النوال... (46) (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (46)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأعرف": (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ)
القول الأقرب أن المراد بأصحاب الأعراف الرسل الكرام.

الأعراف: جمع عرف، وهو كل مشرف ومرتفع, وإنما قيل لعرف الديك "عرف" لارتفاعه على ما سواه من جسده.
وسيأتي بيان المراد بقوله: (وبينهما حجاب) وتوضيح كل الآيات المتعلقة بموضوع الأعراف بعد ذكر الخلاف في أهل الأعراف.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بأصحاب الأعراف على ستة أقوال:


القول الأول: أنهم الرسل الكرام. (رجحه الماتريدي*) (وذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)

وهذا هو القول الأقرب, وسأذكر القرائن التي ترجحه بعد ذكر بقية الأقوال.

قال الماتريدي: "والأشبه أن الأنبياء يكونون على الأعراف يشهدون على الأمم, كقوله: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)".

وقال الرازي: "أجلسهم الله تعالى على أعالي ذلك السور تمييزاً لهم عن سائر أهل القيامة, وإظهاراً لشرفهم وعلو مرتبتهم, وأجلسهم على ذلك المكان العالي ليكونوا مشرفين على أهل الجنة وأهل النار مطلعين على أحوالهم".

القول الثاني: أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ثم يدخلون الجنة برحمة الله (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (ورجحه ابن كثير*)

(واقتصر عليه الزمخشري*) وعبارته: "رجال من المسلمين من آخرهم دخولاً في الجنة لقصور أعمالهم، كأنهم المرجون لأمر الله". (واقتصر عليه أيضاً صاحب الظلال*)

القول الثالث: أنهم أقوام خرجوا للجهاد بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (وضعفه الرازي*)
قال الرازي: "لا معنى لتخصيص هذه الصورة وقصر لفظ الآية عليها".

القوم الرابع: أنهم قوم صالحون فقهاء علماء. (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*)
(وذكره ابن كثير*, وقال: فيه غرابة)
(وذكره البغوي*) بقوله: "وقال الحسن: هم أهل الفضل من المؤمنين".

(وذكره الماتريدي*) بقوله: "قيل: هم أهل كرامة الله أكرمهم بذلك، يرفعهم على ذلك السور لينظروا إلى حكم الله في الخلق وعدله فيهم، وينظرون إلى إحسان الله فيمن يحسن إليه، وعدله فيمن يعاقبهم".

القول الخامس: أنهم الشهداء العدول الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة. (ذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

القول السادس: أنهم ملائكة (ضعفه ابن جرير*, والماتريدي*, وابن كثير*) (وذكره ابن عطية*, والقرطبي*, والرازي*, وابن عاشور*)
قال الماتريدي: "ملائكة الله ما يسمون رجالاً، ولم نسمع بذلك".
وقال ابن كثير: "هذا قول غريب وخلاف الظاهر من السياق".

وفي الآية أقوال أخرى:
فقيل: هم أقوام رضي عنهم أحد الأبوين دون الآخر. (ذكره البغوي*)
وقيل: هم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم. (ذكره البغوي*)
وقيل: هم أطفال المشركين. (ذكره البغوي*)
وقيل: هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر. (ذكره القرطبي*)
وقيل: هم أولاد الزنى (ذكره القرطبي*)
وقيل: هم مساكين أهل الجنة. (ذكره الرازي*)
وقيل: هم الفساق من أهل الصلاة يعفو الله عنهم ويسكنهم في الأعراف (ذكره الرازي*)

والقول الأقرب كما سبق هو القول الأول.
ومن القرائن على ذلك:
أولاً: أن الأعراف هي الأمكنة العالية المشرفة المطلة, وهذا وصف عال شريف, والوصف بذلك له دلالة, وهي أن الر جال الذين يميزون عن غيرهم فيه لا بد أن يكونوا أهل شرف ورفعة ومنزلة عالية لا من كانت منزلتهم قاصرة كالذين تساوت حسانتهم وسيئاتهم مثلاً.
فهم الأنبياء إذاً ميزهم من جميع أهل القيامة بأن أجلسهم على الأماكن العالية المشرفة على أهل الجنة وأهل النار وذلك تشريف عظيم.

ثانياً: قوله: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ) الوصف بـ(رجال) تأتي في القرآن صفة مدح وثناء وتبجيل.
كما قال تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)
وقال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وقال تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).

ثالثاً: قوله: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) وهذا أيضاً إنما هو مناسب للأنبياء والرسل الكرام وليسوا أهل التقصير والمنازل النازلة.

رابعاً: قوله: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ) فالتخصيص بالرجال دليل على أنهم الأنبياء والرسل.
كما قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا)
أما من تساوت حسناتهم وسيئاتهم إن وجد فليس ذلك محصوراً بالرجال, فقد يوجد من النساء كالرجال سواء بسواء.

خامساً: قوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ)
هذا النداء والتبكيت لأهل الاستكبار ومعرفة الرجال المستكبرين بسيماهم ولومهم لا يكون إلا من أصحاب المنازل الشريفة الرفيعة وهم الرسل الكرام ولا يكون من أصحاب المنازل الوضيعة فما لهم ولهذه المقامات في يوم (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)
وكيف يلومون المقصرين وهم محجوبون عن الجنة لتقصيرهم!

سادساً: قد تواتر وعلم علماً يقيناً أن الموازين إما أن تثقل وإما أن تخف.
قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)
ولم يثبت أن هناك حالة وسط تستوي فيها الحسنات والسيئات.

بل إنه ورد أن (لا إله إلا الله) لا يثقل معها شيء.
فقد ثبت من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً, كل سجل مثل مد البصر, ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب, فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب, فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم, فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, فيقول: احضر وزنك, فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم, قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة, فطاشت السجلات وثقلت البطاقة, فلا يثقل مع اسم الله شيء).
وسنده صحيح.

سابعاً: ما كتب الله على نفسه أن رحمته تسبق غضبه وما وصف به نفسه من سعة عفوه ومغفرته وجوده وكرمه.
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)
فكيف يوقف أهل الأعراف من أجل حسنة واحدة.

ثامناً: ما ثبت أن الله يخرج أقواماً من النار لم يعملوا خيراً قط فيدخلهم الجنة لسعة كرم الله وجوده, فكيف يتصور مع سعة رحمة الله وكرمه أن يوقف الله عبداً أعوزته حسنة واحدة.

وأما الآيات فهي تتحدث عن مشهدين منفصلين:
الأول: بعد دخولهم في الجنة والنار.
يبدأ هذا المشهد من قوله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43).

ثم يعود السياق بذكر المشهد قبل الدخول والذي فيه المناداة بين أهل الجنة وأهل النار وذكر الأعراف وطمع أهل الجنة بدخولها وتسليم الأنبياء عليهم وتبشيرهم وتبكيتهم لأهل النار.

يبدأ هذا المشهد من قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

ومعنى الآيات باختصار:
أن أصحاب الجنة قبل دخولها ينادون أصحاب النار هل وجدتم ما وعدكم الله من البعث والحساب والجنة والنار حقاً قالوا: نعم.
فيؤذن مؤذن بينهم بلعنة الله للظالمين الذين كانوا يكفرون بالآخرة والبعث والجزاء.
وعلى الأعراف رجال وهم الرسل الكرام مميزون بهذا المكان الشريف يعرفون الجميع بسيماهم ينادون أهل الجنة يثبتونهم ويؤمنونهم ويبشرونهم ويسلمون عليهم قبل دخول الجنة, فأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون في دخولها للمبشرات التي يرونها.
فالذين (لم يدخلوها وهم يطمعون) هم أهل الجنة كلهم.
ثم ينادي أهل الأعراف ـ وهم الرسل ـ رجالاً يعرفونهم بسيماهم من أهل الكفر ويبكتونهم, ويقولون لهم: هؤلاء الذين كنتم تستهزئون بهم وأنهم كانوا على الضلال وأنهم لا ينالهم الله برحمة وكنتم تؤكدون ذلك وتقسمون عليه انظروا إنهم يتأهبون الآن لدخول الجنة.
ثم يأتي النداء حقيقة وفعلاً فيقال لهم: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)

وما ذكر في هذا المشهد يشبه ما ذكر في قوله في سورة "هود": (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)
تأمل التشابه بين هذه الآية وبين قوله هنا في "الأعراف": (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ)

والآن أذكر أقوال المفسرين في بعض الآيات:
قوله: (وبينهما حجاب) اختلف في ذلك على قولين:
الأول: أن المراد بين الجنة والنار. (اقتصر عليه ابن جرير*, والقرطبي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*) (ورجحه ابن عاشور*)
قال ابن عاشور: "ولو أريد من الضمير فريقا أهل الجنة وأهل النار لقال: بينهم"اهـ
قلت: هذا غير مسلم, فإن المراد (بينهما) أي: بين الفريقين والجماعتين, لأن السياق في ذكر الفَرْق بين الفريقين.

القول الثاني: أن المراد بين الفريقين أهل الجنة أهل النار.
(ذكر القولين البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*)
وهذا هو الأقرب.

وقوله: (حجاب) اختلف فيه على قولين:
الأول: أن المراد به السور المذكور في قوله تعالى: (فضرب بينهم بسور له باب). (اقتصر عليه الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عاشور*)

القول الثاني: أن المراد تلول ومرتفعات.
وهذ هو الراجح.
(ذكر القولين ابن جرير*, وابن عطية*, وابن كثير*) (وذكرهما القرطبي*, لكنه ذكر القول الثاني بقوله: "وقيل: هو جبل أحد يوضع هناك").

وقوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) اختلف فيه على قولين:
الأول: أنه أهل الأعرف لم ييأسوا, بل هم يطمعون في دخول الجنة (اقتصر عليه البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, وابن كثير*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*) (ورجحه ابن عطية*)

القول الثاني: أنهم أهل الجنة يطمعون في دخولها قبل أن يدخلوها.
وهذا هو القول الراجح.
فأصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: "سلام عليكم"، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعد.
(ذكر القولين دون ترجيح ابن جرير*, والماتريدي*, والقرطبي*)

وقوله: (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) اختلف فيه على قولين:

الأول: أن الضمير في قوله: (أبصارهم) عائد على أصحاب الأعراف (اقتصر عليه ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)
وهذا هو الأقرب, لأن السياق في أهل الأعراف.

القول الثاني: أن الضمير لأهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد (ذكر القولين الماتريدي*, وابن عطية*)

وقوله: (أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) اختلف فيه على قولين:

الأول: أن الإشارة بـ (أهؤلاء) إلى أهل الأعراف. (اقتصر عليه البغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*)

قال القرطبي: "فإن أهل النار يحلفون أن أصحاب الأعراف يدخلون معهم النار فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)".

القول الثاني: أن الإشارة بـ(أهؤلاء) إشارة إلى أهل الجنة.
وهذا هو الراجح.
(وذكر القولين ابن جرير*, والماتريدي*, وابن عطية*)
فيخاطب أهل النار ويقال لهم: أهؤلاء أهل الإيمان الذين كنتم تعيرونهم في الدنيا وتقسمون أن الله لا يرحمهم ولا يعبأ بهم انظروا كيف يقال لهم: (ادخلوا الجنة)

وقال ابن عاشور: "والإشارة بـ (أهؤلاء) إلى قوم من أهل الجنة كانوا مستضعفين في الدنيا ومحقرين عند المشركين بقرينة قوله: (الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة), وقوله: (ادخلوا الجنة) قال المفسرون: هؤلاء مثل سلمان، وبلال، وخباب، وصهيب من ضعفاء المؤمنين".

قلت: الأقرب كما سبق أن الإشارة إلى أهل الجنة كلهم.
والقرينة التي ذكرها ابن عاشور وهي قوله: (الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) لا يلزم ولا يظهر منها ما ذكر من أن المراد ناس معينين من الضعفاء.
ونسبة ذلك للمفسرين لا أظنه واقعاً.
فما رأيت ذكر نحو القول إلا البغوي والله أعلم.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى