فقال مجاهد: ذلك في النجم بالغروب ونحوه، وفي الشجر بالظل واستدارته، وكذلك في النجم على القول الآخر.
وقال مجاهد أيضاً ما معناه: أن السجود في هذا كله تجوز، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل، ونحوه قول الشاعر: ترى الأكم فيها سجداً للحوافر ...".
وقال الزمخشري: "وسجودهما انقيادهما لله فيما خلقا له، وأنهما لا يمتنعان، تشبيهاً بالساجد من المكلفين في انقياده".
قال صاحب الظلال: "هي إشارة إلى اتجاه هذا الكون وارتباطه, وهي إشارة موحية إلى حقيقة هادية.
إن هذا الوجود مرتبط ارتباط العبودية والعبادة بمصدره الأول، وخالقه المبدع. والنجم والشجر نموذجان منه، يدلان على اتجاهه كله.
والكون خليقة حية ذات روح. روح يختلف مظهرها وشكلها ودرجتها من كائن إلى كائن. ولكنها في حقيقتها واحدة.
إن الكون يتجه إلى مبدعه بحركة روحه- وهي الحركة الأصيلة فحركة ظاهره لا تكون إلا تعبيراً عن حركة روحه- وهي الحركة التي تمثلها في القرآن آيات كثيرة منها هذه:
«تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» ..
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ» ..
وتأمل هذه الحقيقة ومتابعة الكون في عبادته وتسبيحه مما يمنح القلب البشري متاعاً عجيباً، وهو يشعر بكل ما حوله حياً يعاطفه ويتجه معه إلى خالقه وهو في وقفته بين أرواح الأشياء كلها، وهي تدب فيها جميعاً، وتحيلها إخواناً له ورفقاء! إنها إشارة ذات أبعاد وآماد وأعماق...".
القول الثالث: أن المراد السجود حقيقة، فيجعل الله في سرية هذه الأشياء معنى يسجدون به لله تعالى يعلمه هو ولا يعلمه غيره, كقوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). (ذكره الماتريدي*, والرازي*)
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/