صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (44)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)
قوله: (وامرأته) رفعت عطفاً على الضمير في سيصلى أي: سيصلى هو وامرأته.
ويحتمل أنها رفعت على الابتداء.
والأقرب في المراد بالآية والله أعلم مع ما سيترجح في قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد) أنها عُيِّرت بأنها كانت تحطب, وتحمل على ظهرها, وفي عنقها حبل خشن مفتول.
تحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن, لتمتعض هي وزوجها من ذلك، وهما في بيت العز والشرف والثروة والغنى.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها كانت تأتي بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم.
قال ابن عاشور: "كانت تحمل حطب العضاة والشوك فتضعه في الليل في طريق النبي, فلما حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها وهو حمل الحطب في الدنيا"
القول الثاني: أنها كانت تمشي بالنميمة, وتنقل كلام الناس بعضهم إلى بعض فتلقي العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب.
قال الزمخشري: "يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي: يوقد بينهم النائرة ويورث الشر. قال:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب"
(كلهم ذكر القولين سوى ابن عاشور* وصاحب الظلال* فقد اقتصرا على الأول) (ورجح الأول ابن جرير*) (وابن عطية* فيه بياض في المطبوع, فيبدو أنه ذكر القولين)
القول الثالث: أنها كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحطب فعيرت بذلك وعيرت بأنها كانت تحطب. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*).
ولعل هذا هو الأقرب, مع ما سيترجح في قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد), والله أعلم.
فالمراد أنها عُيِّرت بأنها كانت تحطب, وتحمل على ظهرها, وفي عنقها حبل خشن مفتول.
تحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن, لتمتعض هي وزوجها من ذلك، وهما في بيت العز والشرف والثروة والغنى.
وفي الآية ثلاثة أقوال أخرى:
فقيل: إن المراد أنها حمالة الخطايا والآثام (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
قال ابن عطية: "قيل إنه استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها"
وقيل: هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان (ذكره ابن عطية*, وصاحب الظلال*)
قال صاحب الظلال: "كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة".
وقيل: المراد أنها تحمل الحطب في النار على زوجها. (ذكره القرطبي* وضعفه) (وذكره ابن كثير*, وقال: هو الصحيح) (وأشار إليه صاحب الظلال*)
قال ابن كثير: "كانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده, فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم. ولهذا قال: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك مستعدة له".
(وذكره ابن عاشور*) فحين ذكر القول الأول جمع معه هذا القول فقال: "فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها".
وقال: "(حمالة الحطب) يحتمل أنها صفتها في جهنم, ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاه لتضعه في طريق النبي".
فائدة ثمينة:
(ذكرها الماتريدي تتعلق بالآية السابقة لهذه الآية وهي قوله تعالى: (سيصلى ناراً ذات لهب)
قال رحمه الله: "وفيه دلالة إثبات رسالته، حيث أخبر أنه سيصلى ناراً، ولا يصلي النار إلا بعد ما يختم بالكفر، ثم كان كما أخبر, دل أنه علم ذلك بالله تعالى.
قال: وفي هذه السورة دلالتان أخريان يدلان على نبوته:
إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين، وكانت المنعة والقوة للكفرة، وكانوا جميعاً أولياء أبي لهب وأنصاراً له عن آخرهم، ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه, إذ فيه خوف هلاكه إلا برب العالمين.
ومعنى آخر: أنه عليه السلام كان موصوفاً بحسن العشرة وإجمال الصحبة مع الأجانب, فما ظنك بالعشيرة والأقارب مع ما أنه كان متنزهاً عن الفحش في جميع أوقاته, فما جاز له هذا إلا بالأمر من الله تعالى, فدل ذلك على نبوته ورسالته".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)
قوله: (وامرأته) رفعت عطفاً على الضمير في سيصلى أي: سيصلى هو وامرأته.
ويحتمل أنها رفعت على الابتداء.
والأقرب في المراد بالآية والله أعلم مع ما سيترجح في قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد) أنها عُيِّرت بأنها كانت تحطب, وتحمل على ظهرها, وفي عنقها حبل خشن مفتول.
تحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن, لتمتعض هي وزوجها من ذلك، وهما في بيت العز والشرف والثروة والغنى.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها كانت تأتي بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم.
قال ابن عاشور: "كانت تحمل حطب العضاة والشوك فتضعه في الليل في طريق النبي, فلما حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها وهو حمل الحطب في الدنيا"
القول الثاني: أنها كانت تمشي بالنميمة, وتنقل كلام الناس بعضهم إلى بعض فتلقي العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب.
قال الزمخشري: "يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي: يوقد بينهم النائرة ويورث الشر. قال:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب"
(كلهم ذكر القولين سوى ابن عاشور* وصاحب الظلال* فقد اقتصرا على الأول) (ورجح الأول ابن جرير*) (وابن عطية* فيه بياض في المطبوع, فيبدو أنه ذكر القولين)
القول الثالث: أنها كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحطب فعيرت بذلك وعيرت بأنها كانت تحطب. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*).
ولعل هذا هو الأقرب, مع ما سيترجح في قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد), والله أعلم.
فالمراد أنها عُيِّرت بأنها كانت تحطب, وتحمل على ظهرها, وفي عنقها حبل خشن مفتول.
تحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن, لتمتعض هي وزوجها من ذلك، وهما في بيت العز والشرف والثروة والغنى.
وفي الآية ثلاثة أقوال أخرى:
فقيل: إن المراد أنها حمالة الخطايا والآثام (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
قال ابن عطية: "قيل إنه استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها"
وقيل: هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان (ذكره ابن عطية*, وصاحب الظلال*)
قال صاحب الظلال: "كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة".
وقيل: المراد أنها تحمل الحطب في النار على زوجها. (ذكره القرطبي* وضعفه) (وذكره ابن كثير*, وقال: هو الصحيح) (وأشار إليه صاحب الظلال*)
قال ابن كثير: "كانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده, فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم. ولهذا قال: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك مستعدة له".
(وذكره ابن عاشور*) فحين ذكر القول الأول جمع معه هذا القول فقال: "فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها".
وقال: "(حمالة الحطب) يحتمل أنها صفتها في جهنم, ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاه لتضعه في طريق النبي".
فائدة ثمينة:
(ذكرها الماتريدي تتعلق بالآية السابقة لهذه الآية وهي قوله تعالى: (سيصلى ناراً ذات لهب)
قال رحمه الله: "وفيه دلالة إثبات رسالته، حيث أخبر أنه سيصلى ناراً، ولا يصلي النار إلا بعد ما يختم بالكفر، ثم كان كما أخبر, دل أنه علم ذلك بالله تعالى.
قال: وفي هذه السورة دلالتان أخريان يدلان على نبوته:
إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين، وكانت المنعة والقوة للكفرة، وكانوا جميعاً أولياء أبي لهب وأنصاراً له عن آخرهم، ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه, إذ فيه خوف هلاكه إلا برب العالمين.
ومعنى آخر: أنه عليه السلام كان موصوفاً بحسن العشرة وإجمال الصحبة مع الأجانب, فما ظنك بالعشيرة والأقارب مع ما أنه كان متنزهاً عن الفحش في جميع أوقاته, فما جاز له هذا إلا بالأمر من الله تعالى, فدل ذلك على نبوته ورسالته".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/