صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (54)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)
معنى (تغيض) تنقص.
قال ابن عطية: "وذلك أنه من معنى قوله: {وغيض الماء} وهو بمعنى النضوب, فهي هاهنا بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه، فلما قابله قوله: {وما تزداد} فسر بمعنى النقصان"اهـ
والقول الأقرب أن المراد بقوله: (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) الدم الذي يجتمع في الرحم, فقد يخرج منه شيء فينقص أو يستمسك فيكثر.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) على خمسة أقوال:
القول الأول: أن المراد الحمل ذاته.
من حيث عدد الولد فقد يكون واحداً أو أكثر, أو خلقته فقد يكون فيه نقص في الخلقة, أو زيادة فيها, أو يكون مخدجاً أو تاماً. (ذكر هذا القول أو بعضه الماتريدي*, والرازي*, والشنقيطي*, وابن عاشور*)
أو يكون المراد بغيض الرحم السقط، والزيادة أن تضعه تاماً في خلقه. (ذكره البغوي*, الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*)
أو يكون المراد السقط، والزيادة البقاء بعد تسعة أشهر (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, وابن كثير*, والشنقيطي*).
وقيل: (وما تغيض الأرحام) أي: ما لا تحمل شيئاً, وهي التي تكون عقيماً لا تلد، (وما تزداد) أي: ما تحمل (انفرد به الماتريدي*)
القول الثاني: أن المراد مدة الحمل.
فقد تكون أقل من تسعة أشهر وقد تكون أكثر من التسعة. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*)
القول الثالث: أن المراد الدم الذي يجتمع في الرحم.
فقد يخرج منه شيء فينقص أو يستمسك فيكثر.
قال ابن عطية: "جمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل" (أي: خروج شيء من الدم وقت الحمل).
(وبعض المفسرين حين ذكر هذا القول جعل المراد نقص الدم وزيادته) (كالزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*), وهو الأقرب كما سيأتي.
(وبعضهم جعل المراد نقص اكتمال الولد بخروج الدم, والزيادة اكتماله باستمساك الدم) (ذكره البغوي*, وابن كثير*, وابن جرير* كما في بعض الروايات التي ذكرها)
(وبعضهم جعل المراد بالنقصان نقصان الحمل بسبب خروج الدم والزيادة زيادة الأشهر بسبب نقصان الدم) (كما عند ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, وابن كثير*)
وقال ابن عاشور: "والظاهر أنه كناية عن العلوق, لأن غيض الرحم انحباس دم الحيض عنها، وازديادها فيضان الحيض منها".
وهذا القول الثالث وهو أن المراد بما تغيض الأرحام وما تزداد غيضان الدم ونقصانه وزيادته في الرحم هو القول الراجح.
فإن الله تبارك وتعالى ذكر علمه الشامل بما في الأرحام ثم ذكر علمه التفصيلي بأخفى شيء وأدقه وهو مقدار ما يغيض من الدم وما يزداد, ويشبه هذا قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) فذكر علمه الشامل ثم ذكر أصغر شيء وأخفاه.
والأقرب والله أعلم أن الغيضوضة خروج شيء من الدم وكذلك قد يغيض شيء من الدم من داخل الرحم بمقدار لا يعلمه إلا الله.
وأما القول بأن المراد عدد الحمل أو مدته أو صفته أو نقصه واكتماله كما في الأقوال السابقة فبعيد لأن هذا يشمله قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى)
القول الرابع: أنه يشمل ذلك كله.
فيشمل عدد الولد، وجسد الولد، فإنه يكون تاماً ومخدجاً, ومدة ولادته, والدم، فإنه يقل ويكثر. (ذكره الزمخشري*) (ورجحه الشنقيطي*)
القول الخامس: غيض الأرحام استمساك دم الحيض حال الحمل وعدم نزوله, وزيادته اجتماع الدم في الرحم وزيادته. (انفرد به ابن عطية*)
فقال: "ذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: {وما تزداد} بعد ذلك جارياً مجرى {تغيض} على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه"اهـ
وقيل: الغيض انقطاع دم الحيض, والزيادة بدم النفاس بعد الوضع. (ذكره القرطبي*, والشنقيطي*)
والراجح والله أعلم أن المراد نقصان الدم وزيادته كما سبق.
قال صاحب الظلال: "إن المؤمن بالله ليعلم أن علم الله يشمل كل شيء. ولكن وقع هذه القضية الكلية في الحس لا يقاس إلى وقع مفرداتها كما يعرض السياق بعضها في هذا التصوير العجيب.
«اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ»؟
حين يذهب الخيال يتتبع كل أنثى في هذا الكون .. المترامي الأطراف .. كل أنثى .. كل أنثى في الوبر والمدر، في البدو والحضر، في البيوت والكهوف والمسارب والغابات. ويتصور علم الله مطلاً على كل حمل في أرحام هذه الإناث، وعلى كل قطرة من دم تغيض أو تزداد في تلك الأرحام".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)
معنى (تغيض) تنقص.
قال ابن عطية: "وذلك أنه من معنى قوله: {وغيض الماء} وهو بمعنى النضوب, فهي هاهنا بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه، فلما قابله قوله: {وما تزداد} فسر بمعنى النقصان"اهـ
والقول الأقرب أن المراد بقوله: (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) الدم الذي يجتمع في الرحم, فقد يخرج منه شيء فينقص أو يستمسك فيكثر.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) على خمسة أقوال:
القول الأول: أن المراد الحمل ذاته.
من حيث عدد الولد فقد يكون واحداً أو أكثر, أو خلقته فقد يكون فيه نقص في الخلقة, أو زيادة فيها, أو يكون مخدجاً أو تاماً. (ذكر هذا القول أو بعضه الماتريدي*, والرازي*, والشنقيطي*, وابن عاشور*)
أو يكون المراد بغيض الرحم السقط، والزيادة أن تضعه تاماً في خلقه. (ذكره البغوي*, الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*)
أو يكون المراد السقط، والزيادة البقاء بعد تسعة أشهر (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, وابن كثير*, والشنقيطي*).
وقيل: (وما تغيض الأرحام) أي: ما لا تحمل شيئاً, وهي التي تكون عقيماً لا تلد، (وما تزداد) أي: ما تحمل (انفرد به الماتريدي*)
القول الثاني: أن المراد مدة الحمل.
فقد تكون أقل من تسعة أشهر وقد تكون أكثر من التسعة. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*)
القول الثالث: أن المراد الدم الذي يجتمع في الرحم.
فقد يخرج منه شيء فينقص أو يستمسك فيكثر.
قال ابن عطية: "جمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل" (أي: خروج شيء من الدم وقت الحمل).
(وبعض المفسرين حين ذكر هذا القول جعل المراد نقص الدم وزيادته) (كالزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*), وهو الأقرب كما سيأتي.
(وبعضهم جعل المراد نقص اكتمال الولد بخروج الدم, والزيادة اكتماله باستمساك الدم) (ذكره البغوي*, وابن كثير*, وابن جرير* كما في بعض الروايات التي ذكرها)
(وبعضهم جعل المراد بالنقصان نقصان الحمل بسبب خروج الدم والزيادة زيادة الأشهر بسبب نقصان الدم) (كما عند ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, وابن كثير*)
وقال ابن عاشور: "والظاهر أنه كناية عن العلوق, لأن غيض الرحم انحباس دم الحيض عنها، وازديادها فيضان الحيض منها".
وهذا القول الثالث وهو أن المراد بما تغيض الأرحام وما تزداد غيضان الدم ونقصانه وزيادته في الرحم هو القول الراجح.
فإن الله تبارك وتعالى ذكر علمه الشامل بما في الأرحام ثم ذكر علمه التفصيلي بأخفى شيء وأدقه وهو مقدار ما يغيض من الدم وما يزداد, ويشبه هذا قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) فذكر علمه الشامل ثم ذكر أصغر شيء وأخفاه.
والأقرب والله أعلم أن الغيضوضة خروج شيء من الدم وكذلك قد يغيض شيء من الدم من داخل الرحم بمقدار لا يعلمه إلا الله.
وأما القول بأن المراد عدد الحمل أو مدته أو صفته أو نقصه واكتماله كما في الأقوال السابقة فبعيد لأن هذا يشمله قوله: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى)
القول الرابع: أنه يشمل ذلك كله.
فيشمل عدد الولد، وجسد الولد، فإنه يكون تاماً ومخدجاً, ومدة ولادته, والدم، فإنه يقل ويكثر. (ذكره الزمخشري*) (ورجحه الشنقيطي*)
القول الخامس: غيض الأرحام استمساك دم الحيض حال الحمل وعدم نزوله, وزيادته اجتماع الدم في الرحم وزيادته. (انفرد به ابن عطية*)
فقال: "ذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: {وما تزداد} بعد ذلك جارياً مجرى {تغيض} على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه"اهـ
وقيل: الغيض انقطاع دم الحيض, والزيادة بدم النفاس بعد الوضع. (ذكره القرطبي*, والشنقيطي*)
والراجح والله أعلم أن المراد نقصان الدم وزيادته كما سبق.
قال صاحب الظلال: "إن المؤمن بالله ليعلم أن علم الله يشمل كل شيء. ولكن وقع هذه القضية الكلية في الحس لا يقاس إلى وقع مفرداتها كما يعرض السياق بعضها في هذا التصوير العجيب.
«اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ»؟
حين يذهب الخيال يتتبع كل أنثى في هذا الكون .. المترامي الأطراف .. كل أنثى .. كل أنثى في الوبر والمدر، في البدو والحضر، في البيوت والكهوف والمسارب والغابات. ويتصور علم الله مطلاً على كل حمل في أرحام هذه الإناث، وعلى كل قطرة من دم تغيض أو تزداد في تلك الأرحام".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/