صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (38)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "فاطر": (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
اختلف المفسرون في (الظالم لنفسه) هل هو داخل في قوله تعالى: (اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا), وهل هو داخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
قال القرطبي: "هذه الآية مشكلة، لأنه قال جل وعز: (اصطفينا من عبادنا) ثم قال: (فمنهم ظالم لنفسه) وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم...
وقيل: الضمير في" يَدْخُلُونَها" يعود على الثلاثة الأصناف، على ألا يكون الظالم ها هنا كافراً ولا فاسقاً. وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء وابن مسعود وعقبة بن عمرو وعائشة "اهـ
إذا الخلاف في هذه الآية مشهور.
والقول الصحيح أن الظالم لنفسه داخل في قوله تعالى: (الذين اصطفينا من عبادنا).
وداخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في ذلك على قولين:
القول الأول: أن الظالم لنفسه داخل في قوله تعالى: (الذين اصطفينا من عبادنا).
وداخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
(رجح هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه الزمخشري*, والرازي*, وصاحب الظلال*).
(ورجحه كذلك الشنقيطي* عند تفسير قوله تعالى في سورة "النور": (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) .
(وذكر ابن عطية القولين* دون ترجيح)
قال الزمخشري: "فإن قلت: لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟
قلت: للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل".
القول الثاني: أنه غير داخل في هذا ولا هذا, وفسروا الظالم لنفسه بالكافر.
ويكون الضمير الذي في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم.
والصحيح هو القول الأول, وهو قول جمهور المفسرين.
لأن هذا هو ظاهر الآية, فالذين أورثوا الكتاب وهو القرآن هم الذين اصطفاهم الله, ثم ذكر أن هؤلاء الذين اصطفاهم الله ثلاثة أصناف, فقال: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ).
ثم قال بعدها متصلاً بها: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور)".
قال البغوي: "المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون، وعليه عامة أهل العلم"اهـ
قال ابن كثير: "وهكذا روي عن غير واحد من السلف: أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين، على ما فيه من عوج وتقصير.
وقال آخرون: بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة، ولا من المصطفين الوارثين الكتاب...
والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله r من طرق يشد بعضها بعضاً".
قال الرازي: "فإن قال قائل: كيف قال في حق من ذكر في حقه أنه من عباده وأنه مصطفى إنه ظالم مع أن الظالم يطلق على الكافر في كثير من المواضع؟
فنقول: المؤمن عند المعصية يضع نفسه في غير موضعها فهو ظالم لنفسه حال المعصية وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»
ويصحح هذا قول عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ظالمنا مغفور له»
وقال آدم عليه السلام مع كونه مصطفى: (ربنا ظلمنا أنفسنا)"اهـ
قال ابن عاشور: ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بشروا به جيء بالتفريع في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفين لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإيمان والإسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام.
وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلاً لمسرته.
قال صاحب الظلال: "(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)
هي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله كما توحي إليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وعن تلك الوراثة... وفضل الله شمل الثلاثة جميعاً. فكلهم انتهى إلى الجنة وإلى النعيم الموصوف في الآيات التالية. على تفاوت في الدرجات".
قال الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى في سورة "النور": (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله): "من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها)
فقد وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد, والواو في (يدخلونها) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن".
ولذا قال بعدها متصلاً بها: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "فاطر": (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
اختلف المفسرون في (الظالم لنفسه) هل هو داخل في قوله تعالى: (اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا), وهل هو داخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
قال القرطبي: "هذه الآية مشكلة، لأنه قال جل وعز: (اصطفينا من عبادنا) ثم قال: (فمنهم ظالم لنفسه) وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم...
وقيل: الضمير في" يَدْخُلُونَها" يعود على الثلاثة الأصناف، على ألا يكون الظالم ها هنا كافراً ولا فاسقاً. وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء وابن مسعود وعقبة بن عمرو وعائشة "اهـ
إذا الخلاف في هذه الآية مشهور.
والقول الصحيح أن الظالم لنفسه داخل في قوله تعالى: (الذين اصطفينا من عبادنا).
وداخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في ذلك على قولين:
القول الأول: أن الظالم لنفسه داخل في قوله تعالى: (الذين اصطفينا من عبادنا).
وداخل في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
(رجح هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه الزمخشري*, والرازي*, وصاحب الظلال*).
(ورجحه كذلك الشنقيطي* عند تفسير قوله تعالى في سورة "النور": (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) .
(وذكر ابن عطية القولين* دون ترجيح)
قال الزمخشري: "فإن قلت: لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟
قلت: للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل".
القول الثاني: أنه غير داخل في هذا ولا هذا, وفسروا الظالم لنفسه بالكافر.
ويكون الضمير الذي في قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم.
والصحيح هو القول الأول, وهو قول جمهور المفسرين.
لأن هذا هو ظاهر الآية, فالذين أورثوا الكتاب وهو القرآن هم الذين اصطفاهم الله, ثم ذكر أن هؤلاء الذين اصطفاهم الله ثلاثة أصناف, فقال: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ).
ثم قال بعدها متصلاً بها: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور)".
قال البغوي: "المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون، وعليه عامة أهل العلم"اهـ
قال ابن كثير: "وهكذا روي عن غير واحد من السلف: أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين، على ما فيه من عوج وتقصير.
وقال آخرون: بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة، ولا من المصطفين الوارثين الكتاب...
والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله r من طرق يشد بعضها بعضاً".
قال الرازي: "فإن قال قائل: كيف قال في حق من ذكر في حقه أنه من عباده وأنه مصطفى إنه ظالم مع أن الظالم يطلق على الكافر في كثير من المواضع؟
فنقول: المؤمن عند المعصية يضع نفسه في غير موضعها فهو ظالم لنفسه حال المعصية وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»
ويصحح هذا قول عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ظالمنا مغفور له»
وقال آدم عليه السلام مع كونه مصطفى: (ربنا ظلمنا أنفسنا)"اهـ
قال ابن عاشور: ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بشروا به جيء بالتفريع في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفين لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإيمان والإسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام.
وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلاً لمسرته.
قال صاحب الظلال: "(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)
هي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله كما توحي إليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وعن تلك الوراثة... وفضل الله شمل الثلاثة جميعاً. فكلهم انتهى إلى الجنة وإلى النعيم الموصوف في الآيات التالية. على تفاوت في الدرجات".
قال الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى في سورة "النور": (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله): "من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها)
فقد وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد, والواو في (يدخلونها) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن".
ولذا قال بعدها متصلاً بها: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/