النوال... (58) (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنا أَنشأْنَاهنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهنَّ أَبْكَارا)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (58)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الواقعة": (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا)
القول الراجح في قوله: (أنشأناهن) أنه راجع إلى غير مذكور, ولكن دل عليه المقام, وهو ذكر الفرش.

وقد اختلف المفسرون في هذه الآية في مسألتين:
المسألة الأولى: هل الضمير في قوله: (أنشأناهن) راجع إلى مذكور أم إلى غير مذكور دل عليه المقام.

المسألة الثانية: هل المراد بهؤلاء النساء الحور العين أم نساء الدنيا أعيد خلقهن.

أما المسألة الأولى فاختلف المفسرون فيها على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الضمير راجع إلى مذكور, وهو قوله: (وحور عين) (ذكره ابن جرير*, وابن كثير*) (ورجحه الماتريدي*) (وضعفه ابن عطية*, والرازي*)

قال ابن عطية: وهذا فيه بعد، لأن تلك القصة قد انقضت جملة.
وقال الرازي: وهو بعيد لبعدهن ووقوعهن في قصة أخرى.

القول الثاني: أنه راجع إلى مذكور وهو قوله: (وفرش مرفوعة) فالمراد بالفرش النساء. (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه البغوي*)

قال ابن عطية: "قال أبو عبيدة وغيره: أراد بالفرش النساء, و{مرفوعة} معناه في الأقدار والمنازل"

وقال البغوي: "والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً على الاستعارة، مرفوعة رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا".

قال الزمخشري: "قيل: هي النساء, لأن المرأة يكنى عنها بالفراش"اهـ
وقال الرازي: "ويقال للجارية صارت فراشاً".

قلت: هذا القول فيه بعد.
قال الرازي: يبعد ظاهراً لأن وصفها بالمرفوعة ينبئ عن خلاف ذلك.

القول الثالث: أنه راجع إلى غير مذكور, ولكن دل عليه المقام, وهو ذكر الفرش, فلما ذكر الفرش ذكر النساء. (ذكره ابن جرير*, والزمخشري*, وابن عطية*, وابن كثير*, والشنقيطي*) (ومال إليه الرازي*) (واقتصر عليه القرطبي*) (واقتصر عليه ابن عاشور* ورجحه)

قال الرازي: "لأنه قد علم في الدنيا وفي مواضع من ذكر الآخرة أن في الفرش حظايا تقديره وفي فرش مرفوعة حظايا منشآت".

وهذا القول هو الراجح.
ورجوع الضمير إلى غير مذكور دل عليه المقام له نظائر في القرآن, كقوله تعالى: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} يعني: الشمس, على المشهور والصحيح في تفسير الآية.
وكقوله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) يعنى الأرض, على الراجح في تفسير الآية.

المسألة الثانية:
هل المراد بهؤلاء النساء الحور العين أم نساء الدنيا أعيد خلقهن.
القول الأول: أن المراد الحور العين.
ويدل عليه قوله {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً} فالإنشاء هو الابتداء والاختراع.

القول الثاني: أن المراد نساء بني آدم، أي: خلقناهن خلقاً جديداً وهو الإعادة بخلق جديد، أي: خلقناهن في حال الشباب والجمال والكمال.
(اقتصر عليه ابن عطية*, وابن كثير*) (ومال إليه الرازي*)
(وذكر القولين ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*, والشنقيطي*, وصاحب الظلال*)

قال الرازي: "قوله تعالى : (أبكارا) يدل على الثاني, لأن الإنشاء لو كان بمعنى الابتداء لعلم من كونهن أبكاراً من غير حاجة إلى بيان, ولما كان المراد إحياء بنات آدم قال: أبكاراً أي: نجعلهن أبكاراً وإن متن ثيبات"اهـ

(ورأى ابن عاشور* أنه يشمل الجميع نساء الدنيا والحور).
فقال: "الإنشاء: الخلق والإيجاد فيشمل إعادة ما كان موجوداً وعدم، فيدخل نساء المؤمنين اللاء كن في الدنيا أزواجاً لمن صاروا إلى الجنة ويشمل إيجاد نساء أنفاً يخلقن في الجنة لنعيم أهلها".

قلت: ولا فرق في الحالين, لأنه على القول بأنهن نساء الدنيا ينشؤهن الله إنشاء, فهن بإنشاء الله لهن سيكن في مرتبة ومنزلة كالحور العين أو أعظم.
نسأل الله الكريم من فضله ومننه.

وقد دلت السنة الصحيحة على أن المؤمن له أكثر من زوجة في الجنة.

ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
حديث عبد الله بن قيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً, للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً) متفق عليه.

فائدة:
رويت بعض الأحاديث الدالة على أن المراد بهن نساء الدنيا.
لكنها أحاديث ضعيفة جداً (باستثناء حديث العجوز كما سيأتي)

فأخرج ابن جرير وغيره من طريق: جابر الجعفي، عن يزيد بن مرة، عن سلمة بن يزيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية (إنا أنشأناهن إنشاء) قال: (من الثيب والأبكار).
وإسناده ضعيف جداً.
جابر الجعفي متروك.

وأخرج ابن جرير وغيره من طريق: موسى بن عبيدة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنا أنشأناهن إنشاء) قال: (هن اللواتي كن في الدنيا عجائز عمشاً رمصاً).
وإسناده ضعيف جداً.
موسى بن عبيدة ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وغيرهم, وقال أحمد وأبو حاتم: منكر الحديث.
ويزيد الرقاشي ضعفه ابن سعد, وابن معين, والدارقطني وغيرهم, وقال أحمد: لا يكتب حديث يزيد الرقاشي, وكان منكر الحديث.
وقال ابن معين: ليس بشيء, وقال أبو حاتم: كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر, وقال النسائي وأبو أحمد الحاكم: متروك الحديث.

وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق: عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن, عن أمه, عن أم سلمة قالت: قلت: (يا رسول الله أخبرني عن قول الله: (إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا * لأصحاب اليمين) قال: هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز رمصاً شمطاً، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى).
(والسند عند ابن جرير ليس فيه الحسن وأمه)
وسليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم, وقال ابن عدي: "عامة أحاديثه مناكير".
وعمرو بن هاشم البيروتي صدوق يخطئ.

وأما حديث (إن الجنة لا تدخلها عجوز).
فهو حديث يمكن أن يكون حسناً بشواهده.
وقد أخرجه الترمذي في "الشمائل", والبيهقي في "البعث والنشور", وغيرهما.
من طريقين عن مبارك بن فضالة, عن الحسن قال: (أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة, فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز, قال: فولت تبكي, فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: (إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً عربا أتراباً).
وهذا إسناد ضعيف مرسل.
مبارك بن فضالة فيه ضعف, وكان كثير التدليس.
ومراسيل الحسن مختلف فيها, قد قواها جماعة من الأئمة وضعفها آخرون.
وروي من حديث عائشة رضي الله عنها.
وسنده ضعيف.
أخرجه البيهقي في "البعث والنشور", وأبو الشيخ في "أخلاق النبي"
من طريق: ليث, عن مجاهد, عن عائشة رضي الله عنها. (وعند أبي الشيخ هكذا: عن ليث, عن مجاهد قال: دخل النبي r على عائشة رضي الله عنها وعندها عجوز...).
وليث بن أبي سليم ضعيف.

وروي عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
أخرجه هناد في "الزهد" عن عبدة, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
وقد قوى الأئمة مراسيل سعيد بن المسيب.
قال ابن معين: أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب.
وقال الإمام أحمد: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات.
وقال الحاكم: "قد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة".
فقد يتقوى مرسل سعيد هذا بمرسل الحسن وبحديث عائشة.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى